تفسير سورة طه

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة طه من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة طه
مكيّة وهى مائة وخمس وثلاثون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير.
طه (١) قرأ أبو بكر- حمزة والكسائي بامالة فتح الطاء والهاء وورش وابو عمرو بامالة الهاء خاصة والباقون بفتحهما- وهما من السماء الحروف وقد مرّ الكلام عليها في أوائل سورة البقرة وقيل هو اسم من اسماء الله تعالى وهو قسم كقوله ﷺ حم لا ينصرون- أخرجه ابو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن البراء بن عازب ان النبي ﷺ قال ليلة الخندق حم لا ينصرون وقال مقاتل بن حيان معناه طى الأرض بقدميك ويريد في التهجد- اخرج ابن مردوية في تفسيره عن على رضى الله عنه واخرج البزار عنه انه قال لما نزل على النبي ﷺ يايّها المزّمّل قم اللّيل الّا قليلا قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع اخرى فهبط عليه جبرئيل فقال طه على الأرض بقدميك يا محمد كذا قرئ- فعلى هذا أصله طامن وطايطا فقلبت الهمزة هام وقلبت الهمزة في يطا الف ثم بنى عليه الأمر وضم إليه ها السكت ويحتمل ان يكون الف طا مبدلة من الهمزة والهاء ضمير راجع الى الأرض لكن يرد على هذا كتابتها على صورة الحروف وقال مجاهد وعطاء والضحاك معناه يا رجل- وقال قتادة هو يا رجل بالسريانية- وقال الكلبي هو يا انسان بلغة عك «١» - فعلى هذا «٢» خطاب للنبى ﷺ ولهذا اعدوا طه من اسماء النبي ﷺ لكونه كناية عنه- قال البغوي قال
(١) له هكذا في الأصل وفي تفسير البغوي كل وهو الصحيح- الفقير الدهلوي.
(٢) ينبغى تكرار هذا كما لا يخفى على المتفطن ١٢٠ الفقير الدهلوي.
الكلبي لمّا نزل على رسول الله ﷺ الوحى بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يرواح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه فبراوح «١» بين قدميه إذا قام على أحدهما مرة قام على الاخرى مرة) وكان يصلى الليل كله فانزل الله تعالى هذه الاية وامره ان يخفف على نفسه فقال.
ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) اى لتتعب في القاموس الشقاء الشدة والعسر وليد وقال الجوهري الشقاوة خلاف السعادة- وكما ان الشقاوة ضربان دنيويّة واخروية كذلك السعادة ثم السعادة الدنيوية ثلاثة اضرب نفسية وبدنية وخارجية- كذلك الشقاوة على هذه الأضرب- والمراد في هذه الاية الشقاوة الدنيوية البدنية- وهو التعب- وقال بعضهم قد يوضع الشقاء موضع التعب- وقال البيضاوي الشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رابض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل اليه للاشعار بانه انزل عليه ليسعد- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس ان النبي ﷺ كان أول ما انزل الله عليه الوحى يقوم على صدور قدميه إذا صلى- فانزل الله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى واخرج عبد بن حميد عن الربع بن انس قال كان النبي ﷺ إذا صلّى فام على رجل ورفع اخرى فانزل الله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى- وقيل هذه الاية رد لقول الكفار وتكذيب لهم حين راوا اجتهاد رسول الله ﷺ في العبادة فقالوا ما انزل القرآن عليك يا محمد الا لشقائك فنزلت هذه الاية وجاز ان يكون مراد الكفار ونسبة الشقاوة الى اسعد الناس نظرا منهم انه ترك دين الآباء فشقى فرد الله عليهم قولهم وبين سعادته بما انزل عليه تذكرة ممن اتصف بصفات الكمال- يدل عليه ما اخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس قال قالوا لقد شقى هذه الرجل بربه فنزلت ما أنزلنا عليك القران لتشقى- وجلا ان يكون سعنى الاية ما أنزلنا عليك القرءان لتتعب وتبخع نفسك لفرطتا سفك على كفر قومك إذ ليس عليك الّا تبليغهم- وجملة ما أنزلنا خبر طه ان جعلته مبتدأ على انه اوّل بالسورة او القران ولفظ القران فيها واقع موقع العائد- وجواب ان جعلته مقسما به- ومناد «٢» له ان جعلته منادى واستيناف ان كانت جملة فعلية او اسمية بإضمار مبتدأ او طائفة من الحروف محكية.
إِلَّا تَذْكِرَةً استثناء منقطع يعنى لكن تذكيرا- ولا يجوز ان يكون بدلا من محل تشقى لاختلاف الجنسين ولا مفعولا له لانزلنا لان الفعل الواحد لا يتعدى الى العلتين- وجاز ان يكون مستثنى مفرغا
(١) قد راجعت الى التفسير البغوي فلم أجد فيه العبارة بين القوسين ١٢ الفقير الدهلوي-
(٢) هكذا في الأصل والصحيح منادى له ١٢ التفسير الدهلوي.
منصوبا على العلية لفعل محذوف من جملة مستانفة تقديره ما أنزلناه الّا تذكرة وقيل هى مصدر في موقع الحال من الكاف او القرآن او مفعولا له على ان لتشقى متعلق بمحذوف هو صفة للقران تقديره ما أنزلنا عليك القرءان المنزل لتتعب بتبليغه لغرض الّا تذكرة لِمَنْ يَخْشى (٣) اى لمن كان في قلبه خشية ورقة تلين بالإنذار- او لمن علم الله منه ان يخشى بالتخويف فانه هو المنتفع به.
تَنْزِيلًا منصوب بإضمار فعله- او بيخشى او على المدح او على البدل من تذكرة ان جعل حالا لا ان جعل مفعولا له لفظا او معنى لان الشيء لا يعلل بنفسه ولا بنوعه مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) متعلق بتنزيلا او صفة له- وفيه التفات من التكلم الى الغيبة للتفنن في الكلام وتفخيم المنزل من وجهين اسناد انزاله الى ضمير الواحد العظيم شأنه ونسبته الى المختص بالصفات والافعال العظيمة فذكر أفعاله وصفاته على الترتيب الّذي هو عند العقل فبدا بخلق الأرض والسموات الّتي هى اصول العالم وقدم الأرض لانها اقرب الى الحس واظهر عنده من السموات العلى وهى جمع العليا تأنيث الأعلى-.
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) مر تفسيره في سورة يونس.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ من الملائكة والكواكب والجبال والأنهار وَما فِي الْأَرْضِ من الجبال والأنهار والأشجار والمعادن والحيوانات والجن والانس والشياطين والملائكة وَما بَيْنَهُما من الهواء والرباح والسحاب والرعد والبرق وغير ذلك وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وهو التراب الندى في الحديث فاذا كلب يأكل الثرى من انعطش يقال ثرى التراب إذا رشّ عليه الماء- قال البغوي قال الضحاك ويعنى ما وراء الثرى من شيء- وقال ابن عباس ان الأرضين على ظهر النون- والنون على مجرو راسه وذنبه يلتقيان تحت العرش- والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهى الصخرة الّتي ذكر الله في قصة لقمان فتكن في صخرة- والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ولا يعلم تحتها الا الله عزّ وجلّ وذلك الثور فاتح فاه- فاذا جعل الله البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذراعى الثور فاذا وقعت في جوفه يبست- الرحمن مبتدأ ما بعده خبره او مرفوع على المدح وما بعده خبر محذوف او الرحمن خبر مبتدأ محذوف اى هو الرحمن وجملة على العرش استوى وجملة له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى- اخبار مترادفة بغير عاطف نحو زيد عالم عاقل وجملة هو الرحمن الى آخره بعد ذكر خلق الأرض والسموات العلى اما مستأنفة في جواب بين لنا صفته واما مؤكدة لمضمون جملة لخلق.
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) قال البيضاوي تقديره ان تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم انه غنى عن جهرك فانّه يعلم السّرّ وأخفى- وعندى تقديره ان تجهر بالقول اى بذكر الله ودعائه او تخافت به فالله يعلمه ويجيبه ويثيب عليه فانّه اى لانه يعلم السّرّ وأخفى فضلا من الجهر- حذف او تخافت به لدلالة سياق الكلام عليه كما حذف من قوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ قوله والبرد- قال البغوي قال الحسن السّرّ ما اسر الرجل الى غيره وأخفى من ذلك ما اسر في نفسه- وعن ابن عباس وسعيد بن جبير السر ما يسر في نفسه وأخفى من السر ما يلقى الله في قلبك من بعد ولا تعلم انه سيحدث به لانّا تعلم ما تسريه اليوم ولا تعلم ما تسريه غدا- والله يعلم ما أسرت اليوم وما تسر غدا- وقال على بن طلحة عن ابن عباس السر ما اسر ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفى عليه مما هو فاعله قبل ان يعمله- وقال مجاهد السر العمل الّذي تسرون من الناس وأخفى الوسوسة وقيل السر العزيمة وأخفى ما يخطر على القلب ولم يعرم عليه وقال زيد بن اسلم يعلم السّرّ وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد- وقالت الصوفية العلية السّر وأخفى من المجردات الخمسة ترى بنظر الكشف فوق العرش وتتجلى برزاتها في بدن الإنسان وهى القلب والروح والسر والخفي والأخفى- فالقلب مهبط لتجليات الولاية الآدمية والروح لولاية النوحيّة والابراهيميّة والسّر لولاية الموسوية- والخفي لولاية العيسوية- والأخفى لولاية المحمدية عليه وعليهم الصلوات والتسليمات.
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ مبتدأ وخبر لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) خبر ثان والجملة الكبرى موكدة مقررة لمضمون له ما في السّموات الى آخره- لان من له ملك السموات والأرض لا يجوز الا ان يكون متوحدا بالالوهية متصفا بجميع صفات الكمال الّتي يدل عليها الأسماء الحسنى الّتي لا يمكن الاتصاف بها لغيره- والحسنى تأنيث الأحسن- وفضل اسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هى اشرف المعاني وأفضلها- وقد ذكرنا بحث اسماء الله الحسنى في سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها-.
وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) استفهام تقرير اى قد أتاك والجملة معطوفة على مضمون ما سبق من الكلام اعنى قوله الّا تذكرة فانه مضمونه لكن أنزلناه تذكرة
او قوله تنزيلا يعنى نزل تنزيلا يعنى أتاك القران وأصبت تعب العبادة ونلت اصناف السعادة- وقد أتاك حديث موسى متضمنا ما أصابه من التعب وما ناله من الله جات- فالله سبحانه بعد تمهيد نبوته ﷺ ذكر قصة موسى- ليأتم به في تحمل احياء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاسات الشدائد فان هذه السورة من أوائل ما نزل.
إِذْ رَأى ناراً ظرف لحديث موسى يعنى هل أتاك ما وقع من حادثة موسى وقت رويته نارا- او الفعل مضمر اى حين راى نارا كان كيت وكيت- او مفعول لا ذكر مقدر قال البغوي وذلك ان موسى عليه السلام استاذن شعيبا عليه السلام في الرجوع الى مصر لزيارة والدته وأخته فاذن له- فخرج باهله وماله وكانت ايام الشتاء فاخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام- وامرأته في شهرها لا يدرى أليلا تضع او نهارا- فسار في البرية غير عارف بطرقها فالجاه المسير الى جانب الطور الغربي الايمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد- وأخذ امرأته الطلق فقدح زندة فلم يوره- وقيل ان موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار لئلا ترى امرأته- فاخطا مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتئة لما أراد الله عزّ وجلّ كرامته- فجعل يقدح الزند ولا يورى فابصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أقيموا مكانكم خطاب لامراته والرفقة- وقيل خطاب لامراته بتأويل الأهل على سبيل التعظيم لكونها ابنة شعيب- قرأ حمزة لاهله امكثوا هنا وفي القصص بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها فيه إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها آنَسْتُ ناراً اى أبصرتها ابصارا لا شبهة فيه وقيل الإيناس أبصار ما يونس به لَعَلِّي قرأ الكوفيون بإسكان الياء والباقون بفتحها آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ اى شعلة نار تقتبس اى تطلب من معظم النار كذا في القاموس جملة مستانفة أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) اى هاديا يدنى على الطريق او يهدينى أبواب الدين فان أفكار الأبرار مائلة إليها في ما يعن لهم- ولما كان حصولها مترقبا غير مقطوع به أورد كلمة الترجي بخلاف الإيناس فانه كان محققا ولذلك حققه ومعنى الاستعلاء في على النار ان أهلها مشرفون او مستعلون المكان القريب منها- كما ان قوله مردن بزيد الباء للصوق مروره بمكان يقرب منه زيد-.
فَلَمَّا أَتاها ظرف لنودى قال البغوي راى شجرة خضراء من أسفلها الى أعلاها أطافت نارا بيضاء «١» «٢» تتقد كأضوء ما يكون- فلا ضوء يغيّر خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار
(١) الزند العود الّذي يقدح به النار والسفلى زنذة ولا يقال زندتان- قاموس ١٢- منه
(٢) وفي تفسير البغوي أطافت بها ١٢ ال؟؟؟ فسير الدهلوي
قال ابن مسعود كانت الشجرة سمرة خضراء وقال قتادة ومقاتل والكلبي كانت من العوسج وقال وهب كانت من العليق- وقيل كانت شجرة العناب- روى ذلك عن ابن عباس قال اهل التفسير لم يكن الّذي راه موسى نارا بل كان نورا ذكر بلفظ النار لان موسى عليه السلام حسبه نارا وقال اكثر المفسرين انه نور الرب وهو قول ابن عباس وعكرمة وغيرهما قال سعيد بن جبير هى النار بعينها وهى أحد عجب الله عزّ وجلّ يدل عليه ما روى عن ابى موسى الأشعري عن النبي ﷺ قال حجابه النار- مشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه- كذا قال البغوي لكن في صحيح مسلم وسنن ابن ماجة حجابه النور- قلت البزر هو ما لطف من النار بحيث لا يحرق فالمال واحد وفي القصة ان موسى احذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة- فكان كلّما دنا ناءت منه النار- وإذا نأى دنت- فوقف متحيرا وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة ونُودِيَ يا مُوسى (١١).
إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا رَبُّكَ قرأ ابن كثير وابو عمرو وابو جعفر بفتح همزة انّى اى بانّى وكسر الباقون بإضمار القول او بإجراء النداء مجراه وتكرير الضمير للتاكيد والتحقيق- قال البغوي قال وهب نودى من الشجرة فقيل يموسى فاجاب سريعا ما يدرى من دعا فقال انى اسمع صوتك ولا أدرى مكانك فاين أنت- قال انا فوقك ومعك وامامك وخلفك واقرب إليك من نفسك- فعلم ان ذلك لا ينبغى الّا لله عزّ وجلّ فايقن به- قال البيضاوي قيل انه لما نودى- قال من المتكلم قال انى انا الله فوسوس اليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان- فقال انا عرفت انه كلام الله بانى أسمعه من جميع الجهات وجميع الأعضاء وهو اشارة الى انه عليه السّلام تلقى من ربّه كلاما تلقيا روحانيّا ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل الى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ فيدم امر بذلك لكون الحفوة تواصعا لله تعالى وقال البغوي كان السبب فيه ما روى عن ابن مسعود مرفوعا قال كانتا من جلد حمار ميّت ويروى غير مدبوغ- وقال عكرمة ومجاهد امر بخلع النعلين ليباشر بقدميه تراب الأرض المقدسة فتناله بركتها لانها قدست مرتين فخلعهما موسى والقاهما وراء الوادي إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ اى المطهر طُوىً (١٢) قرأ اهل الكوفة والشام بالتنوين هاهنا وفي سورة
النازعات بتأويل المكان- وقيل هو كثنى من الطى مصدر لنودى او لمقدس اى نودى ندائين او قدس مرتين- قلت اصل الطى الدرج وجعل الشيء بعضه على بعض فلاجل هذه المشابهة استعمل بمعنى التثنية وقرأ الباقون بلا تنوين للعلمية والعدل لانه علم للوادى معدول عن طاو- او للتانيث مع العلمية بتأويل ابقعة عطف بيان للوادى- قال الضحاك وادي طوى مستدير عميق مثل الطور في استدارته وقيل طوى بالتنوين مصدر قائم مقام فعله حال من الضمير المرفوع المستكن في الظرف الراجع الى المخاطب وهو موسى- وهو اشارة الى حالة حصلت له على طريق الاجتباء فكانه طوى عليه اى قطع عليه مسافة لو اجتهد في قطعها لبعد عليه غاية البعد- قالت الصوفية العلية عروج القلب الى أصله اى الى فوق العرش لو حصل بالاجتهاد فرضا لحصل في مدة خمسين الف سنة بل اكثر فان المسافة بين الأرض الى العرش خمسين الف سنة وهى المكنيّة بقوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ لكن ذلك العروج انما يحصل بجذب الشيخ على سبيل الاجتباء قال العارف الرومي قدس سره
سير زاهد هر شبى يك روزه راه سير عارف هر دمى تا تخت شاه.
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ للنبوة والرسالة واصطفيتك قرأ حمزة وانّا مشددة النون واخترنك على التعظيم فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إليك اللام متعلق بكل من الفعلين على سبيل التنازع.
إِنَّنِي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ولا تعبد غيرى- الجملة بدل من ما يوحى دال على انه مقصور على تقدير التوحيد الّذي هو كمال العلم والأمر بالعبادة الّتي هى كمال العمل وَأَقِمِ الصَّلاةَ تخصيص بعد تعميم لكمال الاهتمام بها وعلو منزلتها في سائر العبادات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الصلاة عماد الدين- رواه ابو نعيم والبيهقي عن عمرو صاحب مسند الفردوس عن على رضى الله عنه بلفظ الصلاة عماد الايمان وابن عساكر عن انس بلفظ الصلاة نور الايمان- وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال سألت النبي ﷺ اىّ الأعمال أحب الى الله- قال الصلاة. وروى مسلم عن جابر قال قال رسول الله ﷺ بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة وروى احمد واصحاب السنن عن بريدة نحوه وروى احمد والدارمي والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله
عليه وسلم انه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ ابن خلف وروى الترمذي عن عبد الله بن شقيق قال كان اصحاب رسول الله ﷺ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة- وبناء على ظاهر هذه الأحاديث قال احمد بن حنبل من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر- وايضا وجه كونها أفضل العبادات انها حسنة لذاتها بخلاف اكثر العبادات فان الصوم لاجل قهو النفس الامارة بالسوء- والزكوة لدفع حاجة الفقير- والحج لتعظيم البيت ونحو ذلك- وللدلالة على كونها حسنة لذاتها ذكر الله علة للام بإقامتها فقال لِذِكْرِي (١٤) قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- اى لتذكرنى فيها فانّ الصلاة بجميع اجزائه ذكر له تعالى واشتعال به بالقلب واللسان والجوارح- وقيل معنى لذكراى لانى ذكرتها في الكتب وأمرت بها فيها- وقيل معناه لان أذكرك بالرحمة والثناء قال رسول الله ﷺ يقول الله تعالى انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى وان ذكرنى في ملأ ذكرته في ملأ خير منه- متفق عليه من حديث ابى هريرة وقيل هذا تقييد وليس بتعليل للامر بالإقامة ومعناه أقم الصّلوة لذكرى خاصة لا ترائى بها ولا تشوبها بذكر غيرى- وقيل معناه لاوقات ذكرى والاية على هذا مجمل ورد بيانه في موضع اخر بما قال أقم الصّلوة لدلوك الشّمس الى غسق اللّيل وقرّاء ان الفجر ونحو ذلك- وبحديث امامة جبرئيل المشهور وقيل معناه أقم الصّلوة لذكر صلاتى- عن انس قال قال رسول الله ﷺ من نسى صلوة او نام عنها فكفارتها ان يصليها أفأذكرها- وفي رواية لا كفارة لها الا ذلك قال الله تعالى أقم الصّلوة لذكرى متفق عليه وعن ابى قتادة قال قال رسول الله ﷺ ليس في النوم تغريط انما التفريط في اليقظة فاذا نسى أحدكم صلوة او نام عنها فليصلها إذا ذكرها فان الله تعالى قال وأقم الصّلوة لذكرى- رواه مسلم.
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ الجملة في مقام التعليل للامر بالعبادة او مستانفة لبيان فائدتها او معترضة للترتيب وقال البغوي قيل معناه وانّ السّاعة اتية اى بتقدير حرف العطف أَكادُ أُخْفِيها
قال الأخفش معناه أريد أخفيها اى أخفى وقتها وقال البغوي لفظة كاد زائدة والمعنى أخفى وقتها- وقيل معناه أكاد أخفيها فلا أقول انها اتية ولولا ما في الاخبار من اللطف بالعباد قطع الاعذار لما أخبرت بإتيانها- نظيرة قوله تعالى تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ يعنى لولا حلم الله لتفطرت
131
السموات على القائلين باتخاذ الولد- قلت لعل فيه اشارة الى ان الايمان بالله وعبادته في مرتبة من الفضل والحسن والشرف كان حقيقا بين بكونان «١» مقصودين للناس بذاتهما لا نعرض وغاية وإتيان الساعة المشتملة على الجنة والنار وان كان من لوازم إتيانهما وعدم إتيانهما وثمراتهما المترتبة عليهما- لكن الايمان في نفسه عز وشرف لا بد من إتيانه- والكفر في نفسه ذل وخسران لا بد من التحرز عله فلولا اخبر الله تعالى بإتيان الساعة لم يكن ايمان من أمن بالله طمعا في الجنة او خوفا من النار بل خالصا لوجه الله- ومن هاهنا قال رسول الله ﷺ نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه رواه «٢» يعنى لم يعصه لو لم يخف عذاب الله ولم تكن النار وقالت الرابعة البصرية أريد ان احرق الجنة وأطفئ النار حتى الى؟؟؟ د الناس الله خالصا لوجهه من غير خوف وطمع لكن الله سبحانه اخبر بإتيانها لطفا بالعباد وقطعا لاعذار الكفار واكثر المفسرين قالوا معناه أكاد أخفيها من نفسى فكيف يعلمها اى يعلم وقتها غيرى- ويؤيد هذا التأويل ان في بعض القراءات فكيف أظهرها لكم- وهذا الكلام على عادة العرب انهم إذا بالغوا في كتمان الشيء قالوا كتمت سرك من نفسى اى اخفيه غاية الإخفاء- والحكمة في الإخفاء التهويل والتخويف لا لهم إذا لم لعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت- وقيل معناه أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاه- قال البيضاوي يؤيد هذا المعنى القراءة بفتح الهمزة قال البغوي قرأ بفتح الالف ومعناه أظهرها يقال خفيت الشيء إذا اظهرته وأخفيته إذا سترته كذا في النهاية للجزرى- فان قيل إذا كان الخفاء المجرد بمعنى الإظهار وهمزة الإخفاء للسلب فكيف يكون معنى الإخفاء على القراءة المتواترة الإظهار وكيف يويدها قراءة الحسن- قلت المجرد قد يكون بمعنى الإظهار وقد يكون بمعنى الستر قال في القاموس خفى يخفى يعنى مثل ربى يرمى خفيا وخفيا أظهره واستخرجه كاختفاه وخفى يخفى كرضى يرضى خفاء فهو خاف وخفى لم يظهر- فعلى هذا إذا زيد همزة الافعال على المجر والمفتوح العين في الماضي ومكسوره في الغابر كان معناه الستر وسلب الإظهار كما هو المشهور وإذا زيد على مكسور العين في الماضي كان معناه الإظهار وسلب الستر لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) متعلق بآتية او باخفيها على معنى أظهرها وكذا على معنى أكاد أخفى إتيانها فلا أقول اتية يعنى لا اخبر بإتيانها حتى تجزى كل نفس عملت حبّا لله من غير طمع في الجنة وخوف من النار بجزاء ما تسغى وذلك الجزاء هو لقاء الله ومراتب قربه
(١) هكذا في الأصل وهو كما ترى ١٢ الفقير الدهلوي
(٢) بياض في الأصل ١٢ ابو محمد عفى عنه
.
132
فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها اى لا يصرفنك عن لقاء الله او عن الايمان بإتيان الساعة او عن اقامة الصلاة او عن العمل للساعة مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها نهى الكافر من ان يصد موسى عنها والمراد منه نهيه عليه السلام من ان ينصد عنها بصده- كقوله لا ارينك هاهنا تنبيها على ان الفطرة السليمة يأبى عن الاعراض عنها ويقتضى الرسوخ في الدين وان صدر الكافر انما هو لاعوجاج فيه وَاتَّبَعَ هَواهُ فمال الى اللذات المحسوسة الفانية- وكف نظره عن درك ما فيها من الشر وعن اعتقاد العقاب عليها عطف على لا يؤمن او حال بتقدير قد من فاعله فَتَرْدى (١٦) فتهلك بالانصداد منصوب بتقدير ان بعد الفاء في جواب النهى-.
وَما تِلْكَ استفهام تقدير استيقاظا وتنبيها على انها عصا حتى يظهر كونها معجزة عظيمة إذا راى منها عجائب كلمة ما مبتدء وتلك خبره وهى بمعنى هذه وقوله بِيَمِينِكَ حال منها والعامل فيه معنى الاشارة اى قارة او ماخوذة بيمينك او تلك موصول صلة بيمينك بِمُوسى (١٧) تكرير لزيادة الاستيناس والتنبيه.
قالَ هِيَ عَصايَ قال البغوي وكانت له شعبتان وفى لمسفلها سنان ولها محجن قال مقاتل اسمها تبعة أَتَوَكَّؤُا اعتمد عَلَيْها إذا أعييت وعند الوثبة وإذا وقفت على راس القطيع وَأَهُشُّ بِها اى اضرب بها الشجرة ليسقط ورقها عَلى رؤس غَنَمِي كى تأكلها في القاموس هش الورق يهش خبطه إذا ضربه ضربا شديدا وَلِيَ قرأ ورش وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها فِيها مَآرِبُ حاجات اى قضاؤها أُخْرى (١٨) صفة لما رب والقياس آخر وانما قال اخرى ردّا الى الجماعة لرعاية رؤس الآي وكذا الكبرى- وذلك المآرب ان يلقيها على عاتقه فيعلق بها اداوته وزاده وان يعرض الزندين على شعبتيها ويلقى عليها الكساء ويستظل به وإذا قصر الرشاء يصل به- وإذا تعرضت السباع لغنمه يقاتل به- قال البيضاوي كانه عليه السلام فهم ان المقصود من السؤال ان يتذكر حقيقتها وما يرى من منافعها حتى إذا راى بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص اخرى استيقن كونها خارقة العادة ولاجل ذلك ذكر حقيقتها ومنافعها مفصلا ومجملا- ليطابق جوابه الغرض الّذي فهمه- ومعنى الكلام انها من جنس العصا ينتفع عنها منافع أمثالها- وقال بعض اهل العشق ان موسى عليه السلام زاد على قدر الجواب بقوله عصاى وبسط في الكلام التذاذا بمكالمة المحبوب ثم أجمل ولم يفصل جميعها أدبا وخوفا من تطويل الكلام.
قالَ الله تعالى أَلْقِها يا مُوسى (١٩) يعنى اصرح عصاك نتفرغ ممّا نتكى ولا تتكى الأنبياء- وترى كنه ما فيها من المآرب- قال وهب ظن موسى انه تعالى يقول ارفضها.
فَأَلْقاها موسى على وجه الرفض ثم جانت منه نظره فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) تمشى بسرعة على بطنها- وقال الله سبحانه في موضع اخر كانّها جانّ وهى الحية الخفيفة الصغيرة الجسم- وقال في موضع اخر فاذا هى ثعبان وهو اكبر ما يكون من الحيات- واما الحية فانها تطلق على الصغيرة والكبيرة والذكر والأنثى- فقيل في تطبيق الآيات ان الجانّ عبادة عن ابتداء حالها فانها صارت اولا على قدر العصا ثم تورمت وتنفضت حتى صارت ثعبانا في انتهاء حالها- وقيل انها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجانّ ولذالك قال كانّها جانّ ولم يقل فاذا هى جانّ كما قال فاذا هى ثعبان مبين- قال محمد بن إسحاق نظر موسى فاذ العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعتاها شدقين لها والمحجن عنقا وعرفا تهتز كالنيازك ووعيناها تتقدان كالنار- تمرّ بالصخرة العظيمة مثل الحلقة من الإبل فتلقمها- وتقصف الشجرة العظيمة بإتيانها- وسمع لاسنانها صريفا عظيما فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا وشرب- ثم ذكر ربه فوقف استجياء منه- ثم نودى وقال الله تعالى يموسى اقبل و.
خُذْها بيمينك وَلا تَخَفْ انّى لا يخاف لدىّ المرسلون الّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فانّى غفور الرّحيم سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا اى هيأتها وحالاتها الْأُولى (٢١) كما كانت والسيرة فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وقوله سيرتها بدل اشتمال من الضمير المنصوب في سنعيدها اى سنعيد سيرتها- وقيل انتصابها بنزع الخافض تقديره الى سيرتها او يقال على ان أعاد منقول من عاده بمعنى عاد اليه- او على الظرف اى سنعيدها في سيرتها- او على المصدرية بتقدير فعلها اى سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الاولى- او على طريقة ضربته سوطا- اى سنعيدها بسيرتها الاولى- او مفعول ثان لنعيدها بتضمين معنى الجعل- اى سنعيدها ونجعلها ذات سيرتها الاولى فتنتفع بها كما «١» كنت تنتفع بها- قال البغوي كانت على موسى مدرعة من صوف قد خلها بعيدان- فلما قال الله خذهالف طرف المدرعة على يده- فامر الله ان يكشف يده فكشف- وذكر بعضهم انه لمالف المدرعة على يده قال له ملك ارايت لو اذن الله بما تحاذره- أكانت المدرعة تغنى عنك شيئا- قال لا لكنى ضعيف من ضعف خلفت- فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فاذا هى عصا كما كانت- ويده في شعبتيها
(١) ولم يكن في الأصل كماء ابو محمد-[.....]
فى الموضع الّذي كان يضعها إذا توكّا- قال المفسرون أراد الله ان يرى موسى ما أعطاه من الآية الّتي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا القاها عند فرعون- قال البغوي روى عن ابن عباس ان موسى كان يحمل على عصاه زاده وسقاه فكانت تماشيه وتحدثه- وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ويركزها فيخرج الماء فاذا رفعها ذهب الماء ولو اشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن تلك والشجرة وأورقت وأثمرت- وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقى وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج- وإذا ظهر عدو كانت تحارب وتناضل عنه-.
وَاضْمُمْ يَدَكَ اى كفك اليمنى إِلى جَناحِكَ قال البغوي يعنى إبطك اليسرى وقال قال مجاهد تحت وجناح الإنسان عضده الى اصل ابطيه- قال البيضاوي هو استعارة من جناحى الطائر سميّا بذلك لانه يجنحهما اى يميلهما وفي القاموس الجوانح الضلوع تحت الترائب مما يلى الصدر واحدتها جانحة والجناح اليد والعضد والإبط تَخْرُجْ تقديره اضمم يدك الى جناحك واخرج تخرج فهو مجزوم على جواب الأمر بَيْضاءَ منيرة مشرقة حال من الضمير المستكن في تخرج مِنْ غَيْرِ سُوءٍ اى من غير عيب وقبح كنى به عن البرص لان الطباع تعافه متعلق بيضاء يعنى ابيضت من غير سوء- قال البغوي قال ابن عباس كان ليده نور ساطع يضئ بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر آيَةً اى معجزة دالة على صدقك في دعوى النبوة حال ثان من الضمير المستكن في تخرج او من الضمير في بيضاء او مفعول بإضمار خذا ودونك أُخْرى (٢٢) سوى العصا.
لِنُرِيَكَ متعلق بالمضمر اعنى خذا ودونك او بما دل عليه الاية او القصة- اى دلنابها وفعلنا ذلك لنريك مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) صفة لاياتنا ولم يقل الكبر لرؤس الأمي او مفعول ثان لنريك ومن ايتنا حال منها- وقيل فيه إضمار تقديره لنريك الاية الكبرى من آياتنا- قال ابن عباس كانت يد موسى اكبر آياته.
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ بهاتين الآيتين فادعه الى عبادتى إِنَّهُ طَغى (٢٤) اى جاوز الحد في العصيان والتمرد حتى ادّعى الالوهية- جملة معللة لقوله اذهب.
قالَ موسى رَبِّ اى يا رب اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) حتى يسع فيه المعارف الحقة الّتي لا يكفى في دركها عقول العقلاء ومنها درك انه لا يقدر أحد غير الله سبحانه على شيء من الإنفاع والإضرار- فيذهب من قلبه مخافة فرعون وجنوده- ونظرا الى ذلك قال ابن عباس يريد حتى لا
أخاف غيرك- وذلك ان موسى كان يخاف من فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده.
وَيَسِّرْ لِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَمْرِي (٢٦) يعنى سهل علّى إتيان ما وجب علّى من تبليغ الرسالة وغير ذلك ومن التكاليف- حتى يذهب عنى كلفة التكاليف ومشاقها ويحصل للنفس لذة في تحمل شدائدها وفي إبهام المشروح والميسّر اولا ودفعه بذكر الصدر والأمر ثانيا تأكيد ومبالغه.
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) الظرف اما صفة لعقدة أو صلة لاحلل- قال البغوي وذلك ان موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره فاطمه فرعون لطمة وأخذ بلحية فقال فرعون لاسية امرأته ان هذا عدوى وأراد ان يقتله- فقالت آسية انه صبى لا يعقل ولا يميز وفي رواية ان أم موسى لمّا فطمته ردته فنشا موسى في حجر فرعون وامرأته ير بيانه واتخذاه ولدا- فبينهما هو يلعب يوما بين يدى فرعون وبيده قضيب يلعب به- إذ رفع قضيبا فضرب به راس فرعون- حتى هم فرعون بقتله- فقالت آسية ايها الملك انه صبى لا يعقل جربه ان شئت- وجاءت بطشتين في أحدهما الجمر وفي الاخر الجواهر فوضعهما بين يدى موسى- فاراد ان يأخذ الجواهر فاخذ جبرئيل يد موسى عليهما السلام فوضعها على النار فاخذ جمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير ان فرعون حمل موسى يوما فاخذ بلحيته فنتفها فغصب وامر بقتله فقالت آسية انه صبى لا يفرق بين الجمر والياقوت فاحضر بين يديه فاراد أخذ الجواهر فاخذ جبرئيل يده ووضعها على الجمرة ووضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة.
يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) فانما يحسن التبليغ من البليغ- واختلف في زوال العقدة بكمالها- فمن قال به تمسك بقوله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ومن لم يقل به احتج بقوله هو افصح منّى لسانا وبقوله تعالى حكاية عن فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ وأجاب عن الاول بانه لم يسئل حل عقدة لسانه مطلقا بل عقدة يمنع الافهام ولذلك نكرّها وجعل يفقهوا مجزوما في جواب الأمر-.
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً معينا وظهيرا مشتقا من الوزر بمعنى الثقل لانه يحمل الثقل عن الأمير- او من الوزر بمعنى الملجا من الجبل لان الأمير يعتصم برأيه ويلتجئ اليه في أموره ومنه الموازرة- وقيل أصله ازير من الأزر بمعنى القوة فعيل بمعنى مفاعل كالعشير بمعنى المعاشر
والجليس بمعنى المجالس قلبت همزتها واو لقلبها في موازر مِنْ أَهْلِي (٢٩) اما صفة لوزيرا او صلة لاجعل.
هارُونَ مفعول أول لاجعل ووزيرا ثانيهما قدم للعناية به- ولى صلة او حال وجاز ان يكون لى مفعولا ثانيا ووزيرا او لهما وهرون عطف بيان- وان يكون مفعولاه وزيرا ومن أهلي ولى تبيين كقوله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ... أَخِي (٣٠) قرأ ابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها على الوجوه بدل من هرون او مبتدا خبره.
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) قال في القاموس الأزر الإحاطة والقوة والضعف عند التقوية والظهر فالمعنى قوّ به ظهرى او اشدد به قوتى او قو به ضعفى.
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) اى في امر النبوة وتبليغ الرسالة- قرأ ابن عامر اشدد بفتح الالف القطعي واشركه بضم همزة القطع على صيغة المضارع المجزوم على انه جواب الأمر- والجمهور بهمزة الوصل المضمومة في الابتداء- وفتح همزة القطع في الثاني على صيغة الأمر على انه بدل اشتمال من قوله اجعل.
كَيْ نُسَبِّحَكَ تسبيحا كَثِيراً (٣٣) قال الكلبي اى نصلى لك وكثيرا.
وَنَذْكُرَكَ ذكرا كَثِيراً (٣٤) فان التعاون تهج الرغبات وتؤدى الى تكاثر الخيرات.
إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) عالما بأحوالنا وان التعاون مما يصلحنا وان هارون نعم المعين لى فيما أمرتني به-.
قالَ الله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ اى جميع مسئولاتك فعل بمعنى المفعول كالخبز بمعنى المخبوز والاكل بمعنى المأكول يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ جواب قسم محذوف اى والله لقد أنعمنا عليك.
مَرَّةً أُخْرى (٣٧) اى في وقت اخر قيل ذلك وقيل هى هذه المرّة.
إِذْ للتعليل وجاز ان يكون ظرفا لمننّا أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ بالهام او في المنام او على لسان بنى في وقتها او ملك (لا على وجه النبوة) كما اوحى الى مريم- (فائدة) الوحى والنبوة الّتي التشريع مختص بالأنبياء وهم الرجال فحسب وهى الّتي انقطعت وختمت بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم- واما الوحى الّذي ليس للتشريع سواء كان بطريق الإلهام او بكلام الملائكة كما كان لمريم فغير مختص بالأنبياء- بل يكون للاولياء ايضا ولم ينقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم- وكذا حصول كمالات النبوة بالتبعية قد يكون لغير الأنبياء ايضا- قال الشيخ الأكبر محى الدين ابن العربي قدس سره في الفتوحات في الباب الماءتين والسبعين ان النبوة وان انقطعت في هذه الامة بحكم التشريع فما انقطع الميراث منها فمنهم من يرث النبوة ومنهم من يرث رساله
137
ومنهم يرث النبوة والرسالة معا- وما قال العلماء النبوة اختصاص الهى فالمراد منه نبوة التشريع بنصب الاحكام بوحي الهى- وهى الّتي عناها رسول الله ﷺ حيث قال ان النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعدي- وقال الشيخ في اخر باب الصلاة من الفتوحات نحو ذلك وقال هناك وهؤلاء هم المقربون الذين قال الله فيهم عينا يّشرب بها المقرّبون وقد ذكرت في تفسير سورة النساء وسورة الواقعة ان المراد بالمقربين هم الذين حصل لهم كما لان النبوة بالوراثة- فالوحى الّذي ليس التشريع وليس مختص بالأنبياء هو الّذي عبر عنه رسول الله ﷺ بالتحديث حيث قال لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فان يكن من أمتي منهم أحد فانه عمر- رواه احمد والبخاري ومسلم والنسائي وابو نعيم الموصلي في مسنده عن ابى هريرة وعن عائشة وفي الصحيحين عن ابى هريرة بلفظ لقد كان فيمن كان قبلكم من بنى إسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء فان يكن من أمتي أحد فعمر- ولاجل ذلك قال رسول الله ﷺ لو كان بعدي نبى لكان عمر بن الخطاب- رواه احمد والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصحاه عن عقبة بن عامر والطبراني عن عصمة بن مالك وعن ابى سعيد الخدري وابن عساكر عن ابن عمر- قال الشيخ الشعراوى في اليواقيت والجواهر هل يكون الإلهام بلا واسطة فالجواب نعم قد يلهم العبد من الوجه الخاص الّذي بين كل انسان وبين ربه عزّ وجلّ- فلا يعلم به الملك لكن هذا الوجهة يتسارع الناس الى إنكاره ومنه انكار موسى على خضر- فعلم ان الرسول والبنى يشهد ان الملك رؤية بصر- وغير الرسول يحس باثره ولا يراه- فيلهم الله بواسطته ما يشاء او يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهذا أجل الإلقاء وأشرفه ويجتمع في هذا الرسول والولي- ونقل الشيخ عبد الوهاب الشعراوى عن الشيخ ابى المواهب الشاذلى قدس الله سرهما انه كان يقول في انكار بعضهم على من قال حدثنى قلبى عن ربى لا انكار عليه لان المراد أخبرني قلبى عن ربى بطريق الإلهام الّذي هو وحي الأولياء- وهو دون وحي الأنبياء عليهم السلام ولا انكار الا على من قال كلمنى ربى كما كلم موسى عليه السّلام انتهى كلامه- قلت الولي ايضا قد يشهد الملك روية بصركما رأت مريم جبرئيل عليه السّلام حين تمثّل لها بشرا سويّا والله اعلم ما يُوحى (٣٨) اى مالا يعلم الا بالوحى او مما ينبغى ان يوحى لعظم شأنه وشدة اهتمامه.
138
أَنِ اقْذِفِيهِ ان مفسره لما يوحى لان الوحى بمعنى القول- او مصدرية بتقدير الباء اى بان اقذفي موسى اى ألقيه فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ يعنى نهر النيل فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ اى الجانب سمى ساحلا لان الماء يسحله اى يقشره- أورد صيغة الأمر لتناسب ما تقدم ومعناه الاخبار اى يلقيه اليمّ بالساحل وانما عطف نظرا الى التناسب اللفظي- وقيل هو امر بمعناه هو امر للبحر معطوف على امر لام موسى كما يقال احسن الى زيد وليحسن زيد إليك- وقيل هو معطوف على أوحينا بتقدير قلنا تقديره أوحينا الى أم موسى كذا- فقلنا ليلقه اليم بالساحل- قلت ان كان الأمر بمعنى الخبر فهو داخل في الوحى- وان كان بمعنى الأمر للبحر فلا حاجة الى تقدير قلنا وجاز حينئذ عطفه على فاقذ فيه في اليمّ- فان قيل كيف يتصور الأمر للبحر والبحر مما لا يعقل- قيل هو امر تكوين لا يشترط له التعقل وقال البيضاوي لما كان إلقاء البحر إياه الى الساحل امرا واجبا لتعلق ارادة الله به جعل البحر كانه ذو تميز مطلع على امره بذلك- واخرج الجواب مخرج جواب الأمر فقال يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ يعنى فرعون وقال المحققون من الصوفية ان الجمادات وان كانت لا تعقل ولا تفهم بالنسبة إلينا ولا يجوز إلينا مخاطبتها- لكنها عاقلة مطيعة لامر الله سبحانه كما يدل عليه النصوص- قال الله تعالى وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ... وقال الله تعالى قالنا اتينا طائعين... وقال رسول الله ﷺ ان الجبل ينادى الجبل اى فلان هل مربك أحد يذكر الله- وقال الفاضل الرومي
خاك وباد وآب وآتش بنده اند پيش تو مرده وبر حق زنده اند
واطلاق العدو على فرعون بالنسبة الى الله كان على الحقيقة لكونه مشركا وبالنسبة الى موسى كان على المجاز باعتبار ما يؤل- فانه لم يكن عدوّا له وقت الاخذ ولاجل ذلك كرر لفظ العدو لامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز- وجاز ان يكون التكرير للمبالغة ويكون المراد في اللفظين باعتبار ما يؤل او باعتبار الوقت الموجود حيث كان في صدد قتل موسى بأخبار الكهنة إياه انه يولد في بنى إسرائيل غلام يكون زوال ملكك على يديه- ولاجل ذلك قتل كثيرا من أبناء بنى إسرائيل ولم يعرف موسى انه ذلك الغلام والا لقتله- والضمائر كلها راجعة الى موسى عليه السلام ورجوع بعضها اليه وبعضها الى التابوت يفضى الى تنافر النظم- والمقذوف في البحر والملقى الى الساحل وان كان هو التابوت بالذات- لكن كان موسى ايضا بالعرض لكونه في جوف التابوت-
139
قال البغوي اتخذت أم موسى تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى وقرت رأسه وخصاصه يعنى شقوقه ثم ألقته في النيل- وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون- فبينما فرعون جالس على رأس النهر مع امرأته آسية إذا هو بتابوت يجئ به الماء- فامر الجواري والغلمان بإخراجه فاخرجوه وفتحوا رأسه فاذا فيه صبى من أصبح الناس وجها- فلما راه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك نفسه فذالك قوله تعالى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (٥٠) ظرف مستقر صفة لمحبة او لغو متعلق بألقيت اى ألقيت عليك محبّة كائنة منّى قد ذرعتها في القلوب- او ألقيت منّى محبّة عليك يعنى أحببتك ومتى أحبه الله أحبته القلوب- قال ابن عباس أحببته وحبّبته الى خلقى قال عكرمة ما رأه أحد الّا احبّه قال قتادة ملاحة كانت في عينى موسى ما راه أحد الا عشقه وجاز ان يكون المعنى ألقيت محبّة كائنة منّى عليك اى في قلبك بحيث لستولى تلك المحبة عليك فاجبتنى وأخلصت قلبك لمحبتى بحيث لم يلتفت الى غيرى فصرت راس المحبين- قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه كان مبداء تعيّن الكليم صلوات الله عليه المحبيّة الصرفة ومبداء تعيّن الحبيب محمد ﷺ المحبوبيّة الصرفة فلاجل ذلك كان الكليم عليه السلام رأس المحبين والحبيب ﷺ راس المحبوبين- والصوفي بنظر الكشف يرى في دائرة الحب محيطا وهى الخلّة مبد التعين الخليل عليه السلام ومركزا وهو المحبة الصرفة مبدا لتعيّن الكليم عليه السلام- والمركز أعلى وأفضل وأوسع من المحيط كالقمر بالنسبة الى الهالة ثم المركز عند الصعود اليه يرى دائرة محيطها مبد التعين الكليم عليه السلام ومركزها لتعين الحبيب ﷺ وعلى إخوانه-
ولمّا كان الحبيب ﷺ في غاية المرتبة من المحبوبية صار مبدا تعينه مركز الدائرة المحبوبية الصرفة وترك محيطها (وهو المحبوبية الممتزجة) لبعض افراد أمته- وذلك الفرد هو المجدد للالف الثاني رضى الله عنه والله اعلم وظاهر اللفظ يقتضى ان اليم القاها بالساحل فالتقطه ال فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا فان صح ان ال فرعون أخرجوه من اليم فيول الساحل بحيث فهو نهره والله اعلم وقوله ألقيت معطوف على قوله أوحينا وَلِتُصْنَعَ اى تربى ويحسن إليك من صنعت فرسى إذا أحسنت القيام عليه- قرأ ابو جعفر بالجزم على انها امر عَلى عَيْنِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها حال من ضمير المخاطب المرفوع يعنى لتصنع كائنا على حفظى- وقوله لتصنع على قراءة الجمهور معطوف
140
على علة مضمرة تقديره ليطعف عليك ولتضع او على الجملة السابقة بإضمار فعل معلل تقديره وفعلت ذلك لتصنع- وعلى قراة ابو جعفر معطوف على يأخذه.
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ مريم لتعرف خبرك واحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدى واحدة منها- ظرف لالقيت او لتصنع او بدل من إذ أوحينا على ان المراد بها وقت متسع- وقيل إذ للتعليل فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ اى على امراة ترضعه وبضم إليها- فلمّا قالت ذلك قالوا نعم- فجاءت بامه فقيل ثديها فذلك قوله تعالى فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ لما وعدناها بقولنا انا رادّوه إليك كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك وَلا تَحْزَنَ هى يفراقك او أنت على فراقها وفقد إشفاقها وَقَتَلْتَ نَفْساً اى رجلا قبطيّا كافرا ظالما- استغاثه عليه السلام عليه الاسرائيلىّ كذا قال ابن عباس- وكان إذ ذاك ابن اثنى عشر سنة كذا قال كعب الأحبار فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ اى غم قتله خوفا من عقاب الله بالمغفرة ومن اختصاص فرعون بالأمن منه بالهجرة الى مدين وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً مصدر كالقعود او جمع- قال البغوي قال ابن عباس اختبرناك اختبارا وقال الضحّاك وابتليناك ابتلاء على انه مصدر- او أنواعا من الابتلاء على انه جمع فتن او فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجور وبدر في حجرة وبدرة- وقال مجاهد اخلصناك إخلاصا- وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الفتون وقوعه في محن خلصه الله منها اوّلها ان امّه حملته في السنة الّتي كان فرعون يذبح الأطفال- ثم القاؤه في البحر في التابوت- ثم منعه الرضاع الا من ثدى امه- ثم اخذه بلحية فرعون حتى هم بقتله- ثمّ تناوله الجمرة بدل الدرة- ثم قتله القبطي- ثم خروجه الى مدين- قلت ثم ما ناله في سفره الى مدين من الهجرة عن الوطن ومفارقة آلاف والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وايجار نفسه الى غير ذلك فالمعنى خلصناك من تلك المحن مرة بعد اخرى كما يفتن الذهب بالنار فيتخلص من كل خبث فيه- فَلَبِثْتَ عشر سِنِينَ لرعى الأغنام قضاء لا وفي الأجلين في صداق ابنة شعيب عليه السلام فِي أَهْلِ مَدْيَنَ وهى على ثمان مراحل من مصر- وقال وهب لبث موسى عند شعيب ثمان وعشرين سنة- عشر سنين منها مهر ابنته وثمانى عشرة بعد ذلك حتى ولد له ثُمَّ جِئْتَ الى الوادي المقدس عَلى قَدَرٍ اى على القدر الّذي قدرت بانك تجىء كذا قال محمد
ابن كعب- او على القدر الّذي يوحى فيه الى الأنبياء- يعنى إذا بلغ عمرك أربعين كذا قال عبد الرحمن ابن كبسان- وهو معنى قول اكثر المفسرين اى على المواعد الّذي وعده الله وقدره ان يوحى اليه بالرسالة وهو أربعين سنة يا مُوسى (٤٠) كرر الله سبحانه ذكره استيناسا له وحبّا- قال رسول الله ﷺ من احبّ شيئا اكثر ذكره- رواه صاحب مسند الفردوس من حديث عائشة.
وَاصْطَنَعْتُكَ اى ربيتك وأحسنت تربيتك لِنَفْسِي (٤١) قرأ الكوفيون وابن عامر بسكون الياء فيسقط وصلا في اللفظ لالتقاء الساكنين والباقون يفتحون الياء- يعنى ربيتك واخترت لنفسى حتى لا تشتغل ظاهرا وباطنا بغيري- قلت ويمكن ان يكون معناه جعلتك لمكارم الأخلاق وصنعتك بحيث صلحت لمناجاتى واقترابى وأداء رسالتى.
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي اى بمعجزاتى- قال ابن عباس يعنى الآيات التسع الّتي بعث بها وَلا تَنِيا قال السدى لا تفترا- وقال محمد بن كعب لا تقصرا- قال في القاموس الونى كفتى التعب والفترة ضد فِي ذِكْرِي (٤٢) قرأ ابن عامر والكوفيون بسكون الياء فيسقط وصلا في اللفظ والباقون بالفتح- كان هذا الوحى لموسى وقد كان هارون حينئذ بمصر- فامر الله موسى ان يأتى هارون- واوحى الى هارون وهو بمصر ان يتلقى موسى فتلقاه الى مرحلة وأخبره بما اوحى اليه- وقيل سمع هارون بمقبل موسى فاستقبله فاوحى الله سبحانه إليهما-.
اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) بادعائه الالوهية- امر الله موسى اولا وحده بالذهاب ثم امره وأخاه ثانيّا فلا تكرار وقيل الذهاب الاول مطلقا والثاني مقيد فلا تكرار.
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً قال ابن عبّاس لا تعنفا في قولكما- وقال عكرمة والسدى كنياه فقولا يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقال مقاتل يعنى بالقول اللين هل لك الى ان تزكّى وأهديك الى ربّك فتخشى فانه دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا من ان يحمله حمية الجاهلية على ان يسطو عليكما- وقيل أمرهما باللطافة في القول لما كان له على موسى حق التربية- وقال السدى القول الذين ان موسى أتاه ووعده على قبول الايمان شبابا لا يهرم وملكا لا ينزع عنه الا بالموت- ويبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح الى حين موته- وإذا مات دخل الجنة فاعجبه ذلك وكان لا يقطع امرا دون هامان وكان غائبا- فلما قدم أخبره بالذي دعاه اليه موسى وقال أردت ان اقبل منه- فقال له هامان كنت ارى ان لك عقلا ورأيا وأنت رب تريد ان تكون
مربوبا وأنت تعبد تريد ان تعبد فقلّبه عن رايه لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ان تحقق عنده صدقكما أَوْ يَخْشى (٤٤) يعنى ان لم يتحقق عنده صدقكما ولم يتذكر فلا اقل من ان يتوهم فيخشى- والترجي بالنسبة الى علمهما والّا فالله تعالى كان عالما بانه لا يرجع- والجملة في محل النصب على الحالية من فاعل قولا- يعنى قولا حين التذكر من فرعون او خشيته- او على العلية لقوله قولا يعنى- وقال الحسن بن الفضل هذا ينصرف الى غير فرعون مجازه لعله يتذكر متذكر او يخشى خاش-.
قالا اى موسى وهارون يا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا قال ابن عباس ان يعجّل علينا بالقتل والعقوبة قبل إتمام الدعوة واظهار المعجزات- يقال فرط عليه فلان إذا عجّل بمكروه من فرط إذا تقدم ومنه الفارط أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) اى يزداد طغيانا فيقول فيك ماء ينبغى لجرءته وقساوته ويزداد في الاساءة الى عبادك.
قالَ الله تعالى لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما تعليل لقوله لا تخافا يعنى لا تخافا لاننى معكما بالحفظ والنصر أَسْمَعُ دعاءكما وَأَرى (٤٦) ما يراد بكما فامنع لست بغافل عنكما فلا تهتما- او اسمع وارى ما يجرى بينكما وبين فرعون من قول وفعل فافعل في كل حال بكما ما ينبغى من النصر ودفع المكروه- ويجوز ان لا يقدر شيء على معنى انّنى حافظكما سامعا مبصرا- والحافظ إذا كان قادرا سميعا بصيرا تم الحفظ-.
فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ أرسلنا إليك والى بنى إسرائيل فَأَرْسِلْ الفاء للسببية مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ الى الشام او اطلقهم عن أعمالك دخل عنهم لعبادة الله تعالى وَلا تُعَذِّبْهُمْ بالتكاليف الصعبة والأعمال الشاقة الّتي كان فرعون يستعملهم فيها قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ اى حجة مِنْ رَبِّكَ على صدقنا في دعوى الرسالة جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وانما وحد الاية وكان معه آيتان لان المراد اثبات بالبرهان لا الاشارة الى وحدة الحجة وتعددها وكذلك قوله، قد جئتكم ببيّنة وقوله فأت باية ونحو ذلك وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) جملة معترضة اى سلامى وسلام الملئكة وخزنة الجنة على المهتدين او السلامة في الدارين لهم من النقمة في الدنيا والعذاب في الاخرة.
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ اى عذاب الله في الدنيا والاخرة عَلى مَنْ كَذَّبَ الرسل وَتَوَلَّى (٤٨) اعرض عن
عن الايمان بالله وعبادته- قيل الجملة تذييل او تعليل لكونه رسولا- قلت او بدل من قوله انّا رسولا ربّك- فاتيا وقال له ما امرا به يدل على ذالك سياق الاية- وفائدة الحذف الاختصار والدلالة على ان المطيع إذا امر بشيء فعله لا محالة-.
قالَ فرعون لهما في جواب ما قال فَمَنْ رَبُّكُما الّذي أرسلكما يا مُوسى (٤٩) انما خاطب اثنين وخص موسى بالنداء لانه اصل وهارون وزيره وتابعه- او لادلاله عليه بالتربية- او لانه عرف ان له رتبة ولاخيه فصاحة.
قالَ موسى رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قال الحسن وقتادة اعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه- وقال مجاهد اعطى كل شيء صورته الّتي هو عليها ولم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم ولا خلق إليها ثم كخلق الإنسان ثم هداه الى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح- وقال سعيد بن جبير اعطى كل شى خلقه يعنى زوجه من جنسه المرأة للرجل والنافة للبعير والأتان للحمار والرمكة للفرس ثمّ هدى اى ألهمه كيف يأتى الذكر الأنثى- وقيل معناه اعطى خلقه كلّ شيء يحتاجون اليه ويرتفقون به فقدم المفعول الثاني لانه المقصود بيانه- ثم عرفه كيف يرتفق بما اعطى وكيف يصل به الى بقائه وكماله اختيارا او طبعا- قال البيضاوي هذا جواب في غاية البلاغة فانه اخبار عن الموجودات بأسرها على مراتبها- وبيان لكون الغنى القادر المنعم على الإطلاق هو الله تعالى- وان جميع ما عداه مفتقر اليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله- ولهذا بهت الّذي كفر واقحم عن الدخل عليه وصرف الكلام عنه و.
قالَ فَما بالُ يعنى ما حال الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم الذين عبدوا الأصنام وأنكروا البعث فماذا يفعل بهم بعد موتهم.
قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي اى أعمالهم محفوظة عند ربّى فِي كِتابٍ مثبت في اللوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) جملة مستانفة او صفة لكتاب يعنى الكتاب الّذي لا يضله الله ولا ينساه- والضلال ان تخطئ الشيء في مكانه فلم تهتد اليه والنسيان ان يذهب منك الشيء بحيث لا يخطر ببالك- وهما محالان على العالم بالذات- وقيل معنى لا يضلّ ربّى اى لا يغيب عنه شيء ولا يغيب هو عن شيء- ولا ينسى ما كان من أمرهم- والمعنى ان الله مجازيهم على ما عملوا من خير او شر-.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً الموصول مرفوع صفة لربى او خبر
لمحذوف او منصوب على المدح- قرأ الكوفيون مهدا هاهنا وفي الزخرف ولم يختلفوا في الّذي في سورة النبأ وهو مصدر سمى به- والباقون مهادا وهو اسم ما يمهد كالفراش او جمع مهد يعنى جعلها كالمهد لكم وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا السلوك النفاذ في الطريق قال الله تعالى لتسلكوا منها سبلا فجاجا- ويجيء لازما ومتعديا- وفي القاموس سلك المكان سلوكا وسلكه غيره فالاول لازم والمكان ظرف والثاني متعد واستعمل في الاية متعديا وجعل السبل مفعولا به مجازا وهو ظرف كما أسند الجري الى النهر مجازا في جرى النهر- فمعنى حصل لكم فيها سبلا بين الجبال والاودية والبراري تسلكونها اى تلك السبل من ارض الى ارض لتبلغوا منافعها وهذا معنى قول ابن عباس سهل لكم فيها طرقا وقال البغوي السلك إدخال الشيء في الشيء والمعنى ادخل في الأرض لاجلكم طرقا تسلكونها ومنه قوله تعالى ما سلككم في سقراى ما أدخلكم فيها وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا فَأَخْرَجْنا بِهِ بذلك الماء قيل تم كلام موسى عليه السّلام عند قوله وانزل من السّماء ماء ثم اخبر الله عن نفسه تتميما لما وصفه به موسى خطابا لاهل مكة والظاهر انه من كلام موسى عليه السلام حكاية من الله تعالى تقديره انزل من السّماء ماء وقال منّة عليكم أخرجنا به إلخ يعنى لتشكروه- او هو كلام موسى والمعنى اخرج أبناء جنسنا من الآدميين أَزْواجاً يعنى أعناقا سميت بذلك لازدواجها واقتراب بعضها ببعض مِنْ نَباتٍ بيان وصفة لازواج وكذلك شَتَّى (٥٣) صفة لازواج ويحتمل ان يكون صفة للنبات فانه من حيث انه في الأصل مصدر يستوى فيه الواحد والجمع- وهى جمع شتيت كمريض ومرضى من شتّ الأمر إذا تفرق- اى متفرقا في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم ولذلك قال.
كُلُوا وَارْعَوْا رعى جاء لازما ومتعديا يقول العرب رعيت القوم فرعت- والمعنى هاهنا اسيموا أَنْعامَكُمْ ترعى الأمر للاباحة وتذكر النعمة- والجملة حال من ضمير فاخرجنا على ارادة القول اى أخرجنا أصنافا قائلين كلوا وادعوا يعنى معدنيهما لانتفاعكم بالأكل والعلف أذنين فيه إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من جعل الأرض مهدا وإنزال الماء من السماء وإخراج النبات من الأرض للانتفاع لَآياتٍ دالة على وجود الخالق ووجوبه واحاطة علمه وقدرته وتكوينه واتصافه بالكمالات وتنزهه عن المناقص لِأُولِي النُّهى (٥٤) اى لذوى العقول جمع نهية سميت بها لكونها ناهية صاحبها عن القبائح والمضرات.
مِنْها اى من الأرض خَلَقْناكُمْ يعنى خلقنا من تراب الأرض أباكم آدم ومواد أبدانكم
145
فان النطفة يتولد من الاغذية وهى يخلق من الأرض- وقال البغوي قال عطاء الخراسانى ان الملك ينطلق فياخذ من تراب المكان الّذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة- ودليل قول عطاء ما قال رسول الله ﷺ ما من مولود الا وفى سرقه من تربة الّتي يولد منها- فاذا ردّ الى أرذل عمره ردّ الى تربة الّتي خلق منها يدفن فيها- وانى وأبا بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها تدفن- رواه الخطيب عن ابن مسعود وقال غريب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات- قال الشيخ المحدث ميرزا محمد الحارثي البدخشي رحمه الله ان لهذا الحديث شواهد عن ابن عمرو ابن عباس وابى سعيد وابى هريرة يتقوى بعضها ببعض فهو حديث حسن وما ذكر العيني في شرح الصحيح البخاري في كتاب الجنائز عن محمد بن سيرين انه قال لو حلفت حلفت صادقا غير شاك ولا مستثنى ان الله تعالى ما خلق نبيه ﷺ ولا أبا بكر ولا عمر الا من طينة واحدة- وما اخرج ابن عساكر عن عبد الله ابن جعفر ان رسول الله ﷺ قال يا عبد الله هنيئا لك مريّا- خلقت من طينتى وأبوك يطير مع الملئكة في السماء- وما روى الديلمي في مسند الفردوس وابن البحار عن النبي ﷺ انه قال طينة المعتق طينته لعله قال ذلك رسول الله ﷺ لبعض من اعتقه- ومن هذه الأحاديث وتأويل عطاء في الاية يظهر انه يكون بعض الناس مخلوق من طينة نبى من الأنبياء ويسمى ذلك في اصطلاح الصوفية أصالة الطينة- بل من طينة محمد ﷺ وهى أصالة الكبرى في في الاصطلاح- قلت فالله سبحانه يوم خلق السموات والأرض قدر بعض اجزاء الأرض معدة لخلق بعض افراد الإنسان وبعضها لبعض آخر- فما أعدت منها لخلق نبى من الأنبياء عليهم السلام لعل التجليات الذاتية المختصة بذلك النبي والبركان الالهية الاصلية ما زالت نازلة فائضة على تلك الجزء من اجزاء الأرض حتى استعدت لان ينخمر منها بدنه الشريف- ثم ما أعدت منها لخلق نبى من الأنبياء جاز ان يبقى منها شيء فتكون مادة لغيره فيتشرف بها ذلك الغير كما ورد به الخبر في النخلة قال رسول الله ﷺ أكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم. وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم والولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر- رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده والبخاري في تاريخه وابن ابى حاتم والعقيلي وابن عدى وابن السنى وابو نعيم في الطب وابن مردوية عن على عليه السلام واخرج ابن عساكر عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ خلقت النخلة والرمانة والعنب من فضلة طينة آدم وقد ادعى الاصالة الكبرى الشيخ احمد مجدد للالف الثاني
146
رضى الله عنه بمكشوفه في المكتوب التاسع والتسعين من المجلد الثالث- واعترض بذلك الدعوى عليه رضى الله عنه بعض الناس اما جهلا او عنادا فويل لمن عاند اولياء الله ولم يذهب على حسن الظن في شانهم والله اعلم وَفِيها نُعِيدُكُمْ بتفكيك الاجزاء بعد الموت وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ يوم القيامة بالبعث بتأليف اجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصورة السابقة ورد الأرواح إليها تارَةً اى حينا او مرة كذا في القاموس أُخْرى (٥٥).
وَلَقَدْ أَرَيْناهُ اى بصرناه آياتِنا او عرفناه صحتها كُلَّها تأكيد لشمول الأنواع او لشمول الافراد على ان الاضافة للعهد يعنى آياتنا التسع الّتي أعطيناها موسى. وان موسى عليه السلام أراه تلك الآيات وعد عليه ما اوتى غيره من المعجزات فَكَذَّبَ فرعون موسى من فرط عناده وقال انه ساحر وَأَبى (٥٦) عن الايمان والطاعة.
قالَ اى فرعون بدل اشتمال من قوله كذّب وابى او تأكيد وتقرير له أَجِئْتَنا استفهام تقرير لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا اى ارض مصر يعنى تريد ان تغلب على ديارنا فيكون فيها الملك لك بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ اى مثل سحرك يعاوضه فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لذلك اى وعدا لقوله لا نُخْلِفُهُ قرأ ابو جعفر بالجزم على انه جواب للام نَحْنُ وَلا أَنْتَ فان الأخلاف يكون في الوعد دون الزمان والمكان- والمضاف محذوف تقديره مكان موعد اى وعد مَكاناً بدل من المكان المحذوف- وجاز ان لا يقدر المضاف ويكون مكانا منصوبا بالمصدر او يفعل دل عليه المصدر سُوىً (٥٨) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بضم السين والباقون بكسرها وهما لغتان مثل عدى وعدى ولهوى ومعناه منتصفا يستوى منه المسافة إلينا وإليكم كذا قال قتادة ومجاهد وروى عن ابن عباس- وقال الكلبي يعنى سوى هذا المكان- وقف أبو بكر وحمزة والكسائي بالامالة وورش وابو عمرو على أصلهما بين بين والباقون بالفتح على أصولهم.
قالَ موسى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ فيه الضمير اى مكان موعدكم مكان يوم الزينة او موعدكم موعد يوم الزينة- او هو جواب من حيث المعنى فان يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم- قال مجاهد وقتادة ومقاتل والسدى كان عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون كل سنة وقيل هو يوم النيروز وقال ابن عباس وسعيد بن جبير يوم عاشوراء عنى ذلك اليوم- ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤس الاشهاد ولشيع ذلك في الأقطار وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ اى يجمعون ضُحًى (٥٩) فى وقت الضحوة نهارا جهارا ليكون ابعد من الريبة- عطف على اليوم او على الزينة-.
فَتَوَلَّى اى أدبر فِرْعَوْنُ عن موسى فَجَمَعَ كَيْدَهُ اى ذو كيده وحيلته يعنى السحرة
وآلاتهم ليغلب على موسى ثُمَّ أَتى (٦٠) بالموعدة.
قالَ لَهُمْ مُوسى اى لفرعون ومن معه من السحرة وقال البغوي الضمير للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنى وسبعون ساحرا مع كل واحد حبل وعصى- وقال كعب كانوا اربع مائة- وقيل كانوا اثنا عشر الفا وقيل اكثر من ذلك وَيْلَكُمْ مفعول به اى ألزمكم الله الويل اى الهلاك- او مصدر لفعله المحذوف اى هلكتم هلاكا- او منادى بحذف حرف النداء- اى ويلكم فهى جملة دعائية او ندائية مقدمة للنهى لاظهار تقبيح الحال بارتكاب المنهي قبل الشروع في المقال لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً مفعول مطلق بقوله لا تفتروا لانه بمعنى لا تكذبوا على الله كذبا باشراك أحد معه فَيُسْحِتَكُمْ قرأ حفص وحمزة والكسائي بضم الياء وكسر الحاء من الافعال والباقون بفتح الياء والحاء من المجرد- معناهما واحد والاسحات لغة بخد وتميم والسحت لغة الحجاز- قال مقاتل والكلبي معناه فيهلككم- وقال قتادة فيستأصلكم بِعَذابٍ عظيم من عنده وَقَدْ خابَ اى خسر خسرانا ولم ينل ما طلب مَنِ افْتَرى (٦١) وكان كذلك حيث افترى فرعون وكذب على الله واحتال ليبقى ملكه وألوهيته الباطلة فلم ينفعه.
فَتَنازَعُوا يعنى السحرة او فرعون وقومه أَمْرَهُمْ اى في أمرهم يعنى في امر مجادلة موسى ومعارضته هل ينبغى أم لا بَيْنَهُمْ قال محمد بن إسحاق لمّا قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) وهو اسم او مصدر ناجيته اى ساورته- أصله ان تخلوا به في نجوة من الأرض وهى المرتفعة المنفصلة بارتفاعها وقيل أصله النجاة بمعنى الخلاص- فهى المشاورة والمعاونة بما فيه خلاصه- يعنى أسروا تنازعهم فيما بينهم- وقال الكلبي أسروا ان غلبنا موسى اتبعناه-.
قالُوا بعد ما تنازعوا وتناجوا بينهم يعنى استقر أمر مشاورتهم على هذا القول وكان هذا قول فرعون إِنْ هذانِ لَساحِرانِ الى آخره كما مر فيما قبل حيث قال أجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يموسى- واستقر قولهم جميعا بعد المشاورة على هذا القول طوعا او كرها- كما ذكر الله سبحانه منازعة فرعون وقومه في سورة المؤمن حيث قال وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا الى قوله فمن يّنصرنا من بأس الله ان جاءنا قال فرعون ما أريكم الّا ما ارى وما أهديكم الّا سبيل الرّشاد- قرأ ابن كثير وحفض بتخفيف
النون في ان على انها هى المخفقة من المثقلة واللام هى الفارقة- او هى نافية واللام بمعنى الا يعنى ما هذان الا ساحران- ويشدد وابن كثير النون من هذآنّ- وقرأ الباقون ان مشددة فقرأ وابو عمرو هذين على الأصل- والباقون هذان بالألف واختلفوا في توجيهه- فروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انه خطأ من الكاتب وهذا القول خطاء خارق للاجماع وقيل هذا بلغة ابو الحارث بن كعب وخثعم وكنانة فانهم يجعلون المثنى في الرفع والنصب والجر بالألف يجعلونها علامة التثنية وأعربوا المثنى تقديرا ويقولون أتاني الزيدان ورايت الزيدان ومررت بالزيدان- وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها في التثنية يقولون كسرت يداه وركبت علاه موضع يديه وعليه- وكذا في الأسماء الستة المضافة الى غير ياء المتكلم قال الشاعر ان أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها. وقيل اسمها ضمير الشان المحذوف وهذان الساحران خبران تقديره انه هذان لساحران وقيل ان بمعنى نعم وما بعدها مبتداء وخبر- روى ان أعرابيا سال ابن الزبير فحرمه فقال لعن الله ناقة حملتنى إليك فقال ابن الزبير ان وصاحبها اى نعم قال البيضاوي وفيها ان اللام لا تدخل على خبر للمبتداء وقيل أصله ان هذان لهما ساحران- او ان يعنى نعم هذان لهما ساحران فحذف ضمير الشان وضميرهما- وفيه ان المؤكد باللام لا يليق به الحذف يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ مصر بالاستيلاء عليه بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) تأنيث للامثل بمعنى الأفضل قال ابن عباس يعنى بسراة قومكم واشرافهم- يقال هولاء طريقة قومهم اى اشرافهم حدث الشعبي عن على قال يصرفا وجوه الناس إليهما- وقال قتادة طريقتهم المثلى يومئذ بنوا إسرائيل كانوا اكثر القوم عددا وأموالا- فقال عدو الله يريدان ان يذهبا بهم لانفسهم كانه قال فرعون هذا القول لمّا قال له موسى أرسل معى بنى إسرائيل- وقيل أراد بطريقتكم المثلى بسنتكم ودينكم الّذي أنتم عليه فمعنى هذا القول قوله انّى أخاف ان يبدّل دينكم- وجملة يريد ان اما خبر بعد خبر لهذان واما حال من ضمير ساحران- واما مستأنفة.
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ قرأ ابو عمرو بوصل الالف وفتح الميم من المجرد- يعنى لا تدعوا شيئا من كيدكم الّا جئتم به وجمعتموه وهذا القراءة يطابق قول فجمع كيده والباقون بقطع الالف وكسر الميم فقد قيل معناه الجمع ايضا يقول العرب أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد- والصحيح ان معناه العزم اى اعزموا عليه واجعلوا مجمعا عليه ولا تختلفوا فيختل أمركم ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا الصف مصدر بمعنى جعل الأشياء على خط مستوكا لناس والأشجار- وهو هاهنا بمعنى الفاعل يعنى ايتوا مصطفّين
مجتمعين لانه اهيب في صدور الرائين كذا قال مقاتل والكلبي- نظيره ما قال الله تعالى انّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا كانّهم بنيان مرصوص- وصفّا على هذا حال من فاعل ايتوا- وقال ابن عبيدة الصف المجمع ويسمى المصلى صفّا فالمعنى ثم أتوا المكان الموعود وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) اى فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض-.
قالُوا اى السحرة بعد ما آتوا الموعد مراعاة للادب- او استعظاما لكيدهم ووثوقهم بالغلبة في كلا التقديرين يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك اولا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) ان مع ما بعدها في الموضعين منصوب بفعل مضمر- او مرفوع على انه خبر مبتدا محذوف تقديره اختراعا القاءك اولا واما كوننا أول من القى. او الأمر الّذي حان حينه اما القاؤك اولا واما كوننا أول الملقين.
قالَ موسى بَلْ أَلْقُوا أنتم او لا مقابلة للادب الأدب وعدم مبالاة بسحرهم واسعانا الى ما او هموا من الميل الى الله بذكر الاول صريحا في شقهم. وتغير النظم الى وجد ابلغ. ولان يبزروا ما معهم او يستنفذوا أقصى وسعهم. ثم يظهر سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ أصله عصور قلبت الواو ان يائين وكسرت العين والصاد وفي الكلام حذف تقديره فالقوا حبالهم وعصيّهم فاذا حبالهم إلخ وإذا ظرف زمان للمفاجأة منصوب بفعل المفاجاة مضاف الى جملة اسمية وحبالهم مع ما عطف عليه مبتداء وما بعده خبره. والعائد اما ضمير يخيل او ضميرانها. والجملة ابتدائية والمعنى فالقوا ففاجأ موسى وقتا حبالهم وعصيهم فيها يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ قرأ ابن ذكوان ليخيل بالتاء على ان الضمير المرفوع راجع الى الحبال والعصى وقوله أَنَّها تَسْعى (٦٦) بدل اشتمال من الضمير المرفوع المستكن فيه وقرأ الباقون يخيل بالياء وعلى هذا انها تسعى مفعول قائم مقام الفاعل ليخيل- وفي القصة انهم لمّا القنو الحبال والعصى أخذوا أعين الناس. فرأى موسى والقوم بسحرهم كانّ الأرض امتلان حيات تسعى. وكانت أخذت ميلا من كل جانب.
فَأَوْجَسَ اى احسن وأضمر فِي نَفْسِهِ خِيفَةً التنكير للتقليل اى خوفا قليلا مُوسى (٦٧) الوجس في الأصل الصوت الخفي وفي القاموس الوجس الفزع يقع في القلب او السمع من صوت او غيره- يعنى خاف موسى حينئذ خوفا مضمرا- قيل خاف من طبع البشرية ظنّا منه انها تقصده وقال مقاتل خاف على القوم ان يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في امره فلا يتبعوه- والجملة معطوفة على فاذا حبالهم.
قُلْنا حينئذ لموسى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨)
الغالب- الجملة في موضع العلة للنهى عن الخوف وتقرير لغلبته مؤكدا بالاستيناف وحرف التحقيق وضمير الفصل وتعريف الخبر ولفظ العلو الدالة على الغلبة الظاهرة وصيغة اسم التفضيل.
وَأَلْقِ عطف على لا تخف ما فِي يَمِينِكَ أبهمه ولم يقل عصاك اما تحقيرا للجبال والعصيّ يعنى لا تبال بكثرة الحبال والعصىّ والق العويدة الّتي في يدك- او تعظيما للعصىّ اى لا تبال بكثرة هذه الاجرام وعظمها فان ما في يمينك أعظم منها اثرا فالقه تَلْقَفْ قرأ حفص بإسكان اللام مخففا من لقفته بمعنى تلقفته والباقون بفتح اللام مشددا- أصله تتلقف من التفعل حذفت احدى القائين وتاء المضارعة تحتمل التأنيث بناء على ان الضمير ترجع الى عصا وتحتمل الخطاب على اسناد الفعل الى المسبب وقرأ ابن ذكوان بالرفع على الحال او الاستيناف والباقون بالجزم على انه جواب للامر يعنى تبتلع بقدرة الله تعالى ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا ما موصولة يعنى ان الّذي زوّروا وافتعلوا- او مصدرية يعنى ان صتيعهم كَيْدُ ساحِرٍ بوزن فاعل اى جبلة ساحر كذا قرأ الجمهور. وقرأ حمرة والكسائي سحر بكسر السين بلا الف بمعنى المصدر يعنى حيلة سحر والاضافة بيانية او التقدير كبد ذى سحر بحذف المضاف او بتسمية الساحر سحرا على المبالغة- وانما وجد الساحر لان المراد به الجنس وَلا يُفْلِحُ جنس السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) قال ابن عباس لا يسعد حيث كان من الأرض واين اقبل وقيل معناه حيث احتال- اخرج ابن ابى حاتم والترمذي عن جندب بن عبد الله البجلي- قال قال رسول الله ﷺ إذا وجدتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ ولا يفلح السّاحر حيث اتى- قال لا يومن حيث وجد جملة انّما صنعوا في محل التعليل للتّلقف-.
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً هاهنا حذف اختصار تقديره فالقى موسى عصاه فصارت ثعبانا فتلقف ما صنعت السحرة فعرفت السحرة انه ليس بسحر انما هو اية من آيات الله فالقى السحرة اى ألقاهم ذلك المعرفة على وجوههم سجد الله تعالى توبة عما صنعوا او تعظيما لما راؤ من آيات الله يعنى سجدوا مسرعين كانهم القوا قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) الواو لمطلق الجمع يعنى امنّا بربهما وليس في الاية دليل على انهم قدموا ذكر هرون على موسى الإلزام التعارض بين هذه الاية وبين اية الأعراف والشعراء فان هناك امنّا بربّ العلمين ربّ موسى وهرون- وتقديم هارون هاهنا لرعاية رؤس الاى جملة قالوا مع ما في حيزها بدل اشتمال من قوله القى السّحرة سجّدا او تأكيد له.
قالَ فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ قرأ حفص على الخبر والباقون على الاستفهام للانكار-
واللام في أمنتم له اى لموسى لتضمين الفعل معنى الاتباع فيه قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ فى الايمان له إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ اى عظيمكم في السحر وأعلمكم به ولاجل ذلك غلب عليكم لا لنبوته- او انه لاستاذكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ وأنتم تواطئتم على ما فعلتم- والجملة معترضة فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اى يد اليمنى والرجل اليسرى ومن ابتدائية متعلقة بلا قطّعنّ كان القطع ابتداء في مخالفة العضو العضو- او ظرف مستقر صفة لمصدر محذوف اى قطعا مبتداء من عضو مخالف للاخر اختلافهما يدا او رجلا يمنة ويسرة- او حال من ايديكم وأرجلكم يعنى مبتدئا قطعها من مخالف للاخر وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ اى عليها أورد كلمة في في محل على تشبيها لتمكن المصلوب على الصليب تمكن المظروف في الظرف وخص النخل لطولها حتى يرى من بعيد وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً انا على ايمانكم بربّ موسى او ربّ موسى على ترك الايمان به وَأَبْقى (٧١) اى أدوم عذابا.
قالُوا يعنى السحرة لَنْ نُؤْثِرَكَ اى لن نختارك يا فرعون عَلى ما جاءَنا به موسى ويجوز ان يكون الضمير فيه لما مِنَ الْبَيِّناتِ اى المعجزات الواضحات يعنى اليد والعصا وقيل معناه من الدلالات وكان من دلالاتهم انهم قالوا لو كان هذا سحرا فاين حبالنا وعصيّنا- وقيل من البيّنات اى من التبيين والعلم. قال البغوي حكى عن القاسم عن ابى بردة انه قال انهم لما القوا سجدا ما رفعوا رؤسهم حتى رأوا الجنة والنار وراو ثواب أهلها ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات وَالَّذِي فَطَرَنا عطف على ما جاءنا اى لن نؤثرك على الّذى فطرنا- او قسم فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ما أنت قاضيه اى صانعه فالمفعول مع الصلة مفعول به لاقض بمعنى اصنع او المعنى احكم ما أنت حاكمه فالموصول مفعول مطلق اى احكم حكما أنت حاكمه- ولا يجوز حينئذ ان يكون مفعولا به لان القضاء بمعنى الحكم يتعدى بالباء ولا يجوز حذف الباء هناك إِنَّما تَقْضِي اى انما تصنع ما تهواه او تحكم ما تراه هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) منصوب على انه ظرف زمان بحذف المضاف يعنى انما تضع او تحكم زمان هذه الحيوة الدنيا ويزول أمرك وسلطانك عن قريب قيل ان فرعون صنع بهم ما أوعدهم وكان هو أول من سن ذلك أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس- وقيل انه لم يقدر
على ذلك لما قال الله تعالى أنتما ومن اتّبعكما الغالبون-.
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا من الكفر والمعاصي جملة مقررة لجملة لن نؤثرك وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ عطف على خطينا مِنَ السِّحْرِ بيان لما منصوب على انه حال من الضمير المجرور فان قيل كيف قالوا هذا وقد جاءوا مختارين يحلفون لعزة فرعون ان لهم الغلبة قال البغوي روى عن الحسن ان كان يكره قوما على تعلّم السحر كيلا يذهب أصله- فقد كان أكرههم في الابتداء وقال مقاتل كانت السحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بنى إسرائيل وكان فرعون اكره الذين هم من بنى إسرائيل فذالك قولهم وما أكرهتنا عليه من السّحر- وقال عبد العزيز ابن ابّان قالت السحرة لفرعون أرنا موسى إذا نام فاراهم موسى نائما وعصاه تحرسه فقالوا ان هذا ليس بسحر ان الساحر إذا نام بطل سحره فابى عليهم ان يعارضوه فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السّحر وَاللَّهُ خَيْرٌ منك ومن جميع ما خلق ثوابا لمن جاءه مومنا قد عمل الصالحات وَأَبْقى (٧٣) اى أدوم منك ومن جميع ما خلق عقابا لمن يأته مجرما بالكفر والمعاصي كذا قال محمد بن إسحاق ومحمد بن كعب فهذا جواب لقوله ولتعلمنّ ايّنا أشدّ عذابا وأبقى انّه اى الشأن.
مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً مات على كفره وعصيانه فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح من العذاب وَلا يَحْيى (٧٤) حيوة مهناة.
وَمَنْ يَأْتِهِ قرأ قالون بخلاف عنه وابو جعفر ويعقوب باختلاس كسرة الهمزة في الوصل- وابو شعيب بإسكانها والباقون باشباعها يعنى من مات مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فى الدنيا حال من الضمير مومنا فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جمع العليا مونث أعلى اى المنازل الرفيعة.
جَنَّاتُ عَدْنٍ اقامة بدل من الدرجات او عطف بيان تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها حال من الضمير المجرور في لهم والعامل فيها معنى الاشارة او الاستقرار وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) اى تطهر من أدناس الكفر والمعاصي قال الكلبي اعطى زكوة نفسه وقال لا اله الا الله- روى احمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان بسند صحيح عن ابى سعيد الخدري والطبراني عن جابر بن سمرة وابن عساكر عن ابن عمرو عن ابى هريرة كلهم قالوا قال رسول الله ﷺ ان اهل درجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الطالع
فى أفق السماء وان أبا بكر منهم والعمر. وروى احمد والشيخان في الصحيحين عن ابى سعيد والترمذي عن ابى هريرة مرفوعا بلفظ ان اهل الجنة ليتراؤن اهل الغرف من فوقهم كما ترون كوكب الدري الغائر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم- قال رسول الله ﷺ بلى والّذي نفسى بيده رجال أمنوا بالله وصدقوا الرسل- والآيات الثلاث يحتمل ان يكون من كلام السحرة في مقام التعليل لقولهم والله خير وأبقى- وان يكون ابتداء الكلام من الله تعالى تصديقا لقولهم-.
وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى (٧٦) حين أراد الله إهلاك فرعون وقوعه وإنجاء بنى إسرائيل منه أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي اى سربهم ليلا من ارض مصر- هذه الجملة معطوفة على قوله ولقد مننّا عليك مرّة اخرى- وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً اى فاجعل لهم من قولهم ضرب له من ماله سهما او فاتخذ من ضرب البن إذا علمه قلت ويمكن تقدير الكلام فاضرب بعصاك البحر يكن طريقا فِي الْبَحْرِ يَبَساً صفة لطريق مصدر وصف به لا تَخافُ دَرَكاً قرأ الجمهور بالرفع والجملة في محل النصب على انه حال من فاعل اضرب او صفة ثانية لطريق اى أمنا من درك العدو او طريقا مامونا من الدرك- وقرأ حمزة لا تخف بالجزم على النهى او على انه جواب للامر وَلا تَخْشى (٧٧) الغرق استيناف وعطف على لا تخاف والالف فيه على قراءة حمزة للاطلاق كقوله تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا او حال من فاعل لا تخف- ففعل موسى ما امر به وضرب البحر بعصاه فانفلق فكان كلّ فرق كالطّود العظيم وايبس الله الأرض فمروا فيها.
فَأَتْبَعَهُمْ معطوف على محذوف يعنى فاسرى موسى بقومه فاتبعهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ الباء بمعنى مع والمعنى فاتبعهم فرعون نفسه مع جنوده حين اخبر ان موسى خرج ليلا مع بنى إسرائيل- وقيل صيغة الافعال بمعنى الافتعال والباء للتعدية وقيل الباء زائدة والمعنى فاتبعهم جنوده- وهذا التأويل لا يدل على خروج فرعون بنفسه وكان قد خرج فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ اى من ماء اليم اى البحر وكلمة من للبيان او للتبعيض اى بعض ماء اليم لاكله حال من قوله ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وفيه مبالغة والمعنى غطقهم مالا يعرف كنهه الا الله- والضمير المنصوب في الموضعين لفرعون وجنوده وقيل الضمير الاول لفرعون وجنوده والثاني لموسى وقومه يعنى غشى فرعون وجنوده فغرقوا ما غشى
موسى وقومه فنجوا.
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ فى الدين وَما هَدى (٧٩) وهو تهكم به وتكذيب لقوله وما أهديكم الّا سبيل الرّشاد- او أضلهم في البحر وما نجا-.
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اما خطاب للذين كانوا في عهد النبي ﷺ بما فعل بآبائهم لكن السورة مكية ولم يكن بمكة المخاطبة مع بنى إسرائيل بل مع القريش- واما خطاب لمن أنجاهم من البحر بعد إهلاك فرعون بتقدير قلنا استينافا في جواب من قال فماذا فعل بهم بعد الانجاء- يعنى قلنا يا بنى إسرائيل قَدْ أَنْجَيْناكُمْ وعلى التقدير الاول المضاف محذوف تقديره قد أنجينا اباءكم مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون باغراقه وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ منصوب على الظرفية الْأَيْمَنَ صفة لجانب الطور بأدنى ملابسة لكونه على يمين موسى إذ لا يمين للجبل واعد الله سبحانه موسى بالمناجات وإنزال التورية عليه وان يختار سبعين رجلا يحضرون معه وانما نسب المواعدة إليهم للملابسة وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ فى التيه الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا حال من فاعل نزّلنا بتقدير القول اى قائلين كلوا او مستأنفة.
مِنْ طَيِّباتِ اى لذائذ او حلالات ومن للبيان او للتبعيض ما رَزَقْناكُمْ قرأ حمزة والكسائي انجيتكم ووعدتكم- وما رزقتكم بالتاء المتوحد- والباقون بالنون والالف على التعظيم- ولم يختلفوا في نزّلنا لانه مكتوب بالألف وَلا تَطْغَوْا فِيهِ اى فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما أحل الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي قرأ الكسائي والأعمش فيحلّ بضم الحاء ومن يحلل بضم اللام من باب نصر ينصر من الحلول بمعنى النزول والباقون بكسرهما من باب ضرب يضرب من حل الّذين إذا وجب أداؤه فَقَدْ هَوى (٨١) اى هلك وتردى في النار.
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ بالله وبما جاء به رسله من عنده وَعَمِلَ صالِحاً يعنى اتى بما امر الله به ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) قال عطاء عن ابن عباس يعنى علم ان ذلك بتوفيق من الله تعالى وقال قتادة وسفيان الثوري يعنى لزم الإسلام حتى مات عليه وقال الشعبي ومقاتل والكلبي يعنى علم ان لك ثوابا- وقال زيد بن اسلم تعلم العلم ليهتدى كيف يعمل وقال الضحاك استقام اى على الهدى المذكور- وقال سعيد بن جبير اقام على السنة والجماعة قلت وعندى ان معناه ثم اهتدى الى الوصول الى الله بلا كيف وعروج مدارج القرب-.
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) خطاب لموسى معطوف على الخطاب لبنى إسرائيل قد أنجيناكم إلخ ويا موسى أعجلك- قال البغوي اى ما حملك على العجلة عن قومك وذالك ان موسى اختار من قومه سبعين رجلا حتى يذهبوا معه الى الطور ليأخذ والتوراة فساء بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا الى ربه وخلف السبعين وأمرهم ان يتبعوه الى الجبل- فقال الله تعالى وما أعجلك عن قومك يموسى- قلت وهذا سوال تقرير كما يسئل المحبوب من المحب حين يراه في غاية المحبة والشوق كى يذكر شوقه- لكن فيه مظنة انكار بما فيه من ترك موافقة الرفقة- فاجاب موسى عن الامرين وقدم جواب الإنكار لكونه أهم.
قالَ موسى هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي يعنى ما قدمتهم الا بخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بينى وبينهم الا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا وَعَجِلْتُ معطوف على قوله هم أولاء او حال بتقدير قد إِلَيْكَ اى الى مقام كرامتك والمكان الّذي وعدتني لتجليّاتك علىّ وكلامك منى رَبِّ اى يا ربى لِتَرْضى (٨٣) قيل يعنى لان المسارعة الى امتثال أمرك والوفاء بعهدك أوجب لازدياد مرضاتك- قلت بل معنى لترضى- اى لغاية محبتك واشتعال الشوق الى لقائك واستماع كلامك كما هو مقتضى اقتراب وقت لقاء المحبوب وذلك الشوق والمحبة يقتضى مرضاتك «١».
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ والمراد بالفتن اما الابتلاء او الإضلال- يعنى ابتليناهم بإظهار العجل هل يعبدونه أم لا- او أضللناهم بعبادة العجل- فان قيل فانّا قد فتنّا مرتب على قوله عجلت إليك والتقدير إذا عجلت الىّ فانّا قد فتنّا قومك وهذا الكلام يقتضى كون العجلة سببا للفتنة إذا الفاء للسببية فما وجه هذه السببية- قلت لعل وجه ذلك ان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا لهداية الخلق بوجهين ظاهرا بدعوتهم الى الإسلام وتعليمهم الاحكام- وباطنا بجذبهم الى الله عما سواه وفاضة نور الايمان والمعرفة في قلوبهم حتى ينشرح صدورهم للايمان ويروؤا لحق حقا والباطل باطلا ولا يتم ذلك الا عند كمال توجهم الى الخلق بشر أشرهم ولما كان عجلة موسى عليه السلام الى الله تعالى مبنيا على غلبة المحبة والشوق وسكر ذلك انقطع عند ذلك توجه باطنه عن الامة فحينئذ وقع امة في الفتنة والضلال- ومن هاهنا قال بعض الصوفية الولاية أفضل من النبوة وفسر بعضهم هذا القول بان ولاية النبي أفضل من نبوّته قالوا مقتضى لولاية الاستغراق والتوجه الى الله سبحانه ومقتضى النبوة التوجه الى الخلق والتحقيق ما حقق المجد وللالف الثاني رضى الله عنه ان النبوة هى الأفضل
(١) وعده وص چون شود نزديك آتش عشق تيز گردد.
من الولاية مطلقا إذ الولاية عبارة عن التجليات الصفاتية والنبوة عن التجليات الذاتية فاين لهذا من ذلك وقال المجرد رضى الله عنه ان لكل واحد من النبوة والولاية عروجا ونزولا- والصوفي في مرتبة العروج في كلا النسبتين متوجه الى الله لتحصيل الكمال- وفي مراتبه النزول في كليهما متوجه الى الخلق للتكميل غير انه في نسبة الولاية لما كان عروجه الى الصفات دون الذات فله عند نزوله التفات ما الى المبدأ فائض البركات غير متوجه الى الخلق بالكلية وفي نسبة النبوه له عند نزوله توجه بالكلية الى الخلق وفي بادى النظر يرى نفسه معرضا عن الله فيكون ذلك عليه شاقا ورياضة وعسرا لكنه في الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل عليه ايضا واتسع صدره للتوجهين جميعا. بل التوجه الى الخلق لمّا كان بإذن الله وعلى حسب امره ومرضاته فهو ايضا في المعنى توجه الى الله سبحانه ومن ثمّ سمّى هذا السير سيرا من الله بالله فانى في الوصال عبيد نفسى وفي الهجر ان مولى للموالى- وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة الم نشرح في تفسير قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً والله اعلم- وجاز ان يكون الكلام في الاية انه قال الله تعالى بعد ما أنجز وعده وأعطاه التوراة ارجع الى قومه فانّا قد فتنّا قومك مِنْ بَعْدِكَ اى بعد انطلاقك الى الجبل عند خوهم عنك وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) نسب الله سبحانه الفتنة والإضلال الى نفسه لخلقه الضلالة فيهم والإضلال في السامري والى السامري لكسبه الإضلال والدعاء الى عبادة العجل- قال البغوي كانوا ستمائة الف فافتتوا بالعجل غير اثنى عشر الف- والسامرىّ قال في القاموس كان علجا من كرمان او عظيما من بنى إسرائيل منسوب الى موضع لهم وقال البيضاوي منسوب الى قبيلة من بنى إسرائيل يقال لهم السامرة واسمه موسى بن طفر وكان منافقا.
فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التورية غَضْبانَ عليهم أَسِفاً ٥ حزينا شديد الحزن بما فعلوا قالَ موسى لقومه حين راهم عبدوا العجل يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً منصوب على المصدرية او على المفعولية على ان الوعد بمعنى الموعود حَسَناً بان يعطيكم التورية فيها هدى ونور أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أتأثرهم بمصاحبتى إياكم فامنتم بالله وحده ووعدتموني ان تكونوا بعدي على ذلك فطال عليكم العهد اى زمان مقارقتى إياكم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ بكسر الحاء من باب ضرب يضرب بإجماع القراء اى يجب عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ بعبادة ما دونكم وما هو مثل في الغباوة اى أردتم ان تفعلوا فعلا يوجب الغضب عليكم فَأَخْلَفْتُمْ
مَوْعِدِي
(٨٦) اى وعدكم ايّاى بالثبات على الايمان والقيام على ما أمرتكم به-.
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بالثبات على الايمان بِمَلْكِنا قرأ نافع وابو جعفر وعاصم بفتح الميم وحمزة والكسائي بضمها والباقون بكسرها وكلها لغات في مصدر ملكت الشيء كذا في القاموس يعنى ما أخلفنا متلبسا بملكنا اى قدرتنا واختيارنا على أمرنا- يعنى المرء إذا وقع في البلية والفتنة من الله لم يملك نفسه وَلكِنَّا حُمِّلْنا قرأ نافع وابن كثير وحفص بضم الحاء وكسر الميم مشددا على البناء للمفعول من التجيل اى كلّفنا حملها- وابو عمرو حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر بفتح الحاء وتخفيف الميم من الحمل أَوْزاراً اى أثقالا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ صفة للاوزار كان ذلك من حلية قوم فرعون استعادها بنو إسرائيل حين أرادوا الخروج من مصر باسم العرس كذا اخرج عبد بن حميد وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال البغوي سماها او ذارا لانهم أخذوها على وجه العادية فلم يردّوها- وقيل ان الله تعالى لما أغرق فرعون نيذ البحر حليهم فاخذوها وكانت غنيمة ولم تكن الغنيمة حلالا في ذلك الزمان فسماها او زارا لذلك فَقَذَفْناها اى طرحناها في الحفيرة قال البغوي قيل ان السامري قال لهم احفروا حفيرة فالقوها فيها حتى يرجع موسى- وقال السدىّ قال لهم هارون ان تلك الغنيمة لا يحل فاحفروا حفيرة وألقوها فيها حتى يرجع موسى فيرى رأيه- ففضوا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) ما كان معه فيها- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس أوقد هارون نارا وقال اقذفوا ما معكم فيها فالقوا فيها- ثم القى السامرىّ ما كان من تربة حافر فرس جبرئيل. قال قتادة كان قد قبضه من ذلك التراب في عمامته.
فَأَخْرَجَ اى السّامرى لَهُمْ اى لبنى إسرائيل عِجْلًا جَسَداً بدل من عجلا يعنى اخرج من تلك الحلي عجلا لَهُ خُوارٌ صفة لعجلا يعنى صوت بقر فَقالُوا اى السامري ومن اقتربه أول ما راوه هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) اى ترك موسى هاهنا وذهب يطلبه عند الطور او فنسى السامرىّ اى ترك ما كان عليه من الايمان وكفر بالله.
أَفَلا يَرَوْنَ استفهام انكار والجملة معطوفة على محذوف تقديره الا ينظرون فلا يرون اى لا يعلمون او التقدير أقروا بالوهيّتها فلا يعلمون هذه الحمقاء أَلَّا يَرْجِعُ ان محففة من الثقيلة واسمه ضمير الشأن محذوف يعنى انّه لا يرجع ذلك العجل إِلَيْهِمْ قَوْلًا اى لا يكلمهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا فهو دون حالا منهم فكيف اتخذوا الها وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩)
اى لا يقدر على اضرارهم ولا انفاعهم ولا منع من الضر او النفع- فكيف استحق لعبادتهم- قال البغوي قيل ان هارون مرّ على السامرىّ هو يصوغ العجل فقال له ما لهذا قال اصنع ما ينفع ولا يضر فادع لى. فقال هارون اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه. فالقى التراب في فم العجل فقال كن عجلا تخور فكان كذلك بدعوة هارون. والحقيقة ان ذلك فتنة ابتلى الله بها بنى إسرائيل-.
وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ اللام في جواب قسم محذوف والجملة معطوفة على قوله ولقد أوحينا الى موسى ان اسر بعبادي يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ اى ابتليتم بالعجل هل تستقيمون على التوحيد او تضلون وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ الّذي وجودكم وتوابعه اثر لرحمته ولا يصلح هذا العجل للرحمة فَاتَّبِعُونِي فى الثبات والاستقامة على عبادة الرحمن وحده وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) فى ترك عبادة العجل الفاء للسببية فان ما قبلها سبب لما بعدها.
قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ اى لن نزال على العجل وعبادته عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) فاعتزلهم هارون في اثنى عشر الفا الذين لم يعبدوا العجل- فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل. قال السبعون الذين معه هذا صوت الفتنة- فلما راى هارون أخذ رأسه بيمينه ولحيته بشماله و.
قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) بعبادة العجل.
أَلَّا تَتَّبِعَنِ قيل وضع منع موضع دعا مجازا لوجود التعلق بين الصارف عن الشيء والداعي الى تركه- وقال الجمهور لا مزيده والمعنى ما منعك من ان تتبعنى اى تتبع امرى ووصيتي في القيام على دعوة الخلق الى التوحيد ومنعهم عن الشرك باللسان والسنان- وقيل معناه ما منعك من ان تأتي عقبى وتخبرني بما فعلوا- فيكون مفارقتك إياهم زجرا لهم عما فعلوا- اثبت ابن كثير الياء ساكنة في لا تتّبعنى في الحالين ونافع وابو عمر واثبتاها وصلا فقط والباقون يحذفونها في الحالين أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) الاستفهام للانكار والجملة معطوفة على محذوف تقديره أرضيت بما فعلوا وأقمت فيهم فعصيت اى خالفت امرى.
لَ يَا بْنَ أُمَ
خص ذكر الام استعطافا وترقيقا وقيل لانه كان أخاه من الام والجمهور على انهما كان عن اب وأم تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي
قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- اى بشعور رأسى وكان يجره اليه من شدة غيظه وفرط وابو جعفر- ابو محمد
غضبه الله نِّي خَشِيتُ
علة المنهي يعنى لو أنكرت عليهم بالقتال لصاروا أحزابا يتقاتلون نْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
(٩٤) اى لم تحفظ وصيتي الّتي قلت لك اخلفني في قومى وأصلح- فانه يدل على الرفق إذا الإصلاح ينافى اراقة الدعاء ثم اقبل موسى على السامرىّ و.
قالَ فَما خَطْبُكَ قال البيضاوي مصدر من خطب الشيء يخطبه إذا طلبه يعنى ما طلبك اى مطلوبك بهذا الفعل يعنى غرضك الّذي حملك عليه وفي النهاية ما خطبك اى ما شأنك وحالك والخطب الأمر الّذي يقع فيه المخاطبة والشأن والحال- وفي القاموس الخطب الشان والأمر عظم او صغر يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ قرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً وهو المرة من القبض اطلق على المقبوض اى من تراب قبضت مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ اى من اثر فرس جبرئيل عليه السّلام فَنَبَذْتُها اى ألقيتها في فم العجل- قال بعضهم انما خاد لكون التراب ماخوذا من حافر فرس جبرئيل وانما عرفه لان امه لمّا ولدته (فى السنة الّتي كان فرعون يقتل فيها البنين من بنى إسرائيل) وضعته في الكهف حذرا عليه فبعث الله جبرئيل ليربيه لما قضى على يديه من الفتنة- فكان جبرئيل يغدوه حتى استقل وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي اى زيّنت وحسّنت لى نَفْسِي (٩٦) ان افعله ففعلته.
قالَ له موسى فَاذْهَبْ اى ان فعلت ذلك فاذهب من عندى فَإِنَّ لَكَ الفاء للسببية يعنى اذهب لان لك فِي الْحَياةِ الدنيا مادمت حيّا عقوبة من الله على ما فعلت أَنْ تَقُولَ لكل من رايته لا مِساسَ علم للمسة كفجار يعنى لا تمسنى ولا تقربنى. قلت لعل ذلك لاجل وحشة القى الله تعالى في قلبه فكان لا يستانس من أحد وقيل كان إذا مس أحدا او مسه أحد حمّا جميعا ولذلك كان يقول ذلك- فكان في البرية طريدا وحيدا كالوحشى النافر حتى مات- وقال البغوي امر موسى بنى إسرائيل ان لا يخالطوه ولا يقربوه فقال ابن عباس لامساس لك ولولدك وَإِنَّ لَكَ يا سامرىّ مَوْعِداً من الله بعذاب الاخرة لَنْ تُخْلَفَهُ قرأ ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بكسر اللام على البناء للفاعل اى لن تغيب ولا مذهب لك عنه بل توافيه يوم القيامة وجاز ان يكون من أخلفت الموعد إذ وجدته خلفا. وقرأ الآخرون بفتح اللام اى لن يخلفك الله إياه وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ اى ما زعمته
الها بالباطل الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً اى ظلمت ودمت عليه مقيما فحذفت اللام الاولى تخفيفا لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار او بالمبرد على انه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد وقرأ ابو جعفر بالتخفيف من من الإحراق ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ اى لنذرينه رمادا او مبرودا فِي الْيَمِّ اى البحر نَسْفاً (٩٧) فلا بصادف منه شيء ففعل موسى ذلك لاظهار غباوة المفتتنين به لمن له ادنى نظر.
إِنَّما إِلهُكُمُ المستحق لعبادتكم اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا أحد يماثله او يدانيه في كمال العلم والقدرة وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) تميز عن النسبة يعنى وسع علمه كل شى لا العجل الّذي يصاغ ويحرق وان كان حيّا في نفسه كان مثلا في الغباوة.
كَذلِكَ صفة لمصدر محذوف لقوله نَقُصُّ عَلَيْكَ يعنى نقض عليك اقتصاصا مثل اقتصاصنا قصة موسى مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ اى من اخبار الأمور السابقة والأمم الماضية تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها للمستبصرين من أمتك وَقَدْ آتَيْناكَ حال من فاعل نقص مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) اى قرانا مشتملا على هذه الأقاصيص والاخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار والتنكير فيه للتعظيم وقيل معناه قد أعطيناك من لدنا ذكرا جميلا وصيتا عظيما بين الناس- او المعنى جعلنا ذكرك مقرونا بذكرى في الاذان والاقامة والتشهد وغير ذلك.
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ صفة لذكرا او مستانفة يعنى من اعرض عن القران فلم يومن به ولم يعمل بما فيه او عن ذكرك وقيل عن الله فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) اى حملا ثقيلا من الذنوب وقد مر في سورة مريم في تفسير قوله تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ما اخرج ابن ابى حاتم عن عمرو بن قيس الملائى وفيه ان الكافر استقبله عمله القبيح في أقبح صورة وأنتن ريح فيقول افلا تعرفنى قال لا الا ان الله قبح صورتك وأنتن ريحك فيقول كذلك كنت في الدنيا انا عملك السيء طال ما ركبتنى وانا أركبك اليوم وتلا وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم- او المعنى يحمل عقوبة ثقيلة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الّذي يقدح الحامل وينقض ظهره.
خالِدِينَ فِيهِ اى جزاء الوزر او في حمله
161
حال من فاعل يحمل- والجمع فيه والتوحيد في يحمل نظرا الى معنى من ولفظها وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (١٠١) تميز عن ضمير مبهم في ساء والمخصوص بالضم محذوف اى ساء حملا وزرهم واللام في لهم للبيان- وجاز ان يكون معنى الاية انه يحمل على عاتقه ما أخذ من عرض الدنيا بغير حق قال رسول الله ﷺ لا يأخذ أحدكم شيئا بغير حقه الا لقى الله يحمله يوم القيامة فلا اعرفن أحدا منكم لقى الله يحمل بعيرا له رغاء وبقرة له خوار وشاة يتّعر- رواه الشيخان في الصحيحين في حديث عن ابى حميد الساعدي في أخذ العامل شيئا من الصدقات وعن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ من ظلم قدر شبر من ارض طوقه يوم القيمة من سبع ارضين- واخرج الطبراني عن الحكم بن الحارث السلمى قال قال رسول الله ﷺ من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء به يحمله من سبع ارضين. واخرج احمد والطبراني عن يعلى بن مرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلف الله ان يحفره حتى يبلغ اخر سبع ارضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس- واخرج الطبراني عن انس قال قال رسول الله ﷺ من ظلم شبرا من الأرض جاء يوم القيامة مطوّتا من سبع ارضين- وكذا اخرج احمد والطبراني عن ابى مالك الأشعري واخرج احمد والشيخان عن ابى هريرة قال قام رسول الله ﷺ فعظم الغلول وامره ثم قال ألا لا الفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعيرته رغاء فيقول يا رسول الله أعنّي أقول لا املك لك من الله شيئا قد أبلغتك- فذكر الحديث نحوه وفيه على رقبته فرس لها حمجة على رقبته شاة لها شفاء على رقبته واخرج ابو يعلى والبزار عن عمر ابن الخطاب نحوه- وكذا ورد في سعاة الصدقة إذ اغلوّا منها حديث سعد بن عبارة وهلب عند احمد وحديث ابن عمرو عائشة عند البزار وابن عباس وعبادة بن الصامت وابن مسعود عند الطبراني واخرج الطبراني وابو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف ان يحمله على عاتقه واخرج ابو داود وابن ماجة والطبراني بسند جيد عن انس ان النبي ﷺ مرّ بقبة لرجل من الأنصار فقال
162
كل بناء اكثر من هذا (وأشار بيده على راسه) فهو وبال على صاحبه يوم القيامة فبلغ صاحب القبة فهدمها- واخرج الطبراني نحوه من حديث واسلة بن الأسقع قال المندرى وله شواهد واخرج الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود ان النبي ﷺ مر على بئر يسقى عليها فقال ان صاحب هذا البئر يحملها يوم القيمة ان لم يؤد حقها-.
يَوْمَ يُنْفَخُ قرأ ابو عمرو بالنون المفتوحة وضم الفاء على صيغة المتكلم المعروف- والباقون بالياء المضمومة وفتح الفاء على صيغة الغائب المجهول فِي الصُّورِ عن ابن عمران اعرابيّا سال النبي ﷺ عن الصور فقال قرن ينفخ فيه رواه ابو داود والترمذي وحسنه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وابن المبارك وكذا اخرج مسدد عن ابن مسعود وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) حال من المجرمين اى زرق العيون والزرقة هى الخضرة في سواد العين وصفهم بذلك لانه أسوأ ألوان العين وأبغضها الى العرب- لان الروم كانوا اعداء أعدائهم وهم كانوا زرق العيون فيحشر الكافر زرق العيون سود الوجوه وقيل المراد بقوله زرقا عميا لان حدقة الأعمى تزرق- وهذا التأويل يوافق قوله تعالى وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى - وقيل المراد عطاشا.
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ حال من المجرمين او مستانفة يتكلمون بينهم خفية لما ملا صدورهم من الرعب والهول إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (١٠٣) مفعول ليتخافتون يعنى يتكلمون سرّا ما لبثتم في الدنيا زمانا الا عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا لزوالها او لاستطالتهم مدة الاخرة او لتاسّفهم عليها لما عاينوا الشدائد وعلموا انهم استحقوها على اضاعتها في قضاء الأوطار واتباع الشهوات- وقيل ما لبثتم في القبور الا عشرا- وقيل بين النفختين وهو أربعون سنة لان العذاب يرفع عنهم بين النفختين وجاز ان تكون جملة ان لبثتم بتقدير يقولون عطف بيان او بدلا من يتخافتون او خالا من فاعله.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ فيه جملة معترضة يعنى ليس الأمر كما قالوا إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً اى أوفاهم عقلا واعدلهم قولا او عملا إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (١٠٤) رحج الله تعالى قول هذا القائل لكون مدة عمر الدنيا بالنسبة الى طول الاخرة او لوجوه اخر اقل من نسبة عشر ليال
الى عمر الدنيا والله اعلم- قال البغوي قال ابن عباس سأل رجل من ثقيف رسول الله ﷺ فقال كيف تكون الجبال يوم القيمة فانزل الله.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ واخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال قلت قريش كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيمة فانزل الله تعالى فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) وقيل لم يسئل والتقدير وان سالوك فقل ولذلك جئ بالفاء بخلاف سائر الاجوبة حيث قال يسئلونك عن المحيض قل هو أذى- يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير- يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله وغير ذلك والسّف القلع اى يقلعها من أصلها ويفتتها ويجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح.
فَيَذَرُها اى يذر مقارها او الأرض واضمارها من غير ذكرها لدلالة الجبال عليها قاعاً فى القاموس اى أرضا سهلا مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام صَفْصَفاً (١٠٦) فى القاموس اى مستويا يعنى كان اجزاؤها على صف واحد.
لا تَرى فِيها عِوَجاً اى اعوجاجا وَلا أَمْتاً (١٠٧) اى لانتوا ان تأملت فيها بالمقياس الهندي ثلاثتها احوال مرتبة فالاولان باعتبار الاحساس والثالث باعتبار المقياس- قيل لا ترى استيناف مبين للحالين قال مجاهد اى لا ترى انخفاضا ولا ارتفاعا قال الحسن العوج ما انخفض من الأرض والامت ما نشر من الروابي.
يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا نسفت على اضافة اليوم الى وقت النسف ظرف لقوله يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ جملة مستأنفة او بدل ثان من يوم القيمة اى يتبعون صوت الداعي الّذي يدعوهم الى المحشر وهو اسرافيل عليه السلام يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقول يا ايها العظام النخرة والجلود المتمزّقة والاشعار المنقطعة ان الله يأمرك ان تجمعى لفصل الخطاب كذا اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي لا عِوَجَ لَهُ اى لا يعوج له مدعوّ ولا يعدل عنه اى لاعوج لدعائه وهو من المقلوب اى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه يمينا وشمالا اى لا يقدرون على العدول عنه بل يتبعونه سراعا وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ اى خضعت يعنى تخضع لمهابة الرّحمن حال من فاعل يتبعون بتقدير قد او عطف على يتبعون يعني وتخشع الأصوات للرحمن فَلا تَسْمَعُ الفاء للسببية والخطاب لمخاطب غير معين إِلَّا هَمْساً (١٠٨) اى صوتا خفيّا كصوت اخفاف الإبل في المشى قال البغوي قال مجاهد هو
تخافت الكلام وخفض الصوت وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال تحريك الشفاه من غير منطق- واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قاعا مستويّا صفصفا لا نبات فيه عوجا واديا امتا رابية وخشعت الأصوات سكنت همسا الصوت الخفي واخرج من وجه اخر عنه قال أرضا مبلساء لا ترى فيها ابنية مرتفعة ولا انخفاضا واخرج من وجه اخر عنه قال همسا صوت وطى الاقدام يعنى صوت أقدام الناس إذا نقلوا الى المحشر.
يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا كان كذلك لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ جملة مستانفة اى لا تنفع شفاعة أحد أحدا إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ الاستثناء من الشفاعة اى الا شفاعة من اذن له الرّحمن او من أعم المفاعيل اى الا من اذن الرحمن في ان يشفع له فان الشفاعة تنفعه له فمن على الاول مرفوع على البدلية وعلى الثاني منصوب على انه المفعول له وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (١٠٩) ورضى لمكانه عند الله قوله في الشفاعة او رضى له قول الشافع في شأنه او قوله لاجله وفي شأنه- قال ابن عباس يعنى قال لا اله الا الله- قلت هذا تفسير لمن تنفع شفاعة الشافعين له.
يَعْلَمُ اى الرحمن ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اى ما بين أيدي الشافعين ومشفوعين لهم وَما خَلْفَهُمْ يعنى ما تقدم من أحوالهم في الدنيا وفي القبور وما يستقبلونه في الاخرة والجملة حال من الرحمن وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) تميز من النسبة اى لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى وقيل بذاته وقيل الضمير لاحد الموصولين او لمجموعهما فانهم لم يعلموا جميع علومه تعالى-.
وَعَنَتِ اى ذلت وخضعت خضوع العناة- وهم الأسارى في يد الملك القهار عنى يعنى عناء نصب وتعناه تحشمها قال البغوي ومنه العاني للاسير الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الّذي لا يموت ويصلح له فان كلمّا كان حياته جائز الزوال فهو ميت في حد ذاته الْقَيُّومِ القائم على كل نفس بما كسبت والقائم بتدبير الخلق- والمراد بالوجوه أصحابها وظاهرها العموم ويجوز ان يراد بها وجوه المجرمين فيكون اللام بدل الاضافة ويؤيد قوله تعالى وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) اى شركا قال ابن عباس خسر من أشرك بالله- والجملة معترضة او مستأنفة لبيان ما لاجله عنت وجوههم. ويحتمل ان يكون حالا من الوجوه- وقال طلق بن حبيب المراد بالعناء السجود للحى القيوم- قلت وعلى هذا معنى الاية سجدت الوجوه
للحى القيوم وقد خاب من الشرك ولم يسجد له- وجملة عنت الوجوه معطوفة على خشعت او حال من فاعله بتقدير قد.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ شرط وكلمة من للتبعيض اى بعض الصالحات يعنى الفرائض منها وجاز ان يكون من للابتداء والتقدير ومن يعمل عملا كائنا من النيات الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ حال من الضمير المرفوع في يعمل يعنى ان الايمان شرط لصحة الطاعات وقبول الخيرات فَلا يَخافُ جزاء للشرط قرأ ابن كثير فلا يخف بالجزم والظاهر انه مجذوم على انه جزاء للشرط- وقال البيضاوي وغيره مجزوم على النهى- وقرأ الجمهور فلا يخاف بالرفع اما بناء على انه تعليل لجزاء محذوف والفاء للسببية تقديره من يعمل من الصّلحت وهو مؤمن يفلح لانه لا يخاف- واما خبر لمبتدأ محذوف والجملة الاسمية جزاء للشرط تقديره فهو لا يخاف ظُلْماً اى لا يخاف ان يراد على سيأته وَلا هَضْماً (١١٢) ان ينقض من ثواب حسناته كذا قال ابن عباس وقال الحسن لا ينقص من ثواب حسناته ولا تحمل عليه ذنب مسئ- وقال الضحاك لا يوخذ بذنب من لم يعمله او لا يبطل حسنة عملها- واصل الهضم النقص والكسر ومنه هضم الطعام- والجملة الشرطية معطوفة على عنت الوجوه-.
وَكَذلِكَ عطف على قوله وكذلك نقصّ عليك صفة لمصدر محذوف منصوب بقوله أَنْزَلْناهُ الضمير المنصوب راجع الى القران يعنى كما قصصنا عليك أبناء السلف من الأمم الماضية أنزلنا عليك القران انزالا مثل ذلك الانزال في كونه ممّن خلق الأرض والسّموات العلى وفي كونه متضمنا للوعد والوعيد حال كونه قُرْآناً عَرَبِيًّا مقروّا بلسان العرب كله على وتيرة واحدة واسلوب بديع معجز وَصَرَّفْنا اى كررنا فِيهِ مِنَ آيات الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى لكى يجتنبوا للشرك والمعاصي فيصيرا التقوى ملكة لهم أَوْ يُحْدِثُ ذلك القرآن لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) عظة واعتبارا ما حين يسمعونه فيمنعم عن المعاصي ولو في الجملة- ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم لكون التقوى ملكة لهم والأحداث الى القران- ونسبة الأحداث الى القران مجاز من قبيل الاسناد الى السبب والمعنى يحدث الله لهم بسبب القرآن ذكرا- وقيل كلمة او بمعنى الواو.
فَتَعالَى اللَّهُ فيه التفات من التكلم الى الغيبة والفاء للسببية يعنى جل الله وعلا من ان تماثل كلامه كلام غيره كما لا يماثل هو في
ذاته وفي شيء من صفاته أحدا من خلقه فهو متعال عما يقول فيه المشركون- قلت بل هو متعال ايضا عما يصفه الواصفون الكاملون- اللهم لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك على ما أردت الْمَلِكُ النافذ امره ونهيه القديم سلطانه العظيم العميم قهرمانه الْحَقُّ الثابت وجوده وصفاته وملكوته باقتضاء ذاته لا يحتمل الفساد والزوال وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ اى بقراءته مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ قرأ يعقوب تقضى بالنون المفتوحة وكسر الضاد وفتح الياء على صيغة التعظيم والبناء للفاعل ووحيه بالنصب على المفعولية. والباقون بضم الياء وفتح الضاد على صيغة الغائب المبنى للمفعول ووحيه بالرفع مسندا اليه. نهى عن الاستعجال بقراءة القران قبل ان يفرغ جبرئيل من الإبلاغ- مثل قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
- وقال مجاهد وقتادة معناه لا تقرئه أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه- فهى نهى عن تبلغ ما أجمل قبل ان يأتى بيانه وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) يعنى الى ما علمتنى سل زيادة العلم بدل الاستعجال- فان ما اوحى إليك تناله لا محالة-.
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ واللام جواب قسم مقدر يعنى والله لقد أمرنا آدم ووصينا اليه ان لا يأكل من الشجرة- يقال عهد اليه اى أوصاه كذا في القاموس مِنْ قَبْلُ اى من قبل هذا فَنَسِيَ العهد او المعنى فترك ما امر به من الاحتراز عن الشجرة وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) اى جدّا على حفظ ما امر به او صبرا عما نهى عنه والعزم في اللغة عقد القلب على إمضاء الأمر- ومنه فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ- ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ- وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ- وفي القاموس عزم عليه ويعرّم أراد فعله وقطع عليه أو جدّ في الأمر- وفي النهاية العزم الجدّ والصّبر- قلت عقد القلب على إمضاء الأمر يستلزم الجدّ في إتيانه والصبر على مشاقه- وقيل معنى الاية لم نجد له عزما اى قصدا على كل الشجرة بل أكل ناسيا «١» - يعنى لم يكن له عقد قلب على إمضاء المعصية- ولم نجد ان كان من افعال القلوب بمعنى العلم فله عزما مفعولاه- وان كان من الوجود ضد العدم فعزما مفعول وله حال فيه- او ظرف لغو متعلق بلم نجد- وجملة لقد عهدنا
(١) قال ابن زيد نسى عداوة إبليس وما عهد الله اليه من ذلك بقوله انّ هذا عدوّ لك ولزوجك- قال القاضي في الشفاء ان الله اخبر بعذره بقوله ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما- منه رح.
قال صاحب الكشاف والبيضاوي وغيرهما انها معطوفة على قوله تعالى وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ- يعنى نقض العهد بعد تصريف الوعيد لهؤلاء ليس امرا مبدعا منهم بل أساس بناء آدم على العصيان وعرقهم راسخ فيه النسيان حيث عهدنا الى آدم من قبل فنسى- روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته الى يوم القيمة- وجعل بين عينى كل انسان منهم وبيضا من نور ثم عرضهم على آدم فقال اى رب من هؤلاء قال ذريتك فراى رجلا منهم فاعجبه- وبيض ما بين عينيه قال اى رب من هذا قال داود فقال اى ربّ كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب زده من عمرى أربعين سنة- قال رسول الله ﷺ فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم اولم يبق من عمرى أربعين سنة قال اولم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته ونسى آدم فاكل من الشجرة فنسيت ذريته وخطا فخطات ذريته- وقال بعض المحققين هذا ليس بسديد لان قوله تعالى صرّفنا يتعلق به كذلك وهو معطوف على قوله وكذلك نقصّ عليك- وذلك اشارة الى حديث موسى- وقصة آدم عليه السلام في النسيان ومخالفة الأمر ليس مشابها بحديث موسى عليه السلام بل هو معطوف على قوله تعالى وهل اتيك حديث موسى لانه بمعنى قد أتاك وقصة آدم من القصص الماضية والله اعلم-.
وَاذكر إِذْ قُلْنا اى اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك انه نسى- وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ- لكنه يشكل بان هذه الجملة بتقدير اذكر انشائية وجملة لقد عهدنا خبرية فلا يصلح العطف الّا ان يقال هذا مقدر بنقول يعنى ونقول اذكر إذ قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ سبق القول فيه أَبى (١١٦) ان يسجد جملة مؤكدة لما سبق من الكلام- وجاز ان تكون هذه الجملة تعليلا للاستثناء وحينئذ لا يجوز ان يقدر له مفعول والا لزم تعليل الشيء بنفسه بل يجرى الإباء مجرى الفعل اللازم ويكون معناه اظهر الإباء عن المطاوعة.
فَقُلْنا لادم وهذه الجملة معطوفة على جملة مقدرة يعنى فادخلنا آدم الجنة فقلنا له يا آدَمُ إِنَّ هذا يعنى إبليس عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ
نهى في اللفظ لابليس وفي المعنى نهى لهما ان يتبعاه اى لاتتبعاه فيتسبب إبليس لاخراجكما من الجنة حيث يخرجكما الله تعالى منها بسبب اتباعه وعصيان ربكم- والفاء للسببية إذ العداوة سبب لعدم للاتباع المنهي عنه معنى فَتَشْقى (١١٧) منصوب بعدا الفاء في جواب النهى اى فتتعب وتنصب ويكون عيشك في كدّ يمينك وعرق جبينك يعنى الحرث والذرع والحصد والطحن والخبز قال البغوي روى عن سعيد ابن جبير انه اهبط الى آدم ثور احمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عرجبينه فذلك شقاؤه وافراد الضمير بعد اشراكها في الخروج محافظة للرؤس الاى واكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث انه قيم عليها او لان المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ويؤيد قوله تعالى.
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها اى في الجنة وَلا تَعْرى (١١٨).
وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا اى لا تعطش فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) اى لا تبرز للشمس فيوذيك- قال عكرمة لا يصيبك والشمس وأذاها لانه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود- فانه بيان وتذكر لما له في الجنة من اسباب الكفاية واقطاب الكفاف الّتي هى الشبع والري والكسوة والكنّ مستغنيا عن اكتسابها والسعى في تحصيل اعراضها قرأ نافع وابو عمرو انك بكسر الهمزة عطفا على ان لك والباقون بفتح الهمزة عطفا على ان لا تجوع- والعاطف وان ناب عن انّ لكنه ناب من حيث انه حرف عامل لا من حيث انه حرف تحقيق فلا يمتنع دخوله على انّ كما امتنع دخول انّ عليه- او يقال لا يجوز دخول انّ على انّ من غير فصل واما مع الفصل كما في هذه الاية فيجوز يقال انّ في علمى انك قائم وانما عظامك علىّ واجب-.
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ فانهى اليه وسوسته قالَ يا آدَمُ بيان للوسوسة هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ اى الشجرة الّتي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا- أضافها الى الخلد وهو الخلود لكونه سببه يزعمه وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) اى لا يزول ولا يضعف.
فَأَكَلا يعنى آدم وحواء منها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما اى أخذ يلزقان على سوء آلتهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ للتستر وهو ورق التين وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ بأكل الشجرة فَغَوى (١٢١) يعنى ضل عن المطلوب وأخطأ طريق الحق وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة الّتي هى سبب لضده او عن المأمور به او عن الرشد حيث اغتر بقول العدوّ- وقال ابن الاعرابى اى فسد عليه عيت فار من العزّ
169
الى الذّل ومن الراحة الى التعب- قال ابن قتيبة يجوز ان يقال عصى آدم ولا يجوز ان يقال آدم عاص لانه يقال عاص لمن اعتاد فعل العصيان الا ترى انه من خاط ثوبه يقال خاط فلان ولا يقال فلان خياط حتى ويعاد ذلك ويعتاده روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ احتج آدم موسى عند ربهما فحج آدم موسى- قال موسى أنت آدم الّذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملئكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك الى الأرض- قال آدم أنت موسى الّذي اصطفاك الله سبحانه برسالته وبكلامه واعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيّا فيكم وجدت الله كتب التوراة قبل ان اخلق- قال موسى بأربعين عامّا قال آدم هل وجدت فيها وعصى آدم ربّه فغوى قال نعم قال أفتلومني على ان عملت عملا كتبه الله علىّ ان أعمله قبل ان يخلقنى بأربعين سنة قال رسول الله ﷺ فحج آدم موسى ورواه البغوي بلفظ قال موسى يا آدم أنت أبونا فاخرجتنا من الجنة- فقال آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده تلومنى على امر قدّره الله علىّ قبل ان خلقنى بأربعين سنة فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى فان قيل إن كان المراد بقوله نسى انه نسى العهد وفعل ما فعل فكيف ورد في حقه عصى فان الإنسان رفع عنه النسيان- قلنا اما ان يكون رفع النسيان مختصا بهذه الامة كما يدل عليه قوله ﷺ رفع عن أمتي الخطأ. والنسيان وما استكرهوا عليه- رواه الطبراني عن ثوان وعن ابن عمر حيث لم يقل رفع مطلقا كما قال في المجنون وشبهه رفع القلم عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستقيظ وعن الصبى حتى يحتلم- كما ذكرنا في سورة البقر في تفسير قوله تعالى رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ان الاية تدل على المؤاخذة على الخطاء والنسيان لم تكن ممتنعا عقلا فان الذنوب كالسموم فكما ان تناول السموم عمدا كان او خطأ يفضى الى الهلاك كذلك الذنوب يفضى الى العقاب لو لم يغفرها الله وان كان بغير عزم- وقال الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به او أخطئوا عجلت عليهم العقوبة فحرم عليهم من مطعوم او مشروب على حسب ذلك الذنب- قلت فلذلك حرم على آدم عليه السلام مطاعم الجنة ومشاربها- واما ان ان يقال ان حسنات الأبرار سيئات المقربين
170
فالخطاء والنسيان إن كان مرفوعا عن الإنسان لا يواخذ بهما في الاخرة بالنار لكن الخواص من الناس لعلو درجتهم مؤاخذون بهما وبما هو ترك الاولى والأفضل لا بالنار في الاخرة بل بالغين على القلوب في الدنيا والهجران من المعاملات قال رسول الله ﷺ انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله في اليوم مائدة مرة- رواه مسلم واحمد وابو داود والنسائي من حديث الأعز المزلّى- قال صاحب المدارك الأنبياء ماخوذون بالنسيان الّذي لو تكلفوا حفظوا (فائده) ومن هاهنا قال بعض العلماء يجوز صدور الصغيرة من الأنبياء قبل النبوة-.
ثُمَّ «١» اجْتَباهُ رَبُّهُ اى اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة واصل الكلمة للجمع يقال جبى الخراج جباية والاجتباء افتعال منه فمعناه الاقتراب ويلزمه الاصطفاء فَتابَ عَلَيْهِ اى رجع عليه بالرحمة والعفو وَهَدى (١٢٢) اى هداه الى التوبة حق قال ربّنا ظلمنا أنفسنا الاية- والى مراتب القرب.
قالَ الله جملة مستأنفة اهْبِطا مِنْها اى من الجنة خطاب لادم وحوا ولما كان هبوطهما مستلزم لهبوط ذريتهما «٢» فهو خطاب لذريتهما تبعا ولذلك أكد بقوله جَمِيعاً وأورد ضمير الجمع في قوله بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اى لبعضكم عَدُوٌّ عداوة دنيوية ودينية فَإِمَّا ما زائدة للتأكيد أدغمت فيه «٣» نون ان الشرطية يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً اى كتاب ورسول فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) قال البغوي روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال من قرأ القران واتبع ما فيه هداه الله في الدنيا من الضلالة ووقاه يوم القيمة سوء الحساب- وذلك بان الله يقول فمن اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وقال الشعبي عن ابن عباس أجار الله تابع القران من ان يضل في الدنيا ويشقى في الاخرة وقرأ هذه الاية.
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يعنى عن الهدى الذاكر لى والداعي الى عبادتى- فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً اى ضيقا مصدر وصف به للمبالغة ولذلك يستوى فيه المذكر والمؤنث- قال البغوي عن ابن مسعود وابى هريرة وابى سعيد الخدري انهم قالوا هو عذاب القبر- واخرج البن ربسند جيد عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(١) كلمة ثم تدل على ان الاجتباء بالنبوة كان بعد ذلك مصدور المعصية بالنسيان كان قبل النبي لا ١٢ منه ع.
(٢) وفي الأصل ذريته- ١٢ ابو محمد.
(٣) وفي الأصل في نون ان الشرطية ١٢- ابو محمد.
171
فانّه له معيشة ضنكا قال عذاب القبر- قال ابو سعيد يضغط حتى يختلف أضلاعه- وفي بعض المسانيد مرفوعا يلتأم عليه القبر حتى يختلف أضلاعه فلا يزال يعذب حتى يبعث- وهو في سنن الترمذي من حديث ابى هريرة وقال الحسن هو الزقوم والزريع والغسلين في النار- وقال عكرمة هو الحرام وقال الضحاك الكسب الخبيث- وعن ابن عباس قال الشقاء- قلت وانما اطلق الضنك على الحرام والكسب الخبيث والشقاء لكونها مفضية الى ضيق المقام في القبر او النار قال الله تعالى في اهل النار إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ- وروى عن ابن عباس انه قال كل مال اعطى العبد قل او كثر فلم يتق فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة وان قوما اعرضوا عن الحق وكانوا اولى سعة من الدنيا مكثّرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك انهم يرون الله ليس بمخلف عليهم معائشهم من سوء ظنهم بالله عزّ وجلّ- وقال سعيد بن جبير معناه نسلبه القناعة حتى لا يشبع- وحاصل هذين القولين ان من اعرض عن ذكر الله كان مجامعا همه ومطامح نظره الى اعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها- بخلاف المؤمن الطالب للاخرة فانه قانع على ما أعطاه الله شاكر عليه متوكل على الله فتكون حياته في الدنيا طيبة- قلت وعلى هذا التأويل ليس المراد بمن اعرض عن ذكر الله الكافر المعرض عن الايمان بل المعرض عن الإكثار ذكر الله فان عامة المؤمنين منهمكون في طلب الدنيا خائفون على انتقاصها فمن اعرض عن إكثار ذكر الله وجعل همته في اعراض الدنيا اظلم عليه وقته وتشويش عليه رزقه- فان قيل ان كان تعب الرجل في دار الدنيا معيشة ضنكا- فذلك غير مختص بالكفار والفساق بل موجود في الأنبياء والصلحاء أشد البلاء- قال رسول الله ﷺ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه- فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة- رواه احمد والبخاري في الصحيح والترمذي وابن ماجة عن سعد والطبراني عن اخت حذيفة نحوه والبخاري في التاريخ عن ازواج النبي ﷺ بسند حسن بلفظ أشد الناس بلاء في الدنيا نبىّ او صفى- قلت الجواب عندى بوجهين أحدهما انه ليس المراد بالآية ان ضيق المعيشة مختص بالكفار بل هذه الاية نظيرة
172
لقوله تعالى نمتّعه «١» قليلا ثمّ نضطرّه الى عذاب النّار فالمعنى انه من اعرض عن ذكرى نعطيه في الدنيا معيشة قليلة فان متاع الدنيا قليل كله نعطيه أياما معدودة في نوع من الضيق ثم نحشره يوم القيامة أعمى- ثانيهما ان معيشة الدنيا لا يخلو لاحد من المؤمن والكافر عن تعب وبلاء- قال الله يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ اى الى لقائه غير ان ذلك التعب للمؤمن موجب لمحو الخطيات او رفع الدرجات كما يدل عليه الحديث المذكور فهو وان كان ضيق صورة لكنه فرج معنى وسبب لانشراح صدره باطنا بخلاف الكافر فان ضيقه وتعبه أنموذج لعذابه المعد له في الاخرة- ثم إذا صح للعبد المؤمن حب مع الله سبحانه فكل ما أصابه ووصله من الله تعالى يلتزبه ويفرح فان ضرب الحبيب زبيب- روى الحديث المذكور ابن ماجة وعبد الرزاق والحاكم عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه بلفظ قال رسول الله ﷺ أشد البلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى الفقر حتى ما يجد الا العباءة يحويها ويلبسها ويبتلى بالقمل حتى يقتله- ولاحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء والله اعلم وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قال ابن عباس أعمى البصر وقال مجاهد أعمى عن الحجة- ويويد قول ابن عباس قوله تعالى.
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ في الدّنيا بَصِيراً (١٢٥) فانه لم يكن له في الدنيا حجة قال الله تعالى وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ- وقال مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى - اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رجلا ساله فقال ارايت قوله تعالى وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً واخرى عميا- قال ان يوم القيامة يكونون في حال زرقا وفي حال عميا.
قالَ كَذلِكَ متعلق بفعل محذوف اى فعلت أنت كذلك اشارة الى مبهم يفسر قوله أَتَتْكَ آياتُنا الدالة على الوحدانية او آياتنا المنزلة على الأنبياء فَنَسِيتَها فاعرضت عنها وتركتها غير منظور إليها كما يترك الأعمى وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) يعنى اليوم تترك في النار تركا مثل تركك إياها-
(١) وفي القران فامتّعه، قليلا ثمّ اضطرّه الى عذاب النّار- البقرة- نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ الى عذاب غليظ- لقمان- ابو محمد
قيل التقدير الأمر كذلك وجملة اتتك في مقام التعليل.
وَكَذلِكَ نَجْزِي اى نجزى جزاء مثل ذلك الجزاء مَنْ أَسْرَفَ يعنى أضاع عمره بالانهماك في الشهوات والاعراض عن الآيات وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ بل كذبها وخالفها وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ في نار جهنم أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) من ضنك العيش والعمى وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً إلخ.
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الضمير المرفوع راجع الى الهدى والمراد منه الكتاب او الرسول- او الى الله تعالى المذكور في قوله تعالى وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وعلى هذا في الكلام التفات من التكلم الى الغيبة- ويؤيد هذا التأويل قرأة افلم نهدلهم بالنون على صيغة المتكلم- والمعنى اولم يهد لهم الله او القرآن او الرسول يعنى لكفار مكة- الاستفهام للانكار يعنى هداهم الى صراط مستقيم فاستحبوا العمى على الهدى والفاء للتعقيب معطوف على محذوف تقديره الم يبين لهم فلم يهد لهم انكار لعدم الهداية بعد البيان لفظا وفي المعنى انكار لعدم اهتدائهم بعد الهداية وقيل افلم يهد لهم معطوف على مضمون الكلام السابق فانه تعالى ذكر حال المؤمنين بقوله فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وحال الكفار بقوله وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً فقال بين الله لهم فيما تلونا حال الفريقين الم يتبين لهم فلم يهد لهم- وقيل لم يهد مسند الى ما دل قوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا كم خبرية اى أهلكنا كثيرا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ اى أهلكنا القرون السابقة او مسند الى الجملة بمضمونها يعنى الم يهد لهم إهلاكنا القرون يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ حال من القرون يعنى أهلكناهم ماشّين في مساكنهم- او حال من الضمير المجرور في لهم على تقدير اسناد الفعل الى مضمون جملة كم أهلكنا يعنى أفلم يهد لكفار مكة حال كونهم ماشين في مساكن القرون الماضية إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) اى لذوى العقول الناهية عن التغافل والتعامي-.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهى العدة بتأخير عذاب كفار هذه الامة الى يوم القيمة- وعدم استيصالهم في الدنيا لكون النبي صلى الله عليه وسلم
رحمة للعالمين- وجملة سبقت صفة لكلمة وخبر المبتدا محذوف يعنى لولا كلمة سبقت حاصلة لَكانَ إهلاكنا هؤلاء الكفار بمثل ما نزل بالقرون الخالية نم من عاد وثمود وأشباههم لِزاماً اى ملازما لهؤلاء الكفار غير منفك عنهم- مصدر من باب المفاعلة وصف به مبالغة او على انه بمعنى الفاعل او اسم فمعز الدولة سمى به اللازم لفرط لزومهم وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) عطف على كلمة اى ولولا أجل مسمى لمدة بقائهم في الدنيا او لقيام القيامة او لعذابهم ففى الكلام تقديم وتأخير تقديره ولولا كلمة سبقت من ربّك وأجل مسمّى لكان لزاما- وجاز ان يكون أجل مسمّى عطف على الضمير المستكن في كان ولا بأس به بوجود الفصل- والتقدير على هذا ولولا كلمة سبقت من ربّك بتأخير العذاب لكان العذاب العاجل والعذاب المؤجل بأجل مسمّى كلاهما لازمين لهم- والجملة الشرطية اعنى لولا كلمة الى آخره معطوفة على جملة محذوفة مفهومة من قوله وكم أهلكنا- تقديره كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم وهؤلاء الكفار مثلهم في استحقاق نزول العذاب- ولولا كلمة لكان لزاما وأجل مسمّى-.
فَاصْبِرْ يا محمد يعنى إذا علمت انّ عذاب هؤلاء الكفار مؤجل الى أجل مسمى فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ فيك وَسَبِّحْ يعنى صل متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ يعنى حامدا على ما وقفك للصلوة والتسبيح واعانك عليه- كانّ فيه اشارة الى ان العبد ان صدر منه العبادة لا يغتربه بل يشكر الله على إتيانه واعانته كما يشير اليه قوله تعالى إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بعد قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ يعنى نستعين بك على عبادتك ويمكن ان يستنبط من هذه الاية وجوب قراءة الفاتحة في كل صلوة على ما صرح به النبي ﷺ حيث قال لا صلوة الا بفاتحة الكتاب- وفي لفظ لا صلوة لمن لم يقراء بفاتحة الكتاب- رواه الشيخان في الصحيحين واحمد فان الاية اقتضت بإتيان الصلاة متلبسا بالحمد- لكن التلبس مجمل فالتحق قول رسول الله ﷺ بيانا له وظهر ان المراد بالتلبس بالحمد قراءة الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الى اخر السورة قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعنى صلوة الصبح وَقَبْلَ غُرُوبِها يعنى صلوة العصر- وقيل المراد بقبل الغروب بعد نصف النهار
175
يعنى الظهر والعصر جميعا وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ اى من ساعاة جمع انى بالكسر والقصر يعنى المغرب والعشاء- قال ابن عباس يريد أول الليل قلت ويمكن ان يراد به التحجد ايضا فانها كانت واجبة على النبي ﷺ والظرف متعلق بقوله فَسَبِّحْ والفاء زائدة او على تقدير اما يعنى وامّا من اناء اللّيل فسبّح على الخصوص لكون الليل وقت خلّو القلب عن الاشغال- والنفس فيها أميل الى الاستراحة فكانت العبادة فيها احسن وأفضل- قال الله تعالى إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا... وَأَطْرافَ النَّهارِ عطف على قبل طلوع الشمس وعلى محل من آناء اللّيل- ولعل هذا تكرير لصلوتى الفجر والعصر لارادة الاختصاص ومزيد التأكيد- لان الفجر وقت نوم والعصر وقت اشتغال بالدنيا- فالاية نظيرة لقوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الوسطى ومجيئه بلفظ الجمع للامن من الالتباس- او المراد باطراف النهار صلوة الظهر فقط لان وقته نهايت النصف الاول من النهار وبداية النصف الاخر- وجمعه باعتبار النصفين- وقيل المراد من اناء اللّيل صلوة العشاء ومن أطراف النّهار صلوة الظهر والمغرب- لان الظهر في اخر الطرف الاول من النهار وفي أول الطرف الاخر فهو طرفين منه والطرف الثالث غروب الشمس وعند ذلك يصلى المغرب- او المراد منه التطوع في اجزاء النهار لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) اى لكى ترضى يعنى سبح في هذه الأوقات لان تنال من عند الله ما به ترضى- وقرأ الكسائي وأبو بكر بالبناء للمفعول اى لكى يرضيك ربك- وقيل معنى ترضى ان يرضاك الله كما قال وكان عند ربّه مرضيّا- وقيل معنى الاية لعلك ترضى بالشفاعة كما قال وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى - روى الشيخان في الصحيحين واحمد واصحاب السنن الاربعة عن جرير بن عبد الله انه قال كنا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فراى القمر ليلة البدر فقال انكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رويته فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها والله اعلم.
اخرج ابن ابى شيبة وابن مردوية والبزار وابو يعلى عن ابى رافع قال نزل عند رسول الله ﷺ ضيف فارسلنى الى رجل من اليهود ان أسلفني دقيقا- وفي رواية يعنى كذا وكذا
176
من الدقيق او أسلفني الى هلال رجب فقال لا الا برهن فأتيت النبي ﷺ فاخبرته فقال والله لئن باعني او أسلفني لقضيته وانى لامين في السماء أمين في الأرض- اذهب بدرعي الحديد اليه فلم اخرج من عنده حتى نزلت.
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ اى نظر عينك- عطف على فاصبر ولما كان قوله تعالى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ إلخ دالّا على انتفاء العذاب العاجل عن الكفار وثبوت العذاب الاجل رتب عليه بالفاء الدالة على السببية جملتين تفيد أحدهما الأمر بالصبر بناء على انتفاء العذاب العاجل- وثانيتهما النهى عن مد النظر تمنّيّا بناء على تحقق العذاب الاجل إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ استحسانا له وتمنّيا ان يكون لك مثله أَزْواجاً مفعول لقوله متّعناه مِنْهُمْ صفة له يعنى ما متعنا به أصنافا من الكفرة- وجاز ان يكون حالا من الضمير المجرور والمفعول به قوله منهم- وكلمة من للتبعيض يعنى ما متعنابه بعضهم وناسا منهم حال كون المتمتع به أصنافا من المال زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا (٥) منصوب بفعل محذوف- دل عليه متّعنا- تقديره أعطيناهم زهرة الحيوة الدّنيا- يعنى زينتها وبهجتها- او منصوب بمتّعنا على تضمينه معنى أعطينا او على البدلية من محل به- او على البدلية من أزواجا بتقدير معناف ان كان المراد اصناف الكفرة وبدون التقدير ان كان المراد اصناف المال- قرأ يعقوب زهرة بفتح الهاء وهى لغة كالجهرة في الجهرة او جمع زاهر وصف لهم بانّهم زاهر والدنيا اى ازدهروها اى احتفظوا بها وفرحوا بها لتنعمهم- فى القاموس الازدهار بالشيء الاحتفاظ به والفرح به لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ اى لنبلوهم ونختبرهم- او لنتركهم في الكفر والضلال بان يطغوا في دنياهم- او لنعذبهم في الاخرة بسبب متعلق بمتعنا وَرِزْقُ رَبِّكَ اى ما رزقك ربك في الدنيا من الهدى والنبوة او الكفاف من الحلال او في الاخرة من الجنة ومراتب القرب خَيْرٌ مما اعطوا في الدنيا وَأَبْقى (١٣١) منه فانه لا ينقطع ابدا- والجملة حال من فاعل لا تمدن- قال البغوي قال أبيّ بن كعب رضى الله عنه من لم يتعز بعن الله تقطعت نفسه خسرات- ومن يتبع بصره في أيدي الناس يظل حزنه ومن ظن ان نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه.
وَأْمُرْ أَهْلَكَ اى قومك واهل دينك عطف على لا تمدّنّ بِالصَّلاةِ امره بان بامر اتباعه بعد ما امره به ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم- ولا يهتموا يأمر المعيشة ولا يلتفتو الى ارباب الثروة وَاصْطَبِرْ اى داوم عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً اى لا نكلفك ان ترزق أحد من خلقنا ولا ان ترزق نفسك وانما نكلفك العمل- هذه الجملة في مقام التعليل للاصطبار على الصلاة نَحْنُ نَرْزُقُكَ وإياهم ففرغ بالك لامر الاخرة هذا تعليل لعدم سوال الرزق وَالْعاقِبَةُ يراد ما يعقب العمل الصالح من الثواب كما يراد بالعقاب ما يعقب العمل السوء من العذاب لِلتَّقْوى (١٣٢) اى لاهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك واتبعوك واتقونى- اخرج سعيد بن منصور في سننه والطبراني في الأوسط وابو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الايمان ان النبي ﷺ كان إذا أصاب اهل ضر أمرهم بالصلوة وتلا هذه الاية-.
وَقالُوا يعنى المشركين لَوْلا يَأْتِينا محمد ﷺ بِآيَةٍ دالة على صدقه في ادعاء النبوة مِنْ رَبِّهِ قيل هذه جملة معطوفة على يقولون يعنى واصبر على ما يقولون وعلى ما قالوا- وهذا كلام مستأنف أنكروا إتيان الآيات ولم يعتدوا بما جاء به من الآيات الكثيرة تعنتا وعنادا- وطلبوا آيات مقترحة فالزمهم الله تعالى بإتيانه بالقران الّذي هو رأس المعجزات وأبقاها- لان حقيقة المعجزة اختصاص مدعى النبوة بنوع من العلم والعمل على وجه خارق للعادة- ولا شك ان العلم اصل العمل وأعلى منه قدرا وأبقى منه اثرا فكذا ما كان من هذا القبيل ونبّهم ايضا على وجه اثنى من وجوه اعجاز المختصة بهذا الباب فقال أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يعرفوا صدقك في ادعاء النبوة ولم تأتهم بيان ما في الصحف الاولى من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية فان اشتمال القران على زبدة ما فيها من العقائد والاحكام الكلية مع ان الآتي بها امىّ لم يرها ولم يتعلّم ممن علمها اية واضحة على صدته- وفيه اشعار بان القران كما هو برهان على نبوته ﷺ شاهد لصحته ما تقدمه من الكتب من حيث انه معجز وليست هى كذلك بل هى مفتقرة الى
ما يشهد عليها- قرأ نافع وابو عمرو وحفص تأتهم بالتاء لتانيث الفاعل والباقون بالياء التحنية لتقدّم الفعل وكون التأنيث غير حقيقى- وقيل معناه اولم تأتهم بيان ما في الصحف الاولى من أبناء الأمم انهم اقترحوا الآيات فلما أتتهم ولم يومنوا بها كيف عجلنا بهم العذاب وأهلكنا هم فما يومنوا منهم ان أتتهم الآيات المقترحة ان يكون حالهم كحال أولئك-.
وَلَوْ ثبت أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ يعنى كفار قريش لاجل اشراكهم بالله بِعَذابٍ متعلق باهلكنا مِنْ قَبْلِهِ يعنى بعذاب نازل من قبل بعثة محمد ﷺ او من قبل البينة والتذكير لانها في معنى البرهان لَقالُوا يوم القيمة رَبَّنا اى يا ربنا لَوْلا هلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا يدعونا الى التوحيد فَنَتَّبِعَ منصوب بتقدير ان بعد الفاء في جواب لتخضيض فانه بمعنى الاستفهام آياتِكَ المنزلة على الرسول مِنْ قَبْلِ ظرف لنتبع أَنْ نَذِلَّ بالقتل والسبي في الدنيا وَنَخْزى (١٣٤) بدخول النار يوم القيمة او بان نذلّ يوم القيمة ونخزى في جهنم- مسئلة- هذه الاية تدل على ان الايمان بالله والتوحيد واجب على العقلاء قبل بعثة الرسل والكفر حينئذ كان سببا لاستحقاق العذاب وانما بعث الرسل لا تمام الحجة وقطع المعذرة ولمزيد الفضل وبه قال ابو حنيفة رحمه الله خلافا للشافعى رحمه الله-.
قُلْ يا محمد كلام مستانف كُلٌّ اى كل واحد منا ومنكم مُتَرَبِّصٌ منتظر لما يؤل اليه أمرنا وأمركم فَتَرَبَّصُوا وذلك وان المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر وإذا مات تخلصنا يعنى انتظروا فَسَتَعْلَمُونَ يوم القيمة مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ اى الطريق الموصل الى الجنة وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥) من الضلالة او اهتدى الى النعيم المقيم- ومن في الموضعين للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء ويجوز ان تكون الثانية موصولة بخلاف الاولى لعدم العائد فتكون معطوفة على محل الجملة الاستفهامية المعلق عنها الفعل- على ان العلم بمعنى المعرفة- او على اصحب الصراط او على الصراط على ان المراد به النبي صلى الله عليه وسلم- حمزة والكسائي يميلان اواخر هذه السورة من قوله تعالى لتشقى الى آخرها قوله ومن اهتدى- وابو عمر ويمين من ذلك ما فيه راء نحو قوله تعالى الثّراى ومن
179
افتراى ولا تعرى شبهه وما عدا ذلك بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح روى الحاكم في المستدرك والبيهقي بسند صحيح عن معقل بن يسار والبغوي نحوه عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ أعطيت سورة البقرة من الذكر الاول وأعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة- وروى الحاكم في المستدرك والطبراني وابن ماجة عن امامة قال قال رسول الله ﷺ اسم الله الأعظم الّذي إذا دعى به أجاب في ثلاث سور البقرة وال عمران وطه- فتمت تفسير سوره طه بفضل الله تعالى وحسن توفيقه ثامن الشهر الربيع الثاني من السنة الثالثة بعد المائتين والف ويتلوه تفسير سورة الأنبياء ان شاء الله تعالى- الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين.
180
فهرس تفسير سورة الأنبياء عليهم السّلام من تفسير المظهرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه بيان دوام التسبيح والذكر من المقربين ١٨٩ ما ورد في الميزان ٢٠٠ حديث لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات ٢٠٤ قصة إلقاء ابراهيم عليه السلام في النار ٢٠٦ ما ورد في القتل الوزغ ٢٠٧ قصة هجرة ابراهيم عليه السلام ٢٠٩ ما ورد في فضل الشام والأمر بلزومها وان هناك الابدال ٢٠٩ قصة حكم داؤد وسليمان عليهما السلام إذا نفشت في الحرث غنم القوم ٢١٢ مسائل جناية الدواب واختلاف العلماء في حكمها في الإسلام ٢١٣ مسئلة المجتهد يخطى ويصيب وما ورد فيه ٢١٥ حديث في قصة حكم داؤد وسليمان عليهما السلام في امرأتين ذهب الذئب بابن إحداهما ٢١٥ قصة سليمان عليه السّلام ٢١٦ قصة أيوب عليه السلام ٢٢٠ قصة ذالكفل عليه السلام ٢٣٠ مضمون صفحه ما ورد في لا اله الّا أنت سبحانك انّى كنت من الظّالمين- ٢٣٤ الصوفية دائمون في الوصال والروية حديث انكم تحشرون الى الله حفاة عراة غرلا ٢٤٣ حديث لا يبقى على الأرض بيت مدر ولاوبر الا ادخله الله الإسلام ٢٤٤ حديث انما انا رحمة مهداة ٢٤٤ حديث انما بعثت رحمة ٢٤٤ بطلان التقية ٢٤٥.
181
Icon