تفسير سورة الصافات

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة الصافات
مكية
وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالصَّافَّاتِ صَفّاً (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠)
شرح الكلمات:
الصافات صفاً: أي الملائكة تصف أنفسها في الصلاة وأجنحتها في الهواء.
فالزاجرات زجراً: أي الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه حيث يأذن الله.
فالتاليات ذكراً: أي فالجماعات التاليات (١) للقرآن ذكرا.
إن إلهكم لواحد: أي إن إلهكم المعبود الحق لكم أيها الناس لواحد.
رب السموات والأرض وما بينهما: أي هو رب السموات والأرض وما بينهما أي خالقهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما.
ورب المشارق: أي والمغارب وهي مشارق الشمس ومغاربها إذ للشمس كل يوم مشرق ومغرب.
١ - جائز أن تكون الجماعات التالية لكلام الله تعالى من الملائكة ومن البشر روى مسلم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعل لنا ترابها طهوراً إذا لم نجد الماء".
396
وحفظاً من كل شيطان مارد: أي وحفظناها حفظاً من كل شيطان مارد خارج عن الطاعة.
لا يسمعون إلى الملأ الأعلى: أي لا يستمعون إلى الملائكة في السموات العلا.
ويقذفون من كل جانب دحوراً: أي يرمون بالشهب من كل جوانب السماء دحوراً أي إبعاداً لهم.
عذاب واصب: أي دائم لا يفارقهم.
إلا من خطف الخطفة: أي اختطف الكلمة من الملائكة بسرعة وهرب.
فأتبعه شهاب ثاقب: أي كوكب مضيء ثاقب يثقبه أو يحرقه أو يخلبه أي يفسده.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَالصَّافَّاتِ (١) صَفّاً﴾ هذا قسم إلهي يؤكد به تعالى إلهيته على عباده فقد أقسم بالصافات والزاجرات والتاليات ذكراً أي قرآناً، وسواء قلنا أقسم بهذه المخلوقات إذ لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وإنما الممنوع أن يقسم العبد بغير ربه تعالى. أو قلنا أقسم تعالى بنفسه أي ورب الصافات الخ فالقسم حاصل من أجل تقرير التوحيد، وهذا الإقسام جار على عرف البشر في أنهم إذا أخبروا بشيء يشكون في صحته فيؤكد لهم المخبر الخبر باليمين ليزيل الشك من نفوسهم. وقوله ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ (٢) هو المقسم عليه وهو أن إله البشرية كلها واحد وهو الله خالقها ورازقها وليس من إله غيره، وما عندها من آلهة فهي آلهة باطلة ويكفي في بطلانها أنها أصنام وصور وتماثيل وصلبان لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تضر. وقوله ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ (٣) وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ تدليل على وحدانية الله تعالى إذ هو خالق السموات والأرض وما بينهما ومالكهما ومدبر الأمر فيهما، ورب المشارق أيضاً والمغارب أي مشارق الشمس ومغاربها إذ كل يوم تشرق وتغرب في درجة معينة فالإله الحق هو الخالق للعوالم والمدبر لها لا الذي ينحته الرجل بيده ويقول هو إلهي زوراً وباطلاً. ألا فليتحرر المشركون من أسر الشيطان ويعبدوا الرحمن. وقوله تعالى ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ (٤) الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٥) ﴾ هذه مظاهر القدرة والعلم
١ - روى مسلم وغيره عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قلنا وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف.
٢ - هذا جواب القسم وهو المقسم عليه والصافات الملائكة تصف أجنحتها في السماء أو تصف للصلاة كما يصف المؤمنون للصلاة في الدنيا، وجائز أن يراد بالصافات صفوف المؤمنين في الصلاة وفي الجهاد.
٣ - رب السموات والأرض خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو رب السموات الخ.
٤ - هذه الجملة بمثابة الدليل على ربوبية الله تعالى الموجبة للإلهية له سبحانه وتعالى دون سواه.
٥ - قرأ الجمهور بزينة الكواكب بإضافة زينة إلى الكواكب وقرأ حفص بتنوين زينة وجر الكواكب على البدلية ومنهم من نصب الكواكب على الاختصاص والكواكب جمع كوكب وهي تلك الأجرام الكريّة السماوية ومنها الثوابت ومنها السيارة وهي كل ما يرى في السماء ما عد الشمس والقمر وتسمى النجوم وهي تختلف في أحجامها.
397
والحكمة إنه وحده تعالى زين السماء الدنيا أي القريبة من الأرض بزينة هي الكواكب المشرقة المنيرة. وقوله ﴿وَحِفْظاً (١) مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ أي وحفظنا السماء حفظاً تاماً من كل شيطان عادٍ متمرد عن الطاعة. وقوله ﴿لا يَسَّمَّعُونَ (٢) إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى﴾ أي لا يستمعون إلى الملائكة في السماء حتى لا ينقلوا أخبار الغيب إلى أوليائهم من الكهان في الأرض. وقوله ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ أي ويرمى أولئك المردة من الشياطين من قبل الملائكة من كل جهة من جهات السماء دحوراً أي لدَحرهم وإبعادهم. وقوله تعالى ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٣) ﴾ لأولئك المردة من الشياطين عذاب واصب موجع دائم وقوله ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ أي اختطف الكلمة بسرعة ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ (٤) ثَاقِبٌ﴾ أي كوكب مضيء فثقبه فقتله أو أحرقه أو خبله أي أفسده، وبهذا حُمِيت السماء بالملائكة من دخول الشياطين إليها واستراق السمع. والحمد لله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن الله تعالى يقسم ببعض مخلوقاته إما تنويهاً بعظمتها المقرر ضمناً لعظمة خالقها وإما بياناً لفضلها وإما لفتا لنظر العباد إلى ما فيها من الفوائد.
٢- تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله.
٣- بيان الحكمة من وجود النجوم في السماء الدنيا.
٤- بيان أن الشياطين حرموا من استراق السمع، ولم يبق مجال لكذب الشياطين على الناس بعد أن منعوا من استراق السمع (٥).
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ
١ - قال أهل العلم النجوم لثلاثة للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكزينة للسماء بما فيها من أنوار وللحفظ من الشياطين أن يسترق السمع من الملائكة فمن طلبها لغيرها فقد أساء واعتدى.
٢ - قرأ الجمهور لا يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وقرأ حفص عن عاصم لا يسمعون بتشديد السين والميم مفتوحتين الأصل لا يتسمعون من التسمع فقلبت التاء سيناً وأدغمت في السين.
٣ - الواصب: الدائم يقال وصب يصب وصوبا إذا دام وهو عذاب الآخرة.
٤ - يقال له في علم الهيئة النيزك وعن ابن عباس الشهاب لا يقتل ولكن يخترق ويخبل.
٥ - صح في الحديث أن من الجائز أن ينجوا مسترق السمع من شهب الملائكة، ويلقي بالكلمة التي استرقها إلى الكاهن أو الساحر بعدما يضيف إليها تسعا وتسعين كلمة.
398
وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١)
شرح الكلمات:
فاستفتهم: أي استخبر كفار مكة تقريراً وتوبيخاً.
أهم أشد خلقاً أم من خلقنا: أي خلقهم في ذواتهم وإعادتهم بعد موتهم، أم من خلق تعالى من الملائكة والسموات والأرض وما فيها من سائر المخلوقات.
من طين لازب: أي يلصق باليد.
بل عجبت ويسخرون: أي عجبت يا نبي الله من إنكارهم للبعث، وهم يسخرون من دعوتك إلى الإيمان به.
وإذا ذكّروا لا يذكرون: أي وإذا وعظوا لا يتعظون.
وإذا رأوا آية يستسخرون: أي إذا رأوا حجة من الحجج التي تحمل الآيات القرآنية تقرر البعث والتوحيد والنبوة يسخرون أي يستهزئون.
قل نعم وأنتم داخرون: أي قل لهم يا رسولنا نعم تبعثون وأنتم صاغرون أذلاء.
فإنما هي زجرة واحدة: أي صيحة تزجرهم وهي نفخة إسرافيل في الصور النفخة الثانية.
هذا يوم الدين: أي يوم الحساب والجزاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والبعث والجزاء وقوله تعالى فاستفتهم (١) أي استخبرهم واطلب جوابهم أي بقولك آنتم أشد خلقاً أي في ذواتكم وفي إحيائكم بعد مماتكم أم من خلقه الله من الملائكة والسموات والأرض وما فيهما وما بينهما؟ والجواب معلوم وهو أن خلق غيرهم
١ - مأخوذ من استفتاء المفتي والفتيا هي إخبار عن أمر يخفى عن غير الخواص في غرض ما والاستفهام هنا تقريري.
399
من العوالم أشد خلقا إذا فكيف ينكرون البعث بدعوى استحالة وجوده لصعوبته قال تعالى ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ أي خلقنا أباهم آدم من طين لازب أي لاصق يلصق باليد ثم خلقناهم بطريق التناسل أفيعجزنا إعادة خلقهم مرة أخرى والجواب لا. لا وقوله تعالى ﴿بَلْ (١) عَجِبْتَ﴾ أي من تكذيبهم بالبعث لوضوح الأدلة على إمكانه ووجوب وجوده ﴿وَيَسْخَرُونَ﴾ أي وهم يسخرون من ذلك أي يستهزئون من قولك بالبعث وإمكانه. وقوله تعالى ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا﴾ أي بالآيات لعلهم يذكرون فيؤمنون ويوحدون لا يذكرون لقساوة قلوبهم وظلمة ذنوبهم بالشرك والمعاصي. وقوله ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (٢) ﴾ أي يسخرون ويستهزئون ﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أي ما هذا الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القول والعمل إلا سحر مبين أي بيّن ظاهر وهم في ذلك كاذبون قطعاً للفرق بين السحر الذي هو تخيل باطل وبين الحق الثابت عقلاً ووحيا من دقائق الشرع وأصول الدين من الإيمان بالله واليوم الآخر وقوله ﴿أَإِذَا مِتْنَا (٣) وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ هذا قول المكذبين من المشركين يقولونه متعجبين مستبعدين للبعث قال تعالى ردّا عليهم قل يا رسولنا لهم ﴿نَعَمْ﴾ تبعثون أحياء ﴿وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾ أي صاغرون ذليلون وأمر إعادتكم لا يتطلب أكثر من أن ينفخ إسرافيل في الصور فإذا أنتم أحياء تخرجون من قبوركم ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ﴾ أي صحية ﴿وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ﴾ قيام ﴿يَنْظُرُونَ﴾ ويقولوا أي عند قيامهم من قبورهم ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ أي هلاكنا احضر هذا أوان حضورك أي يدعون على أنفسهم بالهلاك لشدة ما شاهدوا من هول القيامة كقول أحدهم يا ليتها كانت القاضية. وقولهم هذا يوم الدين اعتراف منهم بالبعث والجزاء ولكن في وقت ما هو بنافع لهم الاعتراف فيه أي هذا يوم الحساب والجزاء فيقال لهم ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ (٤) ﴾ الذي يفصل الله تعالى فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون فيحكم بينهم بالعدل، وقوله تعالى ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ فيه توبيخ لهم أي هذا يوم البعث الذي كنتم تكذبون به وتقولون مستبعدين له أئذا متنا وكنا تراباً وعظاما أئنا لمبعثون أو أباؤنا الأولون أي وآباؤنا الأولون أيضاً.
١ - بل للإضراب الانتقالي من التقرير التوبخي إلى حالهم العجب قرأ الجمهور عجبت بفتح التاء والخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ ابن مسعود بضم التاء ونسبة العجب إلى الله تعالى ليست كنسبته إلى خلقه كسائر صفاته تعالى.
٢ - سخريتهم هذه من محاجة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أتاهم بالآيات القرآنية الحاملة للأدلة العقلية وهم لجهلهم وعجزهم يدفعونها بالاستسخار والإنكار وهذا غاية الجهل والضلال.
٣ - الاستفهام إنكاري وجملة وأنتم داخرون في محل نصب على الحال.
٤ - جائز أن يكون ﴿هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون﴾ من قول الله تعالى والملائكة لهم وجائز أن يكون من قول بعضهم لبعض.
400
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أصل خلق الإنسان وهو الطين اللازب أي اللاصق باليد.
٢- بيان موقفين متضادين الرسول يعجب من كفر المشركين وتكذيبهم والمشركون يسخرون من دعوته إياهم إلى الإيمان وعدم التكذيب بالله ولقائه.
٣- تقرير البعث وبيان طريقة وقوعه.
٤- عدم الانتفاع بالإيمان عند معانيه العذاب.
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِينَ (٣٠)
شرح الكلمات:
احشروا الذين ظلموا: أي أنفسهم بالشرك والمعاصي.
وأزواجهم: أي قرناءهم من الشياطين.
من دون الله: أي من غير الله من الأوثان والأصنام.
فاهدوهم: أي دلوهم وسوقوهم. -
إلى صراط الجحيم: أي إلى طريق النار.
وقفوهم إنهم مسؤولون: أي احبسوهم عند الصراط إنه مسؤولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم.
ما لكم لا تناصرون: أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا توبيخا لهم.
401
إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين: أي عن يمين أحدنا تزينون له الباطل وتحسنون له الشر فتأمرونه بالشرك وتنهونه عن التوحيد.
قالوا بل لم تكونوا مؤمنين: أي قال قرناؤهم من الجن ردّا عليهم بل لم تكونوا أساسا مؤمنين.
وما كان لنا عليكم من سلطان: أي من حجة ولا قوة على حملكم على الشرك والشر والباطل.
بل كنتم قوماً طاغين: أي بل كنتم طغاة ظلمة تعبدون غير الله تعالى وتجبرون الناس على ذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في موقف عرصات القيامة إنهم بعد اعترافهم بأن هذا يوم الدين ورد الله تعالى عليهم بقوله ﴿هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون﴾ يقول الجبار عز وجل ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي احشروا الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي (١)، وقوله ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي قرناؤهم (٢) من الجن ﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ من الأصنام والأوثان. وقوله تعالى ﴿فَاهْدُوهُمْ (٣) إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ يقول الله عز وجل فاهدوهم أي دلوهم إلى طريق النار. ويقول ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾ ثم يسألون ﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (٤) ﴾ أي لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا. كيف ينصر بعضهم بعضا في مثل هذا الموقف الرهيب بل هم اليوم مستسلمون أي منقادون ذليلون وقوله تعالى ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي أقبل الأتباع على المتبوعين يتساءلون أي يتلاومون كل يلقي بالمسؤولية على الآخر. فقال الأتباع من الإنس لقرنائهم من الجن ما أخبر تعالى به عنهم ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (٥) ﴾ أي والشمال أي توسوسون لنا فتحسّنون لنا الشرك والشر بل تأمروننا به وتحضوننا عليه. فرد عليهم قرناؤهم بما أخبر تعالى به عنهم ﴿قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ أي ما كنتم مؤمنين فكفرناكم ولا
١ - ظلموا بمعنى أشركوا لأن الشرك أقبح أنواع الظلم شاهده قوله تعالى إن الشرك لظلم عظيم والآمر في قوله (احشروا) الله عز وجل والمأمور الملائكة والمأمور بحشرهم المشركون.
٢ - وفسر أزواجهم أيضا بأشياعهم وقرنائهم وهم من الجن وما في التفسير أولى.
٣ - أي سوقوهم إلى النار والمأمور الملائكة كما تقدم.
٤ - ما لكم لا تناصرون أي ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا ولاستفهام للتقريع والتوبيخ.
٥ - اضطرب أهل التفسير في تفسير تأتوننا عن اليمين وأقوالهم متضاربة فمنهم من قال تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها قاله قتادة، ومنهم من قال اليمين بمعنى القوة أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر وهذا ينسجم مع السياق وما في التفسير شامل لهذه الأقوال إذ معناه إنكم تأتوننا من كل جهة تحاولون إغواءنا وإضلالنا.
402
صالحين فأفسدناكم، ولا موحدين فحملناكم على الشرك. هذا أولا وثانياً ما كان لنا عليكم من سلطان أي من حجج قوية أقنعناكم بها، ولا قدرة لنا أرهقناكم بها فأتبعتمونا، بل كنتم قوماً طاغين أي ظلمة متجاوزين الحد في الإسراف والظلم الشر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان صور لموقف من مواقف القيامة.
٢- بيان أن الأشباه في الكفر والفجور أو في الفسق تحشر مع بعضها بعضا.
٣- عدم جدوى براءة العابدين من المعبودين واحتجاج التابعين على المتبوعين.
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وََقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)
شرح الكلمات:
فحق علينا قول ربنا: أي وجب علينا العذاب.
إنا لذائقون: أي العذاب نحن وأنتم.
فأغويناكم إنا كنا غاوين: أي أضللناكم إنا كنا ضالين.
فإنهم يومئذ: أي يوم القيامة.
في العذاب مشتركون: لأنهم كانوا في الغواية مشركين.
إنا كذلك نفعل بالمجرمين: كما عذبنا هؤلاء التابعين والمتبوعين نعذب التابعين والمتبوعين في كل ضلال وكفر وفساد.
إنهم كانوا إذا قيل لهم: أي إن أولئك المشركين من عبدة الأوثان إذا قال لهم الرسول.
403
لا إله إلا الله يستكبرون: أي قولوا لا إله إلا الله ولا تعبدوا إلا الله يستكبرون ولا يقولون ولا يوحدون.
لشاعر مجنون: يعنون محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بل جاء بالحق وصدق المرسلين: أي جاء بلا إله إلا الله وهو الحق الذي جاءت به الرسل وقد صدقهم فيما أخبروا به من قبله وهو التوحيد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم فيما ذكر تعالى من تساؤلات الظالمين وما قاله الأتباع للمتبوعين وما قاله المتبوعون للأتباع فقوله تعالى ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا (١) قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ هذا قول المتبوعين لأتباعهم قالوا لهم فبسبب غوايتنا وضلالنا وجب علينا العذاب إنا وأنتم لذائقوه لا محالة. وقالوا لهم أيضاً معترفين بإغوائهم لهم فأغويناكم إنا كنا غاوين هذا قول الجن للإنس قال تعالى ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ وذلك لاشتراكهم في الشرك والشر والفساد وقوله تعالى ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ من سائر الأصناف كالزناة وأكلة الربا وسافكي الدماء فنعذب الصنف مع صنفه وهذا عائد إلى قوله احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشياعهم وأضرابهم وقوله تعالى ﴿إِِنَّهُمْ كَانُوا (٢) إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يخبر تعالى عن مشركي قريش أنهم كانوا في الدنيا إذا قال لهم رسول الله أو أحد المؤمنين قولوا لا إله إلا الله يستكبرون (٣) ويشمئزون ولا يقولونها بل ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر (٤) مجنون يعنون النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصفون القرآن بالشعر ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تاليه وقارئه بالشعر ولما يدعوهم إليه من الإيمان بالبعث والجزاء بالجنون والرسول في نظرهم مجنون. فرد تعالى عليهم بقوله ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ (٥) ﴾ أي لم يكن رسولنا بشاعر ولا مجنون بل جاء بالحق فأنكرتموه وكذبتم به تقليدا وعناداً فقلتم ما قلتم. وإنما هو قد جاء بالحق الذي هو لا إله إلا الله ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ الذين جاءوا قبله بكلمة لا إله إلا الله والدعوة إليها والحياة والموت عليها.
١ - أي وجب علينا قول ربنا فكلنا ذائقوا العذاب شاهده قوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن الله عز وجل كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم.
٢ - إنهم كانوا: هذه الجملة تعليلية للحكم السابق وهو بيان العلة منه وفي الكلام حذف تقديره أنهم كانوا إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا الله فحذف القول للعلم به.
٣ - شاهده حديث ابن أبي حاتم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه إلى الله" وهو في الصحيح بأوسع منه.
٤ - أي لقول شاعر فحذف القول لظهوره.
٥ - بل للإضراب الانتقالي عن قولهم: شاعر مجنون الباطل وقد سبق الحق المبين وهو شهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله.
404
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان هلاك الضال ومن أضله والغاوي ومن أغواه.
٢- بيان ما كان يوجهه المشركون لرسول الله من التهم الباطلة ورد الله تعالى عليها.
٣- التعظيم من شأن لا إله إلا الله وأنها دعوة كل الرسل التي سبقت النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- تقرير التوحيد والبعث والجزاء والنبوة المحمدية.
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)
شرح الكلمات:
وما تجزون إلا ما كنتم تعملون: أي إلا جزاء ما كنتم تعملونه من الشرك والمعاصي.
إلا عباد الله المخلصين: أي لكن عباد الله المخلصين أي العبادة لله وحده فإنهم يجزون أعمالهم إذ الحسنة بعشر أمثالها وأكثر.
لهم رزق معلوم: أي في الجنة بكرة وعشيا.
فواكه: أي طعامهم وشرابهم فيها للتلذذ به كما يتلذذ بالفواكه فليس هو لحفظ أجسامهم حية كما في الدنيا.
وهم فيها مكرمون: أي لا تلحقهم فيها إهانة بل يقال لم هنيئاً بخلاف أهل النار يقال لهم ذوقوا عذاب النار بما كنتم تعملون.
405
من معين: أي يجري على وجه الأرض كعيون الماء الجارية على الأرض.
لذةٍ للشاربين: أي الخمرة موصوفة بأنها لذة للشاربين.
لا فيها غول: أي ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم.
ولا هم عنها ينزفون: أي لا يسكرون عنها أي بسببها كما هي خمر الدنيا.
قاصرات الطرف: أي لا ينظرون إلى غير أزواجهن لحسنهم وجمالهم عندهن.
عين: أي واسعات الأعين الواحدة عيناء.
بيض مكنون: أي كأنهن بيض مكنون أي مستور لا يصله غبارٌ ولا غيره.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو (١) الْعَذَابِ الْأَلِيم، وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هذا يقال لأهل النار وهم موقوفون يتساءلون ومن جملة ما يقال لهم عندئذ هذا القول فيخبرون بأنهم ذائقوا العذاب الأليم الموجع، وأنهم ما يجزون إلا بما كانوا يعملون فلا يظلمون بالجزاء بل هو جزاء عادل السيئة بمثلها. وهنا استثنى تعالى جزاء المؤمنين الذي استخلصهم لعبادته فعبدوه ووحدوه فإنهم يجزون بأكثر من أعمالهم فضلا منه عليهم وإحسانا إليهم فالحسنة بعشر أمثالها وبأكثر إلى سبعمائة وأكثر، فقال ﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ وبين تعالى بعض جزائهم فقال ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ أي يأكلونه بكرة وعشيا (٢)، وقوله ﴿فَوَاكِهُ﴾ (٣) فيه إشارة إلى أنهم لا يأكلون ولا يشربون لحفظ أجسادهم من الموت والفناء، وإنما يأكلون ما يأكلون ويشربون ما يشربون تلذذاً بذلك لا لدفع غائلة الجوع كما في الدنيا. ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ أي في الجنة حيث لا تلحقهم إهانة أبداً، وقوله في جنات النعيم أضاف الجنة إلى النعيم مبالغة في وصفها بالنعيم حتى جعل الجنة جنة النعيم فجعل للنعيم وهو النعيم جنة، وأخبر أنهم متكئون فيها على سرر متقابلين ينظر بعضهم إلى بعض وهم في جلسات تنعم، وأخبر عنهم أنهم في حال جلوسهم متقابلين يسقون بواسطة خدم من الملائكة خاص فقال ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي من خمر تجري بها الأنهار كأنه عيون الماء، ووصف
١ - الأصل لذائقون العذاب فحذفت النون تخفيفاً وأضيف لذائقوا إلى العذاب فخفض ولو نصب لجاز كقول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلاً.
٢ - إلا عباد الله المخلصين: الاستثناء منقطع في معنى الاستدراك وهو تعقيب الكلام بما يضاده أو يرفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه وهو الغالب في الاستدراك قرأ الجمهور المخلصين باسم المفعول وقرأها غيرهم باسم الفاعل بكسر اللام والمراد بهم أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما روي عن الشافعي قوله:
ومما زادني شرفاً وفخراً
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن أرسلت أحمد لي نبيا
٣ - عطف بيان من رزق معلوم والمعنى أن طعامهم كله من الأطعمة التي يتفكه بها لا مما يؤكل للشبع.
406
الخمر بأنها بيضاء وأنها لذة عظيمة للشاربين لها، وأنها لا فيها غول وهو ما يغتال أبدانهم كالصداع ووجع البطن فقال ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (١) ﴾ أي لا يسكرون بها فتذهب بعقولهم. وقوله ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾ يعني أن لهم نساء هن أزواج لهم ومعنى قاصرات الطرف أي على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم وذلك لحسنهم وجمالهم فلا تنظر الواحدة منهن إلا إلى زوجها. وقوله ﴿عِينٌ﴾ أي واسعات الأعين ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ (٢) مَكْنُونٌ﴾ هذا وصف لنساء الجنة وأنهن بيض الأجسام بياضاً كبياض بيض النعام إذ هو أبيض مشرب بصفرة وهو من أحسن أنواع الجمال في النساء ومعنى ﴿مَكْنُونٌ﴾ مستور لا يناله غبار ولا أي أذى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عدالة الحق تبارك وتعالى في أنه يجزي السيئة بمثلها ولا يؤاخذ أحداً بغير كسبه في الحياة الدنيا.
٢- بيان فضل الله تعالى إذ يجزي المؤمنين الحسنة بعشر أمثالها إلى أكثر من سبعمائة.
٣- تقرير البعث وبيان بعض ما يجري فيه من قول وعمل.
٤- وصف نعيم أهل الجنة طعاما وشراباً وجلوسا واستمتاعا.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي
١ - ينزفون بالبناء للمجهول قراءة الجمهور من نزف الشارب فهو منزوف ونزيف شبهوا عقل الشارب بالدم يقال نزف دم الجريح أي أفرغ وأصله من نزف الرجل ماء البئر إذا نزحه ولم يبعد منه شيئاً. وقرأ البعض ينزفون من أنزف الرباعي الشارب إذا ذهب عقله بالسكر أي صار ذا نزف فالهمزة للصيرورة لا للتعدية.
٢ - العرب تشبه النساء بالبيض لصفائهن وبياضهن قال امرؤ القيس الشاعر الجاهلي:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجل
أطلق لفظ البيضة على المرأة.
407
لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)
شرح الكلمات:
فأقبل بعضهم على بعض: أي أقبل أهل الجنة.
يتساءلون: عما مرّ بهم في الدنيا وما جرى لهم فيها.
إني كان لي قرين: أي كان لي صاحب ينكر البعث الآخر.
يقول أئنك لمن المصدقين: أي يقول تبكيتاً لي وتوبيخاً أي بالبعث والجزاء.
أئنا لمدينون: أي محاسبون ومجزيون بأعمالنا في الدنيا إنكارا وتكذيبا.
هل أنتم مطلعون: أي معي إلى النار لننظر حاله وما هو فيه من العذاب.
فاطلع فرآه في سواء الجحيم: أي في وسط النار.
تالله إن كدت لتردين: أي قال هذا تشميتاً به، ومعنى تردين تهلكني.
لكنت من المحضرين: أي المسوقين إلى جهنم المحضرين فيها.
أفما نحن بميتين: أمخلدون فما نحن بميتين، والاستفهام للتقرير أي نعم.
إلا موتتنا الأولى: التي ماتوها في الدنيا.
لمثل هذا فليعمل العاملون: أي لمثل هذا النعيم من الخلود في الجنة والنعم فيها فليعمل العاملون وذلك بكثرة الصالحات واجتناب السيئات.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان نعيم أهل الجنة فقد قال بعضهم لبعض بعد أن جلسوا على السرر متقابلين يتجاذبون أطراف الحديث متذكرين ما مرّ بهم من أحداث في الحياة الدنيا فقال أحدهم إني كان لي في الدنيا قرين أي صاحب يقول لي استهزاء وإنكاراً للبعث الآخر ﴿أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ أي بالبعث والجزاء على الأعمال في الدنيا. ويقول أيضا مستبعداً منكرا ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ أي محاسبون ومجزيون. ثم قال ذلك القائل لبعض
408
أهل مجلسه ﴿هَلْ أَنْتُمْ (١) مُطَّلِعُونَ﴾ أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها (٢)، وقال له ما أخبر به تعالى عنه في قوله ﴿قَالَ تَاللهِ﴾ أي والله ﴿إِنْ كِدْتَ (٣) لَتُرْدِينِ﴾ أي تهلكني لما كنت تنكر عليّ الإيمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي لإيماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو ثوابه وهو حاصل الآن وقال أيضا ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين الآن في جهنم معك. ثم قال له ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى﴾ والاستفهام تقريري فهو يقرره ليقول نعم (٤) مخلدون نحن في الجنة وأنتم في النار. ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم ﴿لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف، ودخولا للجنة دار السلام والنعيم المقيم. قال تعالى ﴿لِمِثْلِ هَذَا﴾ أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار الأبرار ﴿فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه لله رب العالمين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضا، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة.
٢- التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره.
٣- بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقلياً.
٤- لا موت في الآخرة (٥) وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم.
٥- الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة.
١ - أورد البخاري إيرادات لا حاجة إليها منها: قيل القرين هو من الشياطين. وقرئ من المصدقين بتشديد الصاد والدال من التصدق بالمال، وجعل أنتم مطلعون أنه من قول الله تعالى أو قول ملك. وما في التفسير هو الصواب ولا داعي لإيراد ما بخلافه إذ لا فائدة منه إلا تذبذب الرأي واضطراب الفكر.
٢ - قال ابن مسعود رضي الله عنه يقال تعبت حتى انقطع سوائي أي وسطي وقال بعض العلماء، لولا أن الله عرفه إياه لما عرفه إذ تغير حبره وسبره أي اللون والهيئة.
٣ - إن كدت إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير ثان محذوف واللام في لتردين هي الدالة على أن إن ليست نافية ولذا تسمى باللام الفارقة.
٤ - وجائز أن يكون هذا القول موجهاً إلى أصحاب الأرائك أهل النعيم بعد أن فرغ المؤمن من الحديث مع قرينه في سواء الجحيم قال لرفاقه في النعيم مقرراً أفما نحن بميتين... الآية. والسياق يساعد على جواز هذا.
٥ - قيل لأحد الحكماء: ما شر من الموت؟ قال الذي يتمنى فيه الموت وقال الشاعر:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وكون لا موت في الآخرة صح فيه الحديث إذ يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح بين الجنة والنار وينادي مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت.
409
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)
شرح الكلمات:
أذلك خير نزلا: أي ذلك المذكور لأهل الجنة خير نزلاً وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره.
أم شجرة الزقوم: المعدة لأهل النار وهي من أخبث الشجر طعماً ومرارة.
إنا جعلناها فتنة للظالمين: أي امتحاناً واختباراً لهم في الدنيا وعذابا لهم في الآخرة.
تخرج في أصل الجحيم: أي في قعر الجحيم وأغصانها في دركاتها.
طلعها كأنه رؤوس الشياطين: أي ما يطلع من ثمرها أولا كالحيات القبيحة المنظر.
إن لهم عليها لشوباً من حميم: أي بعد أكلها يسقون ماء حميما فذلك الشوب أي الخلط.
إنهم ألفوا آباءهم: أي وجدوا آباءهم.
فهم على آثارهم يهرعون: أي يسرعون مندفعين إلى أتباعهم بدون فكر ولا روية.
ولقد أرسلنا فيهم منذرين: أي رسلا منذرين لهم من العذاب.
فانظر كيف كان عاقبة المنذرين: إنها كانت عذابا أليما لإصرارهم على الكفر.
إلا عباد الله المخلصين: فإنهم نجوا من العذاب ولم يهلكوا.
410
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى ما أعد لأهل الإيمان به وطاعته وطاعة رسوله من النعيم المقيم في الجنة دار الأبرار قال أذلك (١) المذكور من النعيم في الجنة خير نزلا والنزل ما يعد (٢) من قرى للضيف النازل وغيره أم شجرة الزقوم، أي ثمرها وهو ثمر سمج مرّ قبيح المنظر. ثم أخبر تعالى أنه جعلها فتنة للظالمين من كفار قريش إذ قالوا لما سمعوا بها كيف تنبت الشجرة في النار والنار تحرق الشجر، فكذبوا بها فكان ذلك فتنة لهم. ثم وصفها تعالى بقوله ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ أي في قعرها تمتد فروعها في دركات النار. وقوله طلعها أي ما يطلع من ثمرها في قبح منظره ﴿كَأَنَّهُ رُؤُوسُ (٣) الشَّيَاطِينِ﴾ لأن العرب تضرب المثل بالشيطان في القبح كما أن هناك حيات يسمونها بالشيطان قبيحة المنظر وقوله فإنهم أي الظلمة المشركين لآكلون منها أي من شجرة (٤) الزقوم لشدة جوعهم فمالئون منها البطون أي بطونهم ﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ﴾ وذلك أنهم لما يأكلون يعطشون فيسقون من حميم فذلك الشوب من الحميم إذ الشوب الخلط والمزج يُقال شاب اللبن بالماء أي خلطه به وقوله ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ أي مردهم إلى الجحيم بعدما يأكلون ويشربون في مجالس خاصة بالأكل والشرب يردون إلى نار الجحيم.
وقوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ﴾ أي وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى والرشاد ﴿فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٥) ﴾ أي يهرولون مسرعين وراءهم يتبعونهم في الشرك والكفر والضلال وقوله تعالى ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي فليس هؤلاء أول من ضل ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ أي في أولئك الضالين من الأقوام السالفين منذرين أي رسلاً ينذرونهم فلم يؤمنوا فأهلكناهم فانظر كيف كانت عاقبة المنذرين إنها كانت هلاكاً ودماراً للكافرين. وقوله تعالى ﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٦) ﴾ استثناء منه تعالى لعباده المؤمنين الصالحين وهم الذين استخلصهم لعبادته بذكره وشكره فآمنوا وأطاعوا فإنه تعالى نجاهم وأهلك أعداءهم الكافرين المكذبين وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بما لا مزيد عليه.
١ - أذلك خير: مبتدأ وخبر ونزلا تمييز، والمعنى أنعيم الجنة خير نزلاً أم شجرة الزقوم خير نزلا؟
٢ - قرى الضيف هو ما يعد له من طعام وشراب وفراش ويسمى النزل بضم النون والزاي ويجوز تسكين الزاي.
٣ - مما تعارف عليه العرب أنهم يصورون كل قبيح (بصورة الشياطين) قال امرؤ القيس:
أيقتلونني والمشرفي مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوالي
انظر كيف صور سهامه المحددة بصورة أنياب الأغوال ولا يوجد أغوال في الواقع وإنما مجرد تصور وتقدير لا غير.
٤ - هذا الطعام والشراب مقابل ما لأهل الجنة من رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم.
٥ - الإهراء الإسراع من شخص يستحثه بشيء على الإسراع والهرولة.
٦ - الاستثناء متصل لأن المخلصين كانوا من جملة المنذرين فصدقوا المنذرين واتبعوهم وذلك باستخلاص الله تعالى لهم لعبادته والدعوة إليه.
411
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أحسن الأساليب في الدعوة وهو الترهيب والترغيب.
٢- تقرير البعث والجزاء بأسلوب العرض للأحداث التي تتم في القيامة.
٣- التنديد بالاتباع في الضلال للآباء والأجداد وأهل البلاد.
٤- إهلاك الله تعالى للظالمين وإنجاؤه للمؤمنين عند الأخذ بالذنوب في الدنيا والآخرة.
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)
شرح الكلمات:
ولقد نادانا نوح: أي قال إني مغلوب فانتصر "من سورة القمر"
فلنعم المجيبون: أي له إذ نجيناه وأهلكنا الكافرين من قومه.
من الكرب العظيم: أي عذاب الغرق بالطوفان.
وجعلنا ذريته هم الباقين: إذ عامة الناس كانوا من ذريته سام، وحام ويافث.
وتركنا عليه في الآخرين: أي أبقينا عليه ثناء حسناً عند سائر الأمم والشعوب.
سلام على نوح في العالمين: أي سلام على نوح في العالمين أي في الناس أجمعين.
إنا كذلك نجزي المحسنين: أي كما جزينا نوحاً بالذكر الحسن والسلام في العالمين نجزي المحسنين.
ثم أغرقنا الآخرين: أي كفار قومه المشركين بعد إنجاء المؤمنين في السفينة.
412
معنى الآيات:
على إثر ذكره تعالى إهلاك المنذرين وإنجائه المؤمنين من عباده المخلصين ذكر قصة تاريخية لذلك وهي نوح وقوه حيث أنذرنوح قومه ولما جاء العذاب أنجى الله عباده المخلصين وأهلك المكذبين المنذرين فقال تعالى في ذكر هذه القصة الموجزة ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾ أي دعانا لنصرته من قومه فـ ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ وقال ﴿إَِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ ﴿فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ نحن له ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ باستثناء امرأته وولده كنعان ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ وهو عذاب الغرق. وقوله ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ إلى يوم القيامة وهذا جزاء له على صبره في دعوته وإخلاصه وصدقه فيها إذ كل الناس اليوم من أولاده الثلاثة وهم سام (١) وهو أبو العرب والروم وفارس، وحام وهو أبو السودان ويافث وهو أبو الترك والخزر وهم التتار ضيقوا العيون ولهذا سموا الخزر من خزر العين وهو ضيقها وصغرها، ويأجوج ومأجوج، وقوله ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾ (٢) أي في أجيال البشرية التي أتت بعده وهو الذكر الحسن الثناء العطر المعبر عنه بقوله تعالى ﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ وقوله تعالى ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أي كما جزينا نوحا لإيمانه وصبره وتقواه وصدقه ونصحه وإخلاصه نجزي المحسنين في إيمانهم وتقواهم وهذه بشرى للمؤمنين وقوله ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ ثناء عليه وبيان لعلة الإكرام والإنعام عليه. ودعوة إلى الإيمان بالترغيب فيه، وقوله ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ أي أغرقناهم بالطوفان بكفرهم وشركهم وتكذيبهم بعد أن أنجينا المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إكرام الله لأوليائه، وإهانته لأعدائه.
٢- إجابة دعاء الصالحين لا سيما عندما يظلمون.
٣- فضل الإحسان وحسن عاقبة أهله.
٤- فضل الإيمان وكرامة أهله عند الله في الدنيا والآخرة.
٥- قول سلام على نوح في العالمين إذا قاله المؤمن حين يمسي (٣) أو يصبح يحفظه الله تعالى من
١ - عن سعيد بن المسيب قال ولد نوح عليه السلام ثلاثة: سام ويافث وحام وولد كل واحد من هؤلاء الثلاث ثلاثة فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وولد حام القبط والسودان والبربر.
٢ - قال ابن عباس رضي الله عنهما يُذكر بخير، قال مجاهد لسان صدق في الأنباء.
٣ - وقال سعيد بن المسيب وبلغني انه من قال حين يمسي "سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب" ذكره أبو عمرو ابن عبد البر في التمهيد ونقله عنه القرطبي.
413
لسعة العقرب. وأصح منه قول: أعوذ بكلمات الله التامة (١) من شر ما خلق لصحة الحديث في ذلك.
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)
شرح الكلمات:
وإن من شيعته لإبراهيم: وإن من أشياع نوح على ملته ومنهاجه إبراهيم الخليل عليهما السلام.
إذ جاء ربه بقلب سليم: أي أتى ربه بقلب سليم من الشرك والشك والالتفات إلى غير الرب سبحانه وتعالى.
إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون؟ : أي حين قال لأبيه وقومه المشركين أي شيء تعبدون؟
أئفكاً آلهة دون الله تريدون؟ : أي كذبا هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير الله؟
فما ظنكم برب العالمين: أي شيء هو؟ أترون أنه لا يسخط عليكم ولا يعاقبكم فتعبدون
١ - روى مالك في الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من نزل منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل".
414
غيره وهو ربكم ورب العالمين.
فنظر نظرة في النجوم: أي إيهاما لهم إذ كانوا يؤلهون النجوم.
فقال إني سقيم: أي عليل أي ذو سقم وهو المرض والعلة.
فتولوا عنه مدبرين: أي رجعوا إلى ما هم فيه وتركوه قابلين عذره.
فراغ إلى آلهتهم: أي مال إليها خفية.
فراغ عليهم ضربا باليمين: أي بقوة يمينه فكسرها بفأس وحطمها.
فأقبلوا إليه يزفون: أي يمشون بقوة وسرعة.
ما تنحتون: من الحجارة والأخشاب والمعادن كالذهب والفضة.
وما تعملون: أي وخلق ما تعبدون من أصنام وكواكب.
فقالوا ابنوا له بنياناً: واملأوه حطبا وأضرموا فيه النار فإذا التهب فألقوه فيه.
فجعلناهم الأسفلين: أي المقهورين الخائبين في كيدهم إذ نجّى الله إبراهيم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى قصة نوح مقررا بها نصرة أوليائه وخذلان أعدائه ذكر قصة أخرى هي قصة إبراهيم وهي أكبر موعظة لكفار قريش لأنهم ينتمون إلى إبراهيم ويدّعون أنهم على ملته وملة ولده إسماعيل فلذا أطال الحديث فيها فقال سبحانه تعالى ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ (١) لَإِبْرَاهِيمَ﴾ أي وإن من أشياع نوح عليه الذين هم على ملته ومنهجه إبراهيم خليل الرحمن ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أي إذ أتى (٢) ربّه بقلب سليم من الشرك والشك والالتفات إلى غير الرب تعالى في الوقت الذي قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون، منكراً عليهم عبادة الأصنام فلو كان في قلبه أدنى التفاتة إلى غيره طمعا أو خوفا ما أمكنه أن يقول الذي قال بل كان في تلك الساعة سليم القلب ليس فيه نظر لغير الله تعالى وقوله ﴿أَإِفْكاً (٣) آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ﴾ أي أكذباً هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير الله حيث جعلتموها بكذبكم بألسنتكم آلهة وهي أحجار وأصنام. وقوله ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ﴾ وقد عبدتم الكذب دونه إذ آلهتكم ما هي إلا كذب بحت. أترون أن الله لا يسخط عليكم ولا
١ - وقيل هاء الضمير عائد إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون المعنى وإن من شيعة محمد إبراهيم وهو حقاً من شيعته ولكن السياق يأباه بل المراد نوح عليه السلام.
٢ - قيل في مجيئه ربه بقلب سليم إما أن يكون عند دعائه إلى توحيده، أو عند إلقائه في النار.
٣ - الاستفهام إنكاري إذ هو أنكر على قومه عبادة وتأليه غير الله تعالى، وقوله ﴿فما ظنكم برب العالمين﴾ استفهام متفرع عما قبله وهما للإنكار الأول والثاني. فالأول أنكر عليهم اتخاذهم آلهة دونه تعالى والثاني أنكر عليهم سوء ظنهم بالله حتى عبدوا آلهة غيره.
415
يعاقبكم؟ وقوله ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ هنا كلام محذوف دل عليه المقام وهو أن أهل البلد قد عزموا على الخروج إلى عيد لهم يقضونه خارج البلد، فعرضوا عليه الخروج معهم فاعتذر بقوله إني سقيم أي ذو سقم بعد أن نظر في النجوم موهماً لهم أنه رأى ما دله على أنه سيصاب بسقم وهو مرض الطاعون وكان القوم منجمين ينظرون إلى النجوم فيدعون أنهم يعرفون بذلك الخير والشر الذي ينزل إلى الأرض بواسطة الكواكب فأوهمهم بذلك فتركوه خوفا من عدوى الطاعون، أو تركوه قبولاً لعذره (١) هذا ما دل عليه قوله تعالى ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ ﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ أي لذلك ورجعوا إلى أمورهم وما هم عازمون عليه من الخروج إلى العيد خارج البلد وهو معنى فتولوا عنه مدبرين وهنا وقد خلا له المكان الذي فيه الآلهة من الحراس والعباد والزوار للآلهة في بهوها الخاص فنفذ ما حلف على تنفيذه في مناظرة كانت بينه وبين بعضهم إذ قال ﴿وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ وبدأ المهمة فقال للآلهة وأنواع الأطعمة أمامها تلك الأطعمة من الحلويات وغيرها التي يتركها المشركون لتباركها الآلهة ثم يأكلونها رجاء بركتها ﴿أَلا تَأْكُلُونَ﴾ عارضا عليها الأكل سخرية بها فلم تجبه ولم تأكل فقال لها ﴿مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ﴾ ثم انهال عليها ضربا بفأس بيده اليمنى فكسرها وجعلها جذاذا أي قطعاً متناثرة. فلما رجعوا من عيدهم مساء وجاءوا بهو الآلهة ليأخذوا الأطعمة وجدوا الآلهة مكسرة ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ أي مسرعين بأن طلبوا من رجالهم إحضاره على الفور فأحضروه وأخذوا يحاكمونه فقال في دفاعه ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ أي بأيديكم من أصنام بعضها من حجر وبعض من خشب ومن فضة ومن ذهب أيضا، ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ من كل عمل من أعمالكم فلم لا تعبدونه، وتعبدون أصناماً لا تنفع ولا تضر، ولما غلبهم في الحجة وانهزموا أمامه أصدروا أمرهم بإحراقه بالنار فقالوا ﴿ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً﴾ أي فرنا عظيما واملأوه حطبا وأضرموا فيه النار حتى إذا التهب فألقوه في جحيمه وهو معنى قوله تعالى ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ وقوله تعالى ﴿فَأَرَادُوا﴾ أي بإبراهيم ﴿كَيْداً﴾ أي شراً وذلك بعزمهم على إحراقه وتنفيذهم ما عزموا عليه ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ أي المتهورين المغلوبين إذ قال تعالى للنار ﴿كوني بردا وسلاماً على إبراهيم﴾ فكانت فخرج منها إبراهيم ولم يحرق سوى كتافيه الذي في يديه ورجليه وخيب الله سعي المشركين وأذلهم أمام إبراهيم وأخزاهم
١ - شاهد هذا حديث الصحيح: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا اثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله: إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا. وبينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فسأله عن سارة فقال هي أختي الحديث.
416
وهو معنى قوله تعالى ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (١) ﴾ وقد جمع الله تعالى لهم بين الخسران في كل ما أملوه من عملهم والذل الذي ما فارقهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- أصل الدين واحد فالإسلام هو دين الله الذي تعبد به آدم فمن بعده إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- كمال إبراهيم في سلامة قلبه من الالتفات إلى غير الله تعالى حتى إن جبريل قد عرض له وهو في طريقه إلى الجحيم الذي أعده له قومه فقال [هل لك حاجة يا إبراهيم فقال أما إليك فلا].
٣- من أقبح الكذب ادعاء أن غير الله يعبد مع الله تبركا به أو طلباً لشفاعته.
٤- وجوب تغيير المنكر عند القدرة عليه.
٥- بيان ابتلاء إبراهيم وأنه ألقي في النار فصبر، ولذا أكرمه ربه بما سيأتي في السياق بيانه.
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ
١ - هذه الجملة من سورة الأنبياء ذكرت هنا شاهداً مبيناً لغاية كيدهم وهو خسرانهم فيما دبروا وفعلوا.
417
الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)
شرح الكلمات:
إني ذاهب إلى ربي سيهدين: أي إني مهاجر إلى ربي سيهدين إلى مكان أعبده فيه فلا أمنع فيه من عبادته.
رب هب لي من الصالحين: أي ولداً من الصالحين.
بغلام حليم: أي ذي حلم وصبر كثير يولد له.
فلما بلغ معه السعي: أي بلغ من العمر ما أصبح يقدر فيه على العمل كسبع سنين فأكثر.
فانظر ماذا ترى: أي من الرأي الرشد.
من الصابرين: أي على الذبح الذي أمرت به.
فلما أسلما: أي خضعا لأمر الله الولد والوالد وانقادا له.
وتله للجبين: أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الأرض ولكل إنسان جبينان أيمن وأيسر والجبهة بينهما.
قد صدقت الرؤيا: أي بما عزمت عليه وفعلته من الخروج بالولد إلى منى وصرعه على الأرض وإمرار السكين على حلقه.
إن هذا لهو البلاء المبين: أي الأمر بالذبح اختبار عظيم.
وفديناه بذبح عظيم: أي كبش كبير.
وتركنا عليه في الآخرين: أي أبقينا عليه ذكرا حسنا فيمن جاء بعده من الناس.
وباركنا عليه وعلى إسحاق: أي وباركنا عليه بتكثير ذريته وذرية إسحاق حتى أن عامة الأنبياء من ذريتهما.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصة إبراهيم الخليل إنه بعد أن ألقي به في النار وخرج بحمد الله سالماً
418
قرر الهجرة وترك البلاد، وقال ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ أي إني ذاهب إلى حيث أذن لي ربي بالهجرة إليه حيث أتمكن من عبادته فذهب إلى بلاد الشام ونزل أولا بحران من الشام، وقوله سيهدين أي يثبتني بدوام هدايته لي. ودعا ربه قائلاً ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي ارزقني أولاداً صالحين. فاستجاب الله تعالى له وذلك أنه سافر في أرض القدس مع زوجته سارة وانتهى إلى مصر، وحدث أن وهب طاغية مصر جارية لسارة تسمى هاجر فوهبتها سارة لزوجها إبراهيم فتسراها فولدت له غلاما هو إسماعيل وهو استجابة الله تعالى لإبراهيم في دعائه عند هجرته ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وهو قوله تعال ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾. وقد أخذ سارة ما يأخذ النساء من الغيرة لما رأت جارية إبراهيم أنجبت له إسماعيل فأمر الله إبراهيم بأن يأخذها وطفلها إلى مكة إبعاداً لها عن سارة ليقل تألمها. وهناك بمكة رأى إبراهيم رؤيته ورؤيا الأنبياء وحي وقال لإسماعيل ما أخبر تعالى به في قوله ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ كابن سبع سنين (١) فأكثر بمعنى أصبح قادرا على العمل معه ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ أي استشاره ليرى رأيه في القبول أو الرفض فأجاب إسماعيل قائلا ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ أي ما يأمرك به ربك ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ وفعلا خرج به إبراهيم من حول البيت إلى منى (٢) وانتهى إلى مكان تجاوز به مكان الجمرات الثلاث وتله للجبين أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الأرض وأخذ المدية ووضعها على رقبته والتفت لأمر ما وإذا بكبش أملح والهاتف يقول اترك ذاك وخذ هذا فترك الولد وذبح الكبش وكانت آية. وهو قوله تعالى ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾، وقوله تعالى ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ أي الاختبار البين وبذلك تأهل للخلة وأصبح خليل الرحمن، وقوله تعالى ﴿وَفَدَيْنَاهُ﴾ أي إسماعيل ﴿بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (٣) أي بكش عظيم. هو الذي
١ - روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغ الثالثة عشرة من عمره وفي هذا أقوال ولهذا في التفسير قلنا سبع سنين فأكثر إذ بداية السعي من السابعة والبلوغ ينتهي إلى الخامسة عشر.
٢ - قيل إن إبراهيم لما رأى الرؤيا كانت ليلة يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة فسمي اليوم يوم التروية إذ تروّى فيه ويوم التاسع عرف أن الرؤيا حق لذا سمي يوم عرفة ويوم العاشر خرج بإسماعيل ليذبحه فسمي يوم النحر لذلك والله أعلم.
٣ - اختلف في أيهما الذبيح أهو إسماعيل أم إسحق والراجح انه إسماعيل لأن الذبح كان في مكة ولم يكن في الشام لأن إسماعيل عاش بمكة ولم يعش بالشام ولأن هاجر كانت في مكة وسارة كانت بالشام وبلغ الخلاف حتى قال بعضهم نفوض فكان التفويض مذهباً ثالثاً والذي أثار هذا الخلاف هم أهل الكتاب يريدون سلب هذا الفضل عن النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي الأبيات الآتية إشارة إلى ذلك:
إن الذبيح هديتَ إسماعيل
نطق الكتاب بذاك والتنزيل
شرف به خص الإله نبيا
وأتى به التفسير والتأويل
إن كنت أمّته فلا تنكر له
شرفا به قد خصه التفضيل
419
ذبحه إبراهيم وترك إسماعيل (١) وقوله ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾ أي أبقينا عليه ثناء عاطراً وذكر حسنا فيمن جاء بعده من الأمم والشعوب. ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أي سلام من الله على إبراهيم كذلك أي كذلك الجزاء الذي جزى به الله تعالى إبراهيم على إيمانه وهجرته وصبره وطاعته يجزي المحسنين وقوله ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ وفي هذا ثناء عاطر على المؤمنين، وقوله ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وهذا يوم جاءه الضيف من الملائكة وهم في طريقهم إلى المؤتفكات قرى قوم لوط، وذلك بعد أن بلغ من العمر عتياً وامرأته سارة كذلك إذ قالت ساعة البشرى ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً﴾ وعجبا لمن يقول إن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل، وقوله تعالى ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ﴾ أي وباركنا عليه بتكثير ذريته وذرّية إسحاق حتى إن عامة الأنبياء من بعدهما من ذريّتهما. وقوله تعالى ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا﴾ أي إبراهيم وإسحاق ﴿مُحْسِنٌ﴾ أي مؤمن صالح ﴿وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ بالشرك والمعاصي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- فضل الهجرة في سبيل الله وأن أول هجرة كانت في الأرض هي هجرة إبراهيم من العراق إلى الشام.
٢- بيان أن الذبيح هو إسماعيل وليس هو إسحاق كما يقول البعض وكما يدعي اليهود.
٣- وجوب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف.
٤- فضل إبراهيم وعلو مقامه وكرامته عند ربه.
٥- فضل الإحسان وجزاء المحسنين.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥)
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنَا
١ - ضعف القرطبي رواية الرجل الذي نادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً يا ابن الذبيحين فضحك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أرى وجهاً صحيحاً لتضعيفها إذ صح أن الذبيح الأول هو إسماعيل والثاني عبد الله الوالد إذ كل منهما ذبحه والله فداه ولله الحمد والمنة.
420
عَلَيهِمَا فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢)
شرح الكلمات:
ولقد مننا على موسى وهارون: أي بالنبوة والرسالة.
ونجيناهما وقومهما: أي بني إسرائيل.
من الكرب العظيم: أي استعباد فرعون إياهم واضطهاده لهم.
ونصرناهم: على فرعون وجنوده.
الكتاب المستبين: أي التوراة الموضحة الأحكام والشرائع.
وهديناهما الصراط المستقيم: أي الإسلام لله رب العالمين.
وتركنا عليهما في الآخرين: أي أبقينا عليهما في الآخرين ثناء حسنا.
سلام على موسى وهارون: أي سلام منا على موسى هارون.
إنا كذلك: أي كما جزيناهما نجزي المحسنين من عبادنا المؤمنين.
إنهما من عبادنا المؤمنين: أي جزيناهما بما جزيناهما به لإيمانهما.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إفضال الله وإنعامه على من يشاء من عباده فبعد ذكر إنعامه على إبراهيم وولده إسحاق ذكر من ذريّتهما المحسنين موسى وهارون فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ أي بالنبوة والرسالة (١)، ﴿وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا﴾ أي بني إسرائيل ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ الذي هو استعباد فرعون والأقباط لهم واضطهادهم زمنا طويلاً ﴿وَنَصَرْنَاهُمْ﴾ أي على فرعون وملائه (٢) ﴿فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ ﴿وَآتَيْنَاهُمَا (٣) ﴾ أي أعطيناهما ﴿الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ﴾ وهو التوراة الواضحة
١ - كانت النبوة والرسالة منة لأن موسى لم يكتسبها بعمل وهارون أعطيتها بدعوة أخيه موسى فلم يكتسبها بأي جهد فهي إذاً منة محضة.
٢ - إذ خرج فرعون في جيش عرمرم قوامة مائة ألف من الفرسان فقط ثم نجى الله تعالى بني إسرائيل وأغرق فرعون وجنده أجمعين فكان نصراً عظيماً لموسى على فرعون وملائه أجمعين.
٣ - موسى أوتي الكتاب أصالة وهارون بالتبعية لأخيه موسى.
421
الأحكام البين الشرائع لا خفاء فيها ولا غموض. ﴿وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ وهو الدين الصحيح الذي هو الإسلام دين الله الذي بعث به كافة رسله ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيهِمَا فِي الْآخِرِينَ﴾ أي وأبقينا عليهما الذكر الحسن والثناء العطر فيمن بعدهما ﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ (١) أي كما جزيناهما لإحسانهما نجزي المحسنين ﴿إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه بيان لعلة ما وهبهما من الإنعام والإفضال وهو الإيمان المقتضى للإسلام والإحسان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إكرام الله تعالى لرسوليه موسى وهرون عليهما السلام.
٢- بيان إنعام الله تعالى على بني إسرائيل بإنجائهم من آل فرعون ونصرته لهم عليهم.
٣- بيان أن الإسلام دين سائر الأنبياء وليس خاصاً بأمة الإسلام.
٤- بيان فضل الإحسان والإيمان.
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
١ - ﴿إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ جملة تذييلية وإن كانت تحمل معنى التعليل والتوكيد، والمحسنون من أحسنوا طاعة الله فأطاعوه بما يحب من أفعال وتروك على نحو ما شرعه لهم وجملة إنهما من عبادنا المؤمنين تعليلية للإنعام السابق.
422
شرح الكلمات:
وإن إلياس لمن المرسلين: إلياس هو أحد أنبياء بني إسرائيل من سبط هرون أرسله الله تعالى إلى أهل مدينة بعلبك بالشام.
أتدعون بعلاً: أي صمنا يسمى بعلا.
وتذرون أحسن الخالقين: أي وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين.
فإنهم لمحضرون: أي في النار.
إلا عباد الله المخلصين: أي فإنهم نجوا من النار.
وتركنا عليه في الآخرين: أي أبقينا عليه في الآخرين ذكراً حسنا.
سلام على إل يا سين: أي سلام منا على إلياس.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إنعام الله تعالى على بعض أنبيائه ورسله فقال تعالى ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ (١) الْمُرْسَلِينَ﴾ وهو من سبط هرون عليه السلام أحد أنبياء بني إسرائيل أخبر تعالى أنه من المرسلين (٢) أي اذكر إذ قال لقومه وهم أهل مدينة بعلبك وما حولها ﴿أَلا تَتَّقُونَ﴾ أي (٣) الله تعالى بعبادته وترك عبادة غيره، وهذا دليل على أنه رسول. وقوله عليه السلام ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلاً﴾ (٤) هذا إنكار منه لهم على عبادة صنم كبير لهم يسمونه بعلا، أي كيف تعبدون أصناماً بدعائه والعكوف عليه والذبح والنذر له، وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين، ﴿اللهَ رَبَّكُمْ (٥) وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾. قال تعالى ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أي في أنه لا إله إلا الله فـ ﴿مَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ فاحضرو في جهنم فهم من المحضرين فيها، وقوله تعالى ﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي الموحدين فإنهم ليسوا في النار بل هم في الجنة. وقوله تعالى ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾ أي وأبقينا له ذكراً حسناً في الذين جاءوا من بعده من الناس. وقوله تعالى ﴿سَلامٌ﴾ أي منا ﴿عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ ﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ أي كما جزينا إلياس لإحسانه في طاعتنا ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ وقوله ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي
١ - قدم تعالى ذكر نوح وإبراهيم وموسى وكلهم رسل أصحاب شرائع وعقب عليهم بذكر ثلاثة آخرين ليست لهم شرائع مستقلة وهم إلياس ولوط ويونس ويوسف واسم إلياس في كتب بني إسرائيل "إيليا".
٢ - عد في جملة المرسلين لأن الله تعالى أمره بتبليغ ملوك بني إسرائيل أن الله غضب عليهم من أجل عبادة الأصنام. فإطلاق اسم الرسول عليه كإطلاقه على اسم رسل عيسى عليه السلام في سورة يس.
٣ - ألا تتقون الهمزة للاستفهام الإنكاري ينكر عليهم عدم تقواهم لله، ولا نافية وحذف مفعول يتقون للعلم به. أي ألا تتقون الله تعالى أو عذابه ونقمه.
٤ - قرأ نافع آل سين كآل محمد، وقرأ حفص إل بكسر الهمزة وسكون اللام. واختلف هل إل ياسين معناه إلياس، أو معناه ذوو ياسين كآل بني فلان، والراجح أن المراد بآل ياسين أنصاره. نحو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آل محمد كل تقي.
٥ - قرأ نافع والأكثرون الله بالرفع على الابتداء، وقرأ حفص الله بالنصب على عطف البيان على أحسن الخالقين.
استحق تكريمنا والجزاء الحسن لأنه من عبادنا المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد، والتنديد بالشرك.
٢- هلاك المشركين (١) ونجاة الموحدين يوم القيامة.
٣- فضل الإحسان ومجازاة أهله بحسن الجزاء.
٤- فضل الإيمان وأنه سبب كل خير وكمال.
وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨)
شرح الكلمات:
وإن لوطا لمن المرسلين: أي وإن لوطا وهو ابن هاران أخي إبراهيم الخليل لمن جملة الرسل أيضا.
إذ نجيناه وأهله أجمعين: أي اذكر يا رسولنا ممن أنعمنا عليهم بالنبوة والرسالة لوطا إذ نجيناه وأهله أجمعين من عذاب مطر السوء.
إلا عجوزا في الغابرين: أي إلا امرأته الكافرة هلكت في الغابرين أي الباقين في العذاب.
ثم دمرنا الآخرين: أي أهلكنا الآخرين ممن عدا لوطا والمؤمنين معه.
وإنكم لتمرون عليهم: أي في أسفاركم إلى فلسطين وغزة ومصر بالليل والنهار.
أفلا تعقلون: أي يا أهل مكة ما حل بهم فتعتبرون وتتعظون فتؤمنوا وتوحدوا.
١ - سياق قصة إلياس فيها تذكير للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولقريش أيضاً إذ على الرسول أن يبلغ وليس عليه أن يأتي قومه بالعذاب ولو طالب به المدعوون فإن إلياس لم يعذب الله قومه في الدنيا وترك عذابهم إلى الآخرة.
424
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر إنعام الله تعالى على من اصطفى من عباده فقال تعالى ﴿وَإِنَّ لُوطاً﴾ وهو ابن هاران أخي إبراهيم (١) عليهما السلام ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي لمن جملة رسلنا ﴿إِذْ نَجَّيْنَاهُ﴾ أي اذكر إنعامنا عليه إذ نجيناه من العذاب وأهله أجمعين ﴿إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ﴾ وهي امرأته إذ كانت مع الكافرين فبقيت معهم فهلكت بهلاكهم. وقوله تعالى ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ﴾ أي ممن عدا لوطاً ومن آمن به من قومه. وقوله ﴿وَإِنَّكُمْ (٢) لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ (٣) مُصْبِحِينَ﴾ هذا خطاب لأهل مكة المشركين إذ كانوا يسافرون للتجارة إلى الشام وفلسطين ويمرون بالبحر الميت وهو مكان الهالكين من قوم لوط وأصبح بعد الخسف بحراً ميتاً لا حياة فيه البتة. وقوله ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤) ﴾ توبيخ لهم وتقريع على عدم التفكر والتدبر إذ لو فكروا لعلموا أن الله تعالى أهلكهم لتكذيبهم برسولهم وكفرهم بما جاءهم به من الهدى والدين الحق، وقد كذب هؤلاء فأي مانع يمنع من وقوع عذاب بهم كما وقع بقوم لوط من قبلهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير نبوة لوط ورسالته.
٢- بيان العبرة في إنجاء لوط والمؤمنين معه وإهلاك الكافرين المكذبين به.
٣- بيان أن لا شفاعة تنفع (٥) ولو كان الشافع أقرب قريب إلا بعد أن يأذن الله للشافع وبعد رضائه (٦) عن المشفوع له.
٤- وجوب التفكر والتعقل في الأحداث الكونية للاهتداء بذلك إلى معرفة سنن الله تعالى في الكون والحياة.
١ - يقال مر به ومر عليه بمعنى إلا أن التمكن والمباشرة بالممرور به بعلى أكثر منه بالباء ومصبحين حال منصوب على الحالية بالياء والنون لأنه جمع سلامة للمذكر.
٢ - جيء بالمضارع في لتمرون للإيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإخبار.
٣ - خرج لوط مع عمه إبراهيم عليه السلام بعد حادثة إلقاء إبراهيم في النار ونجاته منها فآمن له لوط وخرج معه مهاجراً فأرسله الله تعالى إلى أصحاب المؤتفكات وهي قرى سدوم وعمورية.
٤ - الاستفهام للإنكار والتقريع على جهالتهم وغفلتهم وعدم استعمال عقولهم للاهتداء.
٥ - أخذا هذا الحكم من كون لوط عليه السلام لم يشفع لزوجه في النجاة من الهلاك الذي أصاب المفسدين وذلك لكفرها وفسادها.
٦ - الرضاء: الاسم من رضي، يرضى، رضىً فهو راض.
425
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨)
شرح الكلمات:
وإن يونس لمن المرسلين: أي وإن يونس بن متى الملقب بذي النون لمن جملة المرسلين.
إذ أبق إلى الفلك المشحون: أي إذ هرب إلى السفينة المملوءة بالركاب.
فساهم فكان من المدحضين: أي اقترع مع ركاب السفينة فكان من المغلوبين.
فالتقمه الحوت وهو مليم: أي ابتلعه الحوت وهو آت بما يلام عليه.
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون: أي لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة.
فنبذناه بالعراء: أي فألقيناه من بطن الحوت بالعراء أي بوجه الأرض بالساحل.
وهو سقيم: أي عليل كالفرخ المنتوف الريش.
شجرة من يقطين: أي الدباء: القرع.
إلى مائة ألف أو يزيدون: أي أرسلناه إلى مائة ألف نسمة بل بزيدون بكذا ألف.
فآمنوا فمتعناهم إلى حين: أي فآمن قومه عند معاينة أمارات العذاب فأبقاهم الله إلى آجالهم.
426
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر من أنعم الله تعالى عليهم بما شاء من وجوه الإنعام. فقال عز وجل عطفاً عما سبق ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي وإن عبدنا يونس بن متى ذا النون لمن جملة من مننّا عليهم بالنبوة والرسالة. ﴿إِذْ أَبَقَ﴾ أي في الوقت الذي هرب من قومه لما لم يؤمنوا به وواعدهم العذاب وتأخر عنهم فاستعجل فهرب من المدينة وهي نينوى (١) من أرض الموصل بالعراق، فوصل الميناء فوجد سفينة مبحرة فركب وكانت حمولتها أكبر من طاقتها فوقفت في عرض البحر لا تتقدم ولا تتأخر فرأى ربّان السفينة أنه لا بد من تقليل الشحنة وإلاّ غرق الجميع، وشح كل راكب بنفسه فاقترعوا (٢) فكان يونس من المدحضين أي المغلوبين في القرعة فرموه في البحر فالتقمه حوته، وهو مليم أي فاعل ما يلام عليه من فراره من دعوة قومه إلى الله لما ضاق صدورهم ولم يطق البقاء معهم. وهذا معنى قوله تعالى ﴿إِذْ أَبَقَ (٣) إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (٤) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ (٥). وقوله تعالى ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ﴾ أي بطن الحوت ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي يوم القيامة بأن يصير بطن الحوت قبراً له أي فلولا أن يونس كان من المسبحين أي المكثرين من الصلاة والذكر والدعاء والتسبيح قبل البلاء لما كان يُلهم قوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ولما كان يستجاب له ولذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، فإن صوت يونس سمع تحت العرش فعرفه بعض الملائكة فذكروا ذلك لربهم تعالى فأخبرهم أنه عبده يونس، وأنه كان من المكثرين الصلاة والذكر والدعاء قبل البلاء فلذا استجاب الله تعالى ونجاه من الغم، وهو معنى قوله تعالى ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ﴾ أي بوجه الأرض العارية من الشجر وكل ظل وهو كالفرخ المنتوف الريش نضج لحمه من حرارة جوف الحوت وأنبت تعالى عليه شجرة من يقطين أي قرع تظلله بأوراقها
١ - نينوى كانت مدينة عظيمة من مدن الآشوريين وكان بها مائة ألف أسير من بني إسرائيل أسرهم الآشوريون فأرسل الله تعالى إليهم يونس من فلسطين.
٢ - اقترعوا هو معنى قوله تعالى فساهم والمساهمة مشتقة من السهام التي واحدها سهم كانوا يقترعون بالسهام وهي أعواد النبال وتسمى الأزلام أيضاً والفاء في فساهم للتقريع.
٣ - أبق يأبق إباقاً العبد إذا فر من مالكه.
٤ - الاقتراع مشروع فقد فعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة مواطن منها القرعة بين نسائه إذا أراد السفر بواحدة منهن وشرع الاقتراع فيما إذا تساوت الحقوق والمصالح لأجل دفع الضغائن كالاستهام على من يلي أمر كذا من خلافة أو أذان أو الصف الأول وما إلى ذلك من قسمة دار أو أرض.
٥ - المليم اسم فاعل من ألآم يليم إذا فعل ما يلومه عليه الناس فهو جعلهم لائمين له بفعله فهو ألامهم على نفسه.
427
الحريرية الناعمة والتي لا ينزل بساحتها الذباب، وسخر له أُروية "غزالة" فكانت تأتيه صباح مساء فتفشح عليه أي تفتح رجليها وتدني ضرعها منه فيرضع حتى يشبع إلى أن تماثل للشفاء وعاد إلى قومه فوجدهم مؤمنين لتوبة أحدثوها عند ظهور أمارات العذاب فتاب الله عليهم. وقوله تعالى ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١) ﴾ أي أرسلناه إلى قومه وهم أهل نينوى وكان تعدادهم مائة ألف وزيادة كذا ألفاً فآمنوا أي بالله رباً وبالإسلام دينا وبيونس نبيا ورسولاً وتابوا بترك الشرك والكفر فجزيناهم على إيمانهم وتوبتهم بأن كشفنا عنهم العذاب الذي أظلهم، ومتعناهم أي أبقينا عليهم يتمتعون بالحياة إلى نهاية آجالهم المحدودة لهم في كتاب المقادير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير نبوة يونس ورسالته وضمن ذلك تقرير رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- مشروعية الركوب في السفن البحرية.
٣- مشروعية الاقتراع لفض النزاع في قسمة الأشياء ونحوها.
٤- فضل الصلاة والذكر والدعاء والتسبيح (٢) وعظيم نفعها عند الوقوع في البلاء.
٥- تقرير مبدأ "تعرف على الله في (٣) في الرخاء يعرفك في الشدة".
٦- بركة أكل اليقطين أي الدباء القرع إذ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكلها ويلتقطها من حافة القصعة.
٧- فضل قوم يونس إذ آمنوا كلهم ولم تؤمن أمة بكاملها إلا هم.
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)
١ - أو بمعنى بل على قول الكوفيين واستشهدوا بقول جرير:
ماذا ترى في عيال قد برمت بهم
لم أحص عدتهم إلا بعدّاد
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية
لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
٢ - روى أبو داود عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال دعاء ذي النون في بطن الحوت "ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" لم يدع به مسلم في شيء قط إلا استجيب له.
٣ - بعض حديث صحيح رواه مسلم وغيره.
428
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩)
إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)
شرح الكلمات:
فاستفتهم: أي استخبر كفار مكة توبيخا لهم وتقريعا.
ولهم البنون: أي فيختصون بالأفضل الأشرف.
ليقولون ولد الله: أي لقولهم الملائكة بنات الله.
أصطفى البنات: أي اختار البنات على البنين.
أفلا تذكرون: أي إن الله تعالى منزه عن الصاحبة والولد.
أم لكم سلطان مبين: أي ألكم حجة واضحة على صحة ما تدعون.
فأتوا بكتابكم: أي الذي تحتجون بما فيه، ومن أين لكم ذلك.
وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً: إذ قالوا الملائكة بنات الله.
ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون: أي في العذاب.
سبحان الله عما يصفون: أي تنزيها لله تعالى عما يصفونه به من كون الملائكة بنات له.
إلا عباد الله المخلصين: أي فإنهم ينزهون ربهم ولا يصفونه بالنقائص كهؤلاء المشركين.
معنى الآيات:
بعد تقرير البعث والتوحيد والنبوة في السياق السابق بالأدلة والحجج والبراهين القاطعة أراد تعالى إبطال فرية من أسوأ الفرى التي عرفتها ديار الجزيرة وهي قول (١) بعضهم إن الله تعالى قد أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة وهم بنات الله، وهذا لا شك أنه من إيحاء الشيطان لإغواء الإنسان
١ - قال القرطبي في بيان من قال هذه القولة القذرة الفاسدة الباطلة قال: ذلك جهينة وخزاعة وبني مليح وبني سلمة وعبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله.
429
وإضلاله فقال تعالى لرسوله استفتهم أي استخبرهم موبخا لهم مقرّعا قائلاً لهم ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ أي أما تخجلون عندما تنسبون لكم الأسنى والأشرف وهو البنون، وتجعلون لله الأخس والأدنى وهو البنات وقوله تعالى ﴿أَمْ (١) خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ أي حضروا يوم خلقنا الملائكة فعرفوا بذلك أنهم إناث، والجواب لا إنهم لم يشهدوا خلقهم إذاً فلم يكذبون وقوله تعالى ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي ألا إن هؤلاء المشركين الضالين من كذبهم الذي عاشوا عليه واعتادوه يقولون ولد الله وذلك بقولهم الملائكة بنات الله، وإنهم ورب العزة لكاذبون في قيلهم هذا الذي هو صورة لأفكهم الذي يعيشون عليه. وقوله تعالى ﴿أَصْطَفَى (٢) الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ هذا توبيخ لهم وتقريع أصطفى أي هل الله اختار البنات على البنين فلذا جعلهم إناثاً كما تزعمون. مالكم كيف (٣) تحكمون هذا الحكم الباطل الفاسد. أفلا تذكرون (٤) فتذكروا أن الله منزه عن الصاحبة والولد أم لكم سلطان مبين أي ألكم حجة قوية تثبت دعواكم والحجة القوية تكون بوحي من الله في كتاب أنزله يخبر فيه بما تقولون إذاً ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾ الذي فيه ما تدعون ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في زعمكم.
ومن أين لكم الكتاب، وقد كفرتم بكتابكم الذي نزل لهدايتكم وهو القرآن الكريم. وهكذا أبطل الله هذه الفرية بأقوى الحجج. وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ﴾ أي بين الله تعالى ﴿وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً﴾ (٥) بقولهم أصهر الله تعالى إلى الجن فتزوج سروات الجن إذ سألهم أبو بكر: من أمهات الملائكة فقالوا سروات الجن وقوله تعالى ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (٦) ﴾ أي في العذاب، فكيف يكون لهم نسب ويعذبهم الله بالنار. فالنسيب يكرم نسيبه لا يعذبه بالنار، وبذلك بطلت هذه الفرية الممقوتة، فنزه الله تعالى نفسه عن مثل هذه الترهات والأباطيل فقال ﴿سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾. ﴿إِلَّا (٧) عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي فإنهم لا يصفون ربهم بمثل هذه النقائص التي هي من صفات العباد العجزة المفتقرين إلى الزوجة والولد أما رب كل شيء ومالكه وخالقه فلا يقبل
١ - الاستفهام للتوبيخ والتقريع والتأنيب.
٢ - أصطفى. الهمزة للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة والاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقريع واصطفى بمعنى اختار البنات على البنين وقرأ الجمهور بهمزة القطع للاستفهام وقرأ بعض بهمزة الوصل دون همزة القطع إلا أنها منوية.
٣ - ما لكم ما اسم استفهام عن ذات وهي مبتدأ ولكم خبر، والمعنى: أي شيء حصل لكم؟.
٤ - أفلا تذكرون قرأ نافع تذكرون بتشديد الدال والكاف معاً إذ الأصل تتذكرون فأدغمت إحدى التائين في الذال. وقرأ حفص تذكرون بتخفيف الذال لحذف التاء الثانية والاستفهام إنكاري.
٥ - النسب القرابة العمودية بالآباء والأمهات والأفقية كالإخوان والأعمام والمعنى ذوي النسب لله تعالى وهو نسب البنوة لزعمهم أن الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
٦ - المحضرون المجلوبون للحضور، والمراد المحضرون للعقاب والعذاب.
٧ - الاستثناء منقطع وجائز أن يكون من الحضور للعقاب فإن عباد الله لا يحضرون للعقاب ولا يعاقبون وجائز أن يكون منقطع من سبحان الله عما يصفون فإن عباد الله لا يصفون الله بالنقائص كما في التفسير وهو أولى من الأول.
430
العقل أن ينسب إليه الصاحبة والولد. فلذا عباد الله الذين استخلصهم لمعرفته والإيمان به وعبادته لا يصفون ربهم جل جلاله بصفات المحدثين من خلق الله. ولا يكون من المحضرين في النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إبطال فرية بَني ملحان من العرب الذين زيّن لهم الشيطان فكرة الملائكة بنات الله، ووجود نسب بين الله تعالى وبين الجن.
٢- مشروعية دحض الباطل بأقوى الحجج وأصح البراهين.
٣- الحجة الأقوى ما كانت من وحي الله في كتاب من كتبه التي أوحى بها إلى رسله.
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)
شرح الكلمات:
وما تعبدون: أي من الأصنام.
إلا من هو صال الجحيم: أي مقدر له عذاب النار.
إلا له مقام معلوم: أي مكان في السماء يعبد الله تعالى فيه لا يتعداه.
وإنا لنحن الصافون: أي أقدامنا في الصلاة.
وإنا لنحن المسبحون: أي المنزهون الله تعالى عما لا يليق به.
لو أن عندنا ذكرا: أي كتابا من كتب الأمم السابقة.
فكفروا به: أي بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن.
فسوف يعلمون: أي عاقبة كفرهم إن لم يتوبوا فيؤمنوا ويوحدوا.
431
معنى الآيات:
ما زال السياق في إبطال باطل المشركين فقد قال لهم تعالى ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١) ﴾ من أصنام أيها المشركون. ما أنتم بمضلين أحداً إلا أحدا هو صال (٢) الجحيم حيث كتبنا عليه ذلك في كتاب المقادير فهو لا بد عامل بما يوجب له النار فهذا قد يفتتن بكم وبعبادتكم فيضل بضلالكم. وقوله تعالى ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا (٣) لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ هذا قول جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره بأن الملائكة تصف في السماء للصلاة كما يصف المؤمنون من الناس في الصلاة، وأنهم من المسبحين لله الليل والنهار وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه ما من موضع شبر في السماء إلا عليه ملك ساجد أو قائم وقوله تعالى ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (٥) ﴾ أي مشركو العرب ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ﴾ أي كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل، لكنا عباد الله المخلصين أي لكنا عباداً لله تعالى نعبده ونوحده ولا نشرك به أحداً. فرد تعالى على قولهم هذا إذ هو مجرد تمنٍ كاذب بقوله فكفروا به أي فكفروا بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن الكريم. إذاً فسوف يعلمون عاقبة تكذيبهم إن لم يتوبوا وهو هلاكهم وخسرانهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ من كتب الله عليه النار فسوف يصلاها.
٢- تقرير عبودية الملائكة وطاعتهم لله وأنهم لا يتجاوزون ما حد الله تعالى لهم.
٣- فضل الصفوف في الصلاة وفضل تسويتها.
٤- بيان كذب المشركين إذ كانوا يدعون أنهم لو أنزل عليهم كتابٌ كما أنزل على من قبلهم لكانوا عباد الله المخلصين أي الذين يعبدونه ويخلصون له العبادة.
١- جائز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي وجائز أن تكون مصدرية أي فإنكم وعبادتكم لهذه الأصنام ما تفتنون على الله عبداً من عباده بإضلاله أو إفساده إلا عبداً قضى الله بعذابه فهو صال الجحيم، وفي الآية رد على نفاة القدر، ومن أحسن ما قيل شعراً قول لبيد بن ربيعة:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثى والعجل
أحمد الله فلا ند له بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبيل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل
٢ - الأصل صالي الجحيم وحذفت الياء لعدم النطق بها لوجود همزة الوصل.
٣ - هذا من قول الملائكة. قال مقاتل هذه الآيات الثلاث نزلت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند سدرة المنتهى فتأخر جبريل فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهنا تفارقني؟ فقال ما أستطيع أن أتقدم عن مكاني وأنزل الله تعالى حكاية عن قول الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم.
٤ - روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على أصحابه وهم في المسجد فقال ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقالوا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف.
٥ - وإن كانوا ليقولون: إن مخففة من الثقيلة واللام للابتداء وهي الفارقة بين المخففة والنافية.
432
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)
٥- تهديد الله تعالى للمشركين على كذبهم بقوله فسوف يعلمون.
شرح الكلمات:
سبقت كلمتنا: هي قوله تعالى لأغلبن أنا ورسلي.
وإن جندنا لهم الغالبون: أي للكافرين بالحجة والنصرة.
فتول عنهم حتى حين: أي أعرض عنهم حتى تؤمر فيهم بالقتال.
وأبصرهم: أي أنظرهم.
فإذا نزل بساحتهم: أي العذاب.
وتول عنهم: أي أعرض عنهم.
سبحان ربك: أي تنزيها لربك يا محمد.
عما يصفون: أي تنزيها له عما يصفه به هؤلاء المشركون من الصاحبة والولد والشريك.
وسلام على المرسلين: أي أمَنَةٌُ من الله لهم في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين: أي الثناء بالجميل خالص لله رب الثقلين الإنس والجن على نصر أوليائه وإهلاك أعدائه.
معنى الآيات:
لما ختم السياق الأول بتهديد الكافرين بقوله تعالى ﴿فكفروا به فسوف يعلمون﴾ أخبر تعالى
433
رسوله بما يطمئنه على نصر الله تعالى له فقال ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا (١) الْمُرْسَلِينَ﴾ وهي قوله ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ أي بالحجة والبرهان، وبالرمح (٢) والسنان. وقوله ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ يأمر رسوله أن يعرض عن المشركين من قومه حتى حين يأمره فيهم بأمر (٣)، أو ينزل بهم بلاء أو بأساً وقوله ﴿وَأَبْصِرْهُمْ﴾ أي أنظرهم فسوف يبصرون لا محالة ما ينزل بهم من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة. وقوله تعالى ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ ينكر تعالى عليهم استعجالهم العذاب الدال على سفههم وخفة أحلامهم إذ ما يستعجل العذاب إلا أحمق جاهل وعذاب من استعجلوا إنه عذاب الله!! قال تعالى ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ أي بفناء دارهم ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أي بئس صباحهم من صباح إنه صباح هلاكهم ودمارهم ثم أمر تعالى مرة أخرى رسوله أن يتول عنهم وينتظر ما يحل بهم فقال ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ (٤) فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ وفي الآية من التهديد والوعيد لهؤلاء المشركين ما لا يقادر قدره. وأخيراً نزه تعالى نفسه عما يصفه به المشركون من الولد والشريك وسلّم على المرسلين، وحمد نفسه مشيرا إلى مقتضى الحمد وموجبه وهو كونه رب العالمين فقال ﴿سُبْحَانَ (٥) رَبِّكَ﴾ يا محمد ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ ومالكها يعز بها من يشاء ويذل من يشاء ﴿عَمَّا يَصِفُونَ (٦) ﴾ من الصاحبة والولد والشريك، ﴿وَسَلامٌ﴾ منا ﴿عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ وأنت منهم ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على نصره أولياءه وإهلاكه أعداءه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة المحمدية.
٢- وعد الله تعالى لرسوله بالنصر وقد أنجزه ما وعده والحمد لله.
٣- استحباب ختم الدعاء أو الكلام بقراءة جملة ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ (٧) عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ لورود ذلك في السنة.
١ - جائز أن يكون المراد قوله تعالى ﴿كتب الله لأغلبن أنا ورسلي﴾ الآية.
٢ - قال الحسن: "لم يقتل من أصحاب الشرائع أحد قط".
٣ - كإذن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجهادهم، وجائز أن يكون حتى يجيء أجلهم أو يأتي يوم بدر أو الفتح.
٤ - كرر للتأكيد، وكذا وتول عنهم مكرر للتأكيد.
٥ - سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تعالى (سبحان الله) فقال هو تنزيه الله عن كل سوء.
٦ - يصفون الله عز وجل بأن له صاحبة وله ولداً وشريكاً.
٧ - ذكر القرطبي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يختم صلاته غير مرة بقوله: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
434
Icon