تفسير سورة إبراهيم

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ لتخرج الناس... ﴾ أي بدعائك إياهم إلى إتباع ما تضمنه الكتاب من التوحيد وغيره، من ظلمات الكفر والضلالة والجهل، إلى نور الإيمان والعلم. وفي جمع ﴿ الظلمات ﴾ وإفراد ﴿ النور ﴾ إشارة إلى أن الكفر طرق كثيرة، وأما الإيمان فطريق وحيد، ﴿ إلى صراط العزيز الحميد ﴾ الصراط : الطريق، استعير للهدى، والعزيز : هو الذي لا يغلبه غالب. والحميد : هو المحمود بكل لسان، الممجد في كل مكان.
﴿ وويل ﴾ هلاك ( آية ٧٩ البقرة ص ٣٥ ) وهو وعيد الكافرين.
﴿ يستحبون الحياة الدنيا... ﴾ يختارونها ويؤثرون لذائذها على الآخرة ونعيمها. ﴿ و يبغونها عوجا ﴾ يطلبون لسبيل الله اعوجاجا وزيغا عن الحق لموافقة أهوائهم. أو يطلبونها معوجة غير مستقيمة. ( آية ٩٩ آل عمران ص١١٨ ).
﴿ بأيام الله ﴾ أي بنعمائه وبلاءه. ﴿ صبار ﴾ كثير الصبر على البلاء ﴿ شكور ﴾ كثير الشكر على النعماء. والصبر : حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع فعلا أو تركا. يقال : صبره عن كذا يصبره إذا حبسه. والشكر : عرفان الإحسان ونشره. وأصله من شكرت الناقة – كفرح- امتلأ ضرعها. ومنه أشكر الضرع : امتلأ.
﴿ يسومونكم ﴾ يبغون لكم ( آية ٤٩ البقرة ص ٢٨ ).
﴿ تأذن ربكم ﴾ اعلم إعلاما لا تبقى معه شبهة، لدلالة صيغة التفعل على المبالغة في الإعلام.
﴿ فردوا أيديهم في أفواهم ﴾ عضوا على أناملهم غيظا وحنقا. أو وضعوا أيديهم على أفواهم، إشارة منهم إلى الرسل : أن أسكتوا. ﴿ وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ﴾ أي ما جئتم به من المعجزات والبينات. ﴿ و إنا لفي شك مما تدعونا إليه ﴾ من الإيمان والتوحيد﴿ مريب ﴾ موقع في الريبة. أو ذي ريبة ( آية٦٢ هود ص ٣٦٨ ).
﴿ فاطر السماوات والأرض ﴾ مبدعهما ومبدع ما فيهما على أحكم نظام، دون احتذاء مثل سابق ( آية ١٤ الأنعام ص ٢١٧ ).
﴿ بسلطان مبين ﴾ بحجة ظاهرة على صدقكم، تتسلط بقوتها على نفوسنا وتجذبها إلى اليقين، من السلاطة وهي التمكن من القهر. يقال : سلطته فتسلط.
﴿ مقامي ﴾ قيامي عليه ومراقبتي له. أو مكان وقوفه بين يدي للحساب.
﴿ و استفتحوا ﴾ استنصروا الله على أعدائهم، من الفتح بمعنى النصر. أو طلبوا من الله الحكم بينهم وبين أعدائهم، من الفتح بمعنى الحكم بين الخصمين. والسين والتاء للطلب.
﴿ جبار ﴾ متعظم في نفسه، متكبر على أقرانه : يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها.
﴿ عنيد ﴾ معاند للحق، مباه بما عنده، من العند بمعنى الميل. يقال : عند عن الطريق – كنصر وضرب وكرم – عنودا، مال، وعند : خالف الحق، ومنه العائد، للبعير يحور عن الطريف ويعدل.
﴿ ماء صديد ﴾ هو ما يسيل من أحساد أهل النار. وأصل الصديد : ماء الجرح الرقيق، وهو بدل من ﴿ ماء ﴾. ﴿ يتجرعه ﴾ يتكلف بلعه مرة بعد أخرى، لمرارته وحرارته مع غلبة العطش عليه. والجرع : البلع. وفعله كسمع ومنع.
﴿ ولا يكاد يسيغه ﴾ أي ولا يقارب أن يسيغه فضلا عن الإساغة، بل يغص به فيشربه بعد عناء جرعة جرعة غب جرعة. والسوغ : انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس. يقال : ساغ الشراب سوغا وسواغا، إذا كان سهل المدخل.
﴿ مثل الذين كفروا... ﴾ شبه ما يعمله الكافرين في الدنيا من أعمال البر والخير في حبوطها وذهابها هباء منثورا في الآخرة، لابتنائها على غير أساس من الإيمان والعلم لله – برماد أسرعت به الريح الشديدة الهبوب ففرقته، فلم يبق له أثر و. ﴿ عاصف ﴾ شديد الريح.
﴿ وبرزوا لله جميعا ﴾ خرجوا من قبورهم يوم القيامة، وظهروا في الفضاء للجزاء على أعمالهم. وأصل البروز : الظهور، مأخوذ من البراز، وهو الفضاء الواسع، ثم استعير لمجتمع الناس يوم القيامة. ﴿ سواء علينا أجزعنا.... ﴾ أي مستو علينا الجزع والصبر والجزع : حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده.
يقال : جزع يجزع جزعا وجزوعا، إذا ضعف عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا. ﴿ ما لنا من محيص ﴾ محيد ومهرب من العذاب. يقال : حاص عنه يحيص حيصا ومحيصا، إذا عدل عنه وحاد على جهة الفرار.
﴿ ما أنا بمصرخكم ﴾ مغيثكم ومنقذكم مما أنتم فيه من العذاب. ﴿ و ما أنتم بمصرخي ﴾ بمغيثي مما أنا فيه منه. يقال : صرخ يصرخ صرخا وصراخا، إذا استغاث، فهو صارخ وصريخ، أي مستغيث طالب للنصرة والمعاونة، وذاك مصرخ أي مغيث. واستصرخته فأصرخني : استغثت به فأغاثني، فهو صريخ ومصرخ، أي مغيث من الصراخ وهو الصياح الشديد عند الفزع أو المصيبة.
﴿ ضرب الله مثلا ﴾ أي لكلمتي الإيمان والكفر. أو لمعرفة الله تعالى ومحبته وطاعته، وضد ذلك. ﴿ أصلها ثابت ﴾ ضارب بعروقه في الأرض. ﴿ وفرعها ﴾ أي أعلاها.
﴿ أكلها ﴾ ثمرها الذي يؤكل.
﴿ اجتثت ﴾ اقتلعت جثتها، أي شخصها وذاتها. ﴿ من فوق الأرض ﴾ لقرب عروقها من سطح الأرض. يقال : اجتثثت الشيء اجتثاثا، إذا اقتلعته واستأصلته. وهو افتعال من لفذ الجثة وهي شخص الشيء.
﴿ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾ في مدة الحياة الدنيا وفي القبر عند السؤال. وقيل : في الحياة الدنيا وفي يوم القيامة.
﴿ دار البوار ﴾ دار الهلاك. ويطلق البوار أيضا على الكساد. يقال بار المتاع بوارا، كسد.
و الكاسد في حكم الهالك.
﴿ أندادا ﴾ أمثالا في التسمية أو في العبادة، وهي الأصنام والأوثان.
﴿ و لا خلال ﴾ ولا مخالة، أي لا موادة في يوم القيامة بين الناس تنفع في تدارك ما فات. مصدر خاللت. أو جمع خليل أو خلة بمعنى الصداقة، كقلة وقلال.
﴿ الله الذي خلق السماوات.... ﴾ ذكر لهذا الموصول سبع صلات : أوله- خلق السماوات، وآخرها، ﴿ وآتاكم من كل ما سألتموه ﴾. وهي تشتمل على عشرة أدلة على وحدانيته تعالى وعلمه وقدرته : خلق السماوات، وخلق الأرض، وإنزال المطر من السماء، وإخراج الثمرات به، وتسخير الفلك في البحار، وتسخير الأنهار، وتسخير الشمس وتسخير القمر دائبين وتسخير الليل والنهار للتمكين من السعي للكسب، وإعطاء ما يحتاج إليه الناس في معاشهم.
﴿ دائبين ﴾ دائمين في إصلاح ما يصلحان من الأبدان وغيرهما. أو دائمين في السير في مدراهما بغير اختلال، لا يفتران عن ذلك ما دامت الدنيا، من الدأب- بسكون الهمزة وفتحها – وهو العادة المستمرة على حالة واحدة. ( آية ١١١ آل عمران ص ٩٩ ).
﴿ واجنبني.. ﴾ أبعدني وبني عن عبادة الأصنام، من جنبته عن كذا : أبعدته عنه. وجنبته – بالتشديد - مبالغة.
﴿ من ذريتي ﴾ أي بعضهم، وهو ابنه إسماعيل عليه السلام الذي رزق به من السيدة هاجر،
وأوحي إليه أن ينقلهما إلى مكة عند المكان الذي سيبني فيه البيت المحرم.
﴿ تهوي إليهم ﴾ تسرع إليهم شوقا وودادا. يقال : هوى يهوى هويا، إذا أسرع في السير.
أو تزيدهم، كما تقول : رأيت فلانا يهوي نحوك، أي يريدك.
﴿ إسماعيل ﴾ من السيدة هاجر ﴿ و إسحاق ﴾ من السيدة سارة. وإسماعيل أسن من أخيه، وبينهما ثلاث عشرة سنة، على ما قيل.
﴿ اغفر لي ولوالدي ﴾ طلب المغفرة لوالديه قبل أن يتبين له أن والده عدو الله، وكانت أمة مؤمنة، ثم لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، ونهى عن الاستغفار له.
﴿ تشخص فيه الأبصار ﴾ ترتفع فيه أبصار أهل الموقف، فلا تطرف أجفانهم من هول ما يرونه. يقال : شخص بصره شاخص، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف. وشخص شخوصا : ارتفع.
﴿ مهطعين ﴾ مسرعين إلى الداعي بذلة واستكانة، كإسراع الأسير والخائف. يقال : أهطع في عدوه يهطع إهطاعا، إذا أسرع ﴿ مقنعي رءوسهم ﴾ رافعيها إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء. يقال : أقنع رأسه، إذا نصبه ورفعه، أو لم يلتفت يمينا وشمالا، بل جعل طرفه موازيا. ﴿ لا يرتد إليهم طرفهم ﴾ أي لا ترجع إليهم أجفانهم التي يكون فيها الطرف، أي التحريك. ﴿ وأفئدتهم هواء ﴾ وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم، لا تعي شيئا، ولا تعقل من شدة الخوف والدهشة.
﴿ يوم تبدل الأرض ﴾ ظرف للانتقام. وتبديل الأرض والسماوات في ذلك اليوم : تغيير صفاتهما وهيئاتهما عما كانتا عليه في الدنيا. يقال : بدلت الحلقة خاتما، إذا غيرت شكلها.
﴿ و برزوا لله ﴾ خرجوا من أجداثهم ليستوفوا جزاءهم ( آية ٢١ من هذه السورة ).
{ مقرنين في الأصفاد ) المقرن : من جمع مع غيره في قرن، وهو الوثاق. والأصفاد : جمع صفد، وهو القيد الذي يوضع في الرجل. أو الغل الذي تضم به اليد والرجل إلى العنق، أي قرن بعضهم مع بعض، وضم كل لمشاركه في كفره. أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابه بالأغلال.
﴿ سرابيلهم من قطران ﴾ أي تطلى جلوده بالقطران، وهو ما تهنأ به الإبل الجربى، وهو حار نتن شديد الاشتعال بالنار، حتى يكون الطلاء كالسرابيل- أي القمصان- ليجتمع لهم لذع القطران وكراهية لونه ونتن ريحه، وإسراع النار في جلودهم. ﴿ وتغشى وجوههم النار ﴾ تعلوها وتحيط بها النار التي تسعر بأجسادهم المسربلة بالقطران، من الغشي وهو التغطية.
والله أعلم.
Icon