ﰡ
المسألة السادسة والستون : في المراد بالإرث في الآية.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن زكريا عليه السلام إنما طلب الولد ليرثه في النبوة فقط، وليس في المال.
قال ابن حزم : قوله تعالى حاكيا عن زكريا عليه السلام أنه قال :﴿ فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ﴾
إنما رغب ولدا يرث عنه النبوة فقط، فمن المحال أن يرغب زكريا عليه السلام في ولد يحجب عصبته عن ميراثه ؛ إذ إنما يرغب في هذه الخطة ذو الحرص على الدنيا وحطامها، وقد نزه الله عز وجل عن ذلك أنبياءه عليهم الصلاة والسلام.
وبرهان ذلك أنه عليه السلام إنما طلب الولد إذ يرى أن ما آتاه الله عز وجل مريم عليها السلام التي كانت في كفالته من المعجزات، قال تعالى :﴿ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ إلى قوله :﴿ إنك سميع الدعاء ﴾١
وعلى هذا المعنى دعا فقال :﴿ فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ﴾٢
وأما من اغتر بقوله تعالى حاكيا عنه عليه السلام أنه قال :﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾٣
قيل له : بطلان هذا الظن أن الله تعالى لم يعطه ولدا يكون له عقب فيتصل الميراث لهم، بل أعطاه ولدا حصورا لا يقرب النساء، قال تعالى :﴿ وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ﴾٤
فصح ضرورة أنه عليه السلام إنما طلب ولدا نبيا، لا ولدا يرث المال. ٥ اه
٢ قرأ أبو عمرو والكسائي (يرثني ويرث) بالجزم فيهما، وقرأ الباقون برفعهما. قال أبو عبيدة: من قرأ بالرفع فهو على الصفة للولي أي هب لي وليا وارثا، ومن جزم فعلى الشرط والجزاء، كقولك: إن وهبته لي ورثني...
٣ مريم (٥)..
٤ آل عمران (٣٩)..
٥ الفصل ٤/١٥٥-١٥٦، بتصرف..
المسألة السابعة والستون : في من ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها، هل له قضاؤها أم لا ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهو عاص، وليس له قضاؤها، ولا يصح منه، وإنما عليه التوبة والاستغفار والإكثار نم التطوع لجبر ذلك التفريط.
قال ابن حزم : وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها، فهذا لا يقدر على قضائها أبدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عز وجل.
برهان صحة قولنا : قول الله تعالى :﴿ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾١ وقوله تعالى :﴿ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ﴾ فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل، ولا لقي الغي، كما لا ويل ولا غي لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها.
وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين، يدخل في حين محدود، ويبطل في وقت محدود، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها ؛ لأن كليهما صلى في غير الوقت، وليس هذا قياسا لأحدهما على الآخر، بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى. وقد قال الله تعالى :﴿ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ﴾٢
وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تركه من الصلاة : أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها، أهي التي أمره الله تعالى بها أم هي غيرها ؟
فإن قالوا : هي هي.
قلنا لهم : فالعامد لتركها ليس عاصيا ؛ لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى، ولا إثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وهذا لا يقوله مسلم.
وإن قالوا : ليست هي التي أمره الله تعالى بها.
قلنا : صدقتم، وفي هذا كفاية ؛ إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى.
ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة بعد الوقت، أطاعة هي أم معصية ؟
فإن قالوا : طاعة، خالفوا إجماع أهل الإسلام كلهم المتيقن، وخالفوا القرآن والسنن الثابتة.
وإن قالوا : هو معصية، صدقوا. ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة.
وأيضا فإن الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجعل لكل وقت صلاة منها أولا ليس ما قبله وقتا لتأديتها، وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة، فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقته معنى، ولكان لغوا من الكلام، وحاش لله من هذا.
وأيضا فإن كل عمل علق بوقت محدود، فإنه لا يصح في غير وقته، ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له، وهذا بين، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قالوا : فإنكم تجيزون الناسي، والنائم والسكران على قضائها أبدا، وهذا خلاف قولكم بالوقت.
قلنا : لا، بل وقت الصلاة للناسي والنائم والسكران ممتد أبدا غير منقض.
٢ الطلاق (١)..