قوله:
﴿وَمَن يَعْشُ﴾ : العامَّة على ضم الشين مِن عشا يعشو أي: يتعامى ويتجاهل. وقتادة ويحيى بن سلام
«يَعْشَ» بفتحها
586
بمعنى يَعْمَ. وزيد بن علي
«يَعْشو» بإثبات الواو. قال الزمخشري:
«على أنّ» مَنْ
«موصولة وحَقُّ هذا أن يقرأَ نقيضُ بالرفع». قال الشيخ:
«ولا تتعيَّنُ موصوليتُها بل تُخَرَّج على وجهين: إمَّا تقديرِ حذفِ حركةِ حرفِ العِلة، وقد حكاها الأخفش لغةً، وتقدَّم منه في سورةِ يوسفَ شواهدُ، وإمَّا على أنه جزمٌ ب» مَنْ
«الموصولة تشبيهاً لها ب» مَنْ
«الشرطيةِ». قال:
«وإذا كانوا قد جَزَموا ب» الذي
«، وليس بشرطٍ قط فأَوْلَى بما اسْتُعْمِلَ شرطاً وغيرَ شرطٍ. وأنشد:٣٩٩٣ - ولا تَحْفِرَنْ بِئْراً تُريد أخاً بها | فإنّك فيها أنت مِنْ دونِه تقَعْ |
كذاكَ الذي يَبْغي على الناسِ ظالماً | يُصِبْه على رَغْمٍ عواقبُ ما صَنَعْ |
قال:» وهو مذهبُ الكوفيين، وله وَجْهٌ من القياسِ: وهو أنَّ
«الذي» أَشْبَهَتْ اسمَ الشرطِ في دخولِ الفاءِ في خبرِها، فتُشْبِهُ اسمَ الشرطِ في الجزم أيضاً. إلاَّ أنَّ دخولَ الفاءِ منقاسٌ بشرطِه، وهذا لا ينقاسُ «.
ويقال: عَشا يَعْشُو، وعَشِي يَعْشَى. فبعضُهم جعلهما بمعنىً، وبعضُهم فَرَّقَ: بأنَّ عَشِيَ يَعْشَى إذا حَصَلَتْ الآفَةُ من بَصَرَه، وأصلُه الواوُ وإنما قُلِبَتْ ياءً لانكسارِ ما قبلها كرضِيَ يَرْضى وعَشَا يَعْشُو أي: تفاعَل ذلك. ونَظَرَ نَظَرَ
587
العَشِي ولا آفَةَ ببصرِه، كما قالوا: عَرَجَ لمَنْ به آفةُ العَرَجِ، وعَرُجَ لمَنْ تعارَجَ، ومَشَى مِشْيَةَ العُرْجان. قال الشاعر:
٣٩٩٤ - أَعْشُو إذا ما جارتي بَرَزَتْ | حتى يُوارِيْ جارتي الخِدْرُ |
أي: أنظرُ نَظَرَ الَعَشِي. وقال آخر:٣٩٩٥ - متى تَأْتِه تَعْشُوا إلى ضَوْءِ نارِه | تَجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوْقِدِ |
أي: تَنْظُرُ نَظَرَ العشِي لضَعْفِ بصرِه مِنْ كثرةِ الوَقودِ. وفَرَّق بعضُهم: بأنَّ عَشَوْتُ إلى النارِ إذا اسْتَدْلَلْتَ عليها بنظرٍ ضعيفٍ وقيل: وقال الفراء:» عَشا يَعْشى يُعْرِض، وعَشِي يَعْشَى عَمِيَ
«. إلاَّ أنَّ ابن قتيبة قال:» لم نَرَ أحداً حكى عَشَوْتُ عن الشيء: أَعْرَضْتُ عنه، وإنما يقال: تعاشَيْتُ عن كذا إذا تغافَلْتَ عنه وتعامَيْتَ
«.
وقرأ العامَّةُ» نُقَيِّضْ
«بنونِ العظمةِ. وعلي بن أبي طالب والأعمش ويعقوبُ والسلميُّ وأبو عمروٍ وعاصمٌ في روايةٍ عنهما» يُقَيِّضْ «بالياء من تحت
588
أي: يُقَيِّض الرحمنُ. و» شيطاناً
«نصبٌ في القراءتين. وابن عباس» يُقَيَّضْ
«مبنياً للمفعول،» شيطانٌ «بالرفع، قائمٌ مقامَ الفاعلِ.
589
قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ﴾ : الظاهرُ أنَّ ضميرَيْ النصبِ عائدان على «مَنْ» مِنْ حيث معناها، راعى لفظَها أولاً فأفردَ في «له» و «له»، ثم راعى معناها، فجَمع في قولِه: «وإنَّهم ليَصُدُّوْنَهم». والضميرُ المرفوعُ على الشيطان؛ لأنَّ المرادَ به الجنسُ، ولأنَّ كلَّ كافرٍ معه قَرِيْنٌ. وقال ابن عطية: «إنَّ الضميرَ الأولَ للشياطين، والثاني للكفار. التقدير: وإنَّ الشياطين ليَصُدُّوْنَ الكفارَ العابثين».
قوله:
﴿إِذَا جَآءَنَا﴾ : قرأ أبو عمروٍ والأخوان وحفصٌ
«جاءنا» بإسنادِ الفعلِ إلى ضميرٍ مفردٍ يعودُ على لفظ
«مَنْ» وهو العاشي، وحينئذٍ يكونُ هذا ممَّا حُمِل فيه على اللفظ ثم على المعنى، ثم على اللفظ، فإنَّه حُمِلَ أولاً على لفظِها في قوله:
«نُقَيِّضْ له» «فهو له»، ثم جُمِع على معناها في قوله:
«وإنَّهم ليَصُدُّونهم» و
«يَحْسَبون أنهم»، ثم رَجَعَ إلى لفظِها في قوله:
«جاءنا»، والباقون
«جاءانا» مُسْنداً إلى ضميرِ تثنيةٍ، وهما العاشي وقَرينُه.
قوله:
«بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ» قيل: أراد المشرقَ والمغربَ، فغلَّبَ كالعُمَرَيْن والقَمَرَيْن. وقيل: أراد بمَشْرِقَيْ الشمسِ مَشْرِقَها في أقصرِ يومٍ ومَشْرِقَها في أطولِ يومٍ. وقيل: بُعْدَ المَشْرِقَيْن من المَغْرِبَيْن.
589
قوله:
«فبِئْسَ القَرينُ» مخصوصُه محذوفٌ أي: أنت.
590
قوله:
﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ﴾ : في فاعلِه قولان، أحدهما: أنه ملفوظٌ به، وهو
«أنَّكم» وما في حَيِّزِها. التقدير: ولن يَنْفَعَكم اشتراكُكم في العذاب بالتأسِّي، كما يَنْفَعُ الاشتراكُ في مصائب الدنيا فيتأسَّى المُصاب بمثلِه. ومنه قولُ الخنساء:
٣٩٩٦ - ولولا كَثْرَةُ الباكِيْنَ حَوْلي | على إخوانِهم لقَتَلْتُ نَفْسي |
وما يَبْكُون مثلَ أخي ولكنْ | أُعَزِّي النفسَ عنه بالتأسِّي |
والثاني: أنّه مضمرٌ. فقدَّره بعضُهم ضميرَ التمنِّي المدلولَ عليه بقوله:
﴿ياليت بَيْنِي﴾ أي: لن يَنْفَعكم تَمَنِّيْكم البُعْدَ. وبعضُهم: لن ينفَعَكم اجتماعُكم. وبعضُهم: ظُلْمُكم وجَحْدُكم. وعبارةُ مَنْ عَبَّر بأنَّ الفاعلَ محذوفٌ مقصودُه الإِضمارُ المذكورُ لا الحذفُ؛ إذ الفاعلُ لا يُحْذَفُ إلاَّ في مواضعَ ليس هذا منها، وعلى هذا الوجهِ يكونُ قوله:
«أنَّكم» تعليلاً أي: لأنَّكم، فحذفَ الخافضَ فجرى في مَحَلِّها الخلافُ: أهو نصبٌ أم جرٌّ؟ ويؤيِّد إضمارَ الفاعلِ، لا أنَّه هو
«أنَّكم»، قراءةُ
«إنكم» بالكسرِ فإنَّه/ استئنافٌ مفيدٌ للتعليلِ.
قوله:
«إذْ ظَلَمْتُمْ» قد استشكل المُعْرِبون هذه الآيةَ. ووجهُه: أنَّ قولَه «
590
اليومَ» ظرفٌ حالِيٌّ، و
«إذ» ظرفٌ ماضٍ، و
«يَنْفَعَكم» مستقبلٌ؛ لاقترانِه ب
«لن» التي لنفي المستقبلِ. والظاهرُ أنه عاملٌ في الظرفَيْن، وكيف يعملُ الحدثُ المستقبلُ الذي لم يقَعْ بعدُ في ظرفٍ حاضرٍ أو ماضٍ؟ هذا ما لا يجوزُ. فأُجيب عن إعماله في الظرفِ الحاليِّ على سبيلِ قُرْبِه منه؛ لأنَّ الحالَ قريبٌ من الاستقبالِ فيجوز في ذلك. قال تعالى:
﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآن﴾ [الجن: ٩] وقال الشاعر:
٣٩٩٧ -......................... | سَأَسْعَى الآنَ إذ بَلَغَتْ أَناها |
وهو إقناعيٌّ، وإلاَّ فالمستقبلُ يَسْتحيلُ وقوعُه في الحالِ عقلاً. وأمَّا قولُه:
«إذ» ففيها للناسِ أوجهٌ كثيرةٌ. قال ابن جني:
«راجَعْتُ أبا عليّ فيها مِراراً فآخرُ ما حَصَّلْت منه: أنَّ الدنيا والآخرةَ متصلتان، وهما سواءٌ في حُكْم اللَّهِ تعالى وعِلْمِه، ف» إذ
«بدلٌ من» اليوم
«حتى كأنَّه مستقبلٌ أو كأنَّ اليومَ ماضٍ. وإلى هذا نحا الزمخشريُّ قال:» وإذْ بدلٌ من اليوم «وحَمَلَه الزمخشريُّ على معنى: إذْ تبيَّن وصَحَّ ظُلْمُكم، ولم يَبْقَ لأحدٍ ولا لكم شبهةٌ في أنَّكم كنتم ظالمين. ونظيرُه:
591
٣٩٩٨ - إذا ما انْتَسَبْنا لم تَلِدْني لئيمةٌ | ....................... |
أي: تَبَيَّن أني وَلَدُ كريمةٍ». وقال الشيخ:
«ولا يجوزُ البدلُ ما دامت» إذ
«على موضوعِها من المُضِيِّ، فإنْ جُعِلَتْ لمطلقِ الزمانِ جاز». قلت: لم يُعْهَدْ في
«إذ» أنها تكونُ لمطلقِ الزمان، بل هي موضوعةٌ لزمانٍ خاصٍ بالماضي كأَمْسِ. الثاني: أنَّ في الكلام حَذْفَ مضافٍ تقديرُه: بعد إذ ظَلَمْتُمْ.
الثالث: أنها للتعليلِ. وحينئذٍ تكونُ حرفاً للتعليلِ كاللام. الرابعُ: أنَّ العاملَ في
«إذ» هو ذلك الفاعلُ المقدَّرُ لا ضميرُه. والتقدير: ولن ينفعَكم ظلمُكم أو جَحْدُكم إذ ظَلَمْتم. الخامس: أنَّ العاملَ في
«إذ» ما دَلَّ عليه المعنى. كأنه قال: ولكن لن ينفعَكم اجتماعُكم إذ ظَلَمْتُمْ. قاله الحوفي، ثم قال:
«وفاعلُ» يَنْفَعَكم
«الاشتراكُ» انتهى. فظاهرُ هذا متناقضٌ؛ لأنَّه جَعَلَ الفاعلَ أولاً اجتماعَكم، ثم جعلَه آخِراً الاشتراكَ. ومنع أَنْ تكونَ
«إذ» بدلاً مِن اليوم لتغايُرِهما في الدلالة. وفي كتاب أبي البقاء
«وقيل: إذْ بمعنى» أَنْ
«أي: أَنْ ظَلَمْتُم». ولم يُقَيِّدْها بكونِها أن بالفتح أو الكسر، ولكن قال الشيخ:
«وقيل: إذ للتعليلِ حرفاً بمعنى» أَنْ
«يعني بالفتح؛ وكأنَّه أراد ما ذكره أبو البقاءِ، إلاَّ أنَّ تَسْمِيَتَه» أنْ «للتعليل مجازٌ، فإنها على حَذْفِ حرفِ العلةِ أي: لأَنْ، فلمصاحبتِها لها، والاستغناءِ بها عنها سَمَّاها
592
باسمِها. ولا ينبغي أَنْ يُعْتَقَدَ أنَّها في كتابِ أبي البقاء بالكسرِ على الشرطية؛ لأنَّ معناه بعيدٌ.
وقُرِئ» إنكم «بالكسرِ على الاستئناف المفيدِ للعلةِ. وحينئذٍ يكونُ الفاعلُ مضمراً على أحدِ التقادير المذكورة.
593
قوله: ﴿مَنْ أَرْسَلْنَا﴾ : فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنَّ «مَنْ» موصولة، وهي مفعولةٌ للسؤالِ. كأنه قيل: واسأل الذي أرْسَلْناه مِنْ قَبْلِك عَمَّا أُرْسِلوا به، فإنَّهم لم يُرْسَلوا إلاَّ بالتوحيد. الثاني: أنَّه على حَذْفِ حَرْفِ الجرِّ على أنه المسؤولُ عنه. والمسؤولُ الذي هو المفعولُ الأولُ محذوفٌ، تقديرُه: واسْأَلْنا عن مَنْ أَرْسَلْناه. الثالث: أنَّ «مَنْ» استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداء، و «أَرْسَلَ» خبرُه. والجملةُ مُعَلِّقَةٌ للسؤالِ، فتكونُ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافضِ، وهذا ليس بظاهرٍ، بل الظاهرُ أنَّ المُعَلِّقَ للسؤال إنما هو الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قولِه «أَجَعَلْنا».
قوله: ﴿إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ : قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: كيف جازَ أَنْ تُجاب» لَمَّا «ب» إذا «المفاجأة؟ قلت: لأنَّ فِعْلَ المفاجأةِ معها مقدَّرٌ، وهو عاملُ النصبِ في مَحَلِّها، كأنه قيل: فلمَّا جاءهم بآياتنا فاجَؤُوا وقتَ ضَحِكهم». قال الشيخ: «ولا نعلَمُ نحوَ ما ذهب إلى ما ذَهَب إليه مِنْ أنَّ» إذا «الفجائيةَ تكونُ منصوبةً بفعلٍ مقدرٍ تقديره: فاجأ، بل المذاهبُ ثلاثةٌ: إمَّا حرفٌ فلا تحتاجُ إلى عاملٍ، أو ظرفُ مكانٍ، أو ظرفُ زمانِ. فإنْ ذُكِرَ بعد الاسمِ الواقع بعدها خبرٌ كانت منصوبةً على الظرفِ، والعاملُ فيها ذلك الخبرُ نحوَ:» خرجتُ فإذا زيدٌ قائمٌ «تقديره: خرجتُ ففي المكان الذي خَرَجْتُ فيه زيدٌ قائمٌ، أو ففي الوقتِ الذي خَرَجْتُ فيه زيدٌ قائمٌ، وإنْ لم يُذْكَرْ بعد الاسمِ خبرٌ، أو/ ذُكِرَ اسمٌ منصوبٌ على الحالِ: فإنْ كان الاسمُ جثةً وقُلنا: إنها ظرفُ مكانٍ كان الأمرُ واضحاً نحو: خرجْتُ فإذا الأسدُ أي: فبالحضرةِ الأسدُ، أو فإذا الأسدُ رابضاً. وإنْ قلنا: إنها ظرفُ زمانٍ كان على حذفِ مضافٍ لئلا يُخْبَرَ بالزمانِ عن الجثةِ نحو:» خَرَجْتُ فإذا الأسدُ «أي: ففي الزمانِ حضورُ الأسدِ، وإن كان الاسمُ حَدَثاً جازَ أن يكونَ مكاناً أو زماناً. ولا حاجةَ إلى تقديرِ مضافٍ نحو:» خرجْتُ فإذا القتالُ «إنْ شِئْتَ قَدَّرْتَ فبالحضرة القتالُ، أو ففي الزمانِ القتالُ». وفيه تلخيصٌ وزيادةٌ كبيرةٌ في الأمثلةِ رأيْتُ تَرْكَها مُخِلاًّ.
قوله:
﴿إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ﴾ : جملةٌ واقعةٌ صفةً لقولِه:
«مِنْ آية» فيُحْكَمُ على موضِعها بالجَرِّ اعتباراً باللفظِ، وبالنصبِ اعتباراً بالمحلِّ،
594
وفي معنى قولِه:
﴿أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ أوجهٌ، أحدها: - قاله ابنُ عطية - وهو أنهم يَسْتَعْظِمون الآيةَ التي تأتي، لجِدَّةِ أَمْرِها وحُدوثِه؛ لأنهم أَنِسُوا بتلك الآيةِ السابقةِ فيَعْظُم أَمْرُ الثانيةِ ويَكْبرُ، وهذا كما قال:
٣٩٩٩ - على أنَّها تَعْفُو الكُلُوم، وإنما | نُوَكَّلُ بالأَدْنى وإنْ جَلَّ ما يَمْضي |
الثاني: ما ذكرَه بعضُهم: مِنْ أنَّ المعنى: إلاَّ هي أكبرُ من أختها السابقةِ، فحذَفَ الصفةَ للعِلْمِ بها. الثالث: قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: هو كلامٌ متناقضٌ؛ لأنَّ معناه: ما مِنْ آيةٍ من التسعِ إلاَّ وهي أكبرُ مِنْ كلِّ واحدةٍ منها، فتكونُ كلُّ واحدةٍ منها فاضلةً ومفضولةً في حالةٍ واحدة. قلت: الغرضُ بهذا الكلامِ وَصْفُهُنَّ بالكبرِ لا يَكَدْنَ يتفاوَتْنَ فيه، وكذلك العادةُ في الأشياء التي تتقارَبُ في الفضلِ التقاربَ اليسيرَ، تختلفُ آراءُ الناس في تفضيلِها، فبعضُهم يفضِّل هذا، وبعضُهم يفضِّل هذا، وربما اختلفَتْ آراءُ الواحدِ فيها، كقول الحماسيِّ:
595
٤٠٠٠ - مَنْ تَلْقَ منهم تَقُلْ لاقَيْتُ سَيِّدَهُمْ | مثلَ النجومِ التي يَهْدِي بها السَّاري |
وقالت الأنمارية في الجُمْلة من أبنائها: ثَكِلْتُهُمْ إنْ كنتُ أعلمُ أيُّهم أفضلُ، هم كالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لا يُدْرى أين طرفاها» انتهى كلامُه. وأولُه فظيعٌ جداً كأن العباراتِ ضاقَتْ عليه حتى قال ما قال، وإنْ كان جوابُه حَسَناً فسؤالُه فظيعٌ. وقد تقدَّم الخلافُ في
﴿ياأيها الساحر﴾ في النور.
596
قوله: ﴿وهذه الأنهار﴾ : يجوزُ في «وهذه» وجهان، أحدهما: أَنْ تكونَ مبتدأةً، والواوُ للحالِ. والأنهارُ صفةٌ لاسمِ الإِشارةِ، أو عطفُ بيانٍ. و «تجري» الخبرُ. والجملةُ حالٌ مِنْ ياء «لي». والثاني: أنَّ «هذه» معطوفةٌ على «مُلْك مِصْرَ»، و «تَجْري» على هذا حالٌ أي: أليس مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهارُ جاريةً أي: الشيئان.
قوله: «تُبْصِرونَ» العامَّةُ على الخطابِ لِمَنْ ناداه. وقرأ عيسى بكسر النون أي: تُبْصِروني. وفي قراءةِ العامَّةِ المفعولُ محذوفٌ أي: تُبْصِرون مُلْكي وعَظَمتي. وقرأ فهد بن الصقر «يُبْصِرون» بياء الغَيْبة: إمَّا على الالتفاتِ من الخطاب إلى الغَيْبة، وإمَّا رَدًّا على قوم موسى.
قوله:
﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ﴾ : في
«أم» أقوالٌ، أحدها: أنها منقطعةٌ، فتتقدَّرُ ب بل التي لإِضرابِ الانتقال، وبالهمزة التي للإِنكار. والثاني: أنها بمعنى بل فقط، كقوله:
٤٠٠١ - بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَق الضُّحى | وصورتِها أم أنتِ في العينِ أَمْلَحُ |
أي: بل أنتِ. الثالث: أنها منقطعةٌ لفظاً، متصلةٌ معنىً. قال أبو البقاء:
«أمْ هنا منقطعةٌ في اللفظ لوقوع الجملةِ بعدَها في اللفظ، وهي في المعنى متصلةٌ معادِلةٌ؛ إذ المعنى: أنا خيرٌ منه أم لا، وأيُّنا خيرٌ» وهذه عبارةٌ غريبةٌ: أن تكونَ منقطعةً لفظاً، متصلةً معنى، وذلك أنهما معنيان مختلفان؛ فإن الانقطاعَ يَقْتضي إضراباً: إمَّا إبطالاً، وإمّا انتقالاً. الرابع: أنها متصلةٌ، والمعادِلُ محذوفٌ تقديره: أم تُبْصِرون. وهذا لا يجوزُ إلاَّ إذا كانت
«لا» بعد أم نحو: أتقومُ أم لا؟ أي: أم لا تقوم. وأزيدٌ عندك أم لا؟ أي: أم لا هو عندك. أمَّا حَذْفُه دون
«لا» فلا يجوزُ، وقد جاء حَذْفُ
«أم» مع المعادِلِ وهو قليلٌ جداً. قال الشاعر:
٤٠٠٢ - دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِها | سميعٌ فلا أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها |
أي: أم غَيٌّ. وكان الشيخ قد نقل عن سيبويه أنَّ هذه هي
«أم»
597
المعادِلَةُ أي: أم تُبْصِرُون الأمرَ الذي هو حقيقٌ أَنْ يُبْصَرَ عنده، وهو أنَّه خيرٌ مِنْ موسى. قال:
«وهذا القولُ بدأ به الزمخشريُّ فقال:» أم/ هذه متصلة لأنَّ المعنى: أفلا تُبْصِرون أم تُبْصرون، إلاَّ أنه وَضَعَ قولَه:
«أنا خيرٌ» موضعَ
«تُبْصِرون» ؛ لأنهم إذا قالوا: أنت خيرٌ، فهم عنده بُصَراءُ، وهذا من إنزالَ السببِ منزلةَ المسبب
«. قال الشيخ:» وهذا متكلَّفٌ جداً؛ إذ المعادِلُ إنما يكونُ مقابلاً للسابقِ. فإن كان المعادِلُ جملةً فعليةً كان السابقُ جملةً فعليةً أو جملةً اسميةً يتقدَّر منها فعليةٌ، كقوله:
﴿أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] لأنَّ معناه: أم صَمَتُّم، وهنا لا تتقدَّرُ منها جملةٌ فعليةٌ؛ لأنَّ قولَه:
﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ﴾ ليس مقابلاً لقولِه:
«أفلا تُبْصِرون». وإن كان السابقُ اسماً كان المعادِلُ اسماً، أو جملةً فعليةً يتقدَّر منها اسمٌ نحو قولِه:
٤٠٠٣ - أمُخْدَجُ اليدَيْنِ أم أَتَمَّتِ... ف
«أتمَّت» معادِلٌ للاسم، فالتقديرُ: أم مُتِمًّا
«قلت: وهذا الذي رَدَّه على الزمخشريِّ رَدٌّ على سيبويه؛ لأنه هو السابقُ به، وكذا قولُه أيضاً: إنه لا يُحْذَفُ المعادِلُ بعد» أم
«إلاَّ وبعدها» لا
«فيه نظرٌ؛ من حيث تجويزُ سيبويه حَذْفُ المعادِلِ دون» لا «فهو رَدٌّ على سيبويهِ أيضاً.
598
[قوله:
﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾ هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ معطوفةً على الصلةِ، وأَنْ تكونَ مستأنفةً، وأن تكونَ حالاً]. والعامَّة على» يُبين
«مِنْ أبان، والباقر» يَبين «بفتحِها مِنْ بان أي: ظهر.
599
قوله: ﴿أَسْوِرَةٌ﴾ : قرأ حفص «أَسْوِرَة» كأَحْمِرَة. والباقون «أساوِرَة». فأسْوِرَة جمع سِوار كحِمار وأَحْمِرَة، وهو جمعُ قلةٍ، وأساوِرَة جمعُ إسْوار بمعنى سِوار. يقال: سِوارُ المرأة وإسْوارُها، والأصل: أساوير بالياء، فَعُوِّضَ من حرف المدِّ تاءُ التأنيثِ كزَنادقة. وقيل: بل هي جمعُ أَسْوِرة فهي جمعُ الجمعِ. وقرأ أُبَيٌّ والأعمش - ويُرْوى عن أبي عمرو - «أساوِر» دونَ تاءٍ. ورُوِي عن أُبَيّ أيضاً وعبد الله أساْوِير. وقرأ الضحاك «أَلْقَى» مبنياً للفاعلِ أي الله. و «وأساوِرة» نصباً على المفعولية. و «مِنْ ذَهَبٍ» صفةٌ ل أَساورة. ويجوزُ أَنْ تكون «مِنْ» الداخلةَ على التمييز.
قوله:
﴿سَلَفاً﴾ : قرأ الأخَوان بضمتين، والباقون
599
بفتحتين. فأمَّا الأُولى فتحتمل ثلاثةَ أوجهٍ، أحدُها: أنها جمعُ سَليف كرَغيف ورُغُف. وسمع القاسمُ بنُ مَعَن من العرب:
«مضى سَليفٌ من الناس». والسَّليفُ من الناس كالفريقِ منهم. والثاني: أنها جمعُ سالِف كصابِر وصُبُر. والثالث: أنها جمعُ سَلَف كأَسَد وأُسُد. والثانية تحتمل وجهين، أحدهما: أَنْ يكونَ جمعاً لسالِف كحارس وحَرَس، وخادِم وخَدَم. وهذا في الحقيقة اسمُ جمعٍ لا جمعُ تكسيرٍ؛ إذ ليس في أبنيةِ التكسير صيغةُ فَعَل. والثاني: أنه مصدرٌ يُطْلق على الجماعة تقول: سَلَفَ الرجلُ يَسْلُفُ سَلَفاً أي: تقدَّم. وسلَفُ الرجلِ آباؤه المتقدِّمون، والجمع أَسْلافٌ وسُلاف. وقال طفيل:
٤٠٠٤ - مَضَوْا سَلَفاً قَصْدُ السَّبيلِ عليهمُ | صُروفُ المنايا بالرجالِ تَقَلَّبُ |
وقرأ عليٌّ كَرَّم اللَّهُ وجهَه ومجاهد
«سُلَفاً» بضم السين وفتح اللام. وفيها وجهان، أشهرُهما: أنه جمعُ سُلْفَة كغُرْفَة وغُرَف، والسُّلْفَةُ الأمة. وقيل: الأصل
«سُلُفاً» بضمتين، وإنما أَبْدل من الضمة فتحةً.
600
قوله:
﴿مَثَلاً﴾ : إمَّا مفعولٌ ثانٍ إنْ كانت بمعنى صَيَّر، وإلاَّ حالاً.
قوله:
«يَصِدُّون» قرأ نافع وابن عامر والكسائي
«يَصُدُّون» بضمِ الصادِ. والباقون بكسرِها. فقيل: هما بمعنىً واحدٍ، وهو الصحيحُ، واللفظُ يُقال: صَدَّ يَصِدُّ ويَصُدُّ كعَكَفَ يَعْكِفُ ويَعْكُفُ، ويَعْرُشُ ويَعْرِشُ. وقيل: الضمُّ
600
مِن الصُّدود، وهو الإِعراضُ. وقد أنكر ابنُ عباسٍ الضمَّ، وقد رُوِي له عن علي رضي الله عنهما - والله أعلم - قبل بلوغِه تواتُرُه.
601
قوله:
﴿وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ﴾ : قرأ أهلُ الكوفة بتحقيق الهمزةِ الثانيةِ، والباقون بتسهيلِها بينَ بينَ، ولم يُدْخِلْ أحدٌ مِنْ القرَّاء الذين مِنْ قاعدتِهم الفصلُ بين الهمزتين بألفٍ، ألفاً، كراهةً لتوالي أربعةِ مُتشابهات، وأَبْدل الجميعُ الهمزةَ الثالثة ألفاً. ولا بُدَّ/ مِنْ زيادةِ بيان: وذلك أن
«آلِهة» جمعُ إله كعِماد وأَعْمِدَة، فالأصلُ أَأْلِهَة بهمزتين: الأولى زائدةٌ، والثانيةُ فاء الكلمة وقعتِ الثانيةُ ساكنةً بعد مفتوحةٍ وَجَبَ قلْبُها ألفاً كأَمِن وبابِه، ثم دَخَلَتْ همزةُ الاستفهامُ على الكلمةِ، فالتقى همزتان في اللفظ: الأولى للاستفهامِ والثانيةُ همزةُ أَفْعِلة. والكوفيون لم يَعْتَدُّوا باجتماعِهما فأبْقَوْهما على حالِهما. وغيرُهم استثقَل فخفَّفَ الثانيةَ بالتسهيلِ بينَ بينَ، والثالثةُ بألفٍ محضةٍ لم تُغَيَّرْ البتةَ. وأكثرُ أهلِ العصرِ يُقرُّونَ هذا الحرفَ بهمزةٍ واحدة بعدها ألفٌ على لفظِ الخبرِ ولم يقرأْ به أحدٌ من السبعة فيما قَرَأْتُ به، إلاَّ أنَّه رُوِي أنَّ وَرْشاً قرأ كذلك في روايةِ أبي الأَزْهر، وهي تحتملُ الاستفهامَ كالعامَّةِ، وإنما حَذَفَ أداةَ الاستفهامِ لدلالة
«أم» عليها وهو كثيرٌ، وتَحْتمل أنَّه قرأه خبراً مَحْضاً وحينئذٍ تكون
«أم» منقطعةً فتُقَدَّرُ ب بل والهمزة.
601
وأمَّا الجماعةُ فهي عندهم متصلةٌ. فقوله:
«أم هو» على قراءةِ العامة عطفٌ على
«آلهتنا» وهو من عطفِ المفرداتِ. التقدير: أآلهتُنا أم هو خيرٌ أي: أيُّهما خيرٌ. وعلى قراءةِ ورشٍ يكونُ
«هو» مبتدأً، وخبرُه محذوفٌ تقديرُه: بل أهو خيرٌ، وليست
«أم» حينئذٍ عاطفةً.
قوله:
«جَدَلاً» مفعولٌ مِنْ أجله أي: لأجلِ الجدلِ والمِراءِ لا لإِظهارِ الحقِّ. وقيل: هو مصدرٌ في موضعِ الحال أي: إلاَّ مُجادِلين.
وقرأ ابنُ مقسم
«جِدالاً» والوجهان جاريان فيه. والظاهر أنَّ
«هو» لعيسى كغيره من الضمائر. وقيل: هو للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
602
قوله:
﴿لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً﴾ : في
«مِنْ» هذه أقوالٌ، أحدها: أنها بمعنى بَدَل أي: لَجَعَلْنا بَدَلكم. ومنه أيضاً
﴿أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة﴾ [التوبة: ٣٨] أي بَدَلَها. وأنشد:
٤٠٠٥ - أخَذُوا المَخاضَ من الفَصيل غُلُبَّةً | ظُلْماً ويُكْتَبُ للأمير إفالا |
وقال آخر:٤٠٠٦ - جارِيَةٌ لم تَأْكُلِ المُرَقَّقَا | ولم تَذُقْ من البُقولِ الفُسْتقا |
والثاني: - وهو المشهورُ - أنها تبعيضِيَّةٌ. وتأويلُ الآية عندهم: لَوَلَّدْنا منكم يا رجالُ ملائكةً في الأرض يَخْلُفونكم كما يَخْلُفكم أولادُكم، كما وَلَّدْنا
602
عيسى مِنْ أنثى دونَ ذكرٍ، ذكره الزمخشري. والثالث: أنها تبعيضيَّةٌ. قال أبو البقاء:
«وقيل: المعنى: لَحَوَّلْنا بعضَكم ملائكةً». وقال ابن عطية:
«لَجَعَلْنا بَدَلاً مِنْكم».
603
قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ﴾ : المشهورُ أنَّ الضمير لعيسى، يعني نزولَه آخر الزمان. وقيل الضميرُ للقرآن أي: فيه عِلْمُ الساعةِ وأهوالُها، أو هو علامةٌ على قُرْبها. وفيه ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١] ﴿اقتربت الساعة﴾ [القمر: ١]. وقيل: للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم. ومنه «بُعِثْت أنا والساعةُ كهاتَيْن».
والعامَّةُ على «عِلْم» مصدراً، جُعِل عِلْماً مبالغَةً لَمَّا كان به يَحْصُلُ العِلْمُ، أو لَمَّا كان شَرْطاً يُعْلَم به ذلك أُطْلِق عليه عِلْم. وابن عباس وأبو هُرَيْرَة وأبو مالكِ الغِفاري وزيد بن علي «لَعَلَمٌ» بفتح الفاءِ والعينِ أي: لَشَرْطُ وعَلامةٌ، وقرأ أبو نضرة وعكرمةُ كذلك، إلاَّ أنهما عَرَّفا باللام، فقرآ «للعَلَمُ» أي: لَلْعلامَةُ المعروفةُ.
قوله: ﴿ياعبادي﴾ : قرا أبو بكرٍ عن عاصمٍ «يا عبادِيَ، لا خَوْفٌ» بفتح الياء. والأخوانَ وابن كثير وحفصٌ بحَذْفِها وصلاً ووقفاً. والباقون بإثباتها ساكنةً. وقرأ العامَّة «لا خوفٌ» بالرفع والتنوينِ: إمَّا مبتدأً، وإمَّا اسماً لها، وهو قليلٌ. وابن محيصن دونَ تنوينٍ على حَذْفِ مضافٍ وانتظارِه: لا خوفُ شيءٍ. والحسنُ وابن أبي إسحاق بالفتح على «لا» التبرئةِ، وهي عندهم أَبْلَغُ.
قوله:
﴿يُطَافُ﴾ : قبلَه محذوفٌ أي: يَدْخُلونُ يُطاف. والصِّحافُ: جمعُ صَحْفَة كجَفْنَة وجِفان. قال الجوهري:
«الصَّحْفَةُ كالقَصْعَةِ. وقال الكسائيُّ: أعظمُ القَصاعِ الجَفْنةُ، ثم القَصْعَةُ تُشْبِع العَشَرة، ثم الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الخمسةَ، ثم المِئْكَلَة تُشْبِعُ/ الرجلين والثلاثة». والصَّحيفة: الكتابُ، والجمعُ: صُحُف وصَحَائف. وأمال الكسائيُّ في
604
روايةٍ
«بِصحاف». والأَكْواب جمعٌ. فقيل: هو كالإِبْريق إلاَّ أنه لا عُرْوَةَ له. وقيل: إلاَّ أنه لا خُرْطومَ له. وقيل: إلاَّ أنه لا عُرْوَةَ له ولا خُرْطومَ معاً. قال الجواليقي:
«ليتمكَّنَ الشاربُ مِنْ أين شاءَ، فإنَّ العُرْوَةَ تمنعُ من ذلك».
وقال عَدِيّ:٤٠٠٧ - مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أبْوابُه | يَسْعَى عليه العبدُ بالكُوبِ |
والتقدير: وأكواب مِنْ ذَهَب أو لم يُرِدْ تَقْييدَها.
قوله:
﴿مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾ قرأ نافعٌ وابن عامرٍ وحفصٍ
«تَشْتهيه» بإثباتِ العائدِ على الموصول كقوله:
﴿الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان﴾ [البقرة: ٢٧٥] والباقون بحَذْفِه كقوله:
﴿أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً﴾ [الفرقان: ٤١] وهذه القراءةُ شبيهةٌ بقوله:
﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: ٣٥] وتقدَّم ذلك في يس،
وهذه الهاءُ في هذه السورةِ رُسِمَتْ في مصاحفِ المدينة والشام، وحُذِفَتْ مِنْ غيرِها. وقد وقع لأبي عبد الله الفاسيِّ شارحِ القصيدِ وَهَمٌ فسَبَقَ قلمُه فكتب: «والهاءُ منه محذوفةٌ في مصاحفِ المدينةِ والشامِ ثابتةٌ في
605
غيرِهما». أراد أن يكتبَ
«ثابتةٌ في مصاحف المدينة والشام محذوفةٌ من غيرِهما» فعكَسَ. وفي مصحفِ عبد الله
﴿تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين﴾ بالهاء فيهما.
606
قوله:
﴿ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين﴾ : العامَّةُ على الياء خبراً ل
«كان»، و
«هم» إمَّا فَصْلٌ وإمَّا توكيدٌ. وقرأ عبد الله وأبو زيدٍ النحويان
«الظالمون» على أنَّ
«هو» مبتدأٌ. و
«الظالمون» خبرُه. والجملةُ خبر كان، وهي لغةُ تميم. قال أبو زيد:
«سَمِعْتُهم يَقْرؤون» تَجِدُوْه عند الله هو خيرٌ وأعظمُ أجراً
«بالرفعِ. وقال قيس بن ذُرَيح:٤٠٠٨ - تَحِنُّ إلى ليلى وأنت تَرَكْتَها | وكنتَ عليها بالمَلا أنتَ أقدرُ |
برفع» أقدرُ
«و» أنت
«فصلٌ أو توكيدٌ. قال سيبويه:» بَلَغَنا أنَّ رؤبةَ كان يقولُ: أظنُّ زيداً هو خيرٌ منك «يعني بالرفع.