تفسير سورة إبراهيم

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة إبراهيم
مكية وآياتها إثنان وخمسون

﴿ آلر ﴾ هذا كتاب أي هذه السورة أو القرآن كتاب ﴿ أنزلناه إليك ﴾ صفة لكتاب ﴿ لتخرج الناس ﴾ متعلق بأنزلناه يعني أنزلناه لتخرجهم بدعائك إياهم إلى ما تضمنه وتعليمك إياهم ما لهم وما عليهم ﴿ من الظلمات إلى النور ﴾ أي من أنواع الضلال إلى الهدى ﴿ بإذن ربهم ﴾ أي بتوفيقه وتسهيله، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب، هو صلة لتخرج أو حال من فاعله أو مفعوله
﴿ إلى صراط ﴾ بدل من قوله إلى النور بتكرير العامل، أو استئناف على أنه جواب لمن يسئل عنه ﴿ العزيز ﴾ الغالب ﴿ الحميد ﴾ المحمود الذي لا يستحق الحمد إلا هو، وإضافة الصراط إلى الله أما لأنه مقصده أو لأنه مظهر له، وتخصيص الوصفين للتنبيه على أنه لا يزل سالكه ولا يخيب سائله.
﴿ الله ﴾ قرأ أكثر القراء بالجر على أنه عطف بيان للعزيز وقال أبو عمر فيه تقديم وتأخير مجازه إلى صراط الله العزيز الحميد، وقرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر بالرفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده، أو خبر مبتدأ محذوف وما بعده صفته ﴿ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ﴾ ملكا وخلقا ﴿ وويل ﴾ أي حلول شر، وقال البيضاوي هو نقيض الوال وهو النجاة وأصله النصب لأنه مصدر كالهلاك إلا أنه لم يشتق منه لكنه رفع لإفادة الثبات فهو وعيد ﴿ للكافرين ﴾ بالكتاب الذين لم يخرجوا من الظلمات إلى النور ﴿ من عذاب شديد ﴾
﴿ الذين ﴾ صفة للكافرين أو منصوب على الذم أو مرفوع عليه، تقديره أعني الذين أو هم الذين أو مرفوع على أنه مبتدأ خبره ما بعد الصلة
﴿ يستحبون ﴾ أي يختارون، فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها من غيره ﴿ الحياة الدنيا ﴾ أي لذاتها ﴿ على الآخرة ويصدون ﴾ أي يمنعون الناس ﴿ عن ﴾ سلوك ﴿ سبيل الله ﴾ بإتباع رسوله ﴿ ويبغونها ﴾ أي يطلبون سبيل الله ﴿ عوجا ﴾ أي يطلبون لها إعوجاجا عن الحق ليقدحوا فيه، فحذف الجار وأوصل الفعل إليه، أو المعنى يطلبون سبيل الله مائلين عن الحق مع كون ذلك محالا، وقيل الضمير المنصوب في يبغونها راجعة إلى الدنيا يعني يطلبون الدنيا عن طريق الميل عن الحق أي بجهة الحرص الحرام ﴿ أولئك في ضلال بعيد ﴾ عن الحق والبعد في الحقيقة للضال فوصف به الضلال للمبالغة، أو للأمر الذي به الضلال فوصف به للملابسة.
﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان ﴾ أي بلغة ﴿ قومه ﴾ الذي هو منهم وبعث فيهم، أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال بلسان قومه أي بلغتهم إن كان عربيا فعربيا، وإن كان أعجميا فأعجميا، وإن كان سيريانيا فسريانيا، ﴿ ليبين لهم ﴾ ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة، ويتخذ الرسول بذلك حجة عليهم وقد كان الرسل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثين كل واحد منهم إلى قومه فبينوا لهم، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لكنه أمر أولا بدعوة قومه حيث قال الله تعالى :﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين٢١٤ ﴾١ قال الله تعالى :﴿ ولتنذر أم القرى ومن حولها ﴾٢ وقال :﴿ لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ﴾٣ فأرسل بلسان عربي مبين لأهل الحجاز والناس كافة تبع لهم حيث تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقلوه وترجموه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الناس تبع لقريش في الخير والشر )٤ رواه أحمد ومسلم في الصحيح عن جابر، يعني سائر الكفار تبع لكفار قريش في الكفر حيث كفروا أولا ثم كفر غيرهم فعليهم إثمهم أجمعين، والمؤمنون كلهم تبع لمؤمني قريش حيث آمنوا أولا فلهم أجر كلهم، عن جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء )٥ رواه مسلم، وروى ابن عساكر عن أبي سعيد بسند ضعيف ( الناس تبع لكم يا أهل المدينة في العلم ) والمراد بأهل المدينة المهاجرون والأنصار فإن غيرهم تبع لهم لكن الأنصار تبع للمهاجرين فلا منافاة بين الحديثين، وعن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الشيخ في أهله كالنبي في أمته ) رواه الجليلي في مشيخته وابن النجار، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( الشيخ في بيته كالنبي في قومه ) رواه ابن حبان في الضعفاء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( العلماء ورثة الأنبياء )٦ الحديث رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن كثير بن قيس وسماه الترمذي قيس بن كثير، وعن أبي سعد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الناس لكم تبع، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا آتوكم فاستوصوا بهم خيرا )٧ رواه الترمذي. وقيل : الضمير في قومه لمحمد صلى الله عليه وسلم يعني أنزل الكتب كلها بالعربية ثم ترجمها جبرئيل، أخرجه ابن مردويه من طريق الكلبي عن ابن عباس قال : كان جبرئيل يوحى إليه بالعربية وينزل هو إلى كل نبي بلسان قومه، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال : لم ينزل وحي إلا بالعربية ثم ترجمه كل نبي لقومه بلسانهم، وقال : لسان يوم القيامة سريانية ومن دخل الجنة تكلم بالعربية، قلت وإرجاع ضمير قومه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعيد ويأبى عنه قوله تعالى ﴿ ليبين لهم ﴾ ﴿ فيضل الله من يشاء ﴾ فيخذله عن الإيمان ﴿ ويهدي من يشاء ﴾ بالتوفيق وخلق إذعان الحق فيه ﴿ وهو العزيز ﴾ الذي لا يغلب على مشيئته أحد من يهد الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له ﴿ الحكيم ﴾ الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه.
﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ﴾ التسع ﴿ أن أخرج ﴾ أن مفسره لأن في الإرسال معنى القول، أو مصدرية بتقدير حرف الجر فإن صيغ الأفعال في الدلالة على المصدر سواء فيجوز إدخال أن المصدرية على كلها أي بأن أخرج ﴿ قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ﴾ قال ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة بنعم الله، وقال مقاتل بوقائع الله في الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود، يقال فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم، والتقدير فذكرهم بما كان في أيام الله الماضية من النعمة أو البلاء ﴿ إن في ذلك ﴾ الوقائع ﴿ لآيات ﴾ على وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ووحدته ﴿ لكل صبار ﴾ يصبر كثيرا على البلاء والطاعة عن المعصية ﴿ شكور ﴾ يشكر كثيرا على نعمائه والمراد به لكل مؤمن، جعل الله سبحانه الصبار والشكور عنوان المؤمنين تنبيها على أنه لا بد لكل مؤمن أن يتصف بهذين الوصفين، أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي ظبيان عن علقمة عن ابن مسعود قال : الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله، فذكر هذا الحديث لعلاء بن بدر فقال أو ليس في القرآن ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ إن في ذلك لآيات للمؤمنين ٨ وروى البيهقي عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم ( الإيمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر ) وروى أبو يعلى والطبراني في مكارم الأخلاق ( الإيمان صبر وسماحة ) وروى مسلم وأحمد عن صهيب مرفوعا :( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر وكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر وكان خيرا له ) ٩ وروى البيهقي عن سعد بن أبي وقاص بلفظ ( عجب للمسلم إذا أصابته مصيبة إحتسب وصبر وإذا أصابه خير حمد الله وشكر، إن المسلم يؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته ) وعن أبي الدرداء قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الله تبارك وتعالى قال يا عيسى إني باعث بعدك أمة إذا أصابهم ما يحبون حمدوا الله وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا عقل فقال يا رب وكيف هذا لهم ولا حلم ولا عقل قال أعطيهم من حلمي وعلمي ) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
﴿ وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون ﴾ الظرف أعني قوله ﴿ إذ أنجاكم ﴾ متعلق بنعمة الله أي بنعمة الله وقت إنجائه إياكم، أو بعليكم إن جعلت مستقرة صفة للنعمة غير صلة له وأريدت بالنعمة العطية دون الإنعام، ويجوز أن يكون بدل اشتمال من نعمة الله ﴿ يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نسائكم ﴾ أحوال من آل فرعون أو من ضمير المخاطبين أو منهما جميعا، والمراد بالعذاب ههنا غير التذبيح وما عطف عليه من استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشاقة، بدليل العطف عليه، بخلاف سورة البقرة والأعراف فإن هناك التذبيح مع ما عطف عليه تفسير للعذاب ﴿ وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ﴾
﴿ وإذ تأذن ربكم ﴾ هذا أيضا من كلام موسى عليه السلام ومعنى تأذن أعلم مثل أذن لكنه أبلغ لما في التفعل معنى التكلف والمبالغة ﴿ لئن شكرتم ﴾ يا بني إسرائيل نعمتي فآمنتم وأطعتم نبيكم ﴿ لأزيدنكم ﴾ في النعمة فإن الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة ) رواه ابن مردويه عن ابن عباس، وقيل : معناه لأن شكرتم بالطاعة لأزيدكم في الثواب ﴿ ولئن كفرتم ﴾ نعمتي ﴿ إن عذابي لشديد ﴾ تقديره أعذبكم عذابا شديدا بسلب النعمة في الدنيا والعذاب في الآخرة لأن عذابي لشديد، فحذف الجزاء وأقيم العلة مقامه تعريضا للوعيد فإن التصريح في الوعد والتعريض في الوعيد من عادات الأكرمين وتنبيها على أن المزيد لازم للشكر لا يتخلف عنه، والعذاب بعد الكفران في مشيئة الله تعالى إن شاء عذب وإن شاء عفا عنه، والجملة الشرطية مفعول قول مقدر أو مفعول تأذن على أنه مجرى قال لأنه نوع منه.
﴿ وقال موسى إن تكفروا أنتم ﴾ يا بني إسرائيل ﴿ ومن في الأرض جميعا ﴾ من الثقلين ولا تشكروا ﴿ فإن الله لغني ﴾ عن شكركم ﴿ حميد ﴾ مستحق للحمد في ذاته، محمود بحمد صدر من ذاته لذاته أزلا وأبدا، وبحمد صادر عن الملائكة ومن كل ذرة من ذرات المخلوقات، والتقدير ولأن كفرتم أضررتم أنفسكم بتعريضها للعذاب الشديد وتحريمها عن مزيد الإنعام دون الله تعالى فإنه غني حميد.
﴿ ألم يأتكم ﴾ استفهام تقرير من كلام موسى لبني إسرائيل، أو كلام مبتدأ من الله تعالى خطابا لأمه محمد صلى الله عليه وسلم﴿ نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾ مثل قوم إبراهيم نمرود وغيره وقوم لوط وأصحاب الرس وأصحاب مدين وأصحاب الأيكة وقوم تبع ﴿ لا يعلمهم ﴾ أي لا يعلم عددهم لكثرتهم ﴿ إلا الله ﴾ جملة معترضة، روى عن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية ثم قال : كذب النسابون، وعن ابن عباس قال بين إبراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا لا يعلمهم إلا الله، وكان مالك ابن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أبا أبا إلى آدم عليه السلام وكذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ جاءتهم رسلهم ﴾ من الله تعالى ﴿ بالبينات ﴾ أي المعجزات الواضحة الدلالة ﴿ فردوا أيديهم في أفواههم ﴾ أي أفواه أنفسهم، قال ابن مسعود عضوا على أيديهم غيظا كما قال الله تعالى :﴿ عظوا عليكم الأنامل من الغيظ ﴾١٠ وقال ابن عباس لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم يعني وضعوا عليها تعجبا واستهزاء عليه كمن غلبه الضحك، وقال الكلبي ردوا أيديهم في أفواههم أي وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة للرسل أن اسكتوا وأمروا لهم بإطباق الأفواه، أو المعنى ردوا أيديهم في أفواه الرسل فقال مقاتل ردوا أيديهم في أفواه الرسل يسكتونهم بذلك وقيل : الأيدي بمعنى الأيادي أي النعم يعني ردوا أيادي الأنبياء التي هي موعظتهم وما أوحي إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه، وهو معنى قول مجاهد وقتادة قالا : يعني كذبوا الرسل وردوا ما جاءوا به، يقال رددت قول فلان في فيه أي كذبته، وقيل معنى في أفواههم بأفواههم يعني ردوا أيادي الأنبياء ونعمهم من الحكم والمواعظ بأفواه أنفسهم أي بألسنتهم ﴿ وقالوا ﴾ أي الأمم للرسل ﴿ إنا كفرنا بما أرسلتم به ﴾ في زعمكم ﴿ وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه ﴾ من الإيمان بالله وتوحيده ﴿ مريب ﴾ أي موقع للريبة أو ذي ريبة.
﴿ قالت رسلهم أفي الله شك ﴾ الاستفهام للإنكار وشك مرفوع بالظرف وأدخلت الهمزة على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه دون الشك، يعني إنما ندعوكم إلى الله وحده وهو أمر لا يحتمل الشك لدلالة كل شيء من المحسوسات والمعقولات على وجوده ووحدته وأشار إلى ذلك بقولهم ﴿ فاطر السماوات والأرض ﴾ صفة أو بدل ﴿ يدعوكم ﴾ إلى نفسه والى الأيمان به ببعثه إيانا إليكم ﴿ ليغفر لكم ﴾ أو المعنى يدعوكم إلى المغفرة كقولك دعوته لينصرني ﴿ من ذنوبكم ﴾ قيل من زائدة لقوله صلى الله عليه وسلم :( الإسلام يهدم ما كان قبله )١١ رواه مسلم في حديث عمرو بن العاص، وقيل من للتبعيض فإن الإسلام يهدم من الذنوب ما كان بينه وبين الله دون المظالم، قال بعض العلماء جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين حيث وقع في القرآن تفرقة بين الخطابين، ولعل وجه ذلك أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار جاءت مرتبة على الإيمان، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين جاءت مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فيتناول الخروج عن المظالم ﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ أي إلى وقت سماه الله وجعله آخر أعماركم فلا يعاجلكم بالعذاب، وهذا يدل على أن الإصرار على الكفر في حق المعذبين من الأمم كان معلقا به لإهلاكهم، وكان في القضاء المعلق أنهم لو آمنوا لطال أعمارهم ﴿ قالوا ﴾ للرسل ﴿ إن أنتم إلا بشر مثلنا ﴾ في الماهية والصورة لا فضل لكم علينا فلم تخصون من دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسولا لبعث من جنس أفضل كقولهم ﴿ لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴾١٢ ﴿ تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آبائنا ﴾ بهذه الدعوة ﴿ فأتونا بسلطان مبين ﴾ أي حجة واضحة على فضلكم أو استحقاقكم هذه الكرامة أو على صحة دعواكم النبوة، ما قنعوا بالمعجزات البينات التي جاءت بهم رسلهم، واقترحوا عليهم بآيات أخر تعنتا وعنادا.
﴿ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ﴾ بالنبوة وغير ذلك، بينوا وجه اختصاصهم بالنبوة أنه فضل الله تعالى وإحسانه بعد تسليمهم مشاركتهم في الجنس ﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ﴾ أي لا يمكن لنا إتيان الآيات باختيارنا واستطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه، إنما هو أمر متعلق بمشية الله تعالى، فيعطي كل نبي نوعا من المعجزات ما فيه كفاية للاستدلال على صحة دعوى النبوة ﴿ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ كأنه إرشاد لمن آمنوا بهم واتبعوهم بالصبر والتوكل على الله في معاندة الكفار، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا كأنهم قالوا من حقنا التوكل على الله، وفيه إشعار بأن الإيمان بالله يقتضي التوكل عليه، لأن المرء إذ أعتقد أن الخالق للخير والشر والمعطي والمانع إنما هو الله الواحد القهار لا غير لزمه أن يفوض أمره إليه لا غير، ثم بينوا ما أشعروا به بقولهم :﴿ وما لنا ألا نتوكل على اللهوقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ﴾
﴿ وما لنا ﴾ أي المؤمنين ﴿ ألا نتوكل على الله ﴾ يعني أي عذر لنا في عدم التوكل ﴿ وقد هدانا ﴾ الله ﴿ سبلنا ﴾ التي بها نعرف ونعلم أن الأمور كلها بيد الله لا غير فآمنا به ﴿ ولنصبرن ﴾ نحن وجميع أتباعنا ﴿ على ما ءاذيتمونا ﴾ أيها الكفار جواب قسم محذوف أي والله لنصبرن، أكدوا بالقسم توكلهم وعدم مبالاتهم بما يفعل بهم الكفار ﴿ وعلى الله فليتوكل المتوكلون ﴾ يعني فليثبت على توكلهم الذي اقتضاه إيمانهم.
﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ﴾ جمع الكفار بإنكارهم دعوى الرسالة وعيدهم بالإخراج، وحلفوا أن يكون أحد الأمرين أما إخراجهم الرسل أو عودهم يعني صيرورة الرسل إلى ملتهم، فإن الرسل ما كانوا على ملة الكفار قط، ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ولمن آمن من معه فغلبوا الجماعة على الواحد أو كان الترديد للتوزيع يعني لنخرجن من لم يعد ولنبقين من عاد منكم إلى ملتنا، وجاز أن يكون أو بمعنى إلا أن، أو إلى أن يعنون والله لنخرجنكم إلا أن ترجعوا أو إلى أن ترجعوا إلى ملتنا ﴿ فأوحى إليهم ﴾ أي إلى الرسل ﴿ ربهم لنهلكن الظالمين ﴾ على إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجراه لكونه نوعا منه ﴿ الظالمين ﴾ أيها الرسل ومن آمن معكم ﴿ الأرض من بعدهم ﴾.
﴿ الأرض ﴾ أي أرض الكفار وديارهم ﴿ من بعدهم ﴾ أي بعد إهلاكهم ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى الموحي وهو إهلاك الأعداء وتسليطهم على الأرض ﴿ لمن خاف مقامي ﴾ أي قيامة بين يدي يوم القيامة، نظيره قوله تعالى :﴿ ولمن خاف مقام ربه جنتان ﴾١٣ فأضاف قيام العبد إلى نفسه، أو المعنى لمن خاف موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة، أو قيامي عليه وحفظي أعماله، وقيل المقام مقحم والمعنى لمن خافني ﴿ وخاف وعيد ﴾ أثبت الياء ورش في الوصل فقط والباقون يحذفونها في الحالين أي خاف وعيدي بالعذاب أو عذابي الموعود للكفار.
﴿ واستفتحوا ﴾ سألوا من الله الفتح على أعدائهم والقضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة، كقوله :﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ﴾١٤ وهو معطوف على فأوحى والضمير للأنبياء كذا قال مجاهد، أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وكذا قال قتادة يعني لما يئسوا من إيمان قومهم دعوا الله بالفتح والعذاب على قومهم، كما ﴿ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل ﴾١٥ وقال موسى :﴿ ربنا أطمس على أموالهم ﴾١٦ أو للكفرة كذا قال ابن عباس ومقاتل وكما ﴿ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ﴾١٧ وقيل للفريقين فإن كلهم سألوا أن ينصر المحق ويهلك المبطل :﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾١٨ ﴿ وخاب كل جبار عنيد ﴾ معطوف على محذوف تقديره ففتح لهم فأفلح المؤمنون، وخاب يعني خسر وهلك كل جبار يعني عات متكبر على الله في القاموس تجبر تكبر يقال الجبار لله تعالى لتكبره بالحق، ولكل عات لتكبره بالباطل، أو صاحب قلب لا تدخله الرحمة وقتال في غير حق، أو متكبر لا يرى لأحد عليه حقا، قال البغوي الجبار الذي لا يرى فوقه أحد، والجبرية طلب العلو بما لا غاية وراءه وهذا الوصف لا يستحقه إلا الله تعالى، فمن ادعى غيره يستحق اللعن والطرد والخيبة، وقيل الجبار الذي يجبر الخلق على مراده، والعنيد المعاند للحق ومجانبه، في القاموس عند خالف الحق عارفا به فهو عنيد وعاند، وقال ابن عباس هو المعرض عن الحق، وقال مقاتل المتكبر، وقال قتادة العنيد الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله.
﴿ من ورائه جهنم ﴾ أي أمامه بين يديه كأنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا، مبعوث إليها في الآخرة وقيل من ورائه أي وراء حياته يعني بعده، قال مقاتل ﴿ من ورائه جهنم ﴾ أي بعده، قال أبو عبيدة هو من الأضداد أي يكون بمعنى الأمام والخلف وحقيقته ما يوارى عنك ﴿ ويسقى ﴾ عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ويسقى ﴿ من ماء صديد ﴾ وهو ما يسيل من جلود أهل النار وأجوافهم مختلطا بالقيح والدم عطف بيان لماء، قال محمد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر، وأخرج البيهقي عن مجاهد ففي قوله تعالى :﴿ من ماء صديد ﴾ قال : القيح والدم، روى أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن أبي الدنيا في صفة النار والبيهقي والبغوي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال :( يقرب إليه فيستكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه فإذا أشربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره )، فيقول الله تعالى :﴿ وسقوا ماء حميما فقطع أمعائهم ﴾ ﴿ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ﴾١٩
﴿ يتجرعه ﴾ أي يتكلف في شربه يشربه جرعة جرعة وهو صفة لماء أو حال من ضمير في يسقى ﴿ ولا يكاد يسيغه ﴾ أي لا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه، والسوغ جواز الشرب عن الحلق بسهولة وقبول النفس، في القاموس ساغ الشراب سوغا أي سهل مدخله ﴿ ويأتيه الموت ﴾ أي أسبابه من الشدائد وأنواع العذاب ﴿ من كل مكان ﴾ أي من جميع جوانبه فيحيط به أو يأتيه شدائد الموت والآمة من كل موضع من جسده، أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي حتى يأتيه من موضع كل شعرة من جسده ﴿ وما هو بميت ﴾ فيستريح، قال ابن جريج تعلق نفسه أعلى حنجرته فلا يخرج من فيه ولا يرجع من مكانها من جسده، وأخرج ابن المنذر عن فضيل بن عياض أنه حبس الأنفاس ﴿ ومن ورائه ﴾ أي بعد ذلك العذاب وبين يديه ﴿ عذاب غليظ ﴾ أشد مما سبق وقيل هو الخلود في النار، قيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة، طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنينهم التي أرسل الله عليهم بدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم، فخيب رجاؤهم ووعد لهم أنهم يسقون في جهنم صديد أهل النار بدل سقياهم.
﴿ مثل الذين كفروا بربهم ﴾ أي صفتهم التي هي في الغرابة مثل مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم وقوله :﴿ أعمالهم كرماد ﴾ جملة مستأنفة لبيان مثلهم أو هذه الجملة خبر لمثل، وقيل أعمالهم بدل من المثل والخبر كرماد ﴿ اشتدت به الريح ﴾ أي حملته وأسرعت الذهاب به قرأ نافع الرياح على الجمع والباقون على الإفراد ﴿ في يوم عاصف ﴾ العصوف اشتداد الرياح وصف به زمانه للمبالغة، كقولهم نهاره صائم وليلة قائم، والمراد بأعمالهم ما يزعمونها حسنات ويرجون حسن جزائها كالصدقة وصلة الرحم وإعانة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك شبه الله سبحانه أعمالهم في حبوطها برماد طيرته الرياح العاصفة لبنائها على غير أساس من معرفة الله وابتغاء وجه الله، أو لكونها للأصنام التي لا يشعرن بعبادتهن ولا يستطعن على شيء ﴿ لا يقدرون ﴾ أي الكفار يوم القيامة ﴿ مما كسبوا ﴾ في الدنيا من الأعمال ﴿ على شيء ﴾ أي لا يجدون لها ثوابا أصلا، ولا يرون لها أثرا لحبوطها، وهذا ملخص التمثيل ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون ﴿ هو الضلال البعيد ﴾ غاية البعد عن طريق الحق حتى كان حسناتهم ضلالا لكونها شركا بالله مقصودا فيها غيره فكيف السيئات
﴿ ألم ترى أن الله خلق السماوات ﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿ خلق السماوات ﴾ وفي سورة النور ﴿ خلق كل دابة ﴾ على وزن فاعل مضافا، والباقون خلق على الماضي ﴿ والأرض ﴾ قرأ حمزة والكسائي بالجر والباقون بالنصب ﴿ بالحق ﴾ أي بالحكمة البالغة والوجه الذي يحق أن يخلق له، وذلك أن يكون دليلا على وجود الصانع مرشدا للناس إلى الحق والإيمان ﴿ إن يشأ يذهبكم ﴾ أي يعدمكم ﴿ ويأت بخلق جديد ﴾ أي يخلق خلقا آخر أطوع منكم، رتب ذلك على كونه خالقا للسماوات والأرض مستدلا به عليه، فإن من خلق ذلك يقدر على أن يبد لهم بخلق آخر، ولم يمتنع ذلك كما قال :﴿ وما ذلك على الله بعزيز٢٠ ﴾
﴿ وما ذلك على الله بعزيز٢٠ ﴾ متعذر ومتعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن هذا شأنه كان حقيقيا لأن يعبد ويطاع ولا يطاع ولا يعصى رجاء لثوابه وخوفا من عقابه.
﴿ وبرزوا لله جميعا ﴾ أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله ومحاسبته، وإنما ذكر لفظ الماضي لتحقق وقوعه ﴿ فقال الضعفاء ﴾ أي الإتباع، جمع ضعيف يريد به ضعاف الحال في الدنيا لقلة متاع الدنيا، أو ضعاف الرأي ﴿ للذين استكبروا ﴾ أي تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء الذين منعوهم عن إتباع الرسل ﴿ إنا كنا لكم تبعا ﴾ جمع تابع كحارس وحرس يعني اتبعناكم في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم ﴿ فهل انتم مغنون ﴾ دافعون ﴿ عنا من عذاب الله ﴾ من للبيان واقعة موقع الحال ﴿ من شيء ﴾ من للتبعيض واقعة موقع المفعول به يعني هل أنتم دافعون بعض شيء كائن من عذاب الله ويحتمل أن تكون من الموضعين للتبعيض ويكون الأولى مفعولا والثانية مصدرا يعني فهل أنتم مغنون عنا بعض العذاب بعض الإغناء ﴿ قالوا ﴾ أي المستكبرون جوابا عن معاتبة الإتباع واعتذارا عما فعلوا بهم ﴿ لو هدانا الله ﴾ للإيمان﴿ لهديناكم ﴾ لدعوناكم إلى الهدى ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترنا لأنفسنا- أو المعنى لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له ولكن سدد بنا طريق الخلاص ﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ﴾ الجملة في موضع الحال أي مستويا علينا الجزع والصبر ﴿ ما لنا من محيص ﴾ أي من منجا ومهرب من الحيص وهو العدول على جهة الفرار وهو أما مصدر كغيب أو ظرف مكان كمبيت والجملة أما من كلام القادة أو من كلام الفريقين قال مقاتل يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمس مائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمس مائة عام فلا ينفعهم الصبر فحينئد يقولون ﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ أخرج ابن حاتم والطبراني وابن مردويه عن كعب بن مالك رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحسب في هذه الآية قال يقول أهل النار هلموا فلنصبر فيصبرون خمس مائة عام، فلما رأوا ذلك قالوا سواء الآية. قال محمد بن كعب القرظي : بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة ﴿ وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب٤٩ ﴾٢٠ فردت الخزنة :﴿ أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى ﴾٢١ فردت الخزنة عليهم أدعوا ﴿ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾٢٢ فلما يئسوا مما عند الخزنة ﴿ ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ﴾٢٣ سألوا الموت فلا يجيبهم ثمانين سنة، والسنة ستون وثلاثمائة يوم، واليوم كألف سنة ثم يحط إليهم بعد الثمانين ﴿ إنكم ماكثون ﴾ فلما يئسوا مما قبله قال بعضهم لبعض إنه نزل بكم من البلاء ما نزل فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم فأجمعوا على الصبر فطال صبرهم ثم جزعوا فطال جزعهم فنادوا ﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾ أي من منجا قال : فقام إبليس عند ذلك فخطبهم فقال ﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ﴾ فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودوا ﴿ لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إن تدعون إلى الإيمان فتكفرون١٠ ﴾٢٤ فنادوا الثانية ﴿ ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ﴾٢٥ فرد عليهم ﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ﴾٢٦ الآيات فنادوا الثالثة ﴿ ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ﴾٢٧ فرد عليهم ﴿ أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ﴾٢٨ الآيات، ثم نادوا الرابعة ﴿ ربنا أخرجنا نعمل عملا صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾٢٩ فرد عليهم ﴿ أولم نعمركم ما كان يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ﴾٣٠ فمكث عنهم ما شاء الله ثم ناداهم ﴿ ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون١٠٥ ﴾٣١ فلما سمعوا ذلك قالوا : ألا يرحمنا ربنا ثم نادوا عند ذلك ﴿ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين١٠٦ ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون١٠٧ ﴾ فقال عند ذلك ﴿ اخسئوا فيها ولا تكلمون١٠٨ ﴾٣٢ فانقطع الرجاء والدعاء منهم فأقبل بعضهم على بعض ينيح بعضهم في وجوه بعض وأطبقت عليهم النار.
قوله عز وجل ﴿ وقال الشيطان ﴾ لإبليس ﴿ لما قضي الأمر ﴾ أي أحكم وفرغ عنه ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال مقاتل يوضع له منبر في النار فيجتمع الكفار بالأئمة فيقول خطيبا في الأشقياء من الثقلين، أخرج الطبراني في الكبير وابن المبارك وابن جرير وابن مردويه وابن أبي حاتم والبغوي الثلاثة في تفاسيرهم عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا جمع الله بين الأولين والآخرين وقضي بينهم وفرغ من القضاء، يقول المؤمنون : قد قضى بيننا ربنا وفرغ فمن يشفع لنا إلى ربنا، فيقولون : آدم خلقه بيده وكلمه، فيأتونه فبقولون : قضى بيننا ربنا وفرغ من القضاء قم أنت فاشفع لنا، فيقول : ائتوا نوحا فيأتون نوحا فيدلهم على إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيدلهم على موسى، فيأتون موسى فيدلهم على عيسى، فيقول أدلكم على النبي الأمي العربي الأفخر فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم إليه، فيثور مجلسي من أطيب ريح ما شمها أحد قط حتى آتي ربي رضي الله عنه فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثم يقول الكفار قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : ما هو غير إبليس الذي أضلنا، فيأتونه فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم فيثور مجلسه من أنتن ريح ما شمها أحد قط ثم يعظم لجهنم ويقول عند ذلك :﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ﴾ أي وعدا أنجزه أو كان من حقه أن ينجز وهو الوعد بالبعث والجزاء ﴿ ووعدتكم ﴾ وعد الباطل أن لا بعث ولا حساب، وإن كان فالأصنام تشفع لكم ﴿ فأخلفتكم ﴾ جعل تبيين خلف وعده كالإخلاف منه ﴿ وما كان لي ﴾ فتح الياء حفص والباقون أسكنوها ﴿ عليكم من سلطان ﴾ من تسلط فألجيكم إلى الكفر والمعاصي وقيل معناه لم آتكم بحجة فيما دعوتكم إليه ﴿ إلا أن دعوتكم ﴾ أي إلا دعائي إياكم إليها بتسويل وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجميع، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا ﴿ فاستجبتم لي ﴾ أي أسرعتم إلى إجابتي وأبيتم من إجابة صاحب الحجة البالغة ﴿ فلا تلوموني ﴾ بوسوستي فإن من طرح العداوة لا يلام بمثل ذلك ﴿ ولوموا أنفسكم ﴾ حيث أطعتموني من غير سلطان ولا برهان ولم تطيعوا ربكم، احتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله وليس فيها ما يدل عليه إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا ﴿ ما أنا بمصرخكم ﴾ بمغيثكم من العذاب ﴿ وما أنتم بمصرخي ﴾ بمغيثي قرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين، والباقون بفتح الياء لأن الأصل مرفوض في مثله لما فيها من اجتماع ثلاث كسرات، مع إن حركة ياء الإضافة الفتح فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقلبها ياء، وجاز أن يكون قراءة حمزة مبينة على لغة بني يربوع يزيدون ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في ضربتموه وأعطنيكاه، وحذفت الياء اكتفاء بالكسرة ﴿ إني كفرت بما أشركتمون ﴾ قرأ أبو عمرو بإثبات الياء وصلا والباقون يحذفونها في الحالين ﴿ من قبل ﴾ ما إما مصدرية ومن متعلقة بأشركتمون يعني كفرت اليوم أي تبرأت واستنكرت بإشراككم إياي في عبادة الله وطاعته من قبل هذا اليوم، أي في الدنيا نظيره قوله تعالى :﴿ ويوم القيامة يكفرون بشرككم ﴾٣٣ أو موصولة بمعنى من نحو ما في قوله سبحان ما يسخركن لنا، وقوله تعالى :﴿ ونفس ما سواها٧ ﴾٣٤ ومن متعلقة بكفرت أي كفرت بمن أشركتمونيه في الطاعة وهو الله تعالى، حيث أطعتموني فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها كفرت من قبل إشراككم حين ردت أمره بالسجود لآدم عليه السلام، وأشرك فيقول من شركت زيد التعدية إلى مفعول ثان ﴿ إن الظالمين ﴾ الكافرين ﴿ لهم عذاب أليم ﴾ تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله تعالى، وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم.
﴿ وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم ﴾ والمدخلون هم الملائكة ﴿ تحيتهم فيها سلام ﴾ يسلم بعضهم على بعض ويسلم الملائكة عليهم، وقيل المحي بالسلام هو الله رضي الله عنه.
﴿ ألم تر كيف ضرب الله مثلا ﴾ كيف وضع الله مثلا والمثل قول سائر لتشبيهه شيء بشيء ﴿ كلمة طيبة ﴾ هي قول لا إله إلا الله بالإخلاص﴿ كشجرة طيبة ﴾ أي جعل كلمة طيبة كشجرة قوية مرتفعة في السماء باقية طيبة الثمر وهو تفسير لقوله ﴿ ضرب الله مثلا ﴾ ويجوز أن يكون كلمة بدلا من مثلا، وكشجرة صفتها أو خبر مبتدأ محذوف، أي هي كشجرة طيبة وأن يكون كلمة أولى مفعولي ضرب أجزاء له مجرى جعل ﴿ أصلها ثابت ﴾ في الأرض مستحكم ضارب بعروقه فيها ﴿ وفرعها ﴾ أعلاها ﴿ في السماء ﴾ ويجوز أن يريد فروعها أي إقناؤها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتساب الاستغراق من الإضافة.
﴿ تؤتى أكلها ﴾ تعطي ثمرها ﴿ كل حين ﴾ وقته الله لا ثمارها ﴿ بإذن الله ﴾ أي بإرادة خالقها وتكوينه، كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فإذا تكلمت بها عرجت فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله رضي الله عنه قال الله تعالى :﴿ إليه يصعد الكلم الطيب ﴾٣٥ عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه ولا إله إلا الله ليس لها حجاب دون الله )٣٦ رواه الترمذي وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصا قط إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر )٣٧ رواه الترمذي بسند حسن، وأخرج الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال :( الشجرة الطيبة النخلة والشجرة الخبيثة الحنظلة )٣٨ والحين في اللغة الوقت فقال مجاهد وعكرمة الحين ههنا سنة كاملة لأن النخلة يثمر كل سنة، وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن ستة أشهر من وقت اطلاعها إلى صرامها، وروى ذلك عن ابن عباس وقيل : أربعة أشهر من حين ظهورها إلى إدراكها، وقال سعيد بن المسيب شهران من حين يؤكل إلى الصرام وقال الربيع بن أنس كل حين أي كل غدوة وعشية، لأن ثمر النخل يؤكل أبدا ليلا ونهارا صيفا وشتاءا إما تمرا أو رطبا أو بسرا، كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وأوسطه وآخره وكذلك أول الليل وأوسطه وآخره، وبركة الإيمان لا ينقطع أبدا بل يصل إليه في كل وقت، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ؟ قال عبد الله فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : هي النخلة )٣٩ قال البغوي لا يكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل قائم وفرع عال، كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء تصديق وقول باللسان وعمل بالأركان، وقال أبو ظبيان عن ابن عباس أنه قال الشجرة الطيبة هي شجرة الجنة، وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قال سبحان الله العظيم بحمده غرست نخلة في الجنة )٤٠ رواه الترمذي ﴿ ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ﴾ فإن في ضربها زيادة إفهام وتذكير فإنه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحس.
﴿ ومثل كلمة خبيثة ﴾ قلت : الظاهر أن المراد بها ما قيل بالنفاق ولم يرد به وجه الله بدليل قوله تعالى :﴿ كشجرة خبيثة ﴾ يعني غير نافعة ولا مستقرة في الأرض ﴿ اجتثت ﴾ أي انتزعت واقتلعت ﴿ من فوق الأرض ﴾ لأن عروقها قريبة منه ﴿ ما لها من قرار ﴾ استقرار كذلك الكلمة التي لم يرد بها وجه الله ليس لها منفعة أبدا، أخرج ابن مردويه من طريق ابن حبان بن شعبة عن أنس بن مالك في هذه الآية قال : هي الشربانة، قيل لأنس ما الشربانة ؟ قال الحنظلة، قلت الظاهر أن الشجرة الطيبة تعم النخلة وغيرها وكذا الخبيثة تعم الحنظلة وغيرها وما ورد في الحديث إنما هو ذكر بعض أفراده على سبيل التمثيل.
﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ﴾ يعني بكلمة التوحيد المقرونة بالإخلاص فإن لها ثبات وتمكن في القلوب ولثوابها ثبات عند الله ﴿ في الحياة الدنيا ﴾ فلا يزالون عن دينهم إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمعون وأصحاب الأخدود وخبيب وأصحابه وأصحاب بئر معونة ﴿ وفي الآخرة ﴾ يعني إذا سئلوا في القبور ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ أي المنافقين والكافرين فلا يثبتهم على القول الثابت في مواقف الفتن، وتزل أقدامهم أول كل شيء وهم في الآخرة أضل وأزل، أخرج الأئمة الستة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )، فذلك قوله تعالى :﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾٤١ وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت نزلت في عذاب القبر، يقال من ربك فيقول ربي الله ونبي محمد صلى الله عليه وسلم ) متفق عليه، ورواه أحمد وأبو داود وغيرهما بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك ؟ فيقول : ربي الله، فيقولان له ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله، فيقولان وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت )، فذلك قوله تعالى :﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ﴾ الآية، قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال : فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح فيها مد بصره، وأما الكافر فذكر موته قال : ويعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري، فيقولان له ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار، قال فيأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتى يختلف فيه أضلاعه، ثم يقيض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها على جبل لصار ترابا، فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير ترابا ثم يعاد فيه الروح )٤٢ وعن عثمان قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :( استغفروا لأخيكم ثم سلوا له التثبت فإنه الآن يسئل )٤٣ رواه أبو داود، وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد ؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا، وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )٤٤ متفق عليه، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا أقبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له قم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون : قولا فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك )٤٥ رواه الترمذي ﴿ ويفعل الله ما يشاء ﴾ من التوفيق والخذلان والتثبيت وتركه من غير اعتراض عليه، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي )٤٦ وعن أبي بن كعب قال : لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار ) وقال ابن مسعود مثل ذلك وحذيفة بن اليمان مثل ذلك وزيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ﴾ أي شكر نعمته كفرا بأن وضعوا مكانه أو بدلوا نفس النعمة كفرا، فإنهم لما كفروا سلبت النعمة منهم فصاروا تاركين لها مختارين الكفر بدلها، روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس أنه قال :( هم والله كفار قريش )٤٧، قال هم قريش ومحمد صلى الله عليه وسلم نعمة الله وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال : نزلت هذه الآية في الذين قتلوا يوم بدر يعني أهل مكة خلقهم الله وأسكنهم حرما يجبى إليه ثمرات كل شيء، ودفع عنهم أصحاب الفيل وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه بآلفهم رحلة الشتاء والصيف وبعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وجعل سائر الناس تبعا لهم فكفروا تلك النعمة وعادوا محمدا صلى الله عليه وسلم واستحبوا العمى على الهدى، فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا أذلاء فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حتى ماتوا أو قتلوا ﴿ وأحلوا قومهم ﴾ الذين تبعوهم في الكفر﴿ دار البوار ﴾ أي دار الهلاك بحملهم على الكفر.
﴿ جهنم ﴾ عطف بيان لها ﴿ يصلونها ﴾ حال منها أو من القوم أي داخلين فيها مقاسين لحرها وجاز أن يكون جهنم منصوبا بفعل مضمر يفسرها ما بعدها ﴿ وبئس القرار ﴾ أي بئس المقر جهنم، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال لعمر يا أمير المؤمنين هذه الآية ﴿ الذين بدلوا نعمت الله كفرا ﴾ قال هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية، أما بنو مغيرة فكفيتموه يوم بدر أما بنو أمية فمتعوا حتى حين، وكذا ذكر البغوي قول عمر، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأسط والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن علي ابن أبي طالب مذكر مثله، قلت أما بنو أمية فمتعوا بالكفر حتى أسلم أبو سفيان ومعاوية وعمرو ابن العاص وغيرهم، ثم كفر يزيد ومن معه بما انعم الله عليهم وانتصبوا العداوة أل النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوا حسينا ظلما وكفرا يزيد بدين محمد صلى الله عليه وسلم حتى أنشد أبياتا حين قتل حسينا، مضمونها أين أشياخي ينظرون انتقامي بآل محمد وبني هاشم وآخر الأبيات :
ولست من جندب إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
وأيضا أحل الخمر وقال مدام كنز في إناء كفضة
وساق كبد مع مدام كأنجم وشمسه كرم برجها قعرها
ومشرقها الساقي ومغربها فمي
فإن حرمت يوما على دين أحمد فخذها على دين المسيح بن مريم
وسبوا آل محمد صلى الله عليه وسلم على المنابر، فمتعوا بهذه الضلالة ألف شهر فانتقم الله منهم حتى لم يبق منهم أحد.
﴿ وجعلوا لله أندادا ﴾ أي أمثالا في العبادة أو التسمية مع أنه ليس له ند ﴿ ليضلوا ﴾ اللام لام العاقبة إذ ليس غرضهم من اتخاذ الأنداد الضلال أو الإضلال لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض، قرأ ابن كثير وابن عمرو بفتح الياء وكذلك في الحج ولقمان وزمر من المجرد والباقون بضم الياء من التفعيل أي ليضلوا الناس ﴿ عن سبيله قل تمتعوا ﴾بشهواتكم أو بعبادة الأوثان وضلالاتكم في الدين التي هي أيضا من قبيل الشهوات التي يتمتع بها ما قدر لكم، قال ذو النون التمتع يعني يقضي العبد ما استطاع من شهوته، وفي التهديد بصيغة أمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهددية، وأن الأمرين كائنان لا محالة ولذلك علله بقوله ﴿ فإن مصيركم إلى النار ﴾ وإن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من أمر مطاع.
﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ لعبادي ﴾ قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بفتحها ﴿ الذين آمنوا ﴾ خصهم للأمر بالخطاب ووصفهم بالعبودية وأضافهم إلى نفسه تشريفا، وتنبيها على أنهم هم المقيمون لحقوق العبودية أهلا للخطاب الممتثلون بما يقال لهم، ومفعول قل محذوف يدل عليه جوابه تقديره لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا ﴿ يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم ﴾ مجزوم على جواب الأمر يعني قل جزاء الشرط مقدر يعني أن تقل لهم أقيموا يقيموا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له، ويجوز أن يقدر بلام الأمر فيكون مفعولا للقول ﴿ سرا وعلانية ﴾ منصوبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية ﴿ من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ﴾ فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه ﴿ ولا خلال ﴾ أي مجاملة وصداقة يشفع له خليله، فإن قيل الخلة يوم القيامة ثابتة للمتقين بقوله تعالى :﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين٦٧ ﴾٤٨ وشفاعة بعض المؤمنين لبعض أيضا ثابتة فما وجه نفي الجنس، قلت الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أمر بالتقوى فالمراد بالآية نفي جنس الخلة عند عدم التقوى والمعنى إن لم يتقوا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لا يكون لهم يومئذ خليل، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على أعمال لا التي لنفي الجنس، والباقون بالرفع على إبطال عمل لا لأجل التكرار.
﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض ﴾ مبتدأ وخبر ﴿ وأنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ﴾ تعيشون به ويشتمل المطعوم والملبوس رزقا مفعول لأخرج ومن الثمرات بيان له حال منه، ويحتمل عكس ذلك، ويجوز أن يكون رزقا منصوبا على المصدرية لأن أخرج بمعنى رزق، أو على العلية ﴿ وسخر لكم الفلك لتجري في البحر ﴾ بالركوب والحمل ﴿ بأمره ﴾ أي بمشيئته تعالى إلى حيث توجهتم ﴿ وسخر لكم الأنهار ﴾ ذللها لكم تخرجونها حيث شئتم وتنتفعون بمياهها وتتخذون عليها جسرا وقناطير
﴿ وسخر لكم الشمس والقمر ﴾ جاريين فيما يعود إلى مصالح العباد لا يفتران ﴿ ذائبين ﴾ في القاموس ذاب في عمله كمنع دأبا ويحرك ودءوبا بالضم جد وتعب، والدائبان الجديدان، والسرق الشديد يعني مسرعين في السير قال ابن عباس دونهما في طاعة الله ﴿ وسخر لكم الليل والنهار ﴾ يتعاقبان فجعل لكم الليل لتسكنوا فيه من تعب العمل والنهار مبصر للأشياء فتكسبوا فيه معاشكم.
﴿ وآتاكم من كل ما سألتموه ﴾ أي بعض جميع ما سألتموه يعني أتاكم شيئا كائنا من كل شيء سألتموه، فحذف شيئا اكتفاء بدلالة الكلام على التبعيض، قال البيضاوي ولعل المراد بما سألتموه ما كان حقيقا لأن يسئل لاحتياج الناس إليه سأل أو لم يسئل، وما يحتمل أن يكون موصولة أو موصوفة أو مصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول، وجاز أن يكون للبيان أو زائدة، ولفظة كل للتكثير نحو قولك فلان يعلم كل شيء وأتاه كل إنسان وقوله تعالى :﴿ فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾٤٩ وقرأ الحسن من كل بالتنوين والمعنى من كل شيء ما احتجتم له وسألتموه بلسان الحال، ويجوز أن يكون ما نافية في موضع الحال يعني آتاكم من كل شيء والحال أنكم ما سألتموه يعني أعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سألتموها ﴿ تعدوا نعمت الله ﴾أي نعم الله تعالى فيه دليل على أن المفرد يفيد الإستغراق بالإضافة ﴿ لا تحصوها ﴾ أي لا تحصروا ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من أفرادها فإنها غير متناهية فكيف تطيقون إذا شكرها، لكن الله تعالى بفضله جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا، وسمى المؤمنين شكورا لأجل اعترافهم بذلك ومن لم يعترف بذلك قال في حقه ﴿ إن الإنسان لظلوم ﴾ يشكو ربه في الشدة والبلاء ويجزع ولا يصبر ولا يعلم أن ما أصابه أصابه من جواد كريم رحيم حكيم لا يكون إلا لحكمة وإن لم تدرك حكمته ﴿ كفار ﴾ شديد الكفر إن في النعمة والرخاء فهذا نقيض ما قال في المؤمنين ﴿ صبار شكور ﴾ فإن الكفار ضد الشكور صراحة، والظلوم ضد للصبار دلالة، فإن الظلم وضع الشيء في غير موضعه والبلاء موضع للصبر ووضع الشكاية والجزع مقامه ظلم، وقيل ظلوم على نفسه بالمعصية فيعرضها للعذاب في الآخرة والدنيا، أو يظلم نفسه بترك الشكر فيعرضها للحرمان، أو يظلم النعمة بإغفال شكرها، أو يظلم يعني يضع الشكر في غير موضعه فيشكر غير ما أنعم عليه، قال الله تعالى :( إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري )٥٠ رواه الحاكم والبيهقي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ﴾ يعني مكة ﴿ آمنا ﴾ أي ذا أمن لمن فيها فالمسئول من هذا القول إزالة الخوف وجعل مكة آمنا، وأما في قوله تعالى :﴿ اجعل هذا بلدا آمنا ﴾٥١ جعل تلك الوادي بلدا من البلاد الآمنة ﴿ واجنبني ﴾ بعدني ﴿ وبني ﴾ من ﴿ أن نعبد الأصنام ﴾ أي أجعلنا منها في جانب، وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه إياهم ولفظ بني لا يشتمل الأحفاد وإطلاقها على ما يعم الأحفاد في قوله تعالى ﴿ يا بني آدم ﴾ ﴿ يا بني إسرائيل ﴾ من قبيل عموم المجاز فلا يشكل بأنه قد عبد كثير من أولاد إسماعيل عليه السلام الأصنام، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عيينة أن أولاد إسماعيل لم يعبدوا الصنم محتجا بهذه الآية، وقال : إنما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمون الدوار، ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته، وزاد في الدر المنثور قيل وكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد إبراهيم عليهما السلام، قال : لأنه دعا لأهل هذه البلدان لا يعبدوا إذا سكنهم وقال ﴿ اجعل هذا البلد آمنا ﴾ ولم يدع لجميع البلدان بذلك، قال ﴿ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ﴾ فيه وقد خص أهله
﴿ ربنا إني أسكنت من ذريتي ﴾ وقول ابن عيينة هذا مردود بالكتاب والسنة والإجماع والخبر المتواتر عن حال أهل مكة، فإن المشركين في كتاب الله تعالى عبارة عن أهل مكة غالبا وقد قال الله تعالى :﴿ وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ﴾٥٢ وغير ذلك والله اعلم.
﴿ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ﴾ نسب الإضلال إليهن بالمجاز باعتبار السببية يعني ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حين عبدوهن ﴿ فمن تبعني ﴾ في الدين ﴿ فإنه مني ﴾ أي بعضي لا ينفك عني في الدنيا والآخرة حتى يدخل معي الجنة ﴿ ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ تقديره فاغفر له ذا رحمة فإنك غفور رحيم، قال السدي معناه من عصاني ثم تاب، وقال مقاتل بن حبان من عصاني فيما دون الشرك، والظاهر أنه قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنه تعالى ﴿ لا يغفر أن يشرك به ﴾٥٣ فلما علم ذلك ﴿ وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ﴾٥٤ زعما منه أن الله تعالى ينتقم من المشرك في الدنيا أيضا، فقال الله تعالى :﴿ ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ﴾٥٥
﴿ ربنا إني ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ﴿ أسكنت من ذريتي ﴾ تقديره أسكنت ولدا من ذريتي فحذف المفعول، أو المعنى أسكنت بعض ذريتي وهم إسماعيل ومن ولد منه، فإن إسكانه متضمن لإسكانهم ﴿ بواد ﴾ هو في الأصل موضع يسيل فيه الماء فسمى بالوادي مفرج بين جبال أو تلال أو آكام، وكان الموضع الذي هناك مكة واديا بين الجبال ﴿ غير ذي زرع ﴾ لأنها حجرية لا تنبت ﴿ عند بيتك ﴾ الذي كان قبل الطوفان ﴿ المحرم ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة :( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لن يحل القتال فيه لأحد، ولا يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها، قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال : إلا الإ ذخر )٥٦ متفق عليه من حديث ابن عباس، أخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعيد عن أبيه بلفظ ( كانت سارة تحت إبراهيم عليه السلام فمكثت معه دهرا لا ترزق ولدا، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة قبطية، فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة، ووجدت في نفسها وعقبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف، فقال لها إبراهيم هل لك أن تبري يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنها واخفضيها، والخفض هو الختان، ففعلت ذلك فوضعت هاجر في أذنها قرطين، فازدادت بهما حسنا، فقالت : أراني إنما ازددتها جمالا، فلم ترض على كونه معها، ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى مكة، فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها. وروى البخاري في الصحيح والبغوي بسنده حديث ابن عباس قال :( أو ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل عليه السلام اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وابنها إسماعيل عليه السلام وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراب فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفل إبراهيم فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيها إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له : آالله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قالت : إذا لا يضيعنا ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حيث لا يرونه فاستقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال رب ﴿ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ﴾ حتى بلغ يشكرون، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلمظ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل من الأرض يليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما، فلما أشرفت على مروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد استمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك، عند موضع زمزم فبحت بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو تفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا ) قال : فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه إن الله لا يضيع أهله، وكانت البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه و شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كذا، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا على الماء، فقالوا : إن هذا الطائر تدور على ماء، ولقد عهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جربا أو جربين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عتدك قالت نعم ولا حق لكم في الماء قالوا : نعم، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم وكان أنفسهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع بركته )٥٧ وقد ذكرنا بقية تلك القصة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ﴾٥٨. قوله تعالى :
﴿ ربنا ليقيموا الصلاة ﴾ اللام لام كي متعلقة بأسكنت، أي ما أسكنتم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم، وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنها المقصود بالذات من إسكانهم ثمه، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها، وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من الله أن يوفقهم لهل ﴿ فاجعل أفئدة ﴾ روى عن هشام أفئيدة بياء بعد الهمزة والجمهور بغير ياء جمع فواد وهو القلب ﴿ من الناس ﴾ أي أفئدة من أفئدة الناس ومن للتبعيض، قال مجاهد لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم فارس والروم والترك والهند، وقال سعيد بن جبير لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال ﴿ أفئدة من الناس ﴾ فهم المسلمون، أو للابتداء كقولك القلب مني سقيم أي أفئدة ناس ﴿ تهوى ﴾ أي تسرع شوقا وودادا، قال السدي معناه تميل ﴿ إليهم ﴾ تعديته بإلي لتضمين معنى النزوع ﴿ وارزقهم من الثمرات ﴾ مع سكناهم واديا غير ذي زرع مثل ما رزقت سكان القرى ذوات الماء ﴿ لعلهم يشكرون ﴾ تلك النعمة فأجاب الله دعوته فجعله :﴿ حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ﴾٥٩ حتى يوجد هناك الفواكه الربيعية والخريفية والصيفية والشتائية في يوم واحد
﴿ ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ﴾ من أمورنا وأحوالنا ومصالحنا، وأرحم بنا منا لأنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا إلى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك، قال ابن عباس ومقاتل ﴿ ما نخفي وما نعلن ﴾ من الوجد بإسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع، وقيل ما نخفي من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع ﴿ وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ﴾ لأنه عالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم ومن للاستغراق، قيل هذا من قول إبراهيم عليه السلام والأكثرون على أنه من الله رضي الله عنه.
﴿ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر ﴾ أي وهب لي وأنا كبير أيس عن الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من الآية ﴿ إسماعيل وإسحاق ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما ولد إسماعيل لإبراهيم عليه السلام وهو ابن تسعة وتسعين سنة، وولد إسحاق عليه السلام وهو ابن مائة واثني عشرة سنة، وقال سعيد بن جبير بشر إبراهيم بإسحاق عليهما السلام وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة كذا أخرج ابن جرير ﴿ إن ربي لسميع الدعاء ﴾ يعني مجيب الدعاء من قولك سمع الملك الكلام إذا اعتد به، قال سيبويه هو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف إلى مفعوله أو إلى فاعله على إسناد السماع إلى دعاء الله على المجاز، وفيه إشعار بأنه دعا ربه تعالى وسأل منه الولد فأجابه ووهب له سؤاله حين الأيأس منه ليكون من أجل النعم وأجلاها
﴿ رب اجعلني مقيم الصلاة ﴾ معدلا لها بأركانها وآدابها محافظا ومواظبا عليها ﴿ ومن ذريتي ﴾ عطف على المنصوب في اجعلني يعني واجعل بعض ذريتي من يقيمون الصلاة أوزد من التبعيضية لعلمه بإعلام الله تعالى أنه يكون في ذريته كفار حيث قال الله تعالى :﴿ لا ينال عهدي الظالمين ﴾٦٠ ﴿ ربنا وتقبل دعاء ﴾ قرأ البزي دعائي بإثبات الياء في الحالين وورش وأبو عمرو أثبتاها في الوصل فقط والباقون يحذفونها في الحالين، والمعنى استحب دعائي أو تقبل عبادتي، روى الترمذي عن أنس وأحمد والبخاري في الأدب وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والحاكم عن النعمان بن بشير وأبو يعلي عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الدعاء هو العبادة )٦١ وروى الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الدعاء مخ العبادة )٦٢
﴿ ربنا اغفر لي ولوالدي ﴾ هذه الآية تدل على أن والديه عليه السلام كانا مسلمين، وإنما كان آزر عما له وكان اسم أبي إبراهيم تاريخ كما ذكرنا في سورة البقرة، ولأجل دفع توهم آزر قال والدي يعني من ولداني حقيقة ولم يقل أبوي، فإن الأب يطلق على العم مجازا وعلى تقدير كون آزر أبا له كما قيل، فقد ذكر الله عذره في سورة التوبة :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ﴾٦٣ يعني قبل أن يتبين له أمره ﴿ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ﴾٦٤ ﴿ و ﴾ اغفر ﴿ للمؤمنين ﴾ كلهم أجمعين ﴿ يوم يقوم الحساب ﴾ أي يثبت أو يبدو أو يظهر مستعار من القيام على الرجل، كقولهم قامت الحرب على ساق، أو المعنى يوم يقوم أهل الحساب فحذف المضاف وأسند الفعل إلى المضاف إليه مجازا كما في قوله تعالى :﴿ وسئل القرية ﴾٦٥ وقيل : أراد يوم يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما.
﴿ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ﴾ الغفلة عدم الاطلاع على حقيقة الأمور والآية خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد به تثبيته على ما هو عليه من أنه مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية معاقب على الكثير والقليل لا محالة، أو لكل من يتوهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا بإمهاله، وقيل : إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم ﴿ إنما يؤخرهم ﴾ أي يؤخر عذابهم ﴿ ليوم تشخص فيه الأبصار ﴾ أي تشخص أبصارهم لا يغمض من هول ما يرى في ذلك اليوم وقيل : يرتفع ويزول عن أماكنها.
﴿ مهطعين ﴾ أي مسرعين لا يلتفتون يمينا وشمالا ولا يعرفون مواطن أقدامهم، قال قتادة مسرعين إلى الداعي، وقال مجاهد النظر وفي القاموس هطع هطوعا أسرع مقبلا خائفا أو أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه ومهطع كمحسن من ينظر في ذل وخضوع لا يقلع بصره أو الساكت المنطلق إلى من هتف به ﴿ مقنعي رؤوسهم ﴾ قال القتيبي المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره مابين يديه وقال الحسن وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد ﴿ لا يرتد إليهم طرفهم ﴾ أي لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم بل يبقى عيونهم شاخصة لا تطرف ﴿ وأفئدتهم هواء ﴾ خلاء أي خالية عن العقل والفهم لفرط الحيرة والدهشة ومنه يقال للأحمق قلبه هواء لا رأى فيه ولا قوة، قال قتادة خرجت قلوبهم من صدورهم فصارت في حناجرهم لا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها، فالأفئدة هواء أي لا شيء فيها ومنه سمى ما بين السماء والأرض هواه لخلوه، وقال سعيد بن جبير أي قلوبهم مترددة تمور في أجوافهم ليس لها مكان يستقر فيه، قال البغوي حقيقة المعنى أن القلوب زائلة عن أماكنها والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم.
﴿ وأنذر ﴾ أي خوف يا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ الناس يوم ﴾ بيوم ﴿ يأتيهم العذاب ﴾ يعني يوم القيامة أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم أو يأتيهم العذاب العاجل للاستيصال في الدنيا ﴿ فيقول الذين ظلموا ﴾ بالشرك والتكذيب ﴿ ربنا أخرنا ﴾ أي أمهلنا في الدنيا أو المعنى أخر العذاب عنا وردنا إلى الدنيا ﴿ إلى أجل قريب ﴾ أي إلى حد من الزمان قريب وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونجب دعوتك ﴿ نجب دعوتك ونتبع الرسل ﴾ جواب للأمر نظيره :﴿ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ﴾٦٦ فيجابون ﴿ أو لم تكونوا أقسمتم ﴾ حلفتم ﴿ من قبل ﴾ في دار الدنيا ﴿ ما لكم من زوال ﴾ جواب للقسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية، والمعنى أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت ولعلهم قسموا بطرا وغرورا، أو حكاية عن دلالة حالهم حيث بنوا شديدا أو أملوا بعيدا، وقيل : معناه أقسموا أنهم لا ينقلون إلى دار أخرى، أو أنهم إذا ماتوا لا يزالون عن تلك الحالة يعني لا يبعثون بعد الموت نظيره قوله تعالى :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴾٦٧.
﴿ وسكنتم ﴾ في الدنيا ﴿ في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ﴾ بالكفر والمعاصي ممن كان قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ﴿ وتبين لكم ﴾ من مشاهدة آثار منازلهم وسماع أخبار ما نزل بهم، وفاعل تبين مضمر دل عليه الكلام أي تبين لكم حالهم، وكيف في قوله ﴿ كيف فعلنا بهم ﴾ منصوب بقوله فعلنا فلم ينزجروا ﴿ وضربنا لكم الأمثال ﴾ من أحوالهم أي بينا لكم على ألسنة المرسلين المؤيدين بالمعجزات أنكم في الكفر واستحقاق العذاب أو المعنى بينا صفات ما فعلوا وما فعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة، أو بينا لكم الأمثال في القرآن.
﴿ وقد مكروا ﴾ يعني كفار مكة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث أرادوا حبسه أو إخراجه أو قتله ﴿ مكرهم ﴾ قال المفسرون الضمير المجرور في مكرهم راجع إلى ما يرجع إليه الضمير المرفوع في مكروا، والمعنى أنهم مكروا مكرهم البليغ المستفرغ فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل، وحينئذ لا تعلق لهذا الكلام بما سبق، وعندي أن الجملة معطوفة على قوله وسكنتم، والضمير المجرور راجع إلى الموصول، والمراد الكفار السابقون، والمرفوع إلى الناس أي كفار هذه الأمة، وفي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى سكنتم في مساكن من قبلكم وتبين لكم ما فعلنا بهم وقد مكرتم مثل مكر السابقين ﴿ وعند الله مكرهم ﴾ أي مكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه، أو عندهما يمكر همبه جزاء لمكرهم وإبطالا له ﴿ وإن كان مكرهم ﴾ قرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما وإن كاد مكرهم بالدال وقراءة العامة بالنون ﴿ لتزول منه الجبال ﴾ قرأ الكسائي وابن جريج بفتح اللام للتأكيد في لتزول والرفع، على إن إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفاصلة والمعنى أنه كان مكرهم يعني شركهم عظيما شديدا بحيث تزول منه الجبال بمعنى قوله تعالى :﴿ وتخر الجبال هدا٩٠ أن دعوا للرحمان ولدا٩١ ﴾٦٨ قال البغوي حكي عن علي بن أبي طالب في معنى الآية أنها نزلت في نمرود الجبار الذي :﴿ حاج إبراهيم في ربه ﴾٦٩ وذلك أنه قال إن كان ما يقوله إبراهيم حقا فلا أنتهي حتى أصعد السماء فأعلم ما فيها، نعمد إلى أربعة أفرخ من النسور رباها حتى شب، وأتخذ تابوتا وجعل له بابا من أعلى وبابا من أسفل، وقعد نمرود مع رجل في التابوت ونصب خشبات في أطراف التابوت، وجعل على رأسها اللحم وربط التابوت بأرجل النسور وخلاها، فطرن وصعدن طمعا في اللحم حتى مضى يوم وأبعدن في الهواء فقال نمرود لصاحبه افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قريبا منها، ففتح ونظر فقال إن السماء كهيئتها، ثم قال إفتح الباب الأسفل وأنظر إلى الأرض كيف تراها، ففعل فقال : أرى الأرض مثل اللجة والجبال مثل الدخان، فطارت النسور يوما آخر وارتفعت، حتى حالت الريح بينها وبين الطيران، فقال لصاحبه إفتح البابين ففتح الأعلى فإذا السماء كهيئتها وفتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة، ونودي أيها الطاغية أين تريد، قال عكرمة كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب، فرمى بسهم فعاد إليه السهم متلطخا بدم سمكة تذفت نفسها من بحر في الهواء، وقيل : طائر أصابه السهم فقال كفيت بشغل إله السماء، قال : ثم أمر نمرود صاحبه أن يصرف الخشبات وينكس اللحم ففعل، فهبطت النسور في التابوت فسمعت الجبال خفيف التابوت والنسور، ففزعت وظنت أنه قد حدث حدث من السماء وأن الساعة قد قامت وكادت تزول عن أماكنها، فذلك قوله تعالى :﴿ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ﴾ وهذه القصة يأبى عنه العقل ولم يثبت بنقل يعتمد عليه، وقرأ الجمهور بلام مكسورة والنصب فإن حينئذ إما نافية واللام لام جحود لتأكيد النفي كقوله تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم ﴾٧٠ أو مخففة من الثقيلة واللام لام كي وكان تامة، والجبال مثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وآيات الله والشرائع، والمعنى على الأول وما كان مكرهم مزيلا للجبال و على الثاني أنهم مكروا وثبت مكرهم ليزيلوا ما هو كالجبال الراسيات ثباتا وتمكنا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآيات الله وشرائعه وذلك محال، وقال الحسن إن كان مكرهم لا ضعف من أن تزول الجبال.
﴿ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ﴾ بالنصر لأوليائه وهلاك أعدائه كقوله تعالى :﴿ إنا لننصر رسلنا ﴾٧١ وقوله :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ﴾٧٢ وقوله :﴿ ربهم لنهلكهم الظالمين١٣ ولنسكننكم الأرض من بعدهم ﴾٧٣ ومخلف مفعول ثان لتحسبن وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله تعالى :﴿ إن الله لا يخلف الميعاد ﴾٧٤ وإذا لم يخلف وعده أحدا كيف يخلف رسله ﴿ إن الله عزيز ﴾ غالب لا يماكر قادر لا يدافع ﴿ ذو انتقام ﴾ لأوليائه من أعدائه.
﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض ﴾ بدل من يوم يأتيهم أو ظرف للانتقام أو مقدر باذكر أو بقوله لا يخلف وعده، ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل إن لا يعمل فيما بعده ﴿ والسماوات ﴾ عطف على الأرض وتقديره والسماوات غير السماوات فحذف لدلالة ما قبله عليه، والتبديل يكون في الذات كقولك بدلت الدراهم بالدنانير وعليه قوله تعالى :﴿ بدلناهم جلودا غيرها ﴾٧٥ وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما وإذا أذبتها وغيرت شكلها، وفي تبديل الأرض والسماوات أحاديث بعضها تدل على التبديل في الذات وبعضها على التبديل في الصفات، أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود في هذه الآية أنه قال :( تبدل الأرض أرضا كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم تعمل عليها خطيئة ) وأخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وقال الموقوف أصح، قلت والموقوف في الباب له حكم المرفوع، وأخرج ابن جرير والحاكم من وجه آخر عنه قال :( أرضا بيضاء كأنها سبيكة فضة ) وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أيوب وابن جرير عن أنس بن مالك في هذه الآية قال :( يبدلها الله يوم القيامة بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطاء ) وأخرج من طريق أبي حمزة عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال :( إنها تكون بيضاء مثل الفضة ) وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن علي ابن أبي طالب في هذه الآية قال :( الأرض من فضة والسماء من ذهب ) وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الأرض كأنها فضة والسماء كذلك، وأخرج عبد ابن حميد عن عكرمة قال : بلغنا أن الأرض تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها، وفي الصحيحين عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي ليس فيها معلم لأحد )٧٦ وأخرج البيهقي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في هذه الآية قال : يزاد فيها وينقص ويذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وما فيها وتمد مدا لأديم العكاظي أرض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة، والسماوات تذهب شمسها وقمرها ونجومها، وأخرج الحاكم عن ابن عمرو قال : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الخلائق، وأخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم :( تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لأبن آدم منها إلا موضع قدميه ثم أدعى أول الناس فأخر ساجدا، ثم يؤذن لي فأقوم فأقول : يا رب أخبرني هذا جبرئيل وهو عن يمين الرحمن والله ما رآه جبرئيل قبلها قط إنك أرسلته إلي قال : وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتى يقول الله صدق ثم يأذن لي في الشفاعة فأقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود ) وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده كما يتكفأ أحدهم خبزته في السفر نزولا لأهل الجنة )٧٧ قال الداروردي النزل ما يعجل للضيف قبل الطعام والمراد به يأكل كل منها في الموقف من سيصير إلى الجنة، وكذا قال ابن مرجان في الإرشاد تبدل الأرض خبزة فيأكل المؤمن من بين رجليه ويشرب من الحوض، قال ابن حجر يستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الأرض حتى يأكلون منها من تحت أقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة، ويؤيده ما أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : وتكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه، وأخرج نحوه عن محمد بن كعب، وأخرج البيهقي عن عكرمة قال تبدل الأرض بيضاء مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب، وعن أبي جعفر محمد الباقر نحوه، وأخرج الخطيب عن ابن مسعود قال يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأظمأ ما كانوا قط وأعرى ما كانوا قط وأنصب ما كانوا قط فمن أطعم لله أطعمه ومن سقى لله سقاه ومن كسى لله كساه ومن عمل كفاه.
وأخرج ابن جرير عن ابن كعب في الآية قال : تصير السماوات جنانا وتصير مكان البحر نارا وتبدل الأرض غيرها وأخرج عن ابن مسعود قال : الأرض كلها نار يوم القيامة، وأخرج عن كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا، وأخرج مسلم عن ثوبان قال : جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ قال( هم في ظلمة دون الجسر )٧٨ وأخرج مسلم عن عائشة قالت قلت : يا رسول الله ( أرأيت قول تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض أين الناس يومئذ ؟ قال :( على الصراط )٧٩ قال البيهقي قوله على الصراط مجاز لكونهم يجاوزونه فوافق قوله في حديث ثوبان دون الجسر لأنها زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها ولأن ذلك عند الزجرة التي تقع بها نقلتهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف، وأخرج البيهقي عن أبي بن كعب في قوله تعالى :﴿ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة١٤ ﴾٨٠ قال يصيران غبرة على وجوه الكفار لأعلى وجوه المؤمنين وذلك قوله تعالى :﴿ ووجوه يومئذ عليها غبرة٤٠ترهقها قترة٤١ ﴾٨١ قال السيوطي قد وقع الخلاف قديما للسلف في أن التبديل تغير ذاتها أو صفاتها فقط، فرجح الأول ابن أبي حمزة وأشار إلى أن أرض الدنيا تضمحل وتعدم وتجدد أرض الموقف، وقال الشيخ ابن حجر لا تنافي بين تبديل الأرض وأحاديث مدها والزيادة فيها والنقص منها، لأن كل ذلك يقع لأرض الدنيا لكن أرض الموقف غيرها، فإنهم يجزرون من أرض الدنيا بعد تغيرها بما ذكرنا إلى أرض الموقف، قال : ولا تنافي أيضا بين أحاديث مصيرها خبزة وغبرة ونارا بل تجمع بأن بعضها تصير خبزة وبعضها غبرة وبعضها نارا وهو أرض البحر خاصة بدليل أثر أبي بن كعب، قلت : لعل موضع أقدام المؤمنين يصير خبزة وموضع أقدام الكفار غبرة ونارا، وقال القرطبي جمع صاحب الإفصاح بين هذه الأخبار بأن تبدل الأرض والسماوات يقع مرتين أحدهما تبديل صفاتها فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتنتشر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرؤوس وتسير الجبال وتصير البحار نارا وعوج الأرض وتنشق إلى أن تصير الهيئة غير الهيئة، ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء سماء أخرى وهو قوله تعالى :﴿ وأشرقت الأرض بنور ربها ﴾٨٢ وتبدل الأرض فتمد مد الأديم وتعاد كما كانت فيها القتور والبشر على ظهرها وفي بطنها، وتبدل أيضا تبديلا ثانيا وذلك إذا وقفوا في المحشر فتبدل لهم الأرض التي يقال لها الساهرة ويحاسبون عليها وهي أرض غفراء بيضاء من فضة لم يسفك فيها دم ولم تعمل عليها معصية، وحينئذ يقوم الناس على الصراط وهو يسع جميع الخلق فيقوم من فضل على جسر جهنم وهي كإهالة جامدة وهي التي قال عبد الله إنها أرض من نار فإذا جاوزوا الصراط وجعل أهل النار وأهل الجنان من وراء الصراط قاموا على حياض الأنبياء يشربون بدلت الأرض كقرصة النقي فأكلوا من تحت أرجلهم وعند دخولهم الجنة كانت خبزة واحدة أي قرصا واحدا يأكل منه جميع الخلائق ممن دخل الجنة، وإدامهم زيادة كبد ثوار الجنة وزيادة كبد النون إنتهى كلامه، وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عدي بسند ضعيف الأرض تذهب كلها يوم القيامة إلا المساجد فإنها ينضم بعضها إلى بعض، قلت، لو صح هذه الرواية فلعل أرض المساجد تصير أرضا للجنة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )٨٣ رواه الشيخان في الصحيحين وأحمد والنسائي عن عبد الله ابن زيد المازني وعن أبي هريرة في الصحيحين وعند الترمذي ﴿ وبرزوا ﴾ أي ظهروا وخرجوا من قبورهم ﴿ لله الواحد القهار ﴾ أي لمحاسبته ومجازاته، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة فإن الأمر إذا كان لواحد غالب لا يغالب عليه فلا مستغاث ولا مستجار غيره.
﴿ وترى المجرمين ﴾ أي الكافرين ﴿ يومئذ ﴾ أي يوم إذا برزوا ﴿ مقرنين ﴾ مشدين قرينا بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال، أخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال يقرن الرجل الصالح مع الصالح في الجنة ويقرن بين الرجل السوء مع السوء في النار أو قرينا مع شياطينهم، أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة، أو قرينا أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال ﴿ في الأصفاد ﴾ أي في القيود والأغلال واحدها صفد، وكل من شدته شدا وثيقا فقد صفدته.
﴿ سرابيلهم ﴾ جمع سربال وهو القميص ﴿ من قطران ﴾ وهو عصارة تطبخ به الإبل الجربي فيحرق الجرب لحدته وهو أسود منتن يشتعل فيه النار بسرعة يطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاوة لهم كالقميص ليجتمع عليهم لدغ القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم، وقرأ عكرمة ويعقوب من قطران على كلمتين منونتين والقطر النحاس والصفر المذاب والآن الذي انتهى حره، والجملة حال ثان أو حال من الضمير في مقرنين ﴿ وتغشى ﴾ أي تعلو ﴿ وجوههم النار ﴾ وخص الوجه في الذكر لأنه أعز موضع في ظاهر البدن كالقلب في باطنه ولذا قال :﴿ تطلع على الأفئدة ﴾٨٤ أو لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على الأفئدة لأنها فارغة عن المعرفة مملؤة بالجهالات.
﴿ ليجزي الله كل نفس ﴾ مجرمة ﴿ ما كسبت ﴾ اللام إما متعلق بقوله مقرنين، أو بالظرف المستقر أعني من قطران أو بقوله تغشى، أو بفعل مقدر يعم ذلك تقديره يفعل ذلك ليجزي، وجاز أن يكون المعنى ليجزي كل نفس مطيعة وعاصية بما كسبت، لأنه إذا بين أن المجرمين يعاقبون بإجرامهم على أن المطيعين يثابون بطاعتهم واللام حينئذ متعلق ببرزوا ﴿ إن الله سريع الحساب ﴾ لا يشغله حساب عن حساب، قال السيوطي في الجلالين يحاسب جميع الخلائق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك، وأخرج ابن المبارك وأبو نعيم عن النخعي قال : كانوا يرون أنه ليفرغ من حساب الناس يوم القيامة في مقدار نصف يوم يقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، وأخرج ابن المبارك وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ ﴿ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا٢٤ ﴾٨٥ ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم٨٦ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إنما هي ضخوة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين، قلت : لكن هذه الآثار تدل على أن المراد نصف نهار الآخرة والله أعلم.
﴿ هذا ﴾ القرآن أو السورة أو ما فيها من الوعظ والتذكير من قوله ﴿ ولا تحسبن الله ﴾٨٧ ﴿ بلاغ للناس ﴾ كفاية لهم في الموعظة ﴿ ولينذروا به ﴾ أي ليخوفوا عطف على محذوف أي لينصحوا أو لينذروا بهذا البلاغ واللام متعلق بالبلاغ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به أنزل أو تلى، وقيل : معنى الآية هذا القرآن أنزل لتبليغ الناس أحكام الله تعالى ولينذروا به ﴿ وليعلموا أنما هو إله واحد ﴾ لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة الى النظر والتأمل فيتوصلوا إلى التوحيد بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه أو المنبهة على ما يدل عليه ﴿ وليذكر أولوا الألباب٥٢ ﴾ فيرتدعوا عما يرد بهم، ذكر الله تعالى لهذا البلاغ ثلاث فوائد وهي الغاية والحكمة في إنزال الكتب أحدها تكميل الرسل للناس بقوله لينذروا، ثانيها استكمالهم القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد بقوله ﴿ وليعلموا أنما هو إله واحد ﴾ ثالثها استصلاح القوة العملية التي هو التدرع بلباس التقوى جعلنا الله من الفائزين بها والله أعلم.
تمت تفسير سورة إبراهيم عليه السلام من التفسير المظهري تاسع عشر ربيع الثاني من السنة الثانية بعد ألف ومائتين ويتلوه تفسير سورة الحجر إن شاء الله تعالى وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين سنة ١٢٠٢ هجري.
١ سورة الشعراء، الآية : ٢١٤.
٢ سورة الأنعام، الآية : ٩٢.
٣ سورة يس، الآية : ٦.
٤ أخرجه مسلم في كتاب : الإمارة، باب : الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ( ١٨١٩ ).
٥ أخرجه مسلم في كتاب : الزكاة، باب : الحث على الصدقة ولو بشق ثمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار ( ١٠١٧ ).
٦ أخرجه الترمذي في كتاب : العلم، باب : ما جاء في فضل الفقه على العبادة ( ٢٦٨٢ ) وأخرجه أبو داود في كتاب : العلم، باب : في فضل العلم ( ٣٦٣٧ ) وأخرجه ابن ماجة في افتتاح الكتاب، باب : فضل العلماء والحث على طلب العلم ( ٢٢٣ ).
٧ أخرجه الترمذي في كتاب : العلم، ما جاء في الاستيصاء بمن يطلب العلم ( ٢٦٥٠ ).
٨ الآية :﴿ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾ في سورة الجاثية، الآية : ٣.
٩ أخرجه مسلم في كتاب : الزهد والرقائق، باب : المؤمن أمره كله خير ( ٢٩٩٩ ).
١٠ سورة آل عمران، الآية : ١١٩.
١١ أخرجه مسلم في كتاب : الإيمان، باب : كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج ( ١٢١ ).
١٢ سورة المؤمنون، الآية : ٢٤.
١٣ سورة الرحمن، الآية : ٤٦.
١٤ سورة الأعراف، الآية : ٨٩.
١٥ سورة نوح، الآية : ٢٦.
١٦ سورة يونس، الآية : ٨٨.
١٧ سورة الأنفال، الآية : ٣٢.
١٨ سورة المؤمنون، الآية : ٥٣.
١٩ أخرجه الترمدي في كتاب : صفة جهنم، باب : ما جاء في صفة شراب أهل النار ( ٢٥٨٣ ).
٢٠ سورة غافر، الآية : ٤٩.
٢١ الآية :﴿ قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم ﴾ سورة غافر، الآية : ٥٠.
٢٢ سورة غافر، الآية : ٥٠.
٢٣ سورة الزخرف، الآية : ٧٧.
٢٤ سورة غافر، الآية : ١٠.
٢٥ سورة السجدة، الآية : ١٢.
٢٦ سورة السجدة، الآية : ١٣.
٢٧ سورة إبراهيم، الآية : ٤٤.
٢٨ سورة إبراهيم، الآية : ٤٤.
٢٩ سورة فاطر، الآية : ٣٧.
٣٠ سورة فاطر، الآية : ٣٧.
٣١ سورة المؤمنون، الآية : ١٠٥.
٣٢ سورة المؤمنون، الآية : ١٠٨.
٣٣ سورة فاطر، الآية : ١٤.
٣٤ سورة الشمس، الآية : ٧.
٣٥ سورة فاطر، الآية : ١٠.
٣٦ أخرجه الترمذي في كتاب : الدعوات ( ٣٥١٨ ).
٣٧ أخرجه الترمذي في كتاب : الدعوات، باب : دعاء أم سلمه ( ٣٥٩٠ ).
٣٨ أخرجه الترمذي في كتاب : تفسير القرآن، باب : ومن سورة إبراهيم ( ٣١١٩ ).
٣٩ أخرجه البخاري في كتاب : العلم، باب : قول المحدث حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا ( )و ؟ أخرجه مسلم في كتاب : صفات المنافقين وأحكامهم، باب : مثل المؤمن مثل النخلة ( ٢٨١١ ).
٤٠ أخرجه الترمذي في كتاب : الدعوات، باب : الدعوات ( ٣٤٦٥ ).
٤١ أخرجه البخاري في كتاب : الجنائز، باب : ما جاء في عذاب القبر( ١٣٦٩ ) وأخرجه مسلم في كتاب : الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب : عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ( ٢٨٧١ ).
٤٢ أخرجه أبو داود في كتاب : السنة، باب : المسألة في القبر وعذاب القبر ( ٤٧٤٠ ).
٤٣ أخرجه البخاري في كتاب : الجنائز، باب : الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف ( ١١٩٣ )
٤٤ أخرجه البخاري في كتاب : الجنائز، باب : الميت يسمع خفق النعال ( ١٣٣٨ ) وأخرجه مسلم في كتاب : الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب : عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ( ٢٨٧٠ ).
٤٥ أخرجه الترمذي في كتاب : الجنائز، باب : ما جاء في عذاب القبر( ١٠٦٥ )
٤٦ رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح.
٤٧ أخرجه البخاري في كتاب : المغازي، باب : قتل أبي جهل ( ٣٩٧٧ ).
٤٨ سورة الزخرف، الآية : ٦٧.
٤٩ سورة الأنعام، الآية : ٤٤.
٥٠ فيه بقية بن الوليد أورده الذهبي في الضعفاء. انظر فيض القدير ( ٦٠٠٨ ).
٥١ سورة البقرة، الآية : ١٢٦.
٥٢ سورة النحل، الآية : ٣٥.
٥٣ سورة النساء، الآية : ٤٨.
٥٤ الآية :﴿ وارزق أهله من الثمرات ﴾ سورة البقرة، الآية : ١٢٦.
٥٥ سورة البقرة، الآية : ١٢٦.
٥٦ أخرجه البخاري في كتاب : الجزية، باب : إثم الغادر للبر والفاجر ( ٣١٨٩ ) وأخرجه مسلم في كتاب : الحج، باب : تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام ( ١٣٥٣ ).
٥٧ أخرجه البخاري في كتاب : أحاديث الأنبياء، باب :﴿ يزفون ﴾ ( ٣٣٦٥ ).
٥٨ سورة البقرة، الآية : ١٢٥.
٥٩ سورة العنكبوت، الآية : ٥٧.
٦٠ سورة البقرة، الآية : ١٢٤.
٦١ أخرجه الترمذي في كتاب : تفسير القرآن، باب : ومن سورة البقرة ( ٢٩٦٩ ) وأخرجه أبو داود في كتاب : الدعاء ( ١٤٧٨ ) وأخرجه ابن ماجة في كتاب : الدعاء، باب : فضل الدعاء ( ٣٨٢٨ ).
٦٢ أخرجه الترمذي في كتاب : الدعوات، باب : ما جاء في فضل الدعاء ( ٣٣٧١ ). وقال : غريب فيه ابن لهيعة.
٦٣ سورة التوبة، الآية : ١١٤.
٦٤ سورة التوبة، الآية : ١١٤.
٦٥ سورة يوسف، الآية : ٨٢.
٦٦ سورة النافقين، الآية : ١٠.
٦٧ سورة النحل، الآية : ٣٨.
٦٨ سورة مريم، الآية : ٩٠ ٩١.
٦٩ سورة البقرة، الآية : ٢٥٨.
٧٠ سورة الأنفال، الآية : ٣٣.
٧١ سورة غافر، الآية : ٥١.
٧٢ سورة المجادلة، الآية : ٢١.
٧٣ سورة إبراهيم، الآية : ١٣.
٧٤ سورة آل عمران، الآية : ٩.
٧٥ سورة النساء، الآية : ٥٦.
٧٦ أخرجه البخاري في كتاب : الرقاق، باب : يقبض الله الأرض يوم القيامة ( ٦٥٢١ ) وأخرجه مسلم في كتاب : صفات المنافقين وأحكامهم، باب : في البعث والنشور وصفة الأرض ( ٢٧٩٠ ).
٧٧ أخرجه البخاري في كتاب : الرقاق، باب : يقبض الله الأرض يوم القيامة ( ٦٥٢٠ ) وأخرجه مسلم في كتاب : صفات المنافقين وأحكامهم، باب : منزل أهل الجنة ( ٢٧٩٢ ).
٧٨ أخرجه مسلم في كتاب : الحيض، باب : بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما ( ٣١٥ ).
٧٩ أخرجه مسلم في كتاب : صفة يوم القيامة والجنة والنار، باب : في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة ( ٢٧٩١ ).
٨٠ سورة الحاقة، الآية : ١٤.
٨١ سورة عبس، الآية : ٤٠ ٤١.
٨٢ سورة الزمر، الآية : ٦٩.
٨٣ أخرجه البخاري في كتاب : فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب : فضل ما بين القبر والمنبر ( ١١٩٥ ) وأخرجه مسلم في كتاب : الحج، باب : ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ( ١٣٩١ ) وأخرجه النسائي في كتاب : المساجد، باب : فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه ( ٦٩٠ ).
٨٤ سورة الهمزة، الآية : ٧.
٨٥ سورة الفرقان، الآية ٢٤.
٨٦ الآية :﴿ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ﴾ سورة الصافات، الآية : ٦٨.
٨٧ سورة الفرقان، الآية : ٧.
Icon