تفسير سورة الأنفال

إيجاز البيان
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان .
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ
عن عبادة بن الصامت١ رضي الله عنه لما كان يوم بدر اختلفنا في النفل من محارب ومن حارس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وأنزل :
١ هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، صحابي جليل، شهد بدرا وسائر المشاهد بعدها، وكان أحد النقباء بالعقبة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وهو أول من ولي قضاء فلسطين، مات بالرملة سنة ٣٤ ه. انظر الإصابة ج٥ ص٣٢٢..

ومن سورة الأنفال
عن عبادة بن الصامت «١» رضي الله عنه: «لما كان يوم بدر اختلفنا في النّفل من محارب ومن حارس لرسول الله، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، وأنزل قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وجعلها إلى الرسول، فقسمه بيننا عن بواء، أي: سواء».
١ ذاتَ بَيْنِكُمْ: حال بينكم، ومعناه: حقيقة وصلكم «٢»، أي:
تواصلوا على أمر الإسلام.
٥ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ: أي: جعل النّفل لك وإن كرهوه ولم يعلموا أنه أصلح لهم كما أخرجك عن وطنك وبعضهم كارهون، / فيكون العامل في [٣٧/ أ] «كاف» كَما معنى الفعل المدلول عليه بقوله: قُلِ الْأَنْفالُ «٣».
(١) أخرجه باختلاف في لفظه- الإمام أحمد في مسنده: (٥/ ٣٢٣، ٣٢٤)، والطبري في تفسيره: (١٣/ ٣٦٩- ٣٧١)، والحاكم في المستدرك: ٢/ ٣٢٦، كتاب التفسير، وقال:
«هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه- أيضا- الواحدي في أسباب النزول: ٢٦٦، والبيهقي في السنن الكبرى:
٦/ ٢٩٢، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب «مصرف الغنيمة في ابتداء الإسلام».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٥، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
(٢) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٤٠٠.
وانظر معاني القرآن للنحاس: ٣/ ١٢٩، وزاد المسير: ٣/ ٣٢٠.
(٣) معاني القرآن للفراء: ١/ ٤٠٣، وقال الزجاج في معاني القرآن: ٢/ ٤٠٠: «فموضع الكاف في كَما نصب، المعني: الأنفال ثابتة لك مثل إخراج ربك إياك من بيتك بالحق».
واختار الزمخشري أيضا هذا القول في الكشاف: ٢/ ١٤٣، وابن عطية في المحرر-- الوجيز: ٦/ ٢١٩.
وانظر تفسير القرطبي: (٧/ ٣٦٧، ٣٦٨)، والبحر المحيط: ٤/ ٤٦١، والدر المصون:
٥/ ٥٦١.
أو العامل معنى «الحق» أي: نزع الأنفال من أيديهم بالحق كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالمدينة إلى بدر بِالْحَقِّ «١».
٦ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ: لعدوله عليه السلام بهم عن العير إلى النفير.
٧ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ: لما أقبلت عير قريش من الشام مع أبي سفيان سار إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرجت نفير قريش وهم «ذات الشوكة» إليها لحفظها، فشاور النبي- عليه السلام- أصحابه فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك فامض لما أردت فو الذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر «٢» لنخوضه معك. فقال عليه السلام: «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» «٣».
لِيُحِقَّ الْحَقَّ: ليظهره لكم.
وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ: يظفركم بذات الشوكة فإنه أقطع لدابرهم.
(١) ذكره الماوردي في تفسيره: ٢/ ٨٢.
(٢) قال الأستاذ محمود محمد شاكر في هامش تحقيقه لتفسير الطبري: ١٣/ ٤٠١: «استعرض البحر، أو الخطر: أقبل عليه لا يبالي خطره. وهذا تفسير للكلمة استخرجته لا تجده في المعاجم».
(٣) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: (١٣/ ٣٩٩- ٤٠١) عن عروة بن الزبير، وابن عباس.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٢٦ وزاد نسبته إلى ابن إسحاق، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر تفسير البغوي: (٢/ ٢٣٠، ٢٣١)، وزاد المسير: (٣/ ٣٢٣، ٣٢٤)، وتفسير ابن كثير: ٣/ ٥٥٧.
[ ليحق الحق ] ليظهره لكم١.
٨ [ ويقطع دابر الكافرين ] يظفركم بذات الشوكة فإنه أقطع لدابرهم٢.
١ ذكره الماوردي في تفسيره ج٢ ص٢٩٧..
٢ ذكره الزجاج في معاني القرآن ج٢ ص٤٠٢..
٩ مُرْدِفِينَ: تابعين «١»، ردف وأردف، ومنصوبا «٢» أردف بعضهم بعضا، فكانوا زمرا زمرا.
١٠ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى: أي: الإمداد بالملائكة ليبشروا بالنصر.
والملائكة لم يقاتلوا «٣» لأن ملكا واحدا يدمر على جميع المشركين.
وقيل «٤» : بل قاتلت حتى قال أبو جهل لابن مسعود: من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص؟ قال: من قبل الملائكة فقال: فهم غلبونا لا أنتم.
١٢ فَوْقَ الْأَعْناقِ: أي: الرؤوس، أو على الأعناق.
كُلَّ بَنانٍ: كل مفصل، أبّن بالمكان: أقام به «٥»، فكل مفصل أقيم عليه عضو.
(١) معاني القرآن للفراء: ١/ ٤٠٤، وتفسير الطبري: ١٣/ ٤١٢، ومعاني القرآن للزجاج:
٢/ ٤٠٢. [.....]
(٢) وهي قراءة نافع كما في السبعة لابن مجاهد: ٣٠٤، والتبصرة لمكي: ٢١١.
قال مكي في الكشف: ١/ ٤٨٩: «وحجة من فتح أنه بناه على ما لم يسمّ فاعله، لأن الناس الذين قاتلوا يوم بدر أردفوا بألف من الملائكة: أي: أنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار.
ف مُرْدِفِينَ بفتح الدال نعت ل «ألف»
، وقيل: هو حال من الضمير المنصوب في مُمِدُّكُمْ، أي: ممدكم في حال إردافكم لألف مِنَ الْمَلائِكَةِ.
وحجة من كسر الدال أنه بناه على ما سمى فاعله، فجعله صفة ل «ألف» أي: بألف من الملائكة مردفين لكم، يأتون لنصركم بعدكم... ».
وانظر البحر المحيط: (٤/ ٤٦٥، ٤٦٦)، والدر المصون: ٥/ ٥٦٧.
(٣) ذكر ابن عطية هذا القول في المحرر الوجيز: ٦/ ٢٢٩ فقال: «وقيل: لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت. وهذا ضعيف».
(٤) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٦/ ٢٢٩: «روى في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر، واختلف في غيره... ».
وقال القرطبي في تفسيره: ٤/ ١٩٢: «وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت... ».
(٥) ينظر معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٤٠٥، وتفسير القرطبي: ٧/ ٣٧٩، والصحاح: ٥/ ٢٠٨٠، واللسان: ١٣/ ٥٩ (بنن).
١٤ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ: أي: الأمر ذلكم فذوقوه، أي: كونوا للعذاب كالذائق للطعام لأن معظمه بعده «١».
وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ تقديره: وبأن، أو واعلموا أن «٢».
١٥ زَحْفاً: قريبا، زحف القوم إلى القوم: دلفوا «٣».
١٦ مُتَحَيِّزاً: طالب حيّز، أي: ناحية يقوى به.
١٧ وَما رَمَيْتَ: أخذ عليه السلام قبضة تراب فحثاه في وجوههم وقال «٤» :«شاهت الوجوه»، فكانت الهزيمة.
(١) قال المؤلف رحمه الله في وضح البرهان: ١/ ٣٨٠: «وقال: فَذُوقُوهُ لأن الذائق أشد إحساسا بالطعم من المستمر على الأكل، فكان حالهم أبدا حال الذائق في إحساسهم العذاب».
(٢) هذا قول الفراء في معاني القرآن: ١/ ٤٠٥ على أن موضع «أن» نصب، ونص قوله:
«فنصب «أن» من جهتين. أما إحداهما: وذلك بأن للكافرين عذاب النار، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا... ».
وذكر النحاس هذا القول في إعراب القرآن: ٢/ ١٨١ عن الفراء، وكذا مكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ٣١٣.
(٣) قال الزمخشري في الكشاف: ٢/ ١٤٨: «والزحف: الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف، أي: يدب دبيبا... والمعنى: إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تفروا فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم».
ونقل ابن الجوزي في زاد المسير: ٣/ ٣٣١ عن الليث قال: «الزحف: جماعة يزحفون إلى عدوهم».
وقال ابن الجوزي: «والتزاحف: التداني والتقارب».
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره: (١٣/ ٤٤٤، ٤٤٥) عن محمد بن قيس، ومحمد بن كعب القرظي، والسدي.
وقال الواحدي في أسباب النزول: ٢٦٨: «وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت في رمي النبي عليه السلام القبضة من حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين: شاهت الوجوه، ورماهم بتلك القبضة، فلم تبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء».
ينظر هذا المعنى في رواية الإمام مسلم في صحيحه: ٣/ ١٤٠٢، حديث رقم (١٧٧٧)، كتاب الجهاد والسير، باب «في غزوة حنين».
وذكر البغوي في تفسيره: ٢/ ٢٣٧ أنه قول أهل التفسير والمغازي أيضا.
وانظر المحرر الوجيز: ٦/ ٢٤٩، وزاد المسير: ٣/ ٣٣٢، والدر المنثور: ٤/ ٤٠.
وإنما جاز نفي الفعل حقيقة وإثباته مجازا لقوة السبب المؤدي/ على [٣٧/ ب] المسبب.
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً: ينعم نعمة «١».
١٨ ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ: أي: الحق ذلكم.
١٩ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ: قال المشركون يوم بدر: اللهم من كان أقطعنا للرحم وأظلمنا فأمطر عليهم «٢».
٢٢ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ: شرّ ما دبّ على الأرض.
٢٣ لَأَسْمَعَهُمْ: أي: كلام الذين طلبوا إحياءه من قصيّ بن كلاب وغيره «٣».
وإن اعتبرت عموم اللّفظ كان المعنى: لأسمعهم آياته سماع تفهيم وتعليم «٤».
٢٤ اسْتَجِيبُوا... لِما يُحْيِيكُمْ: لما يورثكم الحياة الدائمة في نعيم الآخرة «٥».
(١) قال الطبري في تفسيره: ١٣/ ٤٤٨: «وذلك البلاء الحسن»، رمى الله هؤلاء المشركين، ويعنى ب «البلاء الحسن» النعمة الحسنة الجميلة، وهي ما وصفت وما في معناه».
وانظر معاني القرآن للنحاس: ٣/ ١٤١، وزاد المسير: ٣/ ٣٣٤، وتفسير الفخر الرازي:
١٥/ ١٤٥.
(٢) وورد أيضا- أن القائل هو أبو جهل.
ينظر مسند أحمد: ٥/ ٤٣١، وتفسير الطبري: (١٣/ ٤٥٠- ٤٥٤)، وأسباب النزول للواحدي: (٢٦٨- ٢٦٩)، وتفسير ابن كثير: ٣/ ٥٧٢، والدر المنثور: ٤/ ٤٢.
(٣) ذكره الماوردي في تفسيره: ٢/ ٩٣ عن بعض المتأخرين.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: ٢/ ٢٤٠، وتفسير القرطبي: ٧/ ٣٨٨.
(٤) رجح الطبري هذا القول في تفسيره: ١٣/ ٤٦٣، وأخرج نحوه عن ابن جريج، وابن زيد.
وانظر تفسير الماوردي: ٢/ ٩٣، وتفسير البغوي: ٢/ ٢٤٠، وزاد المسير: ٣/ ٣٣٨.
(٥) ذكره النحاس في معانيه: ٣/ ١٤٤، ونقله الماوردي في تفسيره: ٢/ ٩٣ عن علي بن عيسى.
359
وقيل «١» : هو إحياء أمرهم بجهاد عدوهم.
وقيل «٢» : هو بالعلم الذي يهتدون به.
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ: أي: بالوفاة ونحوها من الآفات، فلا يمكنه الإيفاء بما فات «٣»، أو هو حوله- تعالى- بين القلب وما يعزم عليه أو يتمناه.
وفي الحديث «٤» :«إنه ما يحول به بين المؤمن والمعاصي».
(١) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: ١٣/ ٤٦٥ عن ابن إسحاق.
وذكره الماوردي في تفسيره: ٢/ ٩٣ عن ابن إسحاق أيضا.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره: ٢٨٩ (سورة الأنفال) عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما في قوله: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ أي الحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
وحسّن المحقق إسناده».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٤٤، وزاد نسبته إلى ابن إسحاق عن عروة. [.....]
(٢) معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٤٠٩.
(٣) في «ج» : تلافي ما فاته.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره: ١٣/ ٤٦٩، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٢٩٢ (سورة الأنفال) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وكذا الحاكم في المستدرك: ٢/ ٣٢٨، كتاب التفسير، «تفسير سورة الأنفال».
وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٤٤، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
قال الطبري رحمه الله في تفسيره: (١٣/ ٤٧١، ٤٧٢) معقبا على هذه الأقوال بقوله:
«وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر، أو أن يعيي به شيئا، أو أن يفهم، إلا بإذنه ومشيئته وذلك أن الحول بين الشيء والشيء، إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه وإدراكه سبيل.
وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك قول من قال: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان، وقول من قال: يحول بينه وبين عقله، وقول من قال: يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه، لأن الله إذا حال بين عبد وقلبه، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبين ما منع إدراكه به على ما بينت.
غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عم بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئا دون شيء، والكلام محتمل كل هذه المعاني، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له»
.
360
٢٥ لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً: أي: خاصة بهم، ولو كان المعنى عموم الفتنة لكان: «لا تصيب» «١».
٢٦ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ: أي: المؤمنون في أول الإسلام، أو قريش «٢»، وكانوا قليلا [أيام] «٣» جرهم «٤» وخزاعة.
٢٧ لا تَخُونُوا اللَّهَ: لا تخونوا مال الله «٥».
(١) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٦/ ٢٦٢: «هذه الآية تحتمل تأويلات: أسبقها إلى النفس أن يريد الله أن يحذر جميع المؤمنين من فتنة إن أصابت لم تخص الظلمة فقط، بل تصيب الكل من ظالم وبريء... فيجيء قوله: لا تُصِيبَنَّ على هذا التأويل صفة للفتنة، فكان الواجب- إذا قدرنا ذلك- أن يكون اللفظ «لا تصيب»، وتلطف لدخول النون الثقيلة في الخبر عن الفتنة».
(٢) ورد هذان القولان عند تفسير قوله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ في الآية نفسها ويدل عليه قول المؤلف بعد ذلك: وكانوا قليلا أيام جرهم.
أما القول الأول فقد ذكره الطبري في تفسيره: ١٣/ ٤٧٦، والماوردي في تفسيره:
٢/ ٩٥، والبغوي في تفسيره: ٢/ ٢٤٢. وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: ٣/ ٣٤٣ إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما القول الثاني فقد أخرج نحوه الطبري في تفسيره: ١٣/ ٤٧٨ عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٤٧، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ عن قتادة أيضا.
(٣) في الأصل: «أياما» والمثبت في النص عن «ك» و «ج».
(٤) جرهم: بضم الجيم وسكون الراء وضم الهاء: بطن من القحطانية، رحلوا إلى مكة وأقاموا بها، وتزوج منهم إسماعيل عليه السلام.
ينظر المعارف لابن قتيبة: ٢٧، واللسان: ١٣/ ٩٧ (جرهم).
(٥) فسّره أصحاب هذا القول ب «الغنائم».
ذكره الفخر الرازي في تفسيره: ١٥/ ١٥٦، وقال: «ويحتمل أن يريد بالأمانة كل ما تعبد به، وعلى هذا التقدير: فيدخل فيه الغنيمة وغيرها... ».
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنها أمانة، أو تعلمون ما في الخيانة.
٢٩ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً: هداية في قلوبكم تفرّقون بها بين الحق والباطل «١». وقيل «٢» : مخرجا في الدنيا والآخرة.
٣٠ لِيُثْبِتُوكَ: أي: في الوثاق «٣»، أو الحبس «٤».
وقيل: أي: يثخنوك، رماه فأثبته، وأصبح المريض مثبتا: لا حراك به.
أَوْ يُخْرِجُوكَ قال أبو البختري «٥» : نشده على بعير شرود حتى يهلك. وقال أبو جهل: تجتمع عليه القبائل فلا يقاومهم بنو هاشم فيرضون بالدّية «٦» فحينئذ هاجر.
(١) نص هذا القول في تفسير الماوردي: (٢/ ٩٦، ٩٧) عن ابن زيد، وابن إسحاق.
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: ١٣/ ٤٩٠ عن ابن إسحاق.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره: (١٣/ ٤٨٨، ٤٨٩) عن مجاهد، والضحاك، وعكرمة.
قال الطبري رحمه الله: «والفرقان في كلام العرب مصدر من قولهم: «فرقت بين الشيء والشيء أفرق بينهما فرقا وفرقانا».
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٧٨، ومعاني النحاس: ٣/ ١٤٧.
(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (١٣/ ٤٩١، ٤٩٢) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي.
وذكره الماوردي في تفسيره: ٢/ ٩٧ وزاد نسبته إلى الحسن.
(٤) معاني القرآن للفراء: ١/ ٤٠٩، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٧٩.
وأخرجه الطبري في تفسيره: ١٣/ ٤٩٢ عن عطاء، وابن زيد.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للنحاس: ٣/ ١٤٨، وتهذيب اللغة للأزهري:
١٤/ ٢٦٧.
(٥) اسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى. هو الذي ضرب أبا جهل فشجه عند ما منع أبو جهل أن يحمل الطعام إلى خديجة بنت خويلد وهي في الشعب أثناء المقاطعة، وكان أحد الذين شقوا الصحيفة، وقتله المجذر بن ذيام يوم بدر.
ينظر السيرة لابن هشام: ١/ ٣٧٥، وتاريخ الطبري (٢/ ٣٣٦، ٤٥١).
(٦) وصوّب إبليس هذا الرأي، وكان حاضرا معهم وذلك بعد أن ادعى أنه شيخ من نجد.
ينظر خبر دار الندوة في السيرة لابن هشام: (١/ ٤٨٠- ٤٨٢)، والطبقات لابن سعد:
- (١/ ٢٢٧، ٢٢٨)، وتاريخ الطبري (٢/ ٣٧٠- ٣٧٢)، وتفسير الطبري: (١٣/ ٤٩٤- ٥٠١)، وتفسير ابن كثير: (٣/ ٥٨٥، ٥٨٦). [.....]
٣٢ وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ: قال النّضر «١» بن كلدة.
٣٣ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ: لأنه أرسل رحمة للعالمين.
وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ: لما خرج عليه السلام من مكة بقيت فيها بقية من المؤمنين يستغفرون «٢».
و «المكاء» «٣»، صوت المكاء يشبه الصفير، والتصدية: التصفيق «٤» أو هو من صدّ يصدّ: إذا ضجّ «٥»، كقوله «٦» : إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ.
٣٨ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ: في العقاب بالاستئصال وبالأسر [٣٨/ أ].
(١) هو النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي، من أشراف قريش.
خرج مع المشركين في غزوة بدر وأسره المسلمون، فقتله علي بن أبي طالب.
المغازي للواقدي: ١/ ٣٧، والسيرة لابن هشام: ١/ ٢٩٥، وتاريخ الطبري: ٢/ ٤٣٧.
وأخرج الطبري في تفسيره: (١٣/ ٥٠٥، ٥٠٦) عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، والسدي: أن القائل هو النضر بن الحارث بن كلدة.
وكذا ذكره البغوي في تفسيره: ٢/ ٢٤٥، وابن الجوزي في زاد المسير: ٣/ ٣٤٨ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقيل: إن القائل أبو جهل، ثبت ذلك في صحيح البخاري: ٥/ ١٩٩، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ....
وصحيح مسلم: ٤/ ٢١٥٤، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في قوله تعالى:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ.
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (١٣/ ٥٠٩- ٥١١) عن أبي مالك، وابن أبزى، والضحاك.
(٣) من قوله تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً... [آية: ٣٥].
(٤) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٢٤٦، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ١٧٩، وتفسير الطبري: (١٣/ ٥٢١- ٥٢٣).
(٥) ذكره النحاس في إعراب القرآن: ٢/ ١٨٧.
ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: ٦/ ٢٩٢ عن النحاس.
(٦) سورة الزخرف: آية: ٥٧.
والقتل وغيره «١».
٣٩ وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ: أي: كفر «٢» لأنهم يدعون الناس إلى مثل حالهم فيفتنونهم.
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ: الطاعة بالعبادة.
٣٧ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً: يجعل بعضه فوق بعض كالسحاب الركام «٣».
٤١ غَنِمْتُمْ: ما أخذ من المشركين بقتال غنيمة وبغيره فيء.
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ: لبيت الله «٤». وقيل «٥» : سهم الله وسهم الرسول واحد، وذكر الله تشريف السهم.
قال محمد بن الحنفية: هذا مفتاح كلام، لله الدّنيا والآخرة «٦».
(١) نص هذا القول في تفسير الماوردي: ٢/ ١٠٢.
وينظر تفسير الطبري: ١٣/ ٥٣٦، وتفسير البغوي: ٢/ ٢٤٨.
(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (١٣/ ٥٣٧- ٥٣٩) عن ابن عباس والحسن، وقتادة، والسدي، وابن زيد.
وفي معنى هذه الآية قال الزجاج في معانيه: ٢/ ٤١٣: «أي حتى لا يفتن الناس فتنة كفر، ويدل على معنى فتنة كفر قوله عز وجل: وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ».
(٣) قال الزجاج في معاني القرآن: ٢/ ٤١٣: «والركم أن يجعل بعض الشيء على بعض، ويقال: ركمت الشيء أركمه ركما. والركام الاسم».
(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (١٣/ ٥٥٠، ٥٥١)، وابن أبي حاتم في تفسيره:
٣٩٥ (سورة الأنفال) عن أبي العالية.
قال محقق تفسير ابن أبي حاتم: «فيه أبو جعفر صدوق سيء الحفظ، والربيع صدوق له أوهام، ولم يتابعا فهو مرسل ضعيف».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٦٦، وزاد نسبته إلى أن أبي شيبة، وابن المنذر، عن أبي العالية أيضا.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره: (١٣/ ٥٤٩، ٥٥٠) عن ابن عباس، وعطاء.
ونقله الماوردي في تفسيره: ٢/ ١٠٣ عن الحسن، وعطاء، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والشافعي.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: ٥/ ٢٣٨، كتاب الجهاد، باب «ذكر الخمس وسهم ذوي القربى» عن الحسن بن محمد بن الحنفية، وأخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال: ٢٢، وابن أبي شيبة في المصنف: ١٢/ ٤٣١، كتاب الجهاد، باب «في الغنيمة كيف تقسم»، والطبري في تفسيره: ١٣/ ٥٤٨، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٣٩٣ (سورة الأنفال) وصحح المحقق إسناده، وأخرجه الحاكم في المستدرك: ٢/ ١٢٨ كتاب قسم الفيء.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٦٥ وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ عن الحسن بن محمد بن الحنفية.
قال الطبري رحمه الله: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: قوله: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ افتتاح كلام، وذلك لإجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم. ولو كان لله فيه سهم، كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوما على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك، فما لا نعلم قائلا له قاله غير الذي ذكرناه من الخبر عن أبي العالية، وفي إجماع من ذكرت، الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا».
والعدوة «١» : بضم العين «٢» وفتحها «٣» وكسرها «٤» : شفير الوادي، فتميم لا تعرف العدوة [بضم العين] «٥» وتقول: خذ أعداء الوادي «٦».
٤٢ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ: أبو سفيان وأصحابه.
(١) من قوله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى... [آية: ٤٢].
(٢) فهي مثلثة، وقراءة الضم لعاصم، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٣٠٦، وحجة القراءات: ٣١١، والتبصرة لمكي: ٢١٢. [.....]
(٣) تنسب قراءة الفتح إلى الحسن البصري، وقتادة، وعمرو بن عبيد، وزيد بن علي.
المحتسب: ١/ ٢٨٠، والبحر المحيط: ٤/ ٤٩٩.
قال ابن جني: «الذي في هذا أنها لغة ثالثة، كقولهم في اللبن: رغوة ورغوة ورغوة. ولها نظائر مما جاءت فيها فعلة وفعلة وفعلة، منه قولهم: له صفوة مالي وصفوته وصفوته... ».
(٤) وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو.
السبعة لابن مجاهد: ٣٠٦، والتبصرة لمكي: ٢١٢.
(٥) ما بين معقوفين عن «ك».
(٦) في اللسان: ١٥/ ٤٠ (عدا) :«يقال الزم عداء الطريق، وهو أن تأخذه لا تظلمه، ويقال خذ عداء الجبل، أي: خذ في سنده تدور فيه حتى تعلوه، وإن استقام فيه أيضا فقد أخذ عداءه... والعدى والعدا: الناحية والجمع «أعداء»، والعدى والعدوة والعدوة والعدوة- كلّه- شاطئ الوادي».
وينظر تاج العروس: ١٠/ ٢٣٦، (عدا).
وَلَوْ تَواعَدْتُمْ: أي: من غير عون الله لَاخْتَلَفْتُمْ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ.
٤٣ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا: هي رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالبشارة والغلبة «١».
والرّؤيا تكون من الله، ومن الشيطان، ومن غلبة الأخلاط، ومن الأفكار.
وقيل «٢» : فِي مَنامِكَ: في عينيك لأنها موضع النوم كالمقام موضع القيام.
٤٤ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ: لئلا يستعدوا لكم، وجاز أن يري الله الشّيء على خلاف ما هو به لأنّ الرؤيا تخيّل من غير قطع.
٤٧ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ: نفير «٣» قريش خرجوا
(١) وتكون الرؤيا على هذا القول منامية، وهو قول مجاهد كما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: ٢٠٦، والطبري في تفسيره: ١٣/ ٥٧٠، وابن أبي حاتم في تفسيره: ٤٢١ (سورة الأنفال)، وقال المحقق: مرسل حسن لغيره. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير:
٣/ ٣٦٣، وقال: «رواه أبو صالح عن ابن عباس».
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٧٤، وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن مجاهد.
ورجحه الزجاج في معاني القرآن: ٢/ ٤١٩ فقال: «وهذا المذهب أسوغ في العربية، لأنه قد جاء: وإذ يريكهموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم فدل بهذا أن هذا رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم».
ورجح النحاس أيضا هذا القول في معاني القرآن: ٣/ ١٦١، والماوردي في تفسيره:
٢/ ١٠٦، وقال: «وهو الظاهر، وعليه الجمهور».
(٢) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: ١/ ٢٤٧، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ١٧٩، والطبري في تفسيره: ١٣/ ٥٧٠، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٤٢٢ (سورة الأنفال) عن الحسن، ونقله الزجاج في معاني القرآن: ٢/ ٤١٩، والنحاس في معانيه: ٣/ ١٦١، والماوردي في تفسيره: ٢/ ١٠٦، وابن الجوزي في زاد المسير: ٣/ ٣٦٣- كلهم- عن الحسن رحمه الله تعالى.
وأورده ابن كثير في تفسيره: ٤/ ١٣ وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن الحسن، ثم قال:
«وهذا القول غريب، وقد صرح بالمنام ها هنا، فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه».
(٣) في «ج» : يعني قريشا.
حامين للعير، فلما نجا أبو سفيان أرسل إليهم: أن ارجعوا فقد أمنا ونزلنا بالجحيفة «١». فقال أبو جهل: لا حتى نرد بدرا، وننحر جزرا، ونشرب خمرا، وتعزف لنا القيان «٢».
وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ: إحاطة علم واقتدار.
٤٨ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ: ظهر في صورة سراقة «٣» بن مالك بن جعشم الكناني في جماعة من جنده، وقال: هذه كنانة قد أتتكم تنجدكم «٤»، فلما رأى الملائكة نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ رجع القهقرى ذليلا.
وقال الحسن «٥» : وسوس لهم ذلك ولم يظهر.
وقال: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ لأنه ظن أن الوقت [المنظر] «٦» إليه حضر.
٥٦ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ: أي: من شأنهم نقض العهد.
٥٧ فَشَرِّدْ بِهِمْ/ مَنْ خَلْفَهُمْ: نكّل بهم تنكيلا، تشرد غيرهم وتفرقهم به. [٣٨/ ب].
(١) كذا ورد في «ك» مصغرا. والحجفة- بالضم ثم السكون- موضع بالحجاز بينها وبين البحر ستة أميال، وبينها وبين مكة ستة وسبعون ميلا، وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب.
معجم ما استعجم: ١/ ٣٦٧، ومعجم البلدان: ٢/ ١١١، والروض المعطار: ١٥٦.
(٢) القيان: جمع قينة، وهي الأمة أو الجارية.
النهاية: ٤/ ١٣٥.
وانظر خبر أبي جهل وأبي سفيان في السيرة لابن هشام: (١/ ٦١٨، ٦١٩)، وتفسير الطبري: ١٣/ ٥٧٨، وتفسير ابن كثير: ٤/ ١٦، والدر المنثور: ٤/ ٧٧.
(٣) صحابي جليل، أسلم يوم الفتح.
ترجمته في الاستيعاب: ٢/ ٨٥١، وأسد الغابة: ٢/ ٣٣١، والإصابة: ٣/ ٤١.
(٤) ينظر تفسير الطبري: (١٤/ ٧- ٩)، والتعريف والإعلام للسهيلي: (٦٥، ٦٦)، وتفسير القرطبي: ٨/ ٢٦، وتفسير ابن كثير: ٤/ ١٦.
(٥) نص هذا القول في الكشاف: ٢/ ١٦٢ عن الحسن رضي الله عنه.
وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز: (٦/ ٣٣٣، ٣٣٤) عن المهدوي وغيره، ثم قال:
«ويضعف هذا القول أن قوله: وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ليس مما يلقي بالوسوسة. وقال الجمهور في ذلك بما روى وتظاهر أن إبليس جاء كفار قريش... ».
(٦) في الأصل: المنتظر، والمثبت في النص عن «ج».
٥٨ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ: فألق إليهم حديث الحرب على استواء في العلم منك ومنهم.
٦٠ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ: بنو قريظة «١»، وقيل «٢» بنو قينقاع.
٦٣ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ: الأوس والخزرج وكانوا يتفانون حربا «٣».
٦٥ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ: التحريض أن يحث المرء حثا، يحرض، أي: يهلك إن تركه «٤»، ويقال: حارض على الأمر وواظب وواكب وواصب.
٦٧ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى: في أسارى بدر حين رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم
(١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ١٤/ ٣٦، وابن أبي حاتم في تفسيره: (٤٨٧، ٤٨٨) (سورة الأنفال) عن مجاهد.
وذكره السهيلي في التعريف والإعلام: ٦٨، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز:
٦/ ٣٦١، وابن الجوزي في زاد المسير: ٣/ ٣٧٥ عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ٩٧، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، والفريابي، وابن المنذر، وأبي الشيخ- كلهم- عن مجاهد. [.....]
(٢) في الأصل: «وما قيل»، والمثبت في النص عن «ج».
(٣) معاني القرآن للفراء: ١/ ٤١٧، وتفسير الطبري: ١٤/ ٤٥.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ٦/ ٣٦٦: «وهذه إشارة إلى العداوة التي كانت بين الأوس والخزرج في حروب بعاث، فألف الله تعالى قلوبهم على الإسلام، وردهم متحابين في الله، وعددت هذه النعمة تأنيسا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم... ».
وفي الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب في الأنصار في شأن غنائم حنين: «يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي- كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ... ».
صحيح البخاري: ٥/ ١٠٤، كتاب المغازي، باب «غزوة الطائف».
وصحيح مسلم: ٢/ ٧٣٨، كتاب الزكاة، باب «إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه».
(٤) عن معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٤٢٣.
وانظر معاني النحاس: ٣/ ١٦٨، وتهذيب اللغة: (٤/ ٢٠٣، ٢٠٤)، واللسان: (٧/ ١٣٣، ١٣٤) (حرض).
فيهم الفداء «١».
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: يكثر من القتل «٢».
ومتاع الدنيا: عرض «٣» لقلة بقائه ووشك فنائه.
٦٨ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ: أنه لا يعذب إلا بعد مظاهرة البيان «٤»، أو أنه يحل لكم الغنائم «٥».
٧٠ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً: بصيرة «٦».
يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ: من الفداء. في العباس حين فدا نفسه وابني أخيه عقيلا «٧» ونوفلا «٨».
قال العباس «٩» : فآتاني الله خيرا منه، مالا كثيرا، منها عشرون عبدا
(١) ينظر سبب نزول هذه الآية في صحيح مسلم: ٣/ ١٣٨٥، كتاب الجهاد، باب «الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم» حديث رقم (١٧٦٣)، وتفسير الطبري: ١٤/ ٦٣، وأسباب النزول للواحدي: (٢٧٣- ٢٧٦)، وتفسير ابن كثير: ١٤/ ٣٢.
(٢) تفسير الطبري: ١٤/ ٥٩.
قال الزجاج في معانيه: ٢/ ٤٢٥: «معناه حتى يبالغ في قتل أعدائه، ويجوز أن يكون حتى يتمكن في الأرض. والأثخان في كل شيء قوة الشيء وشدته. يقال: قد أثخنته».
وانظر معاني النحاس: ٣/ ١٧٠، والكشاف: ٢/ ١٦٨، واللسان: ١٣/ ٧٧ (ثخن).
(٣) من قوله تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [آية: ٦٧].
(٤) لم أقف على هذا القول، وأورد السيوطي في الدر المنثور: ٤/ ١١٠ أثرا عزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد في قوله تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ قال: «في أنه لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه».
وانظر نحو هذا القول في الكشاف: ٢/ ١٦٩، والمحرر الوجيز: ٦/ ٣٨٢، وتفسير الفخر الرازي: ١٥/ ٢٠٩.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره: (١٤/ ٦٤- ٦٦) عن أبي هريرة، وابن عباس، والحسن.
وانظر معاني النحاس: ٣/ ١٧٠، وتفسير الماوردي: ٢/ ١١٣، وزاد المسير: ٣/ ٣٨١.
(٦) في كتاب وضح البرهان للمؤلف: ١/ ٣٨٩: «بصيرة وإنابة».
(٧) هو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٨) هو نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
(٩) أخرجه الطبري في تفسيره: ١٤/ ٧٣، والحاكم في المستدرك: ٣/ ٣٢٤، كتاب معرفة- الصحابة، «ذكر إسلام العباس رضي الله عنه» عن عائشة رضي الله عنها.
وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
وانظر أسباب النزول للواحدي: (٢٧٦، ٢٧٧)، والدر المنثور: (٤/ ١١١- ١١٢).
أدناهم يضرب بعشرين ألف دينار.
٧٢ مِنْ وَلايَتِهِمْ: الاجتماع على التناصر «١».
وقال الأزهري «٢» : الولاية بالفتح في النسب والنصرة، وبالكسر في الإمارة.
٧٤ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: طعام أهل الجنة لا يستحيل نجوا «٣» [بل] «٤» كالمسك رشحا «٥».
(١) معاني القرآن للفراء: ١/ ٤١٩، وتفسير الطبري: ١٤/ ٨١، ومعاني النحاس: ٢/ ١٧٤.
(٢) تهذيب اللّغة: ١٤/ ٤٤٩ عن الزجاج.
وقراءة الكسر لحمزة وقرأ باقي السبعة بالفتح.
ينظر السبعة لابن مجاهد: ٣٠٩، والتبصرة لمكي: ٢١٣ والتيسير للداني: ١١٧. [.....]
(٣) النجو: ما يخرج من البطن من فضلات الإنسان.
النهاية لابن الأثير: ٥/ ٢٦، واللسان: ١٥/ ٣٠٦ (نجا).
(٤) عن «ك»، وكتاب وضح البرهان للمؤلف ليستقيم المعنى.
(٥) في تفسير الطبري: ١٤/ ٨٨: «يقول: لهم في الجنة مطعم ومشرب هنيّ كريم، لا يتغير في أجوافهم فيصير نجوا، ولكنه يصير رشحا كرشح المسك».
وفي صحيح مسلم: (٤/ ٢١٨٠، ٢١٨١)، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب «في صفات الجنة وأهلها» عن جابر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون»، قالوا: فما بال الطعام؟ قال:
«جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النّفس».
Icon