ﰡ
( ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة )
( حديث علي بن أبي طالب ) : عن علي بن ربيعة قال :« رأيت علياً رضي الله عنه أتى بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال : باسم الله، فلما استوى عليها قال : الحمد لله ﴿ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ﴾، ثم حمد الله تعالى ثلاثاً وكبّر ثلاثاً، ثم قال سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي، فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت له : مما ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال رضي الله عنه : رأيت رسول الله ﷺ فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت : مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال ﷺ :» يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال : رب اغفر لي، ويقول : علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري « ».
وما الحلي إلا زينة من نقيصه | يتمُم من حسن إذا الحسن قَصَّرا |
وأما إذا كان الجمال مُوَفَّراً | كحسنك لم يحتج إلى أن يُزَوّرا |
وقوله جلَّت عظمته :﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾ أي ليسخّر بعضُهم بعضاً في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، ثم قال عزّ وجلّ :﴿ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ أي رحمة الله بخلقه، خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا، ثم قال سبحانه وتعالى ﴿ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة، إن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال ﴿ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ ﴾ أي سلالم ودرجاً من فضة ﴿ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ أي يصعدون ﴿ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً ﴾ أي أغلاقاً على أبوابهم ﴿ وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴾ أي جميع ذلك يكون فضة ﴿ وَزُخْرُفاً ﴾ أي وذهباً، قاله ابن عباس والسدي، ﴿ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا ﴾ أي إنما ذلك من الدنيا الفانية، الزائلة الحقيرة عند الله تعالى، أي يجعل لهم بحسناتهم التي يعملونها في لدنيا مآكل ومشارب، ليوافوا الآخرة وليس لهم عنمد الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها.
ثم قال جلّ جلاله :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾، قيل معناه لشرف لك ولقومك، وفي الحديث :« إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبَّه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين »، ومعناه أنه أشرف لهم من حيث أنه أنزل بلغتهم، فهم أفهم الناس له، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به، وأعملهم بقمتضاه، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلّص، من المهاجرين السابقين الأوّلين ومن شابههم وتابعهم، وقيل معناه :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ أي لَتذكيرٌ لك ولقومك، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم، كقوله تعالى :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠ ]، وكقوله تعالى :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ]، ﴿ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾، أي عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له، وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ ؟ أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه، من عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ [ النحل : ٣٦ ].
قال الله تعالى :﴿ فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾، قال ابن عباس :﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ أسخطونا، وعنه : أغضبونا، روى ابن أبي حاتم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال :
وقوله تبارك وتعالى :﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً ﴾ أي مِراءً وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية لأنها لما لا يعقل وهي قوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] ثم هي خطاب لقريش، وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد، ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه فتعين أن مقالتهم إنما كانت جدلاً منهم ليسوا يعتقدون صحتها، وقد قال رسول الله ﷺ :« ما ضل قوم بعد هدى كانوا إلا أورثوا الجدل » ثم تلا رسول الله ﷺ هذه الآية :﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾. وروى ابن جرير، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :« إن رسول الله ﷺ خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن، فغضب غضباً شديداً حتى كأنما صب وجهه الخل، ثم قال ﷺ :» لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل «، ثم تلا ﷺ :﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ »، وقوله تعالى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ يعني عيسى ﷺ ما هو إلا عبد من عباد الله عزَّ وجلَّ أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة ﴿ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لبني إِسْرَائِيلَ ﴾ أي دلالة وحجة وبرهاناً على قدرتنا على ما نشاء، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ ﴾ أي بدلكم ﴿ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ ﴾، وقال السدي : يخلفونكم فيها، وقال ابن عباس وقتادة : يخلف بعضهم بعضاً كما يخلف بعضكم بعضاً، وهذا القول يستلزم الأول، وقال مجاهد : يعمرون الأرض بدلكم.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ﴾ تقدم تفسير ابن إسحاق أن المراد من ذلك ما بعث به عيسى ﷺ من إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص وغير ذلك من الأسقام وفيه نظر. الصحيح أنه عائد على عيسى ﷺ، فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، كما قال تبارك وتعالى :
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله ﴾ أي هو إله من في السماء، وإله من في الأرض يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه، ﴿ وَهُوَ الحكيم العليم ﴾ وهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى :﴿ وَهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [ الأنعام : ٣ ] أي هو المدعو لله في السماوات والأرض ﴿ وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ أي هو خالفهما ومالكهما والمتصرف فيهما بلا مدافعة ولا ممانعة، فسبحانه وتعالى عن الولد ﴿ وَتَبَارَكَ ﴾ أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص، لأن الرب العلي العظيم المالك للأشياء، الذي بيده أزمة الأمور نقضاً وإبراماً، ﴿ وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة ﴾ أي لا يجليها لوقتها إلا هو، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي فيجازي كلاًّ بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ثم قال تعالى :﴿ وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ أي من الأصنام والأوثان ﴿ الشفاعة ﴾ أي لا يقدرون على الشفاعة لهم ﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ هذا استثناء منقطع، أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم، فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له، ثم قال عزَّ وجلَّ :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ ﴾ أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره ﴿ مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله ﴾ أي هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده لاشريك له في ذلك، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئاً ولا يقدر على شيء، فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل، ولهذا قال تعالى :﴿ فأنى يُؤْفَكُونَ ﴾ ؟.