تفسير سورة طه

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة طه من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
طه سورة طه صلى الله عليه وسلم مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية كوفي

طه (١)
﴿طه﴾ فخم الطاء لاستعلائها وأمال الهاء أبو عمرو وأمالهما حمزة وعلي وخلف وأبو بكر وفخمهما على الأصل غيرهم وما رُوي عن مجاهد والحسن والضحاك وعطاء وغيرهم أن معناه يا رجل فإن صح فظاهر وإلا فالحق ما هو المذكور في سورة البقرة
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)
﴿ما أنزلنا عليك القرآن﴾ إن جعلت طه تعديداً لأسماء الحروف فهو ابتداء كلام وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ والقرآن ظاهرا وقع موقع المضمر لأنها قرآن وأن يكون جواباً لها وهي قسم ﴿لتشقى﴾ لتتعب لفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا أو بقيام الليل وأنه روى أنه عليه السلام صلى بالليل حت تورمت قدماه فقال له جبريل أبق على نفسك فإن لها عليك حقاً أي ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣)
﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً﴾ استثناء منقطع أي لكن أنزلناه تذكرة أو حال ﴿لّمَن يخشى﴾ لمن يخاف الله أو لمن يؤل أمره إلى الخشية
تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤)
﴿تَنْزِيلاً﴾ بدل من تَذْكِرَةٌ إذا جعل حالاً ويجوزان ينتصب بنزل مضمرا أو على المدح أو يخشى مفعولا به أي أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله ﴿مّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات﴾ مِنْ يتعلق بتنزيلا صلة له ﴿العلي﴾ جمع العلياء تأنيث الاعلى ووصف السموات بالعلى دليل ظاهر على عظم قدرة خالقها
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)
﴿الرحمن﴾ رفع على المدح أي هو الرحمن ﴿عَلَى العرش﴾ خبر مبتدأ محذوف ﴿استوى﴾ استولى عن الزجاج ونبه بذكر العرش وهو أعظم المخلوقات على غيره وقيل لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا استوى فلان على العرش أي ملك وإن لم يقعد على السرير ألبتة وهذا كقولك يد فلان مبسوطة أي جواد وإن لم يكن له يد رأساً والمذهب قول علي رضي الله عنه الاستواء غير مجهول والتكييف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لأنه تعالى كان ولا مكان فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (٦)
﴿لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض﴾ خبر ومبتدأ ومعطوف ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي ذلك كله ملكه ﴿وَمَا تَحْتَ الثرى﴾ ما تحت سبع الأراضين أو هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)
﴿وإن تجهر بالقول﴾
طه (١٤ - ٧)
ترفع صوتك ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر﴾ ما أسررته إلى غيرك ﴿وَأَخْفَى﴾ منه وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (٨)
﴿الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى﴾ أي هو واحد بذاته وإن افترقت عبارات صفاته رد لقولهم إنك تدعو آلهة حين سمعوا اسماءه تعالى والحسنى تأنيث الاحسان
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩)
﴿وَهَلْ﴾ أي وقد ﴿أَتَاكَ حَدِيثُ موسى﴾ خبره قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠)
﴿إِذْ رَأَى﴾ ظرف لمضمر أي حين رأى ﴿نَارًا﴾ كان كيت وكيت أو مفعول به لا ذكر رُوي أن موسى عليه السلام استأذن شعيباً في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فولد له ابن في الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فرأى عند ذلك ناراً في زعمه وكان نوراً ﴿فَقَالَ لأَِهْلِهِ امكثوا﴾ أقيموا في مكانكم ﴿إِنّى آنَسْتُ﴾ أبصرت ﴿نَارًا﴾ والإيناس رؤية شيء يؤنس به ﴿لعلي آتيكم منها﴾ بنى الأمر على الرجاء لئلا يعد ما ليس يستيقن الوباء به ﴿بقبس﴾ نار مقتبس في رأس عود او فتبلة ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى﴾ ذوي هدى أو قوماً يهدونني الطريق ومعنى الاستعلاء في عَلَى النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (١١)
﴿فَلَمَّا أتاها﴾ أي النار وجد ناراً بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها وكانت شجرة العناب أو العوسج ولم يجد عندها أحد أو روى أنه كلما طلبها بعدت عنه فإذا تركها قربت فبم منه ﴿نُودِىَ﴾ موسى ﴿يَا موسى﴾
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٢)
﴿إني﴾ بكسر الهمزة أي نودي فقيل يا موسى إني أولان النداء ضرب من القول فعومل معاملته واماطة الشبهة روى انها لما نودي يا موسى قال مَن المتكلم
358
فقال الله عز وجل أنا ربك فعرف انه كلام الله عز وجل بأنه سمعه من جميع جهاته الست وسمعه بجميع أعضائه ﴿فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس أو لأنها كانت من جلد حمار ميت غير مدبوغ أو لأن الحفوة تواضع لله ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها فجعلهما والقاهما من وراء الوداي ﴿إِنَّكَ بالواد المقدس﴾ المطهر أو المبارك ﴿طُوًى﴾ حيث كان منوّن شامي وكوفي لأنه اسم علم للوادي وهو بدل منه وغيرهم بغير تنوين بتأويل البقعة وقرأ أبو زيد بكسر الطاء بلا تنوين
359
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣)
﴿وَأَنَا اخترتك﴾ اصطفيتك للنبوة وإنا اخترناك حمزة ﴿فاستمع لِمَا يُوحَى﴾ إليك للذي يوحى أو للوحي واللام يتعلق باستمع أبو باخترتك
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)
﴿إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدني﴾
وحدني وأطعني ﴿وأقم الصلاة لذكري﴾ لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأدكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو لأن أذكرك بالمدح والثناء أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لتكون لي ذاكراً غير ناس أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها وذا يصح بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)
﴿إن الساعة آتية﴾ لا محالة ﴿أَكَادُ﴾ أريد عن الأخفش وقيل صلة ﴿أُخْفِيهَا﴾ قيل هو من الأضداد أي أظهرها أو أسترها عن العباد فلا أقول هي آتية لإرادتي إخفاءها ولولا ما في الأخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من الحكمة وهو أنهم إذا لم يعلموا متى تقوم كانوا على وجل منها
359
في كل وقت لما اخبرت به ﴿لتجزى﴾ متعلق بآتية ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى﴾ بسعيها من خير أو شر
360
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦)
﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ فلا يصرفنك عن العمل للساعة أو عن إقامة الصلاة أو عن الإيمان بالقيامة فالخطاب لموسى والمراد به أمته ﴿مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا﴾ لا يصدق بها ﴿واتبع هَوَاهُ﴾ في مخالفة أمره ﴿فتردى﴾ فتهلك
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧)
﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ ما مبتدأ وتلك خبره هي بمعنى هذه وبيمينك حال عمل فيها معنى الإشارة أي قارة أو مأخوذة بيمينك أو تِلْكَ موصول صلته بِيَمِينِكَ والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت أو للتوطين لئلا يهول انقلابها حية أو للإيناس ورفع الهيبة للمكالمة
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨)
﴿قال هي عصاي أتوكأ عَلَيْهَا﴾ أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة ﴿وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى﴾ أخبط ورق الشجر على غنمي لتأكل ﴿ولي فيها﴾ حفص ﴿مآرب﴾ جمع مأربة بالحركات الثلاثة وهي بالحاجة ﴿أخرى﴾ والقياس أخر وإنما قال أخرى رداً إلى الجماعة أو لنسق الآي وكذا الكبرى ولما ذكر بعضها شكراً أجمل الباقي حياء من التطويل أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الإكرام والمآرب الأخر أنها كانت تماشيه وتحدثه وتحارب العدو والسباع وتصير رشاء فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها فتثمر ثمرة يشتهيها ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب وكانت تقيه الهوام والزيادة على الجواب لتعداد النعم شكراً أو لأنها جواب سؤال آخر لأنه لما قال هِىَ عَصَايَ قيل له ما تصنع بها فأخذ يعدد منافعها
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩)
﴿قال ألقها يا موسى﴾ اطرح عصاك لتفزع مما تتكئ عليه فلا تسكن إلا بنا وترى فيها كنه ما فيها من المآرب فتعتمد علينا في المطالب
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)
﴿فألقاها﴾ فطرحها
طه (٢٧ - ٢٠)
﴿فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى﴾ تمشي سريعاً قيل انقلبت ثعباناً يبتلع الصخر والشجر فلما رآها تبتلع كل شيء خاف وإنما وصف بالحية هنا وبالثعبان وهو العظيم من الحيات وبالجان وهو الدقيق في غيرها لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير وجاز أن تنقلب حية صفراء دقيقة ثم يتزايد جرمها حتى تصير ثعباناً فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها أو لأنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان وقيل كان بين لحييها أربعون ذراعاً ولما
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١)
﴿قَالَ﴾ له ربه ﴿خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ﴾ بلغ من ذهاب خوفه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها ﴿سَنُعِيدُهَا﴾ سنردها ﴿سِيَرتَهَا الأولى﴾ تأنيث الأول والسيرة الحالة التي يكون عليها الإنسان غريزية كانت أو مكتسبة وهي في الأصل فعلة من السير كالركبة من الركوب ثم استعملت بمعنى الحالة والطريقة وانتصبت على الظرف أي سنعيدها في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا والمعنى نردها عصاً كما كانت وأرى ذلك موسى عند المخاطبة لئلا يفزع منها إذا انقلبت حية عند فرعون
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢)
ثم نبه على آية أخرى فقال ﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ﴾ إلى جنبك تحت العضد وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما أي يميلهما عند الطيران والمعنى أدخلها تحت عضدك ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاء﴾ لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ﴿مِنْ غَيْرِ سُوء﴾ برص ﴿آيةً أُخرى﴾ لنبوتك بيضاء وآية حالان معاً ومن غير سوء صلة بيضاء كقولك ابيضت من غير سوء وجازان ينتصب آية بفعل محذوف يتعلق به لام
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (٢٣)
﴿لنريك من آياتنا الكبرى﴾ أي خذ هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى العظمى أو نريك بهما الكبرى من آياتنا أو المعنى فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤)
﴿اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى﴾ جاوز حد العبودية إلى دعوى الربوبية ولما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي وعرف أنه كلف أمراً عظيماً يحتاج إلى صدر فسيح
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥)
﴿قَالَ رَبّ اشرح لِي صَدْرِى﴾ وسعه ليحتمل الوحي والمشاق وردئ الأخلاق من فرعون وجنده
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦)
﴿ويسر لي أمري﴾ وسهل ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون واشرح لي صدري آكد من اشرح صدري لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الاجمالي والتفصيل لأنه بقول اشرح لي ويسر لي علم أن ثمة مشروحاً وميسراً ثم رفع الإبهام بذكر الصدر والأمر
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧)
﴿واحلل﴾ افتح ﴿عُقْدَةً مّن لّسَانِي﴾ وكان في لسانه رتة للجمرة التي وضعها على لسانه في صباه وذلك أن موسى أخذ لحية فرعون ولطمه لطمة شديدة في صغره فأراد قتله فقالت آسية أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجعلت في طشت ناراً وفي طشت بواقيت ووضعتهما لدى موسى فقصد البواقيت فامال الملك
طه (٣٩ - ٢٨)
يده إلى النار فرفع جمرة فوضعها على لسانه فاحترق لسانه فصار لكنة منها وروي أن يداه احترقت واجتهد فرعون في علاجها فلم يبرأ ولما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها وعن لساني صفة لقعدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني وهذا يشعر بأنه لم تزل العقدة بكمالها وأكثرهم على ذهاب جميعها
يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)
﴿يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ عند تبليغ الرسالة
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩)
﴿واجعل لّي وَزِيراً﴾ ظهيراً اعتمد عليه من الوزر الثقل لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنته الوزر والملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره أو معينا من المؤازرة وهي المعاونة فوزيرا مفعول أول لا جعل والثاني ﴿من أهلي﴾ او لي وزيرا مفعولاه
هَارُونَ أَخِي (٣٠)
وقوله ﴿هارون﴾ عطف بيان لوزيرا وقوله ﴿أخي﴾ بل أو عطف بيان أخر ووزيرا وهرون مفعولاه وقدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١)
﴿اشدد به أزري﴾ أقو به ظهري وقيل الأزر القوة
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)
﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ اجعله شريكي في النبوة والرسالة واشدد واشركه على حكاية النفس شامي على الجواب والباقون على الدعاء والسؤال
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣)
﴿كي نسبحك﴾ نصلي لك وننرهك تسبيحا ﴿كثيرا﴾
وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤)
﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً﴾ في الصلوات وخارجها
إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥)
﴿إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً﴾ عالماً بأحوالنا فأجابه الله تعالى حيث
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (٣٦)
﴿قال قد أوتيت سؤلك يا موسى﴾ اعطيت مسئولك فالسؤال الطلبة فعل بمعنى مفعول كخبر بمعنى مخبوز سولك بلا همز أبو عمرو
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (٣٧)
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا﴾ أنعمنا ﴿عَلَيْكَ مَرَّةً﴾ كرة ﴿أخرى﴾ قبل هذه
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (٣٨)
ثم فسرها فقال ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إلى أُمّكَ مَا يوحى﴾ إلهاماً أو مناماً حين ولدت وكان فرعون يقتل أمثالك وإذا ظرف لمننا ثم فسر ما يوحى بقوله
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٣٩)
﴿أن اقذفيه﴾ القيه ﴿في التابوت﴾ وان مفسرة لأن الوحي بمعنى القول ﴿فاقذفيه فِى اليم﴾ النيل ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ الجانب وسمي ساحلاً لأن الماء يسحله أي يقشره والصيغة أمر ليناسب ما تقدم ومعناه الإخبار أي يلقيه اليم بالساحل ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّي وَعَدُوٌّ له﴾ يعني فرعون والضمائر كلها راجعة على موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت يفضي إلى تنابز النظم والمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان هو التابوت لكن موسى في جوف التابوت رُوي أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا فوضعته فيه وقبرته ثم ألقته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير فبينما هو جالس على رأس بركة مع آسية إذا بالتابوت فأمر به فأخرج ففتح فإذا بصبي أصبح الناس وجها فأحبه فرعون حبا
طه (٤٣ - ٣٩)
شديداً فذلك قوله ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى﴾ يتعلق مني بالقيت يعني إني أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب فما رآه أحد إلا أحبه قال قتادة كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحد به ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ معطوف على محذوف تقديره وألقيت عليك محبة لتحب ولتصنع ﴿على عَيْنِى﴾ أي لتربى بمرأى مني وأصله من صنع الفرس أي أحسن القيام عليه يعني أنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به وَلِتُصْنَعَ بسكون اللام والجزم يزيد على أنه أمر منه
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (٤٠)
﴿إِذْ تَمْشِى﴾ بدل من إِذْ أَوْحَيْنَا لأن مشي أخته كان منة عليه ﴿أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ﴾ رُوي أن أخته مريم جاءت متعرفة خبره فصادفهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي امرأة فقالت
364
هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه فيربيه وأرادت بذلك المرضعة الأم وتذكير الفعل للفظ مِنْ فقالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها وذلك قوله ﴿فرجعناك﴾ فرددناك ﴿إلى أمك﴾ كما وعدناها بقولنا انا راده اليك ﴿كَى تَقَرَّ عَيْنُها﴾ بلقائك ﴿وَلاَ تَحْزَنْ﴾ على فراقك ﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً﴾ قبطياً كافراً ﴿فنجيناك مِنَ الغم﴾ من القود قيل الغم القتل بلغة قريش وقيل اغتم بسبب القتل خوفاً من عقاب الله تعالى ومن اقتصاص فرعون فغفر الله له باستغفاره قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نفسي فاغفر لي ونجاه من فرعون بأن ذهب به من مصر إلى مدين ﴿وفتناك فُتُوناً﴾ ابتليناك ابتلاء بإيقاعك في المحن وتخليصك منها والفتون مصدر كالعقود أو جمع فتنة أي فتناك ضروباً من الفتن والفتنة المحنة وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ هي بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر قال وهب لبث عند شعيب ثمانياً وعشرين سنة عشر منها مهر لصفوراء وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد ﴿ثم جئت على قدر يا موسى﴾ أي موعد ومقدار الرسالة وهو أربعون سنة
365
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)
﴿واصطنعتك لنفسي﴾ اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي للتتصرف على إرادتي ومحبتي قال الزجاج اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (٤٢)
﴿اذهب أنت وأخوك بآياتي﴾ بمعجزاتي ﴿وَلاَ تَنِيَا﴾ تفترا من الونى وهو الفتور والتقصير ﴿فِى ذِكْرِى﴾ أي اتخذا ذكري جناحاً تطيران به أو
365
أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها
366
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣)
﴿اذهبا إلى فرعون﴾ كرر لأن
طه (٤٨ - ٤٣)
الأول مطلق والثاني مقيد ﴿إِنَّهُ طغى﴾ جاوز الحد بإدعائه الربوبية
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)
﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً﴾ الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى أو كياه وهو من ذوي الكي الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة أو عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا ينزع عنه إلا بالموت أو هو قوله هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى ربك فتخشى فظاهره الاستفهام والمشورة ﴿لعله يتذكر﴾ أي يتعظ ويتأمل فيذعن للحق ﴿أو يخشى﴾ أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره انكاره على الهلكة وإنما قال لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ مع علمه أنه لا يتذكر لأن الترجي لهما أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وقيل معناه لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش وقد كان ذلك من كثير من الناس وقيل لَعَلَّ من الله تعالى واجب وقد تذكر ولكن حين لم ينفعه التذكر وقيل تذكر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان وكان لا يقطع أمراً دونه وتليت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (٤٥)
﴿قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ يعجل علينا بالعقوبة ومنه الفارط يقال فرط عليه أي عجل ﴿أَوْ أَن يطغى﴾ يجاوز الحد في الإساءة إلينا
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)
﴿قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا﴾ أي حافظكما وناصركما ﴿أَسْمِعْ﴾ أقوالكما ﴿وأرى﴾ أفعالكما قال ابن عباس رضي الله عنهما أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فامتنع لست بغافل عنكما فلا تهتما
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (٤٧)
﴿فَأْتِيَاهُ﴾ أي فرعون ﴿فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ﴾ إليك ﴿فأرسل معنا بني إسرائيل﴾ أي اطلقهم على الاستبعاد والاسترقاق ﴿وَلاَ تُعَذّبْهُمْ﴾ بتكليف المشاق ﴿قَدْ جئناك بآية مّن رَّبّكَ﴾ بحجة على صدق ما ادعيناه وهذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ مجرى البيان والتفسير والتفصيل لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتا وهي المجئ بالآي فقال فرعون وما هي فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس ﴿والسلام على مَنِ اتبع الهدى﴾ أي سلم من العذاب من أسلم وليس بتحية وقيل وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)
﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العذاب﴾ في الدنيا والعقبى ﴿على مَن كَذَّبَ﴾ بالرسل ﴿وتولى﴾ أعرض عن الإيمان وهي أرجى آي القرآن لأنه جعل جنس السلام للمؤمن وجنس العذاب على الكذب وليس وراء
طه (٥٤ - ٤٩)
الجنس شيء فانياه وأديا الرسالة وقالا له ما أمرا به
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩)
﴿قال فمن ربكما يا موسى﴾ خاطبهما ثم بادي أحدهما لأن موسى هو الأصل في النبوة وهرون نابعه
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)
﴿قَالَ رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ﴾ حلقه أول مفعولي أعطي أي أعطى حليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذا الأنف
367
والرجل واليد كل واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها وقرأ نصير خَلَقَهُ صفة للمضاف أو للمضاف إليه أي أعطى كل شيء مخلوق عطاء ﴿ثم هدى﴾ عرف فكيف يرتمق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى
368
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١)
﴿قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى﴾ فما حال الأمم الخالية والرمم البالية سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)
﴿قَالَ﴾ موسى مجيباً ﴿عِلْمُهَا عِندَ رَبّى﴾ مبتدأ وخبر ﴿في الكتاب﴾ أي اللوح خبر ثانٍ أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب وعلم أحوال الفروق مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ ﴿لاَّ يضل ربي﴾ أي لا يخطئ شيئا يقال صللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهد له أي لا يخطئ في سعادة الناس وشقاوتهم ﴿وَلاَ يَنسَى﴾ ثوابهم وعقابهم وقيل لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣)
﴿الذي﴾ مرفوع صفة لربي أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح ﴿جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ كوفي وغيرهم مهادا وهما لغتان لما يبسط ويفرش ﴿وَسَلَكَ﴾ أي جعل ﴿لكم فيها سبلا﴾ طرفا ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء﴾ أي مطراً ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ بالماء نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للإفتنان وقيل ثم كلام موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله فَأَخْرَجْنَا بِهِ وقيل هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس ﴿أزواجا﴾ أصنافاً ﴿مّن نبات﴾ هو مصدر سمي به النبات فاستوى فيه الواحد والجمع ﴿شتى﴾ صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي إنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها للناس وبعضها للبهائم ومن نعمة الله تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الأنعام وقد جعل
368
الله علفها مما يفضل عن حاجتنا مما لا يقدر على أكله قائلين
369
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤)
﴿كُلُواْ وارعوا أنعامكم﴾ حال من الضمير في فَأَخْرَجْنَا والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلموا بعضها
طه (٥٩ - ٥٤)
﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ في الذي ذكرت ﴿لآيَاتٍ﴾ لدلالات ﴿لأُِوْلِي النهى﴾ لذوي العقول واحدها نهية تنهى عن المحظور أو ينتهى إليها في الامور
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (٥٥)
﴿مِنْهَا﴾ من الأرض خلقناكم أي أباكم آدم عليه السلام وقيل يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معاً أو لأن النطفة من الأغذية وهي من الأرض ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ إذا متم فدفنتم ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ﴾ عند البعث ﴿تَارَةً أخرى﴾ مرة أخرى والمراد بإخراجهم أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر عدد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقلبون عليها وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاءوا وانبت فيها أصناف النبات التي منها أفواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا وأمهم التي منها ولدوا وهي كفاتهم إذا ماتوا
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦)
﴿ولقد أريناه﴾ أي فرعون ﴿آياتنا كلها﴾ وهي تسع آيات العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل ﴿فكذب﴾ الآيات ﴿وأبى﴾ قبول الحق
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (٥٧)
﴿قال﴾ فرعون ﴿أجئتنا لتخرجنا من أرضنا﴾ مصر ﴿بسحرك يا موسى﴾ فيه دليل على أنه خاف منه خوفا شديدا وقوله بسحرك تعلل والافاي ساحر يقدر أن يخرج ملكا من أرضه
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨)
﴿فلنأتينك بسحر مثله﴾ فلنعارضك بسحر مثل سحرك {فاجعل بيننا
369
وبينك موعدا} هو مصدر بمعنى الوعد ويقدر مضاف أي مكان موعد الضمير في ﴿لا نخلفه﴾ للموعد قرأ يزيد بالجزم على جواب الأمر وغيره بالرفع على الوصف للموعد ﴿نحن ولا أنت مكانا﴾ هو بدل من المكان المحذوف ويجوز أن لا يقدر مضاف ويكون المعنى اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه وانتصب مكانا بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر ﴿سوى﴾ بالكسر حجازي وأبو عمرو وعلى وغيرهم الضم وهو نعت لمكانا أي منصفا بيننا وبينك وهو من الاستواء لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية
370
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩)
﴿قال موعدكم يوم الزينة﴾ مبتدأ وخبر وهو يوم عيد كان لهم أو يوم النيروز أو يوم عاشوراء وإنما استقام الجواب بالزمان وان كان السؤال عن المكان على تأويل الأول لأن اجتماعهم يوم الزينة يكون في مكان لا محالة فبذكر الزمان علم المكان وعلى الثاني تقديره وعدكم وعد يوم الزينة ﴿وأن يحشر الناس﴾ أي تجمع في موضع رفع أو جر عطفا على يوم أو الزينة ﴿ضحى﴾ أي وقت الضحوة
طه (٦٣ - ٦٠)
لنكون أبعد عن الريبة وأبين لكشف الحق وليشيع في جميع اهل الوبر والمدر
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠)
﴿فتولى فرعون﴾ أدبر عن موسى معرضا ﴿فجمع كيده﴾ مكره وسحرته وكانوا اثنين وسبعين او اربعمائة أو سبعين ألفا ﴿ثم أتى﴾ للموعد
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (٦١)
﴿قال لهم موسى﴾ أي للسحرة ﴿ويلكم لا تفتروا على الله كذبا﴾ لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا ﴿فيسحتكم﴾ كوفي غير أبي بكر يهلككم وبفتح الياء والحاء غيرهم والسحت والاسحاق بمعنى الإعدام وانتصب على جواب النهى ﴿بعذاب﴾ عظيم ﴿وقد خاب من افترى﴾ من كذب على الله
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (٦٢)
﴿فتنازعوا﴾ اختلفوا أي السحرة فقال بعضهم هو ساحر مثلنا وقال بعضهم ليس هذا بكلام السحرة أي لا يفتروا على الله كذبا بالآية ﴿أمرهم بينهم وأسروا النجوى﴾ أي تشاوروا في السر وقالوا ان كان ساحرا فسنغلبه وان كان من السماء فله أمر والنجوى يكون مصدرا واسم ثم لفقوا هذا الكلام يعني
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (٦٣)
﴿قالوا إن هذان لساحران﴾ يعني موسى وهرون قرأ أبو عمر إن هَذينِ لساحران وهو ظاهر ولكنه مخالف للإمام وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة ان هذان لساحران بتخفيف إن مثل قولك إن زيد لمنطلق واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة والثقيلة وقيل هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران دليله قراءة أبي أن هذان إلا ساحران وغيرهم إن هذان لساحران قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبداً فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدى قال... إن أباها وأبا أباها... قد بلغ في المجد غايتاها...
وقال الزجاج إن بمعنى نعم قال الشاعر... ويقلن شيب قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنه...
أي نعم والهاء للوقف وهذان مبتدأ وساحران خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره هذان لهما ساحران فيكون دخولها في موضعها الموضع لها وهو الابتداء وقد يدخل اللام في الخبر كما يدل في المبتدأ قال... خالي لأنت ومن جرير خاله...
371
قال فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو عليّ ﴿يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ﴾ مصر ﴿بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ﴾ بدينكم وشريعتكم ﴿المثلى﴾ الفضلى وتأنيث الامثل وهو الأفضل
طه (٦٩ - ٦٤)
372
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (٦٤)
﴿فأجمعوا﴾ فاحكموا أي جعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا فَأَجْمِعُواْ أبو عمرو ويعضده فجمع كيده ﴿كيدهم﴾ هو ما يكاد به ﴿ثُمَّ ائتوا صَفّاً﴾ مصطفين حال أمر وابان يأتوا صفالانه أهيب في صدور الرائين ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى﴾ وقد فاز من غلب وهو اعتراض
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥)
﴿قالوا﴾ أي السحرة ﴿يا موسى إِمَّا أَن تُلْقِيَ﴾ عصاك أولاً ﴿وَإِمَّا أَن نكون أول من ألقى﴾ مامعنا وموضع أن مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار إلقائهم أولاً حتى
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)
﴿قَالَ بَلْ أَلْقُواْ﴾ أنتم أولاً ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه ويسلط المعجزة على السحرة فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فألقوا ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ﴾ يقال في إِذَا هذه إذا المفاجأة والتحقيق أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي ﴿يُخَيَّلُ﴾ وبالتاء ابن ذكوان
372
﴿إِلَيْهِ﴾ إلى موسى ﴿مِن سحرهم أنها تسعى﴾ رفع بدل اشمال من الضمر في يُخَيَّلُ أي يخيل الملقى رُوي أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك
373
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧)
﴿فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً موسى﴾ أضمر في نفسه خوفا ظنا منه أيها تقصده للجبلة البشرية أو خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨)
﴿قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى﴾ الغالب القاهر وفي ذكر أن وأنت وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينه
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩)
﴿وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ﴾ بسكون اللام وافاء وتخفيف القاف حفص ابن ذكوان الباقون تَلْقَفْ ﴿مَا صَنَعُواْ﴾ زوراً وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم ولم يقل عصاك تعظيماً لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها أو تحقيراً أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها ﴿إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر
طه (٧٢ - ٦٩)
أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر وكيد بالرفع على القراءتين وما موصولة أو مصدرية وإنما وجد ساحر ولم يجمع لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد فلوا جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله ﴿وَلاَ يُفْلِحُ الساحر﴾ أي هذا الجنس ﴿حَيْثُ أتى﴾ أينما كان فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (٧٠)
﴿فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّداً﴾ قال الأخفش من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصبهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفر بين الإلقاءين رُوي أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤسهم
373
ثم ﴿قَالُواْ امَنَّا بِرَبّ هارون وموسى﴾ وإنما قدم هرون هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيبا
374
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١)
﴿قال آمنتم﴾ بغير مد حفص وبهمزة ممدودة بصري وشامي وحجازي وبهمزتين غيرهم ﴿له قبل أن آذن لَكُمْ﴾ أي لموسى يقال آمن له وآمن به ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذى عَلَّمَكُمُ السحر﴾ لعظيمكم أو لمعلمكم تقول أهل مكة للمعلم أمرني كبيري ﴿فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ﴾ القطع من خلاف أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لأن كل واحد من العضوين يخالف الآخر بأن هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك شمال من لابتداء الغاية لان المقطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو ومحل الجار والمجرور والنصب على الحال يعني لأقطعنها مختلفات لأنها إذا خالف بعضها بعضاً فقد اتصفت بالاختلاف شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن المظروف في الظرف فلهذا قال ﴿وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النخل﴾ وخص النخل لطول جذوعها ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عذابا﴾ انا على إيمانكم بي أو رب موسى على ترك الايمان به وقيل يريد بنفسه لعنه الله وموسى صلوات الله وسلامه عليه بدليل قوله آمنتم له واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله كقوله يُؤْمِنُ بالله ويؤمن للمؤمنين ﴿وأبقى﴾ ادوم
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢)
﴿قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ﴾ لن نختارك ﴿على مَا جَاءنَا مِنَ البينات﴾ القاطعة الدالة على صدق موسى ﴿والذى فَطَرَنَا﴾ عطف على مَا جَاءنَا أي لن نختارك على الذي جاءنا ولا على الذي خلقنا أو قسم وجوابه لَن يؤثر مقدم على القسم ﴿فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ فاصنع ما أنت صانع من القتل والطلب قال
374
طه (٧٧ - ٧٢)
وعليهما مسرودتان قضاهما
أي صنعهما أو احكم ما أنت حاكم ﴿إنما تقضي هذه الحياة الدنيا﴾ أي في هذه الحياة الدنيا فانتصب على الظروف أي إنما تحكم فينا مدة حياتنا
375
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣)
﴿إنا آمنا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ﴾ ما موصولة منصوبة بالعطف على خطايانا ﴿مِنَ السحر﴾ حال من ما روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما ففعل فوجدوه وتحرسه عصاه فقالوا ما هذا بسحر الساحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الاتيان بالسحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الإتيان بالسحر وضر فرغون جهله به ونفعهم علمهم بالسحر فكيف بعلم الشرع ﴿والله خَيْرُ﴾ ثواباً لمن أطاعه ﴿وأبقى﴾ عقاب المن عصاه وهو رد لقول فرعون وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (٧٤)
﴿أَنَّهُ﴾ هو ضمير الشأن ﴿مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً﴾ كافراً ﴿فَإِنَّ لَهُ﴾ للمجرم ﴿جَهَنَّمَ لاَ يموت فيها﴾ فيستربح بالموت ﴿وَلاَ يحيى﴾ حياة ينتفع بها
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (٧٥)
﴿وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً﴾ مات على الإيمان ﴿قَدْ عَمِلَ الصالحات﴾ بعد الإيمان ﴿فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى﴾ جمع العلياء
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)
﴿جنات عَدْنٍ﴾ بدل من الدرجات ﴿تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا﴾ دائمين ﴿وذلك جَزَاء من تزكى﴾ تطهر من الشرك بقوله لا إله إلا الله قيل هذه الآيات الثلاث حكاية قولهم قيل خبر من الله تعالى لا على وجه الحكاية وهو أظهر
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧)
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى﴾ لما أراد الله تعالى إهلاك فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بهم من مصر ليلاً ويأخذ بهم طريق البحر ﴿فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِى البحر﴾ اجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهماً ﴿يَبَساً﴾ أي يابساً وهو مصدر وصف به يقال يبس يبسا ويبا ﴿لاَّ تَخَافُ﴾ حال من الضمير في فاضرب أي اضرب لهم طريقاً غير خائف لاَ تَخَفْ حمزة على الجواب ﴿دَرَكاً﴾ هو اسم من الإدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يحلقونك ﴿وَلاَ تخشى﴾ الغرق وعلى قراءة حمزة وَلاَ تخشى استئاف أي وأنت لا تخشى أو يكون الألف للاطلاق كا في وتظنون بالله الظنونا فخرج بهم موسى من أول الليل وكانوا سبعين الفا وقد
طه (٨٣ - ٧٨)
استعاروا حليهم فركب فرعون في ستمائة ألف من القبط فقص أثرهم فذلك قوله
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨)
﴿فأتبعهم فرعون بجنوده﴾ وهو حال أي خرج خلفهم ومعه جنوده ﴿فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم﴾ أصابهم من البحر ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾ هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة أي غشيهم مالا يعلم كنهه إلا الله عز وجل
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩)
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ عن سبيل الرشاد ﴿وَمَا هدى﴾ وما أرشدهم إلى الحق والسداد وهذا رد لقوله وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (٨٠)
ثم ذكر منته على بني إسرائيل بعدما أنجاهم من البحر وأهلك فرعون وقومه بقوله ﴿يا بني إسرائيل﴾ أي أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي وقلنا يا بني إسرائيل ﴿قَدْ أنجيناكم مّنْ عَدُوّكُمْ﴾ أي فرعون ﴿وواعدناكم﴾ بإيتاء الكتاب ﴿جَانِبِ الطور الأيمن﴾ وذلك أن الله عز وجل وعد موسى أن يأتي هذا لمكان ويختار سبعين رجلاً يحضرون معه لنزول التوراة وإنما نسب إليهم المواعدة لأنها كانت لنبيهم ونقبائهم وإليهم رجعت منافعها التي قام بها شرعهم ودينهم والأيمن نصب لأنه صفة جانب وقرئ
376
بالجر على الجوار ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى﴾ في التيه وقلنا لكم
377
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (٨١)
﴿كُلُواْ مِن طيبات﴾ حلالات ﴿مَا رزقناكم﴾ أنجيتكم وواعدتك ورزقتكم كوفي غير عاصم ﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ﴾ ولا تتعدوا حدود الله فيه بأن تكفروا النعم وتنفقوها في المعاصي أولا يظلم بعضكم بعضاً ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى﴾ عقوبتي ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هوى﴾ هلك أو سقط سقوطا لا نهوض قرا على فيحل ويحلل والباون بكسرهما فالمسكور في معنى الوجوب من حل الدين بحل إذ وجب اداؤ وجب أداؤه والمضموم في معنى النزول
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)
﴿وإني لغفار لمن تاب﴾ عن الشرك ﴿وآمن﴾ وحد الله تعالى وصدقه فيما أنزل ﴿وَعَمِلَ صالحا﴾ أدى الفرائض ﴿ثُمَّ اهتدى﴾ ثم استقام وثبت على الهدى وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح
وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (٨٣)
﴿وما أعجلك﴾ أي وأي شيء بك ﴿عن قومك يا موسى﴾ أي عن السبعين الذين اختارهم وذلك أن مضى معهم إلى الطور على الموعد
طه (٨٧ - ٨٤)
كلام ربه وأمرهم ان يتبعوه قال تعالى واما أعجلك أي أي شيء أوب عجلتك استفهام انكار وما مبتدأ وأعجلك الخبر
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (٨٤)
﴿قَالَ هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى﴾ أي هم خلفي يلحقون بي وليس بيني وبين وبينهم الا مسافة يسيرة ثم كر موجب العجلة فقال ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ﴾ أي إلى الموعد الذي وعدت ﴿لترضى﴾ لتزداد عني رضاً وهذا دليل على جواز الاجتهاد
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)
﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ﴾ ألقيناهم في فتنة ﴿مِن بَعْدِكَ﴾ من بعد خروجك من بينهم والمراد بالقوم الذين خلفهم مع هرون ﴿وَأَضَلَّهُمُ السامرى﴾ بدعائه إياهم إلى عبادة العجل وإجاتهم له وهومنسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجاً من كرمان فاتخذ عجلاً واسمه موسى بن ظفر وكان منافقاً
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)
﴿فرجع موسى﴾ من مناجاة ربه ﴿إلى قَوْمِهِ غضبان أَسِفًا﴾ شديد الغضب أو حزيناً ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً﴾ وعدهم الله أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور وكانت ألف سورة كل سوره ألف آية يحمل أسفارها سبعون جملاً ولا وعد أحسن من ذلك ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد﴾ أي مدة مفارقتي إياكم والعهد والزمان يقال طال عهدي بك أي طال زماني بسبب مفارقتك ﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ أي أردتم أن تفعلوا فعلاً يجب به عليكم الغضب من ربكم ﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى﴾ وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الآيات فأخلفوا موعده باتخاذ العجل
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧)
﴿قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا﴾ فتح الميم مدني وعاصم وبضمها حمزة وعلي وبكسرها غيرهم أي ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا امرنا أي لو ملكنا أمرنا وخلينا وأرينا لما أخلفنا موعدك ولكن غلبنا من جهة السامري وكيده ﴿ولكنا حُمّلْنَا﴾ بالضم والتشديد حجازي وشامي وحفص وبفتح الحاء والميم مع التخفيف غيرهم ﴿أَوْزَاراً مّن زِينَةِ القوم﴾ أثقالاً من حلي القبط أو أرادوا بالاوزار أنها آثام وتبعات لأنهم قد استعارها ليلة الخروج من مصر بعلة أن لنا غداً عيداً فقال السامري إنما حبس موسى لشؤم حرمتها لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب وليس
378
للمستأمن أن يأخذ مال الحربي على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ فأحرقوها فخبأ في حفرة النار قالب عجل فانصاغت عجلاً مجوفاً فخار بدخول الريح في مجار منها أشباه العروق وقيل نفخ فيه تراباً من موضع قوائم فرس جبريل عليه السلام يوم
طه (٩٣ - ٨٧)
الغرق وهو فرس حياة فحي فخار ومالت طباعهم إلى الذهب فعبدوه ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ في نار السامري التي أوقدها في الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلي ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامرى﴾ ما معه من الحلي في النار أو ما معه من التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام
379
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨)
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ﴾ السامري من الحفرة ﴿عِجْلاً﴾ خلقه الله تعالى من الحلي التي سبكتها النار ابتلاء ﴿جَسَداً﴾ مجسداً ﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾ صوت وكان يخور كما تخور العجاجيل ﴿فَقَالُواْ﴾ أي السامري وأتباعه ﴿هذا إلهكم وإله موسى﴾ فأجاب عامتهم الا اثنى عشر ألفا ﴿فنسي﴾ موسى ربه هنا وذهب يطلبه عند الطور أو هو ابتداء كلام من الله تعالى أي نسي السامري ربه وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر أو نسي السامري الاستدلال على أن العجل لا يكون إلهاً بدليل قوله
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩)
﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ﴾ أي أنه لا يرجع فان مخففة من الثقيلة ﴿إِلَيْهِمْ قَوْلاً﴾ أي لا يجيبهم ﴿وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ أي هو عاجز عن الخطاب والضر والنفع فكيف تتخذونه إلهاً وقيل إنه ما خار إلا مرة
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠)
﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ﴾ لمن عبدوا العجل ﴿هارون مِن قَبْلُ﴾ من قبل رجوع موسى إليهم ﴿يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾ ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن﴾ لا العجل ﴿فاتبعونى﴾ كونوا على ديني الذي هو الحق ﴿وَأَطِيعُواْ أَمْرِى﴾ في ترك عبادة العجل
قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١)
﴿قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عاكفين﴾ أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته ﴿حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى﴾ فننظره هل يعبده كما عبدناه وهل صدق السامري أم لا فلما رجع موسى
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢)
﴿قَالَ يَا هارون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ﴾ بعبادة العجل
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)
﴿أَلاَّ تَتَّبِعَنِ﴾ بالياء في الوصل والوقف مكي وافقه أبو عمرو ونافع في الوصل وغيرهم بلا ياء أي ما دعاك إلى أن لا تتبعني لوجود التعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة المعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتلحق بي وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة والمعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتحلق بي وتخبرني وما منعك أن تتبعني في الغضب لله وهلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أبشاره أنا لو كنت شاهداً ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى﴾ أي الذي أمرتك به من القيام بمصالحهم ثم أخذ بشعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضباً وإنكاراً عليه لأن الغيرة في الله ملكته
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)
﴿قال يا ابن أم﴾ ويخفض الميم شامي وكوفي غير حفص وكان لأبيه وأمه عند الجمهور ولكنه ذكر الأم استعطافاً
طه (٩٨ - ٩٤)
وترفيقاً ﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى﴾ ثم ذكر عذره فقال ﴿إِنّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ﴾ إن قاتلت بعضهم ببعض ﴿فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إسرائيل﴾ أو خفت أن تقول إن فارقتهم واتبعتك ولحق بي فريق وتبع السامري فريق فَرَّقْتَ بين بني اسرائيل ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ﴾ ولم تحفظ ﴿قَوْلِي﴾ اخلفني في قومي وأصلح وفيه دليل على جواز الاجتهاد
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (٩٥)
ثم أقبل موسى على السامري منكراً عليه حيث حيث ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ﴾ ما أمرك الذي تخاطب عليه ﴿يا سامري﴾
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦)
﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ وبالتاء حمزة وعلى قال الزجاج بصر علم وأبصر نظر أي علمت ما لم يعلمه بنو اسرائيل قال موسى وماذك قال رأيت جبريل على فرس الحياة فألقي في نفسي أن أقبض من أثره فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً﴾ القبضة المرة من القبض وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر كضرب الامير وقرئ فقبضت قبضة فالضاد بجميع الكف والصاد بأطراف الأصابع ﴿مِّنْ أَثَرِ الرسول﴾ أي من أثر فرس الرسول وقرئ بها ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ فطرحتها في جوف العجل ﴿وكذلك سَوَّلَتْ﴾ زينت ﴿لِى نَفْسِى﴾ أن أفعله ففعلته اتباعاً لهواي وهو اعتراف بالخطأ واعتذار
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (٩٧)
﴿قَالَ﴾ له موسى ﴿فاذهب﴾ من بيننا طريداً ﴿فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة﴾ ما عشت ﴿أَن تَقُولَ﴾ لمن أراد مخالطتك جاهلاً بحالك ﴿لاَ مِسَاسَ﴾ أي لا يمسني أحد ولا أمسه فمنع مخالطة الانس منعا كليا وحرمع عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته وإذا اتفق أن يماس أحداً حم الماس والممسوس وكان يهيم في البرية يصبح لا مساس ويقال إن ذلك موجود في أولاده إلى الآن وقيل أراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه الله تعالى مه لسخائه ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ﴾ أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا لَّن تُخْلَفَهُ مكي وأبو عمر وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً ﴿وانظر إلى إلهك الذى ظَلْتَ عَلَيْهِ﴾ وأصله ظللت فحذف اللام الأولى تخفيفاً ﴿عَاكِفاً﴾ مقيماً ﴿لَّنُحَرّقَنَّهُ﴾ بالنار ﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ﴾ لنذرينه ﴿فِى اليم نَسْفاً﴾ فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائه حباله فظهرت على شفاهم صفرة الذهب
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (٩٨)
﴿إِنَّمَا إلهكم الله الذى لا إله إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً﴾ تمييز أي وسع علمه كل شيء
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (٩٩)
ومحل الكاف في ﴿كذلك﴾ نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة
طه (١٠٥ - ٩٩)
موسى وفرعون ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ﴾ من أخبار الأمم الماضية تكثيراً لبيناتك وزيادة في معجزاتك ﴿وَقَدْ آتيناك﴾ أي أعطيناك ﴿مّن لَّدُنَّا﴾ من عندنا ﴿ذِكْراً﴾ قرآناً فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن أقبل عليه وهو مشتمل على الأقاصيص والأخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠)
﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به ﴿فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً﴾ عقوبة ثقيلة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (١٠١)
﴿خالدين﴾ حال من الضمير في يَحْمِلُ وإنما جمع على المعنى ووحد في فَإِنَّهُ حملاً على لفظ من ﴿فِيهِ﴾ في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب ﴿وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً﴾ ساء في حكم بئس وفيه ضمير مبهم يفسره حملا وهو تمييز اللام في لهم للبيان كما في هيتك لك والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملاً وزرهم
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢)
﴿يوم ينفخ﴾ بدل من يوم القيامة تنفخ أبو عمرو ﴿فِى الصور﴾ القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الأرواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الوّاو جمع صورة ﴿وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً﴾ حال أي عمياً كما قال وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عميا وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣)
﴿يتخافتون﴾ يتسارون ﴿بينهم﴾ أي يقول لبعضم سراً لهول ذلك اليوم ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ ما لبثتم في الدنيا ﴿إِلاَّ عَشْراً﴾ أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لأن أيام السرور قصار أو لأنها ذهبت عنهم والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء ولا استطالتهم الآخرة لأنها أبداً يستقصر إليها عمر الدنيا ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة وقد رجح الله قول من يكون اشد تقالا منه بقوله
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤)
﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أعد لهم قولاً ﴿إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً﴾ وهو كقوله قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بعض يوم فاسأل العادين
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥)
﴿ويسألونك عن الجبال﴾ سألوا النبي ﷺ ما يصنع بالجبال يوم القيامة وقيل لم يسأل وتقديره إن سألوك ﴿فَقُلْ﴾ ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المحيض قل هو اذى وقوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إصلاح لهم خير يسئلونك عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ يسئلونك عن الساعة ايان مرساها
طه (١١١ - ١٠٥)
قل أنما علمها عند ربي ويسئلونك عن الروح قل الروح ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء ﴿يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً﴾ أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيفرقها كما يذرى الطعام وقال الخليل يقلعها
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦)
﴿فَيَذَرُهَا﴾ فيذر مقارها أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا ﴿قَاعاً صَفْصَفاً﴾ مستوية ملساء
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (١٠٧)
﴿لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً﴾ انخفاضاً ﴿وَلا أَمْتاً﴾ ارتفاعا والعوج بالكسر وإن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وان دقت الحيلة ولطفت جرب مجرى المعاني
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨)
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم إذ نسفت وجاز أن يكون بدلا بعد من يوم القيامة ﴿يَتَّبِعُونَ الداعى﴾ إلى المحشر أي صوت الداعي وهو اسرافيل حي ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب على صوبه لا يعدلون عنه ﴿لاَ عِوَجَ لَهُ﴾ أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متبعين لصوته ﴿وَخَشَعَتِ﴾ وسكنت ﴿الأصوات للرحمن﴾ هيبة وإجلالاً ﴿فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً﴾ صوتاً خفيفاً لتحريك الشفاه وقيل هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت أي لا تسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر
يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩)
﴿يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن﴾ محل من رفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن للشافع في الشفاعة ﴿وَرَضِىَ له قولا﴾ أي رضي الله تعالى عنه قولاً لأجله بأن يكون المشفوع له مسلماً أو نصب على المدح لانه مفعول تنفع
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي يعلم تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ أي بما أحاط به علم الله فيرجع الضمير إلى أو يرجع الضمير إلى الله لأنه تعالى ليس بمحاط
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١)
﴿وَعَنَتِ﴾ خضعت وذلت ومنه قيل للأسير عانٍ ﴿الوجوه﴾
384
أي أصحابها ﴿لِلْحَىّ﴾ الذي لا يموت وكل حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن ﴿القيوم﴾ الدائم القائم عل كل نفس بما كسبت أو القائم بتدبير الخلق ﴿وَقَدْ خَابَ﴾ يئس من رحمة الله ﴿مَنْ حَمَلَ ظُلْماً﴾ من حمل إلى موقف القيامة شركاً لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ولا ظلم أشد من جعل
طه (١١٦ - ١١٢)
المخلوق شريك من خلقه
385
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)
﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات﴾ الصالحات الطاعات ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مصدق بما جاء به محمد عليه السلام وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة وأن الإيمان شرط قبولها ﴿فَلاَ يَخَافُ﴾ أي فهو لا يخاف فَلاَ يخف عن النهي مكي ﴿ظلما﴾ أن يزاد في سيآته ﴿وَلاَ هَضْماً﴾ ولا ينقص من حسناته وأصل الهضم النقص والكسر
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣)
﴿وكذلك﴾ عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الا يزال ﴿أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا﴾ بلسان العرب ﴿وَصَرَّفْنَا﴾ كررنا ﴿فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ يجتنبون الشرك ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ﴾ الوعيد أو القرآن ﴿ذِكْراً﴾ عظة أو شرفاً بإيمانهم به وقيل أو بمعنى الواو
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)
﴿فتعالى الله﴾ ارتفع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام وتنزه عن مضاهاة الأنام ومشابهة الأجسام ﴿الملك﴾ الذي يحتاج إليه الملوك ﴿الحق﴾ المحق في الألوهية ولما ذكر القرآن وإنزاله قال استطراداً وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأن عليك ريثما يسمعك ويفهمك ﴿ولا تعجل بالقرآن﴾ بقراءته ﴿مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ ﴿وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً﴾ بالقرآن ومعانيه وقيل ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)
﴿ولقد عهدنا إلى آدم﴾ أي أوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة يقال في أوامر الملوك ووصاياهم تقدم الملك إلى فلان وأوصى إليه وعزم عليه وعهد إليه فعطف قصة آدم على وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد والمعنى وأقسم قسماً لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل وجودهم فخالف إلى ما نهي عنه كما أنهم يخالفون يعني أن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه ﴿فَنَسِىَ﴾ العهد أي النهي والأنبياء عليهم السلام يؤاخذون بالنسيان الذي لو تكلفوا لحفظوه وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قصداً إلى الخلاف لأمره أو لم يكن آدم من أولي العزم. والوجود بمعنى العلم ومفعولاه لَهُ عَزْماً أو بمعنى نقيض العدم أي وعد مناله عزما وله متعلق بنجد
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦)
﴿وإذ قلنا﴾ منصوب باذكر ﴿للملائكة اسجدوا لآِدَمَ﴾ قيل هو السجود اللغوي الذي هو الخضوع والتذلل أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إبليس﴾ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبليس كان ملكاً من جنس المستثنى منهم وقال الحسن الملائكة لباب الخليفة
طه (١٢٣ - ١١٧)
من الأرواح ولا يتناسلون وإبليس من نار السموم وإنما صح استثناؤه منهم لأنه كان يصحبهم ويعبد الله معهم ﴿أبى﴾ جملة مستأنفة كأنه جواب لمن قال لم لم يسجدوا والوجه أن لا يقدر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله فسجد وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقف
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧)
﴿فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك﴾ حين لم يسجد ولم يرفضك ﴿فلا يخرجنكما من الجنة﴾ فلا يكون سببا لاحراجكما ﴿فتشقى﴾ فتتعب فى طلب الموت ولم يعل فتشقيا سراعاه لرؤس الاى او ادخلت تبعاً أو لأن الرجل هو الكافل لنفقة المرأة وروي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)
﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا﴾ في الجنة ﴿وَلاَ تعرى﴾ عن الملابس لأنها معدة أبداً فيها
وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)
﴿وَأَنَّكَ﴾ بالكسر نافع وأبو بكر عطفاً على ان الآولى وغيرهما بالفتح عطفا على أن لا تجوع ومحله نصب بأن وجاز للفصل كما تقول إن في علمي أنك جالس ﴿لا تظمأ فِيهَا﴾ لا تعطش لوجود الأشربة فيها ﴿وَلاَ تضحى﴾ لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس فأهلها في ظل ممدود
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠)
﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان﴾ أي أنهى إليه الوسوسة كاسر إليه ﴿قال يا آدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد﴾ أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأن من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت ﴿وَمُلْكٍ لاَّ يبلى﴾ لا يفنى
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)
﴿فَأَكَلاَ﴾ أي آدم وحواء ﴿مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سوآتهما﴾ عورتهما ﴿وطفقا﴾ قفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو ككاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً إلا أنه للشروع فى أول الآمر وكاد للدنومه ﴿يخصفان عليهما من ورق الجنة﴾ أي يلزمان الورق بسوأتهما للتستر وهو الورق التين ﴿وعصى آدم رَبَّهُ فغوى﴾ ضل عن الرأي وعن ابن عيسى خاب والحاصل أن العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي وقد يكون عمداً فيكون دينا وقد لا يكون عمدا فيكون ذله ولم وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا فكان غيالان لعى خلاف الرشد وفى التصريح بقوله وعصر أدم ربه فغوى والعدول عن قوله وذل آدم مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلفين كأنه قيل لهم انظروا أو اعتبروا كيف نعيت على النبي
387
المعصوم حبيب الله زلته بهذه الغلطه فلانها ونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلاً عن الكبائر
388
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)
﴿ثم اجتباه ربه﴾ قربه إليه واصطفاه وفرى وبه واصل الكلمة الجمع بفال جى إلى كذا فاجتبيته ﴿فتاب عليه﴾ قبل توبيه ﴿وهدى﴾ وهداهإلى الاعتذار والاستغفار
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣)
﴿قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً﴾ يعني آدم وحواء ﴿بعضكم﴾ يا ذرية أدم ﴿لبعض﴾
طه (١٢٩ - ١٢٣)
عَدُوٌّ بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين ﴿فإما يأتينكم مني هدى﴾ كتاب وشريعا ﴿فَمَنِ اتبع هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ﴾ في الدنيا ﴿وَلاَ يشقى﴾ في العقبى قال ابن عباس رضى الله عنهما ضمن الله لمن اتبع القرأن الا يضل فى الدنيا ولا يشقى فى الآخرى يعنى ان الشقاء فى الآخرى هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤)
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى﴾ عن القرآن ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾ ضيقاً وهو مصدر يستوي فى الوصف به المذكر والمونث عن ابن جبير يسلبه القناعة حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعة والتوكل فتكون حياته طيبة ومع الإعراض الحرص والشح فعيشه ضنك وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه ﴿وَنَحْشُرُهُ يوم القيامة أعمى﴾ من الحجة عن ابن عباس أعمى البصر وهو كقوله وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وهو الوجه
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥)
﴿قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً﴾ في الدنيا
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)
﴿قَالَ كذلك﴾ أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر فقال ﴿أَتَتْكَ اياتنا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى﴾ أي أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليو نتركك على عمالك ولا يزيل غطاءه عن عينيك
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (١٢٧)
﴿وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات رَبّهِ وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى﴾ لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أي للحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشد من ضيق العيش المقضي
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (١٢٨)
﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ أي الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون يَمْشُونَ﴾ حال من الضمير المجرور لهم ﴿في مساكنهم﴾ يريدان قريشاً يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعانون آثار هلاكهم ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ لأِوْلِى النهى﴾ لذوي العقول إذا تفكر واعلموا أن استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)
﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ﴾ أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد ﷺ ﴿لكان لزاما﴾ لازما للزرام مصدر لزم فوصف به ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ القيامة وهو معطوف
طه (١٣٢ - ١٣٠)
على كلمة والمعنى ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (١٣٠)
﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ فيك ﴿وَسَبّحْ﴾ وصل ﴿بِحَمْدِ رَبّكَ﴾ في موضع الحال وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه
389
﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشمس﴾ يعني صلاة الفجر ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها ﴿ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار﴾ أي وتعهد أناء أي ساعاته وأطراف النهار مختصاً لها بصلاتك وقد تناول التبسيح في آناء الليل صلاة العتمة وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله والصلاة الوسطى عند البعض وإنام جمع أطراف النهار وهما طرفان لا من الإلباس وهو عطف على قبل ﴿لَعَلَّكَ ترضى﴾ لعل المخاطب أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسر قلبك وترضى علي وأبو بكر أي يرضيك ربك
390
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١)
﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك أن يبادر الشيء بالنظر ثم بغض الطرف ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عنابنية الظلمة وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن لا تنظروا إلى دقدقة هما ليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذل العصية من تلك الرقاب وهذا لا يهما إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لعرهم ومغر لهم على اتخاذها ﴿إلى مَا مَتَّعْنَا به أزواجا منهم﴾ أصنافا من الكفرة ويجوزان ينصب حالاً من هاء الضمير والفعل واقع على منهم كأنه قال إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناساً منهم ﴿زَهْرَةَ الحياة الدنيا﴾ زينتها وبهجتها وانتصب على الذم وعلى ابداله محل به أو على إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود
390
الكفران منهم أو لتعذبهم في الآخرة بسببه ﴿وَرِزْقُ رَبّكَ﴾ ثوابه وهو الجنة أو الحلال الكافي ﴿خير وأبقى﴾ فما رزقوا
391
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ﴾ أمتك أو أهل بيتك ﴿بالصلاة واصطبر﴾ أنت داوم ﴿عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾ أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ واياهم فلا تهتم لأمر الرزق وفرغ باك الامر والآخرة لأن من كان في عمل الله كان الله في عمله وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين فرأ ولا تمدن عينيك الآية ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا فصلوا بهذا أمر الله ورسوله
طه (١٣٥ - ١٣٢)
الأنبياء (١)
وعن مالك بن دينار مثله في بعض المسانيد أنه عليه السلام كان إذا اصاب اهله ضرا أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية ﴿والعاقبة للتقوى﴾ أي وحسن العاقبة لأهل التقوى بحذف المضافين
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٣٣)
﴿وقالوا﴾ أي الكافرون ﴿لولا يأتينا بآية مّن رَّبّهِ﴾ هلا يأتينا محمد بآية من ربه تدل على صحة نبوته / أَوَ لَمْ يأتهم / أو لم تأتهم مدني وحفص وبصري ﴿بَيّنَةُ مَا فِى الصحف الأولى﴾ أي الكتب المتقدمة يعني أنهم اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة فقيل لهم أو لم أنكم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز يعني القرآن من قبل أن القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته لأنه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)
﴿وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ﴾ من قبل الرسول والقرآن ﴿لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا﴾ هلا ﴿أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فنتبع﴾ بالنصب علي جواب
391
الاستفهام بالفاء ﴿آياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ﴾ بنزول العذاب ﴿ونخزى﴾ في العقبى
392
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (١٣٥)
﴿قُلْ كُلٌّ﴾ أي كل واحد منا ومنكم ﴿متربص﴾ منتظر للعقابة ولما يؤل اليه أمرنا وامركم ﴿فتربصوا﴾ أنتم ﴿فستعلمون﴾ إذا جاءت القيامة ﴿مِنْ أصحاب﴾ مبتدأ وخبر ومحلهما نصب ﴿الصراط السوي﴾ المستقيم ﴿وَمَنِ اهتدى﴾ الى النعيم المقيم قال رسول الله ﷺ لا يقرأ أهل الجنة إلى سورة طه ويس الله أعلم بالصواب
392
سورة الانبياء وهي مائة واثنتا عشرة آية كوفي واحدى عشرة آية مدني وبصري

بسم الله الرحمن الرحيم

393
Icon