مكية، عددها تسع وثمانون آية كوفية
ﰡ
﴿ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾ [آية: ٢]، يعني البين ما فيه.﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾؛ ليفقهوا مافيه، ولو كان غير عربي ما عقلوه.
﴿ لَّعَلَّكُمْ ﴾، يقول: لكي.
﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٣] مافيه. ثم قال: ﴿ وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ ﴾، يقول لأهل مكة: إن كذبتم بهذا القرآن، فإن نسخته في أصل الكتاب؛ يعني اللوح المحفوظ.
﴿ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ ﴾، يقول: عندنا مرفوع.
﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٤]، يعني محكم من الباطل. قوله: ﴿ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً ﴾، يقول لأهل مكة: أفنذهب عنكم هذا القرآن سدى لا تسألون عن تكذيب به.
﴿ أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ ﴾ [آية: ٥]، يعني مشركين.﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٦].
﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ ﴾، ينذرهم العذاب.
﴿ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ ﴾، يعني بالعذاب.
﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٧] بأنه غير نازل بهم.﴿ فَأَهْلَكْنَآ ﴾ بالعذاب ﴿ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً ﴾، يعني قوة.
﴿ وَمَضَىٰ مَثَلُ ﴾، يعني شبه.
﴿ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٨] في العقوبة، حين كذبوا رسلهم، يقول: هكذا أمتك يا محمد في سنة من مضى من الأمم الخالية في الهلاك.﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ﴾، يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: لئن سألت كفار مكة: ﴿ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ﴾ في ملكه.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٩] بخلقه. ثم دل على نفسه بصنعه ليوحد، فقال: ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً ﴾، يعني فرشاً.
﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ﴾، يعني طرقاً تسلكونها.
﴿ لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ١٠]، يقول: لكي تعرفوا طرقها.
﴿ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ﴾، يقول: فأحيينا به، يعني بالماء بلدة ميتاً لا نبت فيها، فلما أصابها الماء أنبتت.
﴿ كَذَلِكَ ﴾، يقول: هكذا ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾ [آية: ١١] من الأرض بالماء كما يخرج النبت. ثم قال: ﴿ وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا ﴾، يعني الأصناف كلها.
﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ ﴾، يعني السفن.
﴿ وَ ﴾ من ﴿ وَٱلأَنْعَامِ ﴾ يعني الإبل والبقر.
﴿ مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [آية: ١٢]، يعني الذي تركبون.﴿ لِتَسْتَوُواْ ﴾، يعني لكي تستووا.
﴿ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ﴾، يعني ذكوراً وإناثاً من الإبل.
﴿ ثُمَّ ﴾ قال: لكي ﴿ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾، على ظهورها، يعني يقولون الحمد لله.
﴿ وَ ﴾ لكي ﴿ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا ﴾، يعني ذلل لنا هذا المركب.
﴿ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ [آية: ١٣]، يعني مطيقين.﴿ وَ ﴾ لكي تقولوا: ﴿ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ﴾ [آية: ١٤]، يعني لراجعون. قوله: ﴿ وَجَعَلُواْ لَهُ ﴾، يقول: وصفوا له ﴿ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ من الملائكة.
﴿ جُزْءًا ﴾، يعني عدلاً، هو الولد، فقالوا: إن الملائكة بنات الله تعالى، يقول الله: ﴿ إِنَّ ٱلإنسَانَ ﴾ في قوله ﴿ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٥]، يقول: بين الكفر. يقول الله تعالى رداً عليهم: ﴿ أَمِ ﴾ يقول: ﴿ ٱتَّخَذَ ﴾ الرب لنفسه ﴿ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ ﴾، فيها تقديم واستفهام اتخذ مما يخلق من﴿ مَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾[الزخرف: ١٨] بنات؟ ﴿ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ ﴾ [آية: ١٦]، يقول: واختصكم بالبنين. ثم أخبر عنهم في التقديم، فقال: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ﴾، يعني شبهاً، والمثل زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى،﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ﴾[النحل: ٥٨].
﴿ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً ﴾، يعني متغيراً.
﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٧]، يعني مكروب.﴿ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ ﴾، يعني ينبت في الزينة، يعني الحلي مع النساء، يعني البنات.
﴿ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [آية: ١٨]، يقول: هذا الولد الأثنى ضعيف قليل الحيلة، وهو عند الخصومة والمحاربة غير بين ضعيف عنها. ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ وَجَعَلُواْ ﴾، يقول: ووصفوا ﴿ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً ﴾؛ لقولهم: إن الملائكة بنات الله، يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾؟ فسئلوا، فقالوا: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" فما يدريكم أنها إناث "؟، قالوا: سمعنا من آبائنا، وشهدوا أنهم لم يكذبوا، وأنهم إناث، قال الله تعالى: ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ ﴾ بأن الملائكة بنات الله في الدنيا.
﴿ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [آية: ١٩] عنهما في الآخرة حين شهدوا أن الملائكة بنات الله.﴿ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾، يعني الملائكة، يقول الله تعالى: ﴿ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ﴾، يقول: ما يقولون إلا الكذب إن الملائكة إناث.
﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ [آية: ٢٠] يكذبون.
﴿ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ ﴾، من قبل هذا القرآن بأن يعبدوا غيره.
﴿ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾ [آية: ٢١]، فإنا لم نعطهم.﴿ بَلْ قَالُوۤاْ ﴾، ولكنهم قالوا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٢٢] نزلت في الوليد بن المغيرة، وصخر بن حرب، وأبي جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، كلهم من قريش.﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، يقول: وهكذا ﴿ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ﴾، يعني من رسول فيما خلا.
﴿ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ ﴾، يعني جباريها وكبراءها: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ ﴾، يعني على ملة.
﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ [آية: ٢٣] بأعمالهم كما قال كفار مكة.
﴿ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آية: ٢٥] بالعذاب، يخوف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم.﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ﴾ آزر.
﴿ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٢٦].
ثم استثنى الرب نفسه؛ لأنهم يعلمون أن الله ربهم، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾، يقول: خلقني، فإني لا أتبرأ منه.
﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [آية: ٢٧] لدينه. قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً ﴾، لا تزال ببقاء التوحيد.
﴿ فِي عَقِبِهِ ﴾، يعني ذريته، يعني ذرية إبراهيم.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾، يعني لكي ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٢٨] من الكفر إلى الإيمان، يقول: التوحيد إلى يوم القيامة، يبقى في ذرية إبراهيم، عليه السلام.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾، يقول: لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان. قوله: ﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٢٩]، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم بين أمره.﴿ وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ ﴾، يعني القرآن.
﴿ قَالُواْ هَـٰذَا ﴾ القرآن ﴿ سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٣٠] لا نؤمن به، نزلت في سفيان بن حرب، وأبي جهل بن هشام، وعتبة وشيبة، ثم قال الوليد بن المغيرة: لو كان هذا القرآن حقاً، لأنزل عليَّ، أو على أبى مسعود الثقفي، واسمه عمرو بن عمير بن عوف جد المختار. فأنزل الله تعالى في قول الوليد بن المغيرة: ﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ ﴾، يعني هلا.
﴿ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ٣١] القريتان مكة والطائف، وكان عظمه أن الوليد عظيم أهل مكة في الشرف، وأبا مسعود عظيم أهل الطائف في الشرف.
﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم ﴾، يعني الأحرار.
﴿ بَعْضاً ﴾، يعني الخدم.
﴿ سُخْرِيّاً ﴾، يعني العبيد والخدم سخره الله لهم.
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ ﴾، يعني الجنة.
﴿ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [آية: ٣٢]، يعني الأموال، يعني الكفار. ثم ذكرهم هوان الدنيا عليه، فقال: ﴿ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا ﴾، يعني ملة واحدة، يعني على الكفر، يقول: لولا أن ترغب الناس في الكفر، وإذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق.
﴿ لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾، لهوان الدنيا عليه.
﴿ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ ﴾، يعني بالسقف سماء البيت.
﴿ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [آية: ٣٣]، يقول: درجاً على ظهور بيوتهم يرتقون.﴿ وَ ﴾ لجعلنا ﴿ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً ﴾ من فضة.
﴿ وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴾ [آية: ٣٤]، يعني ينامون.﴿ وَزُخْرُفاً ﴾، يقول: وجعلنا كل شيء لهم من ذهب.
﴿ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ ﴾، يقول: وما كل الذي ذكر.
﴿ لَمَّا ﴾ إلا ﴿ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ يتمتعون فيها قليلاً.
﴿ وَٱلآخِرَةُ ﴾، يعني دار الجنة.
﴿ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٣٥] خاصة لهم. قوله: ﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ﴾، يقول: ومن يعم بصره عن ذكر ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [آية: ٣٦] في الدنيا، يقول: صاحب يزين لهم الغي.﴿ وَإِنَّهُمْ ﴾، وإن الشياطين.
﴿ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾، يعني سبيل الهدى.
﴿ وَيَحْسَبُونَ ﴾، ويحسب بنو آدم.
﴿ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٣٧] يعني على هدى.﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا ﴾ ابن آدم وقرينه في الآخرة جعلا في سلسلة واحدة.
﴿ قَالَ ﴾ ابن آدم لقرينه، يعني شيطانه: ﴿ يٰلَيْتَ ﴾، يتمنى.
﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ ﴾، يعني ما بين مشرق الصيف إلى مشرق الشتاء، أطول يوم في السنة، وأقصر يوم في السنة.
﴿ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ ﴾ [آية: ٣٨]، يقول: فبئس الصاحب معه في النار في سلسلة واحدة.
﴿ إِذ ظَّلَمْتُمْ ﴾، يقول: إذ أشركتم في الدنيا.
﴿ أَنَّكُمْ ﴾ وقرناءكم من الشياطين ﴿ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ [آية: ٣٩].
يقول: ﴿ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ﴾ الذين لا يسمعون الإيمان، يعني الكفار.
﴿ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ ﴾ الذين لا يبصرون الإيمان.
﴿ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٤٠]، نزلت في رجل من كفار مكة، يعني بين الضلالة. قوله: ﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ﴾، يقول: فنميتك يا محمد.
﴿ فَإِنَّا مِنْهُم ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ مُّنتَقِمُونَ ﴾ [آية: ٤١] بعدك بالقتل يوم بدر.﴿ أَوْ نُرِيَنَّكَ ﴾ في حياتك.
﴿ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ ﴾ من العذاب ببدر.
﴿ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ ﴾ [آية: ٤٢].
﴿ فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ ﴾ من القرآن.
﴿ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٤٣]، يعني دين مستقيم.﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ ﴾، يقول: القرآن لشرف لك.
﴿ وَلِقَوْمِكَ ﴾، ولمن آمن منهم.
﴿ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [آية: ٤٤] في الآخرة عن من يكذب به. ثم قال: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ﴾، يعني الذين أرسلنا إليهم.
﴿ مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [آية: ٤٥]، يقول: سل يا محمد مؤمنى أهل الكتاب هل جاءهم رسول يدعوهم إلى غير عبادة الله؟.
﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٤٦].
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ ﴾ [آية: ٤٧]، استهزاء وتكذيباً. يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ﴾، يعني اليد بيضاء لها شعاع مثل شعاع الشمس، يغشى البصر، فكانت اليد أكبر من العصا، وكان موسى، عليه السلام، بدأ بالعصا، فألقاها وأخرج يده، فلم يؤمنوا، يقول: الله تعالى: ﴿ وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ ﴾، يعني الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والسنين.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٤٨]، يعني لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان.﴿ وَقَالُواْ ﴾ لموسى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾، يقول: سل ﴿ لَنَا رَبَّكَ ﴾، فلم يفعل، وقال: تسموني ساحراً، وقال في سورة الأعراف:﴿ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾[الأعراف: ١٣٤].
﴿ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ﴾ أن يكشف عنا العذاب.
﴿ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٤٩]، يعني مؤمنين لك، و كان الله تعالى عهد إلى موسى، عليه السلام، لئن آمنوا كشف عنهم، فذلك قوله: ﴿ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ﴾، إن آمنا كشف عنا العذاب. فلما دعا موسى ربه كشف عنهم، فلم يؤمنوا، فذلك قوله: ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴾ [آية: ٥٠] الذي عاهدوا عليه موسى، عليه السلام:﴿ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ ﴾[الأعراف: ١٣٤]، فلم يؤمنوا.
﴿ فِي قَوْمِهِ ﴾ القبط، وكان نداؤه أنه ﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ أربعين فرسخاً في أربعين فرسخاً.
﴿ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ ﴾ من أسفل مني.
﴿ أَفَلاَ ﴾، يعني فهلا.
﴿ تُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٥١]، ألهم جنان وأنهار مثلها. ثم قال فرعون: ﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ ﴾، يقول: أنا خير.
﴿ مِّنْ هَـٰذَا ﴾، يعني موسى.
﴿ ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ ﴾، يعني ضعيف ذليل.
﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [آية: ٥٢] حجته، يعني لسانه؛ لأن الله تعالى كان أذهب عقدة لسانه في طه، حين قال:﴿ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾[طه: ٢٧]، قال الله تعالى:﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ ﴾[طه: ٣٦].
ثم قال فرعون: ﴿ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾، يقول: فلا ألقى عليه ربه الذي أرسله.
﴿ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾، إن كان صادقاً أنه رسول.
﴿ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾ [آية: ٥٣]، يعني متعاونين يعينونه على أمره الذي بعث إليه.﴿ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ ﴾، يقول: استفز قومه القبط.
﴿ فَأَطَاعُوهُ ﴾ في الذي قال لهم على التكذيب، حين قال لهم:﴿ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ﴾[غافر: ٢٩]، فأطاعوه في الذي قال لهم.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ [آية: ٥٤]، يعني عاصين.﴿ فَلَمَّآ آسَفُونَا ﴾، يعني أغضبونا.
﴿ ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٥٥]، لم ينج منهم أحد.
﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [آية: ٥٨].
﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ ﴾، يعني عيسى، عليه السلام، يقول: ما هو إلا عبد.
﴿ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ بالنبوة.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ٥٩]، يقول الله تعالى: حين ولد من غير آب، يعني آية وعبرة ليعتبروا. قوله: ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾ [آية: ٦٠] مكانكم، فكانوا خلفاً منكم.
﴿ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا ﴾، يقول: لا تشكوا في الساعة، ولا في القيامة أنها كائنة، قوله: ﴿ وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آية: ٦١].
ثم قال: ﴿ وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ عن الهدى.
﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٦٢]، يعني بين.﴿ وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ ﴾، يعني بنى إسرائيل.
﴿ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، يعني الإنجيل.
﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ ﴾، يعني الإنجيل، فيه بيان الحلال والحرام.
﴿ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾، من الحلال والحرام، فبين لهم ما كان حرم عليهم من الشحوم، واللحوم، وكل ذي ظفر، فأخبرهم أنه لهم حلال في الإنجيل، غير أنهم يقيمون على السبت.
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ ولا تعبدوا غيره.
﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ٦٣] فيما آمركم به من النصيحة، فإنه ليس له شريك.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ﴾، يعني وحدوه.
﴿ هَـٰذَا ﴾، يعني هذا التوحيد.
﴿ صِرَاطٌ ﴾، يعني دين.
﴿ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آية: ٦٤].
﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ﴾، في الدين، والأحزاب هم: النسطورية، والماريعقوبية، والملكانية، تحازبوا من بينهم في عيسى، عليه السلام، فقالت النسطورية: عيسى ابن الله، وقالت اليعقوبية: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالت الملكانية: إن الله ثالث ثلاثة.
﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني النصارى الذين قالوا في عيسى ما قالوا.
﴿ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ [آية: ٦٥]، يعني يوم القيامة، وإنما سماه أليماً لشدته. ثم رجع إلى كفار قريش، فقال: ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ ﴾، يعني يوم القيامة.
﴿ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ﴾، فجأة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٦٦] بجيئتها. ثم قال: ﴿ ٱلأَخِلاَّءُ ﴾ في الدنيا.
﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ في الآخرة.
﴿ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٦٧] يعني الموحدين،" نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي معيط، قتلا جميعاً، وذلك أن عقبة كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ويستمع إلى حديثه، فقالت قريش: قد سبأ عقبة وفارقنا، فقال له أمية بن خلف: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تتفل في وجهه، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم، ففعل عقبة ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما أنا لله على لئن أخذتك خارجاً من الحرم لأهريقن دمك "، فقال له: يا ابن أبي كبشة، ومن أين تقدر عليَّ خارجاً من الحرم، فتكون لك منى السوء، فلما كان يوم بدر أسر، فلما عاينه النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نذره، فأمر علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فضرب عنقه، فقال عقبة: يا معشر قريش، ما بالي أقتل من بينكم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بتكذيبك الله ورسوله "، فقال: من لأولادي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لهم النار " ".
﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾، يعني يوم القيامة.
﴿ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [آية: ٦٨]، فإذا سمعوا النداء رفعوا رءوسهم. فلما قال: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٦٩]، يقول: الذين صدقوا بالقرآن وكانوا مخلصين بالتوحيد، نكس أهل الأوثان والكفر رءوسهم، ثم نادى: الذين آمنوا وكانوا يتقون المعاصي، فلم يبق صاحب كبيرة إلا نكس رأسه. ثم قال: ﴿ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ ﴾ يا أهل التوحيد.
﴿ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾، يعني وحلائلكم.
﴿ تُحْبَرُونَ ﴾ [آية: ٧٠] يعني تكرمون وتنعمون.﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ ﴾ بأيدي الغلمان.
﴿ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ﴾ من فضة، يعني الأكواب التي ليس لها عرى مدروة الرآس في صفاء القوارير، ثم قال: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٧١] لا تموتون.﴿ وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٧٢].
﴿ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٧٣].
﴿ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٧٤]، يعني لا يموتون.﴿ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ﴾، العذاب طرفة عين.
﴿ وَهُمْ فِيهِ ﴾، يعني في العذاب.
﴿ مُبْلِسُونَ ﴾ [آية: ٧٥]، يعني آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب، مبشرين بكل سوء، زرق الأعين، سود الوجوه. ثم قال: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ﴾، فنعذب على غير ذنب.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٧٦].
﴿ وَنَادَوْاْ ﴾ في النار: ﴿ يٰمَالِكُ ﴾، وهو خازن جهنم، فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾، فيسكت عنهم مالك، فلا يجيبهم مقدار أربعين سنة، ثم يوحي الله تعالى إلى مالك بعد أربعين أن يجيبهم، فرد عليهم مالك: ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ [آية: ٧٧]، في العذاب، يقول: مقيمون فيها. فقال مالك: ﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ في الدنيا، يعني التوحيد.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [آية: ٧٨].
قوله: ﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ [آية: ٧٩]، يقول: أم أجمعوا أمراً، وذلك أن نفراً من قريش، منهم: أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهشام بن عمرو، وأبو البحتري بن هشام، وأمية بن أبي معيط، وعيينة بن حصن الفزاري، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، بعد موت أبي طالب، اجتمعوا في دار الندوة بمكة ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم سراً عند انقضاء المدة، فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير، فجلس إليهم، فقالوا له: ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا؟ قال عدو الله: أنا رجل من أهل نجد، وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة ريحكم، فأردت أن أسمع حديثكم، وأشير عليكم، فإن كرهتم مجلسى خرجت من بينكم. فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد، ليس من أهل مكة، فلا بأس عليكم منه، فتكلموا بالمكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو البحتري بن هشام، من بني أسد بن عبد العزى: أما أنا، فأرى أن تأخذوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه، وتجعلوا له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت، فقال إبليس: بئس الرأى رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكمك صغو، قد سمع به من حولكم، تحبسونه في بيت، وتطعمونه، وتسقونه، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه، ويفسد جماعتكم، ويسفك دماءكم، قالوا: صدق والله الشيخ. فقال هشام بن عمرو، من بني عامر بن لؤي: أما أنا، فأرى أن تحملوه على بعير، فتخرجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم، فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم، وتبعه طائفة منكم، فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم، فقال أبو جهل: صدق والله الشيخ. فقال أبو جهل بن هشام: أما أنا، فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش، فتأخذون من كل بطن منهم رجلاً، فتعطون كل رجل منهم سيفاً، فيضربونه جميعاً، فلا يدري قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته، فقال إبليس: صدق والله الشاب، إن الأمر لكما. قال: فتفرقوا عن قول أبي جهل، فنزل جبريل، عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما ائتمروا به، وأمره بالخروج، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار، وأنزل الله تعالى في شرهم الذي أجمعوا عليه: ﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾، يقول: أم أجمعوا أمرهم على محمد صلى الله عليه وسلم بالشر، فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون، فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر. يقول: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ﴾ الذي بينهم.
﴿ وَنَجْوَاهُم ﴾ الذي أجمعوا عليه ليثبتوك في بيت، أو يخرجونك من مكة، أو يقتلونك.
﴿ بَلَىٰ ﴾ نسمع ذلك منهم.
﴿ وَرُسُلُنَا ﴾ الملائكة الحفظة.
﴿ لَدَيْهِمْ ﴾، يعني عندهم ﴿ يَكْتُبُونَ ﴾ [آية: ٨٠].
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾، يعني ما كان للرحمن ولد.
﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ ﴾ [آية: ٨١]، وذلك أن النضر بن الحارث، من بني عبدالدار بن قصي، قال: إن الملائكة بنات الله، فأزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾، يعني ما كان للرحمن ولد.
﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ ﴾، يعني الموحدين من أهل مكة بأن لا ولد.
﴿ يَخُوضُواْ ﴾ في باطلهم.
﴿ وَيَلْعَبُواْ ﴾، يعني يلهوا في دنساهم.
﴿ حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ﴾ في الآخرة.
﴿ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [آية: ٨٣] العذاب فيه. ثم قال: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ ﴾، فعظم نفسه عما قالوا، فقال وهو الذي يوحد في السماء، ويوحد في الأرض.
﴿ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ﴾ في ملكه، الخبير بخلقه.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٨٤] بهم.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٨٥]، يعني تردون في الآخرة، فيجازيكم بأعمالكم.﴿ وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ ﴾، يقول: لا تقدر الملائكة الذين يعبدونهم من دون الله الشفاعة، وذلك أن النضر بن الحارث ونفراً معه، قالوا: إن كان ما يقول محمد حقاً، فنحن نتولى الملائكة، وهم أحق بالشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿ وَلاَ يَمْلِكُ ﴾، يقول: ولا يقدر:.
﴿ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾، وهم الملائكة.
﴿ ٱلشَّفَاعَةَ ﴾، يقول: لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم من دون الله على الشفاعة لأحد، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ ﴾، يعني بالتوحيد من بنى آدم، فذلك قوله: ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨٦] أن الله واحدٌ لا شريك له، فشفاعتهم لهؤلاء. قوله: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ ﴾، يعني أهل مكة كفارهم.
﴿ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾، وذلك أنه لما نزلت في أول هذه السورة: ﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾، نزلت في آخرها: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " من خلقكم ورزقكم وخلق السموات والأرض؟ ". فقالوا: الله خالق الأشياء كلها، وهو خلقنا، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: ﴿ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾ [آية: ٨٧]، يقول: من أين يكذبون بأنه واحد لا شريك له، وأنتم مقرون أن الله تعالى خالق الأشياء وخلقكم، ولم يشاركه أحد في ملكه فيما خلق؟ فكيف تعبدون غيره؟. فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يارب.
﴿ وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٨٨]، يعني لا يصدقون، وذلك أنه لما قال أيضاً في الفرقان:﴿ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾[الفرقان: ٣٠]، قال الله تعالى يسمع قوله: فيها تقديم: ﴿ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾، يعني لايصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل. قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ ﴾، يعني فأعرض عنهم، فيها تقديم.
﴿ وَقُلْ سَلاَمٌ ﴾، أردد عليهم معروفاً.
﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨٩]، هذا وعيد، حين ينزل بهم العذاب، فنسخ آية السيف الإعراض والسلام، وذكر وعيدهم، وفي حم المؤمن، فقال:﴿ إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ ﴾[غافر: ٧١، ٧٢].