تفسير سورة سورة مريم من كتاب تفسير المراغي
المعروف بـتفسير المراغي
.
لمؤلفه
أحمد بن مصطفى المراغي
.
المتوفي سنة 1371 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
ﭓﭔﭕﭖﭗ
ﰁ
ﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰂ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰃ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﰄ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
ﰅ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰆ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﰇ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﰈ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﰉ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﰊ
سورة مريم
هى مكية إلا آيتي ٥٨، ٧١ فمد نيتان، وآيها ثمان وتسعون.
ومناسبتها لسورة الكهف اشتمالها على نحو ما اشتملت عليه من أعاجيب القصص كقصة ولادة يحيى، وقصة ولادة عيسى عليهما السلام.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١ الى ١١]
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
تفسير المفردات
زكريا (يمد ويقصر) من ولد سليمان بن داود عليهم السلام وكان نجارا، نادى ربه:
أي دعاه، خفيا: أي مستورا عن الناس لم يسمعه أحد منهم، وهن العظم:
هى مكية إلا آيتي ٥٨، ٧١ فمد نيتان، وآيها ثمان وتسعون.
ومناسبتها لسورة الكهف اشتمالها على نحو ما اشتملت عليه من أعاجيب القصص كقصة ولادة يحيى، وقصة ولادة عيسى عليهما السلام.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١ الى ١١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
تفسير المفردات
زكريا (يمد ويقصر) من ولد سليمان بن داود عليهم السلام وكان نجارا، نادى ربه:
أي دعاه، خفيا: أي مستورا عن الناس لم يسمعه أحد منهم، وهن العظم:
32
ضعف ورقّ من الكبر إذ قد بلغ خمسا وسبعين سنة أو ثمانين، واشتعل الرأس شيبا: أي صار الشيب كالنار والشعر كأنه الحطب، ولقوتها وشدّتها أحرقت الرأس نفسه، شقيا. يقال شقى بكذا: أي تعب فيه ولم يحصّل مقصوده منه، والمراد أنه خائب غير مستجاب الدعوة، الموالي: هم عصبة الرجل، من ورائي: أي من بعدي، ويقال رجل عاقر وامرأة عاقر إذا كانا عقيمين، وليا: أي ولدا من صلبى، ويعقوب:
هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم وكان متزوجا أخت مريم بنت عمران من ولد سليمان عليه السلام، رضيا: أي مرضيا عندك قولا وفعلا، سميا: أي شريكا له فى الاسم فلم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله، وهذا دليل على أن الأسماء السّنع- الشريفة- جديرة بالأثرة وإياها كانت العرب تنتحى فى التسمية كما قال قائلهم فى المدح:
أنى: أي كيف، عتيا من عتا يعتو: أي يبست مفاصله وعظامه، شيئا: أي موجودا، آية: علامة، سويا: أي سوىّ الخلق سليم الجوارح ليس به بكم ولا خرس، المحراب: المصلّى، أوحى: أي أومأ وأشار، سبّحوا: أي صلوا، بكرة وعشيا أي صلاة الفجر وصلاة العصر.
المعنى الجملي
روى محمد بن إسحاق فى السيرة من حديث أم سلمة، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود فى قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة- أن جعفر بن أبى طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
الإيضاح
(كهيعص) تقدم الكلام فى المراد من أوائل السور، وأن المختار أن المقصود بها التنبيه كحروف التنبيه التي تقع أول الكلام نحو ألا ويا وغيرهما، وتقرأ بأسمائها فيقال (كاف. ها. يا عيّين. صاد).
هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم وكان متزوجا أخت مريم بنت عمران من ولد سليمان عليه السلام، رضيا: أي مرضيا عندك قولا وفعلا، سميا: أي شريكا له فى الاسم فلم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله، وهذا دليل على أن الأسماء السّنع- الشريفة- جديرة بالأثرة وإياها كانت العرب تنتحى فى التسمية كما قال قائلهم فى المدح:
سنع الأسامى مسبلى أزر | حمر تمسّ الأرض بالهدب |
المعنى الجملي
روى محمد بن إسحاق فى السيرة من حديث أم سلمة، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود فى قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة- أن جعفر بن أبى طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
الإيضاح
(كهيعص) تقدم الكلام فى المراد من أوائل السور، وأن المختار أن المقصود بها التنبيه كحروف التنبيه التي تقع أول الكلام نحو ألا ويا وغيرهما، وتقرأ بأسمائها فيقال (كاف. ها. يا عيّين. صاد).
33
(ذكر رحمت ربك عبده زكريا. إذ نادى ربه نداء خفيا) أي مما نقصّ عليك ذكر رحمة ربك عبده زكريا حين دعا ربه دعاء خفيا مستورا عن أعين الناس.
وإنما أخفى دعاءه، لأنه أدل على الإخلاص، وأبعد من الرياء، وأقرب إلى الخلاص من لائمة الناس، على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة.
وقصارى ذلك- إن فى هذه السورة ذكر الرحمة التي رحم الله بها عبده زكريا حين أسرّ بدعائه إليه.
ثم فصّل كيفية دعائه بقوله:
(قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا. وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقرا) أورد زكريا عليه السلام قبل سؤاله أمورا ثلاثة، كل منها يستحق الرحمة والشفقة:
(١) ضعفه ظاهرا وباطنا، وأثر الأول قد ظهر فى العظام التي هى حاملة سائر الأعضاء، ومتى وصل إليها الضعف كان ضعف ما عداها أولى وأجدر، وأثر الثاني واضح باستيلاء الشيب على الرأس واضطرامه فى السواد كما قال ابن دريد:
(٢) إنه ما ردّ دعاؤه ولا خاب استعطافه حينا من الدهر، بل كان كلما دعا استجيب له، وهو فى هذه الحال أجدر بالإجابة لضعفه وشيخوخته، وفى هذا إشارة إلى لطف الله به، وعظيم فضله عليه، مدى حياته.
وقد روى التاريخ أن معن بن زائدة أتاه سائل فقال من أنت؟ قال أنا الذي أحسنت إليه حين كذا، قال مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته.
(٣) إن فى إجابة الطلب منفعة دينية، إذ أنه خاف أن الموالي أي الورثة الذين يخلفونه فى إقامة الشعائر الدينية- لا يؤدون ما يجب عليهم نحو الدين من نشره وتبليغه الناس وعبادة الله كما أمر، والذبّ عنه إذا جد الجدّ، ووجب الدفاع عنه، فقد أثر عنهم
وإنما أخفى دعاءه، لأنه أدل على الإخلاص، وأبعد من الرياء، وأقرب إلى الخلاص من لائمة الناس، على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة.
وقصارى ذلك- إن فى هذه السورة ذكر الرحمة التي رحم الله بها عبده زكريا حين أسرّ بدعائه إليه.
ثم فصّل كيفية دعائه بقوله:
(قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا. وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقرا) أورد زكريا عليه السلام قبل سؤاله أمورا ثلاثة، كل منها يستحق الرحمة والشفقة:
(١) ضعفه ظاهرا وباطنا، وأثر الأول قد ظهر فى العظام التي هى حاملة سائر الأعضاء، ومتى وصل إليها الضعف كان ضعف ما عداها أولى وأجدر، وأثر الثاني واضح باستيلاء الشيب على الرأس واضطرامه فى السواد كما قال ابن دريد:
إما ترى رأسى حاكى لونه | طرّة صبح تحت أذيال الدجى |
واشتعل المبيضّ فى مسودّه | مثل اشتعال النار فى جمر الغضا |
وقد روى التاريخ أن معن بن زائدة أتاه سائل فقال من أنت؟ قال أنا الذي أحسنت إليه حين كذا، قال مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته.
(٣) إن فى إجابة الطلب منفعة دينية، إذ أنه خاف أن الموالي أي الورثة الذين يخلفونه فى إقامة الشعائر الدينية- لا يؤدون ما يجب عليهم نحو الدين من نشره وتبليغه الناس وعبادة الله كما أمر، والذبّ عنه إذا جد الجدّ، ووجب الدفاع عنه، فقد أثر عنهم
34
أنهم كانوا من شرار بنى إسرائيل، فخافهم ألا يحسنوا خلافته فى أمته، لا فى الدين ولا فى المال، ولا فى السياسة التي تتبع فى إدارة شؤونها.
وقد عرف زكريا عليه السلام ببعض الأمارات أن عصبته وهم إخوته وبنو عمه ربما استمروا على عادتهم فى الشر والفساد فخافهم على الدين أن يغيّروه، وألا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقبا من صلبه يقتدى به فى إحيائه، وينهج نهجه فيه فقال:
(فهب لى من لدنك وليا. يرثنى ويرث من آل يعقوب «١» واجعله رب رضيا) أي أعطني من واسع فضلك، وعظيم جودك وعطائك، لا بطريق الأسباب العادية ولدا من صلبى، يرث الحبورة منى، ويرث من بنى ماثان ملكهم (قال الكلبي كان بنو ماثان رؤس بنى إسرائيل وملوكهم، وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذ) ويكون برا تقيا مرضيا عندك وعند خلقك، تحبه ويحبونه لدينه وخلقه ومحاسن شيمه.
ونحو الآية قوله فى سورة آل عمران حكاية عنه «قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة» وقوله فى سورة الأنبياء «وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين».
ثم أخبر سبحانه أنه أجاب دعاءه وتولى تسمية الولد بنفسه فقال:
(يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) أي فاستجاب دعاءه وقال: يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاما اسمه يحيى (معرّب يوحنا، ففى إنجيل متى أنه يدعى يوحنا المعمدانى لأنه كان يعمّد الناس فى زمانه) لم يسم أحد من قبله بمثل اسمه.
ثم ذكر جواب زكريا عند هذه البشرى مظهرا التعجب مما سمع:
(قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا؟) أي ومن أي وجه يكون لى ذلك وامرأتى عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر
وقد عرف زكريا عليه السلام ببعض الأمارات أن عصبته وهم إخوته وبنو عمه ربما استمروا على عادتهم فى الشر والفساد فخافهم على الدين أن يغيّروه، وألا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقبا من صلبه يقتدى به فى إحيائه، وينهج نهجه فيه فقال:
(فهب لى من لدنك وليا. يرثنى ويرث من آل يعقوب «١» واجعله رب رضيا) أي أعطني من واسع فضلك، وعظيم جودك وعطائك، لا بطريق الأسباب العادية ولدا من صلبى، يرث الحبورة منى، ويرث من بنى ماثان ملكهم (قال الكلبي كان بنو ماثان رؤس بنى إسرائيل وملوكهم، وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذ) ويكون برا تقيا مرضيا عندك وعند خلقك، تحبه ويحبونه لدينه وخلقه ومحاسن شيمه.
ونحو الآية قوله فى سورة آل عمران حكاية عنه «قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة» وقوله فى سورة الأنبياء «وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين».
ثم أخبر سبحانه أنه أجاب دعاءه وتولى تسمية الولد بنفسه فقال:
(يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) أي فاستجاب دعاءه وقال: يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاما اسمه يحيى (معرّب يوحنا، ففى إنجيل متى أنه يدعى يوحنا المعمدانى لأنه كان يعمّد الناس فى زمانه) لم يسم أحد من قبله بمثل اسمه.
ثم ذكر جواب زكريا عند هذه البشرى مظهرا التعجب مما سمع:
(قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا؟) أي ومن أي وجه يكون لى ذلك وامرأتى عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر
(١) هو يعقوب بن ماثان وأخوه عمران بن ماثان والد مريم.
35
عن مباضعة النساء، أبأن تقوّينى على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجى ولودا وأنت القادر على ما تشاء، أم بأن أتزوج زوجا غير تلك العاقر؟
وخلاصة ذلك- إنه يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره به، لا إنكار منه لذلك وكيف يكون منه الإنكار لذلك وهو المبتدئ مسألة ربه به بقوله: فهب لى من لدنك وليا.
وإجمال المعنى- إنه تعجب حين أجيب إلى ما سأل وبشّر بالولد، وفرح فرحا شديدا وسأل عن الوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته عاقر لم تلد من أول عمرها، والآن قد كبرت وهو قد كبر وعتا: أي يبس عظمه ونحل ولم يبق له قدرة على قربان النساء، وكأنّه يقول: إنى حين كنت شابا وكهلا لم أرزق الولد لاختلال أحد السببين وهو عقم المرأة، أفحين اختل السببان أرزقه؟
(قال كذلك) أي قال الله تعالى: الأمر كما قلت، فسنهب لك الولد مع ما أنتما عليه من العقم والشيخوخة.
ثم علل هذا بقوله:
(قال ربك هو على هين) أي قال ربك الذي عوّدك الإحسان: خلق ولد منكما على هذه الحال هيّن، فإنى إذا أردت شيئا كان دون توقف على الأسباب العادية التي رسمتها للحمل والولادة.
ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال:
(وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) أي وليس خلق الغلام الذي وعدتك أن أهبه لك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلق البشر جملة من العدم، فإن خلق آدم ما هو إلا أنموذج لسائر أفراد الجنس، مستتبع لجريان آثاره عليه، فإبداعه عليه السلام على هذا النمط إبداع لجميع أفراد ذريته، والقادر على خلق الذوات والصفات من العدم المحض يكون أجدر بالقدرة على تبديل الصفات بخلق الولد من الشيخ والشيخة.
وخلاصة ذلك- إنه يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبله الولد الذي بشره به، لا إنكار منه لذلك وكيف يكون منه الإنكار لذلك وهو المبتدئ مسألة ربه به بقوله: فهب لى من لدنك وليا.
وإجمال المعنى- إنه تعجب حين أجيب إلى ما سأل وبشّر بالولد، وفرح فرحا شديدا وسأل عن الوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته عاقر لم تلد من أول عمرها، والآن قد كبرت وهو قد كبر وعتا: أي يبس عظمه ونحل ولم يبق له قدرة على قربان النساء، وكأنّه يقول: إنى حين كنت شابا وكهلا لم أرزق الولد لاختلال أحد السببين وهو عقم المرأة، أفحين اختل السببان أرزقه؟
(قال كذلك) أي قال الله تعالى: الأمر كما قلت، فسنهب لك الولد مع ما أنتما عليه من العقم والشيخوخة.
ثم علل هذا بقوله:
(قال ربك هو على هين) أي قال ربك الذي عوّدك الإحسان: خلق ولد منكما على هذه الحال هيّن، فإنى إذا أردت شيئا كان دون توقف على الأسباب العادية التي رسمتها للحمل والولادة.
ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال:
(وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) أي وليس خلق الغلام الذي وعدتك أن أهبه لك مع كبر سنك وعقم زوجك بأعجب من خلق البشر جملة من العدم، فإن خلق آدم ما هو إلا أنموذج لسائر أفراد الجنس، مستتبع لجريان آثاره عليه، فإبداعه عليه السلام على هذا النمط إبداع لجميع أفراد ذريته، والقادر على خلق الذوات والصفات من العدم المحض يكون أجدر بالقدرة على تبديل الصفات بخلق الولد من الشيخ والشيخة.
36
وخلاصة ذلك- أن من قدر على خلق الذوات والصفات والآثار من العدم، أجدر به أن يكون قادرا على تبديل الصفات، فيعيد إليه وإلى زوجه القوة وسائر الوسائل التي بها يمكن أن ينشأ منهما الولد كما قال «فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه».
ثم أخبر سبحانه أن زكريا تاقت نفسه إلى سرعة وجود المبشّر به، ليطمئن قلبه بما وعد به كما قال إبراهيم من قبله «رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبى» فقال حاكيا عنه:
(قال رب اجعل لى آية) أي قال رب اجعل لى علامة تدلنى على تحقق المسئول فى زمن معين، إذ كانت البشارة غير مقيدة بوقت، والحمل خفى فى مبدئه ولا سيما ممن انقطع حيضها لكبرها- إلى أنه أراد أن يطلعه على ذلك ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر حين حدوثها.
ثم بين أنه أجابه إلى ما طلب فقال:
(قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) أي علامتك على وجود المبشر به وحصول الحمل، ألا تقدر على تكليم الناس بكلامهم المعروف فى محاوراتهم وثلاث ليال وأنت صحيح، سوىّ الخلق، سليم الجوارح، ليس بك علة ولا مرض؟.
وجاء فى سورة آل عمران «قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا».
(فخرج على قومه من المحراب) أي فخرج غبّ إعلام الله له بهذه الآية على قومه من المحراب (وهو المسمى عند أهل الكتاب بالمذبح وهو مقصورة فى مقدّم المعبد لها باب يصعد إليه بسلم ذى درج قليلة يكون من فيه محجوبا عمن فى المعبد) ممتقع اللون منطلق اللسان بذكر الله منحبسه عن كلام الناس (وقد كانوا ينتظرون أن يفتح لهم الباب، إذ كان من عادتهم أن يصلوا معه صلاتى الغداة والعشى فى محرابه) فقالوا مالك يا نبى الله؟.
ثم أخبر سبحانه أن زكريا تاقت نفسه إلى سرعة وجود المبشّر به، ليطمئن قلبه بما وعد به كما قال إبراهيم من قبله «رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبى» فقال حاكيا عنه:
(قال رب اجعل لى آية) أي قال رب اجعل لى علامة تدلنى على تحقق المسئول فى زمن معين، إذ كانت البشارة غير مقيدة بوقت، والحمل خفى فى مبدئه ولا سيما ممن انقطع حيضها لكبرها- إلى أنه أراد أن يطلعه على ذلك ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر حين حدوثها.
ثم بين أنه أجابه إلى ما طلب فقال:
(قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) أي علامتك على وجود المبشر به وحصول الحمل، ألا تقدر على تكليم الناس بكلامهم المعروف فى محاوراتهم وثلاث ليال وأنت صحيح، سوىّ الخلق، سليم الجوارح، ليس بك علة ولا مرض؟.
وجاء فى سورة آل عمران «قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا».
(فخرج على قومه من المحراب) أي فخرج غبّ إعلام الله له بهذه الآية على قومه من المحراب (وهو المسمى عند أهل الكتاب بالمذبح وهو مقصورة فى مقدّم المعبد لها باب يصعد إليه بسلم ذى درج قليلة يكون من فيه محجوبا عمن فى المعبد) ممتقع اللون منطلق اللسان بذكر الله منحبسه عن كلام الناس (وقد كانوا ينتظرون أن يفتح لهم الباب، إذ كان من عادتهم أن يصلوا معه صلاتى الغداة والعشى فى محرابه) فقالوا مالك يا نبى الله؟.
37
(فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أي فأومأ إليهم وأشار كما جاء فى الآية الأخرى «إلا رمزا» أي سبحوا الله ونزهوه عن الشريك والولد، وعن كل نقص طرفى النهار.
وقد كان أخبرهم بما بشر به قبل وجود الآية، فلما تعذّر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشّر به من ذلك الأمر العجيب فى مجرى العادة فسرّوا به.
فلما ولد وبلغ سنا يؤمر فيه مثله قلنا:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٢ الى ١٥]
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
تفسير المفردات
الكتاب: هو التوراة، والقوة: الجد والاجتهاد، والحكم والحكمة: الفقه فى الدين، وحنانا: أي عطفا على الناس، وزكاة: أي طهارة من الذنوب والآثام، تقيا: أي مطيعا لأمر ربه، منتهيا عما نهى عنه، وبرا بوالديه: أي كثير البر والإحسان إليهما، جبارا:
أي متعاليا عن قبول الحق والإذعان له، عصيا: أي مخالفا أمر مولاه، سلام: أي أمان من الله عليه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه دعاء زكريا ربه أن يهبه غلاما سريا، وذكر أنه أجاب طلبه وجعل لذلك أمارة يعلم منها وقت الحمل به- ذكر هنا أنه بعد أن ظهر ذلك المولود إلى عالم الوجود وترعرع ونما، أمره بالجد والعمل لطاعته، وجعله برّا بوالديه، لا يعصى أوامر ربه، ولا يتعالى عن قبول الحق.
وقد كان أخبرهم بما بشر به قبل وجود الآية، فلما تعذّر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشّر به من ذلك الأمر العجيب فى مجرى العادة فسرّوا به.
فلما ولد وبلغ سنا يؤمر فيه مثله قلنا:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٢ الى ١٥]
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
تفسير المفردات
الكتاب: هو التوراة، والقوة: الجد والاجتهاد، والحكم والحكمة: الفقه فى الدين، وحنانا: أي عطفا على الناس، وزكاة: أي طهارة من الذنوب والآثام، تقيا: أي مطيعا لأمر ربه، منتهيا عما نهى عنه، وبرا بوالديه: أي كثير البر والإحسان إليهما، جبارا:
أي متعاليا عن قبول الحق والإذعان له، عصيا: أي مخالفا أمر مولاه، سلام: أي أمان من الله عليه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه دعاء زكريا ربه أن يهبه غلاما سريا، وذكر أنه أجاب طلبه وجعل لذلك أمارة يعلم منها وقت الحمل به- ذكر هنا أنه بعد أن ظهر ذلك المولود إلى عالم الوجود وترعرع ونما، أمره بالجد والعمل لطاعته، وجعله برّا بوالديه، لا يعصى أوامر ربه، ولا يتعالى عن قبول الحق.
38
الإيضاح
(يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أي خذ التوراة التي هى نعمة الله على بنى إسرائيل بجدّ واجتهاد، وحرص على العمل بها.
ثم وصفه الله بصفات كلها مناهج للخير ووسائل للطاعة فقال:
(١) (وآتيناه الحكم صبيا) أي وأعطيناه الحكمة والفقه فى الدين والإقبال على الخير وهو صغير لم يتم سبع سنين، روى أن الغلمان قالوا له يوما: هيّا بنا نلعب، قال:
ما للّعب خلقنا اذهبوا بنا نصلى.
(٢) (وحنانا من لدنا) أي وجعلناه ذا حنان وشفقة على الناس وحسن نظر فيما وليه من الحكم فيهم، وقد وصف الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله «فبما رحمة من الله لنت لهم» وقوله «حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم» (٣) (وزكاة) أي طهارة من الدنس وبعدا من اجتراح الذنوب والآثام.
(٤) (وكان تقيا) أي مطيعا لما به أمر وعنه نهى، فلم يفعل معصية ولا همّ بها.
(٥) (وبرا بوالديه)
أي كثير البر بهما والإحسان إليهما والحدب عليهما بعيدا عن عقوقهما قولا وفعلا، وقد جعل الله طاعة الوالدين فى المرتبة التي تلى مرتبة طاعته فقال: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا».
(٦) (ولم يكن جبارا)
أي لم يكن متكبرا على الناس، بل كان ليّن الجانب متواضعا لهم، وقد أمر الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» ووصفه بقوله: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» ومن ثم لما تجبر إبليس وتمرد صار مبعدا من رحمة ربه.
(٧) (عصيا) أي مخالفا لما أمره ربه.
ثم ذكر سبحانه جزاءه على ما قدم من عمل صالح وأسلف من طاعة ربه فقال:
(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)
أي وتحية من الله عليه أول ما يرى الدنيا، وأول يوم يرى فيه أمر الآخرة، وأول يوم يرى فيه الجنة والنار.
(يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أي خذ التوراة التي هى نعمة الله على بنى إسرائيل بجدّ واجتهاد، وحرص على العمل بها.
ثم وصفه الله بصفات كلها مناهج للخير ووسائل للطاعة فقال:
(١) (وآتيناه الحكم صبيا) أي وأعطيناه الحكمة والفقه فى الدين والإقبال على الخير وهو صغير لم يتم سبع سنين، روى أن الغلمان قالوا له يوما: هيّا بنا نلعب، قال:
ما للّعب خلقنا اذهبوا بنا نصلى.
(٢) (وحنانا من لدنا) أي وجعلناه ذا حنان وشفقة على الناس وحسن نظر فيما وليه من الحكم فيهم، وقد وصف الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله «فبما رحمة من الله لنت لهم» وقوله «حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم» (٣) (وزكاة) أي طهارة من الدنس وبعدا من اجتراح الذنوب والآثام.
(٤) (وكان تقيا) أي مطيعا لما به أمر وعنه نهى، فلم يفعل معصية ولا همّ بها.
(٥) (وبرا بوالديه)
أي كثير البر بهما والإحسان إليهما والحدب عليهما بعيدا عن عقوقهما قولا وفعلا، وقد جعل الله طاعة الوالدين فى المرتبة التي تلى مرتبة طاعته فقال: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا».
(٦) (ولم يكن جبارا)
أي لم يكن متكبرا على الناس، بل كان ليّن الجانب متواضعا لهم، وقد أمر الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمثل هذا فى قوله: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» ووصفه بقوله: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» ومن ثم لما تجبر إبليس وتمرد صار مبعدا من رحمة ربه.
(٧) (عصيا) أي مخالفا لما أمره ربه.
ثم ذكر سبحانه جزاءه على ما قدم من عمل صالح وأسلف من طاعة ربه فقال:
(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)
أي وتحية من الله عليه أول ما يرى الدنيا، وأول يوم يرى فيه أمر الآخرة، وأول يوم يرى فيه الجنة والنار.
39
وإنما خص هذه المواضع الثلاثة، لأن العبد أحوج ما يكون إلى رضا ربه فيها لضعفه وحاجته وقلة حيلته، وافتقاره إلى رحمة ربه ورأفته به.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)
تفسير المفردات
انتبذت: أي اعتزلت وتنحّت، مكانا شرقيا: أي شرقى بيت المقدس، حجابا:
أي ساترا تورات به منهم، روحنا: هو جبريل عليه السلام، سويا: أي سويّ الخلق كامل البنية، أعوذ: أي أعتصم وألتجئ، تقيا: أي مطيعا، لأهب لك: أي لأكون سببا فى هبته، غلاما: أي ولدا ذكرا، زكيا: أي طاهرا من الأدناس والأرجاس، أنى: أي كيف يكون ذلك؟ آية: أي علامة على قدرة خالقكم، مقضيا: أي محتوما قد تعلق به قضاؤنا الأزلى.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر قصص زكريا عليه السلام وأنه أوجد منه فى حال كبره وعقم زوجه ولدا زكيا مباركا- أردف ذلك بذكر قصص مريم وأنه أنجب منها ولدا من غير أب،
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)
تفسير المفردات
انتبذت: أي اعتزلت وتنحّت، مكانا شرقيا: أي شرقى بيت المقدس، حجابا:
أي ساترا تورات به منهم، روحنا: هو جبريل عليه السلام، سويا: أي سويّ الخلق كامل البنية، أعوذ: أي أعتصم وألتجئ، تقيا: أي مطيعا، لأهب لك: أي لأكون سببا فى هبته، غلاما: أي ولدا ذكرا، زكيا: أي طاهرا من الأدناس والأرجاس، أنى: أي كيف يكون ذلك؟ آية: أي علامة على قدرة خالقكم، مقضيا: أي محتوما قد تعلق به قضاؤنا الأزلى.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر قصص زكريا عليه السلام وأنه أوجد منه فى حال كبره وعقم زوجه ولدا زكيا مباركا- أردف ذلك بذكر قصص مريم وأنه أنجب منها ولدا من غير أب،
40
وبين القصصين مناسبة ظاهرة، ومن ثم ذكرهما مقترنين فى سورة آل عمران وهنا وفى الأنبياء، وبدأ بقصة يحيى لأن خلق الولد من شخصين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من خلق الولد بلا أب، ثم ثنّى بقصة عيسى لأنها أغرب من تلك.
ومن حسن طرق التعليم والتفهيم التدرج بالانتقال من الأقرب منالا إلى أصعب منه، وهكذا صعدا.
الإيضاح
(واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا)
أي واتل أيها الرسول فى كتاب الله الذي أنزله إليك بالحق، قصص مريم بنة عمران حين اعتزلت من أهلها وانفردت عنهم إلى مكان شرقى بيت المقدس لتتخلى للعبادة.
وعن ابن عباس أنه قال: إنى لأعلم خلق الله لأى شىء اتخذ النصارى المشرق قبلة، لقول الله عز وجل: «إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا»
فاتخذوا ميلاد عيسى عليه السلام قبلة؟.
(فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا)
أي فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها جبريل عليه السلام فجاءها بصورة رجل معتدل الخلق ليعلمها بما يريد بها من الكرامة بولادة عيسى عليه السلام من غير أب، إذ ربما يشتبه عليها الأمر فتقتل نفسها أسى وغما، وإنما مثّل لها بهذا المثال، لتأنس بكلامه، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته، ولأنّه لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع محاورته.
ثم حكى عنها سبحانه ما قالته حينئذ فقال:
(قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا)
أي فلما رأته فزعت منه وقالت:
ومن حسن طرق التعليم والتفهيم التدرج بالانتقال من الأقرب منالا إلى أصعب منه، وهكذا صعدا.
الإيضاح
(واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا)
أي واتل أيها الرسول فى كتاب الله الذي أنزله إليك بالحق، قصص مريم بنة عمران حين اعتزلت من أهلها وانفردت عنهم إلى مكان شرقى بيت المقدس لتتخلى للعبادة.
وعن ابن عباس أنه قال: إنى لأعلم خلق الله لأى شىء اتخذ النصارى المشرق قبلة، لقول الله عز وجل: «إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا»
فاتخذوا ميلاد عيسى عليه السلام قبلة؟.
(فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا)
أي فاتخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها جبريل عليه السلام فجاءها بصورة رجل معتدل الخلق ليعلمها بما يريد بها من الكرامة بولادة عيسى عليه السلام من غير أب، إذ ربما يشتبه عليها الأمر فتقتل نفسها أسى وغما، وإنما مثّل لها بهذا المثال، لتأنس بكلامه، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلماته، ولأنّه لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع محاورته.
ثم حكى عنها سبحانه ما قالته حينئذ فقال:
(قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا)
أي فلما رأته فزعت منه وقالت:
41
إنى أستجير بالرحمن منك أن تنال منى ما حرّم الله عليك إن كنت ذا تقوى له، تتقى محارمه، وتجتنب معاصيه، فمن يتق الله يجتنب ذلك.
وإجمال المعنى- إنه لما تبدى لها فى صورة البشر وهى فى مكان منفرد، وبينها وبين قومها حجاب خافته وظنت أنه يريدها على نفسها فقالت: إنى أعوذ بالله منك إن كنت تخافه- وقد فعلت المشروع فى الدفع وهو أن يكون بالهوينى والأسهل فالأسهل.
وخلاصة ذلك- إن الاستعاذة لا تؤثر إلا فى التقى، لأن الله تعالى يخشى فى حال، دون حال، فهو كقوله: «وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين» أي إن الإيمان يوجب ذلك.
فلما علم جبريل خوفها:
(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا)
أي فقال الملك مجيبا لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها: لست ممن تظنين، ولا يقع منى ما تتوهمين من الشر، ولكنى رسول ربك بعثني إليك، لأهب لك غلاما طاهرا مبرّأ من العيوب، وقد أضاف الهبة إلى نفسه من قبل أنها جرت على يده بأن نفخ فى جيبها بأمر الله.
ولما عجبت مريم مما سمعت:
(قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) أي قالت لجبريل:
من أي وجه يكون لى غلام، ولست بذات زوج، ولا يتصور منى الفجور؟.
(قال كذلك قال ربك هو على هين) أي قال الملك مجيبا لها عما سألت: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلام وإن لم تكونى ذات بعل، ولا تقترفين فاحشة، فإنه تعالى على ما يشاء قدير، ولا يمتنع عليه فعل ما يريده، ولا يحتاج فى إنشائه إلى الموادّ والآلات.
وإجمال المعنى- إنه لما تبدى لها فى صورة البشر وهى فى مكان منفرد، وبينها وبين قومها حجاب خافته وظنت أنه يريدها على نفسها فقالت: إنى أعوذ بالله منك إن كنت تخافه- وقد فعلت المشروع فى الدفع وهو أن يكون بالهوينى والأسهل فالأسهل.
وخلاصة ذلك- إن الاستعاذة لا تؤثر إلا فى التقى، لأن الله تعالى يخشى فى حال، دون حال، فهو كقوله: «وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين» أي إن الإيمان يوجب ذلك.
فلما علم جبريل خوفها:
(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا)
أي فقال الملك مجيبا لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها: لست ممن تظنين، ولا يقع منى ما تتوهمين من الشر، ولكنى رسول ربك بعثني إليك، لأهب لك غلاما طاهرا مبرّأ من العيوب، وقد أضاف الهبة إلى نفسه من قبل أنها جرت على يده بأن نفخ فى جيبها بأمر الله.
ولما عجبت مريم مما سمعت:
(قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) أي قالت لجبريل:
من أي وجه يكون لى غلام، ولست بذات زوج، ولا يتصور منى الفجور؟.
(قال كذلك قال ربك هو على هين) أي قال الملك مجيبا لها عما سألت: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلام وإن لم تكونى ذات بعل، ولا تقترفين فاحشة، فإنه تعالى على ما يشاء قدير، ولا يمتنع عليه فعل ما يريده، ولا يحتاج فى إنشائه إلى الموادّ والآلات.
42
ونحو الآية قوله فى سورة آل عمران: «كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون».
(ولنجعله آية للناس) أي وفعلنا ذلك لنجعل خلقه برهانا على قدرتنا، فقد خلقنا أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلقنا عيسى من أنثى فحسب، وخلقنا بقية الذرية من ذكر وأنثى، وإلى الأولين أشار القائل:
(ورحمة منا) أي ورحمة من الله لعباده، إذ بعثه نبيا يدعوا إلى عبادته وتوحيده.
(وكان أمرا مقضيا) أي قد قضاه الله فى سابق علمه، ومضى به حكمه، فلا يغير.
ولا يبدّل: «ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد».
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
تفسير المفردات
فانتبذت: أي فاعتزلت، قصيا: أي بعيدا من أهلها وراء الجبل، فأجاءها المخاض:
أي فألجأها واضطرها، والمخاض: الطلق حين تحرك الولد للخروج من البطن والنسى:
(بفتح النون وكسرها) الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى ولا يذكر ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل، والمنسى: ما لا يخطر بالبال لتفاهته، والسرىّ: السيد الشريف،
(ولنجعله آية للناس) أي وفعلنا ذلك لنجعل خلقه برهانا على قدرتنا، فقد خلقنا أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلقنا عيسى من أنثى فحسب، وخلقنا بقية الذرية من ذكر وأنثى، وإلى الأولين أشار القائل:
ألا رب مولود وليس له أب | وذى ولد لم يلده أبوان |
(وكان أمرا مقضيا) أي قد قضاه الله فى سابق علمه، ومضى به حكمه، فلا يغير.
ولا يبدّل: «ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد».
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
تفسير المفردات
فانتبذت: أي فاعتزلت، قصيا: أي بعيدا من أهلها وراء الجبل، فأجاءها المخاض:
أي فألجأها واضطرها، والمخاض: الطلق حين تحرك الولد للخروج من البطن والنسى:
(بفتح النون وكسرها) الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى ولا يذكر ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل، والمنسى: ما لا يخطر بالبال لتفاهته، والسرىّ: السيد الشريف،
43
والهز: تحريك الشيء بعنف أو بدونه، تساقط: أي تسقط، ورطبا: أي بسرا ناضجا جنيا: أي صالحا للاجتناء، فقولى: أي أشيرى إليهم. قال الفرّاء: العرب تسمى كل ما أفهم الإنسان شيئا- كلاما بأى طريق كان، إلا إذا أكد بالمصدر فيكون حقيقة فى الكلام كقوله: «وكلم الله موسى تكليما» صوما: أي صمتا.
الإيضاح
(فحملته فانتبذت به مكانا قصيا) أي فلما قال لها جبريل ما قال: استسلمت لقضاء الله، فنفخ جبريل فى جيب درعها (الفتحة التي من الأمام فى القميص) فدخلت النفخة فى جوفها فحملته قاله ابن عباس، وقال غيره: نفخ فى كمها، والقرآن قد أثبت النفخ فقال: فنفخنا فيها من روحنا» ولم يعين موضع النفخ فلا نجزم بشىء من ذلك إلا بالدليل القاطع، وحينئذ اعتزلت بالذي حملت وهو عيسى عليه السلام مكانا قاصيا عن الناس.
والقرآن الكريم لم يعين مدة الحمل (ولا حاجة إليها فى العبرة) فنقول إنها كانت كما يكون غيرها من النساء إلا إذا ثبت غيره، وكذلك لا حاجة إلى تعيين سنها حينئذ، إذ لا يتعلق به كبير فائدة.
وإنما اتخذت المكان البعيد حياء من قومها وهى من سلائل بيت النبوة، ولأنها استشعرت منهم اتهامها بالريبة، فرأت أن لا تراهم وأن لا يروها.
(فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) أي فألجأها وجع الولادة وألم الطلق أن تستند إلى جذع النخلة للتشبث به، لسهولة الولادة، وتمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت، حياء من الناس وخوفا من لأئمتهم، أو كانت شيئا لا يعتد به ولا يخطر ببال أحد من الناس.
الإيضاح
(فحملته فانتبذت به مكانا قصيا) أي فلما قال لها جبريل ما قال: استسلمت لقضاء الله، فنفخ جبريل فى جيب درعها (الفتحة التي من الأمام فى القميص) فدخلت النفخة فى جوفها فحملته قاله ابن عباس، وقال غيره: نفخ فى كمها، والقرآن قد أثبت النفخ فقال: فنفخنا فيها من روحنا» ولم يعين موضع النفخ فلا نجزم بشىء من ذلك إلا بالدليل القاطع، وحينئذ اعتزلت بالذي حملت وهو عيسى عليه السلام مكانا قاصيا عن الناس.
والقرآن الكريم لم يعين مدة الحمل (ولا حاجة إليها فى العبرة) فنقول إنها كانت كما يكون غيرها من النساء إلا إذا ثبت غيره، وكذلك لا حاجة إلى تعيين سنها حينئذ، إذ لا يتعلق به كبير فائدة.
وإنما اتخذت المكان البعيد حياء من قومها وهى من سلائل بيت النبوة، ولأنها استشعرت منهم اتهامها بالريبة، فرأت أن لا تراهم وأن لا يروها.
(فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) أي فألجأها وجع الولادة وألم الطلق أن تستند إلى جذع النخلة للتشبث به، لسهولة الولادة، وتمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت، حياء من الناس وخوفا من لأئمتهم، أو كانت شيئا لا يعتد به ولا يخطر ببال أحد من الناس.
44
(فناداها من تحتها: ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا) أي فناداها عيسى عليه السلام كما قال الحسن البصري وسعيد بن جبير، (وقد أنطقه الله حين وضعته تطييبا لقلبها، وإزالة للوحشة عنها حتى تشاهد بادى ذى بدء علوّ شأن ذلك المولود الذي بشرها به جبريل عليه السلام) ألا تحزنى فقد جعل ربك المحسن إليك، تحتك غلاما رفيع الشأن، سامى القدر ذا سخاء في مروءة.
(وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) أي أميلى إليك جذع النخلة واجذبيه بتحريكه، يسقط عليك رطبا جنيا تأكلين منه ما تشائين.
وتلك آية أخرى لها إذ روى أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء، فأنزل الله لها رزقا فجعل للنخلة رأسا وخوصا وجعل لها ثمرا رطبا- وهذه رواية يعوزها الدليل.
وفى هذا إيماء وتنبيه إلى أن من يقدر أن يثمر النخلة اليابسة فى الشتاء يقدر أن يجعلها تحمل من غير السنن العادية، وإلى أن السعى فى الرزق مطلوب ولا ينافى التوكل، ولله در القائل:
(فكلى واشربى وقرى عينا) أي فكلى من ذلك الرطب، واشربى من عصيره، وطيبى نفسا، وأبعدى عنك الأحزان، فإن الله قدير أن ينزّه ساحتك ويبعد عنك تخرّصات المبطلين الذين يتقيدون بالسنن التي جعلها الله الطريق للولادة فى البشر، ويرشدهم إلى الوقوف على سريرة أمرك حتى يثبتوا لك القداسة والطهر.
(فإما ترين من البشر أحدا فقولى إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) أي فإن رأيت أحدا من بنى آدم يسألك عن أمرك، وأمر ولدك وكيف ولدته، فأشيرى إليهم- إنى أوجبت على نفسى لله صمتا ألّا أكلم اليوم أحدا، فإن كلامى يقبل الرد والجدل، ولكن يتكلم عنى ذلك المولود الذي لا يقبل كلامه الدفع والرد، وإنى أنزّه نفسى عن مجادلة السفهاء، ولا أكلم إلا الملائكة أو أناجى الخالق.
(وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) أي أميلى إليك جذع النخلة واجذبيه بتحريكه، يسقط عليك رطبا جنيا تأكلين منه ما تشائين.
وتلك آية أخرى لها إذ روى أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء، فأنزل الله لها رزقا فجعل للنخلة رأسا وخوصا وجعل لها ثمرا رطبا- وهذه رواية يعوزها الدليل.
وفى هذا إيماء وتنبيه إلى أن من يقدر أن يثمر النخلة اليابسة فى الشتاء يقدر أن يجعلها تحمل من غير السنن العادية، وإلى أن السعى فى الرزق مطلوب ولا ينافى التوكل، ولله در القائل:
ألم تر أن الله أوحى لمريم | وهزّى إليك الجذع يسّاقط الرّطب |
ولو شاء أحنى الجذع من غير هزّه | إليها ولكن كل شىء له سبب |
(فإما ترين من البشر أحدا فقولى إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) أي فإن رأيت أحدا من بنى آدم يسألك عن أمرك، وأمر ولدك وكيف ولدته، فأشيرى إليهم- إنى أوجبت على نفسى لله صمتا ألّا أكلم اليوم أحدا، فإن كلامى يقبل الرد والجدل، ولكن يتكلم عنى ذلك المولود الذي لا يقبل كلامه الدفع والرد، وإنى أنزّه نفسى عن مجادلة السفهاء، ولا أكلم إلا الملائكة أو أناجى الخالق.
45
وليس الصمت عن الكلام من شريعة الإسلام، فقد روى أن أبا بكر دخل على امرأة قد نذرت ألا تتكلم، فقال: إن الإسلام قد هدم هذا فتكلمى، وروى ابن أبى حاتم عن ابن مسعود أنه جاءه رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ثم جلسا، فقال القوم: ما لصاحبك لم يسلّم؟ قال إنه نذر صوما، لا يكلم اليوم إنسيا، فقال له ابن مسعود: بئس ما قلت، إنما كانت تلك المرأة قالت ذلك ليكون عذرا لها إذا سئلت، وكانوا ينكرون أن يكون ولد من غير زوج إلا زنا- فتكلّم، وأمر بالمعروف، وأنه عن المنكر، فإنه خير لك.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٣]
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
تفسير المفردات
فريّا: أي عظيما خارقا للعادة، وهى الولادة بلا أب، من فرى الجلد أي قطعه على وجه الإفساد أو الإصلاح، ومنه فى وصف عمر «فلم أر عبقريا يفرى فريّه» وفى المثل:
جاء يفرى الفرىّ، وهارون هو أخو موسى عليه السلام، وقيل هو رجل صالح من بنى إسرائيل، والأخت على هذا بمعنى المشابهة، وشبهوها به تهكما، أو لما رأوا من
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٣]
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
تفسير المفردات
فريّا: أي عظيما خارقا للعادة، وهى الولادة بلا أب، من فرى الجلد أي قطعه على وجه الإفساد أو الإصلاح، ومنه فى وصف عمر «فلم أر عبقريا يفرى فريّه» وفى المثل:
جاء يفرى الفرىّ، وهارون هو أخو موسى عليه السلام، وقيل هو رجل صالح من بنى إسرائيل، والأخت على هذا بمعنى المشابهة، وشبهوها به تهكما، أو لما رأوا من
46
قبل من صلاحها، والمهد: الموضع يهيّأ للصبى ويوطّأ له والجمع مهود، والكتاب:
الإنجيل، مباركا: نفّاعا للناس، أو ثابتا فى دين الله، الجبار: المتعظم الذي لا يرى لأحد عليه حقا، والشقي: العاصي لربه.
الإيضاح
(فأتت به قومها تحمله قالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا) أي إن مريم حين أمرت أن تصوم يومها، ولا تكلم أحدا من البشر، وأنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها- سلمت أمرها إلى الله، واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها وأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك أعظموا ما رأوا، واستنكروا وقالوا يا مريم، لقد جئت أمرا عظيما منكرا.
ثم زادوا تأكيدا فى توبيخها وتعييرها فقالوا:
(يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيا) أي يا من أنت من نسل هارون أخى موسى، كما يقال للتميمى يا أخا تميم، وللمصرى يا أخا مصر، أو يا من أنت شبيهة بذلك الرجل المسمى بهذا الاسم الذي كنت تتأسّين به فى العبادة والزهد- ما كان أبوك بالفاجر وما كانت أمك بالبغىّ، فمن أين لك هذا الولد؟!.
أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وعبد بن حميد وابن أبى شيبة وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرءون (يا أخت هارون) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، قال فرجعت، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا أخبرتم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم»
وهذا التفسير النبوي يغنى عن سائر ما روى عن السلف فى ذلك.
(فأشارت إليه) أي فأشارت إلى عيسى أن كلّموه، وإنما اكتفت بالإشارة ولم تأمره بالنطق، لأنها نذرت للرحمن صوما عن الكلام، أو اقتصرت على ذلك
الإنجيل، مباركا: نفّاعا للناس، أو ثابتا فى دين الله، الجبار: المتعظم الذي لا يرى لأحد عليه حقا، والشقي: العاصي لربه.
الإيضاح
(فأتت به قومها تحمله قالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا) أي إن مريم حين أمرت أن تصوم يومها، ولا تكلم أحدا من البشر، وأنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها- سلمت أمرها إلى الله، واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها وأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك أعظموا ما رأوا، واستنكروا وقالوا يا مريم، لقد جئت أمرا عظيما منكرا.
ثم زادوا تأكيدا فى توبيخها وتعييرها فقالوا:
(يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيا) أي يا من أنت من نسل هارون أخى موسى، كما يقال للتميمى يا أخا تميم، وللمصرى يا أخا مصر، أو يا من أنت شبيهة بذلك الرجل المسمى بهذا الاسم الذي كنت تتأسّين به فى العبادة والزهد- ما كان أبوك بالفاجر وما كانت أمك بالبغىّ، فمن أين لك هذا الولد؟!.
أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وعبد بن حميد وابن أبى شيبة وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرءون (يا أخت هارون) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، قال فرجعت، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا أخبرتم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم»
وهذا التفسير النبوي يغنى عن سائر ما روى عن السلف فى ذلك.
(فأشارت إليه) أي فأشارت إلى عيسى أن كلّموه، وإنما اكتفت بالإشارة ولم تأمره بالنطق، لأنها نذرت للرحمن صوما عن الكلام، أو اقتصرت على ذلك
47
للمبالغة فى إظهار الآية العظيمة، وأن هذا المولود يفهم الإشارة، ويقدر على العبارة.
(قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا) أي قالوا لها، متهكمين بها، ظانين أنها تزدرى بهم وتهزأ: كيف نكلم من هو صبى فى المهد، ولم يعهد فى مثله وهو لم يدرج بعد من حجر أمه أن يكلم أحدا؟.
روى أن عيسى لما سمع كلامهم أقبل عليهم وترك الرضاع وأشار بيمينه، ثم بدأ يتكلم فوصف نفسه بجملة صفات:
(١) (قال إنى عبد الله) أي إنى عبد الله الذي له صفات الكمال لا أعبد غيره، وفى هذا إيماء إلى أن من كان لا يتخذ إلها من دونه، ولا يستعبده شيطان ولا هوى.
(٢) (آتانى الكتاب) أي سينزل علىّ الإنجيل.
(٣) (وجعلنى نبيا) أي وسيجعلنى نبيا، وفى هذا براءة لأمه، لأن الله لا يصطفى لنبوته أولاد سفاح.
(٤) (وجعلنى مباركا أين ما كنت) أي سيجعلنى نفاعا للناس هاديا لهم إلى سبيل الرشاد فى أىّ مكان كنت، وقد جعل هذه الصفات كأنها حدثت له فعلا وهى لم تحصل بعد، من قبل أنها لما كانت واقعة حتما نزّلت منزلة ما قد حصل.
(٥) (وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) أي وأمرنى بالصلاة، إذ فى إقامتها وإدامتها على الوجه الذي سنه الدين- تطهير النفوس من الأرجاس ومنع لها عن ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأمرنى بالزكاة بإعطاء جزء من المال للبائس والمحتاج، لما في ذلك من تطهير المال- ما دمت حيا فى الدنيا.
(٦) (وبرا بوالدتى) أي وجعلنى برا بوالدتي، مطيعا لها محسنا، وفى هذا رمز إلى نفى الريبة عنها، إذ لو لم تكن كذلك لما أمر الرسول المعصوم بتعظيمها.
(قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا) أي قالوا لها، متهكمين بها، ظانين أنها تزدرى بهم وتهزأ: كيف نكلم من هو صبى فى المهد، ولم يعهد فى مثله وهو لم يدرج بعد من حجر أمه أن يكلم أحدا؟.
روى أن عيسى لما سمع كلامهم أقبل عليهم وترك الرضاع وأشار بيمينه، ثم بدأ يتكلم فوصف نفسه بجملة صفات:
(١) (قال إنى عبد الله) أي إنى عبد الله الذي له صفات الكمال لا أعبد غيره، وفى هذا إيماء إلى أن من كان لا يتخذ إلها من دونه، ولا يستعبده شيطان ولا هوى.
(٢) (آتانى الكتاب) أي سينزل علىّ الإنجيل.
(٣) (وجعلنى نبيا) أي وسيجعلنى نبيا، وفى هذا براءة لأمه، لأن الله لا يصطفى لنبوته أولاد سفاح.
(٤) (وجعلنى مباركا أين ما كنت) أي سيجعلنى نفاعا للناس هاديا لهم إلى سبيل الرشاد فى أىّ مكان كنت، وقد جعل هذه الصفات كأنها حدثت له فعلا وهى لم تحصل بعد، من قبل أنها لما كانت واقعة حتما نزّلت منزلة ما قد حصل.
(٥) (وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) أي وأمرنى بالصلاة، إذ فى إقامتها وإدامتها على الوجه الذي سنه الدين- تطهير النفوس من الأرجاس ومنع لها عن ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأمرنى بالزكاة بإعطاء جزء من المال للبائس والمحتاج، لما في ذلك من تطهير المال- ما دمت حيا فى الدنيا.
(٦) (وبرا بوالدتى) أي وجعلنى برا بوالدتي، مطيعا لها محسنا، وفى هذا رمز إلى نفى الريبة عنها، إذ لو لم تكن كذلك لما أمر الرسول المعصوم بتعظيمها.
48
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﰡ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﰢ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﰣ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ
ﰤ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ
ﰥ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﰦ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﰧ
(٧) (ولم يجعلنى جبارا شقيا) أي ولم يجعلنى جبارا مستكبرا عن عبادته، ولا شقيا بعقوق والدتي وعدم البر بها.
(٨) (والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) أي والأمنة من الله علىّ، فلا يقدر أحد على ضرّى فى هذه المواطن الثلاثة التي هى أشق ما تكون على العباد.
واعلم أن اليهود والنصارى ينكرون أن عيسى عليه السلام تكلم فى المهد، واحتج النصارى على ذلك بأن هذا من الأحداث التي لو وجدت لتوافرت الدواعي على نقلها تواترا، لأنه من المناقب السامية، والفضائل التي لها الميزة العظمى بين الناس، ولما لم يعرف ذلك لدينا مع تتبعنا لفضائله، وشدة بحثنا عن الجليل والحقير من أحواله- علمنا أنه لم يوجد وأيضا فاليهود أظهروا عداوته حين ادعى النبوة، فلو أنه تكلم إذ ذاك لكانت عداوتهم له أشد، ولكان تحيلهم فى قتله أعظم، ومن حيث لم يحصل شىء من هذا علمنا أنه لم يتكلم.
والمسلمون يقولون: كفى إثباتا لذلك نص القرآن القاطع- إلى أن العقل يرشد إليه، إذ لولا كلامه الذي دلهم على براءة أمه من الزنا لما تركوا الحد عليها، وربما كان الحاضرون حين كلامه عددا قليلا ومن ثم لم يشتهر بينهم، وربما لم يحضر اليهود كلامه، ولم يسمعوا به.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٣٤ الى ٤٠]
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠)
(٨) (والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) أي والأمنة من الله علىّ، فلا يقدر أحد على ضرّى فى هذه المواطن الثلاثة التي هى أشق ما تكون على العباد.
واعلم أن اليهود والنصارى ينكرون أن عيسى عليه السلام تكلم فى المهد، واحتج النصارى على ذلك بأن هذا من الأحداث التي لو وجدت لتوافرت الدواعي على نقلها تواترا، لأنه من المناقب السامية، والفضائل التي لها الميزة العظمى بين الناس، ولما لم يعرف ذلك لدينا مع تتبعنا لفضائله، وشدة بحثنا عن الجليل والحقير من أحواله- علمنا أنه لم يوجد وأيضا فاليهود أظهروا عداوته حين ادعى النبوة، فلو أنه تكلم إذ ذاك لكانت عداوتهم له أشد، ولكان تحيلهم فى قتله أعظم، ومن حيث لم يحصل شىء من هذا علمنا أنه لم يتكلم.
والمسلمون يقولون: كفى إثباتا لذلك نص القرآن القاطع- إلى أن العقل يرشد إليه، إذ لولا كلامه الذي دلهم على براءة أمه من الزنا لما تركوا الحد عليها، وربما كان الحاضرون حين كلامه عددا قليلا ومن ثم لم يشتهر بينهم، وربما لم يحضر اليهود كلامه، ولم يسمعوا به.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٣٤ الى ٤٠]
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠)
49
تفسير المفردات
قول الحق: أي قول الصدق الذي لا شبهة فيه، يمترون: أي يشكّون ويتنازعون، ما كان لله أن يتخذ من ولد. أي ما ينبغى ولا يصح أن يجعل له ولدا، صراط مستقيم: أي طريق لا يضل سالكه، الأحزاب: فرق النصارى الثلاث، مشهد:
أي شهود وحضور، يوم عظيم: هو يوم القيامة، اليوم: أي فى الدنيا، يوم الحسرة، هو يوم القيامة حين يندم الناس على ما فرّطوا فى جنب الله، قضى الأمر: أي فرغ من الحساب.
الإيضاح
(ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون) أي ذلك الذي فصّلت نبوّته، وذكرت مناقبه وأوصافه، هو عيسى بن مريم، نقول ذلك قول الصدق الذي لا ريب فيه، لا كما يقول اليهود من أنه ساحر وحاشاه، ولا كما تقول طائفة من النصارى إنه ابن الله، ولا كما تزعم طائفة أخرى أنه هو الله، ويخلعون عليه من صفات الألوهية ما هو منه براء.
ثم أكد ما دل عليه سابق الكلام من كونه ابنا لمريم لا لغيرها بقوله:
(ما كان لله أن يتخذ من ولد) أي لا يليق بحكمة الله وكمال ألوهيته أن يتخذ الولد لأنه لو أراده لخلقه بقول «كن» فلا حمل ولا ولادة، ولأن الولد إنما يرغب فيه، ليكون حافظا لأبيه يعوله وهو حىّ، وذكرا له بعد الموت، والله تعالى لا يحتاج إلى شىء من ذلك لعالم كله خاضع له، لا حاجة له إلى ولد ينفعه، وهو حى أبدا.
قول الحق: أي قول الصدق الذي لا شبهة فيه، يمترون: أي يشكّون ويتنازعون، ما كان لله أن يتخذ من ولد. أي ما ينبغى ولا يصح أن يجعل له ولدا، صراط مستقيم: أي طريق لا يضل سالكه، الأحزاب: فرق النصارى الثلاث، مشهد:
أي شهود وحضور، يوم عظيم: هو يوم القيامة، اليوم: أي فى الدنيا، يوم الحسرة، هو يوم القيامة حين يندم الناس على ما فرّطوا فى جنب الله، قضى الأمر: أي فرغ من الحساب.
الإيضاح
(ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون) أي ذلك الذي فصّلت نبوّته، وذكرت مناقبه وأوصافه، هو عيسى بن مريم، نقول ذلك قول الصدق الذي لا ريب فيه، لا كما يقول اليهود من أنه ساحر وحاشاه، ولا كما تقول طائفة من النصارى إنه ابن الله، ولا كما تزعم طائفة أخرى أنه هو الله، ويخلعون عليه من صفات الألوهية ما هو منه براء.
ثم أكد ما دل عليه سابق الكلام من كونه ابنا لمريم لا لغيرها بقوله:
(ما كان لله أن يتخذ من ولد) أي لا يليق بحكمة الله وكمال ألوهيته أن يتخذ الولد لأنه لو أراده لخلقه بقول «كن» فلا حمل ولا ولادة، ولأن الولد إنما يرغب فيه، ليكون حافظا لأبيه يعوله وهو حىّ، وذكرا له بعد الموت، والله تعالى لا يحتاج إلى شىء من ذلك لعالم كله خاضع له، لا حاجة له إلى ولد ينفعه، وهو حى أبدا.
50
ولما كان اتخاذ الولد من النقائص أشار إلى تنزيهه تعالى عن ذلك فقال:
(سبحانه) أي تنزه ربنا عن كل نقص من اتخاذ الولد أو غيره.
ثم ذكر علة هذا التنزيه وبيان الوجه فيه فقال:
(إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أي إذا أراد شيئا فإنما يأمر به فيصير كما يشاء كما قال: «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون» ومن كان هذا شأنه فكيف يتوهم أن يكون له ولد، لأن ذلك من أمارات النقص والاحتياج؟.
(وإن الله ربى وربكم فاعبدوه) أي ومما أمر به عيسى قومه وهو فى مهده أن أخبرهم بقوله- إن الله ربى وربكم، وأمرهم بعبادته.
(هذا صراط مستقيم) أي هذا الذي أوصيتكم أن الله أمرنى به هو الطريق المستقيم فمن سلكه نجا، ومن اتبعه اهتدى، لأنه هو الدين الذي أمر به أنبياءه، من خالفه ضل وغوى، وسلك سبيل الردى.
ثم أشار إلى أنه مع وضوح الأمر فى شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه- اختلفوا فيه كما قال:
(فاختلف الأحزاب من بينهم) أي فاختلف قوم عيسى فى شأنه فرقا ثلاثا.
فقالت اليعقوبية: (نسبة إلى عالم منهم يسمى يعقوب) هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وقالت النسطورية (نسبة إلى عالم يسمى نسطور). هو ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه. وقالت الملكانية (نسبة إلى الملك قسطنطين وكان فيلسوفا عالما) إنه عبد الله كسائر خلقه. وهذا الرأى هو الذي نصره الملك ونصره غيره من شيعته.
ثم توعد من كذب على الله وافترى وزعم أن له ولدا فقال:
(فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) أي فعذاب شديد للكافرين من شهود ذلك اليوم وهو يوم القيامة، لشدة بأسه وعذابه، فالأيدى والأرجل والألسن
(سبحانه) أي تنزه ربنا عن كل نقص من اتخاذ الولد أو غيره.
ثم ذكر علة هذا التنزيه وبيان الوجه فيه فقال:
(إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أي إذا أراد شيئا فإنما يأمر به فيصير كما يشاء كما قال: «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون» ومن كان هذا شأنه فكيف يتوهم أن يكون له ولد، لأن ذلك من أمارات النقص والاحتياج؟.
(وإن الله ربى وربكم فاعبدوه) أي ومما أمر به عيسى قومه وهو فى مهده أن أخبرهم بقوله- إن الله ربى وربكم، وأمرهم بعبادته.
(هذا صراط مستقيم) أي هذا الذي أوصيتكم أن الله أمرنى به هو الطريق المستقيم فمن سلكه نجا، ومن اتبعه اهتدى، لأنه هو الدين الذي أمر به أنبياءه، من خالفه ضل وغوى، وسلك سبيل الردى.
ثم أشار إلى أنه مع وضوح الأمر فى شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه- اختلفوا فيه كما قال:
(فاختلف الأحزاب من بينهم) أي فاختلف قوم عيسى فى شأنه فرقا ثلاثا.
فقالت اليعقوبية: (نسبة إلى عالم منهم يسمى يعقوب) هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وقالت النسطورية (نسبة إلى عالم يسمى نسطور). هو ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه. وقالت الملكانية (نسبة إلى الملك قسطنطين وكان فيلسوفا عالما) إنه عبد الله كسائر خلقه. وهذا الرأى هو الذي نصره الملك ونصره غيره من شيعته.
ثم توعد من كذب على الله وافترى وزعم أن له ولدا فقال:
(فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) أي فعذاب شديد للكافرين من شهود ذلك اليوم وهو يوم القيامة، لشدة بأسه وعذابه، فالأيدى والأرجل والألسن
51
تشهد على أصحابها، وقد أجل الله عقابهم إلى هذا اليوم حلما منه وثقة بقدرته عليهم، فهو لا يعجّل عقوبة من عصاه كما
جاء فى الصحيحين «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد)
وفى الصحيحين أيضا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله- إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم».
ثم عجب ربنا من قوة سمع الكفار وحذّة أبصارهم يوم القيامة وقد كانوا على الضد من هذا فى الدنيا فقال:
(أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم فى ضلال مبين) أي لئن كان هؤلاء الكفار الذين جعلوا لله أندادا وزعموا أن له ولدا- عميا فى الدنيا عن إبصار الحق والنظر إلى حجج الله التي أودعها فى الكون دالة على وحدانيته وعظيم قدرته وبديع حكمته، صما عن سماع آي كتبه وما دعتهم إليه الرسل مما ينفعهم فى دينهم ودنياهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم- فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم فى الآخرة، وما أبصرهم حينئذ، حيث لا يجدى السماع والإبصار شيئا، ويعضّون على أناملهم حسرة وأسفا، ويتمنون على الله الأمانى، فيودون الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.
ومن ثم لا يجاب لهم طلب، بل يقال لكل أفاك أثيم «خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه. ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم».
ثم أمر سبحانه نبيه أن ينذر قومه والمشركين جميعا فقال:
(وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون) أي وأنذر الناس جميعا يوم يتحسر الظالمون على ما فرّطوا فى جنب الله حين فرغ من الحساب، وذهب
جاء فى الصحيحين «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد)
وفى الصحيحين أيضا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله- إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم».
ثم عجب ربنا من قوة سمع الكفار وحذّة أبصارهم يوم القيامة وقد كانوا على الضد من هذا فى الدنيا فقال:
(أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم فى ضلال مبين) أي لئن كان هؤلاء الكفار الذين جعلوا لله أندادا وزعموا أن له ولدا- عميا فى الدنيا عن إبصار الحق والنظر إلى حجج الله التي أودعها فى الكون دالة على وحدانيته وعظيم قدرته وبديع حكمته، صما عن سماع آي كتبه وما دعتهم إليه الرسل مما ينفعهم فى دينهم ودنياهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم- فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم فى الآخرة، وما أبصرهم حينئذ، حيث لا يجدى السماع والإبصار شيئا، ويعضّون على أناملهم حسرة وأسفا، ويتمنون على الله الأمانى، فيودون الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.
صاح هل ريت أو سمعت براع | ردّ فى الضّرع ما قرى فى الحلاب |
ثم أمر سبحانه نبيه أن ينذر قومه والمشركين جميعا فقال:
(وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون) أي وأنذر الناس جميعا يوم يتحسر الظالمون على ما فرّطوا فى جنب الله حين فرغ من الحساب، وذهب
52
أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، ونودى كل من الفريقين لا خروج من هنا بعد اليوم، ولا موت بعد اليوم.
روى الشيخان والترمذي عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «يؤتى بالموت بهيئة كبش أملح (يخالط بياضه سواد) فينادى مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون.
نعم، هذا الموت، وكلهم قد رأوه، ثم ينادى مناد يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت وكلهم قد رأوه، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ «وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون».
وقوله إذ قضى الأمر أي إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها بذبح الموت.
وذبحه تصوير لأن كلّا من الفريقين يفهم فهما لا لبس فيه أنه لا موت بعد ذلك.
وقوله: وهم فى غفلة: أي عن ذلك اليوم، وعن حسراته وأهواله، وقوله: وهم لا يؤمنون: أي وهم لا يصدّقون بالقيامة والبعث ومجازاة الله لهم على سييء أعمالهم بما أخبر أنه مجازيهم به.
ثم سلى رسوله وتوعد المشركين فقال:
(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) أي لا يحزنك أيها الرسول تكذيب المشركين لك فيما أتيتهم به من الحق، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير الخلق أجمعين، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من الناس بعد فنائهم، ثم نجازى كل نفس بما عملت حينئذ، فنجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب.
روى الشيخان والترمذي عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «يؤتى بالموت بهيئة كبش أملح (يخالط بياضه سواد) فينادى مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون.
نعم، هذا الموت، وكلهم قد رأوه، ثم ينادى مناد يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت وكلهم قد رأوه، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ «وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون».
وقوله إذ قضى الأمر أي إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها بذبح الموت.
وذبحه تصوير لأن كلّا من الفريقين يفهم فهما لا لبس فيه أنه لا موت بعد ذلك.
وقوله: وهم فى غفلة: أي عن ذلك اليوم، وعن حسراته وأهواله، وقوله: وهم لا يؤمنون: أي وهم لا يصدّقون بالقيامة والبعث ومجازاة الله لهم على سييء أعمالهم بما أخبر أنه مجازيهم به.
ثم سلى رسوله وتوعد المشركين فقال:
(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) أي لا يحزنك أيها الرسول تكذيب المشركين لك فيما أتيتهم به من الحق، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير الخلق أجمعين، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من الناس بعد فنائهم، ثم نجازى كل نفس بما عملت حينئذ، فنجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب.
53
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰨ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﰩ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﰪ
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
ﰫ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰬ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰭ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﰮ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﰯ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰰ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ
ﰱ
قصص إبراهيم عليه السلام
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤١ الى ٥٠]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥)
قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
تفسير المفردات
واذكر فى الكتاب: أي اتل فى هذه السورة، صدّيقا: أي مبالغا فى الصدق لم يكذب قط، صراطا سويا: أي طريقا مستقيما موصلا إلى نيل السعادة، وليا: أي قرينا تليه ويليك فى العذاب، أراغب أنت عن آلهتي: أي أكاره لها، لأرجمنك: أي لأشتمنك باللسان أو لأرجمنك بالحجارة، مليّا: أي دهرا طويلا. قال مهلهل:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤١ الى ٥٠]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥)
قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
تفسير المفردات
واذكر فى الكتاب: أي اتل فى هذه السورة، صدّيقا: أي مبالغا فى الصدق لم يكذب قط، صراطا سويا: أي طريقا مستقيما موصلا إلى نيل السعادة، وليا: أي قرينا تليه ويليك فى العذاب، أراغب أنت عن آلهتي: أي أكاره لها، لأرجمنك: أي لأشتمنك باللسان أو لأرجمنك بالحجارة، مليّا: أي دهرا طويلا. قال مهلهل: