تفسير سورة النصر

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة النصر من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

فبايع الرجال ثمّ النِّساء، ولما جاء وقت الظهر، أذن بلال -رضي الله عنه- على ظهر الكعبة، وقام علي -رضي الله عنه- ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسولَ الله! اجمع لنا الحجابةَ مع السقاية صلَّى الله عليك، فقال - ﷺ -: "أين عثمانُ بنُ طلحة؟ "، فدُعي له، فقال: "هاكَ مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بِرٍّ ووفاء، وقال: خذوها تالدةً خالدةً، لا ينزِعُها منكم إِلَّا ظالم، يا عثمان! إنَّ الله استأمنكم على بيته، فكلوا ممّا يصلُ إليكم من هذا البيت بالمعروف" (١).
* * *
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ﴾ لكَ يا محمدُ على من عاداك وناوأك ﴿وَالْفَتْحُ﴾ هو فتح مكّة والطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن.
* * *
﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢)﴾.
[٢] ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ نصب على الحال من فاعل (يَدْخُلُونَ) أي: جماعات متفرقة؛ لأنّه - ﷺ - لما فتح مكّة، جاءه العرب من أقطار العرب طائعين بعد أن كانوا يدخلون واحدًا واحدًا، واثنين اثنين، وما مات - ﷺ - وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام.
* * *
(١) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (٥/ ٤٢)، و"الثقات" لابن حبّان (٢/ ٣٢)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٧٠٥ - ٧٠٧).
﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)﴾.
[٣] ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد، حامدًا له عليه ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ ترجية عظيمة للمستغفرين.
﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ لمن استغفر، فإنك حينئذ (١) لاحق به، وذائق الموت كما ذاق مَنْ قبلك من الرسل، وعند الكمال يُترقب الزَّوال.
قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "لما نزلت هذه السورة، علم النّبيّ - ﷺ - أنّه قد نُعيت إليه نفسه" (٢)، وكان - ﷺ - بعد نزولها يكثر من قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه (٣)، فعاش بعدها سنتين، لم يُرَ ضاحكًا مستبشرًا (٤)، وحج - ﷺ - فنزل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]، فعاش أحدًا وثمانين يومًا، فنزل: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾ [النساء: ١٧٦]، فعاش خمسين يومًا، فنزل: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨]، فعاش خمسة وثلاثين يومًا، فنزل: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١]، فعاش أحدًا وعشرين يومًا، وتوفي - ﷺ - يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل، وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء، ودفن ليلة الأربعاء في سنة إحدى عشرة من الهجرة الشريفة، وكان مرضه ثلاث عشرة
(١) "حينئذ" ساقطة من "ت".
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١/ ٣٤٤). وروى البخاريّ (٤٦٨٥) من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما نحوه.
(٣) رواه مسلم (٤٨٤)، كتاب: الصّلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٣٢١) عن مقاتل.
455
ليلة، ودفن في الموضع الّذي توفاه الله فيه، وله ثلاث وستون سنة، ولم يترك درهمًا ولا دينارًا.
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "لما كانَ اليومُ الّذي دخلَ فيه رسولُ الله - ﷺ - يعني: المدينة أضاء منها كلُّ شيء، فلما كان اليوم الّذي مات فيه، أظلمَ منها كلُّ شيء - ﷺ -" (١) وشَرَّفَ وكَرَّم.
* * *
(١) رواه التّرمذيّ (٣٦١٨)، كتاب: المناقب، باب: في فضل النّبيّ - ﷺ -، وقال: صحيح، وابن ماجه (١٦٣١)، كتاب: الجنائز، باب: ذكر وفاته ودفنه - ﷺ -، وابن حبّان في "صحيحه" (٦٦٣٤)، وغيرهم.
456
Icon