تفسير سورة إبراهيم

معاني القرآن للزجاج
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج المعروف بـمعاني القرآن للزجاج .
لمؤلفه الزجاج . المتوفي سنة 311 هـ

سُورَة إبْراهِيمَ
مكية إلَّا اثنَتَين مِنهَا
نزلت بالمدينة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ) إلى قوله: (وَبِئْسَ الْقَرَارُ).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله عزَّ وجلَّ: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)
(كِتَابٌ) مرفوع على خبر الابتداء، المعنى هذا كتاب أنزلناه إليك.
وقال بعضهم كتاب مرتفع بقوله (الر) و (الر) ليست هي الكتاب إنما هي شيء من الكتاب. ألا ترى قوله (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ).
فإنما الكتاب جملة الآيات وجملة القرآن.
وقوله: (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).
(الظلمات) ما كانوا فيه من الكفر، لأن الكفر غير بَينٍ فمُثلَ بالظلمات.
والإيمان بين نَيِّر فَمُثلَ بالنور، والباء متصلة بـ يخرج، المعنى ليخرج الناس بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، أي بما أذن اللَّه لك من تَعْلِيمهمْ، ويجوز أن يكون بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أنه لا يهتدي مهتدٍ إلا بإذن اللَّه ومشيئته، ثم بيَّنَ ما النور فقال:
(إلَى صِراطِ العزِيزِ الحَمِيدِ).
(الحميدِ) خفض من صفة (العزيزِ) ويجوز الرفع على معنى الحميدُ اللَّه
ويرتفع (الحميد) بالابتداء وقولك " اللَّه " خبر الابتداء، ويجوز أن يرفع اللَّهُ
ويخفض (الحميد) على ما وصفنا.
ويكون اسم اللَّه يرتفع بالابتداء.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣)
(وَيبْغونَهَا عِوجاً).
أيْ يَطْلِبُونَ غير سَبِيل القَصْدِ وصراطِ الله وهو القَصْد، والعوج في
الدين مبني على فِعَل، وفي العَصَا عَوَجٌ بفتح العَيْن.
ونصب (عِوجاً) على الحال مصدر موضوع في موضع الحال.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)
أي بلغة قومه ليَعْقِلَ عنه قومُه، (فَيُضِل اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ)، الرفع هو الوَجْهُ
وهو الكلام وعليه القراءة، والمعنى إنما وقع الإرسال للبيان لا للِإضلال.
ويجوز النصبُ على وجه بعيدٍ، فيكون (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي)، ويكون سبب الإِضلال الصيرورة إليه كما قال: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)، أي التقطوه فآل ذلك إِلى أن صار لهم عدواً وحزناَ، ولم يلتقطوه هم ليكون لهم عدواً وحَزَناً، وكذلك يكون: (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ)، أي فيؤول الأمر إلى أَنْ يَضِلُوا فيضلهم اللَّه.
والقول الأول هو القول وعليه القراءة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)
أي البرهانِ الذي دل على صحة نبوته، نحو إخراج يده بيضاء وكون
العصا حيَّة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ).
أي بأن اخْرجْ قومَكَ. المعنى أرسلناه بأن يخرج قومه (من الظلمات إلى
النور)، أي من ظلمات الكفر إلى نور الِإسلام.
و" أنْ " ههنا يصلح أنْ يكون لْي معنىْ " أنْ " المخففة، وتكون مُفَسَّرةً، ويكون المعنى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج قومك، كأن المعنى قلنا له: أخْرِجْ قومَكَ، ومثل هذا: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا).
أي امشوا. والتأويل: قالوا لهم: امشوا.
قال سيبويه تقول كتبت إليه أن قُمْ، وأمرته أن قُمْ، إن شئت كانت " أن "
وصلت بالأمر، والتأويل تأويل الخبر، المعنى كتبْت إليهَ أن يَقُومَ وأمرته أنْ
يَقومَ، إلا أنها وُصِلَتْ بلفظ الأمْر للمخاطب، والمعنى معنى الخبر، كما
تقول، أنت الذي فعلت، والمعنى أنت الذيِ فَعَلَ
قال: ويجوز أن يكون في معنى أي، ومثله أرسلت إليه أنْ مَا أنْتَ وذَا.
وقوله: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ).
(وَذَكِّرْهُمْ) عطف على (اخرِجْ)، وتذكيرهم بأيام اللَّه، أي تذكيرهم بنَعَمِ
أيامِ الله عليهم، وبنقم اللَّه التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمودَ، أي
ذكرهم بالأيام التي سَلَفَتْ لمن كفر وما نزل بهم فيها، وذَكِرْهًمْ. بنعَم اللَّه.
والدليل على أن التذكير مشتمل على الِإنْذار والتَّحْذِير مما نزِل بِمَنْ قبلهم قوله عزَّ وجلَّ بعد هذه الآية: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)
أي ألم يأتهم أخبارُ أُولَئِكَ والنَوَازِلِ بهِمْ، (لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ).
فأعلم الله أن بعد هؤلاء أمَماً قد مضى من كان يعلم أنباءَهَا، ومن هذا
قيل: كذب النَّسَّابُونَ لأنهم لا يعلمون من كان بعد هؤلاء.
وهذا يروى عن النبي - ﷺ -.
(جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ).
يروى عن ابن مسعود أنهم عَضوا أناملهم غيظاً مما أتَتْهُم به الرسلُ.
وقيل: (رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)، أومأوا إلى الرسل أن اسكتُوا.
وقيل ردوا أيْدِيَهُمْ، الهاء والميمَ يرجعان على الرسل، المعنى ردوا أيدي الرسل أي نِعَمَ الرسُل لأن مَجيئهم بالبيَّنَّاتِ نِعَم، تقول: لفلان عندي يَدٌ أي نِعْمَة، ومعنى في أفْوَاهِهِم بأفواههم، أي ردوا تلك النعم بالنطق بالتكذيب لِمَا جاءت به الرسُلُ، والمعنى أن الردَّ جَاء في هذه الجهة، وفي معناها، كما تقول: جلست في البيت، وجلست بالبيت.
وقالوا: (وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ).
هذا هو الرد.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥)
(اسْتَفْتَحُوا) يُعْنَى به الرسُلُ، سألوا اللَّه أن يفتح عليهم أي ينصرهم.
وكل نصْرٍ فهو فَتْحٌ، والجَبَّار الذي لا يَرى لأحَدٍ عَلَيه حَقًّا، والعنيد الذي يعدل عن القَصْدِ، يقال جبَّار بَين الجَبْرِيَّة، والجِبْريَّةُ - بكسر الجيم - والجِبِرية بكسر الجيم والباء، والجَبَرُوَّة والجَبَرَوَّة، والتجْبَار والجبرياء، والجَبُّورة والجبرُوتُ.
* * *
(مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦)
أي جهنم بين يديه، و " وراء " يكون لخلف وقُدَّام، وإنما معناه ما توارى
عنك أي ما استتر عنك، وليس من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة، قال النابغة:
حَلَفْت فلمْ أترك لنفسك ريبةً... وليس وراءَ الله للمرء مَذْهَبُ
أي ليس بعد مذاهب الله للمرء مذهب.
(وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ).
أي مما يسيل من أهل النَّار من الدَّم والقيح.
* * *
(يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)
أي لا يقدر على ابتلاعه، يقال ساغ لي الشراب وَأسَغْتُه.
(وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ).
أي من بعد ذلك.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨)
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ)
فهو مرفوع على معنى وفيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا بِرَبِّهم، أو
مَثَل الذين كفروا بربهم - فيما يتلى عليكم، وجائز أن يكون - واللَّهُ أعلم - مثل الذين كفروا بربهم صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم، كأنك قلت: " الذين كفروا بربهم أعمالهم "، كما تقول صفة زيد أسمر، المعنَى زيدٌ أسمَرُ وتأويله أن كل ما يتقرب به الذين كفروا إلى اللَّه فمُحْبَطٌ.
قال الله عزَّ وجلَّ: (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُم فِي الدُّنْيَا والآخِرَة).
ومثله: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ).
وقوله: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)
أي جمعهم الله في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع.
(فَقَالَ الضُعَفَاءُ)، وهمُ الأتباعُ.
(للذين استكبروا) وَهم المَتْبوعونَ.
(إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا).
أي اتبَعناكم فيما دعوتمونا إليه، وتَبَعاً جمع تَابع، يقال تابع وتَبَعُ، مثل
غائب وغَيَبٌ، وجائز أن يكون تبع مَصْدَراً سمِّيَ به، أي كنا ذوي تبع.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا).
(سَوَاءٌ) رفع بالابتا اء، و (أَجَزِعْنَا) في موضع الخبر.
(مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ).
أي ما لنا من مهرب ولا مَعْدِل عن العذابِ، يقال حاص عن الشيء
يَحِيص، وَجَاصَ عنه يَجِيصُ في معنى واحدٍ.
وهذه اللغة لا تجوز في القرآن ويقال: وقع في حَيْصَ بيْصَ، وَحَاصَ باصَ وحَاصٍ بَاصٍ، إذا وقع فيما لا يقدرُ أن يتخلص منه.
* * *
(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢)
روي أنه إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النَّارِ قام إبليس
عليه لعنة الله خطيباً، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ)، أي وَعَدَ من أطاعه الجنة ووعد مَن عَصاه النَّارَ، (وَوَعَدْتُكُمْ) خلاف ذلك وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم مِنْ سُلْطَانٍ. أي ما أظهرت لكم مِنْ حُجةٍ.
(إلا أن دَعَوْتُكمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي).
أي أغويتكم وأضللتُكمْ، فاتبعتموني.
ذكر اللَّه - عزَّ وجلَّ - أن إبليس
158
وما يقوله في القيامة تحذيراً من إضلاله وإغوائه.
(مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ).
أي ما أنا بمُغيثكم، ولا أنتم بمُغِيثي، قُرِئَتْ بِمُصْرخِيَّ - بفتح الياء.
كذا قرأه الناس، وقرأ حمزة والأعشى بمُصْرِخِىِّ بكسر الياء، وهذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف ذكره بعض
النحويين (١)، وذلك أن ياء الِإضافة إذَا لم يكن قبلها ساكن حُرِّكَتْ إلى الفتح:
تقول: هذا غلامِيَ قد جاءَ، وذلك أن الاسم المضمَرَ لمَّا كان على حرف
واحدٍ وقد منع الإعراب حرك بأخف الحركات، كما تقول: هو قائم فتفتح
الواو، وتقول: أنا قمْتُ فتفتح النون، ويجوز إسكانُ الياء لِثِقَلِ الياء التي
قبلها كسرة، فإذا كان قبل الياء سَاكِن خرِّكَتْ إلى الفتح لا غير، لأن أصلها أن تحرك ولا ساكن قبلها، وإذا كان قبلها ساكن صارت حركتها لازمَةً لالتقاء السَّاكنين،.
ومن أجاز بمصْرخيِّ بالكسر لَزِمَهُ أن يقول: هذه عَصَاي أتوكأ
عليها، وأجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء السَّاكنين
الكسرُ، وأنشد:
قال لها هل لك يا ثافيِّ... قالت له مَا أنتَ بالمَرْضِيِّ
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ العامَّةُ على فتحِ الياءِ؛ لأنَّ الياءَ المدغمَ فيها تُفْتَحُ أبداً لا سيما وقبلها كسرٌ ثانٍ. وقرأ حمزةُ بكسرِها، وهي لغةُ بني يَرْبوع. وقد اضطربت أقوالُ الناس في هذه القراءةِ اضطراباً شديداً: فمِنْ مُجْتَرِئٍ عليها مُلَحِّنٍ لقارئها، ومِنْ مُجَوِّزٍ لها من غير ِ ضعفٍ، ومِنْ مجوِّزٍ لها بضعفٍ.
قال حسين الجعفي: «سألتُ أبا عمروٍ عن كسرِ الياءِ فأجازه». وهذه الحكايةُ تُحكى عنه بطرقٍ كثيرة، منها ما تقدَّم، ومنها: «سألت أبا عمروٍ وقلت: إن أصحابَ النحوِ يُلْحِّنُوننا فيها فقال: هي جائزة أيضاً، إنما أراد تحريك الياء، فلستَ تبالي إذا حَرَّكْتَها إلى أسفلَ أم إلى فوقُ». وعنه: مَنْ شاء فتحَ، ومَنْ شاء كسر، ومنها أنه قال: إنها بالخفضِ حسنةٌ. وعنه قال: قَدِم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألتُه عن القرآن فوجدْتُه به عالماً، فسألتُه عن شيء [مِنْ] قراءة الأعمش واستشعرتُه ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ بالجرِّ فقال: هي جائزةٌ، فلما أجازها وقرأ بها الأعمشُ أَخَذْتُ بها.
وقد أنكر أبو حاتم على أبي عمروٍ تحسينَه لهذه القراءةِ، ولا التفاتَ إليه لأنه عَلَمٌ من أعلامِ القرآن واللغةِ والنحوِ، واطَّلع على ما لم يطَّلع عليه [مَنْ فوقَ السجستاني]:
٢٨٧٧ - وابنُ اللَّبُونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ... لم يستطعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القناعيسِ
ثم ذكر العلماءُ في ذلك توجيهات: منها أنَّ الكسرَ على أصلِ التقاءِ الساكنين، وذلك أنَّ ياءَ الإِعرابِ ساكنةٌ، وياءَ المتكلمِ أصلُها السكونُ، فلمَّا التقيا كُسِرَتْ لالتقاء الساكنين. الثاني: أنها تُشْبِهُ هاءَ الضميرِ في أنَّ كلاًّ منهما ضميرٌ على حرف واحد، وهاءُ الضميرِ تُوْصَلُ بواوٍ إذا كانت مضمومةً، وبياءٍ إذا كانت مكسورة، وتُكْسَرُ بعد الكسرةِ والياءِ الساكنة، فَتُكْسَرُ كما تُكْسَرُ الهاءُ في «عليْهِ»، وبنو يربوعٍ يَصِلونها بياءٍ، كما يَصِل ابن كثير نحو: «عليهي» بياء، فحمزةُ كسرَ هذه الياءَ من غير صلةٍ، إذ أصلُه يقتضي عدَمها. وزعم قطرب أيضاً أنها لغةُ بني يربوع، قال: يزيدون على ياء الإِضافة ياءً، وأنشد:
٢٨٧٨ - ماضٍ إذا ما هَمَّ بالمُضِيِّ... قال لها: هل لكِ ياتا فِيَّ
أنشده الفراء وقال: «فإنْ يَكُ ذلك صحيحاً فهو ممَّا يلتقي من الساكنين». وقال أبو عليّ: «قال الفراء في كتاب» التصريف «له: زعم القاسم بن معن أنه صوابٌ، وكان ثقةً بصيراً».
ومِمَّن طعن عليها أبو إسحاقَ قال: «هذه القراءةُ عند جميعِ النحويين رديئةٌ مَرْذُوْلَةٌ ولا وجهَ لها إلا وجهٌ ضعيفٌ». وقال أبو جعفر: «صار هذا إدغاماً، ولا يجوز أن يُحْمل كتابُ اللهِ تعالى على الشذوذ». وقال الزمخشري: «هي ضعيفةٌ، واستشهدوا لها ببيتٍ مجهول:
٢٨٧٩ - قال لها: هل لكِ ياتا فِيَّ... قالت له: ما أنت بالمَرْضِيِّ
وكأنه قدَّر ياء الإِضافة ساكنةً، وقبلها ياءٌ ساكنة، فحرَّكها بالكسر لِما عليه أصلُ التقاءِ الساكنين، ولكنه غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ ياءَ الإِضافةِ لا تكونُ إلا مفتوحةً حيث قَبْلها ألفٌ نحو:»
عصايَ «فما بالُها وقبلَها ياءٌ؟ فإن قلتَ: جَرَتِ الياءُ الأولى مَجْرى الحرفِ الصحيح لأجل الإِدغامِ فكأنها ياءٌ وقعَتْ [ساكنةً» بعد حرفٍ صحيحٍ ساكنٍ فَحُرِّكَتْ بالكسرِ على الأصل. قلت: هذا قياسٌ حسنٌ، ولكن الاستعمالَ المستفيضَ الذي هو بمنزلةِ الخبرِ المتواترِ تتضاءلُ إليه القياساتُ «.
قال الشيخ:»
أمَّا قولُه «واستشهدوا لها ببيتٍ مجهولٍ، فقد ذكر غيرُهُ أنه للأغلبِ العجليّ، وهي لغةٌ باقيةٌ في أفواهِ كثيرٍ من الناس إلى اليوم يقولون:» ما فِيَّ أفعلُ «بكسر الياء». قلت: الذي ذكر صاحبَ هذا الرجزِ هو الشيخُ أبو شامةَ، قال: «ورأيتُه أنا في أول ديوانِه، وأولُ هذا الرجز:
٢٨٨٠ - أقبل في ثَوْبٍ مَعافِرِيِّ... عند اختلاط الليلِ والعَشيِّ
ثم قال الشيخ:»
وأمَّا التوجيهُ الذي ذكره فهو توجيه الفراء نقله عنه الزجَّاج. وأمَّا قولُه في غضونِ كلامِه «حيث قبلها ألفٌ» فلا أعلم «حيث» تضاف إلى الجملةِ المصدرةِ بالظرف نحو: «قعد زيد حيث أمام عمروٍ بكر» فيحتاج هذا التركيب إلى سماعٍ «قلت: إطلاقُ النحاةِ قولَهم: إنها تضافُ إلى الجملِ كافٍ في هذا، ولا يُحتاج [إلى] تَتَبُّع كلِّ فردٍ فردٍ، مع إطلاقِهم القوانينَ الكلية.
ثم قال: وأمَّا قولُه»
ياء الإِضافةِ إلا آخره «قد رُوي سكونُ الياءِ بعد الألف، وقد قرأ بذلك القراءُ نحو» محياْيْ «. قلت: مجيءُ السكون في هذه الياءِ لا يُفيده ههنا، وإنما كان يفيده لو جاء بها مكسورةً بعد الألف فإنه مَحَلُّ البحثِ. وأنشد النحاة بين الذبياني بالكسرِ والفتحِ، وهو قوله:
٢٨٨١ - عليَّ لِعمروٍ نِعْمةٌ بعد نعمةٍ... لوالدِه ليسَتْ بذاتِ عَقارِبِ
وقال الفراء في كتاب»
المعاني «له:» وقد خَفَضَ الياء مِنْ «بمُصْرِخِيِّ» الأعمشُ ويحيى بنُ وثاب جميعاً، حدَّثني بذلك القاسمُ بن مَعْن عن الأعمش، ولعلها مِنْ وَهْم القرَّاء، فإنه قَلَّ مَنْ سَلِمَ منهم مِنَ الوَهْمِ، ولعله ظنَّ أن الباءَ في «بمُصْرِخِيَّ» خافضةٌ للفظِ كلِّه، والياءُ للمتكلم خارجةٌ من ذلك «.
قال: «ومما نرى أنهم وَهِمُوا فيه قوله: ﴿نُوَلِّهْ مَا تولى وَنُصْلِهْ جَهَنَّمَ﴾ بالجزم في الهاء»
. ثم ذكر غيرَ ذلك.
وقال أبو عبيد: «أمَّا الخفضُ فإنَّا نراه غلطاً، لأنهم ظنُّوا أن الباءَ تُكْسِرُ كلَّ ما بعدها، وقد كان في القرَّاء مَنْ يجعله لحناً، ولا أحبُّ أن أبلغَ به هذا كلِّه، ولكنَّ وجهَ القراءةِ عندنا غيرُها».
قال الأخفش: «ما سَمِعْتُ بهذا مِنْ أحد من العرب ولا من أحدٍ من النحويين». قال النحاس: «فصار هذا إجماعاً».
قلت: ولا إجماعَ. فقد تقدَّم ما حكاه الناسُ من أنها لغةٌ ثانيةٌ لبعضِ العربِ. وقد انتدب لنُصرةِ هذه القراءة أبو عليٍّ الفارسيّ، قال في «حُجَّته». «وجهُ ذلك أن الياءَ ليسَتْ تخلُو مِنْ أَنْ تكونَ في موضعِ نصبٍ أو جرّ، فالياءُ في النصبِ والجرِّ كالهاء فيهما، وكالكاف في» أكرمتُك «و» هذا لك «، فكما أنَّ الهاءَ قد لحقَتْها الزيادةُ في هذا: لهُوْ، وضَرَبَهُوْ، / ولحقَ الكاف أيضاً الزيادةُ في قولِ مَنْ قال» أَعْطَيْتُكاه «و» أَعْطَيْتُكِيْه «فيما حكاه سيبويه، وهما أختا الياء، ولحقت التاءَ الزيادةُ في قول الشاعر:
٢٨٨٢ - رَمَيْتِيْهِ فَأَصْمَيْتِ... وما أَخْطَأْتِ [في] الرَّمْيَهْ
كذلك ألحقوا الياءَ الزيادةَ مِن المدِّ فقالوا:»
فِيَّ «، ثم حُذِفَتْ الياءُ الزائدةُ على الياءِ كما حُذِفَتِ الزيادةُ مِن الهاء في قولِ مَنْ قال:
٢٨٨٣ -......................................... لَهْ أَرِقانِ
وزعم أبو الحسنِ أنها لغةٌ»
.
قلت: مرادُ أبي عليٍّ بالتنظير بالبيت في قولِه: «لَهْ أَرِقان» حَذْفُ الصلةِ، واتفق أن في البيت أيضاً حَذْفَ الحركةِ، ولو مَثَّل بنحو «عليهِ» و «فيهِ» لكن أولى.
ثم قال الفارسيُّ: «كما حُذِفَتْ الزيادةُ من الكاف فقيل: أعطيتكَهُ وأَعْطَيْتُكِهِ، كذلك حُذِفت الياءُ اللاحقةُ للياء كما حُذِفَتْ من أُخْتَيْها، وأُقِرَّتْ الكسرةُ التي كانت تلي الياء المحذوفةَ فبقيت الياءُ على ما كانت عليه من الكسرِ». قال: «فإذا كانت الكسرةُ في الياء على هذه اللغةِ - وإن كان غيرُها أَفْشى منها، وعَضَدَه مِن القياسِ ما ذكرناه لم يَجُزْ لقائلٍ أن يقول: إن القراءةَ بذلك لحنٌ لاستقامةِ ذلك في السماعِ والقياسِ، وما كان كذلك لا يكون لحناً».
قلت: وهذا التوجيهُ هو توضيحٌ للتوجيه الثاني الذي قدَّمْتُ ذِكْرَه. وأما التوجيهُ الأولُ فأوضحه الفراءُ أيضاً، قال الزجاج: «أجاز الفراء على وجهٍ ضعيفٍ الكسرَ لأنَّ أصلَ التقاءِ الساكنين الكسرُ».
قال الفراء: «ألا ترى أنهم يقولون: مُذُ اليومِ، ومُذِ اليوم، والرفعُ في الذال هو الوجهُ، لأنه أصلُ حركةِ» منذ «، والخفضُ جائزٌ، فكذلك الياءُ من» مُصْرِخيَّ «خُفِضَتْ ولها أصلٌ في النصب».
قلت: تشبيهُ الفراءِ المسألةَ ب «مذ اليوم» فيه نظر؛ لأنَّ الحرفَ الأولَ صحيحٌ، ولم يتوالَ قبله كَسْرٌ بخلافِ ما نحن فيه، وهذا هو الذي عناه الزمخشريُّ بقوله فيما قدَّمْتُه عنه: «فكأنها وقعَتْ بعد حرفٍ صحيح». وقد اضطرب النقلُ عن الفراء في هذه المسألةِ كما رأيْتَ «مِنْ نَقْلِ بعضِهم عنه التخطئةَ مرةً، والتصويبَ أخرى، ولعل الأمرَ كذلك، فإنَّ العلماءَ يُسأَلُونَ فيُجيبون بما يَحْضُرهم حالَ السؤالِ وهي محتلفةٌ.
التوجيهُ الثالث: أنَّ الكسرَ للإِتباع لِما بعدها، وهو كسرُ الهمزِ من»
إنِّي «كقراءةِ» الحمدِ لله «، وقولهم» بِعِير وشِعِير وشِهيد، بكسر أوائِلها إتباعاً لما بعدها، وهو ضعيفٌ جداً.
التوجيه الرابع: أنَّ المسوِّغ لهذا الكسرِ في الياء وإن كان مستثقلاً أنَّها لَمَّا أُدْغِمَتْ فيها التي قبلها قَوِيَتْ بالإِدغام، فأشبهتِ الحروفَ الصِّحاحَ فاحتملتِ الكسرَ؛ لأنه إنما يُسْتَثْقَلُ فيها إذا خَفَّتْ وانكسر ما قبلها، ألا ترى أن حركاتِ الإِعرابِ تجري على المشدِّدِ وما ذاك إلاَّ لإِلحاقِه بالحروفِ الصِّحاح.
والمُصْرِخُ: المُغِيْث يُقال: اسْتَصْرَخْتُه فَأَصْرَخَني، أي: أعانني، وكأنَّ همزتَه للسَّلْب، أي: أزال صُراخي. والصَّارخ هو المستغيثُ. قال الشاعر:
٢٨٨٤ - ولا تَجْزَعوا إني لكمْ غيرُ مُصْرِخٍ... وليس لكم عندي غَناءٌ ولا نَصْرُ
ويُقال: صَرَخَ يَصْرُخُ صَرْخاً وصُراخاً وصَرْخَة. قال:
٢٨٨٥ - كنَّا إذا ما أتانا صارخٌ فَزِعٌ... كان الصُّراخُ له قَرْعَ الظَّنابيبِ
يريد: كان بدل الإِصراخ، فحذف المضافَ، أقام مصدرَ الثلاثي مُقام مصدرِ الرباعي نحو: ﴿والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً﴾ [نوح: ١٧].
والصَّريْخُ: القومُ المُسْتَصْرِخُونَ قال:
٢٨٨٦ - قومٌ إذا سَمِعُوا الصَّريخَ رأيتَهُمْ... ما بين مُلْجِمِ مُهْرِهِ أو سافِِعِ
والصَّريخُ أيضاً: المُغِيثون فهو من الأضداد، وهو محتملٌ أَنْ يكون وَصْفاً على فَعِيْل كالخَليط، وأن يكونَ مصدراً في الأصل. وقال: {ف
159
وهذْا الشعر مما لا يلتفت إليه، وعَمَل مثلِ هذا سهلٌ، وليس يعرف
قائل هذا الشِعرِ من العرب، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله عزَّ وجلَّ.
(إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).
إني كفرت بشرككم - أيهَا التُّبَاعُ - إياي باللَّهِ، كما قال - عزَّ وجلَّ -:
(ويومَ القيامةِ يَكْفُرُون بِشِرْكِكُمْ).
وقوله تعالى: (عَذَابٌ ألِيمٌ) معناه وجيعٌ مؤلمٌ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤)
ضرب اللَّه - عزَّ وجلَّ - للإيمان به مثلًا، وللكفر به مَثَلاً، فجعل مَثل
المؤمِنِ في نطقه بتوحيده والإيمان بنبيه واتباع شريعته، كالشجرَة الطيبة.
فجعل نفع الِإقامة على توحيده كنفع الشجرة الطيبة التي لا ينقطعَ نفعُها
وثمرها، وجاء في التفسير أن الشجرة الطيبة النخلة، والدليل على أن هذا
المثل يراد به توحيد اللَّه، والِإيمانُ بنَبِيِّهِ وشرِيعَتِه قوله - عزَّ وجلَّ -:
(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
* * *
وقوله: (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)
اختلف الناس بتفسير الحين، فقال بعضهم كل سَنَةٍ، وقال بعضهم: كل
ستةِ أشْهُر، وقال بعضهم: غُدْوة وعشية.
وقال بعضهم: الحين شهران.
وجميع من شاهدنا من أهل اللغة يذهب إلى أنَّ الحينَ اسم كالوقت.
يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت.
فالمعنى في قوله تعالى (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) أنهاينتفع بها في كل وقتٍ، لا ينقطع نفعها ألبتَّةَ، والدَّليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة، أنشده الأصمعي في صفة الحيَّةِ والملدوغ.
تناذرها الراقون منَ سوء سمها... تطلقه حيناً وحيناً ترَاجعُ
فالمعنى أَن السم يَخِفُّ أَلَمُه في وقت ويعود وقتاً.
* * *
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦)
قيل إن الشجرة الخبيثة الحنظل وَقيلَ الكوث.
(اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ).
معنى (اجْتُثَّتْ) استؤصلت من فوق الأرض، ومعنى اجْتُثَّتْ في اللغةِ
أخِذتْ جُثَّتَهُ بكمالها:
(مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ).
فالمعنى أنَّ ذكرَ اللَّه بالتَّوْحِيدِ يَبْقَى أبداً ويَبْقَى نَفْعه أبداً، وأن الكفْرَ
والضلاَلَ لَا ثبوتَ لَه.
وقوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)
روي أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر، فإذا مات المَيِّت قيل له: مَنْ
ربُّك وما دِينُكَ ومن نبيُكَ، فإذا قال: اللَّه ربي ومحمدٌ نبى والإسلام ديني.
فقد ثبَّته الله بالقول الثابت في الآخرة لأن هذا بَعْدَ وفاته، وتثبيته في - الدنيا، لأنه لا يلفقه في الآخرة إلا أن يكون ذلك عقدة في الدنيا.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨)
والبوإر الهلاك والاستئصال.
* * *
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩)
(جَهَنَّمَ) بدل من قوله (دَارَ البَوَار) ومُفَسَّرة... وجهنم لم تُصْرَفْ
لأنها مؤنثة وهي معرفة.
* * *
وقوله: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)
النِّدُّ: المِثْل، بيَّن وجه كفرهم.
(لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ)، وليَضِلوا، قرئ بهما جميعاً.
* * *
وقوله: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (٣١)
إن شئت حركتَ الياء، وإنْ شِئْتَ أسكَنْتَها.
و (يقيموا) (١) جزم على جواب الأمر، وفيه غير وجه، أجودها أن يكون مبنياً، لأنه في موضع الأمر.
وجائز أن يكون مجزوماً بمعنى اللام إلا أنها اسْقِطَتْ، لأن الأمر قد دل
على الغائب بِقُلْ، تقول: قل لزيد لِيَضْربْ عمراً، وَإنْ شئت قلت: قل لزيْدِ
(١) قال السَّمين:
قوله تعالى: ﴿قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ يُقِيمُواْ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ «يُقيموا» مجزومٌ بلامِ أمرٍ محذوفةٍ تقديرُه: ليقيموا، فحُذِفَتْ وبقي عملُها، كما يُحْذَفُ الجارُّ ويبقى عملُه، كقولِه:
٢٨٩١ - محمدُ تَفْدِ نفسَك كلُ نفسٍ... إذا ما خِفْتَ مِنْ شيءٍ تَبالا
يريد: لِتَفْدِ. أنشده سيبويه، إلا أنَّه خَصَّه بالشعر. قال الزمخشري: «ويجوزُ أن يكونَ» يُقيموا «و» يُنْفِقوا «بمعنى: لِيُقيموا ولِيُنْفقوا، ويكون هذا هو المَقُولَ. قالوا: وإنما جاز حَذْفُ اللامِ لأنَّ الأمرَ الذي هو» قُلْ «عِوَضٌ منها، ولو قيل: يقيموا الصلاة ويُنفقوا ابتداءً بحذف اللام لم يَجُزْ». قلت: وإلى قريبٍ من هذا نحا ابن مالك فإنه جَعَلَ حَذْفَ هذه اللامِ على أضربٍ: قليلٍ وكثيرٍ ومتوسطٍ. فالكثيرُ: أن يكونَ قبلَه قولٌ بصيغة الأمر كالآيةِ الكريمةِ، والقليلُ: أن لا يتقدَّمَ قولٌ كقوله: «محمدُ تَفْدِ» البيت، والمتوسط: أن يتقدَّمَ بغيرِ صيغةِ الأمرِ كقوله:
٢٨٩٢ - قُلْتُ لبَوَّابٍ لديهِ دارُها... تِيْذَنْ فإني حَمْؤُها وجارُها
الثاني: أنَّ «يُقيموا» مجزوم على جوابِ «قُلْ»، وإليه نحا الأخفش والمبرد. وقد رَدَّ الناسُ عليهما هذا بأنه لا يلزمُ مِنْ قوله لهم: أقيموا «أَنْ يَفْعلوا، وكم مَنْ تخلَّف عن هذا الأمر. وقد أجيب عن هذا: بأنَّ المرادَ بالعباد المؤمنون، ولذلك أضافهم إليه تشريفاً، والمؤمنون متى أَمَرَهم امْتَثَلُوا.
الثالث: أنه مجزومٌ على جوابِ المقولِ المحذوفِ تقديره: قل لعبادي: أقيموا وأَنْفِقُوا، يُقيموا وينفقوا. قال أبو البقاء: وعزاه للمبرد-»
كذا ذكره جماعة ولم يتعرَّضوا لإِفسادِه. وهو فاسد لوجهين، أحدُهما: أنَّ جوابَ الشرطِ يُخالِفُ الشرطَ: إمَّا في الفعلِ أو في الفاعل أو فيهما، فأمَّا إذا كان مثلَه في الفعلِ والفاعلِ فهو خطأٌ كقولِك: قم تقمْ، والتقديرُ على ما ذُكِرَ في هذا الوجه: إنْ يُقيموا يُقيموا. والوجه الثاني: أنَّ الأمرَ المقدَّرَ للمواجهة، و «يُقيموا» على لفظ الغَيْبَةِ وهو خطأٌ، إذا كان الفاعل واحداً «. قلت: أمَّا الإِفسادُ الأولُ فقريبٌ، وأمَّا الثاني فليس بشيء؛ لأنه يجوز أن يقول: قل لعبدي أَطِعْني يُطِعْك، وإن كان للغَيْبة بعد المواجهة باعتبارِ حكايةِ الحال.
الرابع: أنَّ التقديرَ: إن تَقُلْ لهم: أقيموا، يُقيموا، وهذا مَرْوِيٌّ عن سيبويه فيما حكاه ابن عطية. قلت: وهذا هو القولُ الثاني.
الخامس: قال ابن عطية:»
ويحتمل أن يكونَ «يُقيموا» جوابَ الأمرِ الذي يعطينا معناه قولُه «قُلْ»؛ وذلك أن تجعلَ قولَه «قُلْ» في هذه الآيةِ بمعن بَلّغْ وأَدِّ الشريعةَ يُقيموا «.
السادس: قال الفراء:»
الأمرُ معه شرطٌ مقدَّرٌ تقول: «أَطِعِ اللهَ يُدْخِلْكَ الجنَّةَ».
والفرقُ بين هذا وبين ما قبله: أنَّ ما قبله ضُمِّن فيه الأمرُ نفسُه معنى الشرط، وفي هذا قُدر فعلُ الشرطِ بعد فعلِ الأمرِ مِنْ غيرِ تضمينٍ.
السابع: قال الفارسيُّ: «إنَّه مضارعٌ صُرِف عن الأمرِ إلى الخبرِ ومعناه: أقيموا». وهذا مردودٌ؛ لأنه كان ينبغي أن يُثْبِتَ نونَه الدالَّةَ على إعرابه. وأُجيبَ عن هذا بأنه بُني لوقوعِه موقعَ المبني، كما بُني المنادى في نحو: «يا زيدُ» لوقوعِه موقعَ الضمير، ولو قيل بأنه حُذِفَتْ نونُه تخفيفاً على حَدِّ حَذْفها في قولِه: «لا تَدْخُلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا».
وفي معمول «قُلْ» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: الأمرُ المقدَّرُ، أي: قُلْ لهم: أقيموا، يُقيموا، الثاني: أنه نفسُ «يُقيموا» على ما قاله ابنُ عطية الثالث: أنَّه الجملةُ من قولِه ﴿الله الذي خَلَقَ﴾ إلى آخره، قاله ابن عطية. وفيه تفكيكٌ للنَّظْم، وجَعْلُ الجملةِ «يُقيموا الصلاة» إلى آخره مُفلتاً ممَّا قبلَه وبعدَه، أو يكونُ جواباً فَصَل بين القولِ ومعمولِه، لكنه لا يترتَّبُ على قولِ ذلك إقامةُ الصلاةِ والإِنفاقُ، إلا بتأويلٍ بعيدٍ جداً. اهـ (الدر المصون).
يَضْرِبْ عَمرا، ولا يجوز قل يضرب زَيْد عمرا ههنا بالجزم حتى تقول
ليضرب، لأن لام الغائب ليس ههنا منها عوض إذا حذفتها.
وفيها وجه ثالث على جواب الأمر على معنى قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة، لأنهم إذا آمَنُوَا وَصَدَّقوا، فإن تصديقهم بقبولهم أمر اللَّه - عزَّ وجلَّ -.
* * *
وقوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ).
إن شئتَ رفعتَ البيعَ والخلالَ جميعاً، وإن شئت نصبتهُما جميعاً بغير
تنوين وإن شئت نصبت أحدهما ورفعتْ الآخر، فالنصب على النفي بلا، وقد شرحنا ذلك فيما سلف من الكتاب، والخلال والخلة في معنى الصداقة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (٣٣)
معناه: دائبين في إصلاح ما يصلحانه من الناس والنبات لا يَفْتُرَانِ.
* * *
(وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)
وتقرأ (مِنْ كُلٍّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) بتنوين (كُلٍّ)، فموضع " ما " خفض بالإضافة
والمعنى من كل الذي سألتموه.
ومن قرأ (مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) فموضع " ما " نَصْبٌ.
والمعنى وآتاكم من كل الأشياء التي سألتموه.
فإن قال قائل: فقد أعطى العباد مَا لَمْ يَسألوا؟
قيل له ذلك غير ناقض هذه الآية، إذَا قال: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُل الذِي سَالتُموه) لم يوجب هذا أن يكون لم يعطهم غير ما سألوه، ويجوز أن يكون " ما " نفياً، ويكون المعنى وآتاكم من كل ما لم تسألوه، أي آتاكم كل الشيء الذي لم تسألوه.
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
هذا اسم للجنس يقصد به الكافر خاصَّة، كما قال: (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
والإِنسان غير المؤمن ظلومٌ كفَارٌ.
* * *
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥)
يعني مكة
(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
وتَقرأ (وأجْنِبْني وبَني) عَلى أجْنَبْتُة كذا وكذا إذا جعلته ناحية منه، وكذلك
جنبتُه كذا وكذا.
ومعنى الدعاء من إبراهيم عليه السلام أن يُجَنَبَ عبادة الأصنام، وهو
غير عابد لها على معنى ثَبِّتْنِي على اجتناب عبادتها كما قال:
(وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) أي ثبِّتنا على الإِسلام.
* * *
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)
أي ضلِّلُوا بسببها، لأن الأصنام لا تعقل ولا تَفْعَل شيئاً، كما تقول قد
فتنتني هذه الدارُ. ، أي أنا أحْبَبْتها واسْتَحْسَنْتُها، وافتتنت بها.
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أي فإنك غفور رحيم له إن تاب وإن آمن، لا أنه يقول إن من كفر فإن
اللَّه غفور رحيم، فإن اللَّه لا يغفر له، ألا ترى قوله في أبيه:
(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).
(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)
(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).
أي اجعل أفئِدَةً جماعةًْ مِن الناس تنزع إلَيْهِمْ، ويجوز تَهَوَى إليْهِمْ.
فمن قرأ تهوي إليهم فَهُوَ على هَوَى يَهْوِي إذا ارتفع (١)، ومن قرأ تَهَوى إليهم فعلى هَوِيَ يَهْوَى إذا أحب، والقراءة الأولى هي المختارة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠)
أي واجعل مِنْ ذُرِّيَّتِي من يقيم الصلاة.
(رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).
القراءة بغير " ياء " في دعائي، إذا وقفت، فإذا وصلت فأنت بالخيار إن
شئت قلت دعاءِ بغير ياء، وكانت الكسرة في الهمزة تنوب عن الياء، والأجود إثبات الياء، وإن شئت أسْكَنتَها، وإن شئت فتحتها.
* * *
وقوله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)
هذا قبل أن يتبين لِإبراهيم أن أبَاهُ عَدُوٌّ للَّهِ، فلما تبيَّنَ لَهُ ذلك تبرأ منه.
وقيل إنه يَعْنِي بوالديه هنا آدمَ وحواء وقيل أيْضاً ولوَلَدَيَّ، يعني به إسماعيل
وإسحاق، وهذه القراءة ليست بشيء لأنها خلاف ما عليه أهل الأمصار من أهل القراءات.
(يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).
يعني يوم القيامة، و " يَوْمَ " منصوب بـ (اغْفِرْ لِي).
* * *
وقوله: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣)
(مُهْطِعِينَ) منصوب على الحال، المعنى إنما يؤخرهم ليوم تَشخص فيه
(١) قال محقِّقُ الكتاب:
كذا بالأصل وهو سهوٌ إذ هوى بمعنى سقط ووقع. اهـ
قلت [مصحح النسخة الإلكترونية]
قال ابن منظور:
وقوله عز وجل (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ) فيمن قرأَ به إِنما عدَّاه بإِلى لأَن فيه معنى تميل والقراءَة المعروفة تَهْوي إِليهم أَي تَرْتَفِع والجمع أَهْواء وقد هَوِيَه هَوًى فهو هَوٍ وقال الفراء معنى الآية يقول اجعل أَفئدة من الناس تُريدُهم كما تقول رأَيت فلاناً يَهْوي نَحْوَك معناه يُريدك قال وقرأَ بعض الناس تَهْوى إِليهم بمعنى تَهْواهم كما قال رَدِفَ لكم ورَدِفَكم الأَخفش تَهْوى إِليهم زعموا أَنه في التفسير تَهْواهم الفراء تَهْوي إِليهم أَي تُسْرعُ والهَوى أَيضاً المَهْويُّ
قال أَبو ذُؤيب
زَجَرْتُ لها طَيْرَ السَّنِيحِ فإِنْ تَكُنْ... هَواكَ الذي تَهْوى يُصِبْكَ اجْتِنابُها.
اهـ (لسان العرب. ١٥: ٣٧١).
وقال السَّمين:
قوله: «تَهْوي» هذا هو المفعولُ الثاني للجَعْل. والعامَّة «تَهْوِي» بكسرِ العين بمعنى: تُسْرِعُ وتَطيرُ شوقاً إليهم. قال:
٢٨٩٧ - وإذا رَمَيْتَ به الفِجاجَ رَأَيْتَه... يَهْوي مخارمَها هُوِيَّ الأجْدَلِ
وأصلُه أنْ يتعدَّى باللام، كقوله:
٢٨٩٨ - حتى إذا ما هَوَتْ كفُّ الغلامِ لها... طارَتْ وفي كَفِّه مِنْ ريشِها بِتَكُ
وإنَّما عُدِّي ب «إلى» لأنه ضُمِّنَ معنى «تميل»، كقوله:
٢٨٩٩ - تَهْوي إلى مكَّةَ تَبْغي الهدى... ما مُؤْمِنُ الجِنِّ كأَنْجاسِها
وقرأ أميرُ المؤمنين علي وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر ابن محمد ومجاهد بفتح الواو، وفيه قولان، أحدُهما: أنَّ «إلى» زائدةٌ، أي: تهواهم. والثاني: أنه ضُمِّنَ معنى تَنْزِعُ وتميل، ومصدرُ الأول على «هُوِيّ»، كقوله:
٢٩٠٠ -.................................... يَهْوي مخارِمَها هُوِيَّ الأجْدَل
والثاني على «هَوَى». وقال أبو البقاء: «معناهما متقاربان إلاَّ أَنَّ هَوَى - يعني بفتح الواو- متعدٍّ بنفسه، وإنما عُدِّيَ بإلى حَمْلاً على تميل».
وقرأ مسلمة بن عبد الله: «تُهْوَى» بضم التاء وفتح الواو مبنياً للمفعول مِنْ «أهوى» المنقول مِنْ «هَوِيَ» اللازمِ، أي: يُسْرَع بها إلى إليهم.
اهـ (الدر المصون).
أبصارُهُمْ مُهْطعِينَ أي مُسْرعين.
قال الشاعر:
بدجلة أهلها ولقد أرأهُمْ... بدجلة مهطعين إلى السماع
أي مسرعين.
و (مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) رافعيها ملتصقة بأعناقِهِمْ، والمقنع الرافع.
والمقْنَع المرتفع
قال الشاعر:.
يُبادِرْنَ العِضاهَ بمُقْنعاتٍ... نواجذُهُنَّ كالحِدَإِ الوَقيعِ
يصف إبلأ ترعى الشجر وأن أسنانها مرتفعة كالفؤوس.
وقوله: (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ).
أي منحرفة لا تَعي شيئاً من الخوف، وقيل نزعت أفئدتهم من أجوافهم
قال الشاعر:
كأَنّ الرَّحل مِنها فَوْق صَعْلٍ... من الظِّلْمانِ جُؤْجُؤه هَواه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)
القراءة بكسر اللام الأولى، من " لِتَزُولَ " وفتح اللام الأخيرة، هي قراءة
حسنة جيدة (١)، والمعنى وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، أي ما كان
(١) قال السَّمين:
قوله «لِتَزُولَ» قرأ العامَّةُ بكسر اللام، والكسائيُّ بفتحِها فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها ثلاثة أوجه، أحدُها: أنها نافيةٌ واللامُ لامُ الجحودِ؛ لأنها بعد كونٍ منفيّ، وفي «كان» حينئذٍ قولان، أحدُهما: أنها تامَّةٌ، والمعنى: تحقيرُ مَكْرِهم، أنه ما كان لتزولَ منه الشرائع التي كالجبالِ في ثبوتِها وقوتِها. ويؤيد كونَها نافيةً قراءةُ عبد الله: «وما كان مَكْرُهم». القول الثاني: أنها ناقصةٌ، وفي خبرِها القولان المشهوران بين البصريين والكوفيين: هل هو محذوفٌ واللامُ متعلقةٌ به، وإليه ذهب البصريون، أو هذه اللام وما جَرَّتْه، كما هو مذهبُ الكوفيين، وقد تقرَّر هذا في آخر آل عمران.
الوجه الثاني: أن تكونَ المخففةَ من الثقيلة. قال الزمخشري: «وإنْ عَظُمَ مكرُهم وتبالغَ في الشدَّةِ، فضرب زوالَ الجبالِ منه مثلاً لشدَّته، أي: وإنْ كان مَكْرُهم مُعَدَّاً لذلك». وقال ابن عطية: «ويحتمل عندي أن يكون معنى هذه القراءةِ: تَعظيمَ مَكْرِهم، أي: وإن كان شديداً، إنما يفعل لتذهب به عظامُ الأمور» فمفهومُ هذين الكلامين أنها مخففةٌ لأنه إثباتٌ.
والثالث: أنها شرطيةٌ، وجوابُها محذوف، أي: وإنْ كان مكرُهم مُعَدَّاً لإِزالةِ أشباهِ الجبال الرواسي، وهي المعجزات والآيات، فالله مجازِيْهم بمكرٍ هو أعظمُ منه. وقد رُجَّح الوجهان الأخيران على الأول وهو أنها نافيةٌ؛ لأن فيه معارضةً لقراءة الكسائي، وذلك أن قراءَته تُؤْذِنُ بالإِثباتِ، وقراءةَ غيره تُؤْذن بالنفي.
وقد أجاب بعضُهم عن ذلك بأنَّ الحالَ في قراءة الكسائي مُشارٌ بها إلى أمورٍ عظام غيرِ الإِسلامِ ومُعجزاتِه كمكرهم صلاحيةَ إزالتها، وفي قراءةِ الجماعةِ مُشارُ بها إلى ما جاء به النبيُّ ﷺ من الدين الحق، فلا تَعارُضَ، إذ لم يتواردا على معنى واحدٍ نفياً وإثباتاً.
وأمَّا قراءةُ الكسائي ففي «إنْ» وجهان: مذهبُ البصريين، أنها المخففةُ واللام فارقة، ومذهبُ الكوفيين: أنها نافيةٌ واللامُ بمعنى «إلا»، وقد تقدَّم تحقيقُ المذهبين.
وقرأ عمرُ وعليٌّ وعبد الله وزيد بن علي وأبو سلمة وجماعة «وإن كاد مكرهم لَتزول» كقراءةِ الكسائي إلا أنهم جعلوا مكان نون «كان» دالاًّ فعلَ مقاربة، وتخريجها كما تقدَّم، ولكن الزوالَ غيرُ واقعٍ.
وقُرِء «لَتَزُوْل» بفتح اللامين. وتخريجهما على إشكالها أنها جاءَتْ على لغةِ مَنْ يفتح لام «كي». اهـ (الدر المصون).
166
مكرهمِ ليزول به أمر النبي - ﷺ - وأمر دين الإسلام وثبوته كثبوت الجبال الراسية، لأن اللَه عزَّ وجلَّ وَعَدَ نبيَّه عليه السلام إظْهَارَ دِينِه عْلى كل الأديان فقال:
(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ودليل هذا قوله:
(فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧)
أي لا يخلفهم ما وعدهم من نصرهم وإظهار نبوتهم وكلمتهم، ويقرأ
(وَإنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ) على الرفع وفتح اللام الأولى.
ومعناه معنىً حَسَن " صحيح.
والمعنى: وعند الله مكرُهم وإن كان مكرُهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإنَ الله ينصُرُ دينه، ومَكْرهم عنده لا يخفى عليه.
فإِنْ قَالَ قَائِل: فهل زالت الجبال لمكرهم؛ فقد روي في بعض التفسير
قصةُ التابوت والنُّسُورِ، وأن الجبال ظنت أن ذلك أمر من أمر اللَّه عظيم
فزالت، وقيل هذا في قصة النمرود ابن كنعان؛ ولا أرى لنمرودَ ههنا ذكراً، ولكنه إذا صحت الأحاديث به فمعناه أن مَكْرَ هؤلاء لو بلغ مكر ذاك لم ينتفعوا به، وأمَّا مَا تُوحِيه اللغَة وخطابُ العَرَبِ فأن يكون المعنى وإن لم يكن جبل قط، زال لمكرِ المبالغة في وصَف الشيء أن يقال: لو بلغ ما لا يُظَن أنه يبلُغُ ما انتفع به.
قال الأعشى:
167
لئن كنتَ في جُبٍّ ثمانينَ قامةً... ورُقِّيتَ أَسبابَ السماءِ بسُلَّمِ
لَيَسْتَدْرِجَنْكَ الأَمرُ حتى تَهُرَّه... وتَعْلَمَ أَني لستُ عنكَ بمُحْرِمِ
فإنما بالغ في الوصف وهو يعلم أنه لا يُرَقَّى أسباب السماء، ولا يَكُونُ
في جُبٍّ ثمانينَ قامةً فيستَدْرِجَهُ القَوْلُ.
فالمعنى على هذا: لو أزال مكرهم الجبَالَ لما زال أمْرُ الإسلام وما أتى
به النبي - ﷺ -.
* * *
(فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧)
وقُرئت مخلص وَعْدَه رُسُلِهُ، وهذه القراءة التي بَنَصْب الوَعْدِ وخَفْض
الرسُل شاذَّة رديئة، لا يجوز أن يفرق بين المضَافَ والمضاف إليه.
وأنشدوا في مثل هذا.
فزجَّجتها بمزجَّةٍ... زَجَّ القَلُوصَ أبي مَزَاده
المعنى فزجْجتها بمزجَّةٍ زَجَّ أبي مزادة القَلُوص.
والقراءة: (مُخْلِفَ وَعْدِه رُسُلَه)، كما تقول: هذا مُعْطِي دِرْهَمٍ زيداً
(١)
* * *
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)
إنْ شئت نَصَبْتَ اليوم عَلَى النَعْت لقوله: يَوْمَ يَقومُ الحسَابُ يَوْمَ تبدل
الأرْضُ.
وإن شئت أن يكون منصوباً بقوله ذُو انْتِقَام، المعنى أن الله عزَّ وجل
ذو انتقام أي بَيَنهُمْ يوم تبدل الأرض غير الأرض، والأرض مرفوعة على اسم ما لم يسمَّ فاعله، وغَير منصوبة على مفعول ها لم يسم فاعله، تقول: بُدِّلَ الخاتَمُ خاتَماً آخَر إذا كسر وَصِيغَ صيغة أخرى، وقد تقول بُدِّلَ زَيْدٌ إذا تغيرت حاله، فمعنى تبدل الأرض غير الأرض تسيير جبالها وتفجير بحارها وكونها مستوية لا يرى فيها عِوَجٌ وَلاَ أمْت، فهذا - والله أعلم - تبديلها.
(والسَّمَاوَاتُ).
" أي وتبدل السَّمَاوَاتُ غير السَّمَاوَات، وتبديل السَّمَاوَات انتثار كواكبها
وانفطارها وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها.
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ).
أي خرجوا من قبًورهم بَارزينَ.
* * *
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩)
(١) قال السَّمين:
قوله تعالى: ﴿مُخْلِفَ وَعْدِهِ﴾: العامَّةُ على إضافة «مُخْلِف» إلى «وعدِه» وفيها وجهان، أظهرهما: أن «مُخْلف» يَتَعَدَّى لاثنين كفعلِه، فقدَّم المفعولَ الثاني، وأُضيف إليه اسمُ الفاعل تخفيفاً نحو: «هذا كاسِيْ جُبَّةٍ زيداً» قال الفراء وقطرب: «لمَّا تعدَّى/ إليهما جميعاً لم يُبَالَ بالتقديمِ والتأخير». وقال الزمخشري: «فإن قلت: هلا قيل: مُخْلِفَ رسلِه وعدَه، ولِمَ قَدَّم المفعولَ الثاني على الأول؟ قلت: قَدَّمَ الوعدَ ليُعْلِمَ أنه لا يُخْلِفُ الوعدَ ثم قال» رسله «ليُؤْذِنَ أنه إذا لم يُخْلِفْ وعدَه أحداً - وليس من شأنِه إخلافُ المواعيد - كيف يُخْلِفُه رُسلَهُ».
وقال أبو البقاء: «هو قريب من قولهم:
٢٩١٢ - يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدارِ... وأنشد بعضُهم نظيرَ الآيةِ الكريمة قولَ الشاعر:
٢٩١٣ - ترى الثورَ فيها مُدخِلَ الظلِ رأسَهُ... وسائرُه بادٍ إلى الشمسِ أجمعُ
والحُسبان هنا: الأمر المنتفي، كقوله:
٢٩١٤ - فلا تَحسَبَنْ أني أَضِلُّ مَنِيَّتي... فكلُّ امرِئٍ كأسَ الحِمام يذوقُ
الثاني: أنه متعدٍّ لواحدٍ، وهو»
وعدِه «، وأمَّا» رُسُلَه «فمنصوبٌ بالمصدر، فإنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفعلٍ تقديرُه: مُخْلِفُ ما وعدَ رُسَلَه، ف» ما «مصدريةٌ لا بمعنى الذي.
وقرأت جماعةٌ ﴿مُخْلِفَ وَعْدَ رُسَلَهُ﴾ بنصبِ»
وعدَه «وجرِّ» رسلِه «فَصْلاً بالمفعولِ بين المتضايفين، وهي كقراءةِ ابن عامرٍ ﴿قَتْلُ أَوْلاَدَهمْ شُرَكَآئِهِمْ﴾ قال الزمخشري جرأةً منه:» وهذه في الضَّعْفِ كمَنْ قرأ ﴿قَتْلُ أَوْلاَدَهمْ شُرَكَآئِهِمْ﴾. اهـ (الدر المصون).
والأصفاد الأغلال، واحدها صَفَدٌ، يفال صَفَدتُه بالحديد، وَأصْفَدته.
وصفدت في الحديد أكثر، وأصفدته إذَا أعطيته، وصفدته إذا أعطيته أيضاً إلا أن الاختيار في العطية أصفدته وفي الحديد صفدته.
قال الشاعر:
وإن جئْتُه يوماً فقرَّب مَجْلِسِي... وأصْفدني على الزَّمانَةِ قائدا
معناه أعطاني قائداً.
* * *
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)
السربال كل ما لبس.
وجعلت سرابيلهم من قطران - واللَّه أعلم - لأن القطران يبالغ في اشتعال النار في الجلود، ولو أراد الله المبالغة في إحراقهم
بغير نار وغير قطران لقدر على ذلك، لكن عذب بما يعقل العباد العذاب من
جهته وحذرهم ما يعرفون حقيقته، وقرئت (مِنْ قِطْرٍ آنٍ)، قرأ بها جماعة.
والقِطْر النحاس، وآنٍ قد انتهى حَرُّه.
Icon