وآياتها ثمان وتسعون
كلماتها : ٩٦٢ ؛ حروفها : ٣٨٠٢
ﰡ
﴿ كهيعص { ١ ) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا { ٢ ) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا { ٣ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا { ٤ ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا { ٥ ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا { ٦ ) ﴾
﴿ كهيعص ﴾١ قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ؛ وربما تكون اسما للسورة ؛ أو كباقي فواتح السور، يمكن أن يراد بها التحدي، على معنى : أن الكاف والهاء والياء والعين والصاد حروف تنطقون بها، والقرآن حروفه كتلك التي بها تتكلمون، لكنكم عجزتم وأنتم العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل هذا الفرقان الذي أنزلناه بلسان عربي مبين، فعلم بذلك أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب القوي والقدر. ، وأورد المفسرون أقوالا أخرى ؛ ﴿ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ﴾ لعل المعنى : هذا الذي نوحيه إليك فيه ذكر٢ رحمة مولاك التي نالت عبد الله ونبيه زكريا٣ عليه السلام وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، ومن نسل سليمان عليه السلام ؛ وفي صحيح البخاري أنه كان نجارا يأكل من عمل يده ؛ ﴿ إذ نادى ربه نداء خفيا ﴾ ؛ لكأن المعنى : اذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ دعاه دعاء يسر٤ به، أو يستره عن الناس وإنما أخفي دعاءه عليه السلام لأنه أدخل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد.. ٥.
﴿ قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ﴾ كان من دعاء زكريا عليه السلام أن تضرع إلى ربه بتذلل وخضوع ؛ [ وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أهون، ووحده، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ]٦ ؛ وانتشر البياض في شعر رأسي ؛ وأورد علماء المعاني أن في الآية لطائف٧ ؛ ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾ كأنما يتوسل عليه السلام إلى ربنا ومولانا بما من عليه من قبل وأنه بفضله يحقق سؤله، ولا يخيب رجاءه ؛ أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كلما دعوتك استجبت لي. ﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ :﴿ الموالي ﴾ القرابة والعصبة وأبناء العم، والعرب تسمي بني العم : موالي ؛ يقول الشاعر٨ :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا. |
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ ينال هذا الولي الذي سألتك أن تمنحنيه ينال مما آتيتني من العلم، وما آتيت أبناء لإسرائيل من النبوة ؛ [ وقوله :﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ صفة لوليا كما هو المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات ؛... وآل الرجل : خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين ؛ و﴿ يعقوب ﴾ على ما روى عن السدي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم... والمراد من الوراثة في الموضعين العلم على ما قيل ]١٠ ؛ وذهب بعض إلى أن ﴿ يرثني ﴾ يراد به يرث مالي ؛ لكن صاحب تفسير القرآن العظيم رد هذا الرأي بما حاصله : النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم ؛ هذا وجه ؛ الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولاسيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا ؛ الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ما تركناه صدقة " ؛ وفي رواية عن الترمذي بإسناد صحيح : " نحن معشر الأنبياء لا نورث " ؛ وعلى هذا فتعين حمل قوله :﴿ فهب لنا من لدنك وليا. يرثني ﴾ على ميراث النبوة، ولهذا قال :﴿ ويرث من آل يعقوب ﴾ كقوله :{ وورث سليمان داود ) أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير الفائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة ما أخبر بها.
﴿ واجعله رب رضيا ﴾ يدعوا أن يكون هذا الذي سيرزقه الله إياه من أهل محبة الله أي : مرضيا عندك قولا وفعلا، وقيل راضيا ؛ والأول أنسب.. وعلى ما قلنا يكون دعا بتوفيقه للعمل، كما أن الأول متضمن للدعاء بتوفيقه للعلم، فكأنه طلب أن يكون ولده عالما عاملا ؛ وقيل : اجعله مرضيا بين عبادك أي متبعا.
٢ نقل القرطبي عن الفراء وعن الزجاج والأخفش؛ كما نقل الألوسي وجوها مختلفة في موقع {ذكر﴾ من الإعراب.
٣ نقل ابن كثير في تفسيره أنه ـ عليه السلام ـ كان يعمل نجارا؛ وأورد حديثا من صحيح البخاري يشهد لذلك ؛ ونقل الألوسي أن موقع ﴿زكريا﴾ من الإعراب في هذه الآية الكريمة بدل من ﴿عبده﴾، أو عطفت بيان له؛ أو نصب بإضمار أعني..
٤ مما جاء في الجامع لأحكام القرآن: وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء.. وهذه الآية نص في ذلك؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا؛...... عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم! "إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" وهذا عام؛ قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعوا الإمام في القنوت ويؤمن خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس: ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾؛ قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت، وجهر به الشافعي، والجهر به أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو جهرا..
٥ ما بين العارضتين مما جاء في روح المعاني؛ ومما ساقه:.. لا منافاة بين النداء وكونه خفيا، بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت، لأن الخفاء غير الخفوت، ومن رفع صوته في مكان ليس بمرأى ولا مسمع من الناس فقد أخفاه..
٦ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
٧ قالوا: أصل الكلام: يا رب قد شخت ـ فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم ترك الإجمال إلى التفصيل، فصار: ضعف بدني، وشاب رأسي، ثم في الأولى عدل من التصريح إلى الكناية، فصار: وهنت عظامي؛ وأما القرينة الأخرى فتركت الحقيقة = فيها إلى الاستعارة التي هي أبلغ، فحصل: اشتعل شيب رأسي، وبيان الاستعارة فيه أنه شب الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وشبه انتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به و أداة التشبيه، فصار: اشتعل شيب رأسي؛ أو يكون استعمل ﴿اشتعل﴾ بدل انتشر، ثم تركت هذه المرتبة إلى أبلغ منها وهي: اشتعل رأسي شيبا؛ وكونها أبلغ من جهات: منها ـ إسناد الاشتعال إلى الرأس، لإفادته شمول الاشتعال الرأس كما لو قيل اشتعل بيته نارا؛ مكان اشتعل النار في بيته... ، ومنها ـ تنكير ﴿شيبا﴾ للتعظيم؛ ثم قالوا هذه الآية كالعلم فيما بين علماء المعاني..
٨ هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب؛ وهو من شعراء بني هاشم في عهد بني أمية..
٩ من الآية ٣٨..
١٠ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ كهيعص { ١ ) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا { ٢ ) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا { ٣ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا { ٤ ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا { ٥ ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا { ٦ ) ﴾
﴿ كهيعص ﴾١ قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ؛ وربما تكون اسما للسورة ؛ أو كباقي فواتح السور، يمكن أن يراد بها التحدي، على معنى : أن الكاف والهاء والياء والعين والصاد حروف تنطقون بها، والقرآن حروفه كتلك التي بها تتكلمون، لكنكم عجزتم وأنتم العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل هذا الفرقان الذي أنزلناه بلسان عربي مبين، فعلم بذلك أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب القوي والقدر. ، وأورد المفسرون أقوالا أخرى ؛ ﴿ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ﴾ لعل المعنى : هذا الذي نوحيه إليك فيه ذكر٢ رحمة مولاك التي نالت عبد الله ونبيه زكريا٣ عليه السلام وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، ومن نسل سليمان عليه السلام ؛ وفي صحيح البخاري أنه كان نجارا يأكل من عمل يده ؛ ﴿ إذ نادى ربه نداء خفيا ﴾ ؛ لكأن المعنى : اذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ دعاه دعاء يسر٤ به، أو يستره عن الناس وإنما أخفي دعاءه عليه السلام لأنه أدخل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد.. ٥.
﴿ قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ﴾ كان من دعاء زكريا عليه السلام أن تضرع إلى ربه بتذلل وخضوع ؛ [ وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أهون، ووحده، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ]٦ ؛ وانتشر البياض في شعر رأسي ؛ وأورد علماء المعاني أن في الآية لطائف٧ ؛ ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾ كأنما يتوسل عليه السلام إلى ربنا ومولانا بما من عليه من قبل وأنه بفضله يحقق سؤله، ولا يخيب رجاءه ؛ أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كلما دعوتك استجبت لي. ﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ :﴿ الموالي ﴾ القرابة والعصبة وأبناء العم، والعرب تسمي بني العم : موالي ؛ يقول الشاعر٨ :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا. |
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ ينال هذا الولي الذي سألتك أن تمنحنيه ينال مما آتيتني من العلم، وما آتيت أبناء لإسرائيل من النبوة ؛ [ وقوله :﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ صفة لوليا كما هو المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات ؛... وآل الرجل : خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين ؛ و﴿ يعقوب ﴾ على ما روى عن السدي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم... والمراد من الوراثة في الموضعين العلم على ما قيل ]١٠ ؛ وذهب بعض إلى أن ﴿ يرثني ﴾ يراد به يرث مالي ؛ لكن صاحب تفسير القرآن العظيم رد هذا الرأي بما حاصله : النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم ؛ هذا وجه ؛ الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولاسيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا ؛ الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" لا نورث ما تركناه صدقة " ؛ وفي رواية عن الترمذي بإسناد صحيح :" نحن معشر الأنبياء لا نورث " ؛ وعلى هذا فتعين حمل قوله :﴿ فهب لنا من لدنك وليا. يرثني ﴾ على ميراث النبوة، ولهذا قال :﴿ ويرث من آل يعقوب ﴾ كقوله :{ وورث سليمان داود ) أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير الفائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة ما أخبر بها.
﴿ واجعله رب رضيا ﴾ يدعوا أن يكون هذا الذي سيرزقه الله إياه من أهل محبة الله أي : مرضيا عندك قولا وفعلا، وقيل راضيا ؛ والأول أنسب.. وعلى ما قلنا يكون دعا بتوفيقه للعمل، كما أن الأول متضمن للدعاء بتوفيقه للعلم، فكأنه طلب أن يكون ولده عالما عاملا ؛ وقيل : اجعله مرضيا بين عبادك أي متبعا.
٢ نقل القرطبي عن الفراء وعن الزجاج والأخفش؛ كما نقل الألوسي وجوها مختلفة في موقع {ذكر﴾ من الإعراب.
٣ نقل ابن كثير في تفسيره أنه ـ عليه السلام ـ كان يعمل نجارا؛ وأورد حديثا من صحيح البخاري يشهد لذلك ؛ ونقل الألوسي أن موقع ﴿زكريا﴾ من الإعراب في هذه الآية الكريمة بدل من ﴿عبده﴾، أو عطفت بيان له؛ أو نصب بإضمار أعني..
٤ مما جاء في الجامع لأحكام القرآن: وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء.. وهذه الآية نص في ذلك؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا؛...... عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم! "إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" وهذا عام؛ قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعوا الإمام في القنوت ويؤمن خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس: ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾؛ قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت، وجهر به الشافعي، والجهر به أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو جهرا..
٥ ما بين العارضتين مما جاء في روح المعاني؛ ومما ساقه:.. لا منافاة بين النداء وكونه خفيا، بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت، لأن الخفاء غير الخفوت، ومن رفع صوته في مكان ليس بمرأى ولا مسمع من الناس فقد أخفاه..
٦ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
٧ قالوا: أصل الكلام: يا رب قد شخت ـ فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم ترك الإجمال إلى التفصيل، فصار: ضعف بدني، وشاب رأسي، ثم في الأولى عدل من التصريح إلى الكناية، فصار: وهنت عظامي؛ وأما القرينة الأخرى فتركت الحقيقة = فيها إلى الاستعارة التي هي أبلغ، فحصل: اشتعل شيب رأسي، وبيان الاستعارة فيه أنه شب الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وشبه انتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به و أداة التشبيه، فصار: اشتعل شيب رأسي؛ أو يكون استعمل ﴿اشتعل﴾ بدل انتشر، ثم تركت هذه المرتبة إلى أبلغ منها وهي: اشتعل رأسي شيبا؛ وكونها أبلغ من جهات: منها ـ إسناد الاشتعال إلى الرأس، لإفادته شمول الاشتعال الرأس كما لو قيل اشتعل بيته نارا؛ مكان اشتعل النار في بيته... ، ومنها ـ تنكير ﴿شيبا﴾ للتعظيم؛ ثم قالوا هذه الآية كالعلم فيما بين علماء المعاني..
٨ هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب؛ وهو من شعراء بني هاشم في عهد بني أمية..
٩ من الآية ٣٨..
١٠ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ لم أكن بدعائك رب شقيا ﴾ لم أكن لأخيب وأنا أدعوك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ كهيعص { ١ ) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا { ٢ ) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا { ٣ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا { ٤ ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا { ٥ ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا { ٦ ) ﴾
﴿ كهيعص ﴾١ قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ؛ وربما تكون اسما للسورة ؛ أو كباقي فواتح السور، يمكن أن يراد بها التحدي، على معنى : أن الكاف والهاء والياء والعين والصاد حروف تنطقون بها، والقرآن حروفه كتلك التي بها تتكلمون، لكنكم عجزتم وأنتم العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل هذا الفرقان الذي أنزلناه بلسان عربي مبين، فعلم بذلك أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب القوي والقدر. ، وأورد المفسرون أقوالا أخرى ؛ ﴿ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ﴾ لعل المعنى : هذا الذي نوحيه إليك فيه ذكر٢ رحمة مولاك التي نالت عبد الله ونبيه زكريا٣ عليه السلام وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، ومن نسل سليمان عليه السلام ؛ وفي صحيح البخاري أنه كان نجارا يأكل من عمل يده ؛ ﴿ إذ نادى ربه نداء خفيا ﴾ ؛ لكأن المعنى : اذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ دعاه دعاء يسر٤ به، أو يستره عن الناس وإنما أخفي دعاءه عليه السلام لأنه أدخل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد.. ٥.
﴿ قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ﴾ كان من دعاء زكريا عليه السلام أن تضرع إلى ربه بتذلل وخضوع ؛ [ وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أهون، ووحده، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ]٦ ؛ وانتشر البياض في شعر رأسي ؛ وأورد علماء المعاني أن في الآية لطائف٧ ؛ ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾ كأنما يتوسل عليه السلام إلى ربنا ومولانا بما من عليه من قبل وأنه بفضله يحقق سؤله، ولا يخيب رجاءه ؛ أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كلما دعوتك استجبت لي. ﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ :﴿ الموالي ﴾ القرابة والعصبة وأبناء العم، والعرب تسمي بني العم : موالي ؛ يقول الشاعر٨ :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا. |
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ ينال هذا الولي الذي سألتك أن تمنحنيه ينال مما آتيتني من العلم، وما آتيت أبناء لإسرائيل من النبوة ؛ [ وقوله :﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ صفة لوليا كما هو المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات ؛... وآل الرجل : خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين ؛ و﴿ يعقوب ﴾ على ما روى عن السدي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم... والمراد من الوراثة في الموضعين العلم على ما قيل ]١٠ ؛ وذهب بعض إلى أن ﴿ يرثني ﴾ يراد به يرث مالي ؛ لكن صاحب تفسير القرآن العظيم رد هذا الرأي بما حاصله : النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم ؛ هذا وجه ؛ الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولاسيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا ؛ الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" لا نورث ما تركناه صدقة " ؛ وفي رواية عن الترمذي بإسناد صحيح :" نحن معشر الأنبياء لا نورث " ؛ وعلى هذا فتعين حمل قوله :﴿ فهب لنا من لدنك وليا. يرثني ﴾ على ميراث النبوة، ولهذا قال :﴿ ويرث من آل يعقوب ﴾ كقوله :{ وورث سليمان داود ) أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير الفائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة ما أخبر بها.
﴿ واجعله رب رضيا ﴾ يدعوا أن يكون هذا الذي سيرزقه الله إياه من أهل محبة الله أي : مرضيا عندك قولا وفعلا، وقيل راضيا ؛ والأول أنسب.. وعلى ما قلنا يكون دعا بتوفيقه للعمل، كما أن الأول متضمن للدعاء بتوفيقه للعلم، فكأنه طلب أن يكون ولده عالما عاملا ؛ وقيل : اجعله مرضيا بين عبادك أي متبعا.
٢ نقل القرطبي عن الفراء وعن الزجاج والأخفش؛ كما نقل الألوسي وجوها مختلفة في موقع {ذكر﴾ من الإعراب.
٣ نقل ابن كثير في تفسيره أنه ـ عليه السلام ـ كان يعمل نجارا؛ وأورد حديثا من صحيح البخاري يشهد لذلك ؛ ونقل الألوسي أن موقع ﴿زكريا﴾ من الإعراب في هذه الآية الكريمة بدل من ﴿عبده﴾، أو عطفت بيان له؛ أو نصب بإضمار أعني..
٤ مما جاء في الجامع لأحكام القرآن: وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء.. وهذه الآية نص في ذلك؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا؛...... عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم! "إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" وهذا عام؛ قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعوا الإمام في القنوت ويؤمن خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس: ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾؛ قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت، وجهر به الشافعي، والجهر به أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو جهرا..
٥ ما بين العارضتين مما جاء في روح المعاني؛ ومما ساقه:.. لا منافاة بين النداء وكونه خفيا، بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت، لأن الخفاء غير الخفوت، ومن رفع صوته في مكان ليس بمرأى ولا مسمع من الناس فقد أخفاه..
٦ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
٧ قالوا: أصل الكلام: يا رب قد شخت ـ فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم ترك الإجمال إلى التفصيل، فصار: ضعف بدني، وشاب رأسي، ثم في الأولى عدل من التصريح إلى الكناية، فصار: وهنت عظامي؛ وأما القرينة الأخرى فتركت الحقيقة = فيها إلى الاستعارة التي هي أبلغ، فحصل: اشتعل شيب رأسي، وبيان الاستعارة فيه أنه شب الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وشبه انتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به و أداة التشبيه، فصار: اشتعل شيب رأسي؛ أو يكون استعمل ﴿اشتعل﴾ بدل انتشر، ثم تركت هذه المرتبة إلى أبلغ منها وهي: اشتعل رأسي شيبا؛ وكونها أبلغ من جهات: منها ـ إسناد الاشتعال إلى الرأس، لإفادته شمول الاشتعال الرأس كما لو قيل اشتعل بيته نارا؛ مكان اشتعل النار في بيته... ، ومنها ـ تنكير ﴿شيبا﴾ للتعظيم؛ ثم قالوا هذه الآية كالعلم فيما بين علماء المعاني..
٨ هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب؛ وهو من شعراء بني هاشم في عهد بني أمية..
٩ من الآية ٣٨..
١٠ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ فهب لي ﴾ فأعطني تفضلا منك. ﴿ من لدنك ﴾ من عندك. ﴿ وليا ﴾ تابعا ومحبا ومعينا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ كهيعص { ١ ) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا { ٢ ) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا { ٣ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا { ٤ ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا { ٥ ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا { ٦ ) ﴾
﴿ كهيعص ﴾١ قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ؛ وربما تكون اسما للسورة ؛ أو كباقي فواتح السور، يمكن أن يراد بها التحدي، على معنى : أن الكاف والهاء والياء والعين والصاد حروف تنطقون بها، والقرآن حروفه كتلك التي بها تتكلمون، لكنكم عجزتم وأنتم العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل هذا الفرقان الذي أنزلناه بلسان عربي مبين، فعلم بذلك أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب القوي والقدر. ، وأورد المفسرون أقوالا أخرى ؛ ﴿ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ﴾ لعل المعنى : هذا الذي نوحيه إليك فيه ذكر٢ رحمة مولاك التي نالت عبد الله ونبيه زكريا٣ عليه السلام وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، ومن نسل سليمان عليه السلام ؛ وفي صحيح البخاري أنه كان نجارا يأكل من عمل يده ؛ ﴿ إذ نادى ربه نداء خفيا ﴾ ؛ لكأن المعنى : اذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ دعاه دعاء يسر٤ به، أو يستره عن الناس وإنما أخفي دعاءه عليه السلام لأنه أدخل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد.. ٥.
﴿ قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ﴾ كان من دعاء زكريا عليه السلام أن تضرع إلى ربه بتذلل وخضوع ؛ [ وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أهون، ووحده، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ]٦ ؛ وانتشر البياض في شعر رأسي ؛ وأورد علماء المعاني أن في الآية لطائف٧ ؛ ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾ كأنما يتوسل عليه السلام إلى ربنا ومولانا بما من عليه من قبل وأنه بفضله يحقق سؤله، ولا يخيب رجاءه ؛ أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كلما دعوتك استجبت لي. ﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ :﴿ الموالي ﴾ القرابة والعصبة وأبناء العم، والعرب تسمي بني العم : موالي ؛ يقول الشاعر٨ :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا. |
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ ينال هذا الولي الذي سألتك أن تمنحنيه ينال مما آتيتني من العلم، وما آتيت أبناء لإسرائيل من النبوة ؛ [ وقوله :﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ صفة لوليا كما هو المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات ؛... وآل الرجل : خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين ؛ و﴿ يعقوب ﴾ على ما روى عن السدي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم... والمراد من الوراثة في الموضعين العلم على ما قيل ]١٠ ؛ وذهب بعض إلى أن ﴿ يرثني ﴾ يراد به يرث مالي ؛ لكن صاحب تفسير القرآن العظيم رد هذا الرأي بما حاصله : النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم ؛ هذا وجه ؛ الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولاسيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا ؛ الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" لا نورث ما تركناه صدقة " ؛ وفي رواية عن الترمذي بإسناد صحيح :" نحن معشر الأنبياء لا نورث " ؛ وعلى هذا فتعين حمل قوله :﴿ فهب لنا من لدنك وليا. يرثني ﴾ على ميراث النبوة، ولهذا قال :﴿ ويرث من آل يعقوب ﴾ كقوله :{ وورث سليمان داود ) أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير الفائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة ما أخبر بها.
﴿ واجعله رب رضيا ﴾ يدعوا أن يكون هذا الذي سيرزقه الله إياه من أهل محبة الله أي : مرضيا عندك قولا وفعلا، وقيل راضيا ؛ والأول أنسب.. وعلى ما قلنا يكون دعا بتوفيقه للعمل، كما أن الأول متضمن للدعاء بتوفيقه للعلم، فكأنه طلب أن يكون ولده عالما عاملا ؛ وقيل : اجعله مرضيا بين عبادك أي متبعا.
٢ نقل القرطبي عن الفراء وعن الزجاج والأخفش؛ كما نقل الألوسي وجوها مختلفة في موقع {ذكر﴾ من الإعراب.
٣ نقل ابن كثير في تفسيره أنه ـ عليه السلام ـ كان يعمل نجارا؛ وأورد حديثا من صحيح البخاري يشهد لذلك ؛ ونقل الألوسي أن موقع ﴿زكريا﴾ من الإعراب في هذه الآية الكريمة بدل من ﴿عبده﴾، أو عطفت بيان له؛ أو نصب بإضمار أعني..
٤ مما جاء في الجامع لأحكام القرآن: وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء.. وهذه الآية نص في ذلك؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا؛...... عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم! "إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" وهذا عام؛ قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعوا الإمام في القنوت ويؤمن خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس: ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾؛ قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت، وجهر به الشافعي، والجهر به أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو جهرا..
٥ ما بين العارضتين مما جاء في روح المعاني؛ ومما ساقه:.. لا منافاة بين النداء وكونه خفيا، بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت، لأن الخفاء غير الخفوت، ومن رفع صوته في مكان ليس بمرأى ولا مسمع من الناس فقد أخفاه..
٦ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
٧ قالوا: أصل الكلام: يا رب قد شخت ـ فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم ترك الإجمال إلى التفصيل، فصار: ضعف بدني، وشاب رأسي، ثم في الأولى عدل من التصريح إلى الكناية، فصار: وهنت عظامي؛ وأما القرينة الأخرى فتركت الحقيقة = فيها إلى الاستعارة التي هي أبلغ، فحصل: اشتعل شيب رأسي، وبيان الاستعارة فيه أنه شب الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وشبه انتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به و أداة التشبيه، فصار: اشتعل شيب رأسي؛ أو يكون استعمل ﴿اشتعل﴾ بدل انتشر، ثم تركت هذه المرتبة إلى أبلغ منها وهي: اشتعل رأسي شيبا؛ وكونها أبلغ من جهات: منها ـ إسناد الاشتعال إلى الرأس، لإفادته شمول الاشتعال الرأس كما لو قيل اشتعل بيته نارا؛ مكان اشتعل النار في بيته... ، ومنها ـ تنكير ﴿شيبا﴾ للتعظيم؛ ثم قالوا هذه الآية كالعلم فيما بين علماء المعاني..
٨ هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب؛ وهو من شعراء بني هاشم في عهد بني أمية..
٩ من الآية ٣٨..
١٠ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ كهيعص { ١ ) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا { ٢ ) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا { ٣ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا { ٤ ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا { ٥ ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا { ٦ ) ﴾
﴿ كهيعص ﴾١ قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ؛ وربما تكون اسما للسورة ؛ أو كباقي فواتح السور، يمكن أن يراد بها التحدي، على معنى : أن الكاف والهاء والياء والعين والصاد حروف تنطقون بها، والقرآن حروفه كتلك التي بها تتكلمون، لكنكم عجزتم وأنتم العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل هذا الفرقان الذي أنزلناه بلسان عربي مبين، فعلم بذلك أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب القوي والقدر. ، وأورد المفسرون أقوالا أخرى ؛ ﴿ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ﴾ لعل المعنى : هذا الذي نوحيه إليك فيه ذكر٢ رحمة مولاك التي نالت عبد الله ونبيه زكريا٣ عليه السلام وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، ومن نسل سليمان عليه السلام ؛ وفي صحيح البخاري أنه كان نجارا يأكل من عمل يده ؛ ﴿ إذ نادى ربه نداء خفيا ﴾ ؛ لكأن المعنى : اذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ دعاه دعاء يسر٤ به، أو يستره عن الناس وإنما أخفي دعاءه عليه السلام لأنه أدخل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد.. ٥.
﴿ قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ﴾ كان من دعاء زكريا عليه السلام أن تضرع إلى ربه بتذلل وخضوع ؛ [ وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ؛ ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أهون، ووحده، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ]٦ ؛ وانتشر البياض في شعر رأسي ؛ وأورد علماء المعاني أن في الآية لطائف٧ ؛ ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾ كأنما يتوسل عليه السلام إلى ربنا ومولانا بما من عليه من قبل وأنه بفضله يحقق سؤله، ولا يخيب رجاءه ؛ أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل، بل كلما دعوتك استجبت لي. ﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ :﴿ الموالي ﴾ القرابة والعصبة وأبناء العم، والعرب تسمي بني العم : موالي ؛ يقول الشاعر٨ :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا. |
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ ينال هذا الولي الذي سألتك أن تمنحنيه ينال مما آتيتني من العلم، وما آتيت أبناء لإسرائيل من النبوة ؛ [ وقوله :﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾ صفة لوليا كما هو المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات ؛... وآل الرجل : خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين ؛ و﴿ يعقوب ﴾ على ما روى عن السدي هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم... والمراد من الوراثة في الموضعين العلم على ما قيل ]١٠ ؛ وذهب بعض إلى أن ﴿ يرثني ﴾ يراد به يرث مالي ؛ لكن صاحب تفسير القرآن العظيم رد هذا الرأي بما حاصله : النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم ؛ هذا وجه ؛ الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالا ولاسيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا ؛ الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" لا نورث ما تركناه صدقة " ؛ وفي رواية عن الترمذي بإسناد صحيح :" نحن معشر الأنبياء لا نورث " ؛ وعلى هذا فتعين حمل قوله :﴿ فهب لنا من لدنك وليا. يرثني ﴾ على ميراث النبوة، ولهذا قال :﴿ ويرث من آل يعقوب ﴾ كقوله :{ وورث سليمان داود ) أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير الفائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة ما أخبر بها.
﴿ واجعله رب رضيا ﴾ يدعوا أن يكون هذا الذي سيرزقه الله إياه من أهل محبة الله أي : مرضيا عندك قولا وفعلا، وقيل راضيا ؛ والأول أنسب.. وعلى ما قلنا يكون دعا بتوفيقه للعمل، كما أن الأول متضمن للدعاء بتوفيقه للعلم، فكأنه طلب أن يكون ولده عالما عاملا ؛ وقيل : اجعله مرضيا بين عبادك أي متبعا.
٢ نقل القرطبي عن الفراء وعن الزجاج والأخفش؛ كما نقل الألوسي وجوها مختلفة في موقع {ذكر﴾ من الإعراب.
٣ نقل ابن كثير في تفسيره أنه ـ عليه السلام ـ كان يعمل نجارا؛ وأورد حديثا من صحيح البخاري يشهد لذلك ؛ ونقل الألوسي أن موقع ﴿زكريا﴾ من الإعراب في هذه الآية الكريمة بدل من ﴿عبده﴾، أو عطفت بيان له؛ أو نصب بإضمار أعني..
٤ مما جاء في الجامع لأحكام القرآن: وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء.. وهذه الآية نص في ذلك؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا؛...... عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم! "إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" وهذا عام؛ قال يونس بن عبيد: كان الحسن يرى أن يدعوا الإمام في القنوت ويؤمن خلفه من غير رفع صوت، وتلا يونس: ﴿إذ نادى ربه نداء خفيا﴾؛ قال ابن العربي: وقد أسر مالك القنوت، وجهر به الشافعي، والجهر به أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو جهرا..
٥ ما بين العارضتين مما جاء في روح المعاني؛ ومما ساقه:.. لا منافاة بين النداء وكونه خفيا، بل لا منافاة بينهما أيضا إذا فسر النداء برفع الصوت، لأن الخفاء غير الخفوت، ومن رفع صوته في مكان ليس بمرأى ولا مسمع من الناس فقد أخفاه..
٦ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
٧ قالوا: أصل الكلام: يا رب قد شخت ـ فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم ترك الإجمال إلى التفصيل، فصار: ضعف بدني، وشاب رأسي، ثم في الأولى عدل من التصريح إلى الكناية، فصار: وهنت عظامي؛ وأما القرينة الأخرى فتركت الحقيقة = فيها إلى الاستعارة التي هي أبلغ، فحصل: اشتعل شيب رأسي، وبيان الاستعارة فيه أنه شب الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وشبه انتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به و أداة التشبيه، فصار: اشتعل شيب رأسي؛ أو يكون استعمل ﴿اشتعل﴾ بدل انتشر، ثم تركت هذه المرتبة إلى أبلغ منها وهي: اشتعل رأسي شيبا؛ وكونها أبلغ من جهات: منها ـ إسناد الاشتعال إلى الرأس، لإفادته شمول الاشتعال الرأس كما لو قيل اشتعل بيته نارا؛ مكان اشتعل النار في بيته... ، ومنها ـ تنكير ﴿شيبا﴾ للتعظيم؛ ثم قالوا هذه الآية كالعلم فيما بين علماء المعاني..
٨ هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب؛ وهو من شعراء بني هاشم في عهد بني أمية..
٩ من الآية ٣٨..
١٠ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ نبشرك ﴾ نخبرك الخبر الذي يسرك وتنبسط به بشرة وجهك. ﴿ غلام ﴾ ولد ذكر. ﴿ سميا ﴾ شريكا في الاسم، أو مساويا في الدرجة.
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
﴿ الحكم ﴾ الحكمة ونفاذ البصيرة. ﴿ صبيا ﴾ قبل بلوغه.
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
مما نقل صاحب روح المعاني :﴿ يا زكريا ﴾ على إرادة القول.. أي :.. قال الله تعالى :... لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك..... وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى :﴿ فاستجبنا له ) الآية، لأنه تعقيب عرفي، كما في : تزوج فولد له ؛... وفي تعيين اسمه.. تأكيد للوعد وتشريف... وفي تخصيصه به.... مزيد من تشريف وتفخيم له عليه السلام. ا هـ. [ ومنّ عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين ؛.. { سميا ﴾ معناه : مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى :﴿ هل تعلم له سميا ﴾ معناه مثلا ونظيرا ؛ وهذا كأنه من المساماة والسمو ؛ وهذا فيه بعد ؛ لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى ؛ اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد٣ والحصر... ]٤.
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾ يتعجب عليه السلام ويسأل عن الكيفية التي سيأتي بها الولد من أم٥ لم تلد من أول عمرها، فكيف إذا صارت عجوزا ؛ ومن أب عسا عظمه وتيبس ؟ !. - قال زكريا لما بشره الله بيحيى : رب... من أي وجه يكون لي ذلك وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ؟ ! أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودا، فإنك القادر على ذلك و على ما تشاء ؟ ! أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ؟ ! يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره الله به، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ! وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره ؟ !٦.
﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾ قال الملك الذي جاء بالوحي إلى زكريا مجيبا على استخباره : الأمر كما ذكرت من أنك صرت بسبب الكبر ناحل القوة، وأن امرأتك ليست ولودا ؛ ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به فعل هين علي ليس عسيرا ـ وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلقك، فإني قد خلقتك فأنشأتك بشرا سويا، من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئا، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك، ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك-٧.
﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ ؛ سأل ربه أن يسوق له علامة على تحقق البشرى ليطمئن إلى ذلك قلبه ؛ قال الزجاج : وكان هذا السؤال لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه، وهو أمر خفي لا يوقف عليه، لاسيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها، وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها، ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا. ا هـ.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ﴾ قال الله تعالى له ـ محققا ما طلبه ـ العلامة التي سألتنيها هي عجزك عن تكليم الناس، مع قدرتك على ترديد كلامي وذكري ؛ ﴿ ثلاث ليال ﴾ [ مع أيامهن، للتصريح بالأيام في سورة آل عمران.. والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر... ؛ ﴿ سويا ﴾ حال.. مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة، لا لاعتقال اللسان بمرض ]٨.
﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ فحين حبس لسان زكريا عن القدرة على مكالمة البشر علم أن هذه هي العلامة التي وعد، فخرج من مصلاه على جمع كانوا خارجا فأشار إليهم أن نزهوا الله تعالى واذكروه كثيرا، وقدسوه أول النهار وآخره ؛ مما نقل عن صاحب التحرير والتحبير : إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة، أو غريب حكمة، يقول : سبحان الله تعالى.. فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك، فسبح وأمر بالتسبيح. ا هـ ؛ وعن قتادة : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا.
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾ ههنا إضمار، ولعل التقدير : فلما ولد له، وبلغ المولود سنا يؤمر مثله فيه، قلنا له : يا يحيى خذ التوراة بجد وعزيمة في قراءتها والعمل بها، وقد أعطيناه الحكمة ونفاذ البصيرة، ورجاحة العقل منذ صباه.
﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾ وأعطيناه رحمة وعطفا وحبا، يتراحم مع الخلق ويتعاطف، ويوادّهم ويوادّونه ؛ وطهرا من الدنس والآثام، وعملا على مرضاة الملك العلام ؛ يقول بعضهم : التقدير : وآتيناه الحكم وحنانا، وجعلناه ذا حنان وزكاة.
﴿ وبرا بوالديه ﴾ أي : وكان كثير البر بوالديه والإحسان إليهما ؛ ﴿ ولم يكن جبارا ﴾ لم يكن متعاليا عن قبول الحق، ولا متطاولا على الخلق ؛ وعن ابن عباس : أنه الذي يقتل ويضرب عن الغضب ؛ وقال الراغب : هو في صفة الإنسان، يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها ﴿ عصيا ﴾ مخالفا أمر مولاه عز وجل، فذلك هو العصي، أو : هو العاق لوالديه ؛ وقد حما الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام من كل تلك المساوئ.
﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ﴾ بشرى من الحق تبارك اسمه لعبد الله ورسوله يحيى، أن مولاه أمّنه منذ ولد، فلا يمسه شيطان، وأمّنه يوم موته فلا يستوحش لفراق الدنيا، ولا يذوق عذاب القبر، وأمّنه يوم البعث من الأهوال والعذاب والخزي والنكال ؛ ـ وجيء، بالحال للتأكيد، وقيل : للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني ـ٩
﴿ انتبذت ﴾ اعتزلت، وتنحت، واطرحت.
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ أمر من الله تعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم أن اذكر في الكتاب الذي أوحيته إليك ـ وهو القرآن ـ نبأ مريم ؛ وقال بعض المحققين : ليس المراد كل الكتاب، وإنما هذه السورة منه ؛ ـ وهي مريم بنت عمران، من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران، وأنها نذرتها محررة، أي تخدم مسجد بيت المقدس، وكانوا يتقربون بذلك ؛ ﴿ فتقبلها ربها بقبول حين وأنبتها نباتا حسنا.. )٥ ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات، المشهورات بالعبادة العظيمة، والتبتل الدؤوب ؛ وكانت في كفالة زوج أختها زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ﴿.. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاق بغير حساب )٦ ـ فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف، وثمر الصيف في الشتاء... فلما أراد الله تعالى ـ وله الحكمة والحجة البالغةـ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام { انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ﴾، أي اعتزلتهم، وتنحت عنهم، وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس...... ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا ﴾ أي استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ـ٧ : وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة، ويسمى روح القدس لأنه يحمل الوحي المقدس من الله سبحانه إلى رسله عليهم السلام ؛ فتصور لها الملك جبريل بصورة بشر إنسان سوي الخلقة ؛ [ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته ؛ ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء ]٨ ؛ فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ أي : إن كنت ممن يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك ؛ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ فأجابها الملك عليه السلام مزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها :- لست مما تظنين، ولكني رسول ربك.. بعثني الله إليك ـ ٩ لأكون سببا في أن يهبك غلاما طاهرا ؛ ولقد جاءت البشرى إليها مفصلة في آيات أخر :﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين )١٠. { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾ فتعجبت مريم إذ بشرت بأنها ستلد، واستخبرت كيف يأتيها هذا الغلام وترزقه ؟ أمن زوج تتزوجه فيما بعد ؟ أم يبدئ الله خلقه فيها ؟ ! ؛ ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا، لكنها تسأل، والحال أنها لم تتزوج فما مسها مستمتعا بها آدمي، وليست من البغايا الزواني حاشا ! [ وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام ]١١. [ قال كذلك قال ربك هو علي هين ﴾ ؛ قال الملك قال ربك :﴿ كذلك ﴾ خلقه دون أن يكون لك بعل ليس بالأمر العسير علينا ؛ ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ علامة ودلالة على قدرتنا أن نخلق مولودا دون أب ؛ ﴿ رحمة منا ﴾ إذ هو مبعوث الحق إلى الخلق، فمن تبع دعوته دخل في رحمة مولاه ؛ وكان ذلك أمرا مقدرا وواقعا لابد منه ؛ وفي آيات كريمة جاء البيان مفصلا :{ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية إن كنتم مؤمنين )١٢
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ﴾ ؛ فاستسلمت مريم لأمر الله العلي الكبير، واعتزلت وهو في بطنها وابتعدت إلى مكان ناء ـ قيل هو وادي بيت لحم١٣، بينه وبين إيلياء أربعة أميال١٤ـ وصحح القرطبي عن ابن عباس ما يفيد أن الحمل، والانتباذ، والطلق وآلام الوضع، تعاقبت دون طويل فاصل ؛ ولعل مما يستشهد به لهذا الرأي أن الآيات جاءت تعطف بالفاء -وهي للترتيب باتصال ـ :﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض.. ﴾ اضطرها وجع الولادة والطلق الذي يشتد ليحرك الجنين إلى خارج الرحم ـ اضطرها هذا إلى الالتجاء إلى ساق نخلة، ربما لتستند إليه وتتعلق به حين تلد ؛ ﴿ قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ قالوا : تمنت مريم عليها السلام الموت إما لأنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير، فيفتنها ذلك، وإما لخوف أن يقع بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك ؛وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ؛ ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾ شيئا شأنه أن ينسى، ولا يخطر ببال أحد.
﴿ فناداها من تحتها ﴾ لما حضرها ألم الوضع، وشدة الحزن، وتمنت الموت خوف الفتنة ناداها جبريل١٥عليه السلام من مكان أسفل من الذي آوت إليه واستندت إلى النخلة فيه :﴿ ألا تحزني ﴾ وكان نداؤه إياها : أن طيبي نفسا، واتركي عنك الحزن، ﴿ قد جعل ربك تحتك سريا ﴾ قد يسر الله لك ورود الماء، ففي هذا المنخفض يجري جدول ونهر بماء عذب، فكفيت السقيا والطهور.
﴿ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ﴾ وادفعي النخلة وحركي ساقها ولو بأدنى حركة تميل نحوك ويتحدر منها الرطب الشهي النافع الذي اكتمل نضجه.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا ﴾ رعاك المولى، وأمدك بالطعام والماء ـ وبهما قيام الحياة ـ فاقتاتي وانشرحي صدرا ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ ؛ وأما أمر الناس فلا عليك منهم، فكفّي عن مكالمتهم، ومن سألك فأشيري إليه أنك أوجبت على نفسك الصمت تقربا إلى البر الرحيم، وسيجيب عنك الروح القدس، ووحي الله العظيم
﴿ فريا ﴾ عظيما عجيبا ؛ والفرى : القطع، والجديد من الأسقية ؛ والمفتري : المختلق المفتعل.
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
-لما اطمأنت إلى أن الله تعالى سيدفع عنها وعن ولدها حملته ثم أقبلت يصاحبها وليدها ؛ والباء في ﴿ به ﴾ للمصاحبة ؛ يقول ابن جرير ما حاصله : لما قال عيسى لأمه ما قال اطمأنت نفسها، وسلمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها. ا هـ ﴿ قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ ؛ لما رأوها ومعها الصبي حزنوا وأنكروا عليها أن تجيء بطفل وليست بذات زوج ؛ فمن كان منهم يقول ذلك متعجبا فهو يعني بالفري الأمر الجديد القاطع للعادة ؛ والمتطاولون يريدون التعيير والذم، ويقصدون بالافتراء الزنى، إذ ولد الزنى كالشيء المفترى ؛ قال الله تعالى :{.. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. )١ : أي بولد يقصد إلحاقه بمن ليس منه.
مما أورد النيسابوري : ويحتمل أن يراد أنه أمر منكر خارج عن طريق العفة والصلاح فيكون توبيخا، ويؤكده قوله :﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ﴾ اهـ. نقل عن السدي ووهب بن منبه قولهما : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها، فأجف الله شطرها، فحملت كذلك ؛ وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون، فقالوا :﴿.. يا مريم لقد جئت شيئا فريا ﴾ أي عظيما ؛ ـ واختلف الناس في معنى الأخوة ومن هارون ؟ فقيل : هو هارون أخو موسى، والمراد : من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا ؟ !.. كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ؛ كما يقال للتميمي : يا أخا تميم... ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" إن أخا صداء٢ قد أذن فمن أذن فهو يقيم " ـ٣ ؛ وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله سألته عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :" إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم " ؛ وعلى هذا فقد يكون في زمن مريم من تسمى بهذا الاسم، بل نقل عن الكلبي٤ : هو أخ لها من أبيها.
﴿ فأشارت إليه ﴾ التزمت مريم عليها السلام ما وصاها به المولى سبحانه، فلم تكلم أحدا ؛ وأشارت إليه أن كلموه ؛ ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ﴿ إني نذرت للرحمن صوما ﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها بـ﴿ قولي ﴾ إنما أريد به الإشارة ؛ ويروى أنها لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا على جهة التقرير :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾ ؛ فكأن المعنى : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ! ! و ﴿ كان ﴾ في هذه الآية الكريمة قد تعني التمام فليست تحتاج إلى خبر ؛ كالتي في قول الله تعالى :{.. هل كنت إلا بشرا رسولا )٥ ؛ أي : هل أنا إلا بشر رسول ؟ ! وهل وجدت وبعثت إلا وأنا بشر رسول ؟ ! والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء، كقوله تعالى :{ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار.. )٦ ؛ أي : إن شاء يجعل.
﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾ تكلم عيسى عليه السلام بمنهاج صدق اليقين، واستقامة الشرعة، فبدأ بالإقرار بالعبودية، وتمجيد وتوحيد مقام الألوهية، وبشر بما سيمنحه مولاه من الحكمة والنبوة، ومن الخير الكثير ومداومة العبادة، والبر وحسن الخلق، والأمان يفيضه عليه حين يولد، وحين يموت، وحين يبعث، ومن أمنه الله تعالى في هذه المواطن فلا يخاف ولا يحزن ؛ ـ وفيه رد على من يزعم ربوبيته، وفي جميع ما قال تنبيه على براءة أمه لدلالته على الاصطفاء، والله سبحانه أجل من أن يصطفي ولد الزنا، وذلك من المسلمات عندهم، وفيه من إحلال أمه عليهما السلام ما ليس في التصريح، وقيل لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بما ذكر إلا مبرأة مصطفاة ؛ واختلف في أنه بعد أن تكلم بما ذكر هل بقي يتكلم كعادة الرجال، أو لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ؟ ؛ وعده عليه السلام في عداد الذين تكلموا في المهد ثم لم يتكلموا إلى وقت العادة ظاهر في الثاني ـ٧. [ وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين : إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت، مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه، وأيضا اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته ؛ وأجاب المسلمون من حيث العقل أنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها، ولعل حاضري كلامه قليلون فلذلك لم يبلغ مبلغ التواتر، ولعل اليهود لم يحضروا هناك فلذلك لم يشتغلوا وقتئذ بدفعه ؛ والله أعلم ]٨.
عن عكرمة في قول الله :﴿.. إني عبد الله آتاني الكتاب.. ﴾ قال : قضى أن يؤتيني الكتاب ؛ وعن مجاهد : قوله :﴿ وجعلني مباركا أينما كنت.. ﴾ قال : معلما للخير حيثما كنت ؛ وعن بعض أهل العلم قال : لا تجد عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، ثم قرأ :﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾ قال : ولا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ :{.. وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )٩ ؛ مما يقول علماء الأحكام ؛ ودلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو مما يثبت حكمه، ولم ينسخ في شريعة أمره
﴿ يمترون ﴾ يتجادلون ويشكون.
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
مما أورد الطبري : فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة٣، وأنه كان ساحرا كذابا، ولا ما قالته النصارى من أنه كان لله ولدا ؛ وإن الله لم يتخذ ولدا ولا ينبغي ذلك له،... لقد كفرت٤ الذين قالوا إن عيسى ابن الله وأعظموا الفرية عليه، فما ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه خلقه،... قال له ﴿ كن فيكون ﴾ لأنه كذلك يبتدع الأشياء ويخترعها، إنما يقول إذا قضى خلق شيء أو إنشاءه كن فيكون موجودا حادثا لا يعظم عليه خلقه، لأنه لا يخلقه بمعاناة وكلفة، ولا ينشئه بمعالجة وشدة اهـ.
﴿ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾ [ أي : ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم، وأمرهم بعبادته سبحانه... هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى ]٥.
قال الواحدي وغيره :﴿ وإن الله ربي وربكم ﴾ الآية عطف على قوله :﴿ إني عبد الله ﴾، فهو من تمام قول عيسى عليه السلام تقريرا لمعنى العبودية ؛ والآيتان معترضتان ؛ وأبو جعفر وابن كثير وغيرهما يرون هذا، فيكون الخطاب في الآيتين :[ قل ] أمرا لخاتم النبيين بالتبليغ ؛ ويكون الخطاب فيهما لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة. ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ عن قتادة : قوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ ذكر لنا أنه لما رفع ابن مريم انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم، فقالوا للأول : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض فخلق ما خلق وأحيا ما أحيا ثم صعد إلى السماء ؛ فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ؛ وقال الثلاثة الآخرون : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثاني : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو ابن الله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ؛ وقال الاثنان الآخران : نشهد أنك كاذب ؛ فقالوا للثالث : ما تقول في عيسى ؟ قال : هو إله، وأمه إله، والله إله، فتابعه على ذلك ناس من الناس فكانت الإسرائيلية من النصارى ؛ فقال الرابع : أشهد أنك كاذب، ولكنه عبد الله ورسوله، هو كلمة الله وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم : أنشدكم الله ما تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ؟ وأن الله تبارك وتعالى لا يطعم الطعام ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : هل تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا : اللهم نعم ! فخصمهم المسلم، قال : فاقتتل القوم، قال : فذكر لنا اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون، فأنزل الله في ذلك القرآن :﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم )٦،... { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ شهدوا هولا إذا عظيما. اهـ.
وقوله :﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم ﴾ أي : اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله، وأنه عبده ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله، على أنه ولد زنية، وقالوا : كلامه هذا سحر ؛ وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ؛ وقال آخرون : بل هو ابن الله ؛ وقال آخرون : ثالث ثلاثة ؛ وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ؛ وقد روى نحو هذا عن ابن جريج.. وغير واحد من السلف والخلف، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن [ قسطنطين ] جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم، اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك، وكان فيلسوفا، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة و الروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه يقارب اثني عشر ألف كنيسة، وقوله :﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى، وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم الله إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما إنه لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم.. " ؛ جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾ تعس من عمى عن نور الهدى، وأصم أذنه عن سماع الحق، وضل سعيه في الحياة الدنيا، واختار طريق الخسران التي تنزل بسالكها إلى أسفل من درك الحيوان ؛ ولقد بين القرآن حالهم بالقول الحكيم :{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )٧، لكن حين يشهدون أهوال الآخرة يقرون بأن حجب الغفلة قد زالت {.. ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )٨ ؛ وهيهات أن يرجعوا ؛ وهكذا يغلق الشقي عينه ويصم أذنه هنا في هذه العاجلة، فإذا حشر لملاقاة جزائه فتح عينه على الرشد الذي تنكب طريقه ؛ { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )٩.
﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ حذر الناس يا محمد، وليحذر كل من يأتي منه التحذير، أهوال يوم الخلود، فالذين شقوا في النار خالدين فيها، وأكثر ما يورد الناس السعير الغفلة عن العاقبة والمصير ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح١٠ فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ـ قال ـ ثم يقال يأهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت-قال- فيؤمر به فيذبح ثم يقال ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾ " أخرجه البخاري١١ بمعناه عن ابن عمر. ﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ﴾ نتوفى الأرض ومن عليها، ولا يبقى أحد له ملك أو ملك إلا الله جل علاه، ويرد المكلفون إلينا لنحاسبهم ونجازيهم
﴿ صديقا ﴾ ملازم الصدق.
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ﴾، يقول بعض علماء اللغة :﴿ يأبت ﴾ أصلها : يا أبي، فعوضت التاء من ياء الإضافة، ولذلك لا يجمع بينهما ـ إلا شذوذا ـ أعاد إبراهيم عليه السلام النداء على أبيه يدعوه إلى الرشد، ونبذ الغواية والشرك، واختار صلوات الله عليه سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، فلم يشنع على أبيه هنا بالجهل والضلال المبين، ولكنه دعاه إلى اتباع من يعرف الطريق الموصلة إلى النجاة وإن كان أحدث سنا ممن حار في مسعاه ـ يقول : وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك، لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت، ولا اطلعت عليه ولا جاءك.. ـ٧.
﴿ يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ﴾ وإنما نهى أباه عن عبادة إبليس مع أنه عابد أوثان لأن إبليس هو الذي دعا إلى عبادتها، وزين للناس المفتونين الوثنيين العكوف على تقديسها وتأليهها ؛ ومن يطع الشيطان فقد غوى وضل ضلالا بعيدا ؛ {.. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )٨ ؛ والعصي : الممعن في الكفر والفسوق، المخالف المعاند، المستكبر عن طاعة لربه.
﴿ يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ﴾ قال الراغب : الخوف : توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف ؛ فإن قيل : كيف تكون العاقبة مما يتردد فيه بين الظن والعلم، مع أنه تحذير من سوء عاقبة اتخاذ الأوثان أربابا ؛ قيل : لعل في اختياره مجاملة ؛ وإلا فقد جاء في آية كريمة أخرى :﴿... أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين )٩ ؛ وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن جازما بموت أبيه على الكفر، وإلا لم يشتغل بنصحه :[ وذكروا في الولي وجوها : منها ـ أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار، والمعية سبب الولاية ؛ أو مسببها غالبا..... ومنها أن الولي بمعنى التالي والتابع.... ثم إن الشيخ قابل ملاطفات إبراهيم بالفظاظة والغلظة قائلا :{ أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ﴾ ]١٠ ؛ لم يخاطبه بما يتناسب مع نداء التكريم الذي نودي به :﴿ يأبت ﴾، بل عجب من دعوته، وأنكر عليه الميل والإعراض والصد عن آلهة أبيه وقومه، ولم يقل يا بني ؛ ﴿ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾ لئن لم تكف عن عيب آلهتنا لأقتلنك رميا، فاحذرني، ولا أرينك، بل فارقني مدة وزمنا.
﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ؛ فلكأن إبراهيم عليه السلام عد هذا القول من أبيه طلبا للإمهال، وفي حكم الوعد بأن ينخلع من ذاك الضلال، فقال عليه السلام ما قال ؛ وربما يشهد لذلك قول ربنا ذي الجلال :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )١١ ؛ { سلام عليك ﴾.. ـ فلا ينالك مني مكروه ولا أذى.. وذلك لحرمة الأبوة ؛ ﴿ سأستغفر لك ربي ﴾ ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ؛ ﴿ إنه كان بي حفيا ﴾ـ١٢، قال قتادة ومجاهد : عوده الإجابة ؛ ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعائي ربي شقيا ﴾ سأجتنبكم، وأهجركم أنتم وأصنامكم، وأتبرأ من شرككم، وأعبد ربي وحده، وأتضرع إليه دون سواه، وأطمع أن أفلح بدعاء مولاي البر الرحيم ؛ وفيه تعريض بشقوة الوثنيين، الذين يدعون ما لا يملك لهم من السماوات والأرض شيئا، ولا يملك لنفسه حياة ولا موتا، ولا يدفع عن نفسه ولا عن غيره ضرا ؛ ومما نقل الألوسي ـ رحمه الله ـ : وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا، أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء، وهو قوله :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين )١٣ ؛ وقيل : لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله :{ رب هب لي من الصالحين )١٤ ؛ ونقل غيره : قال العلماء : ما خسر على الله أحد، فإن إبراهيم لما ترك أباه الكافر وقومه فرارا بدينه، عوضه الله أولادا مؤمنين أنبياء، وذلك قوله :{ ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا. ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾ ؛ والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام، لقوله تعالى :{ فبشرناه بغلام حليم )١٥ ؛ إثر دعائه بقوله :{ رب هب لي من الصالحين ) ؛ وكان من هاجر، فغارت سارة، فحملت بإسحاق، ولما تزوج إسحاق ولد له يعقوب ؛ فهو ابن ابن إبراهيم وكلهم من أنبياء الله - عليهم الصلوات والتسليم ـ وأعطاهم الله تعالى فيضا من رحمته، وجعل لهم الثناء الحسن الجميل الذي يكرمون به في الدنيا والآخرة.
[ تبرأ إبراهيم من أبيه ابتغاء مرضاة الله فسماه الله أبا المؤمنين :{.. ملة أبيكم إبراهيم.. )١٦ ؛ وتل ولده للجبين، ففداه الله بذبح عظيم ؛ وأسلم نفسه لله رب العالمين فجعل النار عليه بردا وسلاما ؛ وأشفق على هذه الأمة فقال :{... وابعث فيهم رسولا.. )١٧ ؛ فأشركه الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ؛ ووفى في حق سارة كما قال تعالى :{ وإبراهيم الذي وفى )١٨، فجعل موطئ قدميه مباركا :{... واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.. )١٩ ؛ وعادى كل الخلق في الله حين قال :{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )٢٠، فلا جرم اتخذه الله خليلا ]٢١
﴿ الكتاب ﴾ القرآن. ﴿ مخلصا ﴾ مختارا مصطفى.
واتل على الناس مما أوحى إليك من القرآن نبأ إسماعيل بن إبراهيم١ عليهما السلام وهو والد عرب الحجاز كلهم.. قال ابن جرير : لم يعد ربه عدة إلا أنجزها، يعني ما التزم عبادة قط.. إلا قام بها، ووفاها حقها.. فصدق الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خلفه من الصفات الذميمة ١، قال الله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون )٢ ؛ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " ؛ وفي الصحيح يثني صلوات الله عليه على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب، فيقول : " حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي " ؛ { إنه كان رسولا نبيا ﴾ في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحق لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة، وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل " وذكر تمام الحديث... كان صابرا على طاعة ربه عز وجل، آمرا بها لأهله٣، كما قال تعالى لرسوله :{ وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.. )٤٥ ؛ مما أورد المفسرون : كل الأنبياء إذا وعدوا صدقوا، وخص إسماعيل بالذكر تشريفا له، والله أعلم.
٢ سورة الصف. الآية ٢..
٣ أخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء"..
٤ سورة طه. من الآية ١٣٢..
٥ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
واتل على الناس مما أوحى إليك من القرآن نبأ إسماعيل بن إبراهيم١ عليهما السلام وهو والد عرب الحجاز كلهم.. قال ابن جرير : لم يعد ربه عدة إلا أنجزها، يعني ما التزم عبادة قط.. إلا قام بها، ووفاها حقها.. فصدق الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خلفه من الصفات الذميمة ١، قال الله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون )٢ ؛ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال :" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " ؛ وفي الصحيح يثني صلوات الله عليه على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب، فيقول :" حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي " ؛ { إنه كان رسولا نبيا ﴾ في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحق لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة، وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل " وذكر تمام الحديث... كان صابرا على طاعة ربه عز وجل، آمرا بها لأهله٣، كما قال تعالى لرسوله :{ وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.. )٤٥ ؛ مما أورد المفسرون : كل الأنبياء إذا وعدوا صدقوا، وخص إسماعيل بالذكر تشريفا له، والله أعلم.
٢ سورة الصف. الآية ٢..
٣ أخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء"..
٤ سورة طه. من الآية ١٣٢..
٥ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
أمر خاتم النبيين محمد عليه الصلوات والتسليم أن يبلغنا في القرآن من أنباء إدريس عليه السلام، وقد أثنى الله تعالى عليه بأنه من الأنبياء المصدقين بكل ما أنزل الله من وحي، وبكل من أرسل من رسول ؛ ورفعه المولى سبحانه مكانا عليا ؛ مما أخرج مسلم وغيره عن مالك بن صعصعة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لما عرج بي إلى السماء أتيت إدريس١ في السماء الرابعة " ؛ قال مجاهد في قوله جل ثناؤه :﴿ ورفعناه مكانا عليا ﴾ قال : إدريس رفع و لم يمت كما رفع عيسى ؛ وقال الحسن :﴿ مكانا عليا ﴾ الجنة.
أمر خاتم النبيين محمد عليه الصلوات والتسليم أن يبلغنا في القرآن من أنباء إدريس عليه السلام، وقد أثنى الله تعالى عليه بأنه من الأنبياء المصدقين بكل ما أنزل الله من وحي، وبكل من أرسل من رسول ؛ ورفعه المولى سبحانه مكانا عليا ؛ مما أخرج مسلم وغيره عن مالك بن صعصعة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لما عرج بي إلى السماء أتيت إدريس١ في السماء الرابعة " ؛ قال مجاهد في قوله جل ثناؤه :﴿ ورفعناه مكانا عليا ﴾ قال : إدريس رفع و لم يمت كما رفع عيسى ؛ وقال الحسن :﴿ مكانا عليا ﴾ الجنة.
﴿ اجتبينا ﴾ اخترنا واصطفينا. ﴿ بكيا ﴾ باكين.
قص الله تعالى علينا من أنباء زكريا ويحيى وعيسى، ومن نبأ إبراهيم وموسى وهارون، وإسماعيل وإدريس صلوات الله عليهم، ثم أشار إليهم وذكرهم قريب بما يشار إليه بالبعيد ﴿ أولئك ﴾ ربما للتنبيه على بعد درجاتهم، وارتفاع قدرهم ؛ وربما يراد الإشارة إلى جميع النبيين سلام ربنا عليهم أجمعين [ وليس المراد المذكورين في هذه السورة فقط، بل جنس الأنبياء عليهم السلام، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس... قال السدي وابن جرير : فالذي عني به ﴿ من ذرية آدم ﴾ : إدريس ؛ والذي عني به من ذرية من حملنا مع نوح : إبراهيم ؛ والذي عني به ﴿ من ذرية إبراهيم ﴾ : إسحق ويعقوب وإسماعيل ؛ والذي عني به من ذرية إسرائيل : موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم ؛ قال ابن جرير : ولذلك فرق أنسابهم، وإن كان يجمع جميعهم آدم.. ﴿ إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ﴾ ؛ أي إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا.. ]١ ؛ ولعل المراد ب﴿ آيات الرحمن ﴾ ما خصهم الله تعالى به من الكتب المنزلة، لأن القرآن حينئذ لم يكن منزلا.
﴿ خلف ﴾ عقب سوء ؛ وخلف : عقب وأولاد صالحون.
﴿ غيا ﴾ غواية، أو هو واد في جهنم.
﴿ سلاما ﴾ من الله عز وجل، أو سلاما من المؤمنين، أو سلاما من الملائكة ؛ أو كلاما سلم من النقص والعيب.
في صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " ؟ فنزلت :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ الآية ؛ قال : كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ سئل هاهنا : إن قوله تعالى :﴿ تلك الجنة التي نورث ﴾ كلام الله ؛ وقوله بعده :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ خطاب ليس من كلام الله، فما وجب العطف بينهما ؟ وأجيب بأنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح، فظاهر قوله :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ خطاب جماعة لواحد، وأنه لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسول ١، قال قتادة وعكرمة وغيرهما : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ما سألوا عنه ؛ قال عكرمة : فأبطأ عليه أربعين يوما ؛ وقال مجاهد : اثنتي عشر ليلة ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك " فقال جبريل عليه السلام : إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست، فنزلت الآية :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ وأنزل :{ والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى )٢ ؛ نقله كثير من المفسرين ؛ فكأن المعنى : إذا أمرنا ربنا نزلنا ؛ أو : إذا أمرك ربك نزلنا بأمره إليك.
﴿ له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ﴾ أي : لله علم ما مضى أمامنا من أمر الدنيا، وما يكون بعدنا من أمر الدنيا والآخرة، وأحوال البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة وقال الأخفش :﴿ ما بين أيدينا ﴾ ما كان قبل أن نخلق ؛ ﴿ وما خلفنا ﴾ ما يكون بعد أن نموت ؛ ﴿ وما بين ذلك ﴾ وما يكون منذ خلقنا إلى أن نموت ؛ ﴿ وما كان ربك نسيا ﴾ لا ينسى ربك شيئا، ومن جملة ذلك أنه لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي. ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما ﴾ خالق السماوات والأرض وما ومن فيهما، وخالق ما بينهما. ومالك ذلك كله، ومدبره ؛ ﴿ فاعبده ﴾ لأن الذي يستحق الطاعة والخضوع دون سواه هو الله الخالق البارئ الملك القدوس المهيمن ؛ ﴿ واصطبر لعبادته ﴾ واصبر صبرا جميلا لما تلاقي في سبيل الدعوة إلى الحق، والوفاء بأمانات الشرع ؛ ﴿ هل تعلم له سميا ﴾ ؛ لكأن المعنى : هل تعلم له شبيها أو نظيرا ؟ ! حاشا. والاستفهام يراد به النفي والإنكار ؛ وإنكار العلم ونفيه إنكار للمعلوم ونفي له ؛ مما قال ابن عطية : السمي : بمعنى المسامي والمضاهي.
٢ سورة الضحى. الآيات ١، ٢، ٣..
في صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل :" ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " ؟ فنزلت :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ الآية ؛ قال : كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ سئل هاهنا : إن قوله تعالى :﴿ تلك الجنة التي نورث ﴾ كلام الله ؛ وقوله بعده :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ خطاب ليس من كلام الله، فما وجب العطف بينهما ؟ وأجيب بأنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح، فظاهر قوله :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ خطاب جماعة لواحد، وأنه لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسول ١، قال قتادة وعكرمة وغيرهما : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ما سألوا عنه ؛ قال عكرمة : فأبطأ عليه أربعين يوما ؛ وقال مجاهد : اثنتي عشر ليلة ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك " فقال جبريل عليه السلام : إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست، فنزلت الآية :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ وأنزل :{ والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى )٢ ؛ نقله كثير من المفسرين ؛ فكأن المعنى : إذا أمرنا ربنا نزلنا ؛ أو : إذا أمرك ربك نزلنا بأمره إليك.
﴿ له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ﴾ أي : لله علم ما مضى أمامنا من أمر الدنيا، وما يكون بعدنا من أمر الدنيا والآخرة، وأحوال البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة وقال الأخفش :﴿ ما بين أيدينا ﴾ ما كان قبل أن نخلق ؛ ﴿ وما خلفنا ﴾ ما يكون بعد أن نموت ؛ ﴿ وما بين ذلك ﴾ وما يكون منذ خلقنا إلى أن نموت ؛ ﴿ وما كان ربك نسيا ﴾ لا ينسى ربك شيئا، ومن جملة ذلك أنه لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي. ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما ﴾ خالق السماوات والأرض وما ومن فيهما، وخالق ما بينهما. ومالك ذلك كله، ومدبره ؛ ﴿ فاعبده ﴾ لأن الذي يستحق الطاعة والخضوع دون سواه هو الله الخالق البارئ الملك القدوس المهيمن ؛ ﴿ واصطبر لعبادته ﴾ واصبر صبرا جميلا لما تلاقي في سبيل الدعوة إلى الحق، والوفاء بأمانات الشرع ؛ ﴿ هل تعلم له سميا ﴾ ؛ لكأن المعنى : هل تعلم له شبيها أو نظيرا ؟ ! حاشا. والاستفهام يراد به النفي والإنكار ؛ وإنكار العلم ونفيه إنكار للمعلوم ونفي له ؛ مما قال ابن عطية : السمي : بمعنى المسامي والمضاهي.
٢ سورة الضحى. الآيات ١، ٢، ٣..
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار، ... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد، ... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح : " يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿ .. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب، .. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم : " ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال : " دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار،... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد،... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح :" يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿.. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب،.. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم :" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال :" دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا { ٦٦ ) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا { ٦٧ ) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا { ٦٨ ) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا { ٦٩ ) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا { ٧٠ ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا { ٧١ ) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا { ٧٢ ) ﴾
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار،... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد،... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح :" يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿.. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب،.. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم :" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال :" دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ عتيا ﴾ عصيانا وفسوقا وكفرا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا { ٦٦ ) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا { ٦٧ ) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا { ٦٨ ) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا { ٦٩ ) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا { ٧٠ ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا { ٧١ ) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا { ٧٢ ) ﴾
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار،... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد،... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح :" يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿.. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب،.. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم :" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال :" دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا { ٦٦ ) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا { ٦٧ ) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا { ٦٨ ) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا { ٦٩ ) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا { ٧٠ ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا { ٧١ ) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا { ٧٢ ) ﴾
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار،... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد،... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح :" يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿.. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب،.. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم :" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال :" دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا { ٦٦ ) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا { ٦٧ ) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا { ٦٨ ) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا { ٦٩ ) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا { ٧٠ ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا { ٧١ ) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا { ٧٢ ) ﴾
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار،... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد،... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح :" يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿.. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب،.. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم :" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال :" دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
صدق اليقين والوفاء بأمانات الدين يسيرة على المصدقين بلقاء الله ؛ وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. )١ ؛ أما الذين لا يؤمنون بالآخرة فقلوبهم منكرة، ولقد سخروا حين ذكروا بالبعث ؛ { وقالوا إن هذا إلا سحر مبين. أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون )٢ ؛ { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد )٣ ؛ وفي هذه الآية السادسة والستين من سورة مريم يخبر المولى سبحانه عن جنس الإنسان وطائفة من هذا الجنس الذين استبعدوا الإحياء بعد الإماتة بأنهم يتعجبون مما أخبرتهم به من أمر الساعة { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون )٤ ؛ وعبر بالمضارع [ { يقول ﴾ ] إما استحضارا للصورة الماضية لنوع غرابة، وإما لإفادة الاستمرار التجددي، فإن هذا القول لا يزال يتجدد حتى ينفخ في الصور، والهمزة للإنكار،... وفي الكلام معطوف محذوف لقيام القرينة عليه، أي : أئذا ما مت وصرت رميما لسوف الخ ؛ واللام هنا لمجرد التوكيد،... وما في ﴿ إذا ما ﴾ للتوكيد أيضا ؛ والمراد من الإخراج : الإخراج من الأرض، أو من حال الفناء.. ٥.
﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾ ؛ [ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا ؟ أفلا يعيده ؟ وقد صار شيئا ؛ كما قال تعالى :{ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. )٦ ؛ وفي الصحيح :" يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من آخره وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولد وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " ]٧.
﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ﴾ أقسم الرب جل ثناؤه بأن حشر المنكرين للآخرة واقع لا محالة، وسيقترنون في محشرهم بشياطينهم التي أطاعوها في معصية الله تعالى وجحود كلماته ؛ والفاء للاستئناف والواو للقسم، وشرف المقسم به دليل على كمال العناية بالمقسم عليه، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره.
﴿ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا. ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا. ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ﴾ ؛ ثم لنسوقن المحشورين من هؤلاء المجرمين إلى جهنم مدفوعين دفعا وهم على ركبهم كما كانوا في موقف الحساب، وإلى ذلك تشير آيات محكم الكتاب :﴿.. ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون. وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )٨ ؛ عن قتادة وغيره : لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ وقيل : جثيا على الركب للتخاصم ؛ و { حول جهنم ﴾ يجوز أن يكون داخلها ؛ ويجوز أن يكون قبل الدخول ؛ ﴿ ثم لننزعن ﴾ لعل المعنى : ثم لنبدأن بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه ؛ حكى الكسائي أن التشايع التعاون ؛ ثم الله تبارك وتعالى عليم غاية العلم بمن هو أحق بدخول النار والاحتراق بسعيرها، والخلود في لهبها وعذابها، ثم لنحن أعلم من هؤلاء الذين ننزعهم من كل شيعة أولاهم بشدة العذاب، وألحقهم بعظيم العقوبة...
﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾ ؛.. وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها.. قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب،.. عن ابن عباس في قوله :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ ؛ قال : يدخلها... وقال آخرون : بل هو المر عليها٩ ؛.... وقال آخرون : بل الورود هو الدخول، ولكنه عني الكفار دون المؤمنين ؛...
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.. ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها الذين اتقوا فخافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.. وندع الذين ظلموا أنفسهم فعبدوا غير الله وعصوا ربهم وخالفوا أمره ونهيه في النار.. بروكا على ركبهم. قال ابن زيد.. الجثي شر الجلوس لا يجلس الرجل جاثيا إلا عند كرب ينزل به.
[ قلت : وفي صحيح مسلم :" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم " قيل : يا رسول الله ! وما الجسر ؟ قال :" دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم " الحديث ؛ وبه احتج من قال : إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول١٠ فيها. ]١١.
٢ سورة الصافات. الآيتان: ١٥، ١٦..
٣ سورة سبأ. الآية٧..
٤ سورة النمل. الآية٦٦..
٥ ما بين العارضتين من روح المعاني.
٦ سورة الروم. من الآية ٢٧.
٧ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٨ سورة الجاثية. من الآية٢٧؛ والآيتان: ٢٨، ٢٩..
٩ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعا الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم من يمر كأجود الإبل، ومنهم من يمر كعدو الرجل، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضع إبهامي قدميه يمر فيتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس..
١٠ الورود في اللغة يأتي بمعنى المرور والاقتراب، فيقال: وردت القافلة البلدة إذا قاربتها؛ وفي القرآن الكريم:{ولما ورد ماء مدين) أي مر به؛ إذ لم يدخل موسى في الماء وإنما حضره واقترب منه..
١١ ما بين العلامتين [ ] من الجامع لأحكام القرآن..
﴿ مقاما ﴾ منزلا. ﴿ نديا ﴾ مجلسا.
﴿ بينات ﴾ ظاهرات الإعجاز واضحات.
فخروا على المسلمين بطيب منازلهم ومساكنهم، وزخرف نواديهم ومجالسهم، فرد الله الحكيم فريتهم، وأبطل مقالتهم بقوله العزيز :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ﴾ كثير هم البطرون الجاحدون الذين أهلكناهم ودمرنا عليهم قبل هؤلاء، وكانوا أكثر أموالا وأولادا، فما أغنى عنهم جمعهم وما كانوا يستكبرون ؛ فأين هم من فرعون وقومه ؟ وقد ذكر الكتاب المجيد بما مكنوا فيه، فلما حل بهم بأس الله هلكوا غير مأسوف عليهم :{ كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )٦ ؛ كما قال عز شأنه :{ فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك أورثناها بني إسرائيل )٧.
﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾ ؛ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب على هؤلاء المتمادين في الغي بإنذارهم عاقبة طغيانهم، وأن مآل الضال إلى الخزي والنكال ـ وإن طالت مدته، وكثرت عدته ؛ وقوله :﴿ فليمدد له الرحمن مدا ﴾، خبر مخرج على لفظ الأمر... لتنقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٨، أو ليزدادوا إثما كقوله :{.. إنما نملي ليزدادوا إثما.. )٩، أو هو في معنى الدعاء بأن يمهله الله عز وجل وينفس في مدة حياته ؛ والغاية أحد الأمرين المذكورين : أي انقطاع العذر، أو ازدياد الإثم ـ١٠.
﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ﴾ طائفة من اللغويين والمفسرين قالوا : إما بعذاب نجريه على أيدي عبادنا المؤمنين فيخذل أهل الباطل وتقطع رقابهم ويؤسرون، وبهذا بشر الله من جاهد أعداء الدين :﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين )١١ ؛ وإما أن تقوم الساعة فيصار بهم إلى النار ؛ { فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ﴾ ؛ وفي السعير يسوء مصيرهم، ويكفر بعضهم ببعض ويهلك سلطانهم ؛ وهذا في مقابلة ما تعاظموا به على المسلمين من قولهم الذي حكاه القرآن :﴿ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ﴾. ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ﴾ وبينما يمد للزائغين في زيغهم حتى يوافيهم الخزي في أولاهم وآخرتهم، ويزيد المولى بفضله أهل الإيمان رشدا وهداية إلى مدارج السعادة، قيل : ويزيد الله الذي اهتدوا إلى الطاعة هدى إلى الجنة ؛ ﴿ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوبا وخير أملا ﴾ العبادات والطاعات والقربات التي هدى إليها أهل الإيمان، وأتموها بإحسان وإخلاص هي عند مولانا الغفور الشكور أعظم أجرا، وأبرك مآلا ومرجعا ؛ واختار القرطبي أن تكون : أفضل في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا، وخير ردا على عاملها بالثواب ؛ لكن نقل النيسابوري زيادة : ويكون وجه التفضيل في الخير ما قيل في قولهم : الصيف أحرمن الشتاء، أي : هو أبلغ في حره من الشتاء في برده
فخروا على المسلمين بطيب منازلهم ومساكنهم، وزخرف نواديهم ومجالسهم، فرد الله الحكيم فريتهم، وأبطل مقالتهم بقوله العزيز :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ﴾ كثير هم البطرون الجاحدون الذين أهلكناهم ودمرنا عليهم قبل هؤلاء، وكانوا أكثر أموالا وأولادا، فما أغنى عنهم جمعهم وما كانوا يستكبرون ؛ فأين هم من فرعون وقومه ؟ وقد ذكر الكتاب المجيد بما مكنوا فيه، فلما حل بهم بأس الله هلكوا غير مأسوف عليهم :{ كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )٦ ؛ كما قال عز شأنه :{ فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك أورثناها بني إسرائيل )٧.
﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾ ؛ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب على هؤلاء المتمادين في الغي بإنذارهم عاقبة طغيانهم، وأن مآل الضال إلى الخزي والنكال ـ وإن طالت مدته، وكثرت عدته ؛ وقوله :﴿ فليمدد له الرحمن مدا ﴾، خبر مخرج على لفظ الأمر... لتنقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٨، أو ليزدادوا إثما كقوله :{.. إنما نملي ليزدادوا إثما.. )٩، أو هو في معنى الدعاء بأن يمهله الله عز وجل وينفس في مدة حياته ؛ والغاية أحد الأمرين المذكورين : أي انقطاع العذر، أو ازدياد الإثم ـ١٠.
﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ﴾ طائفة من اللغويين والمفسرين قالوا : إما بعذاب نجريه على أيدي عبادنا المؤمنين فيخذل أهل الباطل وتقطع رقابهم ويؤسرون، وبهذا بشر الله من جاهد أعداء الدين :﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين )١١ ؛ وإما أن تقوم الساعة فيصار بهم إلى النار ؛ { فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ﴾ ؛ وفي السعير يسوء مصيرهم، ويكفر بعضهم ببعض ويهلك سلطانهم ؛ وهذا في مقابلة ما تعاظموا به على المسلمين من قولهم الذي حكاه القرآن :﴿ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ﴾. ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ﴾ وبينما يمد للزائغين في زيغهم حتى يوافيهم الخزي في أولاهم وآخرتهم، ويزيد المولى بفضله أهل الإيمان رشدا وهداية إلى مدارج السعادة، قيل : ويزيد الله الذي اهتدوا إلى الطاعة هدى إلى الجنة ؛ ﴿ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوبا وخير أملا ﴾ العبادات والطاعات والقربات التي هدى إليها أهل الإيمان، وأتموها بإحسان وإخلاص هي عند مولانا الغفور الشكور أعظم أجرا، وأبرك مآلا ومرجعا ؛ واختار القرطبي أن تكون : أفضل في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا، وخير ردا على عاملها بالثواب ؛ لكن نقل النيسابوري زيادة : ويكون وجه التفضيل في الخير ما قيل في قولهم : الصيف أحرمن الشتاء، أي : هو أبلغ في حره من الشتاء في برده
فخروا على المسلمين بطيب منازلهم ومساكنهم، وزخرف نواديهم ومجالسهم، فرد الله الحكيم فريتهم، وأبطل مقالتهم بقوله العزيز :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ﴾ كثير هم البطرون الجاحدون الذين أهلكناهم ودمرنا عليهم قبل هؤلاء، وكانوا أكثر أموالا وأولادا، فما أغنى عنهم جمعهم وما كانوا يستكبرون ؛ فأين هم من فرعون وقومه ؟ وقد ذكر الكتاب المجيد بما مكنوا فيه، فلما حل بهم بأس الله هلكوا غير مأسوف عليهم :{ كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )٦ ؛ كما قال عز شأنه :{ فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك أورثناها بني إسرائيل )٧.
﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾ ؛ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب على هؤلاء المتمادين في الغي بإنذارهم عاقبة طغيانهم، وأن مآل الضال إلى الخزي والنكال ـ وإن طالت مدته، وكثرت عدته ؛ وقوله :﴿ فليمدد له الرحمن مدا ﴾، خبر مخرج على لفظ الأمر... لتنقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٨، أو ليزدادوا إثما كقوله :{.. إنما نملي ليزدادوا إثما.. )٩، أو هو في معنى الدعاء بأن يمهله الله عز وجل وينفس في مدة حياته ؛ والغاية أحد الأمرين المذكورين : أي انقطاع العذر، أو ازدياد الإثم ـ١٠.
﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ﴾ طائفة من اللغويين والمفسرين قالوا : إما بعذاب نجريه على أيدي عبادنا المؤمنين فيخذل أهل الباطل وتقطع رقابهم ويؤسرون، وبهذا بشر الله من جاهد أعداء الدين :﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين )١١ ؛ وإما أن تقوم الساعة فيصار بهم إلى النار ؛ { فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ﴾ ؛ وفي السعير يسوء مصيرهم، ويكفر بعضهم ببعض ويهلك سلطانهم ؛ وهذا في مقابلة ما تعاظموا به على المسلمين من قولهم الذي حكاه القرآن :﴿ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ﴾. ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ﴾ وبينما يمد للزائغين في زيغهم حتى يوافيهم الخزي في أولاهم وآخرتهم، ويزيد المولى بفضله أهل الإيمان رشدا وهداية إلى مدارج السعادة، قيل : ويزيد الله الذي اهتدوا إلى الطاعة هدى إلى الجنة ؛ ﴿ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوبا وخير أملا ﴾ العبادات والطاعات والقربات التي هدى إليها أهل الإيمان، وأتموها بإحسان وإخلاص هي عند مولانا الغفور الشكور أعظم أجرا، وأبرك مآلا ومرجعا ؛ واختار القرطبي أن تكون : أفضل في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا، وخير ردا على عاملها بالثواب ؛ لكن نقل النيسابوري زيادة : ويكون وجه التفضيل في الخير ما قيل في قولهم : الصيف أحرمن الشتاء، أي : هو أبلغ في حره من الشتاء في برده
فخروا على المسلمين بطيب منازلهم ومساكنهم، وزخرف نواديهم ومجالسهم، فرد الله الحكيم فريتهم، وأبطل مقالتهم بقوله العزيز :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ﴾ كثير هم البطرون الجاحدون الذين أهلكناهم ودمرنا عليهم قبل هؤلاء، وكانوا أكثر أموالا وأولادا، فما أغنى عنهم جمعهم وما كانوا يستكبرون ؛ فأين هم من فرعون وقومه ؟ وقد ذكر الكتاب المجيد بما مكنوا فيه، فلما حل بهم بأس الله هلكوا غير مأسوف عليهم :{ كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )٦ ؛ كما قال عز شأنه :{ فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك أورثناها بني إسرائيل )٧.
﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ﴾ ؛ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب على هؤلاء المتمادين في الغي بإنذارهم عاقبة طغيانهم، وأن مآل الضال إلى الخزي والنكال ـ وإن طالت مدته، وكثرت عدته ؛ وقوله :﴿ فليمدد له الرحمن مدا ﴾، خبر مخرج على لفظ الأمر... لتنقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٨، أو ليزدادوا إثما كقوله :{.. إنما نملي ليزدادوا إثما.. )٩، أو هو في معنى الدعاء بأن يمهله الله عز وجل وينفس في مدة حياته ؛ والغاية أحد الأمرين المذكورين : أي انقطاع العذر، أو ازدياد الإثم ـ١٠.
﴿ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ﴾ طائفة من اللغويين والمفسرين قالوا : إما بعذاب نجريه على أيدي عبادنا المؤمنين فيخذل أهل الباطل وتقطع رقابهم ويؤسرون، وبهذا بشر الله من جاهد أعداء الدين :﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين )١١ ؛ وإما أن تقوم الساعة فيصار بهم إلى النار ؛ { فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ﴾ ؛ وفي السعير يسوء مصيرهم، ويكفر بعضهم ببعض ويهلك سلطانهم ؛ وهذا في مقابلة ما تعاظموا به على المسلمين من قولهم الذي حكاه القرآن :﴿ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ﴾. ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ﴾ وبينما يمد للزائغين في زيغهم حتى يوافيهم الخزي في أولاهم وآخرتهم، ويزيد المولى بفضله أهل الإيمان رشدا وهداية إلى مدارج السعادة، قيل : ويزيد الله الذي اهتدوا إلى الطاعة هدى إلى الجنة ؛ ﴿ والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوبا وخير أملا ﴾ العبادات والطاعات والقربات التي هدى إليها أهل الإيمان، وأتموها بإحسان وإخلاص هي عند مولانا الغفور الشكور أعظم أجرا، وأبرك مآلا ومرجعا ؛ واختار القرطبي أن تكون : أفضل في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا، وخير ردا على عاملها بالثواب ؛ لكن نقل النيسابوري زيادة : ويكون وجه التفضيل في الخير ما قيل في قولهم : الصيف أحرمن الشتاء، أي : هو أبلغ في حره من الشتاء في برده
في صحيح الإمام مسلم عن خباب قال : كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال : لن أقضيك حتى تكفر بمحمد ؛ فقلت له : لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث ؛ قال : وإني لمبعوث بعد الموت ؟ ! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد١.. فنزلت الآية :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾ إلى قوله :﴿ ويأتينا فردا ﴾ ؛ في رواية قال : كنت قينا٢ في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملا، فأتيته أتقاضاه، أخرجه البخاري ؛ لم يستيقن بالآخرة ولا صدق بآيات الله المتلوة ولا بحجج ربنا الشاهدة بأن البعث حق ؛ وكلما ذكر بما هو آت لا محالة استهزأ وسخر، وزعم أنه على فرض مجيء الساعة سيكون هو صاحب حظوة حين مجيئها ؛ كصاحب الجنتين إذ دخل جنته وهو ظالم لنفسه ﴿ .. قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٣ ؛ وربنا سبحانه يقيم على هذا وأمثاله الحجة :{ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ استفهام للنفي والإنكار، ينفي الله تعالى عن هؤلاء المفترين البطرين أن يكونوا علموا مصيرهم وما ينتظرهم يوم القيامة، ونفى أن يكون لهم عند ربنا موثق ينجيهم.
﴿ كلا ﴾٤هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها ؛ روي عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ لأوتين مالا وولدا ﴾ : أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته ؛ ونقل القرطبي في معنى قوله تعالى ﴿ أطلع ﴾، أصله أأطلع ذكرت ألف الاستفهام، وحذفت ألف الوصل فإن قيل فهلا أتوا بمدة بعد الألف ؟ !.. لم يحتاجوا إلى هذه المدة في ﴿ أطلع ﴾ لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة... تقول في الخبر : اطلع.. بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ولم يحتاجوا إلى فرق آخر ؛ ﴿ سنكتب ما يقول ﴾ سنأمر ملائكتنا باستنساخ قوله هذا ليكون حجة دامغة عليه، وفي ذلك وعيد ونذير ؛ [ وفي قوله ﴿ سنكتب ﴾ بسين التسويف مع أن الحفظة يكتبون ما قاله في الحال لأن المولى سبحانه يقول :﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )٥ دليل على أن السين جرد ههنا لمعنى الوعيد، أو أراد : سيظهر له نبأ الكتابة بالتعذيب والانتصار، يؤيده قوله :{ ونمد له ﴾ أي نطول له ﴿ من العذاب ﴾ ما يستأهله أمثاله من المستهزئين، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد... ثم عكس استهزاءه بقوله :﴿ ونرثه ما يقول ﴾ أي : نمنع عنه منتهى ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد، لأنه تألى على الله في قوله :﴿ لأوتين ﴾ ؛ ومن يتأل على الله يكذبه، لأن ذلك غاية الجراءة... والمراد : هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه في العاقبة ]٦ ؛ ﴿ ويأتينا فردا ﴾ : فردا من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير من مال ولا ولد.
٢ حدادا أو صائغا..
٣ سورة الكهف. من الآية٣٥؛ والآية ٣٦..
٤ يقول الألوسي: وهذا أول موضع وقع في القرآن، وقد تكرر في النصف الأخير فوقع في ثلاثة وثلاثين موضعا؛ ونقل القرطبي: وهو يكون بمعنيين أحدهما بمعنى حقا؛ والثاني بمعنى: لا؛ فإذا كانت بمعنى حقا جاز الوقف على ما قبلها، ثم تبتدئ ﴿كلا﴾ أي: حقا..
٥ سورة {ق). الآية ١٨..
٦ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
في صحيح الإمام مسلم عن خباب قال : كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال : لن أقضيك حتى تكفر بمحمد ؛ فقلت له : لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث ؛ قال : وإني لمبعوث بعد الموت ؟ ! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد١.. فنزلت الآية :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾ إلى قوله :﴿ ويأتينا فردا ﴾ ؛ في رواية قال : كنت قينا٢ في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملا، فأتيته أتقاضاه، أخرجه البخاري ؛ لم يستيقن بالآخرة ولا صدق بآيات الله المتلوة ولا بحجج ربنا الشاهدة بأن البعث حق ؛ وكلما ذكر بما هو آت لا محالة استهزأ وسخر، وزعم أنه على فرض مجيء الساعة سيكون هو صاحب حظوة حين مجيئها ؛ كصاحب الجنتين إذ دخل جنته وهو ظالم لنفسه ﴿.. قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٣ ؛ وربنا سبحانه يقيم على هذا وأمثاله الحجة :{ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ استفهام للنفي والإنكار، ينفي الله تعالى عن هؤلاء المفترين البطرين أن يكونوا علموا مصيرهم وما ينتظرهم يوم القيامة، ونفى أن يكون لهم عند ربنا موثق ينجيهم.
﴿ كلا ﴾٤هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها ؛ روي عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ لأوتين مالا وولدا ﴾ : أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته ؛ ونقل القرطبي في معنى قوله تعالى ﴿ أطلع ﴾، أصله أأطلع ذكرت ألف الاستفهام، وحذفت ألف الوصل فإن قيل فهلا أتوا بمدة بعد الألف ؟ !.. لم يحتاجوا إلى هذه المدة في ﴿ أطلع ﴾ لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة... تقول في الخبر : اطلع.. بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ولم يحتاجوا إلى فرق آخر ؛ ﴿ سنكتب ما يقول ﴾ سنأمر ملائكتنا باستنساخ قوله هذا ليكون حجة دامغة عليه، وفي ذلك وعيد ونذير ؛ [ وفي قوله ﴿ سنكتب ﴾ بسين التسويف مع أن الحفظة يكتبون ما قاله في الحال لأن المولى سبحانه يقول :﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )٥ دليل على أن السين جرد ههنا لمعنى الوعيد، أو أراد : سيظهر له نبأ الكتابة بالتعذيب والانتصار، يؤيده قوله :{ ونمد له ﴾ أي نطول له ﴿ من العذاب ﴾ ما يستأهله أمثاله من المستهزئين، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد... ثم عكس استهزاءه بقوله :﴿ ونرثه ما يقول ﴾ أي : نمنع عنه منتهى ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد، لأنه تألى على الله في قوله :﴿ لأوتين ﴾ ؛ ومن يتأل على الله يكذبه، لأن ذلك غاية الجراءة... والمراد : هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه في العاقبة ]٦ ؛ ﴿ ويأتينا فردا ﴾ : فردا من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير من مال ولا ولد.
٢ حدادا أو صائغا..
٣ سورة الكهف. من الآية٣٥؛ والآية ٣٦..
٤ يقول الألوسي: وهذا أول موضع وقع في القرآن، وقد تكرر في النصف الأخير فوقع في ثلاثة وثلاثين موضعا؛ ونقل القرطبي: وهو يكون بمعنيين أحدهما بمعنى حقا؛ والثاني بمعنى: لا؛ فإذا كانت بمعنى حقا جاز الوقف على ما قبلها، ثم تبتدئ ﴿كلا﴾ أي: حقا..
٥ سورة {ق). الآية ١٨..
٦ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
في صحيح الإمام مسلم عن خباب قال : كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال : لن أقضيك حتى تكفر بمحمد ؛ فقلت له : لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث ؛ قال : وإني لمبعوث بعد الموت ؟ ! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد١.. فنزلت الآية :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾ إلى قوله :﴿ ويأتينا فردا ﴾ ؛ في رواية قال : كنت قينا٢ في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملا، فأتيته أتقاضاه، أخرجه البخاري ؛ لم يستيقن بالآخرة ولا صدق بآيات الله المتلوة ولا بحجج ربنا الشاهدة بأن البعث حق ؛ وكلما ذكر بما هو آت لا محالة استهزأ وسخر، وزعم أنه على فرض مجيء الساعة سيكون هو صاحب حظوة حين مجيئها ؛ كصاحب الجنتين إذ دخل جنته وهو ظالم لنفسه ﴿.. قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٣ ؛ وربنا سبحانه يقيم على هذا وأمثاله الحجة :{ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ استفهام للنفي والإنكار، ينفي الله تعالى عن هؤلاء المفترين البطرين أن يكونوا علموا مصيرهم وما ينتظرهم يوم القيامة، ونفى أن يكون لهم عند ربنا موثق ينجيهم.
﴿ كلا ﴾٤هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها ؛ روي عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ لأوتين مالا وولدا ﴾ : أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته ؛ ونقل القرطبي في معنى قوله تعالى ﴿ أطلع ﴾، أصله أأطلع ذكرت ألف الاستفهام، وحذفت ألف الوصل فإن قيل فهلا أتوا بمدة بعد الألف ؟ !.. لم يحتاجوا إلى هذه المدة في ﴿ أطلع ﴾ لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة... تقول في الخبر : اطلع.. بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ولم يحتاجوا إلى فرق آخر ؛ ﴿ سنكتب ما يقول ﴾ سنأمر ملائكتنا باستنساخ قوله هذا ليكون حجة دامغة عليه، وفي ذلك وعيد ونذير ؛ [ وفي قوله ﴿ سنكتب ﴾ بسين التسويف مع أن الحفظة يكتبون ما قاله في الحال لأن المولى سبحانه يقول :﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )٥ دليل على أن السين جرد ههنا لمعنى الوعيد، أو أراد : سيظهر له نبأ الكتابة بالتعذيب والانتصار، يؤيده قوله :{ ونمد له ﴾ أي نطول له ﴿ من العذاب ﴾ ما يستأهله أمثاله من المستهزئين، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد... ثم عكس استهزاءه بقوله :﴿ ونرثه ما يقول ﴾ أي : نمنع عنه منتهى ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد، لأنه تألى على الله في قوله :﴿ لأوتين ﴾ ؛ ومن يتأل على الله يكذبه، لأن ذلك غاية الجراءة... والمراد : هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه في العاقبة ]٦ ؛ ﴿ ويأتينا فردا ﴾ : فردا من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير من مال ولا ولد.
٢ حدادا أو صائغا..
٣ سورة الكهف. من الآية٣٥؛ والآية ٣٦..
٤ يقول الألوسي: وهذا أول موضع وقع في القرآن، وقد تكرر في النصف الأخير فوقع في ثلاثة وثلاثين موضعا؛ ونقل القرطبي: وهو يكون بمعنيين أحدهما بمعنى حقا؛ والثاني بمعنى: لا؛ فإذا كانت بمعنى حقا جاز الوقف على ما قبلها، ثم تبتدئ ﴿كلا﴾ أي: حقا..
٥ سورة {ق). الآية ١٨..
٦ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
في صحيح الإمام مسلم عن خباب قال : كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال : لن أقضيك حتى تكفر بمحمد ؛ فقلت له : لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث ؛ قال : وإني لمبعوث بعد الموت ؟ ! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد١.. فنزلت الآية :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾ إلى قوله :﴿ ويأتينا فردا ﴾ ؛ في رواية قال : كنت قينا٢ في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملا، فأتيته أتقاضاه، أخرجه البخاري ؛ لم يستيقن بالآخرة ولا صدق بآيات الله المتلوة ولا بحجج ربنا الشاهدة بأن البعث حق ؛ وكلما ذكر بما هو آت لا محالة استهزأ وسخر، وزعم أنه على فرض مجيء الساعة سيكون هو صاحب حظوة حين مجيئها ؛ كصاحب الجنتين إذ دخل جنته وهو ظالم لنفسه ﴿.. قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٣ ؛ وربنا سبحانه يقيم على هذا وأمثاله الحجة :{ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ استفهام للنفي والإنكار، ينفي الله تعالى عن هؤلاء المفترين البطرين أن يكونوا علموا مصيرهم وما ينتظرهم يوم القيامة، ونفى أن يكون لهم عند ربنا موثق ينجيهم.
﴿ كلا ﴾٤هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها ؛ روي عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ لأوتين مالا وولدا ﴾ : أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته ؛ ونقل القرطبي في معنى قوله تعالى ﴿ أطلع ﴾، أصله أأطلع ذكرت ألف الاستفهام، وحذفت ألف الوصل فإن قيل فهلا أتوا بمدة بعد الألف ؟ !.. لم يحتاجوا إلى هذه المدة في ﴿ أطلع ﴾ لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة... تقول في الخبر : اطلع.. بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ولم يحتاجوا إلى فرق آخر ؛ ﴿ سنكتب ما يقول ﴾ سنأمر ملائكتنا باستنساخ قوله هذا ليكون حجة دامغة عليه، وفي ذلك وعيد ونذير ؛ [ وفي قوله ﴿ سنكتب ﴾ بسين التسويف مع أن الحفظة يكتبون ما قاله في الحال لأن المولى سبحانه يقول :﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )٥ دليل على أن السين جرد ههنا لمعنى الوعيد، أو أراد : سيظهر له نبأ الكتابة بالتعذيب والانتصار، يؤيده قوله :{ ونمد له ﴾ أي نطول له ﴿ من العذاب ﴾ ما يستأهله أمثاله من المستهزئين، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد... ثم عكس استهزاءه بقوله :﴿ ونرثه ما يقول ﴾ أي : نمنع عنه منتهى ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد، لأنه تألى على الله في قوله :﴿ لأوتين ﴾ ؛ ومن يتأل على الله يكذبه، لأن ذلك غاية الجراءة... والمراد : هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه في العاقبة ]٦ ؛ ﴿ ويأتينا فردا ﴾ : فردا من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير من مال ولا ولد.
٢ حدادا أو صائغا..
٣ سورة الكهف. من الآية٣٥؛ والآية ٣٦..
٤ يقول الألوسي: وهذا أول موضع وقع في القرآن، وقد تكرر في النصف الأخير فوقع في ثلاثة وثلاثين موضعا؛ ونقل القرطبي: وهو يكون بمعنيين أحدهما بمعنى حقا؛ والثاني بمعنى: لا؛ فإذا كانت بمعنى حقا جاز الوقف على ما قبلها، ثم تبتدئ ﴿كلا﴾ أي: حقا..
٥ سورة {ق). الآية ١٨..
٦ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
﴿ عزا ﴾ أعوانا ومنعة.
وأما من اتخذ معبودا من العقلاء فإنه يكون أشد عليهم عداوة وأكثر لهؤلاء المفتونين لعنا :{ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )٦ ؛ وعبدة إبليس أشد تخسيرا وتحسيرا ؛ { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل.. )٧ ؛ وهكذا يكونون عليهم ذلا لا لهم عزا ؛ والضد في كلام العرب هو الخلاف، يقال : فلان يضاد فلانا في كذا إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه ويصلح ما أفسده.
﴿ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ﴾، نقل عن ابن عباس : تؤز الكافرين إغراء٨ في الشرك : امض امض في هذا الأمر ! حتى توقعهم في النار، وامضوا في الغي امضوا ؛ ا هـ.
﴿ فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ﴾ يسلي الله تعالى النبي والأمة لكيلا نعجل على الكفار الفجار الأشرار ـ بأن يهلكوا حسبما تقتضيه جناياتهم، ويبيدوا عن آخرهم، وتطهر الأرض من خباثاتهم ـ٩ ؛ قال الكلبي : آجالهم ؛ يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب ؛ ابن عباس : أي : نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم ؛ وعنه رضي الله تعالى عنه أنه إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك ؛ وعن ابن السماك أن المأمون قرأ هذه السورة١٠ فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفذ ؛ ولله تعالى در من قال :
إن الحبيب من الأحباب مختلس | لا يمنع الموت بواب ولا حرس |
وأما من اتخذ معبودا من العقلاء فإنه يكون أشد عليهم عداوة وأكثر لهؤلاء المفتونين لعنا :{ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )٦ ؛ وعبدة إبليس أشد تخسيرا وتحسيرا ؛ { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل.. )٧ ؛ وهكذا يكونون عليهم ذلا لا لهم عزا ؛ والضد في كلام العرب هو الخلاف، يقال : فلان يضاد فلانا في كذا إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه ويصلح ما أفسده.
﴿ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ﴾، نقل عن ابن عباس : تؤز الكافرين إغراء٨ في الشرك : امض امض في هذا الأمر ! حتى توقعهم في النار، وامضوا في الغي امضوا ؛ ا هـ.
﴿ فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ﴾ يسلي الله تعالى النبي والأمة لكيلا نعجل على الكفار الفجار الأشرار ـ بأن يهلكوا حسبما تقتضيه جناياتهم، ويبيدوا عن آخرهم، وتطهر الأرض من خباثاتهم ـ٩ ؛ قال الكلبي : آجالهم ؛ يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب ؛ ابن عباس : أي : نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم ؛ وعنه رضي الله تعالى عنه أنه إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك ؛ وعن ابن السماك أن المأمون قرأ هذه السورة١٠ فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفذ ؛ ولله تعالى در من قال :
إن الحبيب من الأحباب مختلس | لا يمنع الموت بواب ولا حرس |
وأما من اتخذ معبودا من العقلاء فإنه يكون أشد عليهم عداوة وأكثر لهؤلاء المفتونين لعنا :{ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )٦ ؛ وعبدة إبليس أشد تخسيرا وتحسيرا ؛ { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل.. )٧ ؛ وهكذا يكونون عليهم ذلا لا لهم عزا ؛ والضد في كلام العرب هو الخلاف، يقال : فلان يضاد فلانا في كذا إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه ويصلح ما أفسده.
﴿ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ﴾، نقل عن ابن عباس : تؤز الكافرين إغراء٨ في الشرك : امض امض في هذا الأمر ! حتى توقعهم في النار، وامضوا في الغي امضوا ؛ ا هـ.
﴿ فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ﴾ يسلي الله تعالى النبي والأمة لكيلا نعجل على الكفار الفجار الأشرار ـ بأن يهلكوا حسبما تقتضيه جناياتهم، ويبيدوا عن آخرهم، وتطهر الأرض من خباثاتهم ـ٩ ؛ قال الكلبي : آجالهم ؛ يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب ؛ ابن عباس : أي : نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم ؛ وعنه رضي الله تعالى عنه أنه إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك ؛ وعن ابن السماك أن المأمون قرأ هذه السورة١٠ فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفذ ؛ ولله تعالى در من قال :
إن الحبيب من الأحباب مختلس | لا يمنع الموت بواب ولا حرس |
وأما من اتخذ معبودا من العقلاء فإنه يكون أشد عليهم عداوة وأكثر لهؤلاء المفتونين لعنا :{ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون. قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )٦ ؛ وعبدة إبليس أشد تخسيرا وتحسيرا ؛ { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل.. )٧ ؛ وهكذا يكونون عليهم ذلا لا لهم عزا ؛ والضد في كلام العرب هو الخلاف، يقال : فلان يضاد فلانا في كذا إذا كان يخالفه في صنيعه، فيفسد ما أصلحه ويصلح ما أفسده.
﴿ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ﴾، نقل عن ابن عباس : تؤز الكافرين إغراء٨ في الشرك : امض امض في هذا الأمر ! حتى توقعهم في النار، وامضوا في الغي امضوا ؛ ا هـ.
﴿ فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ﴾ يسلي الله تعالى النبي والأمة لكيلا نعجل على الكفار الفجار الأشرار ـ بأن يهلكوا حسبما تقتضيه جناياتهم، ويبيدوا عن آخرهم، وتطهر الأرض من خباثاتهم ـ٩ ؛ قال الكلبي : آجالهم ؛ يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب ؛ ابن عباس : أي : نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم ؛ وعنه رضي الله تعالى عنه أنه إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك ؛ وعن ابن السماك أن المأمون قرأ هذه السورة١٠ فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفذ ؛ ولله تعالى در من قال :
إن الحبيب من الأحباب مختلس | لا يمنع الموت بواب ولا حرس |
﴿ نحشر ﴾ نجمع ونيسر. ﴿ المتقين ﴾ الذين آمنوا، وعملوا الخير، وانتهوا عن الشر. ﴿ وفدا ﴾ وافدين، راكبين، طامعين في العطاء.
﴿ ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾ الفجار الكفار يدفعون إلى جهنم دفعا، كما تساق الدواب والعطاش وتتراكض لترد الماء ؛ والسوق : الحث على السير ؛ أهانهم الله تعالى وأذلهم بسبب تأبيهم عن الحق وصدهم ؛ كما بين المولى جل ذكره صغارهم بقوله الحكيم :{ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي.. )٣.
﴿ لا يملكون الشفاعة ﴾ ؛ لا يظفرون إذ هم محزونون معذبون بمن يشفع لهم أو يجادل عنهم، ولا تنفعهم شفاعة ؛ مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد ﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ وهم المسلمون فيملكون الشفاعة، فهو استثناء الشيء من غير جنسه ؛ أي : لكن﴿ من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ يشفع فـ ﴿ من ﴾ في موضع نصب على هذا ؛ وقيل : هو في موضع رفع البدل من الواو في ﴿ يملكون ﴾ ؛ أي : لا يملك أحد عند الله شفاعة، ﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ فإنه يملك ؛ وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا ؛ و﴿ المجرمين ﴾ في قوله :﴿ ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾ يعم الكفرة والعصاة ؛ ثم أخبر أنهم لا يملكون الشفاعة، إلا العصاة المؤمنون، فإنهم يملكونها بأن يشفع فيهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أزال أشفع حتى أقول يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول يا محمد إنها ليست لك ولكنها لي " أخرجه مسلم بمعناه.. وتظاهرت الأخبار بأن أهل الفضل والعلم والصلاح يشفعون فيشفعون.. ا هـ [.. لا يملك العباد أن يشفعوا إلا من أذن الله عز وجل له بالشفاعة وأمره بها فإنه يملك ذلك.. والمراد بالشفاعة.. ما يعم الشفاعة في دخول الجنة وغيره.. فعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام٤ من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته " ]٥
﴿ ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾ الفجار الكفار يدفعون إلى جهنم دفعا، كما تساق الدواب والعطاش وتتراكض لترد الماء ؛ والسوق : الحث على السير ؛ أهانهم الله تعالى وأذلهم بسبب تأبيهم عن الحق وصدهم ؛ كما بين المولى جل ذكره صغارهم بقوله الحكيم :{ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي.. )٣.
﴿ لا يملكون الشفاعة ﴾ ؛ لا يظفرون إذ هم محزونون معذبون بمن يشفع لهم أو يجادل عنهم، ولا تنفعهم شفاعة ؛ مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد ﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ وهم المسلمون فيملكون الشفاعة، فهو استثناء الشيء من غير جنسه ؛ أي : لكن﴿ من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ يشفع فـ ﴿ من ﴾ في موضع نصب على هذا ؛ وقيل : هو في موضع رفع البدل من الواو في ﴿ يملكون ﴾ ؛ أي : لا يملك أحد عند الله شفاعة، ﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾ فإنه يملك ؛ وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا ؛ و﴿ المجرمين ﴾ في قوله :﴿ ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾ يعم الكفرة والعصاة ؛ ثم أخبر أنهم لا يملكون الشفاعة، إلا العصاة المؤمنون، فإنهم يملكونها بأن يشفع فيهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أزال أشفع حتى أقول يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول يا محمد إنها ليست لك ولكنها لي " أخرجه مسلم بمعناه.. وتظاهرت الأخبار بأن أهل الفضل والعلم والصلاح يشفعون فيشفعون.. ا هـ [.. لا يملك العباد أن يشفعوا إلا من أذن الله عز وجل له بالشفاعة وأمره بها فإنه يملك ذلك.. والمراد بالشفاعة.. ما يعم الشفاعة في دخول الجنة وغيره.. فعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام٤ من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته " ]٥
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ : " إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا { ٨٨ ) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا { ٨٩ ) تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا { ٩٠ ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا { ٩١ ) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { ٩٢ ) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا { ٩٣ ) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا { ٩٤ ) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا { ٩٥ ) ﴾
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
﴿ يتفطرن ﴾ يتشققن. ﴿ وتنشق ﴾ تنصدع.
﴿ تخر ﴾ تسقط. ﴿ هدا ﴾ مهدودة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا { ٨٨ ) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا { ٨٩ ) تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا { ٩٠ ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا { ٩١ ) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { ٩٢ ) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا { ٩٣ ) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا { ٩٤ ) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا { ٩٥ ) ﴾
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا { ٨٨ ) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا { ٨٩ ) تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا { ٩٠ ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا { ٩١ ) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { ٩٢ ) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا { ٩٣ ) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا { ٩٤ ) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا { ٩٥ ) ﴾
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا { ٨٨ ) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا { ٨٩ ) تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا { ٩٠ ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا { ٩١ ) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا { ٩٢ ) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا { ٩٣ ) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا { ٩٤ ) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا { ٩٥ ) ﴾
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
وحين رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا من اليهود والنصارى والعرب ؛ ومنهم من خص الآية بالرد على العرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، لأن الرد على النصارى تقدم في أول السورة ١ ؛ ﴿ وقالوا ﴾ قال المجرمون وفيه إسناد ما للبعض إلى الكل ﴿ اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا ﴾ في الآية الثانية رد لمقالتهم التي بينتها الآية قبلها، [ وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب.. وقيل لا التفات، والكلام بتقدير : قل لهم لقد جئتم.. والإد.. العجب.. وقيل العظيم المنكر.. وقال الطبري : هو من باب الحذف والإيصال، أي : جئتم بشيء إد.
﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه ﴾.. الفطر من عوارض الجسم الصلب، فإنه يقال : إناء مفطور ولا يقال : ثوب مفطور، بل مشقوق.. ﴿ وتنشق الأرض ﴾.. وجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السماوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلا نوعا ما من العصيان لم يكن لها إلف ما بالمعصية، ولا كذلك الأرض ؛ فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.. ]٢ ؛
﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ وتقارب أو كأنما تريد٣ الجبال أن تسقط مهدودة مهدمة ؛ ف﴿ هدا ﴾ إما فعل مطلق، لأن ﴿ تخر ﴾ في معنى تنهد، أو منصوبة على الحال ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ لكأن المعنى : لأنهم نسبوا إلى الله البر الرحيم العلي العظيم ولدا ؛ قال محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى :﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا. أن دعوا للرحمن ولدا ﴾ قال ابن العربي : وصدق، فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.. ا ه.
﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ لا يصلح له سبحانه ولا يليق بجلاله وعظمته أن يكون له ولد ؛ لأن الولد يشبه أباه، وربنا لا كفء له ولا شبيه ولا نظير ؛ ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا ﴾ ما كل من في السماوات والأرض إلا وهو مقر لله تعالى بالعبودية، والذين يتأبون عن الخضوع والانقياد في الدنيا يأتون يوم القيامة صاغرين أذلاء، فكيف يكون من هو عبد ابنا للمعبود جل وعز ؟ !.
روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ".
روى ابن جرير٤ عن ابن عباس قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ؛ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " أخرجاه في الصحيحين ؛ وفي لفظ :" إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " [ ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدا ﴾.. حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج أحد منهم من حيطة علمه وقبضة قدرته جل جلاله ؛.. عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده تعالى بمقدار. ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ أي : منفردا من الأنصار والأتباع، منقطعا إليه تعالى غاية الانقطاع، محتاجا إلى إعانته ورحمته عز وجل، فكيف يجانسه ويناسبه ليتخذه ولدا وليشرك به سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.. ]٥.
٢ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
٣ ذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل.. هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال نعم سر به، ثم قرأ عبد الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا﴾ الآية؛ قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!.
٤ وساق حديثا ـ يرفعه ـ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" فقالوا يا رسول الله ! فمن قالها في صحته؟ قال: "تلك أوجب وأوجب" ثم قال: "والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضع في كفة ميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهم"..
٥ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني؛ بتصرف يسير..
﴿ ودا ﴾ مودة ومحبة.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : ثم أجمل حال المؤمنين بما لا مزيد عليه في باب الكرامة قائلا :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ﴾ أي : سيحدث لهم في القلوب مودة من غير ما سبب من الأسباب المعهودة، كقرابة أو اصطناع، وذلك كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب ؛ والسين إما لأن السورة مكية، وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة، فوعدهم الله المودة بين الناس عند إظهار الإسلام ؛ وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم ؛.. وعن أبي مسلم أن المراد أنه سيهب لهم في الجنة ما يحبون ؛ واستعمال المصدر بمعنى المفعول كثير، وإنما صار إلى هذا القول لأن المسلم التقي يبغضه الكفار، وقد يبغضه الكفار، وقد يبغضهم المسلمون أكثرهم، وقد يحصل مثل هذه المحبة للكفار والفساق فيكونون مرزوقين بميل الناس إلى اختلاطهم وصحبتهم، فكيف يمكن جعله إنعاما في حق المؤمنين، وأيضا إن محبتهم في قلوبهم من فعلهم لا من فعل الله، فجعل الكلام على إعطاء المنافع به أولى ؛ وأجيب بأن المراد محبة الملائكة والأنبياء والصالحين، ومثل هذه لا تحصل للكافر والفاسق ؛ وبأنه محمول على فعل الألطاف وخلق داعية إكرامهم في قلوبهم اهـ.
﴿ فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فإنما أنزلنا القرآن عربيا بلغتك ويسرنا قراءته ليكون بشرى للذين آمنوا وأطاعوا الله البر الرحيم الشكور الكريم سيؤتيهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ؛ وليكون تحذيرا وتخويفا للذين جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، واستحبوا العمى على الهدى، وصدوا عن سبيل الرشاد بأن الخزي والسوء عليهم، في عاجلهم وآجلهم.
﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾ كثير من دمرناهم من الأمم التي سلفت :﴿ وكأي من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم )١ ؛ { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا. فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا )٢ ؛ { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾ استفهام إنكاري فكأن المعنى : ما تحس من المهلكين ولا ترى منهم من أحد، ولا تسمع لهم صوتا خفيا فضلا عن الصوت الظاهر ؛ والخطاب : إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للخطاب ؛ فكذلك كل جاحد معاند، يصير إلى ما صار إليه الذين عموا وصموا، وطغوا واستكبروا، إن لم يعاجلوا التوبة قبل الهلاك ؛ فحذار أن تصرف الهمم إلى ما هو بصدد الزوال والنفاذ، ولنسارع إلى الاجتهاد في تحصيل الزاد للمعاد ؛ وربنا الهادي إلى سبيل الرشاد
﴿ بلسانك ﴾ بلغتك.
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : ثم أجمل حال المؤمنين بما لا مزيد عليه في باب الكرامة قائلا :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ﴾ أي : سيحدث لهم في القلوب مودة من غير ما سبب من الأسباب المعهودة، كقرابة أو اصطناع، وذلك كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب ؛ والسين إما لأن السورة مكية، وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة، فوعدهم الله المودة بين الناس عند إظهار الإسلام ؛ وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم ؛.. وعن أبي مسلم أن المراد أنه سيهب لهم في الجنة ما يحبون ؛ واستعمال المصدر بمعنى المفعول كثير، وإنما صار إلى هذا القول لأن المسلم التقي يبغضه الكفار، وقد يبغضه الكفار، وقد يبغضهم المسلمون أكثرهم، وقد يحصل مثل هذه المحبة للكفار والفساق فيكونون مرزوقين بميل الناس إلى اختلاطهم وصحبتهم، فكيف يمكن جعله إنعاما في حق المؤمنين، وأيضا إن محبتهم في قلوبهم من فعلهم لا من فعل الله، فجعل الكلام على إعطاء المنافع به أولى ؛ وأجيب بأن المراد محبة الملائكة والأنبياء والصالحين، ومثل هذه لا تحصل للكافر والفاسق ؛ وبأنه محمول على فعل الألطاف وخلق داعية إكرامهم في قلوبهم اهـ.
﴿ فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فإنما أنزلنا القرآن عربيا بلغتك ويسرنا قراءته ليكون بشرى للذين آمنوا وأطاعوا الله البر الرحيم الشكور الكريم سيؤتيهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ؛ وليكون تحذيرا وتخويفا للذين جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، واستحبوا العمى على الهدى، وصدوا عن سبيل الرشاد بأن الخزي والسوء عليهم، في عاجلهم وآجلهم.
﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾ كثير من دمرناهم من الأمم التي سلفت :﴿ وكأي من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم )١ ؛ { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا. فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا )٢ ؛ { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾ استفهام إنكاري فكأن المعنى : ما تحس من المهلكين ولا ترى منهم من أحد، ولا تسمع لهم صوتا خفيا فضلا عن الصوت الظاهر ؛ والخطاب : إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للخطاب ؛ فكذلك كل جاحد معاند، يصير إلى ما صار إليه الذين عموا وصموا، وطغوا واستكبروا، إن لم يعاجلوا التوبة قبل الهلاك ؛ فحذار أن تصرف الهمم إلى ما هو بصدد الزوال والنفاذ، ولنسارع إلى الاجتهاد في تحصيل الزاد للمعاد ؛ وربنا الهادي إلى سبيل الرشاد
مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : ثم أجمل حال المؤمنين بما لا مزيد عليه في باب الكرامة قائلا :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ﴾ أي : سيحدث لهم في القلوب مودة من غير ما سبب من الأسباب المعهودة، كقرابة أو اصطناع، وذلك كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب ؛ والسين إما لأن السورة مكية، وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة، فوعدهم الله المودة بين الناس عند إظهار الإسلام ؛ وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم ؛.. وعن أبي مسلم أن المراد أنه سيهب لهم في الجنة ما يحبون ؛ واستعمال المصدر بمعنى المفعول كثير، وإنما صار إلى هذا القول لأن المسلم التقي يبغضه الكفار، وقد يبغضه الكفار، وقد يبغضهم المسلمون أكثرهم، وقد يحصل مثل هذه المحبة للكفار والفساق فيكونون مرزوقين بميل الناس إلى اختلاطهم وصحبتهم، فكيف يمكن جعله إنعاما في حق المؤمنين، وأيضا إن محبتهم في قلوبهم من فعلهم لا من فعل الله، فجعل الكلام على إعطاء المنافع به أولى ؛ وأجيب بأن المراد محبة الملائكة والأنبياء والصالحين، ومثل هذه لا تحصل للكافر والفاسق ؛ وبأنه محمول على فعل الألطاف وخلق داعية إكرامهم في قلوبهم اهـ.
﴿ فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فإنما أنزلنا القرآن عربيا بلغتك ويسرنا قراءته ليكون بشرى للذين آمنوا وأطاعوا الله البر الرحيم الشكور الكريم سيؤتيهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ؛ وليكون تحذيرا وتخويفا للذين جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، واستحبوا العمى على الهدى، وصدوا عن سبيل الرشاد بأن الخزي والسوء عليهم، في عاجلهم وآجلهم.
﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾ كثير من دمرناهم من الأمم التي سلفت :﴿ وكأي من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم )١ ؛ { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا. فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا )٢ ؛ { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾ استفهام إنكاري فكأن المعنى : ما تحس من المهلكين ولا ترى منهم من أحد، ولا تسمع لهم صوتا خفيا فضلا عن الصوت الظاهر ؛ والخطاب : إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للخطاب ؛ فكذلك كل جاحد معاند، يصير إلى ما صار إليه الذين عموا وصموا، وطغوا واستكبروا، إن لم يعاجلوا التوبة قبل الهلاك ؛ فحذار أن تصرف الهمم إلى ما هو بصدد الزوال والنفاذ، ولنسارع إلى الاجتهاد في تحصيل الزاد للمعاد ؛ وربنا الهادي إلى سبيل الرشاد