ﰡ
(١) - وَتُقْرأُ مُقَطَّعَةً، كُلُّ حَرْفٍ عَلَى حِدَةٍ، اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
(٢) - يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى بِالقُرْآنِ (الكِتَابِ) الجَلِيِّ الوَاضِحِ (المُبِينِ).
(٣) - إِنَّ القَصْدَ مِنْ جَعْلِ اللهِ تَعَالَى القُرْآنَ عَرَبِياً جَلِيّاً وَاضِحاً، هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ العَرَبَ يَعْقِلُونَهُ وَيَتَدَبَّرُونَ أَحْكَامَهُ وَمَعَانِيَهُ وَإِعْجَازَهُ لأَنَّهُ مُنَزّلٌ بِلِسَانِهِمْ.
(٤) - وَإِنَّ هَذَا الكِتَابَ، فِي عِلْمِ اللهِ الأَزَلِيِّ، وَتَقْدِيرِهِ البَاقِي، ذُو رِفْعَةٍ وَمَكَانَةٍ عَظِيمَةٍ وَشَرَفٍ، وَهُوَ مُحْكَمُ النَّظْمِ، مُنَزَّهٌ عَنِ اللَّبْسِ والزَّيْغِ
أُمِّ الكِتَابِ - عِلْمِ اللهِ الأَزَلِي - أَوِ الْلُوحِ المَحْفُوظِ.
الأَوَّلُ - أَتَحْسَبُونَ أَنْ نَصْفَحَ عَنْكُمْ فَلاَ نُعَذِّبكُمْ مَعَ أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عِبَّاسٍ.
الثَّانِي - أَنَّ اللهَ تَعَالَى مِنْ لُطْفِهِ وَرَحَمَتِهِ بِخَلْقِهِ لاَ يَتْرُكُ دُعَاءَهُمْ إِلَى الخَيرِ، وَإِلَى الذِّكْرِ الحكِيمِ (القُرْآنِ)، وَإِنْ كَانُوا مُسْرِفِينَ مُعْرِضِينَ عَنْهُ، لِيَهْتَدِيَ مَنْ قَدَّرَ اللهُ هِدَايَتَهُ، وَلِتَقُومَ الحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ الشَّقَاوَةَ.
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ - أَفَنَتْرُكُ تَذْكِيرَكُمْ وَإِلْزَامَكُم الحِجَّةَ.
صَفْحاً - إعْرَاضاً أَوْ مُعْرِضِينَ عَنْكُمْ.
مُسْرِفِينَ - مُتَجَاوِزِينَ الحَدَّ.
فِي الأَوَّلِينَ - فِي الأُمَمِ السَّابِقَةِ.
(٧) - فَكَانَتْ تِلْكَ الأَقْوَامُ تُكَذِّبُ كُلَّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ إِلَيهَا، وَتَسْتَهْزِئُ بِهِ، وَتَسْخَرُ مِنْهُ.
بَطْشاً - قُوَّةً.
مَثَلُ الأَوَّلِينَ - صِفَتُهُمْ أَوْ قِصَّتُهُمْ.
(٩) - وَإِذَا سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ؟ اعْتَرَفُوا بِأَنَّ خَالِقَهُنَّ هُوَ اللهُ العَزِيزُ فِي سُلْطَانِهِ وَانْتِقَامِهِ، العَلِيمُ بِهِنَّ وَبِمَا فَوْقَهُنَّ.
سُبُلاً - طُرُقاً تَسْلُكُونَهَا أَوْ مَعَايِشَ.
وَكَمَا أَحْيَا اللهُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا بِالمَاءِ، كَذَلِكَ يُحْيِي البَشَرَ بِنَشْرِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ.
فَأَنْشَرْنَاكُمْ - فَأَحْيَيْنَاكُمْ بِالمَاءِ.
(١٢) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي خَلَقَ مَا أَنْبَتَتْهُ الأَرْضُ مِنَ الأَصْنَافِ المُخْتَلِفَةِ، وَمِنَ الحَيَوَانِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهِ وَأَلْوَانِهِ وَأَحْجَامِهِ، وَهُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ السُّفُنِ مَا تَرْكَبُونَهُ فِي البِحْرِ والنَّهْرِ فِي أَسْفَارِكُمْ، وَنَقْلِ أَمْتِعَتِكُمْ وَأَرْزَاقِكُمْ، وَجَعَلَ لَكُمْ مَا تَرْكَبُونَهُ فِي البرِّ وَتَحْمِلُونَ عَلَيْهِ أَثْقَالَكُمْ كَالحَمِيرِ والبِغَالِ والجِمَالِ.
خَلَقَ الأَزْوَاجَ - أَوْجَدَ الأَصْنَافَ مِنْ المَخْلُوقَاتِ.
(١٣) - لِتَسْتَقِرّوا فَوْقَ ظُهُورِ مَا تَرْكَبُونَهُ، مِنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ، ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمُ الذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَتُعَظِّمُوهُ وَتُمَجِّدُوهُ، وَتَقُولُوا تَنْزِيهاً لَهُ وَتَعْظِيماً: سُبْحَانَ الذِي سَخَّرَ وَذَلَّلَ لَنَا هَذَا الذِي رَكِبْنَاهُ وَمَا كُنّا، لَوْلاَ فَضْلُ اللهِ وَرَحْمَتُهُ، لِنَسْتَطِيعَ تَسْخِيرَهُ، وَتَذْلِيلَهُ، وَالانْتِفَاعَ بِهِ.
لِتَسْتَوُوا - لِتَسْتَقِرُّوا وَتَسْتَعْمِلُوا.
سَخَّرَ - ذَلَّلَ.
(١٥) - وَجَعَلَ المُشْرِكُونَ للهِ تَعَالَى وَلَداً (جُزْءاً) (عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الوَلَدَ جِزْءٌ مِنَ الوَالِدِ)، إِذْ قَالَ المُشْرِكُونَ مِنَ العَرَبِ: إِنَّ المَلاَئِكَةَ بَنَاتُ اللهِ، فَخَصُّوا أَنْفُسَهُمْ بِالذُّكُورِ مِنَ الأَبْنَاءِ وَجَعَلُوا للهِ البَنَاتِ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ البَنَاتِ لأَنْفُسِهِمْ، فَجَعَلُوا للهِ أَدْنَى النَّصِيبيَنِ.
وَالإِنْسَانُ جَحُودٌ بِنِعَمِ اللهِ رَبِّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَدِيدُ الكُفْرَانِ لَهَا، وَجُحُودُهُ بِالنِّعَمِ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ فِي ذَلِكَ وَتَدَبَّرَ.
(١٦) - يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُشْرِكِينَ قِسْمَتَهُمْ هَذِهِ فَيَقُولُ لَهُمْ: هَلِ اتَّخَذَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَفْسِهِ أَدْنَى الصِّنْفَيْنِ مِنْ خَلْقِهِ (البَنَاتِ)، وَاخْتَارَ لَكُمْ أَفْضَلَهُمَا (الذُّكُورَ) ؟
أَصْفَاكُمْ - خَصَّكُمْ وَآثَرَكُمْ.
مَثَلاً - شَبَهاً وَمُمَاثلاً.
كَظِيمٌ - مَمْلُوءُ القَلْبِ غَيْظاً وَغَماً.
(١٨) - وَقَدْ جَعَلُوا الأُنْثَى للهِ، وَهِيَ نَاقِصَةٌ تَتَدَارَكُ نَقْصَهَا بِلْبسِ الحُلِيِّ والزِّينَةِ مُنْذُ أَنْ تَكُونَ طِفْلَةً، وَإِذَا خَاصَمَتْ فِهِيَ عَاجِزَةٌ عَيِيَّةٌ قَاصِرَةٌ عَنِ البَيَانِ. أَفَمَنْ يَكُونُ هَذَا حَالُهُ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللهِ العَظِيمِ؟
يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ - يُرَبَّى فِي الزِّينَة والنِّعْمَةِ (البَنَاتِ).
الخِصَامِ - فِي الجَدَلِ والمُخَاصَمَةِ.
(١٩) - وَاعْتَقَدَ المُشْرِكُونَ أَنَّ المَلاَئِكَةَ - وَهُمْ عَبِيدٌ للهِ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ - هُمْ مِنْ جِنْسِ الإِنَاثِ وَسَمُّوهُمْ بِذَلِكَ، وَحَكَمُوا عَلَيهِمْ، فَهَلْ كَانُوا حَاضِرِينَ حِينَمَا خَلَقَهُمُ اللهُ فَعَرفُوا أَنَّهُمْ إِنَاثٌ؟ إِنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا شَيئاً. ثُمَّ تَهَدَّدَهُم اللهُ تَعَالَى فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ سَيَكْتُبُ شَهَادَتَهُمْ هَذِهِ، وَسَيَسْأَلُهُمْ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا.
فَالْمُشْرِكُونَ كَفُروا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ المَلاَئِكَةَ بَنَاتُ اللهِ، وَإِنَّهُمْ إِنَاثٌ مِنْ ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ:
- إِنَّهُمْ نَسُبُوا بِقَوْلِهِمْ هَذَا الوَلَدَ للهِ سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنْ ذَلِكَ.
- ثُمَّ أَعْطَوْا مَا يَعْتَقِدُونَهُ أَخَسَّ النَّصِيبِين للهِ (البَنَاتِ).
- ثُمَّ اسْتَخَفُّوا بِالمَلاَئِكَةِ فَجَعَلُوهُمْ مِنْ جِنْسِ الإِنَاثِ.
(٢٠) - وَقَالَ المُشْرِكُونَ: لَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ لاَ يَعْبُدُوا هَذِهِ الأَصْنَامَ التِي صَوّرُوهَا عَلَى جِنْسِ المَلاَئِكَةِ وَقَالُوا عَنْهَا إِنَّهَا بَنَاتُ اللهِ، لَحَالَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ، فَهُوَ تَعَالَى عَالِمٌ بِعِبَادَتِهِم لَهَا، وَهُوَ يُقِرُّهُمْ عَلَيْهَا. وَفِي الحَقِيقَةِ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ هَذَا، وَلاَ بُرْهَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَمَا هُمْ فِي دَعْوَاهُمْ هَذِهِ إِلاَّ كَاذِبُونَ، مُتَقَوِّلُونَ عَلَى اللهِ، نَاسِبُونَ إِلَيهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ (مُتَخَرِّصُونَ).
يَخْرُصُونَ - يَكْذِبُونَ فِيمَا قَالُوا.
(٢١) - أَمْ يَعْتَمِد هَؤُلاَءِ فِي شِرْكِهِمْ وَعِبَادَتِهِم الأَصْنَامَ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَاهُمْ كِتَاباً قَبْلَ هَذَا القُرْآنِ (أَوْ قَبْلَ شِرْكِهِمْ هَذَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ فَهُمْ يَسْتَنِدُونَ إِلَيهِ؟
إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُؤْتِهِمْ شَيئاً مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا، وَلاَ بُرْهَانَ وَلاَ دَلِيلَ.
(٢٢) - وَإِذْ فَقَدَ المُشْرِكُونَ كُلَّ حُجَّةٍ وَدَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، قَالُوا: إِنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ يَعْبُدُونَهَا فَعَبَدُوهَا، وَاتَّبِّعُوهُمْ فِي ذَلِكَ مُقَتِدِينَ بِهِمْ، لأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ آباءهُمْ أَرْجَحُ مِنْهُمْ عُقُولاً، وَأَصَّحُّ أَفْهَاماً، فَلاَ يُمكِنُ أَنْ يَكُونُوا فِي عِبَادَةِ الأَصْنَامِ عَلَى ضَلاَلٍ.
عَلَى أُمَّةٍ - عَلَى دِينٍ وَعَلَى طَرِيقَةٍ.
(٢٣) - وَلَيْسَتْ مَقَالَةُ مُشْرِكِي قُرَيشٍ هَذِهِ شَيئاً مبْتَدعاً مِنْهُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُرْسِلْ رَسُولاً إِلَى قَرْيَةٍ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ إِلاَّ قَالَ أَهْلُ الجَاهِ والرِّيَاسَةِ فِيهَا: إِنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ عَلَى دِينٍ وَمِلَّةٍ (أُمَّةٍ) وَإِنَّهُمْ يَتْبَعُونَ طَرِيقَهُمْ، وَيَسِيرُونَ عَلَى نَهْجِهِمْ، وَيَقْتَدُونَ بِهِمْ فِيمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
مُتْرَفُوهَا - مُنَعَّمُوهَا المُنْغَمِسُونَ فِي شَهَوَاتِهِمْ.
(٢٤) - فَقَالَ لَهُمَ رَسُولُهُمْ: وَهَلْ سَتَسْتَمِرُّّونَ فِي السَّيْرِ عَلَى نَهْجِ آبَائِكُمْ وَأَسْلاَفِكُمْ حَتَّى وَلَوْ جِئْتُكُمْ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ هِدَايَةً إِلَى طَرِيقِ الحَقِّ؟ فَرَدُّوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ إِنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ وَلَوْ جَاءَهُمْ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ وَأَهْدَى، وَإِنَّهُمْ كَافِرُونَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَلاَ فَائِدَةَ فِي دَعْوَتِهِمْ إِلَى تَرْكِ دِينِ آبَائِهِمْ.
(٢٥) - فَأَنْزَلَ اللهُ بَأْسهُ وَنَقْمَتَهُ عَلَى هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الخَالِيَةِ، فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ، وَكَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى دَمَّرَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ فَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ بَاقِيةً، كَذَلِكَ يَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ.
(٢٦) - وَاذْكُرَ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ خَبَرَ جَدِّهِمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أَعْلَنَ لأَبِيهِ آزَرَ وَقَوْمِهِ بِأَنَّهُ مُتَبَرّئٌ مِما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ والأَوْثَانِ.
بَرَاءٌ - بَرِيءٌ.
فَطَرَنِي - خَلَقَنِي وَأَبْدَعَنِي.
كَلِمَةً بَاقِيةً - كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ - أَوِ البَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ.
(٢٩) - وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى مَتَّعَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ، وَمَتَّعَ آبَاءَهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَمَدَّ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَأَكْثَرَ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، فَشَغَلَهُم النَّعِيمُ، وَحبُّ الشَّهَوَاتِ فَأَطَاعُوا الشَّيْطَانَ، وَنَسُوا كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ، فَأَرْسَلَ اللهُ فِي بَنِي إِبْرَاهِيمَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى العَوْدَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَأَنْزَلَ مَعَهُ القُرْآنَ لِتَكُونَ رِسَالَتُهُ بَيِّنَةً وَاضِحَةً.
(٣٠) - فَلَمَّا جَاءَهُمُ القُرْآنُ والرَّسُولُ قَالُوا: إِنَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ إِنْ هُوَ إِلاَّ سِحْرٌ، وَمَا هُوَ بِوَحْي مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ بِهِ وَيَكْفُرُونَ، بَغْياً وَحَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ.
(٣١) - وَقَالُوا كَالمُعْتَرِضِينَ عَلَى اخْتِيَارِ اللهِ رَسُولَهُ الكَرِيمَ: إِنَّ مَنْصِبَ الرِّسَالَةِ مَنْصِبٌ شَرِيفٌ، فَلاَ يَلِيقُ إِلاَّ بِرَجُلٍ شَرِيفٍ عَظِيمِ الجَاهِ كَثِيرِ الثَّرَاءِ مِنْ أَهْلِ مَكَةَ أَوْ مِنْ أهْلِ الطَّائِفِ (القَرْيَتِينِ) لأَنَّ مُحَمَّداً لَيْسَ بِذَلِكَ الغَنيِّ العَظِيمِ الجَاهِ.
(وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ هَذَا الوَلِيدَ بنَ المُغَيِرَةِ مِنْ مَكّةَ أَو الوَلِيدَ بْنَ مَسُعُودٍ الثَّقفِيَّ مِنَ الطَّائِفِ).
مِنَ القَرْيَتَينِ - مَكّةَ والطَّائِفِ.
(٣٢) - يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُشْرِكِينَ مَا قَالُوا رَدّاً عَلَى اعْتِرَاضِهِمْ هَذَا: إِنَّ أَمْرَ اخْتِيَارِ الأَنْبِيَاءِ لَيْسَ مَرْدُوداً إِلَيْهِم حَتَّى يَقْتَرِحُوا عَلَى اللهِ مَنْ يَخْتَارُونَهُ هُمْ، وَلَكِنَّ الأَمْرَ للهِ، وَحْدَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَته، فَهُوَ لاَ يُنَزِّلُهَا إِلاَّ عَلَى أَزْكَى الخَلْقِ قَلْباً وَنَفْساً، وَأَشْرَفِهِمْ بَيْتاً، وَأَطْهَرِهِمْ أَصْلاً.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَ العِبَادِ عَلَى بَعْضٍ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا: فِي القُوَّةِ والغِنَى وَالشُّهْرَةِ والنَّشَاطِ، لأَنَّهُ لَوْ سَوَّى بَيْنَهُمْ جَمِيعاً فِي شُرُوطِ الحَيَاةِ لَمْ يَخْدُمْ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَلَمْ يَسْتَخْدِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحْداً، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ فَسَادُ نِظَامِ الحَيَاةِ.
وَرَحْمَةُ اللهِ بِخَلْقِهِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَهُ مِنَ الأَمْوَالِ، والمَتَاعِ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا.
سُخْرِيّاً -مُسَخَّراً فِي العَمَلِ، مُسْتَخْدَماً فِيهِ.
(٣٣) - وَلَوْلاَ أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنَ الجَهَلَةِ أَنَّ عَطَاءَ اللهِ المَالَ للنَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِهِ تَعَالَى لِمَنْ يُعْطِيهِ فَيَجْتَمِعُوا عَلَى الكُفْرِ لأَجْلِ المَالِ، وَيَرْغَبُوا فِيهِ إِذَا رَأَوْا سعَةَ الرِّزْقِ، لَجَعَلَ اللهُ لِبُيُوتِ مَنْ يَكْفرُ بِهِ سُقُوفاً مِنْ فَضَّةٍ، وَسَلاَلَم مِنْ فِضَّةٍ يَصْعَدُونَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِهَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللهِ.
مَعَارجَ - مَصَاعِدَ وَسَلاَلِمَ وَدَرَجَاتٍ.
يَظْهَرُونَ - يَصْعَدُونَ وَيَرْتَقُونَ.
(٣٤) - وَلَجَعَلَ لِبُيوتِهِمْ أَبْوَاباً مِنْ فِضَّةٍ وَسُرُراً مِنْ فِضَّةٍ، يَتَّكِئُونَ عَلَيْهَا.
(٣٥) - وَلَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِبُيوتِهِمْ زَخَارِفَ وَزِينَةً فِي كُلِّ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ مِنْ شُؤُونِ الحَيَاةِ، وَلَكِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلاَّ مَتَاعٌ قَصِيرٌ زَائِلٌ، وَالآخِرَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ لاَ يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ هِيَ خَالِصَةٌ لِلْمُتَّقِينَ الذِينَ يَخَافُونَ رَبَّهُم لاَ يُشَارِكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ غَيْرهُمْ.
زُخْرُفاً - زِينَةً أَوْ ذَهَباً عَلَى قَوْلٍ.
لَمَّا - إِلاَّ مَتَاعٌ.
(٣٦) - وَمَنْ يَتَغَافَلْ وَيَتَعَامَ عَنِ القُرْآنِ، وَعَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَيَنْهَمِك فِي المَعَاصِي، وَلَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا.. فَإِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ فَيَكُونُونَ لَهُ قُرْنَاءَ، يُزَيِّنُونَ لَهُ ارْتِكَابَ المَعَاصِي، وَالاشْتِغَالَ بِاللَّذَّاتِ، فَيَسْتَرْسِلُ فِيهَا فَيَحِقُّ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ وَعِقَابُهُ.
مَنْ يَعْشُ - مَنْ يَتَعَامَ وَيُعْرِضْ وَيَغْفل.
نُقَيِّضْ - نَمْنَحْ لَهُ وَنُيَسِّرْ لَهُ.
(٣٨) - وَحِينَ يُوَافِي هَذَا الغَافِلُ، الذِي تَسَلّطَتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَتَبَرَّمُ بالشَّيْطَانِ الذِي وُكِّلَ بِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ مَا بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، فَبِئْسَ القَرِينُ أَنْتَ، لأَنَّكَ أَضْلَلْتَنِي، وَأَوْصَلْتَنِي إِلَى مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الخِزْيِ والعَذَابِ المُهِينِ.
المَشْرِقَينِ - المَشْرِقِ والمَغْرِبِ.
(٤٠) - إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُسْمِعَ الصُمَّ الذِينَ سَلَبَهُمْ اللهُ تَعَالَى القُدْرَةَ عَلَى السَّمْعِ، وَلاَ أَنْ تَهْدِي العُمْيَ الذِينَ أَعْمَى اللهُ قُلُوبَهُمْ وَعُيُونَهُمْ عَنِ الأَبْصَارِ، كَمَا لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِيَ الذِينَ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِم الشَّيَاطِينُ فَزَيَّنَتْ لَهُمْ طَرِيقَ الهَلاَكِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَنْتَ رَسُولٌ مُبَلِّغٌ مِنْ رَبِّكَ عَلَيْكَ أَنْ تُبَلِّغَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيكَ رَبُّكَ، والذِي يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ الذِي يُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَمِيعاً.
(٤٢) - أَوْ إِنَّهُ تَعَالَى سَيُرِي رَسُولَهُ الكَرِيمَ مَا وَعَدَهُ بِهِ رَبُّهُ مِنَ الظَّفَرِ بِأَعْدَائِهِ المُشْرِكِينَ، وَإِظْهَارِهِ عَلَيْهِمْ، لِيَخْتَبِرَهُم اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا حَذَّرَهُمْ نُزُولَهُ بِهِمْ إِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَطُغَيَانِهِمْ.
(٤٣) - وَإِذَا كَانَ أَحَدُ هَذِينِ الاحْتِمَالَينِ وَاقِعاً فَاسْتَمْسِكْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بالقُرْآنِ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ إِلَيكَ فَهُوَ الحَقُّ الذِي يُفْضِي بِمَنْ أَخَذَ بِهِ إِلَى صِرَاطِ اللهِ المُسْتَقِيمِ الذِي يُوصِلُ مَنْ سَلَكَهُ إِلَى جَنّاتِ النَّعِيمِ فِي الآخِرَةِ.
(٤٤) - وَإِنَّ هَذَا القُرْآنَ العَظِيمَ لَشَرَفٌ عَظِيمٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، لأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الأَخْذِ بِهِ، والعَمَلِ بِأَحْكَامِهِ، وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ عَنِ القِيَامِ بِحَقِّ هَذَا القُرْآنِ، وَعَنِ العَمَلِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ شَرِيعَةٍ وَأَحْكَامٍ.
(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: إِنَّهُ لَتَذكِيرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ).
لَذِكْرٌ - لَشَرَفٌ عَظِيمٌ أَوْ لَتَذْكِيرٌ.
(٤٥) - إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَسْتَ بِدْعاً مِنْ الرُسُلِ فَمَا دَعَوْتَ إِلَيهِ النَّاسَ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَمِنَ النَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ، وَعَنْ عِبَادةِ الأَصْنَامِ والأَوْثَانِ.. دَعَتْ إِلَيهِ جَمِيعُ الرُّسُلِ الذِينَ سَبَقُوكَ الأُمَمَ التِي أُرْسِلُوا إِلَيهَا، وَلَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنَ الرُّسُلِ والأَنْبِيَاءِ إِلَى عِبَادَةِ غَيرِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لأَنَّهُ لاَ رَبَّ سَوَاهُ، وَلاَ مَعْبُودَ غَيْرُهُ.
(٤٦) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَ عَبْدَهُ مُوسَى رَسُولاً إِلَى فِرْعَونَ وَقوْمِهِ، وَأَيَّدَهُ بِآيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ تَأْيِيداً لَهُ فِي دَعْوَتِهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّهُ رَسُولٌ رَبِّ العَالَمِينَ إِلَيهِمْ، كَمَا قُلْتَ أَنْتَ لِقَوْمِكَ إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ إِلَيهِمْ.
(٤٧) - فَلَمَا جَاءَهُمْ مُوسَى بِالمُعْجِزَاتِ التِي أَيَّدَهُ اللهُ بَهَا كَاليَدِ والعَصَا.. فَإِذَا بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ يَضْحَكُونَ مِنْ تِلْكَ المُعْجِزَاتِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْ مُوسَى دُونَ أَنْ يَتَأَمَّلُوا فِيهَا، كَمَا يَسْخَرُ اليومَ قَوْمُكَ مِمّا جِئْتَهُمْ بِهِ.
(٤٨) - وَمَا أَرَينَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ حُجَّةً وَمُعْجِزَةً مِنْ حُجَجِنَا، وَمُعْجِزَاتِنَا الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ مُوسَى فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ، إِلاَّ كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ سَابِقَاتِهَا، وَأَكْثَرَ دَلاَلَةً عَلَى صِحَّةِ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. وَلَمَّا أَصَرُّوا عَلَى الكُفْرِ والطُّغْيَانِ أَنْزَلنَا عَلَيْهِمْ أَلْوَاناً مِنَ العَذَابِ كَنْقَصِ الثَّمَرَاتِ والجَرَادِ والقُمّلِ والضَّفَادِعِ لَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّفْكِيرِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى، فَيَرْجِعُوا إِلَى اللهِ، وَيقْلِعُوا عَنِ الكُفْرِ بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.
(٤٩) - وَكَانُوا كُلمَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ مِنْ هَذِهِ الآيَاتِ يَضْرَعُونَ إِلَى مُوسَى، وَيَتَلَطَّفُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ (أَيْ العَالِمُ)، لَقَدْ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ رَبَّكَ عَهِدَ إِلَيكَ أَنَّنَا إِذَا آمَنَّا بِهِ وَبِرِسَالَتِكَ إِلَينَا، فَإِنَّهُ يَكْشِفُ عَنَّا العَذَابَ الذِي أَنْزَلَهُ بِنَا، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا هَذَا العَذَابَ، وَإِنَّنَا نُعَاهِدُكَ بِأَنَّنَا سَنُؤْمِنُ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِنْ حَدَثَ ذَلِكَ.
بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ - مِنْ كَشْفِ العَذَابِ عَمَّن اهْتَدَى.
يَنْكُثُونَ - يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ بِالاهْتِدَاءِ.
(٥١) - فَجَمَعَ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَنَادَى فِيهِمْ مُتَبَجِّحاً مُتَفَاخِراً بِمُلْكِ مِصْرَ، وَتَصْرُّفِهِ فِيهَا، وَفِي أَنْهَارِهَا الجَارِيَةِ فِي أَرْضِهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَفَلاَ تَرَوْنَ مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ القُّوَةِ وَعِظَمِ المَكَانَةِ؟
وَكَانَ فِرْعَوْنُ يَقْصدُ بِهَذَا النِّدَاءِ تَثْبِيتَهُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَصَرْفَهُم عَنِ التَّأَثُّرِ بِمُوسَى وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الآيَاتِ.
مَهِينٌ - ذَلِيلٌ حَقِيرٌ.
يُبِينُ - يُفْصِح الكَلاَمَ لِلثْغَةٍ فِي لِسَانِهِ.
(٥٣) - فَهَلاَّ أَلْقَى إِلَيْهِ رَبُّهُ أَسَاورَ مِنْ ذَهَبٍ يَتَحَلَّى بِهَا إِنْ كَانَ صَادِقاً فِيمَا يَدَّعِيهِ، وَهَلاَّ جَاءَ مَعَهُ المَلاَئِكَةُ مُتَتَابِعِينَ مَتَقَارِنِينَ (مُقْتَرِنِينَ). يُعِينُونَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَيَشْهَدُونَ بِالنُّبُوَّةِ، وَيَمْشُونَ مَعَهُ.
مُقْتَرِنِينَ - مَقْرُونِينَ بِهِ، يُصَدِّقُونَهُ فِيمَا يَقُولُ.
(٥٤) - فَاسْتَخَفَّ فِرَعَوْنُ عُقُولَ قَوْمِهِ بِهَذِهِ الحُجَجِ الوَاهِيةِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الضَّلاَلَةِ فَاسْتَجَابُوا لَه طَائِعِينَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً غَاوِينَ ضَالّينَ، خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى.
فَاسْتَخفَّ قَوْمَهُ - وَجَدَهُمْ خِفَافَ العُقُولِ.
(٥٥) - فَلَمَّا أَغْضَبُونَا بِعِنَادِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ وَبَغْيِهِمْ فِي الأَرْضِ انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَعَجَّلَنَا لَهُم العُقُوبَةَ، وَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ.
آسَفُونَا - أَغْضَبُونَا أَشَدَّ الغَضَبِ.
(٥٦) - فَجَعَلْنَاهُمْ قُدْوَةً لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الكُفْرِ والضَّلاَلَةِ، وَعِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنَ الكَافِرِينَ.
سَلَفاً - قُدْوَةً فِي اسْتِحَقَاقِ العَذَابِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الآيَةَ الكَرِيمَةَ: ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا
١٦٤٩; لحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ.﴾ وَهَؤُلاَءِ الذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الحُسْنَى مِنَ اللهِ تَعَالى، هُمُ الذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَاتَّخَذَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلاَلَةِ أَرْبَاباً مِنْ دُونِهِ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ: لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ الزِّبَعْرَى عِيَسى بْنَ مَرْيَمَ مَثَلاً، وَجَادَلَ رَسُولَ اللهِ فِي عِبَادَةِ النَّصَارَى لَهُ إِذَا قَوْمُكَ يَرْتَفِعُ لَهُمْ ضَجِيجٌ وَجَلَبَةٌ مِنْ فَرَحِهِمْ بِهَذَا المَثَلِ الذِي ظَنُّوا أَنَّهُ أَفْحَمَ بِهِ النَّبِيَّ الكَرِيمَ.
مِنْهُ يَصِدُّونَ - يَضِجُّونَ وَيَصِيحُونَ وَيُصِفِّقُونَ فَرَحاً مِنْ أَجْلِهِ.
(٥٨) - وَقَالَ الكَافِرُونَ إِنَّ آلِهَتَهمْ لَيْسَتْ خَيْراً مِنْ عِيسَى، فَإِذا كَانَ عِيسَى مِنْ حَصَبِ جَهَنَّمَ، كَانَ أَمْرُ آلِهتِهِمْ أَيْسَرَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِيسَى مِنْ حَصَبِ جَهَنَّمَ، كَانَ أَمْرُ آلِهَتِهِمْ أَيْسَرَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ لَمْ يَضْرِبُوا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ مَثَلاً إِلاَّ جَدَلاً لاَ لإِظْهَارِ الحَقِّ لأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾. يَنْطَبِق عَلَى الأَوْثَانِ والأَصْنَامِ، وَلاَ يَنْطَبِقُ عَلَى عِيسَى وَالمَلاَئِكَةِ، لأَنَّ (مَا) تُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ العَاقِلَ، وَلَكِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ يُحِبُّونَ الجَدَلَ والحِجَاجَ.
قَوْمٌ خَصِمُونَ - لُدٌّ شِدَادُ الخُصُومَةِ بِالبَاطِلِ.
(٥٩) - وَلَيْسَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ بِالنُبُوَّةِ، وَجَعَلْنَاهُ آيَةً لِبَني إِسْرَائِيلَ بِخَلْقِنَا إِيّاهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، لِيَسْتَدِلُّوا بَهَا عَلَى قُدْرَةِ اللهِ العَظِيمِ، وَلَيْسَتْ مُخَالَفَةُ العَادَةِ فِي خَلْقِهِ بِمُسْتَوْجِبَةٍ لِعِبَادَتِهِ.
مَثَلاً - آيَةً وَعِبرَةً كَالمَثَلِ السَّائِرِ.
(٦٠) - وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لَجَعَلَ ذُرِيَّتكُمْ مَلاَئِكَةً يَخْلُفُونَكُمْ فِي الأَرْضِ. كَمَا يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَبِذَلِكَ تَعْرِفُونَ أَنَّ المَلاَئِكَةِ خَاضِعُونَ لِمَشِيئَةِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ، فَهُمْ لاَ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَكُونُوا آلِهَةً تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ.
لَجَعْلَنَا مِنْكُمْ - بَدَلاً مِنْكُمْ، أَوْ لَوَلَّدْنَا مِنْكُمْ.
(٦١) - وَإِنَّ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ مِنْ غَيْرَ أَبٍ، ثُمَّ بَعْثَهُ نَبِيّاً، كُلُّ ذَلِكَ أَمَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى قُرْبِ حُلُولِ السَّاعَةِ.
(وَقَدْ تَوَاتَرَت الأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ مخَبِّرَةً بِنُزُولِ عِيسَى قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، إِمَاماً عَادِلاً، وَحَكَماً مُقْسِطاً).
فَلاَ تَشُكُّوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي أَنَّ السَّاعَةَ واقِعَةٌ لاَ رَيْبَ فِي ذَلِكَ وَلاَ شَكَّ، وَأَنَّهَ كَائِنَةٌ لاَ مَحَالَةَ، فَاتَّبِعُوا هُدَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيهِ الرَّسُولُ هُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، المُوصِلُ إِلَى الجَنَّةِ.
إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ - يُعْلَمُ قُرْبُهَا بِنُزُولِهِ.
فَلاَ تَمْتَرُنَّ - فَلاَ تَشُكُّنَّ فِي قِيَامِهَا.
(٦٢) - وَلاَ تَغْتَرُّوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ بِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَشُبَهِهِ التِي يُوقِعُهَا فِي قُلُوبِكُمْ لِيَمْنَعَكُمْ مِن اتِّبَاعِ الدِينِ الحَقِّ الذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لآدَمَ وَبَنِيهِ، بَيِّنُ العَدَاوَةِ.
(٦٣) - وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْمُعْجِزَاتِ الوَاضِحَةِ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّهُ جَاءَهُمْ بِالشَّرَائِعِ التِي فِيهَا صَلاَحُ البَشَرِ (الحِكْمَةِ)، وَإِنَّهُ جَاءَ لِيُبَيّنَ لَهُمْ بَعْضَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ. ثُمَّ طَلَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَتَقُّوا اللهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا يُبَلِّغُهُمْ مِنْ الشَّرَائِعِ والتَّكَالِيفِ.
(٦٤) - ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ وَإِيَّاهُمْ عَبِيدٌ للهِ، فَهُوَ تَعَالَى المَتَفَرِّدُ بِالألَوهِيةَ، وَهُوَ وَحْدَهُ المُسْتَوْجِبُ لِلْعِبَادَةِ والطَّاعَةِ، وَإِنَّ الذِي أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ نِدَّ، هُوَ الطَّرِيقُ المُسْتَقِيمُ وَكُلُّ الدِّيَانَاتِ جَاءَتْ بِمِثْلِهِ.
هَلْ يَنْظُرُونَ - هَلْ يَنْتَظِرُونَ.
بَغْتَةً - فَجْأَةً.
(٦٧) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ صََدَقَةٍ وَصُحْبَةٍ فِي الدُّنْيَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَى عَدَاوَةٍ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْهَا فِي اللهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ دَائِمَةً بِدَوَامِ اللهِ تَعَالَى.
الأَخِلاَّءُ - الأَحِبَّاءُ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللهِ.
(٦٨) - وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُتَحَابِّينَ فِي اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا عِبَادِي لاَ تَخَافُوا مِنْ عِقَابِي، فَقَدْ آمَنْتُكُمْ مِنْهُ، وَرَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ فِي الدُّنْيَا. فَالذِي أدَّخَرْتُهُ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْهُ.
(٦٩) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ صِفَةَ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الأَمْنَ مِنَ اللهِ، وَالرِّضَا، فَلاَ يَخَافُونَ العَذَابَ، وَلاَ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ هُمُ الذِينَ آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ، وَصَفَتْ نُفُوسُهُمْ، وانْقَادَتْ لِشَرْعِ الله بَوَاطِنُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ.
(٧٠) - وَقَالَ لَهُمْ: ادْخُلُوا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ وَنُظَراؤُكُم الجَنَّةَ تَنْعَمُونَ فِيهَا وَتَسْعَدُونَ (تُحْبَرُونَ) بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ مِنْ عَطَاءٍ غَيْرِ مَمْنُونٍ وَلاَ مَقْطُوعٍ.
تُحْبَرُونَ - تُسَرُّونَ سُرُوراً وَتسْعَدُونَ.
(٧١) - وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرُّوا فِي الجَنَّةِ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَوَانٍ مِنْ ذَهَب عَلَيْهَا أَنْوَاعُ الطَّعَامِ، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَكْوَابٍ لِلشَّرَابِ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الأَوَانِي والأَكْوَابِ مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ، وَتَتَلَذُّذُ بِهِ الأَعْيُنُ، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْعَمُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ إِكْمَالاً لِسُرُورِهِمْ: إِنَّهُمْ بَاقُونَ فِي هَذَا النَّعِيمِ فِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ أَبَداً.
أَكْوَابٍ - أَقْدَاحٍ لاَ عُرَى لَهَا.
(٧٣) - وَلَكُمْ فِيهَا مِنْ أَصْنَافِ الفَوَاكِه مَا لاَ حَصْرَ لَهُ تَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا تَتَخَيَّرونَ بِغَيْرِ حِسَابٍ لِتَتِمَّ لَكُم النِّعْمَةُ والغِبْطَةُ والحُبُورُ.
(٧٤) - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حَالَ المُؤْمِنِينَ السُّعَدَاءِ فِي الجَنَّةِ، وَمَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَشَرَاب وَفَاكَهَةٍ، وَنَعِيمٍ لاَ يَبْلَى، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَالِ الكَفَرَةِ المُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ، فَقَالَ إِنَّ الكَفَرَةَ يَكُونُ مَصِيرُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَيَبقَوْنَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً.
يُفَتَّرُ عَنْهُمْ - يُخَفَّفُ عَنْهُمْ.
مُبْلِسُونَ - يَائِسُونَ.
(٧٦) - وَمَا ظَلَمَ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ المُجْرِمِينَ بِمَا أَنْزَلَهُ بِهِمْ مِنْ عِقَابٍ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ، وَلَكِنَّهُمْ هُمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ وَهُمُ الذِينَ أَسَاؤُوا إِلَيْهَا، فَأَوْصَلَهُمْ ذَلِكَ إِلَى هَذَا المَصِيرِ السَّيءِ.
(٧٧) - وَحِينَمَا يَشْتَدُّ العَذَابُ بِالمُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ يَضجُّونَ فِي النَّارِ، وَيُنَادُونَ: يَا مَالِكُ (وَهُوَ خَازِنُ النَّارِ) ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا لِيُرِيحَنا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ. فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَالِكٌ قَائِلاً لَهُمْ: إِنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّارِ أَبَداً، وَلاَ مَجَالَ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى خُرُوجِهِمْ مِنْهَا.
لِيقْضِ - لِيُمِتْنَا حَتَّى نَرْتَاحَ.
(٧٨) - وَيُذَكِّرُهُمْ اللهُ تَعَالَى - أَوْ يُذَكِّرُهُمْ مَالِكٌ بِأَمْرِ رَبِّهِ الكَرِيمِ - بِسَبَبِ شَقَائِهِمْ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ أَرْسَلَ إِلَيهِم الرُّسُلَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الحَقِّ والهُدَى فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَبَوْا وَاسْتَكَبَرُوْا فَأَوْصَلَهُمْ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ.
أَمْ أَبْرَمُوا - بَلْ أَحْكَمُوا كَيْداً لِلنَّبِيّ.
(٨٠) - أَيَظنُّ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ أَنَّنَا لاَ نَسْمَعُ مَا يُبَيِّتُونَ فِي سِرِّهِمْ، وَمَا يَجُولُ فِي خَوَاطِرِهِمْ، وَمَا يَدَبِّرُونَ وَمَا يَكِيدُونَ. إِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي هَذَا الظَّنِّ فَِإِنَّنَا نَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَالمَلاَئِكَةُ المُكَلِّفُونَ بِهِمْ يَكْتُبُونَ أَيْضاً أَعْمَالَهُمْ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا.
(٨١) - قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ الذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّ للهِ وَلَداً: إِنْ ثَبَتَ بِبُرْهَانٍ صَحِيحٍ وَحُجَّةٍ تُدْلُونَ بِهَا أَنَّ لِلرَّحْمنِ وَلَداً، لَكُنْتُ أَنَا أَسْبَقَ مِنْكُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، والانْقِيَادِ لَهُ، كَمَا يُعَظِّمُ الرَّجُلُ ابْنَ المَلكِ إِكْرَاماً وَتَعْظِيماً لأَبِيهِ.
(٨٢) - يُنَزِّهُ اللهُ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَنْ فِيهِمَا مِنَ الخَلْقِ، وَرَبُّ العَرْشِ المُحِْيطِ بِذَلِكَ، نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ المُشْرِكُونَ كَذِباً، وَمَا يَنْسبُونَ إِلَيهِ مِنَ الوَلَدِ.
(٨٣) - فَاتْرُكْ، أَيُّهَا الرَّسُولُ، هَؤُلاَءِ المُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ، يَخُوضُوا فِي بِاطِلِهِمْ، وَيَلْعَبُوا فِي دُنْيَاهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَهُوَ اليَومُ الذِي لاَ مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ يَعْلَمُونَ عَاقِبَةََ أَمْرِهِمْ، وَيُلاَقُونَ جَزَاءَ مَا افْتَرَوْهُ عَلَى اللهِ مِنَ الكَذِبِ.
يَخُوضُوا - يَدْخُلُوا مَدَاخِلَ البَاطِلِ.
فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ - مَعْبُودٌ فِي السَّمَاءِ.
(٨٥) - وَتَقَدَّسَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا مِنْ عَوَالِمَ وَمَخْلُوقَاتٍ، المُتَصَرِّفُ فِيهِمَا بِلاَ مُدَافَعَةٍ، وَلاَ مُمَانَعَةٍ مِنْ أَحَدٍ، وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ، وَعِنْدَهُ العِلْمُ بِمَوْعِدِ السَّاعَةِ لاَ يَخُصُّ بِعِلْمِهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ، وَإِلَيهِ يَرْجِعُ الخَلاَئِقُ فَيُجَازِي كُلاً عَلَى عَمَلِهِ.
تَبَارَكَ - تَعَالَى وَتَكَاثَرَ خَيْرُهُ.
(٨٦) - وَالأَصْنَامُ والأَوْثَانُ التِي يَعْبُدُونَهَا لِتَشْفََعَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ، وَلِتُقَرِّبَهُمْ إِلَيْهِ زُلفَى، لاَ تَسْتَطِيعُ يَوْمَ القِيَامَةِ القِيَامَ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّفاعَةِ، لَكِنَّ الذِي نَطَقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ (شَهِدَ بِالحَقِّ)، وَكَانَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ مِنْ رَبِّهِ (كَالمَلاَئِكَةِ وَعيَسَى) فَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ تَنْفَعُ عِنْدَ اللهِ بِإِذْنِهِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا.
(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: لاَ يَمْلِكُ هَؤُلاَءِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَآمَنَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ).
(٨٧) - وَلَئِنْ سَأَلْتَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ بِاللهِ، العَابِدِينَ غَيْرَهُ، مَنْ خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ الخَلْقَ جَمِيعاً، لَيَعْتَرِفُنَّ بِأَنَّ الله تَعَالَى هُوَ وَحْدَهُ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُمْ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ هَذَا فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لاَ يَمْلِكُ شَيْئاً، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيءٍ، فَكَيْفَ يُصْرِفُونَ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ إِلَى طِرِيقِ الضَّلاَلَةِ لَوْ لَمْ يَكُونَوا فِي غَايَةِ الجَهْلِ، وَسَفَاهَةِ الرَّأيِ؟
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ - فَكَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ.
(٨٨) - وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﷺ يَشْكُوا قَوْمَهُ: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَ يُنْتَظَرُ إِيْمَانُهُمْ.
قِيلِهِ - قَوْلِهِ.
(٨٩) - فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤَلاَءِ المُعَانِدِينَ بَعْدَ أَنْ أَبْلَغْتَهُمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ، وَلاَ تُجِبْهِمْ بِمِثْلِ مَا يُخَاطِبُونَكَ بِهِ مِنَ الكَلاَمِ السَّيءِ وَلَكِنْ تَأَلَّفْهُمْ، وَاصْفَحْ عَنْهُمْ قَولاً وَفِعْلاً، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أَنَّ عَاقِبَةَ كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ هِيَ الخُسْرَانُ المُبِينُ.
سَلاَمٌ - أَمْرِي تَسَلُّمٌ وَمُتَارَكَةٌ لَكُمْ.