ﰡ
وَقِيْلَ : معنى ﴿ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ أي إن الدينَ الخالصَ من الشِّرك هو للهِ، وما سواهُ من الأديانِ فليس بدينِ اللهِ الذي أمرَهُ بهِ. قال قتادةُ :(الدِّينُ الْخَالِصُ شَهَادَةُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ ؛ يعني الذين يعبُدون الأصنامَ والملائكةَ والشَّمس والقمرَ والنجومَ يقولون :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ ؛ أي يقولون ما نعبُدهم إلاَّ ليَشفَعُوا لنا إلى اللهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ ؛ أي بين أهلِ الأديان يومَ القيامةِ، ﴿ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ ؛ من أُمور الدينِ، كلٌّ يقولُ : الحقُّ دِيني، فهُم مختلفونَ، وحكمُ الله بينَهم : أن يُعذِّبَ كُلاًّ على قدر استخفافهِ، وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ ﴾ ؛ أي لا يُرشِدُ لدينهِ مَن كذبَ في زعمهِ أنَّ الآلهةَ تشفعُ له الله تعالى.
وَقِيْلَ : معناهُ : لو أرادَ أن يتَّخذ ولَداً كما قالتِ النصارَى في المسيحِ واليهودُ في العزيزِ لاختارَ خلقاً أفضلَ من عيسَى عليه السلام وعُزيرِ. وقولهُ تعالى :﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ ؛ أي تَنْزيهاً له في كلِّ صفةٍ لا تكون من أرفعِ الصِّفات، وقولهُ :﴿ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ ﴾ ؛ لا شريكَ له و " ليس " شيء كمثله، ﴿ الْقَهَّارُ ﴾ ؛ الغالبُ على خلقهِ الذي لا يحتاجُ إلى ولدٍ وظَهيرٍ.
والتكويرُ : هو إدارَةُ الشيءِ على الشيء، ومنه كُورُ العِمَامَةِ، وقد تسمَّى الزيادةُ كُوراً، كما قيلَ في الدُّعَاءِ :" اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الْحَوَر بَعْدَ الْكَوَر " أي من النُّقصان بعدَ الزيادةِ. وقولهُ :﴿ وَسَخَّـرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى ﴾ ؛ أي إلى الوقتِ الذي وقَّتَ اللهُ الدنيا إليه وهو انقضاؤُها وفناؤها، وقولهُ :﴿ أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ ؛ أي خالقُ هذه الأشياءِ هو اللهُ الغالب على كلِّ شيء، الغفَّارُ لأوليائهِ وأهلِ طاعتهِ.
وقوله :﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾، أي خلقَكم نُطفةً ثم عَلَقة ثم مُضغَةً إلى أن تخرجوا من البطون، ﴿ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ﴾ ؛ يعني ظُلمةَ البطنِ وظُلمةَ الرحِمِ وظلمةَ الْمَشِيمَةِ. وَقِيْلَ : ظلمةَ الأصلاب وظلمةَ الأرحامِ وظلمةَ البُطونِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ﴾ ؛ الدائمُ الذي لا يزولُ، ولا خالقَ غيرهُ، ﴿ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ ؛ بعدَ هذا البيانِ والبرهان.
وقال السديُّ :(وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أنْ يَكْفُرُواْ)، وهذه طريقةُ مَن قالَ بالتخصيصِ في هذه الآيةِ ومَن أجرَاها على العمومِ فمعناهُ : لا يرضَى الكفرَ لأحدٍ، وكفرُ الكافرِ غيرُ مُرضٍ، وإنْ كان بإرادةٍ، فاللهُ تعالى مقدِّرٌ الكفرَ غيرَ راضٍ به لأنه " ما " يَمدحهُ ولا يُثنِي عليه، قال قتادةُ :(مَا رَضِيَ اللهُ لِعَبْدٍ ضَلاَلَةً وَلاَ أمَرَهُ بهَا وَلاَ دَعَاهُ إلَيْهَا، وَلَكِنْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ ؛ معناهُ : وإن تَشكُروا ما أنعمَ عليكم من التوحيدِ يَرْضَ ذلك الشكرَ لكم ويُثِيبَكم عليه، ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ ؛ أي لا تُؤخَذُ نفسٌ وزراً بذنب أُخرى، ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ ﴾ ؛ في الآخرةِ، ﴿ فَيُنَبِّئُكُـمْ ﴾، فيَجزِيكم، ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، في الدُّنيا، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾، بعزائمِ القلوب.
وقولهُ :﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ ﴾ ؛ أي ثُم إذا أعطاهُ نِعْمَةً منه ؛ أي أغناهُ وأنعمَ عليه بالصحَّة، ﴿ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ﴾ ؛ أي نَسِيَ الضرَّ الذي كان يدعُو اللهَ إلى كشفهِ، ﴿ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً ﴾ ؛ أي رجعَ إلى عبادةِ الأوثان، ﴿ لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ ؛ أي ليَزِلَّ عن دينِ الإسلامِ، ويُضِلَّ الناسَ، ﴿ قُلْ ﴾ ؛ يا مُحَمَّدُ لهذا الكافرِ :﴿ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً ﴾ ؛ في الدُّنيا إلى أجَلِكَ، لفظهُ لفظ الأمرِ ومعناهُ التهديدُ والوعيدُ، ﴿ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ ؛ في الآخرةِ فما ينفعُ التمتُّعُ القليلُ من الدنيا.
وقوله :﴿ سَاجِداً وَقَآئِماً ﴾ نُصِبَ على الحالِ ؛ أي تارةً ساجداً وتارةً قائماً، يفعلُ ذلك حَذِراً من العذاب وطَمعاً في الثواب. وقرأ نافعُ وابن كثير :(أمَنْ) بالتخفيفِ ؛ لأن ألِفَ الاستفهامِ دخلت على (مَنْ) هو استفهامُ إنكارٍ، والمعنى : أمَنْ هو قانتٌ كالأوَّلِ. ورُوي أنَّ قوله :﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً ﴾ نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ ابْنِ عَفَّان رضي الله عنه.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ أي لا يستوِي العالِمُ والجاهلُ، فكذلكَ لا يستوِي المطيعُ والعاصي، ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ ؛ أي يتَّعِظُ بمواعظِ الله ذوُو العقولِ من الناسِ.
وقال مقاتلُ :(نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي عَمَّار بْنِ يَاسِرٍ وَأبي حُذيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ. ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ﴾ يَعْنِي عَمَّارَ ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ يَعْنِي أبَا حُذيْفَةَ).
وعن ابنِ عبَّاس ؛ أنَّهُ قالَ :(مَنْ أحَبَّ أنْ يُهَوَّنَ عَلَيْهِ الْمَوْقِفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْيَرَهُ اللهُ سَاجِداً فِي سَوَادِ اللَّيلِ سَاجِداً أوْ قَائِماً يَحْذرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ ؛ أي ارحَلُوا من مكَّةَ، وهذا حثٌّ لهم على الهجرةِ من مكَّة إلى حيث يَأْمَنُونَ، فيه بيانُ أنه لا عذرَ لأحدٍ في تركِ طاعةِ الله تعالى لكونه بأرضٍ لا يتمكَّنُ فيها من ذلكَ.
وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ ؛ معناهُ : إنما يُوَفَّى الصَّابرُون على دِينهم فلا يترُكونَهُ بمشقَّةٍ تَلحقُهم. وهذه الآيةُ نزلَتْ في جعفرَ بن أبي طالبٍ وأصحابهِ حين لم يترُكوا دينَهم، ولَمَّا اشتدَّ عليهم الأمرُ صبَرُوا وهاجَرُوا، والمعنى : يُعطَوْنَ أجرَهم كاملاً على صبرِهم على البلاءِ، وهجرانِ أهلِهم وأوطانِهم بغير وزنٍ ولا مقدارٍ، بل يعطون نَعيماً وثواباً لا يهتدِي إليه عقلٌ ولا وصف.
قال مقاتلُ :(وَذلِكَ أنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا لَهُ : يَا مُحَمَّدُ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى أتَيْتَنَا بهِ ؟ ألاَ تَنْظُرُ إلَى مِلَّةِ أبيكَ وَجَدِّكَ وَسَادَةِ قَوْمِكَ يَعْبُدُونَ اللاَّتَ وَالْعُزَّى فَتَأْخُذ بهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ). أي قُل لَهم إنِّي أمرتُ بالقرآنِ بتوحيدِ الله تعالى، وأن آمُرَ الخلقِ كلهم بذلك، وأُمِرتُ أن أكون أوَّلَ من أسلمَ من أهلِ هذا الزَّمان.
وإنما سُمي الذي من تحتَهم ظِلاً لأنه ظُلَلٌ لا يكون أسفلَ منهم. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾ ؛ أي ذلك الذي ذُكر من عذاب الكفَّار تخويفٌ للمؤمنين ليخَافوهُ فيتَّقونَهُ بالطاعةِ والتوحيدِ. ثم أمرَهم بذلك فقالَ :﴿ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ ؛ أي اتَّقُوا عذابي بامتثالِ أوَامِري.
ويجوزُ أن يكون معنى الآيةِ : أن العفوَ عن القصاصِ أحسنُ من استيفاءِ القصاصِ، والصبرُ أحسن من الانتصار، كما قََالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾[البقرة : ٢٣٧]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾[الشورى : ٤٣]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ﴾[البقرة : ١٨٤] فجعلَ الأخذ بأحسنِ الطَّريقَين أعظمُ للصواب.
وَقَِيْلَ : معنى ﴿ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ أي أحسنَهُ وكلُّه حسنٌ، قولهُ تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ﴾ ؛ أي الذين وصَفْنَاهم، ﴿ وَأُوْلَـائِكَ ﴾، هم الذين وفَّقَهم اللهُ للصواب، ﴿ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ ؛ أي ذوُو العقولِ.
وقال عطاءُ عن ابنِ عبَّاس :(أنَّ أبَا بَكْرٍ رضي الله عنه آمَنَ بالنَّبيِّ ﷺ فَصَدَّقَهُ، فَجَاءَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ وَسَعِيدُ، فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بإيْمَانِهِ فآمَنُوا، فَنَزَلَ فِيْهِمْ ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ﴾ أيْ يَسْتَمِعُونَهُ مِنْ أبي بَكْرٍ ﴿ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ أيْ حُسْنَهُ، وَكُلُّهُ حَسَنٌ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ ذوُو الْعُقُولِ).
قال عطاءُ :(يُرِيدُ أبَا لَهَبٍ وَأوْلاَدَهُ وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عَشِيرَةِ النَّبيِّ ﷺ عَنِ الإيْمَانِ بهِ). قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَـاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ ﴾ ؛ بالإيمانِ والطاعة، ﴿ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ﴾ ؛ أي لَهم منازلُ في الجنَّة رفيعةً وفوقَُها منازلُ أرفَعُ منها، ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﴾، وعدَهم اللهُ تلك الغُرَف والمنازلَ وعْداً لا يُخْلِفهُ.
وقولهُ :﴿ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ﴾ ؛ أي ثم يُخرِجُ بالمطرِ زَرْعاً من بين أحمرٍ وأصفر وأبيض وأخضرٍ، ﴿ ثُمَّ يَهِـيجُ ﴾ ؛ أي يَيْبَسُ، ﴿ فَـتَرَاهُ ﴾ ؛ بعدَ الْخُضْرَةِ، ﴿ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ ﴾ ؛ اللهُ، ﴿ حُطَاماً ﴾ ؛ أي متكسِّراً متَفَتِّتاً دِقَاقاً، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ ؛ أي الذي ذكرَ من صُنعِ الله وقدرتهِ لدلالةِ ذوي العقولِ على سُرعة زوالِ الدُّنيا، وعلى قدرةِ الله على البعثِ بعدَ الموت.
وتقديرُ الآيةِ : أفمَن شرحَ اللهُ صدرَهُ للإسلامِ فهو على نورٍ من ربه، كمَن قَسِيَ قلبهُ. وعن ابنِ مسعود رضي الله عنه أنه قالَ :" تَلاَ رَسُولُ اللهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ، قَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هَذا الانْشِرَاحُ ؟ قَالَ :" إذا دَخَلَ نُورٌ الْقَلْبَ انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؛ وَمَا عَلاَمَةُ ذلِكَ ؟ قَالَ :" الإنَابَةُ إلَى دَار الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور، وَالتَّأَهُّب لِلْمَوْتِ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَوْتِ " قِيْلَ : إنَّ هذه الآيةَ نزلت في عمَّار بن ياسرٍ، وقال مقاتلُ :(أفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ يَعْنِي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ؛ هم أبُو جهلٍ وأصحابهُ من الكفَّار، ﴿ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾. وَقَِيْلَ : إنَّ قولهُ ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ يعني عَلِيّاً وحمزةَ، وقولهُ تعالى ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ هو أبو لَهَبٍ وأولادهُ. وقولهُ ﴿ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ أي عن ذكرِ اللهِ.
وقولهُ تعالى :﴿ مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ ؛ أي مُكَرِّرُ الأنباءِ والقصصِ للإبلاغِ والتأكيدِ، وتُثْنَى تلاوتهُ في الصَّلاةِ وفي غيرِها فلا يمل من سماعهِ.
وقولهُ :﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ خَوفاً مما في القرآنِ من الوعيدِ، ومعنى تَقْشَعِرُّ : تأخذُهم قَشْعَرِيرَةٌ وهي تغيُّر يحدثُ في جلدِ الإنسان عند الوجَلِ والخوفِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :" إذا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ وَرَقُهَا " وقال الزجَّاجُ :(إذا ذُكِرَتْ آيَاتُ الْعَذاب اقْشَعَرَّتْ جُلُودُ الْخَائِفِينَ)، وقال النبيُّ ﷺ :" إذا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الإنْسَانِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار ".
وعن عبدِالله بنِ عُروةَ قالَ : قُلْتُ لأَسْمَاءَ بنْتِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه : كَيْفَ كَانَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَفْعَلُونَ إذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ ؟ قَالَتْ :(كَانُوا كَمَا نَعَتَهُمُ اللهُ تَعَالَى، تَدْمَعُ عُيُونُهُمْ وَتَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُهُمْ) فَقُلْتُ لَهَا : إنَّ نَاساً الْيَوْمَ إذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ خَرُّواْ مَغْشِيّاً عَلَيْهِمْ ؟ قَالَتْ :(أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ).
ورُوي : أنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه مَرَّ برَجُلٍ مِنْ أهْلِ الْعِرَاقِ سَاقِطٍ فَقَالَ :(مَا بَالُ هَذا؟) فَقَالُواْ : إنَّهُ إذا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَسَمِعَ ذِكْرَ اللهِ سَقَطَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه :(إنَّا لَنَخْشَى اللهَ وَلاَ نَسْقُطُ) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ :(إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَدْخُلُ فِي جَوْفِ أحَدِهِمْ! مَا كَانَ هَذا صُنْعَ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي تسكنُ رعدَةُ أعضائِهم إذا سمعوا آياتِ الرَّحمة، وَقِيْلَ : تلينُ جلودُهم وقلوبُهم ؛ أي تطمئنُ وتسكنُ إلى ذكرِ الله للجنَّة والثواب.
قال قتادةُ :(هَذَا نَعْتُ أوْلِيَاءِ اللهِ، وَصَفَهُمُ اللهُ بأَنْ تَقْشَعِرَّ جُلُودُهُمْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللهِ، وَلَمْ يَنْعَتْهُمْ بذهَاب عُقُولِهِمْ وَالْغِشْيَانِ عَلَيْهِمْ، إنَّمَا ذلِكَ فِي أهْلِ الْبدَعِ وَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ).
وقولهُ تعالى :﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ ﴾ ؛ يعني أحسنَ الحديثِ وهو القرآنُ، هُدَى اللهُ يهديهِ، ﴿ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾.
قِيْلَ : إنَّ هذه الآيةَ نزلت في أبي جهلٍ، قال الكلبيُّ :(يُنْطَلَقُ بهِ إلَى النَّار مَغْلُولاً، فَإذا دَفَعَتْهُ الْخَزَنَةُ فِيْهَا تَتَلَقَّفُهُ النَّارُ بأَوَّلِ وَجْهِهِ)، وقوله :﴿ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ ؛ أي يقولُ الخزَنة للكفار : ذوقوُا العذابَ بما كنتم تكسَبون في الدُّنيا من الكفرِ والمعاصي.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ ﴾ ؛ (ورَجُلاً سَالِماً) هذه قراءةُ ابنِ كثير وأبي عمرٍو ومجاهد والحسن ويعقوب، واختيار أبي عُبيد ؛ لأن السالِمَ " الْخَالِصُ " ضدُّ المشترَكِ، وقرأ الباقون (سَلَماً) من غيرِ ألف بفتحِ اللام وهو ضدُّ المحارب، ولا موضعَ للحرب ههُنا، والمعنى ورَجُلاً ذا سَلَمٍ لرَجُل، من قولِهم : هو لكَ سَلَمٌ ؛ أي مسلم لا منازعَ لكَ فيه.
وقوله :﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾ ؛ أي هل يستوِي عندكَ شِرْكٌ فيه مختلفون يملكونَهُ جميعاً ورجلٌ خالِصٌ لرجلٍ لا شركةَ فيه لأحدٍ. والمعنى هل يستوِي من يعبدُ آلهةً شتَّى مختلفةً، يعني الكافرَ، والذي يعبدُ ربّاً واحداً، يعني المؤمنَ، وهذا استفهامٌ معناهُ الإنكارُ ؛ أي لا يستوِيان.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الْحَمْدُ للَّهِ ﴾ ؛ أي الشكرُ للهِ دون غيرهِ من المعبودِين، وقولهُ :﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ ما يصِيرُون إليه من العقاب، والمرادُ بالأكثرِ الكلَّ.
ومن قرأ (عِبَادَهُ) فالمرادُ بالعبادِ الأنبياءَ، وذلك أنَّ الأُمم قصدَتْهم بالسُّوء، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ ﴾[غافر : ٥] فكفَاهم اللهُ شَرَّ مَن عادَاهم، يعني إنه كافِيكَ كما كفَى هؤلاء الرسُلَ قبلَكَ.
وقوله تعالى :﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾، أي بالذين يَعبُدون من دونهِ هم الأصنامُ. ﴿ وَمَن يُضْـلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ﴾.
وبيَّن أنه تعالَى إذا أرادَ بعبدهِ ضُرّاً لم تقدر الأصنامُ على دفعهِ عنهُ، وإذا أرادَ بعبدٍ رحمةً لم تقدر الأصنامُ على حبسِها عنه، فكيف يعبدونَها ويتركون عبادةَ اللهِ الذي له هذه الصفاتُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ ﴾ أي أمرَ اللهُ النبيَّ ﷺ أن يحتجَّ عليهم بأن جميعَ ما تعبُدون من دون اللهِ لا يَمِلكون كشفَ ضُرٍّ، قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه :(وَالْمَعْنَى : أرَادَنِي اللهُ بفَقْرٍ أوْ مَرَضٍ أوْ بَلاَءٍ أوْ شِدَّةٍ، هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ، أوْ أرَادَنِي برَحْمَةٍ أيْ بخَيْرٍ وَصِحَّةٍ، هَلْ هُنَّ حَابسَاتٌ تِلْكَ الرَّحْمَةَ عَنِّي).
قرأ أبو عمرٍو ويعقوب (كَاشِفَاتٌ) و (مُمْسِكَاتٌ) بالتنوينِ ؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ غيرُ واقعٍ، وما لَمْ يقع منهُ فوجهُها التنوينُ، وقرأ الباقونَ بغير تنوينٍ استخفافاً، وكِلاَ الوجهين حسنٌ.
وقولهُ تعالى :﴿ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾ ؛ أي يكفينِي اللهُ تعالى الذي بيدهِ الضرُّ والرحمةُ، ﴿ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ ؛ أي به يَثِقُ الواثِقُون لا بغيرهِ.
قال الزجَّاجُ :(لِكُلِّ إنْسَانٍ نَفْسَانِ ؛ أحَدُهُمَا : نَفْسُ التَّمْييزِ ؛ وَهِيَ الَّتِي تُفَارقُهُ إذا نَامَ فَلاَ يَعْقِلُ. وَالأُخْرَى : نَفْسُ الْحَيَاةِ ؛ إذا زَالَتْ زَالَ مَعَهَا النَّفَسُ، وَالنَّائِمُ يَتَنَفَّسُ). وعن ابن جُريج عن ابنِ عبَّاس أنه قالَ :(إنَّ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ الْعَقْلُ وَالتَّمْييزُ، وَالرُّّوحُ هُوَ الشُّعَاعُ الَّذِي بهِ يَتَحَرَّكُ الإنْسَانُ، فَإذا نَامَ الْعَبْدُ قَبَضَ اللهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْبضْ رُوحَهُ، وَإذا مَاتَ قَبَضَ نَفْسَهُ وَرُوحَهُ).
ويقالُ : إن الأشباحَ له نفسٌ وروح وحياةٌ، والبهائمُ لها أرواحٌ، والنباتُ له حياةٌ، فنَمَا النباتُ بحياتهِ، وتحرَّكَ البهائمُ بأرواحِها، وتَمييزُ الإنسان بنفسِه، فإذا نامَ غَرَبَ عنه عقلهُ وفَهمهُ وتَمييزهُ، فإذا انتبهَ عادَ كما كان، وكذلك الميِّتُ إذا بُعِثَ عادَ يبعث كما كانَ.
" وسُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : أيَنَامُ أهْلُ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ :" النَّوْمُ أخُو الْمَوْتِ، وَأهْلُ الْجَنَّةِ لاَ يَنَامُونَ وَلاَ يَمُوتُونَ " وروي أن في التوراةِ مكتوبٌ : يا بن آدمَ كما تنامُ تموتُ، وكما تستيقظُ تُبعَثُ.
وقوله ﴿ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ﴾ أي يُمسِكُها عن جسدِ، يعني الروحَ التي توفَّاها فلا تعودُ إلى الجسدِ، وقوله ﴿ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى ﴾ يعني النَّفسَ إلى الجسدِ ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي إلى انقضاءِ الأجلِ.
قرأ الأعمشُ وحمزة والكسائي وخلف :(قُضِيَ عَلَيْهَا) بضمِّ القاف وكسرِ الضاد وفتح الياء، ورفعِ (الْمَوْتُ) على ما لَمْ يُسمَّ فاعلهُ. وقرأ الباقون :(قََضَى) على الفعلِ الماضي، ونصب (الْمَوْتَ عَلَيْهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ ﴾ ؛ قال المفسِّرون : إن أرواحَ الأحياءٌ والأموات تلتقِي في المنامِ فتعارَفُوا ما شاءَ اللهُ، ثم يُمسِكُ اللهُ أرواحَ الأمواتِ فلا يردُّها، وأرسلَ أرواحَ الأحياءِ إلى الأجسادِ إلى وقتِ انقضاء مدَّة حياتِها. وعن رسول اللهِ ﷺ أنه قالَ :" إذا أوَى أحَدُكُمْ إلَى فِرَاشِهِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبهِ الأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ : باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإنْ أرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بمَا تَحْفَظُ بهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ".
ثم أخبرَ أنه لا شفاعةَ إلاَّ بإذنهِ، فقالَ :﴿ قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ؛ أي لا يشفعُ أحدٌ إلاَّ بإذنهِ، والمعنى لا يملِكُ أحدٌ الشفاعةَ إلاّ بتمليكهِ، وهو إبطالٌ لشفاعةِ الأصنامِ.
والاشْمِئْزَازُ في اللُّغة : النُّفُورُ وَالاسْتِكْبَارُ. قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه :(اشْمَأَزَّتْ انْقَبَضَتْ عَنِ التَّوْحِيدِ) وقال قتادةُ :(اسْتَكْبَرَتْ)، وقال أبو عُبيدة :(نَفَرَتْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾ ؛ يعني الأصنامَ التي يعبُدنَها من دون اللهِ، ﴿ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ ؛ والمعنى إذا قيل لَهم : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، نفَرُوا من ذلك، وإذا ذُكرت أصنامُهم فرِحُوا بذكرِها. فقيل له :﴿ قُلِ ﴾ ؛ لَهم يا مُحَمَّدُ :﴿ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ؛ أي خالِقُهما، ﴿ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ ؛ أي عالِمُ ما غابَ عن العبادِ، وما علِمَهُ العبادُ، ﴿ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ﴾، أي تقضي بين عبادك، ﴿ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ ؛ من الدِّين.
وذلك أنَّهم لَمَّا كانوا لا يُقِرُّونَ بالبعثِ والنُّشور كانوا لا يتوقَّعون أهوالَ يومِ القيامة، بل كانوا ينتظِرُون ثوابَ اللهِ أن لو قامَتِ القيامةُ كما أخبرَ اللهُ عنهم بقوله﴿ وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى ﴾[فصلت : ٥٠] فإذا رأوُا العذابَ فقد، ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾ ؛ وظهرَ لهم عقوباتُ ما كسَبُوا من المعاصِي، ﴿ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾، وحلَّ بهم جزاءُ استهزائِهم بالكتاب والرسول.
وقولهُ :﴿ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ﴾ ؛ أي بل النعمةُ والشدَّة بَلِيَّةٌ وامتحانٌ من اللهِ للغنيِّ والفقيرِ، للغنيِّ بالشُّكر وللفقيرِ بالصبرِ، ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ أنَّها من اللهِ.
ثم أوعدََ كفارَ مكَّة فقال :﴿ وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـاؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ ﴾ ؛ أي جزاءُ ما قالُوا وعمِلُوا، ﴿ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ ؛ لأن مرجِعَهم اللهُ، فهم لا يُعجِزُونَهُ ولا يَفُوتُونَهُ فيُجازيهم بأعمالِهم.
وعن ابنِ عبَّاس رضي الله عنه قالَ :(بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه إلَى وَحْشِي يَدْعُوهُ إلَى الإسْلاَمِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ : يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ تَدْعُونِي إلَى دِينِكَ وَأنْتَ تَزْعُمُ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ أوْ أشْرَكَ أوْ زَنَى يَلْقَ أثَّاماً، يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدُ فِيْهِ مُهَاناً ؟ وَأنَا قَدْ فَعَلْتُ ذلِكَ كُلُّهُ، فَهَلْ تَجِدُ لِي فِيْهِ رُخْصَةً ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ﴾[الفرقان : ٧٠].
فَقََالَ وَحْشِي : هَذا شَرْطٌ شَدِيدٌ لاَ أقْدِرُ عَلَى هَذا، فَهَلْ غَيْرُ ذلَك ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾[النساء : ٤٨] وَقَالَ وَحْشِي : وَإنِّي فِي شُبْهَةٍ فَلاَ أدْري أيُغْفَرُ لِي أمْ لاَ، فَهَلْ غَيْرُ ذلِكَ ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ ﴿ قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ﴾ فَجَاءَ وَحْشِي فَأَسْلَمَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ لَهُ خَاصَّةً أمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ؟ فَقَالَ :[بَلْ لِلْمُسْلِمينَ عَامَّةً].
معنى الآيةِ : قُل يا عبادِي الذي جاوَزُوا الحدَّ في المعاصِي بالكُفرِ والزِّنا والقتلِ ونحوِها : لا تيأَسُوا من رحمةِ اللهِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ ؛ أي الصغائرَ والكبائرَ، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ ﴾ ؛ لِمَن تابَ وآمَنَ، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ ؛ بمَن تابَ على التوبةِ.
والمعنى : أنْ تقولَ نفسِي : يا حسرَتَا على ما فرَّطتُ في طلب جِوَار اللهِ وقُربهِ وهو الجنَّةُ، وقال عطاءُ :(مَعْنَاهُ : عَلَى مَا ضَيَّعْتُ مِنْ ثَوَابٍ). وقولهُ تعالى :﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ ؛ أي وما كنتُ إلاَّ من المستهزِئين القرآنِ والمؤمنين في الدُّنيا وبمَن دعَانِي إلى التوحيدِ.
فيُقال لهذا القائلِ :﴿ بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي ﴾ ؛ يعني القرآنَ ؛ ﴿ فَكَذَّبْتَ بِهَا ﴾ ؛ أي قُلتَ : ليست من عندِ الله، ﴿ وَاسْتَكْبَرْتَ ﴾ ؛ أي وتكبَّرتَ من الإيمانِ بها، وتعظَّمتَ عن الإقرار بذلك، ﴿ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾، وصرتَ من الجاحدِين لنِعَمِ اللهِ، فأصابكَ ما أصابكَ بجنايتِكَ على نفسِكَ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ ؛ معناهُ : والذين كفَرُوا بالقرآنِ هم الذين خَسِرُوا حتى صارُوا في النار.
قرأ نافعُ (تَأْمُرُونِي) بنونٍ واحدة خفيفة على التخفيف، وقرأ ابنُ عامرٍ بنُونَين على الأصلِ، وقرأ الباقون بنُونٍ واحدة مشدَّدة على الإدغامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ ؛ ذكرَ اليمينَ للمبالَغةِ في الاقدار، يعني أنَّهُ يَطوِيها بقُدرتهِ كما يطوِي الواحدُ منَّا الشيءَ المقدورَ له طَيُّهُ بيمينهِ، قال الأخفَشُ :(مَعْنَاهُ مَطْوِيَّاتٌ فِي قُدْرَتِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ ؛ أيْ مَا كَانَتْ لَكُمْ عَلَيْهِ قُدْرَة وَلَيْسَ الْمُلْكُ لِليَمِينِ دُونَ الشِّمَالِ). وقد يُذكَرُ اليمينُ بمعنى القوَّة كما قالَ الشاعرُ : إذا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بالْيَمِينثُم نَزَّهَ نفسَهُ عن شِركهم فقالَ :﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.
والصعقُ : هو الموتُ بصيحةٍ شديدة حالَّةٍ هَائلةٍ، ومنها الصواعقُ وهي التي تأتِي بشدَّةِ الرَّعدِ، وعن عبدِالله بن عمر قالَ :" سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الصُّور فَقَالَ :" قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيْهِ فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرَضِ " أي يَمُوتُونَ من الفزَعِ وشدَّة الصوتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ﴾ ؛ يعني الملَكَ الذي ينفخُ في الصُّور، ثم يُمِيتهُ اللهُ بعدَ ذلك، وقال الحسنُ :(يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ وَمَلَكَ الْمُوْتِ). وعن أبي هُريرة رضي الله عنه :" أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ :" مَنِ الَّذِي شَاءَ اللهُ أنْ يَصْعَقَهُمْ ؟ قَالَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ مُتَقَلِّدُونَ أسْيَافَهُمْ حَوْلَ الْعَرْشِ " ".
عن أنسٍ ابن مالك قالَ :" سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْهُمْ وَقَالَ لَهُمْ :" جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ خُذْ نَفْسَ إسْرَافِيلَ، فَيَأْخُذُهَا ؛ ثُمَّ يَقُولُ : خُذْ نَفْسَ مِيكَائِيلَ، فَيَأْخُذُهَا، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُولُ : سُبْحَانَكَ يَا رَب تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ بَقِيَ جِبْرِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مُتْ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، فَيَمُوتُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا جِبْرِيلُ مَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُولُ : تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ بَقِيَ وَجْهُكَ الْبَاقِي الدَّائِمُ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ الْمَيِّتُ الْفَانِي، فَيَقُولُ : يَا جِبْرِيلُ مُتْ، فَيَبْقَى سَاجِداً يَخْفِقُ بجَنَاحَيْهِ فَيَمُوتُ " ".
وقال الضحَّاك :(مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ﴾ هُمْ رُضْوَانُ وَالْحُورُ وَمَالِكُ وَالزَّبَانِيَةُ)، وقالُ قتادة :(اللهُ أعْلَمُ بثَنْيَاهُ). وَقِيْلَ : هم عقاربُ النار وحيَّاتُها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ﴾ ؛ يعني نفخةَ البعثِ، ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ ؛ ماذا يقالُ لهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ ﴾ ؛ يعني صحائفَ الأعمالِ، ﴿ وَجِـيءَ بِالنَّبِيِّيْنَ وَالشُّهَدَآءِ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه :(الْمُرَادُ بقَوْلِهِ ﴿ وَالشُّهَدَآءِ ﴾ هُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ) وَهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وقال عطاءُ :(يَعْنِي الْحَفَظَةَ) وقال السديُّ :(يَعْنِي الَّذِينَ اسْتُشْهِدُواْ فِي طَاعَةِ اللهِ).
وقولهُ تعالى :﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾ ؛ أي قُضِيَ بين الرُّسلِ والأُمم بالعدلِ، ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ ؛ أي لا ينقَصُ من حسناتِ أحدٍ ولا يزادُ في سيِّئات أحدٍ. قولهُ :﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ﴾ ؛ أي أُعطيت كلُّ نفسٍ بَرَّةٍ أو فاجرةٍ جزاءَ ما عمِلَتْ من خيرٍ أو شرٍّ، ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ ؛ وهو أعلمُ بفعِلهم، لا يحتاجُ إلى كاتبٍ ولا شاهدٍ.
ومعنى قولهِ ﴿ وَلَـاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ هو قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾[هود : ١١٩]. واختلفَ القُراء في قولهِ ﴿ فُتِحَتْ ﴾ فخفَّفها الكوفيُّون، وشدَّدها الباقون على التكثيرِ.
وَقِيْلَ : هذه الواوُ واوُ الحالِ تقديرهُ : حتى إذا جاؤُها وَقد فُتحت أبوابُها، وأدخل الواو ههنا لبيانِ أنَّها قد كانت مفتَّحةً قبل مجيئِهم، وحذفَها من الآية الأُولى لبيانِ أنَّها قد كانت مُغلقةً قبلَ مجيئهم.
ويقالُ : زيدَتِ الواوُ ههنا لأن أبوابَ الجنَّة ثمانيةٌ وأبوابَ جهنَّم سبعةٌ فزيدت الواوُ فَرْقاً بينهما. وحُكي عن أبي بكرِ بن عيَّاش :(أنَّهَا تُسَمَّى وَاو الثَّمَانِيَةِ) وَذلِكَ أنَّ مِنْ عَادَةِ قُرَيْشٍ أنَّهُمْ يَعُدُّونَ الْعَدَدَ مِنَ الْوَاحِدِ إلَى الثَّمَانِيَةِ، فَإذا بَلَغُواْ الثَّمَانِيَةَ زَادُوا فيهَا الْْوَاوَ، فَيَقُولُونَ : خَمْسَةٌ سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ﴾[الحاقة : ٧]، وَقَالَ اللهُ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ﴾[التوبة : ١١٢] فَلَمَّا بَلَغَ الثامن﴿ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾[التوبة : ١١٢]، وَقَالَ تَعَالَى﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾[الكهف : ٢٢]، وَقَالَ تَعَالَى﴿ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ﴾[التحريم : ٥]). وَقِيْلَ : زيادةُ الواوِ في صفة الجنَّة علامةٌ لزيادةِ رحمةِ الله تعالى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ طِبْتُمْ ﴾ أيْ طَابَ لَكُمُ الْمُقَامُ)، وَقِيْلَ : معناهُ ظَفرتُم بصالحِ أعمالكم وكنتم طيِّبين في الدنيا. وَقِيْلَ : طابت لكم الجنَّة فادخلُوها خالِدين. فلما دخَلُوها ﴿ وَقَـالُواْ الْحَـمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾، أي أنْجَزَنا وعدَهُ، ﴿ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ ﴾، وأنزلنا أرضَ الجنَّة، ﴿ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ ﴾ ؛ أي نتَّخذُ فيها من المنازلِ ما نشاءُ، لقولِ الله تعالى ﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ ؛ أي نِعمَ ثوابُ العاملين للهِ في الدُّنيا الجنَّةُ.