ﰡ
والمعنى : يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر : من جعله لكم أزواجا وللأنعام أزواجا، فإن سبب خلقنا وخلق الحيوان بالأزواج.
والضمير في قوله «فيه » يرجع إلى الجعل.
ومعنى «الذرء » الخلق، وهو هنا الخلق الكثير، فهو خلق وتكثير.
فقيل «في » بمعنى الباء، أي يكثركم بذلك. وهذا قول الكوفيين.
والصحيح : أنها على بابها، والفعل متضمن معنى ينشئكم، وهو يتعدى بفي كما قال تعالى :﴿ وننشئكم فيما لا تعلمون ﴾ [ الواقعة : ٦١ ].
وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل : خيرا لهن لأجل استقبال الوالدين لمكانهن.
وقيل - وهو أحسن - إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل لما يشاء، لا ما يشاء الأبوان. فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبا، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاؤه ولا يريده الأبوان.
وعندي وجه آخر : وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات، حتى كأن الغرض بيان أن هذا النوع المؤخر الحقير عندكم مقدم عندي في الذكر.
وتأمل كيف نكّر سبحانه الإناث، وعرف الذكور، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير للذكور بالتعريف. فإن التعريف تنزيه. كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم.
ثم لما ذكر الصنفين معا قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير. والله أعلم بما أراد من ذلك.
والمقصود، أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله :﴿ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ﴾ [ النحل : ٥٨. ٥٩ ]، وقال تعالى :﴿ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ﴾.
ومن هاهنا عبر بعض المعبرين لرجل قال له : رأيت كأن وجهي أسود. فقال له : ألك امرأة حامل ؟ قال : نعم. قال : تلد لك أنثى ؟.
وقيل : إلى الكتاب، وقيل : إلى الإيمان.
والصواب : أنه عائد إلى «الروح » أي جعلنا ذلك الروح الذي أوحيناه إليك نورا. فسماه «روحا » لما يحصل به من الحياة الطيبة، والعلم والقوة.
وجعله «نورا » لما يحصل به الإشراق والإضاءة، وهما متلازمان. فحيث وجدت هذه الحياة بهذا الروح وجدت الإضاءة والاستنارة، وحيث وجدت الاستنارة والإضاءة وجدت الحياة.
فمن لم يقبل هذا الروح فهو ميت مظلم، كما أن من فارق بدنه روح الحياة فهو هالك مضمحل.
فلهذا يضرب سبحانه وتعالى المثلين المائي والناري لما يحصل بالماء من الحياة، وبالنار من الإشراق والنور، كما ضرب ذلك في أول سورة البقرة.