ﰡ
﴿سُورَةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة ﴿أنزلناها﴾ صفة لها وقرأ طلحة سورةً على زيد اضربته أوعلى اتل سورة والسورة الجامعة لجمل آيات بفاتحة لها وخاتمة واشتقاقها من سور المدينة ﴿وفرضناها﴾ أى أحكامها التي فيها وأصل الفرض القطع أي جعلناها مقطوعاً بها وبالتشديد مكي وأبو عمرو للمبالغة في الإيجاب وتوكيده أو لأن فيها فرائض شتئ أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم ﴿وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِْنَاتٍ﴾ أي دلائل واضحات ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكي تتعظوا وبتخفيف الذال حمزة وعلي وخلف وحفص ثم فصل أحكامها فقال
﴿الزانية والزاني﴾ رفعها على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزانى أى
النور (٣ - ٢)
﴿فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله﴾
جلدهما أو الخبر فاجلدوا ودخلت الفاءلكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمينه معنى الشرط وتقديره التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما تقول من زنى فاجلدوه وكقوله والذين يَرْمُونَ المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهما وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر ﴿فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ﴾ الجلد ضرب الجلد وفيه إشارة إلى
﴿الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ أي الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في خبيثة من شكله أو في مشركة والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أوالمشركين فالآية تزهيد في نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك في القبح والإيمان قرين العفاف والتحصن وهو نظير قوله الخبيثات
النور (٦ - ٣)
﴿وحرم ذلك على المؤمنين﴾
ولكن في الفواجر ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان وقدمت الزانية على الزاني أولاً ثم قدم عليها ثانياً لأن تلك الآية سبقت لعقوبتها على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلا فى ذلك بدئ بذكرها وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الخاطب ومنه بدء الطلب وقرئ لا ينكح بالجزم على معنى أن عادتهما جارية على ذلك وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها ﴿وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين﴾ أي الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسب بالزنا أو لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواقع التهمة والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب
﴿والذين يَرْمُونَ المحصنات﴾ وبكسر الصاد علي أي يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلفات والقذف يكون بالزنا وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقول يا زانية لذكر المحصنات عقيب الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء﴾ أي ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا لأن القذف بغير الزنا بأن يقول يا فاسق يا آكل الربا يكفي فيه شاهدان وعليه التعزير وشروط إحصان القذف الحرية
وقوله ﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك﴾ أى القذف ﴿وأصلحوا﴾ أحوالهم استثناء أن يكون منصوباً عندنا لأنه عن موجب وعند من جعل الاستثناء متعلقاً بالجملة الثانية أن يكون مجروراً بدلاً من هم في لهم
ولما ذكر حكم قذف الأجنبيات بينحكم قذف الزوجات فقال ﴿والذين يرمون أزواجهم﴾
النور (١١ - ٦)
أي يقذفون زوجاتهم بالزنا ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء﴾ أي لم يكن لهم على تصديق قولهم من يشهد لهم به ﴿إِلاَّ أَنفُسُهُمْ﴾ يرتفع على البدل من شهداء ﴿فشهادة أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ﴾ بالرفع كوفي غير أبي بكر على أنه خبر المبتدأ فشهادة أحدهم وعلى هذا خبره محذوف تقديره فواجب شهادة أحدهم أربع ﴿شهادات بالله إِنَّهُ لمن الصادقين﴾ فيما رماها به من الزنا
﴿والخامسة﴾ لاخلاف في رفع الخامسة هنا في المشهور والتقدير والشهادة الخامسة ﴿أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ﴾ فهي مبتدأ وخبر ﴿إِن كَانَ مِنَ الكاذبين﴾ فيما رماها به من الزنا
﴿ويدرأ عَنْهَا العذاب﴾ ويدفع عنها الحبس وفاعل يدرأ ﴿أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ﴾ إن الزوج ﴿لَمِنَ الكاذبين﴾ فيما رماني به من الزنا
﴿والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إِن كَانَ﴾ أي الزوج ﴿مِنَ الصادقين﴾ فيما رماني به من الزنا ونصب حفص الخامسة عطفاً على أربع شهادات وغيره بالابتداء وأن غضب الله خبره وخفف نافع أن لعنة الله وأن غضب الله بكسر الضاد وهما في حكم المثقلة وأن غضب الله سهل ويعقوب وحفص وجعل الغضب في جانبها لأن النساء يستعملن اللعن كثيراً كما ورد به الحديث فربما يجترئن على الاقدام لكثرة جرى اللعن على ألسنتهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن فذكر الغضب في جانبهن ليكون رادعاً لهن والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالإيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها لأن الله تعالى سماه شهادة فإذا قذف الزوج زوجته بالزنا وهما من أهل الشهادة صح اللعان بينهما وإذا التعنا كما بين في النهر لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما وعند زفر رحمه الله تعالى تقع بتلاعنهما والفرقة تطليقة بائنة وعند أبى يوسف وزفر الشافعى تحريم مؤبد ونزلت آية اللعان في هلال بن أمية أو عويمر حيث قال وجدت على بطن امرأتى خملة شريك بن سحماء فكذبته فلاعن النبى ﷺ بينهما
﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله﴾ تفضله ﴿عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ نعمته ﴿وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ جواب لولا محذوف أي لفضحكم أو لعاجلكم بالعقوبة
﴿إن الذين جاؤوا بالإفك﴾ هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء وأصله
النور (١٢ - ١١)
الأفك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضى الله عنها قالت عائشة فقدت عقداً في غزوة بني المصطلق فتخلفت ولم يعرف خلو الهودج لخفتي فلما ارتحلوا أناخ لي صفوان بن المعطل بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا فهلك فى من هلك فاعللت شهرا وكان عليه الصلاة والسلام يسأل كيف أنت ولا أرى منه لطفاً كنت أراه حتى عثرت خالة أبي أم مسطح فقالت تعس مسطح فأنكرت عليها فأخبرتني بالإفك فلما سمعت ازددت مرضاً وبت عند أبوي لا يرقأ لي دمع وما أكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي حتى قال عليه الصلاة والسلام ابشري يا حميراء فقد أنزل الله براءتك فقلت بحمد الله لا بحمدك ﴿عُصْبَةٌ﴾ جماعة من العشرة إلى الأربعين واعصو صبوا اجتمعوا وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ﴿مّنكُمْ﴾ من جماعة المسلمين وهم ظنوا أن الإفك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين ﴿لاَ تَحْسَبُوهُ﴾ أي الإفك ﴿شَرّاً لَّكُمْ﴾ عند الله ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لأن الله أثابكم عليه وأنزل في البراءة منه ثماني عشرة آية والخطاب لرسول الله ﷺ وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن ساءه ذلك من المؤمنين ﴿لكل امرئ مّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم﴾ أي على كل امرئ من العصبة جزاء أئمة على مقدار خوضه فيه وكان بعضهم ضحك وبعضهمم تكلم فيه وبعضهم سكت ﴿والذى تولى كِبْرَهُ﴾ أي عظمه
﴿لَوْلاَ﴾ هلا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أي الإفك ﴿ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ﴾ بالذين منهم فالمؤمنون كنفس واحدة وهو كقوله ولا تلمزوا أنفسكم ﴿خَيْرًا﴾ عفافاً وصلاحاً وذلك نحو ما يروى أن عمر رضى الله عنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام أنا قاطع بكذب المنافقين لأن الله عصمك من وقوع الذباب على جلدك لأنه يقع النجاسات فيتلطخ بها فلما عصمك الله من ذلك القدر من الذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة وقال عثمان إن الله ما أوقع ظلم على الأرض لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل فلما لم يمكن أحداً من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحداً من تلويث عرض زوجتك وكذا قال علي رضى الله عنه إن جبريل أخبرك أن على نعليك قذراً وأمرك بإخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك باخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشئ من الفواحش وروي أن أبا أيوب الأنصاري قال لا مرأته ألا ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول الله سوأ فقال لا قالت لو كنت أنا بدل عائشة ماخنت رسول الله فعائشة خير مني وصفوان خير منك وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعو الضمير إلى الظاهر
النور (١٦ - ١٢)
﴿وقالوا هذا إفك مبين لولا جاؤوا عليه بأربعة﴾
ولم يقل ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات وليدل التصريح بلفظ الإيمان على أن الاشراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به الحافظ له وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بإخوانه ﴿وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ كذب ظاهر لا يليق بهما
﴿لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء﴾ هلا جاؤا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء﴾ الأربعة ﴿فَأُوْلَئِكَ عِندَ الله﴾ أي في حكمه وشريعته ﴿هُمُ الكاذبون﴾ أى القاذقون لأن الله تعالى جعل التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الاربعة وانتفاؤها والذين رموا عائشة رضى الله عنها لم يكن لهم بينة على قولهم فكانوا كاذبين
﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدنيا والآخرة لمسكم فيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لولا هذه لامتناع الشئ لوجود غيره بخلاف ما تقدم أي ولولا أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة وأن أترحم عليكم في الآخرة في العفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك يقال أفاض في الحديث وخاض واندفع
﴿إذ﴾ ظرف لمسكم أو لأفضتم ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ يأخذه بعضكم من بعض يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ أي أن بعضكم كان يقول لبعض هل بلغك حديث عائشة حتى شاع فيما بينهم وانتشر فلم يبق بيت ولا ناد الاطار فيه ﴿وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ علم﴾ إنما قيد بالافواه مع أنا القول لا يكون إلا بالفم لأن الشئ المعلوم يكون علمه في القلب ثم يترجم عنه اللسان وهذا الإفك ليس إلا قولاً يدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله يَقُولُونَ بأفواههم ماليس فى قلوبهم ﴿وتحسبونه﴾ أى خوضكم فى عائشة رضى الله عنها ﴿هَيّناً﴾ صغيرة ﴿وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ﴾ كبيرة جزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم
﴿وَلَوْلاَ﴾ وهلا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا﴾ فصل بين لولا وقلتم الظرف لأن للظروف شأناً وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذا يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهم قدم والمعنى
النور (٢١ - ١٦)
﴿سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين﴾
هلا قلتم إذ سمعتم الإفك ما يصح لنا أن نتكلم بهذا ﴿سبحانك﴾ للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب في كلمة التسبيح أن الأصل ان يسبح الله عند رؤبة العجيب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات ﴿هذا بهتان﴾ زوريبهت من يسمع ﴿عظِيمٌ﴾ وذكر فيما تقدم هذا إفك مبين ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة في التبري
﴿يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ﴾ في أن تعودوا ﴿لِمِثْلِهِ﴾ لمثل هذا الحديث من القذف أو استماع حديثه ﴿أبدا﴾ مادمتم أحياء مكلفين ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو الإيمان الصادّ عن كل قبيح
﴿وَيُبَيّنُ الله لَكُمُ الآيات﴾ الدلالات الواضحات وأحكام الشرائع والآداب الجميلة ﴿والله عَلِيمٌ﴾ بكم وبأعمالكم ﴿حَكِيمٌ﴾ يجزي على وفق أعمالكم أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها
﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِى الذين آمنوا﴾ أي ما قبح جداً والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد الإشاعة ومحبة لها ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدنيا﴾ بالحد ولقد ضرب النبي ﷺ ابن أبى وحسافا ومسطحاً الحد ﴿والآخرة﴾ بالنار وعدها إن لم يتوبوا ﴿والله يَعْلَمُ﴾ بواطن الأمور وسرائر الصدور ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أنه قد علم محبة من أحب الإشاعة وهو معاقبه عليها
﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ لعجل لكم العذاب وكرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب مع حذف الجواب مبالغة في المنة عليهم والتوبيخ لهم ﴿وأن الله رؤوف﴾ حيث أظهر براءة المقذوف وأثاب ﴿رَّحِيمٌ﴾ بغفرانه جناية القاذف إذا تاب
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان﴾ أي آثاره ووساوسه بالإصغاء إلى الإفك والقول فيه ﴿وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان فَإِنَّهُ﴾ فإن الشيطان ﴿يَأْمُرُ بالفحشاء﴾ ما أفرط قبحه ﴿والمنكر﴾ ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عليكم ورحمته ما زكا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾ ولولا أن الله
النور (٢٥ - ٢١)
﴿ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم﴾
تفضل عليكم بالتوبة الممحصة لما طهر منكم أحد آخر الدهر من إثم الإفك ﴿ولكن الله يُزَكّى مَن يَشَاء﴾ يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها ﴿والله سَمِيعٌ﴾ لقولهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم وإخلاصهم
﴿وَلاَ يَأْتَلِ﴾ ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الألية أولا يقصر من الألو ﴿أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ﴾ في الدين ﴿والسعة﴾ فى الدنيا ﴿أن يؤتوا﴾ إن كان من الألية ﴿أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين فِى سَبِيلِ الله﴾ أي لا يحلفوا على أن لا يحسنوا
﴿إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات﴾ العفائف ﴿الغافلات﴾ السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لانهن لم يجربن الأمور ﴿المؤمنات﴾ بما يجب الايمان به عن ابن عباس رضى الله عنهما هن أزواجه عليه الصلاة والسلام وقيل هن جميع المؤمنات إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل أريدت عائشة رضى الله عنها وحدها وإنما جمع لأن من قذف واحدة من نساء النبى عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهن ﴿لُعِنُواْ فِى الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا
والعامل في ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ﴾ يعذبون وبالياء جمزة وعلي ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي بما أفكوا أو بهتوا
والعامل في ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق﴾ بالنصب صفة للدين وهو الجزاء ومعنى الحق الثابت الذي هم أهله وقرأ مجاهد بالرفع صفة كقراءة أبى وفيهم الله الحق دينهم وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون الحق وصفاً لله بأن ينتصب على المدح ﴿ويعلمون﴾ عند
النور (٢٦ - ٢٥)
ذلك ﴿أَنَّ الله هُوَ الحق المبين﴾
﴿الخبيثات﴾ من القول تقال ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرجال والسناء ﴿والخبيثون﴾ منهم يتعرضون ﴿للخبيثات﴾ من القول وكذلك ﴿والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون﴾ إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم وهو كلام جار مجرى المثل لعائشة رضى الله عنها وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب ويجوز أن يكون إشارة إلى هل البيت وأنهم مبرءون مما يقول أهل الإفك وأن يراد بالخبيثات والطيبات النساء الخبائث يتزوجن الخباث والخباث تتزوج الخبائث وكذا أهل الطيب ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ مستأنف أو خبر بعد خبر ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الجنة ودخل ابن عباس رضى الله عنهما على عائشة رضى الله عنها في مرضها وهي خائفة من القدوم على الله تعالى فقال لا تخافي لأنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشي عليها فرحاً بما تلا وقالت عائشة رضى الله عنها لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر
حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل | حليلة خير الناس ديناً ومنصباً |
نبي الهدى والمكرمات الفواضل | عقيلة حيّ من لؤي بن غالب |
كرام المساعي مجدها غير زائل | مهذبة قد طيب الله خيمها |
النور (٣٠ - ٢٧)
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ﴾
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ أي بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها ﴿حتى تَسْتَأْنِسُواْ﴾ أي تستأذنوا عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد قرأبه والاستئناس فى الأصل الاستعلام واستكشاف استفعال من أنس الشئ إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً أي حتى تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو بتحميدة أو بتنحنح ﴿وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا﴾ والتسليم أن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له وإلا رجع وقيل إن تلاقيا يقدم التسليم وإلا فالاستئذان ﴿ذلكم﴾ أى استئذان والتسليم ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن فكأن الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به في باب الاستئذان
﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا﴾ في البيوت ﴿أَحَدًا﴾ من الآذنين {فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى
﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ﴾ في أن تدخلوا ﴿بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط وحوانيت النجار ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ﴾ أي منفعة كالاستكنان من الجر والبرد إيواء الرحال والسلع والشراء والبيع وقيل الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز ﴿والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة
﴿قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم﴾ من للتبعيض والمراد
النور (٣١ - ٣٠)
﴿ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون﴾
غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل ﴿وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ﴾ عن الزنا ولم يدخل من هنا لأن الزنا لارخصة فيه بوجه ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها في رواية وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين ﴿ذلك﴾ أي غض البصر وحفظ الفرج ﴿أزكى لَهُمْ﴾ أي أطهر من دنس الاثم ﴿إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فيه ترغيب وترهيب يعني أنه خبير
﴿وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ أمر بغض الابصار فال يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه وإن اشتهت غضت بصرها رأساً ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك وغض بصرها من الأجانب أصلاً أولى بها وإنما قدم غض الأبصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور فبذر الهوى طموح العين ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهى الحلى ونحو مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهي فى مواضعها لاظهار مواضعها لإظهار أعيانها ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدور والعضدان والذراع والساق فهى للاكليل والقرط القلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال ﴿إِلاَّ مَا ظَهَرَ منها﴾ إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففي سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن ﴿وَلْيَضْرِبْنَ﴾ وليضعن من قولك ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه ﴿بِخُمُرِهِنَّ﴾ جمع خمار ﴿على جُيُوبِهِنَّ﴾ بضم الجيم مدني وبصري وعاصم كانت جيوبهن واسعة تبدو منها صدورهن وما حواليها وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى تغطينها ﴿إلا لبعولتهن﴾ لأزواجهن جمع بعل ﴿أو آبائهن﴾ ويدخل فيهم الأجداد {أو آباء
النور (٣٢ - ٣١)
﴿أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال﴾ وسائر المحارم كالأعمام والأخوال وغيرهم دلالة ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ أي الحرائر لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن﴾ أي امائهن ولا يحل لعبدها أن ينظر إلى هذه المواضع منها خصياً كان أو عنيناً أو فحلاً وقال سعيد بن المسيب لا تغرنكم سورة النور فإنها فى الاماء دون الذكور وعن عائشة رضى الله عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها ﴿أَوِ التابعين غَيْرِ﴾ بالنصب شامي ويزيد وأبو بكر على الاستثناء أو الحال وغيرهم بالجر على البدل أو على الوصفية ﴿أُوْلِى الإربة﴾ الحاجة إلى النساء قيل هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم إلى النساء لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمرهن أو شيوخ صلحاء أو العنين أو الخصي أو المخنث وفى الأثر أنه الجبوب والأول الوجه ﴿مِنَ الرجال﴾ حال ﴿أَوِ الطفل الذين﴾ هو جنس فصلح أن يراد به الجمع ﴿لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء﴾ أي لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشئ إذا اطلع عليه أو لم يبلغوا أو ان القدرة على الوطء من ظهر على فلان إذا قوي عليه ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ كانت المرأة تضرب الأرض برجليها إذا مشت لتسمع قعقعة خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال فنهين عن ذلك إذ سماع صوت الزينة كإظهارها ومنه سمي صوت الحلى وسواما ﴿وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون﴾ أَيُّهُ شامي إتباعاً للضمة قبلها بعد حذف الألف لالتقاء الساكنين وغيره على فتح الهاء ولأن بعدها ألفافى التقدير ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
﴿وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ﴾ الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له رجلا كان أو امرأة بكراً كان أو ثيباً وأصله أيائم فقلبت ﴿والصالحين﴾ أي الخيرين أو المؤمنين والمعنى زوجوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر ومن كان فيه صلاح ﴿مِنْ عِبَادِكُمْ وإمائكم﴾ أى من غلمانكم وجواريكم ولامر للندب إذ النكاح مندوب إليه ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء﴾ من المال ﴿يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ بالكفاية والقناعة أو باجتماع الرزقين وفي الحديث التمسوا الرظق بالنكاح وعن عمر رضى الله عنه روي مثله ﴿والله واسع﴾ غني ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق ﴿عَلِيمٌ﴾ يبسط الرزق لمن
النور (٣٣)
يشاء ويقدر وقيل في الآية دليل على أن تزويج النساء والأيامى إلى الأولياء كما أن تزويج العبيد والإماء إلى الموالي قلنا الرجل لا يلي على الرجل الأيم إلا بإذنه فكذا لا يلي على المرأة إلا بإذنها لأن الايم ينتظمها
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين﴾ وليجتهدوا في العفة كأن المستعف طالب من نفسه العفاف ﴿لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً﴾ استطاعة تزوج من المهر والنفقة ﴿حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ حتى يقدرهم على المهر والنفقة قال عليه الصلاة والسلام يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فانظر كيف رتب هذه الأوامر
النور (٣٣)
بظواهره بائن منهم بسرائره فقد هجرهم فيما له عليم في الله باطناً ثم وصلهم فيما لهم عليه لله ظاهراً...
يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون وما يدريهم أنه ضيف الله يرى السموات والأرض قائمات بأمره وكأنه قيل فيه... فإن تفق الأنام وأنت منهم... فإن المسك بعض دم الغزال...
فحال ولي العزلة أصفى وأحلى وحال ولى العشرة أو فى وأعلى ونزل الأول من الثاني في حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان أما النبى عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين ومعدن الشذرين ومجمع الحالين ومنبع الزلالين فباطن أحواله مهتدي ولي العزلة وظاهر أعماله مقتدى ولي العشرة والثالث المجاهد المحاسب العامل المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب عليه فى اليوم والليلة خمس وفى المائتين درهما خمسة وفي السنة شهر وفي العمر زورة فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة فيسعى في فكاك رقبته خوفاً من البقاء في ربقة العبودية وطمعاً في فتح باب الحرية ليسرح في رياض الجنة فيتمتع بمبياه ويفعل ما يشاؤه ويهواه والرابع الإباق فما أكثرهم فمنهم القاضى الجائر والعالم غير العامل والعامل المرائي والواعظ الذي لا يفعل ما يقول ويكون أكثر أقواله الفضول وعلى كل ما لا ينفعه يصول فضلا عن السارق والزاني والغاصب فعنهم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ان الله لينصر هذا الدين بقوم لاخلاق لهم في الآخرة ﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء﴾ كان لابن أبيّ ست جوار معاذة ومسكية وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهم الضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فنزلت ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة والبغاء الزنا للنساء خاصة وهو مصدر لبغت ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾ تعففاً عن الزنا وإنما قيده بهذا الشرط لأن الإكراه لا يكون الامع إرادة التحصن فآمر المطيعة للبغاء
النور (٣٥ - ٣٤)
يخاف منه التلف فكانت آثمة أولهم إذا تابوا
﴿ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات﴾ بفتح الياء حجازي وبصري وأبو بكر وحماد والمراد الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الأحكام والحدود وجاز أن يكون الأصل مبيناً فيها فاتسع في الظرف أي أجري مجرى المفعول به كقوله ويوم شهدناه وبكسرها غيرهم أي بينت هي الأحكام والحدود جعل الفعل لها مجازاً أو من بين يمعنى تبين ومنه المثل
قد بين الصبح لذي عينين
﴿وَمَثَلاً مّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ﴾ ومثلاً من أمثال من قبلكم أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم يعني قصة عائشة رضى الله عنها ﴿وَمَوْعِظَةً﴾ ما وعظ به من الآيات والمثل من نحو قوله تعالى وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً ﴿لّلْمُتَّقِينَ﴾ أي هم المنتفعون بها وإن كانت موعظة للكل نظير قوله
﴿الله نُورُ السماوات والأرض﴾ مع قوله مَثَلُ نوره ويهدى الله لِنُورِهِ قولك زيد كرم وجود ثم تقول ينعش الناس يكرمه وجوده والمعنى ذو نور السموات ونور السموات والأرض الحق شبهه بالنور في ظهوره وبيانه كقوله الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور أي من الباطل إلى الحق وأضاف النور اليهما للدلالة
النور (٣٧ - ٣٥)
وأجود الزيتون زيتون الشام وقيل ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا فهي شرقية وغربية ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا﴾ دهنها ﴿يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ وصف الزيت بالصفاء
قيل له إن الخليفة فرق من مثلته بهم فقال مرتجلاً... لا تنكروا ضربى من دونه... مثلاً شروداً في الندى والباس...
... فالله قد ضرب الأقل لنوره... مثلاً من المشكاة والنبراس...
﴿يَهْدِى الله لِنُورِهِ﴾ أي لهذا النور الثاقب ﴿مَن يَشَآء﴾ من عباده أي يوفق لإصابة الحق من يشاء من عباده بالهام من الله أو ينظره في الدليل ﴿وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ﴾ تقريباً إلى أفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا ﴿والله بِكُلّ شَيْء عليم﴾ فيبين كل شئ بما يمكن أن يعلم به وقال ابن عباس رضى الله عنه مثل نوره أي نور الله الذي هدى به المؤمن وقرأ ابن مسعود رحمه الله مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة وقرأ أبيّ مثل نور المؤمن
﴿فِى بُيُوتٍ﴾ يتعلق بمشكاة أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل مثل نوره كما يرى فى المسجد له رجال فى بيوت وفيها تكرير فيه توكيد نحو زيد في الدار جالس فيها أو بمحذوف أي سبحوا في بيوت ﴿أَذِنَ الله﴾ أي أمر ﴿أَن تُرْفَعَ﴾ تبنى كقوله بناها رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَإِذْ يرفع إبراهيم القواعد أو تعظم من
﴿رِجَالٌ﴾ فاعل يسبح يسبح شامي وأبو بكر ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو ورجال مرفوع بمادل عليه يسبح أي يسبح له ﴿لاَّ تُلْهِيهِمْ﴾
النور (٣٩ - ٣٧)
لا تشغلهم ﴿تجارة﴾ في السفر ﴿وَلاَ بَيْعٌ﴾ في الحضر وقيل التجارة الشراء إطلاقاً لاسم الجنس على النوع أو خص البيع بعد ماعم لأنه أو غل في الإلهاء من الشراء لأن الربح في البيعة الرابحة متيقن وفي الشراء مظنون ﴿عَن ذِكْرِ الله﴾ باللسان والقلب ﴿وَإِقامِ الصلاة﴾ أي عن إقامة الصلاة التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للأعلال الأصل إقوام فلما قلبت الواو ألفاً اجتمع ألفان فحذفت أحدهما لالتقاء الساكنين فأدخلت التاء عوضاً عن المحذوف فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام التاء فأسقطت ﴿وَإِيتاء الزكاة﴾ أي وعن إيتاء الزكاة والمعنى لا تجارة لهم حتى تلهيهم كأولياء العزلة أو يبيعون ويشترون ويذكرون الله مع ذلك وإذا حضرت الصلاة قاموا إليها غير متثاقلين كأولياء العشرة ﴿يخافون يَوْماً﴾ أي يوم القيامة ويخافون حال من الضمير في تلهيهم أو صفة أخرى لرجال ﴿تتقلب فيه القلوب﴾ ببلوغها إلى الجناجر ﴿والأبصار﴾ بالشخوص والزرقة أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران والأبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان كقوله فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ اليوم حديد
﴿لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ﴾ أي يسبحون ويخافون
﴿والذين كفروا أعمالهم كسراب﴾ هو مايرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري ﴿بقيعة﴾ بقاع أو جمع قاع وهوالمنبسط المستوي من الأرض كجيرة في جار ﴿يَحْسَبُهُ الظمان﴾ يظنه العطشان ﴿مَاءً حتى إِذَا جَاءهُ﴾ أى جاء إلى ماتوهم أنه ماء ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ كما ظنه ﴿وَوَجَدَ الله﴾ أي جزاء الله كقوله يجد الله غفورا رحيما أي يجد مغفرته ورحمته ﴿عِندَهُ﴾ عند الكافر ﴿فوفاه حِسَابَهُ﴾ أي أعطاه جزاء عمله وافياً كاملا وحد بعد الجمع حملاً على كل واحد من الكفار ﴿والله سَرِيعُ الحساب﴾ لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد ولا يشغله حساب عن حساب أو قريب حسابه لأن ما هو آتٍ قريب شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التى يحسبها تنفعه عندالله وتنجيه من عذابه ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة
النور (٤٣ - ٤٠)
وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا قيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمساً للدين في الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر
﴿أو كظلمات في بحر﴾ أو هنا كأوفى أَوْ كَصَيّبٍ ﴿لُّجّىّ﴾ عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر
﴿ألم تر﴾ ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان في الإيقان ﴿أَنَّ الله يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السماوات والأرض والطير﴾ عطف على من ﴿صافات﴾ حال من الطير أي يصففن أجنحتهن في الهواء ﴿كُلٌّ قَدْ علم صلاته وتسبيحه﴾ الضمير فى علم لكل أو الله وكذا في صلاته وتسبيحه والصلاة الدعاء ولم يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التى لا يكاد العقلاء يهتدون إليها ﴿والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ لا يعزب عن علمه شئ
﴿ولله ملك السماوات والأرض﴾ لأنه خالقها ومن ملك شيئاً فبتمليكه إياه ﴿وإلى الله المصير﴾ مرجع الكل
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِى﴾ يسوق إلى حيث يريد ﴿سَحَابًا﴾ جمع سحابة دليله ﴿ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ﴾ وتذكيره للفظ أي يضم بعضه إلى بعض ﴿ثم يجعله ركاما﴾ مترا كما بعضه فوق بعض
النور (٤٥ - ٤٣)
﴿فَتَرَى الودق﴾ المطر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال ﴿وَيُنَزّلُ﴾ وينزل مكي ومدني وبصري ﴿مّنَ السماء﴾ لابتداء الغاية لأن الابتداء الإنزال من السماء ﴿مِن جِبَالٍ﴾ من للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي ﴿فِيهَا﴾ في السماء ﴿مِن بَرَدٍ﴾ للبيان أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها وعلى الأول مفعول ينزل من جبال أي بعض جبال فيها ومعنى من جبال فيها من برد أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر أو يريد الكثرة بذكر الجبال كما يقال فلان يملك جبالاً من ذهب ﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ بالبرد ﴿مَن يَشَآء﴾ أي يصيب الإنسان وزرعه ﴿ويصرفه عن من يشاء﴾ فلا يصيبه أو يعذب من يشاء ويصرفه عمن يشاء فال يعذبه ﴿يكاد سنا برقه﴾ ضوئه ﴿يذهب بالأبصار﴾ يخطفها يَذْهَبُ يزيد على زيادة الباء
﴿يقلب الله الليل والنهار﴾ يصرفها في الاختلاف طولاً وقصراً والتعاقب ﴿إِنَّ فِى ذلك﴾ فى إزجاء السحاب إلى وإنزال الودق والبرد وتقليب الليل والنهار ﴿لَعِبْرَةً لأَِوْلِى الأبصار﴾ لذوي العقول وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته حيث ذكر تسبيح من فى السموات والارض وما يطير بينهما ودعاء هم له وتسخير السحاب إلى آخر ما ذكر فهى براهين لائحة على وجوده دلائل واضحة على صفاته لم نظر وتدبير ثم بين دليلاً آخر فقال تعالى
﴿والله خَلَقَ كُلَّ﴾ خالق كل حمزة وعلي ﴿دَابَّةٍ﴾ كل حيوان
النور (٥٠ - ٤٥)
والطير ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على أَرْبَعٍ﴾ كالبهائم وقدم ما هوأعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشي من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع ﴿يَخْلُقُ الله مَا يَشَاء﴾ كيف يشاء ﴿إِنَّ الله على كل شيء قدير﴾ لا يتعذر عليه شئ
﴿لقد أنزلنا آيات مبينات والله يَهْدِى مَن يَشَاء﴾ بلطفه ومشيئته ﴿إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ إلى دين الإسلام الذي يوصل إلى جنته والآيات لإلزام حجته لما ذكر إنزال الآيات ذكر بعدها افتراق الناس إلى ثلاث فرق فرقة صدقت ظاهراً وكذبت باطناً وهم المنافقون وفرقة صدقت ظاهراً وباطناً وهم المخلصون وفرقة كذبت ظاهراً وباطناً وهم الكافرون على هذا الترتيب وبدأ بالمنافقين فقال
﴿وَيِقُولُونَ امَنَّا بالله وبالرسول﴾ بألسنتهم ﴿وَأَطَعْنَا﴾ الله
﴿وَإِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ﴾ أي إلى رسول الله كقولك أعجبني زيد وكرمه تريد زيد وكرمه تريد كرم زيد ﴿لِيَحْكُمَ﴾ الرسول ﴿بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ أي فاجأ من فريق منهم الإعراض نزلت في بشر المنافق إلى كعب بن الأشرف ويقول إن محمداً يحيف علينا
﴿وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق﴾ أي إذا كان الحق لهم على غيرهم ﴿يَأْتُواْ إِلَيْهِ﴾ إلى الرسول ﴿مُذْعِنِينَ﴾ حال أي مسرعين في الطاعة طلبا لحقهم لارضا بحكم رسولهم قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحث يمتنعون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من احداقهن بقضائك عليهم لخصومهم وإن ثبت له حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما وجب لهم في ذمة الخصم
﴿أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ أن﴾
النور (٥٣ - ٥٠)
﴿يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ قسم الأمر في صدورهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله ﴿بَلْ أُوْلَئِكَ هم الظالمون﴾ أى يخافون أو يحيف عليهم لمعرفتهم
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين﴾ وعن الحسن قول بالرفع والنصب أفرى لأن أولى الاسمين بكونه إسما لكان أوعليهما في التعريف وأن يقولوا أوغل بخلاف قول المؤمنين ﴿إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ﴾ النبى عليه الصلاة والسلام ليحكم أي ليفعل الحكم ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بحكم الله الذي أنزل عليه ﴿أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا﴾ قوله ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أمره ﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ الفائزون
﴿وَمَن يُطِعِ الله﴾ في فرائضه ﴿وَرَسُولُهُ﴾ في سننه ﴿وَيَخْشَ الله﴾ على ما مضى من ذنوبه ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ فيما يستقبل ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفائزون﴾ وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية وهي جامعة لأسباب الفوز ويتقه بسكون الهاء أبو عمرو وأبو بكر بنية الوقف وبسكون القاف وبكسر الهاء مختلسة حفص وبكسر القاف والهاء غيرهم
﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم﴾ أي حلف المنافقون بالله جهد اليمين لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغٍ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها وعن ابن عباس رضى الله عنهما من قال بالله فقد جهد يمينه وأصل أقسم جهد اليمين أقسم بجهد اليمين جهداً فجذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول كقوله فضرب الرقاب وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين أيمانهم ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ أي لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا أو بالخروج من ديارنا لخرجنا ﴿قُل لاَّ تُقْسِمُواْ﴾ لا تحلفوا كاذبين لأنه معصية ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة مبتدأ محذوف
النور ٥٥ - ٥٤)
فاضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم
﴿قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات هو أبلغ في تبكيتهم ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ﴾ يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى وكلفه من أداء الرسالة فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وعذابه ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ﴾ أي وإن أطعتموه فيما يأمركم وينهاكم فقد أحرزتم نصيبكم من الهدى فالضرر في توليكم والنفع عائدان إليكم ﴿وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين﴾ وما على الرسول إلا أن يبلغ ماله نفع في قلوبكم ولا عليه ضرر في توليكم والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية والمبين الظاهر لكونه مقروناً بالآيات والمعجزات ثم ذكر المخلصين فقال
﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات﴾ الخطاب للنبى عليه الصلاة والسلام ولمن معه منكم للبيان وقيل المراد به المهاجرون ومن للتبعيض ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرض﴾ أي أرض الكفار وقيل أرض الكفار وقيل أرض المدينة والصحيح أنه عام لقوله عليه الصلاة والسلام ليدخلن هذا الدين على ما دخل عليه الليل ﴿كما استخلف﴾ استخلف أبوبكر {الذين مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ
النور (٥٨ - ٥٥)
ليستخلفنهم أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه أقسم الله ليستخلفنهم ﴿يَعْبُدُونَنِى﴾ إن جعلته استئنافاً فلا محل له كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقال يعبدونني موحدين ويجوز أن يكون حالاً بدلاً من الحال الأولى وإن جعلته حالا عن وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم فمحله النصب ﴿لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً﴾ حال من فاعل يعبدون أي يعبدونني موحدين ويجوز أن يكون حالاً بدلاً من الحال الأولى ﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك﴾ أي بعد الوعد والمراد كفران النعمة كقوله تعالى فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون﴾ هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة الجسيمة وجسروا على غمطها قالوا أول من كفر هذه النعمة قتلة عثمان رضى الله عنه فاقتتلوا
﴿واقيموا الصلاة﴾ معطوف على أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا يضر الفصل وإن طال ﴿وَاتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ فيما يدعوكم إليه وكررت طاعة الرسول تأكيداً لوجوبها ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي لكي ترحموا فإنها من مستجلبات الرحمة ثم ذكر الكافرين فقال
﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ في الأرض﴾ أى فائنين الله بأن لا يقدر عليهم فيها فالتاء خطاب للنبى عليه الصلاة والسلام وهو الفاعل والمفعولان الذين كفروا ومعجزين بالياء شامى وحمزة والفاعل النبى ﷺ لتقدم ذكره والمفعولان الذين كفروا ومعجزين ﴿وَمَأْوَاهُمُ النار﴾ معطوف على لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ كَأَنَّهُ قِيلَ الذين كَفَرُواْ لاَ بفوتون الله وَمَأْوَاهُمُ النار ﴿وَلَبِئْسَ المصير﴾ أي المرجع النار
﴿يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم﴾ أمربأن يستأذن العبيد والإماء ﴿والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم منكم﴾ أى الأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار وقرئ بسكون اللام تخفيفاً ﴿ثَلاَثَ مَرَّاتٍ﴾ في اليوم والليلة وهي ﴿مّن قَبْلِ صلاة الفجر﴾ لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مّنَ الظهيرة﴾ وهي نصف النهار في القيظ لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة ﴿وَمِن بَعْدِ صلاة العشاء﴾ لأنه وقت التجرد من ثياب اليقضة والالتحاف بثياب النوم
النور (٥٩ - ٥٨)
﴿ثلاث عورات لكم﴾ أى هى أوقات ثلاث عورات فحذف المبتدأ والمضاف وبالنصب كوفي غير حفص
﴿وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ﴾ أي الأحرار دون المماليك ﴿الحلم﴾ أي الاحتلام أي إذا بلغوا وأرادوا الدخول عليكم ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُواْ﴾ في جميع الأوقات ﴿كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال أو الذين ذكروا من قبلهم فى قوله يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ
﴿والقواعد﴾ جمع قاعد لأنها من الصفات المختصة بالنساء كالطالق والحائض
النور (٦١ - ٦٠)
أي اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن ﴿مّنَ النساء﴾ حال ﴿اللاتى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً﴾ يطعمن فيه وهى فى محل الرفع صفة للمبتدأ وهي القواعد والخبر ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ﴾ إثم ودخلت الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط بسبب الألف واللام ﴿أَن يَضَعْنَ﴾ في أن يضعن ﴿ثِيَابَهُنَّ﴾ أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار ﴿غَيْرِ﴾ حال ﴿متبرجات بِزِينَةٍ﴾ أي غير مظهرات زينة يريد الزينة الخفية كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك أي لا يقصدن بوضعها التبرج ولكن التخفيف وحقيقة التبرج تكلف اظهار ما يجب إخفاؤه ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ﴾ أي يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترن وهو مبتدأ خبره ﴿خَيْرٌ لَّهُنَّ والله سَمِيعٌ﴾ لما يعلن ﴿عَلِيمٌ﴾ بما يقصدن
﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾ قال
النور (٦٢ - ٦١)
فاخبرته اعتقها سرور بذلك فأما الآن فقد غلب الشح على الناس فلا يأكل إلا بإذن ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً﴾ مجتمعين ﴿أَوْ أَشْتَاتاً﴾ متفرقين جمع
﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ أي الذي يجمع له الناس نحو الجهاد والتدبير في الحرب وكل اجتماع في الله حتى الجمعة والعيدين ﴿لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يستأذنوه﴾ أى ويأذن لهم ولما أراد الله عز وجل أن يريهم عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله ﷺ بغير إذنه إذا كانوا معه على أمر جامع جعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره وذلك مع تصدير الجملة بأنما وإيقاعٍ المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين ثم عقبه بما يزيده توكيداً وتشديداً حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله ﴿إن الذين يستأذنونك أُوْلَئِكَ الذين يُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ﴾ وضمنه شيئاً آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالصداق لصحة
النور (٦٤ - ٦٢)
كذلك مع أئمتهم مقدميهم فى الدين والعلم يظاهرونهم ولا يفرقون عنهم إلا بإذن قيل نزلت يوم الخندق كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان
﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بعضا﴾ اى إذا احتاج رسول الله ﷺ إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تقربوا منه إلا بإذنه ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضاً ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضاً ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه فلا تقولوا يا محمد ولكن يا نبي الله يا رسول الله مع التوفير والتعظيم والصوت المخفوض ﴿قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ﴾ يخرجون قليلاً قليلاً ﴿مِنكُمْ لِوَاذاً﴾ حال أي ملاوذين اللواذ والملاوذة هو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا أي ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض ﴿فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون يقال له خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه ومنه وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنها كم عنه وخالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه والضمير فى أمر الله سبحانه أو للرسول عليه الصلاة والسلام والمعنى عن طاعته ودينه ومفعول يحذر ﴿أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ محنة في الدنيا أو قتل أو زلازل وأهوال أو تسليط سلطان جائر أو قسوة القلب عن معرفة الرب
﴿أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السماوات والأرض﴾ ألا تنبيه على أن لا يخالفوا أمر من له ما فى السموات والأرض ﴿قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ أدخل قد ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد والمعنى أن جميع ما في السموات والأرض مختص به خلقاً وملكاً وعلماً فكيف تخفى عليه أحوال المنافقين وإن كانوا يجتهدون فى سترها ﴿ويوم يرجعون إليه﴾ وبفتح الباء وكسر الجيم يعقوب أي ويعلم يوم يردون إلى جزائه وهو يوم القيامة والخطاب والغيبة في قوله قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعاً للمنافقين على طريق الالتفات ويجوز أن يكون ما أنتم عليه عاما ويرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعا للمنافقين ﴿فَيُنَبّئُهُمْ﴾ يوم القيامة ﴿بِمَا عَمِلُواْ﴾ بما أبطنوا من سوء أعمالهم ويجازيهم حق جزائهم ﴿والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ﴾ فلا يخفي عليه خافية وروى أن ابن عباس رضى الله عنه قرأ سورة النور على المنبر في الموسم وفسرها على وجه لو سمعت الروم به لا سلمت والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم