ﰡ
مكّيّة وهى تسع وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) اى القران الذي هو مبين اى مظهر باعجازه طريق الهدى من الضلالة فانه يقتضى الايمان به والايمان به يوجب العلم بما يحتاج اليه الناس من الشرائع المثمرة للفلاح فى الدنيا والاخرة- الواو للقسم او للعطف ان كان حم مقسما به وجواب القسم.
إِنَّا جَعَلْناهُ اى ذلك الكتاب قُرْآناً عَرَبِيًّا اقسم بالقران على انه جعله قرانا عربيا وهو من البدائع لتناسب المقسم به والمقسم عليه كقول ابى تمام وثناك انها اعريض ولعل اقسام الله تعالى بالأشياء استشهاد بما فيها من الدلالة عليه لَعَلَّكُمْ اى لكى تَعْقِلُونَ (٣) اى صيرناها مقروّا بلغتكم لتفهموا معانيه والا فالقرءان من صفاته تعالى غير مخلوق.
وَإِنَّهُ اى القرءان عطف على انا فِي أُمِّ الْكِتابِ اى اللوح المحفوظ فانه اصل كل كتاب لقوله تعالى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قال ابن عباس أول ما خلق الله القلم فامره ان يكتب بما يريد ان يخلق فالكتاب عنده ثم قرأ وانّه فى امّ الكتاب لَدَيْنا اى عندنا عندية وقربا غير متكيف ولا مكانى قيل تقديره محفوظا لدينا من التغير لَعَلِيٌّ رفيع شأنه من ان يدركه أحد او رفيع شأنه فى الكتب السماوية لكونه معجزا من بينها قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه القرآن فى سائر الكتب السماوية بمنزلة المركز من الدائرة
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنهاكم فنضرب عنكم الذّكر اى القران يقال ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركت وأمسكت عنه وصفحا مصدر من غير لفظه يقال صفحت عنه إذا أعرضت عنه والترك والابعاد اعراض او مفعول له او حال بمعنى صافحين وأصله ان توفى الشيء صفحة عنقك والإنكار راجع الى الإهمال وترك الذكر وهو انكار لا يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه ويمكن ان يكون العطف على جملة انه فى أم الكتاب لعلى حكيم والإنكار راجع الى معنى الفاء اى بعد كون القران كذلك نضرب عنكم الذكر أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) قرأ نافع وحمزة والكسائي «وابو جعفر وخلف ابو محمد» إن بكسر الهمزة على ان الجملة الشرطية مخرجة للحق مخرج المشكوك استجهالا لهم واشعارا بان الإسراف امر لا يجوّز العقل إتيانه فكانّه محال مفروض والجزاء محذوف دل عليه ما قبله والمعنىء إن كنتم قوما مسرفين نهملكم فنضرب عنكم الذّكر صفحا وقرأ الباقون بفتح الهمزة تقديره لان كنتم مسرفين وهو فى الحقيقة علة مقتضية لترك الاعراض جعلها علة للاعراض وأورد عليها همزة الإنكار والمعنى أفنترك عنكم الوحى ونمسك من إنزال القران فلا نأمركم ولا تنهاكم من أجل اسرافكم فى الكفر قال البغوي قال قتادة والله لو كان هذا القران رفع حين رده أوائل لهذه الامة لهلكوا ولكن الله عاد عليهم لعائدته ورحمته فكرره عليهم عشرين سنة او ما شاء وقال مجاهد والسدىّ معناه أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم بكفركم..
وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) يعنى أرسلنا فيهم كثيرا من الأنبياء.
فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من المسرفين يعنى اهل مكة فيه التفات من الخطاب الى الغيبة أشدّ حال من مفعول أهلكنا المحذوف............. تقديره فاهلكنا الأولين حال كونهم أشد من مشركى مكة بَطْشاً اى قوة تميز نسبة أشد او مفعول مطلق لاهلكنا من غير لفظه وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) اى سبق فى القران قصتهم العجيبة فى إهلاكهم التي حقها ان يسير مسير المثل- وفيه وعد للرسول ﷺ ووعيد للمستهزئين بمثل ما جرى على الأولين-.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى كفار مكة جواب قسم محذوف مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) لعله لازم لقولهم او ما دل عليه اجمالا أقيم مقامه تقريرا لالزام الحجة عليهم فانهم قالوا الله كما حكى عنهم فى مواضع اخر وهو الذي من صفته ما ذكر من الصفات ويجوز ان يكون هذا مقولهم وما بعده استئناف.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً اى فراشا كالمهد للصبى وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا يسلكونها لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) اى لكى تهتدوا الى مقاصدكم او الى حكمة الصانع بالنظر فى ذلك.
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ اى بمقدار ينفع ولا يضر فَأَنْشَرْنا التفات من الغيبة الى التكلم اى حيينا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ اى إخراجا وإنشاء مثل ذلك الإنشاء اى إنشاء الأرض بالمطر تُخْرَجُونَ (١١) تنشرون من قبوركم احياء اى كذلك تخرجون جملة معترضة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ اى اصناف الخلائق كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) اى ما تركبونه على تغليب المتعدى بنفسه على المتعدى بغيره إذ يقال ركبت الدابة وركبت فى السفينة او المخلوق للركوب على المصنوع له او الغالب على النادر ولذلك قال.
لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ اى ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى ثُمَّ تَذْكُرُوا بقلوبكم نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ بتمليك المركب فى البر والبحر وتسخيرها وَتَقُولُوا بألسنتكم حامدين على النعمة سُبْحانَ اى اسبح سبحان الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) مطيقين من اقرن الشيء إذا اطاقه وأصله وجده قرينه إذ الصعب لا يكون قرينا للضعيف جملة وما كنّا له مقرنين حال من هذا او من ضمير لنا.
وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) اى راجعون وجه اتصاله بما سبق ان الركوب للنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب الى الله او لانه مخطر فينبغى ان لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله هذه الجملة حال اخر روى ابو داود والترمذي والنسائي والبغوي عن على بن ابى طالب رضى الله عنه انه لمّا وضع رجله فى الركاب قال بسم الله فلمّا استوى قال الحمد الله ثم قال سبحان الله الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وانّا الى ربّنا لمنقلبون ثم حمد الله ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال لا اله الا أنت ظلمت نفسى فاغفر لى ذنوبى فانه لا يغفر الذنوب الا أنت. ثم ضحك فقيل له ما يضحكك يا امير المؤمنين قال رايت
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً اى وصفوه بان له جزءا معطوف على قوله ولئن سالتهم وجه اتصاله به ان بين الكلامين تناقض فانهم بعد ما اعترفوا انه خالق السماوات والأرض وصفوه بان له جزءا وما يتجزى يستحيل ان يكون واجبا ويستحيل ان يكون خالقا والمراد به قولهم الملائكة بنات الله إذ لا شك ان الولد ما يخلق من نطفة الوالد والنطفة جزء منه ولذلك سمى الولد جزء او بضعة قال رسول الله ﷺ فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبني- رواه البخاري عن المسور بن مخرمة وعند احمد والحاكم بلفظ فاطمة بضعة منى يغضبنى ما يغضبها ويبسطنى ما يبسطها وان الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى وصهرى إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ اى جهول مُبِينٌ (١٥) ظاهر الكفران ومفرط الجهل حيث لم يعرف ما ينبغى ان يسب الى الله سبحانه وما لا ينبغى-.
أَمِ اتَّخَذَ الله سبحانه مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) عطف على يخلق او حال من فاعله والجملة مستأنفة مقدرة بالقول تقديره قل لهم أم اتّخذ ممّا يخلق بنت واصفيكم بالبنين ومن ثم جاز الخطاب واصفيكم والا فهو واقع بين كلامين مسندين الى الغيب اعنى وجعلوا له من عباده جزءا وإذا بشر أحدهم وأم منقطعة بمعنى الهمزة للتوبيخ والإنكار والتعجب وبل للاضراب عن قولهم ان لله ولدا يعنى انهم لم يقنعوا على ان جعلوا لله جزءا حتى جعلوا له من مخلوقاته اجزاء خسيسة مما اختير لهم وابغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر أحدهم بها اشتد غمهم كما قال.
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا اى بالجنس الذي جعل له مثلا إذ الولد لا بد ان يماثل الوالد او المراد بالمثل الوصف والحال
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ قرأ حفص وحمزة والكسائي «خلف- ابو» بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين اى يربّى والباقون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين اى ينبت ويكبر فى الحلية يعنى النساء فان حسنهن منحصر فى الصورة فيتزين بالحلية ليزددن حسنهن بخلاف الرجال فان حسنهم غالبا بالمعاني والأوصاف وذلك غير محتاج الى الحلية وفيه إشمام بان النشا فى الزينة من المعائب فعلى الرجال ان يجتنبوا من ذلك ويتزينون بلباس التقوى وَهُوَ فِي الْخِصامِ اى فى المحاجة باللسان وبالسنان غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) اى غير مظهر حجتهن لنقصان عقلهن وضعف أبدانهن وقلوبهن قال قتادة ما يتكلم امراة تريد ان تتكلم بحجتها الا تكلمت بالحجة عليها من يّنشؤا منصوب معطوف على بنات والهمزة كررت لتأكيد الإنكار والتوبيخ والتعجيب والمغائرة انما هى لاختلاف الصفات والمعنى أم اتخذ من مخلوقاته بنات مبغوضات مكروهات موجبات لسواد الوجه ناشيات فى الحلية ضعيفات قلبا وقالبا وعقلا وجاز ان يكون مرفوعا مبتدا محذوف الخبر معطوف على مبتدا محذوف تقديره أمن كان شأنه ما ذكر ومن ينشّؤا فى الحلية ومن هو فى الخصام غير مبين ولد الله سبحانه-.
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً قرأ نافع وابن كثير «وابن عامر وابو جعفر ويعقوب ابو محمد» عند بالنون ساكنة وفتح الدال على الظرف والباقون بالباء المفتوحة والالف وضم الدال على انه جمع عبد والجملة عطف على قوله وجعلوا له من عباده جزءا يعنى انهم وصفوا الله سبحانه بما لا يليق به تعالى من انه له ولد من خلقه وذلك تحقير لشأنه تعالى ووصفوا الملائكة الذين هم خيار عباد الله ومقربوه قربا غير متكيف بكونهم إناثا وذلك تحقير لشانهم
وَقالُوا عطف على قوله وجعلوا الملائكة لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ان لا نعبد الملائكة ما عَبَدْناهُمْ يعنون الملائكة قاله قتادة ومقاتل والكلبي وقال مجاهد يعنون الأوثان استدلوا بنفي مشية عدم العبادة على امتناع النهى او على حسنها وذلك باطل لان المشية يرجح بعض الممكنات على بعض مامورا كان او منهيّا حسنا كان او قبيحا ولذلك جهلهم فقال ما لَهُمْ بِذلِكَ اى بما يدعون من انها بنات الله او انها راض بعبادتها مِنْ عِلْمٍ مستند الى حس او عقل موجب للعلم إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠) تأكيد لما سبق اى يقولون قولا باطلا بالظن والتخمين- ابدأ الله سبحانه وجوه فساد زعمهم وحكى تنئبهتهم المزيفة ثم نفى ان يكون لهم بها علم من طريق الحس او العقل ثم اضرب عنه الى انكار ان يكون لهم سند من جهة النقل فقال.
أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً أم متصلة معادلة بقوله اشهدوا خلقهم يعنى اشهدوا وقت خلقهم أم علموا بكتاب سماوى اتيناهم مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل القران او قبل ادعائهم ينطق على صحة ما قالوه فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) اى بذلك الكتاب.
بَلْ قالُوا عطف على قول أم اتيناهم يعنى ما شهدوا خلقهم وما اتيناهم كتابا بل يتفوهون هذا القول تقليدا حيث قالوا
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ استثناء مفرغ صفة لقرية اى الا فى قرية قال مُتْرَفُوها اى منعموها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) تسلية لرسول الله ﷺ بان التقليد فى نحو ذلك ضلال قديم وان مقدّميهم ايضا لم يكن لهم علم مستند الى شىء من اسباب العلم وفى تخصيص المترفين اشعار بان التنعم سبب للبطالة والصرف عن النظر الصحيح الى التقليد.
قل قرأ حفص «وابن عامر- ابو محمد» قالَ بصيغة الماضي على انه خبر عما قاله النذير والباقون بصيغة الأمر حكاية لامر ماض اوحى من قبل الى النذير او خطاب لرسول الله ﷺ ويؤيد الاول سياق الكلام حيث قال فانتقمنا منهم بلفظ الماضي أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ قرأ ابو جعفر جئناكم على الجمع والباقون جئتكم على الافراد والهمزة لاستفهام الإنكار والواو للحال تقديره أتتبعون اباءكم ولو جئتكم بِأَهْدى اى بدين وطريقة اهدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا اى قال الكافرون فى جواب المنذرين إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ اى بما أرسلت به أنت ومن قبلك كافِرُونَ (٢٤) وان كان ذلك اهدى إقناطا للنذير من ان ينظروا او يتفكروا فيه.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالاستيصال فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وكذلك ننتقم ممن كذبك فلا تهتم بتكذيبهم-.
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ اى برئ مصدر وضع موضع النعت مبالغة ولذا لا يثنى ولا يجمع مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) اى من عبادتكم او من معبودكم يعنى اذكر وقت قوله ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالبرهان او ليقلدوه ان لم يكن لهم بد من التقليد فانهم يعترفون به اشرف ابائهم.
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي اى خلقنى استثناء منقطع او متصل على ان يعم اولى العلم وغيرهم فانهم كانوا يعبدون الأوثان او صفة على ان ما موصوفة اى انّنى براء من الهة تعبدونها غير الذي خلقنى
وَجَعَلَها اى جعل ابراهيم هذه الكلمة اى كلمة التوحيد المفهومة من قوله انّنى براء الى سيهدين كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ اى ذريته قال قتادة لا يزال فى ذريته من يعبد الله وحده وقال القرطبي جعل الله تعالى وصية ابراهيم باقية فى نسله وذريته وقال ابن زيد يعنى قوله أسلمت لربّ العالمين وقرأ هو سمّيكم المسلمين لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) اى اذكر قول ابراهيم لعل اهل مكة يرجعوا الى دين ابراهيم ووصيته.
بَلْ مَتَّعْتُ إضراب عن قوله لعلّهم يرجعون هؤُلاءِ يعنى كفار مكة المعاصرين للنبى ﷺ وَآباءَهُمْ الذين ماتوا على الشرك يعنى لم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ اى القران وقال الضحاك الإسلام وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) اى ظاهر الرسالة بالمعجزات او مظهر التوحيد بالحجج والآيات او مظهر احكام الله سبحانه.
وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ اى القران قالُوا هذا اى القران سِحْرٌ سموه سحرا لعجزهم عن معارضته وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) اخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا ﷺ أنكرت العرب ذلك وقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فانزل الله تعالى أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ وانزل وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا فلمّا كررت الاية عليهم قالوا وان كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة.
وَحينئذ قالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ اى من احدى القريتين مكة والطائف عَظِيمٍ (٣١) بالجاه والمال فان الرسالة من الله منصب عظيم لا يليق الا لعظيم ولم يعلموا انها رتبة روحانية يستدعى عظم النفس بالتجلى بالفضائل والكمالات القدسية وكمال الاستعداد للتجليات الذاتية والصفاتية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية- واخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمد حقّا انزل علىّ هذا القران وابن مسعود الثقفي فنزلت هذه الاية- وقال البغوي قال مجاهد يعنون عتبة بن ربيعة من مكة و
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يعنى النبوة استفهام انكار فيه تجهيل وتوبيخ وتعجيب من تحكمهم نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ اى ما به عيشهم من الأرزاق فِي الْحَياةِ الدُّنْيا تعليل للتجهيل والتوبيخ وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ تميز عن النسبة يعنى رفعنا درجات بعضهم فوق بعضهم بالمال والجاه فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا وبعضهم مالكا وبعضهم مملوكا لِيَتَّخِذَ متعلق برفعنا بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا مسخّرا فى العمل له والياء للنسبة قال قتادة والضحاك اى يملك بعضهم بما لهم بعضا بالعبودية والملك ولا يقدر أحدهم ان يزيد فى معيشته وينقص ما فى معيشة غيره ولا ان يعترض على الله فيما فعل من القبض وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يعنى النبوة وما يتبعها خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) من حطام الدنيا فاذا لم يقدر أحدهم ان يختار لنفسه الرفعة فى الدنيا فانّى لهم ان يجعلوا النبوة التي هى أعلى مراتب الانسانية حيث شاءوا والعظيم عند الله من رزق النبوة لا من رزق متاع الدنيا والجملة عطف او حال- ولمّا كانت العظمة عند الكفار بكثرة حطام الدنيا بين الله سبحانه كون الدنيا عند الله حقيرا مبغوضا بقوله.
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كلهم أُمَّةً واحِدَةً يعنى كفارا لحبهم الدنيا العاجلة وغفلتهم عن الاخرى الاجلة ان مع صلته مبتدا وخبره محذوف اى حاصل وجواب لولا قوله لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ بدل اشتمال من قوله لمن يّكفروا علة كقولك وهبت له ثوبا لقميصه سُقُفاً قرأ ابن كثير وابو جعفر «وابو عمرو- ابو محمد» بفتح السين وسكون القاف على الواحد بارادة الجنس والباقون بضم السين والقاف على الجمع للسّقف مثل رهن ورهن قال ابو عبيدة ولا ثالث لهما وقيل هو جمع سقيف وقيل جمع سقوف جمع الجمع مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ اى مصاعد ودرج من فضة لم يذكر الصفة
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً جمع سرير اى وجعلنا لهم سررا من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤).
وَزُخْرُفاً اى زينة عطف على سقف او ذهبا كما فى قوله تعالى او يكون لك بيت من زخرف فهو معطوف على محل من فضة- وذلك اى تخصيص الدنيا بالكفار لكونها مبغوضة عند الله والكافر مبغوضا فيعطى المبغوض للمبغوض وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ المذكورات من سقف الفضة ومعارجها وابوابها وسررها وزخرفها لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا قرأ عاصم وحمزة وهشام «وابن جماز- ابو محمد» بخلاف عنه لمّا مشددة فان نافية ولمّا بمعنى الا والمعنى وما ذلك الا متاع الحيوة الدنيا لا بقاء لها ولا اعتداد لها عند الله والباقون بتخفيف لما فان مخففة من الثقيلة واللام فارقة وما زائدة وَالْآخِرَةُ اى الدار الاخرة متحققة عِنْدَ رَبِّكَ اى فى علمه وقضائه لِلْمُتَّقِينَ (٣٥) من الشرك والمعاصي فيه دلالة على ان العظيم هو العظيم فى الاخرة لا فى الدنيا واشعار بما لاجله لم تجعل زخارف الدنيا كلها للمؤمنين وجعل بعضها لاعداء الله وذلك انها مبغوضة لله تعالى حريّة ان تجعل كلها للكافرين لولا مخافة اجتماع الناس على الكفر ولو كانت حسنة مرضية لله تعالى لم يعط الكافر منها شيئا- عن سهل بن سعد قال قال رسول الله ﷺ لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء وفى رواية قطرة من ماء رواه الترمذي والضياء وعن المستور بن شداد أحد بنى فهر قال كنت وفى الركب الذين وقفوا مع رسول الله ﷺ على السخلة الميتة فقال رسول الله ﷺ اترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها فقالوا من هوانها ألقوها قال رسول الله ﷺ فالدينا أهون على الله من هذه على أهلها- رواه البغوي واخرج ابو نعيم عن داود بن هلال الضبي قال مكتوب فى صحف ابراهيم عليه السلام يا دنيا ما اهونك على الأبرار الذين تزينت لهم انى قد قدمت فى قلوبهم بغضك والصدود عنك ما خلقت أهون علىّ منك كل شأنك صغير والى الفنا تصير قضيت عليك يوم خلقتك ان لا تدومى
ومعناه عندى والله اعلم ان حب الدنيا حرام على اهل الاخرة يعنى على المؤمنين لا الانتفاع بمتاع الدنيا حيث قال الله تعالى قل من حرّم زينة الله الّتى اخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هى للّذين أمنوا فى الحيوة الدّنيا خالصة يوم القيمة فمن ارتكب بحب الدنيا أضر بآخرته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَمَنْ «١» يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ اى من يعرض عن القران ويتعامى عنه لفرط اشتغاله باللذات وانهماكه فى الشهوات يقال عشوت الى فلان عشوا إذا قصدته مهتديا وعشوت عنه إذا أعرضت عنه كما يقال عدلت الى فلان وعدلت عنه اى ملت اليه وعنه ورغبت فيه ورغبت عنه قال الخليل بن احمد اصل العشو النظر ببصر ضعيف نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً قرأ يعقوب يقيّض بالياء التحتانية على صيغة الغائب والضمير فيه راجع الى الرحمان والباقون بالنون على التكلم والتعظيم اى نصبته له شيطانا ونضمه اليه ونسلط عليه فَهُوَ اى الشيطان لَهُ قَرِينٌ (٣٦) لا يفارقه ويزين له السيئات ويخيل اليه انه على الهدى.
وَإِنَّهُمْ اى الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ اى يمنعونهم جمع الضمير نظرا الى معنى من الموصولة وهم العاشين عَنِ السَّبِيلِ اى سبيل الهدى جملة معترضة وَيَحْسَبُونَ اى العاشون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) اى على الهداية الجملة حال من الضمير المنصوب من ليصدونهم.
حَتَّى إِذا جاءَنا غاية لحسبانهم قرأ اهل العراق غير ابى بكر جاءنا على الافراد يعنى إذا جاء العاشى والباقون جاءانا على التثنية يعنى إذا جاء العاشى وشيطانه وقد جعلا فى سلسلة واحدة
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ اى فى الاخرة إِذْ ظَلَمْتُمْ إذ تبين لكم انكم أشركتم وظلمتم أنفسكم فى الدنيا وإذ بدل من اليوم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) لان حقكم ان تشتركوا أنتم وقرناؤكم فى العذاب كما كنتم مشتركين فى موجبه ويجوز ان يسند الفعل اليه يعنى لن ينفعكم كونكم مشتركين فى العذاب كما ينفع الواقعين فى امر صعب معاونتهم فى تحمل إعيائه وتقسمهم بمكائده شدائده لان لكل واحد منكم ومن شياطينكم الحظ الاوفى والأوفر من العذاب وجاز ان يكون جملة ولن يّنفعكم حالا من فاعل قال يليتنى ويكون فيها التفاتا من الغيبة الى الخطاب-.
أَفَأَنْتَ يا محمد تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) عطف على العمى باعتبار تغائر الوصفين والاستفهام للانكار والتعجب والفاء للعطف على محذوف تقديره ءانت تريد ان تهديهم فانت تسمع الصّمّ يعنى لست تقدر على هداية هؤلاء الكفار بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم فى الضلال بحيث صار ظلمة الكفر عليهم غشاوة على أعينهم ووقرا فى آذانهم كانهم لا يسمعون كلامك ولا يبصرون طريقا تهديهم اليه.
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ان شرطية اتصلت بما الزائدة المؤكدة بمنزلة لام القسم فى استجلاب النون المؤكدة والمعنى فان نقبضك قبل تعذيبهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) بعدك فى الدنيا وفى الاخرة علة لجزاء محذوف أقيم مقامه يعنى لا تحزن فانّ منهم منتقمون.
أَوْ نُرِيَنَّكَ فى الدنيا الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) نحو ما ذكر يعنى لا تعجب فانا على تعذيبهم مقتدرون لا يفوتوننا نعذبهم متى شئنا و
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من الوحى المتلو وغير المتلو فاحفظه واعمل به الفاء للسببية والجملة متصلة بقوله انّا جعلناه قرءانا عربيّا وبينهما معترضات إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) لا عوج له هذه الجملة فى مقام التعليل للامر بالاستمساك..
وَإِنَّهُ اى القران لَذِكْرٌ لَكَ اى شرف لك وَلِقَوْمِكَ قريش «١» الجملة حال من فاعل استمسك قال البغوي روى الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي ﷺ كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يجب بشئ حتى نزلت هذه الاية وكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك قال لقريش- وكذا روى عن على
وَسْئَلْ عطف على فاستمسك مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) قال البغوي اختلف العلماء فى هذا المسئولين قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنها انه لمّا اسرى بالنبي ﷺ بعث الله له آدم وولده من المرسلين فاذّن جبرئيل ثم اقام وقال يا محمد تقدم فصل بهم فلمّا فرغ من الصلاة قال جبرئيل سل يا محمد من أرسلنا قبلك من رّسلنا الاية فقال رسول الله ﷺ لا اسئل قد اكتفيت- وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد قالوا جمع له الرسل ليلة اسرى به ان يسئلهم فلم يشك ولم يسئل وقال اكثر المفسرين معناه واسئل امم من أرسلنا من قبلك وعلماء دينهم يعنى مومنى اهل الكتاب وهذا قول ابن عباس فى سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدىّ والحسن والمقاتلين ويدل عليه قراءة ابن مسعود وأبيّ بن كعب وسئل الّذين أرسلنا إليهم قتلك من رّسلنا ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركى قريش انه لم يأت رسول ولا كتاب بعباده غير الله عزّ وجلّ-.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) يريد باقتصاصه تسلية الرسول ﷺ ومناقضة قولهم لولا نزّل على رجل من القريتين عظيم والاستشهاد بدعوة موسى الى التوحيد.
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا الدالة على رسالته منها العصا واليد البيضا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) استهزاء بها أول ما راوها بلا تأمل فيها لمّا ظرف مضاف
وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ من آيات العذاب كالستين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس فانها كانت آيات على صدق موسى عليه السلام إِلَّا هِيَ اى الا اية هى أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها اى من قرينة التي كانت قبلها وجملة ما نريهم حال من ضمير منها والأظهر ان يقال ان كل واحدة منها كانت بالغة أقصى درجات الاعجاز بحيث يحسب الناظر الى كل واحدة منها انها اكبر من غيرها والمراد وصف الكل بالكبر كقولك رايت رجالا كل واحد منهم أفضل من غيره وكقول الشاعر- من تلق منهم فقد لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها الساري- او يقال بان كل واحد منها مختصة بنوع من الاعجاز مفضلة على غيرها بذلك الاعتبار وَأَخَذْناهُمْ يعنى ال فرعون بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) اى لكى يرجعوا عن كفرهم وجملة وأخذناهم عطف على ولقد أرسلنا.
وَقالُوا يعنى قال فرعون وقومه لموسى يا أَيُّهَا السَّاحِرُ قرأ ابن عامر بضم الهاء فى ايّه وصلا والباقون بفتحها على الأصل وقرأ ابو عمر والكسائي «ويعقوب- ابو محمد» بالألف وقفا على الأصل والباقون ايّه بغير الف- اطمعوا موسى عليه السلام فى ايمانهم وعلقوا الاهتداء بهدايته على دعائه وكشف الضرّ عنهم ومع ذلك لم يسموه نبيّا وسموه ساحرا كما كانوا يسمونه قبل ذلك وذلك من شدة شكيمتهم على الكفر وفرط حماقتهم قال الزجاج دعوه بذلك الاسم لما تقدم له عندهم من التسمية وقيل انما قالوا هذا تعظيما وتوقيرا له لان السحر كان عندهم علما عظيما وصفة ممدوحة كانّهم قالوا يا ايها العالم الكامل الحاذق وهذا عندى غير سديد لانهم اتهموه بالسحر أول مرة حين أنكروا نبوته وقالوا انّ هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم اسحر هذا ولا يفلح السّاحرون وقيل معناه يا ايها الذي غلبنا بسحره ادْعُ لَنا رَبَّكَ ان يكشف عنا العذاب بِما عَهِدَ عِنْدَكَ متعلق بادع اى بما اخبرتنا عن عهده إليك بكشف العذاب إذا دعوته إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) ان كشف عنا العذاب هذه جملة مستأنفة فدعا موسى عليه السلام
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ بدعاء موسى عليه السلام إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) فاجئوا نقض عهدهم بالايمان وأصروا على كفرهم حين كشفنا عنهم العذاب..
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ فى مجمعهم وفيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة ان يؤمن بعضهم قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ اى انهار النيل ومعظمها اربعة نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس عطف على ملك مصر تَجْرِي مِنْ تَحْتِي قرأ نافع وابو عمرو البزي «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى من تحت قصورى او تحت امرى او بين يدى فى البساتين حال وجاز ان يكون هذه مبتدا والأنهار صفة له وتجرى خبره والجملة حال أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) ذلك.
أَمْ أَنَا خَيْرٌ بهذه المملكة والبسطة مِنْ هذَا يعنى موسى عليه السلام الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ضعيف حقير لا يستعد للرياسة من المهانة وهى القلة وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) يفصح كلامه للثغة التي كانت فى لسانه عليه السلام بعد ما زالت معظمها بدعائه عليه السلام حين قال واحلل عقدة من لّسانى يفقهو قولى وأم منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير إذ قدم من اسباب فضيلته وقال البغوي أم بمعنى بل على قول اكثر المفسرين وقال الفراء الوقف على قوله أم وفيه إضمار تقديره أفلا تبصرون أم تبصرون وبعده كلام مبتدا فَأَم على هذا متصلة وقيل أم متصلة على اقامة المسبب مقام السبب فان قوله انا خير معناه تعلمون انا خير والعلم بكونه خيرا مسبب للتبصر فكانّه قال أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون انى خير.
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ اى على موسى أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ الفاء للسببية فانّ طعن فرعون فى موسى عليه السلام بالحقارة كان سببا لتنديهم على فوات العز والجاه قرأ حفص ويعقوب اسورة جمع سوار والباقون اساورة جمع الجمع قيل أصله اساوير عوض التاء من الياء وقد قرئ به- قال مجاهد كانوا إذا سوّدوا رجلا سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته فقال فرعون فهلّا القى رب موسى على موسى اسورة من ذهب ان كان سيدا يجب علينا طاعة
فَاسْتَخَفَّ اى فرعون عطف على نادى قَوْمَهُ القبط اى وجدهم جهالا وقيل حملهم على الخفة والجهل يقال استخف رأيه إذا حمله على الجهل وازاله عن الصواب وقيل اى طلب منهم الخفة فى مطاوعته فَأَطاعُوهُ فيما أمرهم به من نقض العهد مع موسى عليه السلام إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.
فَلَمَّا آسَفُونا اى أغضبونا بالإفراط فى العناد والعصيان يقال أسف فلان إذا اشتد غضبه الظرف متعلق بقوله انْتَقَمْنا مِنْهُمْ وهو معطوف على أطاعوه وعطف عليه قوله فَأَغْرَقْناهُمْ فى بحر النيل أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً قرأ حمزة والكسائي بضم السين واللام قال الفراء هو جمع سليف كرغف ورغيف من سلف يسلف بضم اللام فيهما اى تقدم او جمع سالف كصبر جمع صابر او جمع سلف كخشب والباقون بفتحهما مصدر نعت به او جمع سالف كخدم جمع خادم يعنى جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون وَمَثَلًا عبرة وعظة لِلْآخِرِينَ (٥٦) وقيل سلفا لكفار هذه الامة الى النار ومثلا لمن بقي بعدهم وقيل مثلا للاخرين اى قصة عجيبة يسير مسير الأمثال لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون والله اعلم- اخرج احمد بسند صحيح والطبراني عن ابن عباس ان رسول الله ﷺ قال لقريش انه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير فقالوا الست تزعم ان عيسى كان نبيّا وعبدا صالحا وقد عبد من دون الله فانزل الله تعالى.
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا اى ضربه قريش مثلا واخرج ابن مردوية والضياء فى المختار عن ابن عباس قال جاء عبد الله بن الزبعرى الى النبي صلى الله عليه فقال يا محمد انك تزعم ان الله قد انزل إليك انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون قال نعم قال قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير فكل هؤلاء فى النار مع الهتنا فنزلت انّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون ونزلت ولمّا ضرب ابن مريم مثلا
وَقالُوا أَآلِهَتُنا قرأ الكوفيون «وروح ابو محمد» بتحقيق الهمزتين والف بعدهما والباقون بتسهيل الثانية وبعدهما الف ولم يدخل أحدهم الفا بين المحققة والمسهلة خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون محمدا ﷺ فنعبده ونطيعه ونترك الهتنا وقال ابن زيد والسدىّ أم هو يعنون عيسى عليه السلام قالوا يزعم محمد ان كل من عبد من دون الله فى النار نرضى ان يكون الهتنا مع عيسى وعزير والملائكة فى النار ما ضَرَبُوهُ هذا المثل لَكَ إِلَّا جَدَلًا اى للجدل والخصومة بالباطل لا للتميز بين الحق والباطل لانهم قد علموا ان محمدا ﷺ لا يريد عبادة نفسه او قد علموا ان قوله ما تعبدون من دون الله حصب جهنّم المراد منه الأصنام فان ما لغير ذوى العقول بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) شداد الخصومة حراص على اللجاج اعتادوا بالخصومة عن ابى امامة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضربوه لك الّا جدلا بل هم قوم خصمون- رواه البغوي وكذا روى احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم فى المستدرك-.
إِنْ هُوَ اى عيسى إِلَّا عَبْدٌ لله ليس ابنه أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بالنبوة والزلفى وَجَعَلْناهُ مَثَلًا اى امرا عجيبا كالمثل السائر واية وعبرة يعرفون به قدرة الله على ما يشاء حيث خلقه من غير اب لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ الى آخره
وَإِنَّهُ يعنى عيسى عليه السلام لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ اى نزوله من اشراط الساعة يعلم به قربها قرأ ابن عباس وابو هريرة وقتادة وانّه لعلم السّاعة بفتح العين واللام اى امارة وعلامة- عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم- رواه الشيخان فى الصحيحين وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي ﷺ ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون قالوا نذكر الساعة قال انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم- وفى رواية وفى العاشرة وريح تلقى الناس فى البحر- رواه مسلم وعن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله ﷺ الدجال فذكر حديثا طويلا فى قصته الى ان قال إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة بيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كتفه على اجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ الحديث- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ والذي نفسى بيده ليوشكن ان ينزل فيكم عيسى بن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتّى لا يقبل أحد حتى يكون السجدة الواحد خيرا من الدنيا وما فيها رواه الشيخان فى الصحيحين وأخرجه مسلم من حديثه ايضا لينزلنّ ابن مريم حكما عدلا فليكسرنّ
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ اى لا يمنعكم الشَّيْطانُ عن متابعتى الجملة معطوفة على قوله اتّبعون إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) ظاهر عداوته حيث أخرجكم عن الجنة وعرضكم على البلية ويصدكم عن اتباع الحق والوصول الى الجنة-.
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات او بايات الإنجيل او بالشرائع الواضحات قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ اى بالعلوم الحقة الباء بمعنى مع او للتعدية وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ متعلق بمحذوف تقديره وجئتكم لا بين لكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وذلك ان اليهود صاروا بعد موسى عليه السلام احدى وسبعين فرقة باختلاف الأهواء فلمّا جاء عيسى عليه السلام صدهم عن العقائد الباطلة وهداهم الى الحق والصواب عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة- رواه أبوا داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ دون غيره بيان لما أمرهم بالطاعة فيه وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) اشارة الى مجموع الامرين وهذا تتمة كلام عيسى او استئناف من الله تعالى يدل على المقتضى للطاعة فى ذلك.
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ الفرق المتحزبة عطف على قال قد جئتكم مِنْ بَيْنِهِمْ اى بين قوم عيسى كما مرّ فى الحديث انهم تفرقوا الى اثنين وسبعين فرقة او من بين النصارى واليهود فَوَيْلٌ اى هلاك عظيم لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم باتباع الهوى ورفض ما نطق به الكتاب والسنة من المتحزبين مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) اى من نار جهنم الفاء للسببية فان اختلافهم سبب للويل والهلاك عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ ليأتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان من كان منهم من اتى امه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك وان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم فى النار إلا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي رواه الترمذي وفى رواية احمد وابى داود عن معاوية ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة وهى الجماعة.
هَلْ يَنْظُرُونَ يعنى قريشا او الذين ظلموا يعنى لا ينتظرون شيئا إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بدل من الساعة اى إتيانها يعنى انها اتية لا محالة فكانّهم ينتظرون إتيانها بَغْتَةً فجاءة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) اى غافلون عنها لاشتغالهم بالدنيا وانكارهم لها والجملة حال من فاعل ينظرون او مفعول تأتيهم.
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المتحابين الْمُتَّقِينَ (٦٧) روى البغوي عن على رضى الله عنه قال فى هذه الاية خليلان مؤمنان وخليلان كافران فمات أحد المؤمنين فقال يا رب ان فلانا
يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) هذه الجملة بتقدير القول مستأنفة اخرى تقديره يقول الله للمتحابين المتقين يومئذ يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون روى البخاري عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال سمعت ان الناس حين يبعثون ليس منهم أحد الا فزع فنادى مناديا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيرجوا الناس فيتبعها.
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا صفة للمنادى وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) حال من فاعل أمنوا اى الذين أمنوا مخلصين غير ان هذه العبارة أكد فيئس الناس كلهم منها غير المسلمين.
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ اى نساؤكم المؤمنات تُحْبَرُونَ (٧٠) اى تسرون سرورا يظهر حباره اى اثره على وجوهكم او تزيّنون من الحبر وهو حسن الهيئة او تكرمون إكراما بليغا والحبرة فيما وصف يحمل- وهذه الجملة ايضا خطاب للمنادى أنتم مبتدا وأزواجكم معطوف عليه وتحبرون خبره وجاز ان يكون أنتم تأكيدا.................
للضمير المستتر فى ادخلوا وأزواجكم معطوف على الضمير المستتر وجملة تحبرون حال منه.
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) الجنة خبر للمبتدا والموصول صفة لها او الجنة صفة للمبتدا والموصول خبره والجملة حال من فاعل ادخلوا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ كل من اهل النار يرى به منزلته من الجنة حسرة فيقول لو انّ الله هدانى لكنت من المتّقين وكل من اهل الجنة يرى منزلته من النار فيقول وما كنّا لنهتدى لولا ان هدانا الله يقول شكرا- قال وقال رسول الله ﷺ ما من أحد الا وله منزل فى الجنة ومنزل فى النار والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة فذلك قوله تعالى وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) الجملة الظرفية حال اخرج البزار والطبراني عن ثوبان قال سمعت رسول الله ﷺ يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى الكاملين فى الاجرام وهم الكافرون لانهم جعلوا قسيما للمؤمنين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٣) هذه الجملة وما بعده مستأنفتان.
لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ اى لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلا وَهُمْ فِيهِ اى فى العذاب مُبْلِسُونَ (٧٥) اى آيسون من النجاة.
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا عطف على خبران يا مالِكُ اسم لخازن النار لِيَقْضِ عَلَيْنا اى ليمتنا رَبُّكَ فنستريح قالَ الله تعالى او قال مالك بعد الف سنة إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) مقيمون فى العذاب لاخلاص لكم بموت ولا غيره اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن عباس فى هذه الاية قال يمكث عنهم الف سنة ثم يجيبهم انّكم مكثون واخرج هناد والطبراني وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وعبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ان اهل النار ينادون مالكا يا ملك ليقض علينا ربّك فيذرهم أربعين عاما لا يجيبهم ثم يرد عليهم انّكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالّين ربّنا أخرجنا منها فان عدنا فانّا ظلمون فيذرهم مثل الدنيا مرتين لا يجيبهم ثم يجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلّمون قال فما يتكلم القوم بعدها بكلمة وما هو الا الزفير والشهيق- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن محمد بن كعب انه قال لاهل النار خمس دعوات يجيبهم الله فى اربعة فاذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها ابدا يقولون ربّنا امتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ بالإرسال والانزال وهذا تتمة الجواب ان كان فى قال ضمير الله والا فجواب عنه فكانّه تعالى تولّى جوابهم بعد جواب الملائكة وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) لما فى اتباعه خلاف النفس.
أَمْ أَبْرَمُوا أم منقطعة بمعنى الهمزة للانكار والاضراب عن كراهة الحق والترقي فيه يعنى بل أحكموا أَمْراً مكرا برسول الله ﷺ او امرا فى تكذيب الحق ورده ولم تقتصروا على كراهيته فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) محكمون امرا فى مجازاتهم- اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها قرشيان وثقفى او ثقفيان وقرشى فقال واحد منهم ترون الله يسمع كلامنا فقال الاخر إذا جهرتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت.
أَمْ يَحْسَبُونَ أم منقطعة للانكار والاضراب يعنى بل أيحسبون أَنَّا لا نَسْمَعُ سرّهم اى حديث نفسهم بذلك وَنَجْواهُمْ اى تناجيهم بَلى نسمعها وَرُسُلُنا اى الملائكة الحفظة ايضا لَدَيْهِمْ ملازمون يَكْتُبُونَ (٨٠) ذلك.
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ قرأ حمزة والكسائي بضم الواو وسكون الدال فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) منكم فان النبي اعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) من كونه ذا ولد فان هذه الأجسام لطول بقائها براء عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل فما ظنك بمبدعهما وخالقهما.
فَذَرْهُمْ يا محمد يَخُوضُوا فى باطلهم مجزوم فى جواب الأمر وَيَلْعَبُوا فى دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) فيه العذاب يعنى يوم القيامة وهو دليل على ان قولهم جهل واتباع هوى وانهم مطبوع على قلوبهم يعذبون فى الاخرة-.
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ قال قتادة يعنى يعبد فى السماء والأرض لا اله غيره اى لا مستحق لان يعبد فيهما غيره والظرف متعلق به لانه بمعنى المعبود او متضمن لمعناه كقولك هو حاتم فى البلد
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما من كائنات الجو وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ اى العلم بوقت قيامها وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) للجزاء قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «ورويس وخلف- ابو محمد» بالياء التحتية على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب.
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ اى يدعونه الكفار وهم الأصنام مِنْ دُونِهِ اى دون الله الشَّفاعَةَ كما زعموا انهم شفعاء عند الله إِلَّا مَنْ شَهِدَ منهم بِالْحَقِّ اى يقول لا اله الا الله استثناء منقطع وجاز ان يكون متصلا والمراد بهم الملائكة فانهم كانوا يعبدون الملائكة ايضا ويقولون انها بنات الله وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) اى يعتقدون بقلوبهم ما يشهد به ألسنتهم.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى الكفار العابدين لغير الله مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لتعذر اسناد الخلق الى الجمادات فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) يعنى إذا اعترفوا بان الله خالقهم لا غير فاين يصرفون عن عبادته الى غيره.
وَقِيلِهِ قرأ عاصم وحمزة بالجر وكسر الهاء عطفا على الساعة يعنى عنده علم الساعة وعلم قوله والباقون بالنصب وضم الهاء عطفا على سرّهم او على محل الساعة او بإضمار فعله يعنى قال محمد ﷺ شاكيا الى ربه قيله يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار مكة قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ اى فاعرض عن دعوتهم آيسا عن ايمانهم وَقُلْ سَلامٌ يعنى بيننا وبينكم متاركة تسلمون منا ونسلم منكم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩) جزاء عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم تسلّية لرسول الله ﷺ قرأ اهل المدينة والشام بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة قال مقاتل نسختها اية السيف تم تفسير سورة الزخرف من التفسير المظهرى (ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الدخان) يوم الأربعاء الرابع والعشرين من الربيع الاول سنة ثمان بعد الف سنة ١٢٠٨ هـ- ومائتين الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.