أهداف سورة محمد صلى الله عليه وسلم
هي سورة مدنية، وآياتها ٣٨ آية، نزلت بعد سورة الحديد، ولها اسمان : سورة محمد، وسورة القتال.
والقتال عنصر بارز في السورة، بل هو موضوعها الرئيسي، فقد نزلت بعد غزوة بدر وقبل غزوة الأحزاب، أي في الفترة الأولى من حياة المسلمين بالمدينة، حيث كان المؤمنون يتعرضون لعنت المشركين، وكيد المنافقين، ودسائس اليهود.
عناصر السورة :
يمكن أن نقسم سورة ( محمد ) إلى ثلاثة أقسام :
- القسم الأول : يحرض على قتال المشركين ويحث عليه، ويشمل الآيات ( ١-١٥ ).
- القسم الثاني : يفضح المنافقين ويكشف نفاقهم، ويشمل الآيات ( ١٦-٣٠ ).
- القسم الثالث : دعوة المسلمين إلى مواصلة الجهاد بالنفس والمال، ويشمل الآيات ( ٣١-٣٨ ).
١- التحريض على قتال المشركين :
تبدأ السورة بالهجوم على المشركين وتبين هلاكهم وضياعهم وضلالهم، لقد سلب الله عنهم الهدى والتوفيق، فاتبعوا الباطل وانحرفوا إلى الضلال، أما المؤمنون فقد آمنوا بالله وبرسوله ؛ فكّفر الله ذنوبهم ورزقهم صلاح البال وهدوء النفس ونعمة الرضا واليقين.
وشتان بين مؤمن راسخ الإيمان، صادق اليقين، معتمد على رب كريم حليم، وبين كافر ضال يبيع الحق ويشتري الباطل، ويفرط في الإيمان والهدى، ويتبع الشرك والضلال.
ثم تحت السورة المسلمين على قتال المشركين، وقطع شوكتهم وهدم جبروتهم، وإزالة قوتهم من طريق المسلمين :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب... ﴾ وهذا الضرب بعد عرض الإسلام عليهم وإبائهم له، ﴿ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق... ﴾ والإثخان شدة التقتيل حتى تتحطم قوة العدو وتتهاوى فلا تعود به قدرة على هجوم أو دفاع، وعندئذ يؤسر من استأسر ويشد وثاقه :﴿ فإما منا بعد وإما فداء... ﴾ أي إما أن يطلق سراحهم بعد ذلك بلا مقابل، وإما أن يطلق سراحهم مقابل فدية من مال أو عمل، أو في نظير إطلاق سراح المسلمين والمأسورين. ﴿ حتى تضع الحرب أوزارها... ﴾ ( محمد : ٤ ). أي : حتى تنتهي الحرب بين الإسلام وأعدائه المناوئين له.
ولو شاء الله لانتقم من المشركين وأهلكهم كما أهلك من سبقهم بالطوفان والصيحة والريح العقيم، ولكن الله أراد أن يختبر قوة المؤمنين، وأن يجعلهم سبيلا لإعزاز الدين وإهلاك الكافرين، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضيع أعمالهم، فهم شهداء عند الله يتمتعون بجنات خالدة ونعيم مقيم، وأرواحهم في حواصل طير خضر تسبح حول الجنة، وتأكل من ثمارها وتقيم في ألوان النعيم، وقد وعد الله الشهداء بحسن المثوبة والكرامة والهداية وصلاح البال ودخول الجنة ؛ لأنهم نصروا دين الله فسينصرهم الله ويثبت أقدامهم، كما توعد الكافرين بالتعاسة والضلال والهلاك جزاء كفرهم وعنادهم.
وتسوق السورة ألوانا من التهديد للمشركين، فتأمرهم أن يسيروا في الأرض فينظروا ماذا أصاب المكذبين من الهلاك والدمار، ثم تمضي السورة في ألوان من الحديث حول الكفر والإيمان، فتصف المؤمنين بأنهم في ولاية الله ورعايته، والكفار محرومون من هذه الولاية.
وتفرق السورة بين متاع المؤمنين بالطيبات، وتمتع الكافرين بلذائذ الأرض كالحيوانات :﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ﴾. ( محمد : ١٢ ).
إن الفارق الرئيسي بين الإنسان والحيوان أن للإنسان إرادة وهدفا وتصورا خاصا للحياة يقوم على أصولها الصحيحة المتلقاة من الله خالق الحياة، فإذا فقد هذا فقد أهم خصائص الإنسان المميزة لجنسه، وأهم المزايا التي من أجلها كرمه الله.
ثم تمضي السورة في سلسلة من الموازنات بين المؤمن المتيقن والكافر الذي اتبع هواه وشيطانه، وزين له سوء العمل :﴿ أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ﴾. ( محمد : ١٤ ).
كما تصف الآيات متاع المؤمنين في الجنة بشتى الأشربة الشهية، من ماء غير آسن، ولبن لم يتغير طعمه، وخمرة لذة للشاربين، وعسل مصفى، في وفر وفيض، في صورة أنهار جارية، وذلك مع شتى الثمرات، ومع المغفرة والرضوان، ثم سؤال : أهؤلاء المتمتعون بالجنة والرضوان، ﴿ كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾. ؟
٢- خصال المنافقين :
تشمل الآيات ( ١٦-٣٠ ) المقطع الثاني من سورة محمد، وفيها حديث عن المنافقين وصفاتهم، وحركة النفاق حركة مدنية لم يكن لها وجود في مكة نظرا لضعف المسلمين في مكة وتفوق أعدائهم، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة وبدأ شأن الإسلام في الظهور والاستعلاء، بدأت حركة النفاق في الظهور والنمو، وساعدها على الظهور وجود اليهود في المدينة ولهم قوة مادية وفكرية، وكراهيتهم للدين الجديد، وسرعان ما اجتمع اليهود مع المنافقين على هدف واحد، ودبروا أمرهم بليل، فأخذ المنافقون في حبك المؤامرات ودس الدسائس في كل مناسبة تعرض، فإن كان المسلمون في شدة ظهروا بعدائهم وجهروا ببغضائهم، وإذا كانوا في رخاء ظلت الدسائس سرية والمكائد في الظلام، وكانوا إلى منتصف العهد المدني يشكلون خطرا حقيقيا على الإسلام والمسلمين، وقد تواتر ذكر المنافقين ووصف دسائسهم والتنديد بمؤامراتهم وأخلاقهم في السور المدنية، كما تكرر ذكر اتصالهم باليهود وتلقيهم عنهم، واشتراكهم معهم في بعض المؤامرات المحبوكة.
والحديث عن المنافقين في سورة ( محمد ) يحمل فكرتها، ويصور شدتها في مواجهة المشركين والمنافقين، بل إن المنافقين هم فرع من الكافرين، أظهروا الملاينة وأبطنوا الكفر والخداع، أو هم فرع من اليهود يعمل بأمرهم، وينفذ كيدهم ومكرهم، فمن هؤلاء المنافقين من يستمع إلى النبي بأذنه ويغيب عنه بوعيه وقلبه، فإذا خرج من مجلس النبي تظاهر بالحرص على الدين، فسأل الصحابة عما قاله النبي سؤال سخرية واستهزاء، أو سؤال تظاهر ورياء.
أولئك المنافقون قد طمس الله على أفئدتهم فلا تفقه، وقد اتبعوا أهواءهم، فقادهم الهوى إلى الهلاك.
بينما المتقون المهتدون يزيدهم الله هدى ويمنحهم التقوى والرشاد، ثم يتهدد القرآن المنافقين بالساعة، فإذا جاءت فلا يملكون الهداية ولا تنفعهم الندامة.
﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾. ( محمد : ١٨ ).
ثم تصور الآيات جبن المنافقين وهلعهم وتهافتهم إذا ووجهوا بالقرآن يكلفهم بالقتال، فهم يتظاهرون بالإيمان، فإذا أنزلت سورة لا تشابه فيها وذكر فيها الجهاد ؛ رأيت المنافقين ينظرون إليك يا محمد نظرا كنظر من هو في النزع الأخير، تشخص أبصارهم، لذلك كانوا جديرين لأن يهددهم الله بالويل والهلاك.
وتحثهم الآيات على الطاعة والصدق والثبات :﴿ فأولى لهم * طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ﴾. ( محمد : ٢٠، ٢١ ).
وبذلك يفتح القرآن الباب لمن يريد الطهارة الحسية والنفسية من المنافقين ومن جميع المخاطبين.
ثم يحثهم على تدبر القرآن وتأمله حثا يحرك المشاعر ويستجيش القلوب ويخلص الضمير.
وتمضي الآيات في تصوير حال المنافقين، وبيان سبب توليهم عن الإيمان بعد إذ شارفوه، فتبين أنه تآمرهم مع اليهود، ووعدهم لهم بالطاعة فيما يدبرون.
لقد كره اليهود الإسلام وتألبوا عليه، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شنوا عليه حرب الدس والمكر والكيد، وانضم المنافقون لليهود يقولون لهم سرا :﴿ سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم ﴾. ( محمد : ٢٦ ).
ثم يتهدد القرآن المنافقين بملائكة العذاب، لأنهم تركوا طريق الإسلام، وانضموا إلى دسائس الحاقدين عليه.
وفي نهاية المقطع يتهددهم بكشف أمرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين الذين يعيشون بينهم متخفين، لأن ما فيك يظهر على فيك :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة | وإن خالها تخفى على الناس تعلم |
٣- حديث عن المشركين والمؤمنين :
المقطع الأخير من السورة يشمل الآيات ( ٣٢-٣٨ )، وقد تحدث في بدايته عن المشركين، وبين أنهم منعوا الناس عن الإيمان بالله، وأعلنوا الشقاق والعداوة لرسول الله، وهؤلاء لن يضروا الله بكفرهم، وسيحبط الله أعمالهم.
وتتجه الآيات إلى المؤمنين فتأمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول، وتأمرهم بالثبات على الحق حتى يأتي نصر الله.
﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ﴾. ( محمد : ٣٣ ).
وهذا التوجيه يوحي بأنه كان في الجماعة المسلمة يومئذ من لا يتحرى الطاعة الكاملة، أو من تثقل عليه بعض التكاليف، وتشق عليه بعض التضحيات التي يقتضيها جهاد هذه الطوائف القوية المختلفة التي تقف للإسلام، وتناوشه من كل جانب، والتي تربطها بالمسلمين مصالح ووشائج قربى يصعب فصمها والتخلي عنها نهائيا كما تقتضي العقيدة ذلك.
ولقد كان وقع هذا التوجيه عنيفا عميقا في نفوس المسلمين الصادقين، فارتعشت له قلوبهم وخافوا أن يقع منهم ما يبطل أعمالهم ويذهب بحسناتهم.
وتستمر الآيات في خطاب المؤمنين، تدعوهم إلى مواصلة الجهاد بالنفس والمال دون تراخ أو دعوة إلى مهادنة الكفر المعتدي الظالم، تحت أي مؤثر من ضعف أو مراعاة قرابة أو رعاية مصلحة، ودون بخل بالمال الذي لا يكلفهم الله أن ينفقوا منه إلا في حدود مستطاعة، مراعيا الشح الفطري في النفوس، وإذا لم ينهضوا بتكاليف هذه الدعوة فإن الله يحرمهم كرامة حملها والانتداب لها، ويستبدل بهم قوما غيرهم ينهضون بتكاليفها، ويعرفون قدرها، وهو تهديد عنيف مخيف يناسب جو السورة، كما يشي بأنه كان علاجا لحالات نفسية قائمة في صفوف المسلمين، إذ ذاك -من غير المنافقين- وذلك إلى جانب حالات التفاني والتجرد والشجاعة والفداء التي اشتهرت بها الروايات، فقد كان في الجماعة المسلمة هؤلاء وهؤلاء.. وكان القرآن يعالج ويربي لينهض بالمتخلفين إلى المستوى العالي الكريم.
مقصود السورة إجمالا
قال الفيروزبادي :
معظم مقصود سورة محمد : الشكاية من الكفار في إعراضهم عن الحق، وذكر آداب الحرب والأسرى وحكمهم، والأمر بالنصرة والإيمان، وابتلاء الكفار في العذاب، وذكر أنهار الجنة : من ماء، ولبن، وخمر، وعسل، وذكر طعام الكفار وشرابهم، وظهور علامة القيامة، والشكاية من المنافقين، وتفصيل ذميمات خصالهم، وأمر المؤمنين بالطاعة والإحسان، وذم البخلاء في الإنفاق، وبيان استغناء الحق تعالى وفقر الخلق في قوله تعالى :﴿ والله الغني وأنتم الفقراء... ﴾ ( محمد : ٣٨ )١.
بين يدي السورة :
أخرج الطبراني في الأوسط، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب.
وتسمى سورة محمد لبيان تنزيل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم فيها، في قوله تعالى :﴿ وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم... ﴾ ( محمد : ٢ ).
ولم يذكر محمد صلى الله عليه وسلم باسمه في القرآن إلا أربع مرات :
في سورة
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
هذه الآيات بداية قوية لسورة القتال، والسورة كلها دعوة للقتال، وبيان عاقبة الكافرين، وهي الخزي والخذلان وعذاب الآخرة، وعاقبة المؤمنين الذين آمنوا بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقبل الله منهم صالح أعمالهم، ويكفر عنهم سيئاتهم، ويصلح بالهم.
هذا الجزاء العادل لأن الذين كفروا اتبعوا الباطل والأهواء، والذين آمنوا اتبعوا الحق والهدى.
المفردات :
وصدوا عن سبيل الله : منعوا الناس عن الدخول في الإسلام، وذلك يستلزم أنهم منعوا أنفسهم من الدخول فيه، وأعرضوا عنه.
أضل أعمالهم : أبطلها.
التفسير :
١- ﴿ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ﴾.
هذه بداية السورة، تلقي في وجه الكافرين عقوبة كفرهم وضلالهم، فهؤلاء أهل مكة كفروا ومنعوا الناس من الإيمان، وخرجوا في غزوة بدر الكبرى بطرا وتظاهرا بالباطل، وليتسامع بهم الناس، فكان الجزاء أن هزمهم الله هزيمة منكرة، فقتل منهم سبعون، وأسر منهم سبعون، وفر الباقون، فجعل كيدهم ضائعا، وعملهم ضالا، ومكرهم في تباب.
وتفيد روايات أسباب النزول أن هذه الآية نزلت في كفار مكة، الذين أرادوا هزيمة المسلمين في بدر، فهزمهم الله.
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ﴾.
قال : هم أهل مكة، نزلت فيهم.
﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات... ﴾ قال : هم الأنصار.
وقال ابن عباس في رواية أخرى : نزلت في المطعمين ببدر، وهم اثنا عشر رجلا : أبو جهل، والحارث ابن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبي وأمية ابنا خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبو البحتري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، والحارث بن عامر بن نوفل.
ومعنى :﴿ أضل أعمالهم ﴾.
جعلها ضالة على غير هدى وتوفيق، وذكر بعض المفسرين أن المعنى : أبطل الله ثواب الأعمال الحسنة، التي يسمونها مكارم الأخلاق، كصلة الرحم، وإكرام الضيف، وإجارة المستجير، فقد أبطل أعمالهم فساد عقيدتهم.
قال تعالى :﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾. ( الفرقان : ٢٣ ).
أي أن الله يجازيهم على أعمالهم الحسنة في الدنيا، لأنهم لا نصيب لهم في الجنة بسبب كفرهم.
وهناك من المفسرين من يرى أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأنه لن يضيع مكافأة أي عامل على عمل عمله، حتى ولو كان كافرا أو كتابيا، واستشهدوا بقوله تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
وبقوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾. ( البقرة : ٦٢ ).
والأولى بنا أن نقول : إن ذلك في مشيئة الله تعالى، وعلمه وحكمته وفضله، فنفوض علم ذلك إليه سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
هذه الآيات بداية قوية لسورة القتال، والسورة كلها دعوة للقتال، وبيان عاقبة الكافرين، وهي الخزي والخذلان وعذاب الآخرة، وعاقبة المؤمنين الذين آمنوا بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقبل الله منهم صالح أعمالهم، ويكفر عنهم سيئاتهم، ويصلح بالهم.
هذا الجزاء العادل لأن الذين كفروا اتبعوا الباطل والأهواء، والذين آمنوا اتبعوا الحق والهدى.
المفردات :
وهو الحق من ربهم : الحق الثابت الذي لا مرية فيه.
كفر عنهم سيئاتهم : أزالها ومحاها بالإيمان والعمل الصالح.
وأصلح بالهم : حالهم في الدين والدنيا، وأصل البال : الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال : ما باليت به، أي : ما اكترثت به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمان الرحيم فهو أجزم أو أقطع ).
التفسير :
٢- ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ﴾.
والذين آمنوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا منزلا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وآمنوا بأن القرآن كتاب الله، نزل به جبريل الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن حق وعدل وصدق أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، هؤلاء المؤمنون يقبل الله إيمانهم ويكفر عنهم السيئات التي ارتكبوها قبل الإسلام، ويرزقهم الهدى والتقوى، والسعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة، ويصلح بالهم وشأنهم وأمورهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
هذه الآيات بداية قوية لسورة القتال، والسورة كلها دعوة للقتال، وبيان عاقبة الكافرين، وهي الخزي والخذلان وعذاب الآخرة، وعاقبة المؤمنين الذين آمنوا بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقبل الله منهم صالح أعمالهم، ويكفر عنهم سيئاتهم، ويصلح بالهم.
هذا الجزاء العادل لأن الذين كفروا اتبعوا الباطل والأهواء، والذين آمنوا اتبعوا الحق والهدى.
المفردات :
اتبعوا الباطل : الشرك أو الشيطان.
اتبعوا الحق : التوحيد والقرآن.
يضرب الله للناس أمثالهم : يبين لهم مآل أعمالهم، وما يصيرون إليه في ميعادهم.
التفسير :
٣- ﴿ ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ﴾.
ذلك الجزاء العادل بإكرام المؤمنين، وعقوبة الكافرين، سببه أن الذين كفروا ساروا وراء الباطل والكفر والإعراض عن القرآن وهدايته، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبيانه، والعقل الإنساني وحكمته، بينما نجد أن الذين آمنوا اتبعوا الحق والعدل، وهدى القرآن، وبيان محمد صلى الله عليه وسلم، فاستحق الكفار النار، واستحق المؤمنون التوفيق في الدنيا، والجنة في الآخرة.
﴿ كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ﴾.
مثل ذلك البيان الرائع، يبين الله للناس أحوال الفريقين، الجارية مجرى الأمثال في الغرابة، ويظهر مآل أعمالهم، وما يصيرون إليه في ميعادهم.
( وضرب المثل في الآية هو أن الله جعل إتباع الباطل مثلا لعمل الكفار، وإتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين )٢.
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٤ ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ٥ ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( ٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
عمد القرآن الكريم إلى تربية المسلمين على الجهاد، فمدح الشهادة، وذكر فضل الشهداء، وثوابهم ومنازلهم في الجنة، وحياتهم البرزخية والمعنوية، وهنا يحث المؤمنين على الشجاعة في الحرب، وإحكام القتال، وضرب رقاب الكافرين، وإثخان جراحاتهم وإضعافهم، ثم أخذ الأحياء أسرى، وللإمام حينئذ أن يمن عليهم، أو يقبل الفداء، أو يفعل ما يراه مناسبا لإعزاز الدين ومنفعة المسلمين، مثل تبادل الأسرى، أو غير ذلك، ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بآفات سماوية أو أرضية، لكنه أراد سبحانه اختبار المؤمنين، وتدريبهم وتشجيعهم على قتال الكافرين، أما الشهداء فثوابهم عظيم، وطريقهم إلى الجنة معروف لهم ومألوف، ثم نادى المؤمنين وبين لهم أن المؤمنين الذين ينصرون دين الله، سينصرهم الله وسيمكن لهم في الأرض، أما الذين كفروا فلهم التعاسة، وضياع الأمل، لأنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله، فأحبط الله أعمالهم، وأذهبها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، بسبب عدم إيمانهم.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله تعالى :﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ : اعْلُ هُبل ( أكبر أصنامهم )، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل. فقال المشركون : إنا لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
المفردات :
فضرب الرقاب : أصله : اضربوا الرقاب ضربا، فحذف الفعل، وقدم المصدر.
أثخنتموهم : أكثرتم قتلهم وأغلظتموه، أي جعلتموه ثخينا غليظا.
فشدوا الوثاق : فأسروهم، وأحكموا قيد من أسرتموهم، بعد إثخانهم بكثرة القتل وإضعافهم بالجراح، والوَثاق والوِثاق : ما يوثق به، أي : ما يربط به.
المن : إطلاق الأسير بغير عوض.
والفداء : إطلاق الأسير بعوض.
حتى تضع الحرب أوزارها : آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح، وهو كناية عن انتهاء الحرب.
لانتصر منهم : لانتقم منهم بغير الحرب كالزلزلة.
ليبلو : ليبتلي ويصيب.
فلم يضل أعمالهم : فلن يضيعها.
التفسير :
٤- ﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾.
تشجع الآية المسلمين على الجهاد، والقوة عند الحرب مع المشركين، وأهل الكتاب المعتدين.
والمعنى :
إذا لقيتم الكافرين في الحرب فاحصدوهم حصدا، واضربوا رقابهم ضربا قاتلا بالسيف، حتى إذا تمكنتم منهم، وأكثرتم فيهم القتل والجراح واستسلموا لكم.
﴿ فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها... ﴾
أي : إحكام وثاق الأسرى حتى لا يفلتوا من أيديكم ولا يهربوا، والإمام مفوض في اتخاذ الحل الأمثل والأنسب، فله أن يمن عليهم ويطلق سراحهم بدون فداء وله أن يأخذ الفداء من الأسرى، أو يبادلهم بأسرى المسلمين، ونلاحظ أن قتل الكافرين مقيد بفترة الحرب، فإذا انتهت الحرب ووقع جانب منهم في الأسر فلا يجوز أن يقتل الأسير.
أخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن الحسن، قال : أُتي الحجاج بأُسارى، فدفع إلى ابن عمر رجلا يقتله، فقال ابن عمر : ليس بهذا أُمرنا، إنما قال الله تعالى :﴿ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء... ﴾
ومن ذلك نلمح روح الإسلام في الحرص على السلام، فالحرب في الإسلام ضرورة لوقف العدوان، وإزالة طواغيت الكفر، ثم ترك الناس أحرار في عقيدتهم.
قال تعالى :﴿ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي... ﴾ ( البقرة : ٢٥٦ ).
وقال عز شأنه :﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله... ﴾ ( الأنفال : ٦١ ).
﴿ حتى تضع الحرب أوزارها... ﴾
حتى تنتهي الحرب، وبعد الحرب أحكام يجب احترامها، ومعاهدات يجب المحافظة عليها.
﴿ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض... ﴾
أي : ذلك هو الحكم في قتال الكافرين، والغلظة والشدة في حربهم، ولو أراد الله لانتصر منهم، بإهلاكهم وتعذيبهم بما شاء من أنواع العذاب، كالخسف والرجفة والغرق، دون قتال منكم أيها المؤمنون، لكن الله تعالى أراد امتحان المؤمنين وابتلاءهم بإيجاب القتال عليهم، حتى يرى منهم امتثال أوامره، والرغبة في الشهادة، واحتمال الجهاد والقتال والجراح والآلام.
قال تعالى :﴿ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾. ( البقرة : ٢١٦ ).
فالله تعالى يريد إعداد المؤمنين، وخلق روح الكفاح والقتال فيهم، وفي غزوة بدر رغب بعض المؤمنين في الاستيلاء على تجارة قريش عوضا عن أموالهم التي اغتصبها الكفار بمكة، وأراد الله أن يجعل من بدر ملحمة، حتى يحق الحق وينصر الإسلام، بسبب بطولة المسلمين وجهادهم وبلائهم.
قال تعالى :﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * وليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ﴾. ( الأنفال : ٧، ٨ ).
﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
إن هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم وأنفسهم، وجادوا بها لنصر دين الله، هؤلاء لن يذهب عملهم سدى، ولن يضيع عملهم ولن يحبط، ولن يفقد ثوابه وجزاءه، وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين )٣.
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٤ ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ٥ ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( ٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
عمد القرآن الكريم إلى تربية المسلمين على الجهاد، فمدح الشهادة، وذكر فضل الشهداء، وثوابهم ومنازلهم في الجنة، وحياتهم البرزخية والمعنوية، وهنا يحث المؤمنين على الشجاعة في الحرب، وإحكام القتال، وضرب رقاب الكافرين، وإثخان جراحاتهم وإضعافهم، ثم أخذ الأحياء أسرى، وللإمام حينئذ أن يمن عليهم، أو يقبل الفداء، أو يفعل ما يراه مناسبا لإعزاز الدين ومنفعة المسلمين، مثل تبادل الأسرى، أو غير ذلك، ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بآفات سماوية أو أرضية، لكنه أراد سبحانه اختبار المؤمنين، وتدريبهم وتشجيعهم على قتال الكافرين، أما الشهداء فثوابهم عظيم، وطريقهم إلى الجنة معروف لهم ومألوف، ثم نادى المؤمنين وبين لهم أن المؤمنين الذين ينصرون دين الله، سينصرهم الله وسيمكن لهم في الأرض، أما الذين كفروا فلهم التعاسة، وضياع الأمل، لأنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله، فأحبط الله أعمالهم، وأذهبها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، بسبب عدم إيمانهم.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله تعالى :﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ : اعْلُ هُبل ( أكبر أصنامهم )، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل. فقال المشركون : إنا لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
التفسير :
٥- ﴿ سيهديهم ويصلح بالهم... ﴾
سيوفقهم الله لألوان الهداية والإيمان، وحب الله وحب دينه وحب رسوله، ويمنحهم الألطاف والسداد والتوفيق، ويصلح حالهم وأمرهم، ويجعلهم سعداء في الدنيا، وسعداء في الآخرة.
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٤ ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ٥ ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( ٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
عمد القرآن الكريم إلى تربية المسلمين على الجهاد، فمدح الشهادة، وذكر فضل الشهداء، وثوابهم ومنازلهم في الجنة، وحياتهم البرزخية والمعنوية، وهنا يحث المؤمنين على الشجاعة في الحرب، وإحكام القتال، وضرب رقاب الكافرين، وإثخان جراحاتهم وإضعافهم، ثم أخذ الأحياء أسرى، وللإمام حينئذ أن يمن عليهم، أو يقبل الفداء، أو يفعل ما يراه مناسبا لإعزاز الدين ومنفعة المسلمين، مثل تبادل الأسرى، أو غير ذلك، ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بآفات سماوية أو أرضية، لكنه أراد سبحانه اختبار المؤمنين، وتدريبهم وتشجيعهم على قتال الكافرين، أما الشهداء فثوابهم عظيم، وطريقهم إلى الجنة معروف لهم ومألوف، ثم نادى المؤمنين وبين لهم أن المؤمنين الذين ينصرون دين الله، سينصرهم الله وسيمكن لهم في الأرض، أما الذين كفروا فلهم التعاسة، وضياع الأمل، لأنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله، فأحبط الله أعمالهم، وأذهبها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، بسبب عدم إيمانهم.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله تعالى :﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ : اعْلُ هُبل ( أكبر أصنامهم )، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل. فقال المشركون : إنا لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
المفردات :
عرّفها لهم : يهدي أهل الجنة إلى مساكنهم بإلهام منه تعالى، فلا يخطئونها.
التفسير :
٦- ﴿ ويدخلهم الجنة عرفها لهم ﴾.
وييسر لهم دخول الجنة التي وصفها لهم بأنها نعيم خالد :﴿ فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم... ﴾ ( محمد : ١٥ ).
ومن معاني هذه الآية أن المؤمن إذا دخل الجنة، اهتدى إلى منزله بتوفيق الله وفضله.
روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( والذي نفسي بيده، إن أحدهم بمنزله في الجنة، أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا )٤.
وقال مجاهد : يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم منها، لا يخطئون، كأنهم ساكنوها منذ خلقوا، لا يستدلون عليها أحدا.
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٤ ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ٥ ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( ٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
عمد القرآن الكريم إلى تربية المسلمين على الجهاد، فمدح الشهادة، وذكر فضل الشهداء، وثوابهم ومنازلهم في الجنة، وحياتهم البرزخية والمعنوية، وهنا يحث المؤمنين على الشجاعة في الحرب، وإحكام القتال، وضرب رقاب الكافرين، وإثخان جراحاتهم وإضعافهم، ثم أخذ الأحياء أسرى، وللإمام حينئذ أن يمن عليهم، أو يقبل الفداء، أو يفعل ما يراه مناسبا لإعزاز الدين ومنفعة المسلمين، مثل تبادل الأسرى، أو غير ذلك، ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بآفات سماوية أو أرضية، لكنه أراد سبحانه اختبار المؤمنين، وتدريبهم وتشجيعهم على قتال الكافرين، أما الشهداء فثوابهم عظيم، وطريقهم إلى الجنة معروف لهم ومألوف، ثم نادى المؤمنين وبين لهم أن المؤمنين الذين ينصرون دين الله، سينصرهم الله وسيمكن لهم في الأرض، أما الذين كفروا فلهم التعاسة، وضياع الأمل، لأنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله، فأحبط الله أعمالهم، وأذهبها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، بسبب عدم إيمانهم.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله تعالى :﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ : اعْلُ هُبل ( أكبر أصنامهم )، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل. فقال المشركون : إنا لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
التفسير :
٧- ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾.
يا أيها الذين اختاروا الإيمان، أن تنصروا دين الله وشرعه والجهاد في سبيله، فإن الله تعالى ينصركم على أعدائكم، ويثبت أقدامكم في مواطن الحرب، أو على محجة الإسلام، ويمدكم دائما بالتمسك بالطاعة والتوفيق.
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٤ ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ٥ ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( ٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
عمد القرآن الكريم إلى تربية المسلمين على الجهاد، فمدح الشهادة، وذكر فضل الشهداء، وثوابهم ومنازلهم في الجنة، وحياتهم البرزخية والمعنوية، وهنا يحث المؤمنين على الشجاعة في الحرب، وإحكام القتال، وضرب رقاب الكافرين، وإثخان جراحاتهم وإضعافهم، ثم أخذ الأحياء أسرى، وللإمام حينئذ أن يمن عليهم، أو يقبل الفداء، أو يفعل ما يراه مناسبا لإعزاز الدين ومنفعة المسلمين، مثل تبادل الأسرى، أو غير ذلك، ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بآفات سماوية أو أرضية، لكنه أراد سبحانه اختبار المؤمنين، وتدريبهم وتشجيعهم على قتال الكافرين، أما الشهداء فثوابهم عظيم، وطريقهم إلى الجنة معروف لهم ومألوف، ثم نادى المؤمنين وبين لهم أن المؤمنين الذين ينصرون دين الله، سينصرهم الله وسيمكن لهم في الأرض، أما الذين كفروا فلهم التعاسة، وضياع الأمل، لأنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله، فأحبط الله أعمالهم، وأذهبها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، بسبب عدم إيمانهم.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله تعالى :﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ : اعْلُ هُبل ( أكبر أصنامهم )، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل. فقال المشركون : إنا لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
التفسير :
٨- ﴿ والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ﴾.
والذين كفروا بدين الله، ولم يصدقوا بالإسلام، فهلاكا لهم وشقاء وتعاسة في الدنيا، ولهم عذاب النار في الآخرة.
﴿ وأضل أعمالهم ﴾.
جعلها ضالة لا ثواب لها : لأنها كانت بدون إيمان.
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٤ ) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( ٥ ) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( ٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) ﴾
تمهيد :
عمد القرآن الكريم إلى تربية المسلمين على الجهاد، فمدح الشهادة، وذكر فضل الشهداء، وثوابهم ومنازلهم في الجنة، وحياتهم البرزخية والمعنوية، وهنا يحث المؤمنين على الشجاعة في الحرب، وإحكام القتال، وضرب رقاب الكافرين، وإثخان جراحاتهم وإضعافهم، ثم أخذ الأحياء أسرى، وللإمام حينئذ أن يمن عليهم، أو يقبل الفداء، أو يفعل ما يراه مناسبا لإعزاز الدين ومنفعة المسلمين، مثل تبادل الأسرى، أو غير ذلك، ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بآفات سماوية أو أرضية، لكنه أراد سبحانه اختبار المؤمنين، وتدريبهم وتشجيعهم على قتال الكافرين، أما الشهداء فثوابهم عظيم، وطريقهم إلى الجنة معروف لهم ومألوف، ثم نادى المؤمنين وبين لهم أن المؤمنين الذين ينصرون دين الله، سينصرهم الله وسيمكن لهم في الأرض، أما الذين كفروا فلهم التعاسة، وضياع الأمل، لأنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله، فأحبط الله أعمالهم، وأذهبها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، بسبب عدم إيمانهم.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله تعالى :﴿ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ﴾.
قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب، وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ : اعْلُ هُبل ( أكبر أصنامهم )، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل. فقال المشركون : إنا لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
المفردات :
أحبط : أضاع.
التفسير :
٩- ﴿ ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ﴾.
ذلك الإضلال بسبب كراهيتهم للقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه التوحيد والعفة والاستقامة، وتحريم الخمر والزنا والميسر، ورغبة الكافرين في إشباع ملذاتهم، وإتباع أهوائهم.
﴿ فأحبط أعمالهم... ﴾
أضاع ثوابها لعدم الإيمان، أو أحبط عبادتهم للأوثان والأصنام وجعلها هالكة لا وزن لها ولا ثواب.
قال الزمخشري :
أي : كرهوا القرآن وما أنزل الله فيه من التكاليف والأحكام، لأنهم قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذ، فشق عليهم ذلك وتعاظمهم.
من تفسير الجصاص
قال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض... ﴾ ( الأنفال : ٦٧ ). ذلك يوم بدر، والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى :﴿ فإما منا بعد وإما فداء... ﴾ ( محمد : ٤ ).
فجعل الله النبي والمؤمنين في الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم، أي يفعل الإمام ما يراه مصلحة حربية.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ١٠ ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ( ١١ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ( ١٢ ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( ١٣ ) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٤ ) ﴾
تمهيد :
لون القرآن الكريم في أساليبه استلفاتا للنظر، وتحريكا للعقل والفكر، وهنا يحث الكافرين على السير في الأرض، والتأمل فيما حولهم من القرى التي أهلكت، مثل عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين، لقد دمر الله هذه القرى على من فيها من الناس والأبناء والآباء، والأموال وسائر الممتلكات، وكفار مكة معرضون لمثل هذا الهلاك والتدمير، إن الله ولي المؤمنين وناصرهم، وإن الكافرين لا يجدون وليا ولا نصيرا في الدنيا ولا في الآخرة، إن مآل المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وهذه المياه تنبت الأشجار والثمار والظل وألوان الفاكهة، لذلك اكتفى هنا بذكر الأنهار، لأنها ترشد إلى الخيرات التي ترتبط بها، أما الكفار فإنهم يتمتعون بالملاذ في الدنيا، ويأكلون في بطونهم كما تأكل الأنعام، بلا تدبر ولا تأمل، والنار مصيرهم لعدم إيمانهم، ولكفرهم وعنادهم وجحودهم، وكم أهلكنا من القرى الظالمة التي هي أشد قوة من مكة، وهل يستوي من هو على يقين بالله، وإيمان ثابت بربه، والكافر الذي يرتكب المنكرات، ويتلذذ بالمحرمات، ويتبع هواه وشيطانه ؟ والجواب : لا يستويان.
قال تعالى :﴿ قل لا يستوي الخبيث والطيب... ﴾ ( المائدة : ١٠٠ ).
المفردات :
عاقبة : آخرة، وعاقبة كل شيء : آخره.
دمر الله عليهم : استأصل عليهم ما اختصهم به من أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
أمثالها : أمثال تلك العاقبة.
التفسير :
١٠- ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ﴾.
أفلم يتأمل كفار مكة بالسير في الأرض، أو التفكر بالعقل فيما أصاب المكذبين للرسل في القرى المحيطة بهم، مثل قرى قوم عاد وثمود، وقوم لوط وأصحاب مدين، فقد كذبت هذه القرى الرسل، وعاندت واستكبرت، وكفرت برسل الله، فدّمر الله هذه القرى على من فيها، من الناس والأبناء والآباء، والأموال وسائر الممتلكات، وسيحيق بكل كافر وبأهل مكة أمثال هذا العقاب، حيث أصابتهم فعلا الهزيمة المنكرة في غزوة بدر الكبرى وفي فتح مكة، ولهم عذاب أشد في نار جهنم في الآخرة.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ١٠ ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ( ١١ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ( ١٢ ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( ١٣ ) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٤ ) ﴾
تمهيد :
لون القرآن الكريم في أساليبه استلفاتا للنظر، وتحريكا للعقل والفكر، وهنا يحث الكافرين على السير في الأرض، والتأمل فيما حولهم من القرى التي أهلكت، مثل عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين، لقد دمر الله هذه القرى على من فيها من الناس والأبناء والآباء، والأموال وسائر الممتلكات، وكفار مكة معرضون لمثل هذا الهلاك والتدمير، إن الله ولي المؤمنين وناصرهم، وإن الكافرين لا يجدون وليا ولا نصيرا في الدنيا ولا في الآخرة، إن مآل المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وهذه المياه تنبت الأشجار والثمار والظل وألوان الفاكهة، لذلك اكتفى هنا بذكر الأنهار، لأنها ترشد إلى الخيرات التي ترتبط بها، أما الكفار فإنهم يتمتعون بالملاذ في الدنيا، ويأكلون في بطونهم كما تأكل الأنعام، بلا تدبر ولا تأمل، والنار مصيرهم لعدم إيمانهم، ولكفرهم وعنادهم وجحودهم، وكم أهلكنا من القرى الظالمة التي هي أشد قوة من مكة، وهل يستوي من هو على يقين بالله، وإيمان ثابت بربه، والكافر الذي يرتكب المنكرات، ويتلذذ بالمحرمات، ويتبع هواه وشيطانه ؟ والجواب : لا يستويان.
قال تعالى :﴿ قل لا يستوي الخبيث والطيب... ﴾ ( المائدة : ١٠٠ ).
المفردات :
مولى : ناصر.
التفسير :
١١- ﴿ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾.
ذلك التدمير والاستئصال للكافرين، والنجاة والنصر للمؤمنين، بسبب أن الله ولي المؤمنين وناصرهم، وأن الكافرين الجاحدين لا ناصر لهم، ولا ولي يدفع عنهم العذاب ؛ فوقعت العقوبة بهم.
سبب النزول :
قال قتادة : نزلت الآية :﴿ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾. يوم أحد.
حيث سأل أبو سفيان يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر، فلم يجبه أحد، فقال أبو سفيان : أما هؤلاء فهلكوا، فأجابه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال : كذبت يا عدو الله، بل أبقى الله تعالى ما يسوؤك، وإن الذين عددت أحياء. فقال أبو سفيان : يوم بيوم، والحرب سجال، ثم قال أبو سفيان : اعْلُ هُبل -اعْلُ هُبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( ألا تجيبونه )، قالوا : وما نقول يا رسول الله ؟ قال :( قولوا : الله أعلى وأجل )، ثم قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ).
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ١٠ ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ( ١١ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ( ١٢ ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( ١٣ ) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٤ ) ﴾
تمهيد :
لون القرآن الكريم في أساليبه استلفاتا للنظر، وتحريكا للعقل والفكر، وهنا يحث الكافرين على السير في الأرض، والتأمل فيما حولهم من القرى التي أهلكت، مثل عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين، لقد دمر الله هذه القرى على من فيها من الناس والأبناء والآباء، والأموال وسائر الممتلكات، وكفار مكة معرضون لمثل هذا الهلاك والتدمير، إن الله ولي المؤمنين وناصرهم، وإن الكافرين لا يجدون وليا ولا نصيرا في الدنيا ولا في الآخرة، إن مآل المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وهذه المياه تنبت الأشجار والثمار والظل وألوان الفاكهة، لذلك اكتفى هنا بذكر الأنهار، لأنها ترشد إلى الخيرات التي ترتبط بها، أما الكفار فإنهم يتمتعون بالملاذ في الدنيا، ويأكلون في بطونهم كما تأكل الأنعام، بلا تدبر ولا تأمل، والنار مصيرهم لعدم إيمانهم، ولكفرهم وعنادهم وجحودهم، وكم أهلكنا من القرى الظالمة التي هي أشد قوة من مكة، وهل يستوي من هو على يقين بالله، وإيمان ثابت بربه، والكافر الذي يرتكب المنكرات، ويتلذذ بالمحرمات، ويتبع هواه وشيطانه ؟ والجواب : لا يستويان.
قال تعالى :﴿ قل لا يستوي الخبيث والطيب... ﴾ ( المائدة : ١٠٠ ).
المفردات :
يتمتعون : ينتفعون بمتاع الدنيا.
ويأكلون كما تأكل الأنعام : ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم، ولا يلتفتون إلى العاقبة أو الآخرة.
مثوى : منزل ومقام ومصير.
التفسير :
١٢- ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ﴾.
إن الله الذي هو ولي الذين آمنوا، يختصهم بعنايته ورعايته، وهو سبحانه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، وفي هذه الجنات الأنهار والأشجار والثمار والحور العين، ورضوان الله رب العالمين، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.
﴿ والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ﴾.
الكافرون تشغلهم الدنيا ولذائذها، فهم حريصون على متعها، والاستكثار من الطعام والشراب، والخمر والمحرمات، غير مفكرين في العاقبة، كما تأكل الأنعام في مسارحها ومعالفها، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح، أما منازل الكفار في الآخرة فهي النار، وما فيها من زقوم وحميم وغسلين، وعذاب وإهانة، وغضب الحي القيوم.
روى البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء )٥.
قال فخر الدين الرازي في التفسير الكبير :
كثيرا ما يقتصر الله على ذكر الأنهار في وصف الجنة، لأن الأنهار تتبعها الأشجار، والأشجار تتبعها الثمار، والماء سبب حياة العالم، والنار سبب الإعدام. اه.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ١٠ ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ( ١١ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ( ١٢ ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( ١٣ ) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٤ ) ﴾
تمهيد :
لون القرآن الكريم في أساليبه استلفاتا للنظر، وتحريكا للعقل والفكر، وهنا يحث الكافرين على السير في الأرض، والتأمل فيما حولهم من القرى التي أهلكت، مثل عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين، لقد دمر الله هذه القرى على من فيها من الناس والأبناء والآباء، والأموال وسائر الممتلكات، وكفار مكة معرضون لمثل هذا الهلاك والتدمير، إن الله ولي المؤمنين وناصرهم، وإن الكافرين لا يجدون وليا ولا نصيرا في الدنيا ولا في الآخرة، إن مآل المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وهذه المياه تنبت الأشجار والثمار والظل وألوان الفاكهة، لذلك اكتفى هنا بذكر الأنهار، لأنها ترشد إلى الخيرات التي ترتبط بها، أما الكفار فإنهم يتمتعون بالملاذ في الدنيا، ويأكلون في بطونهم كما تأكل الأنعام، بلا تدبر ولا تأمل، والنار مصيرهم لعدم إيمانهم، ولكفرهم وعنادهم وجحودهم، وكم أهلكنا من القرى الظالمة التي هي أشد قوة من مكة، وهل يستوي من هو على يقين بالله، وإيمان ثابت بربه، والكافر الذي يرتكب المنكرات، ويتلذذ بالمحرمات، ويتبع هواه وشيطانه ؟ والجواب : لا يستويان.
قال تعالى :﴿ قل لا يستوي الخبيث والطيب... ﴾ ( المائدة : ١٠٠ ).
المفردات :
وكأين من قرية : من أهل قرية.
أهلكناهم : بأنواع العذاب.
التفسير :
١٣- ﴿ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ﴾.
كثير من القرى الظالمة، مثل قرى عاد وثمود ولوط، كانوا أعتى وأقوى وأشد قدرة وقوة من أهل مكة الذين أخرجوك وعادوك، وحاولوا قتلك أو نفيك أو حبسك، ولقد أهلكنا كثيرا من هذه القرى الظالمة مع قوتها، ونحن أقدر على إهلاك أهل مكة، لأنهم أقل شأنا وقوة ممن أهلكنا من الظالمين، وإذا كان الله قد أمهل أهل مكة إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك لن ينجيهم من عذاب النار يوم القيامة.
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار وأتاه، التفت إلى مكة وقال :( أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إلي، ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك ).
قال ابن كثير في التفسير معقبا على الأثر السابق : فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه، أو قتل غير قاتله، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ﴾.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ١٠ ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ( ١١ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ( ١٢ ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( ١٣ ) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٤ ) ﴾
تمهيد :
لون القرآن الكريم في أساليبه استلفاتا للنظر، وتحريكا للعقل والفكر، وهنا يحث الكافرين على السير في الأرض، والتأمل فيما حولهم من القرى التي أهلكت، مثل عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين، لقد دمر الله هذه القرى على من فيها من الناس والأبناء والآباء، والأموال وسائر الممتلكات، وكفار مكة معرضون لمثل هذا الهلاك والتدمير، إن الله ولي المؤمنين وناصرهم، وإن الكافرين لا يجدون وليا ولا نصيرا في الدنيا ولا في الآخرة، إن مآل المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وهذه المياه تنبت الأشجار والثمار والظل وألوان الفاكهة، لذلك اكتفى هنا بذكر الأنهار، لأنها ترشد إلى الخيرات التي ترتبط بها، أما الكفار فإنهم يتمتعون بالملاذ في الدنيا، ويأكلون في بطونهم كما تأكل الأنعام، بلا تدبر ولا تأمل، والنار مصيرهم لعدم إيمانهم، ولكفرهم وعنادهم وجحودهم، وكم أهلكنا من القرى الظالمة التي هي أشد قوة من مكة، وهل يستوي من هو على يقين بالله، وإيمان ثابت بربه، والكافر الذي يرتكب المنكرات، ويتلذذ بالمحرمات، ويتبع هواه وشيطانه ؟ والجواب : لا يستويان.
قال تعالى :﴿ قل لا يستوي الخبيث والطيب... ﴾ ( المائدة : ١٠٠ ).
المفردات :
بينة : حجة وبرهان، وتشمل القرآن والحجج العقلية.
سوء عمله : كالشرك والمعاصي.
واتبعوا أهواءهم : في عبادة الأوثان، فلا شبهة دليل لهم في ذلك، والجواب عن قوله :﴿ أفمن كان ﴾. و﴿ كمن زين ﴾. هو : لا مماثلة بين المؤمنين وكفار مكة.
التفسير :
١٤- ﴿ أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ﴾.
هذه آية تقارن بين الحق الثابت الأبلج، والباطل وهو لجلج، بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل عليه، واليقين مستقر في قلبه، وأبي جهل وأمثاله ممن أغواهم الشيطان، وزين لهم الكبر والظلم والعدوان، والكفر والبطر وإتباع الهوى.
قال المفسرون :
يريد بمن :﴿ كان على بينة من ربه ﴾. رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبمن :﴿ زين له سوء عمله ﴾. أبا جهل وكفار قريش، لكن الآية عامة، والعبرة بعموم اللفظ، وفيه أن على المؤمن أن يكون على يقين وحجة وبينة في دينه وإسلامه.
وفي معنى هذه الآية نجد قوله تعالى :﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى... ﴾ ( الرعد : ١٩ ).
وقوله تعالى :﴿ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾. ( الحشر : ٢٠ ).
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ( ١٥ ) ﴾
المفردات :
مثل الجنة : الوصف العجيب للجنة وصفتها.
آسن : متغير الطعم والرائحة لطول مكثه.
لم يتغير طعمه : لم تصر فيه حموضة كألبان الدنيا.
لذة : تأنيث لذ، وهو اللذيذ.
مصفى : خال من الشمع ومن جميع العلائق والمخلفات.
حميما : حارا بالغ الحرارة.
الأمعاء : جمع معي، وهو ما ينتهي إليه الطعام في البطن.
التفسير :
١٥- ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾.
تمهيد :
يصف القرآن نعيم المتقين، فيذكر أحيانا نعيم الجنة الحسي، وأحيانا ما هو أعلى وأسمى، وهو رضوان الله ومودته ومعيته سبحانه، مثل :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ﴾. ( مريم : ٩٦ ).
والله تعالى عليم بعباده ومشاربهم وأذواقهم وطوائفهم.
وهنا يفصل القرآن نعيم الجنة، ويشوق المتقين إلى ما فيها، وكل ما فيها طيب طاهر نظيف، طازج مشرق :﴿ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ﴾. ( الزخرف : ٧١ ).
ومعنى الآية :
صفة الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين، الذين راقبوا الله وأطاعوه، فاستحقوا أن ينالوا جزاءه في الآخرة، في هذه الجنة ما يأتي :
١- أنهار من ماء طازج لم يداخله كدر، ولم يتغير لونه أو طعمه.
٢- أنهار من لبن سليم طازج لم يتغير طعمه بحموضة أو رائحة كريهة كألبان الدنيا.
٣- أنهار من خمر لذيذة الطعم، ليس فيها كراهية ريح، ولا غائلة سكر، ولا يجد شاربها إلا اللذة والمتعة.
٤- أنهار من عسل مصفى، قد صفي من القذى، وما يكون في عسل الدنيا قبل التصفية، من الشمع وفضلات النحل وغيرها.
٥- ﴿ ولهم فيها من كل الثمرات... ﴾ وأنواع الفاكهة اليانعة ذات الألوان البديعة، والروائح الذكية، والطعوم الشهية.
كقوله تعالى :﴿ يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ﴾. ( الدخان : ٥٥ ).
وقال سبحانه :﴿ فيهما من كل فاكهة زوجان ﴾. ( الرحمان : ٥٢ ).
٦- ﴿ ومغفرة من ربهم... ﴾ أي : وقد غفر الله ذنوبهم، وسترها عليهم، وأمنهم يوم الفزع الأكبر، وتجاوز عن السيئات، وكافأهم على الحسنات بفضله ورحمته.
وبذلك جمع لأهل الجنة بين النعيم الحسي والنعيم المعنوي فيما يأتي :
١- الماء : وبدأ به لأنه لا يستغنى عنه في الدنيا.
٢- اللبن : وهو يجري مجرى الطعوم لكثير من العرب في غالب أوقاتهم، فهو حاجة من حاجات الجسم.
٣- الخمر : وهي لذة ونعيم لمن استوفى الضروريات والحاجيات، واحتاج إلى اللذائذ والكماليات.
٤- العسل : وفيه الشفاء والحلاوة.
٥- المغفرة والستر والرحمة، والتجاوز والحنان والفضل من الله.
ثم قارن بين نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار، فقال :
﴿ كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾.
أي : أيستوي النعيم الحسي والمعنوي لأصحاب الجنة بعذاب أهل النار، وخلودهم في الجحيم خلودا أبديا سرمديا، ثم يكلفون بشرب ماء الحميم الذي يغلي غليانا شديدا، ويشوي وجوههم وفروة رؤوسهم، وفيه مع حرارته ما يقطع الأمعاء ويذيبها لتنزل من أدبارهم.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب أهل النار، اللهم أجرنا من النار، ومن عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفار، اللهم آمين.
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٦ ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ( ١٧ ) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ( ١٨ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( ١٩ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات تتحدث عن المنافقين، فالعظة لا تصل إلى قلوبهم لانطماسها بما يشغلها من الدنيا ويبعدها عن الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة وأحيانا يتناول المنافقين بما يسوءهم ويكشفهم، ويعرّي رذائلهم، فإذا خرجوا من خطبة الجمعة قال المنافقون لعبد الله بن مسعود ولعبد الله بن عباس : ماذا قال آنفا ؟ يقولون ذلك استهزاء واستكبارا.
إن قلوب المنافقين قاسية، لم تتفتح للهدى والإيمان، وقلوب المؤمنين فيها هداية زادها الله هداية، ومنحهم التقوى والقبول، إن القيامة قادمة ومحمد صلى الله عليه وسلم من أشراطها، ثم تخاطب الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته، أن داوموا على الإيمان بالله وتصديق رسوله، والاستغفار والتوبة، والله تعالى عليم بحركتكم بالنهار، وبهجوعكم بالليل، أو هو عليم بأعمالكم في الدنيا، وبنهايتكم في الآخرة، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقون.
المفردات :
الذين أوتوا العلم : الصحابة الذين وعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
آنفا : سابقا.
طبع الله على قلوبهم : طمس الله على قلوبهم وختم عليها.
التفسير :
١٦ ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾.
من هؤلاء الكافرين أو المنافقين من يستمع إليك وأنت تخطب الجمعة، أو تقرأ القرآن، وتشرح أمور الإسلام، لكنه يسمع غافلا لاهيا، بدون قلب حاضر أو همة في الاستفادة، أو رغبة في معرفة الإسلام والقرآن.
فإذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم اتجهوا إلى أصحابه صلى الله عليه وسلم، الذين حرصوا على كلامه، واهتموا بما يقول، وعندئذ يسأل المنافقون عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأشباههما : ماذا قال محمد آنفا ؟ وربما كان المقصود السخرية، أي : هل يستحق كلامه أن تحرصوا عليه ؟ وهل يفهم كلامه ؟
والقصد من المنافقين إشاعة البلبلة والحيرة، إنهم قوم قست قلوبهم، وانحرفت عن إتباع الدين، ورغبت في إتباع الهوى والملذات والمنكرات.
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٦ ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ( ١٧ ) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ( ١٨ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( ١٩ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات تتحدث عن المنافقين، فالعظة لا تصل إلى قلوبهم لانطماسها بما يشغلها من الدنيا ويبعدها عن الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة وأحيانا يتناول المنافقين بما يسوءهم ويكشفهم، ويعرّي رذائلهم، فإذا خرجوا من خطبة الجمعة قال المنافقون لعبد الله بن مسعود ولعبد الله بن عباس : ماذا قال آنفا ؟ يقولون ذلك استهزاء واستكبارا.
إن قلوب المنافقين قاسية، لم تتفتح للهدى والإيمان، وقلوب المؤمنين فيها هداية زادها الله هداية، ومنحهم التقوى والقبول، إن القيامة قادمة ومحمد صلى الله عليه وسلم من أشراطها، ثم تخاطب الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته، أن داوموا على الإيمان بالله وتصديق رسوله، والاستغفار والتوبة، والله تعالى عليم بحركتكم بالنهار، وبهجوعكم بالليل، أو هو عليم بأعمالكم في الدنيا، وبنهايتكم في الآخرة، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقون.
المفردات :
آتاهم : ألهمهم.
التفسير :
١٧- ﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾.
إذا كان الكفار والمنافقون قد أعرضوا عن الهدى فطمس الله على قلوبهم، كما قال تعالى :﴿ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾. ( المطففين : ١٤ ).
فإن المؤمنين الذين أحبوا الإسلام واهتدوا بالقرآن، قد زادهم الله هداية وتوفيقا، ومنحهم التقوى، وهي مراقبة الله ومحبته، والإخلاص في طاعته، والإيمان به، وإيثار مرضاته، والالتزام بتنفيذ أوامره، والابتعاد عما نهى عنه.
قال الإمام علي : التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.
وقيل : التقوى هي ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ، وقيل : التقوى هي ألا يراك حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك، وكلها تلتقي على أن التقوى حالة من الشفافية والإيمان، والمحبة لله وطلب القرب منه، والتزام طاعته وابتغاء مرضاته.
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٦ ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ( ١٧ ) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ( ١٨ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( ١٩ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات تتحدث عن المنافقين، فالعظة لا تصل إلى قلوبهم لانطماسها بما يشغلها من الدنيا ويبعدها عن الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة وأحيانا يتناول المنافقين بما يسوءهم ويكشفهم، ويعرّي رذائلهم، فإذا خرجوا من خطبة الجمعة قال المنافقون لعبد الله بن مسعود ولعبد الله بن عباس : ماذا قال آنفا ؟ يقولون ذلك استهزاء واستكبارا.
إن قلوب المنافقين قاسية، لم تتفتح للهدى والإيمان، وقلوب المؤمنين فيها هداية زادها الله هداية، ومنحهم التقوى والقبول، إن القيامة قادمة ومحمد صلى الله عليه وسلم من أشراطها، ثم تخاطب الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته، أن داوموا على الإيمان بالله وتصديق رسوله، والاستغفار والتوبة، والله تعالى عليم بحركتكم بالنهار، وبهجوعكم بالليل، أو هو عليم بأعمالكم في الدنيا، وبنهايتكم في الآخرة، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقون.
المفردات :
بغتة : فجأة.
أشراطها : علاماتها.
فأنى لهم : كيف لهم.
ذكراهم : تذكرهم.
التفسير :
١٨- ﴿ فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾.
متى يتحرك هؤلاء الكفار إلى التوبة والإيمان، قبل أن يفاجئهم الموت، إن من مات فقد قامت قيامته، أي : هل ينتظر هؤلاء الغافلون اللاهون إلا القيامة تفاجئهم، وتنهي حياتهم فجأة.
فقد جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته من علامات الساعة، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بعثت أنا والساعة كهاتين )، وقرن بين أصبعيه الوسطى والسبابة.
وقد جاء في أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نبي التوبة، ونبي الملحمة، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه، والعاقب فلا نبي بعده.
﴿ فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾.
من أين لهم إذا جاءتهم الساعة وانقطعت آجالهم، أن يتذكروا ويستعتبوا ؟ فقد فات أوان ذلك، وذهب وقت التذكر، فقد عُمِّروا ما يتذكر فيه من تذكر وجاءهم النذير، وفي هذا الحث على الاستعداد قبل مفاجأة الموت.
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٦ ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ( ١٧ ) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ( ١٨ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( ١٩ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات تتحدث عن المنافقين، فالعظة لا تصل إلى قلوبهم لانطماسها بما يشغلها من الدنيا ويبعدها عن الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة وأحيانا يتناول المنافقين بما يسوءهم ويكشفهم، ويعرّي رذائلهم، فإذا خرجوا من خطبة الجمعة قال المنافقون لعبد الله بن مسعود ولعبد الله بن عباس : ماذا قال آنفا ؟ يقولون ذلك استهزاء واستكبارا.
إن قلوب المنافقين قاسية، لم تتفتح للهدى والإيمان، وقلوب المؤمنين فيها هداية زادها الله هداية، ومنحهم التقوى والقبول، إن القيامة قادمة ومحمد صلى الله عليه وسلم من أشراطها، ثم تخاطب الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته، أن داوموا على الإيمان بالله وتصديق رسوله، والاستغفار والتوبة، والله تعالى عليم بحركتكم بالنهار، وبهجوعكم بالليل، أو هو عليم بأعمالكم في الدنيا، وبنهايتكم في الآخرة، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقون.
المفردات :
متقلبكم : تصرفكم وتقلبكم لأشغالكم في الدنيا.
ومثواكم : إما سكونكم ومأواكم إلى مضاجعكم في الليل، وإما مأواكم في الجنة أو النار. أي : هو عالم بجميع أحوالكم في الدنيا والآخرة، لا يخفى عليه شيء منها.
التفسير :
١٩- ﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ﴾.
الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد كل من يتأتى منه العلم، أي : ازدد يقينا وعلما وإيمانا بأن الكون جميعه ليس له إلا إله واحد، هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وكرر الاستغفار والتوبة والإنابة وطلب المغفرة، وستر الذنوب ومحو السيئات، وتثبيت الحسنات، وادع الله أن يغفر لك وللمؤمنين والمؤمنات.
وقد أورد ابن كثير في تفسيره طائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تدل على فضل الاستغفار، ومنزلته العالية في مغفرة الذنب، ومن هذه الأحاديث ما يأتي :-
في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة :( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت ).
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال :( يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ).
﴿ والله يعلم متقلبكم ومثواكم ﴾.
والله تعالى مطلع وعالم بمتقلبكم وتصرفاتكم في نهاركم، ويعلم، ﴿ مثواكم ﴾. ومستقركم في ليلكم.
كقوله تعالى :﴿ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار... ﴾ ( الأنعام : ٦٠ ).
وقوله سبحانه :﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ﴾. ( هود : ٦ ).
وعن ابن عباس قال :﴿ متقلبكم ﴾. في الدنيا، ﴿ ومثواكم ﴾. في الآخرة.
وقال السدي :﴿ متقلبكم ﴾. في الدنيا، ﴿ ومثواكم ﴾. في قبوركم.
وأرى أن الآية تتسع لتناول الوجوه المذكورة كلها، فالله سبحانه مطلع وعالم بحركاتنا بالنهار ومثوانا بالليل، وهو عالم في نفس الوقت بحركتنا وعملنا في الدنيا، ومثوانا في قبرونا، ومآلنا في آخرتنا، والله أعلم.
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ( ٢٠ ) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ( ٢١ ) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ( ٢٢ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ( ٢٣ ) ﴾
تمهيد :
تفيد الآيات موقف المؤمنين والمنافقين من الآيات العملية، التي تحث على الجهاد والزكاة والصلاة، فالمؤمنون يتشوقون لنزول سورة تحث على الجهاد والزكاة، وتكلفهم بما يقربهم من ربهم، أما المنافقون فإذا سمعوا الآيات التي تحث على الجهاد والزكاة فإنهم يصيبهم الهول والويل، فلو صدقوا الله في الجهاد لكان طريقهم إلى الجنة مفروشا بالعمل الصالح وحسن النية.
ثم تقول الآيات : جدير بكم إذا توليتم وأعرضتم عن هدي القرآن وتكاليف الإسلام، أن تعودوا إلى صفات الجاهلية، وهي الفساد في الأرض، وتقطيع الأرحام، ومن فعل ذلك فقد لعنه الله وطرده من رحمته، وأعمى بصيرته عن رؤية الحق، والاهتداء بآيات الله.
المفردات :
لولا : كلمة تفيد الحث على حصول ما بعدها، أي هلا أنزلت سورة في أمر الجهاد.
محكمة : بينة واضحة لا احتمال فيها لشيء آخر.
مرض : ضعف إيمان ونفاق.
المغشي عليه من الموت : من حضرته أعراض الموت وغشيته.
أولى لهم : ويل لهم، كما قال تعالى :﴿ أولى لك فأولى ﴾. ( القيامة : ٣٤ ).
التفسير :
٢٠- ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾.
يتشوق المؤمنون إلى نزول آيات من كتاب الله ليتسابقوا إلى العمل بما فيها من تكاليف أو جهاد، ويقولون : هلا أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة جديدة، لنستمع إلى وحي السماء، وننفذ أوامر ربنا إذا طلب منا الجهاد، فإذا أنزل الله سورة محكمة، واضحة في أوامرها، لا تحتمل وجها آخر، بل هي صريحة في طلب الجهاد، فإن المنافقين يعتريهم الخوف والخور، والجبن والتردد، وينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ نظر المغشي عليه من الموت... ﴾ وهو الذي نزل الموت بساحته، فأبلس واضطرب، وأغمي عليه من الخوف والجبن.
﴿ فأولى لهم ﴾. أي : فالويل والهلاك لهم، كما قال سبحانه وتعالى :﴿ أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى ﴾. ( القيامة : ٣٤، ٣٥ ). أي : هلاكا وسعيرا لك.
ويجوز أن يكون المعنى كالآتي :
﴿ فأولى لهم ﴾. أي : أفضل لهم وأولى بهم أن يطيعوا الله ورسوله، وأن يقولوا : طاعة وقول معروف.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ( ٧٧ ) ﴾. ( النساء : ٧٧ ).
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ( ٢٠ ) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ( ٢١ ) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ( ٢٢ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ( ٢٣ ) ﴾
تمهيد :
تفيد الآيات موقف المؤمنين والمنافقين من الآيات العملية، التي تحث على الجهاد والزكاة والصلاة، فالمؤمنون يتشوقون لنزول سورة تحث على الجهاد والزكاة، وتكلفهم بما يقربهم من ربهم، أما المنافقون فإذا سمعوا الآيات التي تحث على الجهاد والزكاة فإنهم يصيبهم الهول والويل، فلو صدقوا الله في الجهاد لكان طريقهم إلى الجنة مفروشا بالعمل الصالح وحسن النية.
ثم تقول الآيات : جدير بكم إذا توليتم وأعرضتم عن هدي القرآن وتكاليف الإسلام، أن تعودوا إلى صفات الجاهلية، وهي الفساد في الأرض، وتقطيع الأرحام، ومن فعل ذلك فقد لعنه الله وطرده من رحمته، وأعمى بصيرته عن رؤية الحق، والاهتداء بآيات الله.
المفردات :
عزم الأمر : جد الأمر.
التفسير :
٢١- ﴿ طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ﴾.
أي : طاعة وقول معروف خير لهم، أو :﴿ فأولى لهم ﴾. أي : خير لهم طاعة وقول معروف، فيا ليتهم في وضع أفضل مما هم عليه، بحيث يقابلون طلب الجهاد، بقولهم :﴿ طاعة ﴾. لله ورسوله واستجابة لأمرهما، ويقولون : سمعنا وأطعنا.
﴿ فإذا عزم الأمر... ﴾ أي : جد الجد، وجاءت ساعة الصفر، وبدأ تنفيذ الجهاد عمليا، فلو صدقوا الله في الإيمان والعزيمة والجد، وانضموا قولا وعملا وسلوكا وتنفيذا لجيش المسلمين، لكان ذلك خيرا لهم، حيث يحصلون على الغنيمة عند النصر، أو الثواب على الجهاد، والجنة في الآخرة.
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ( ٢٠ ) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ( ٢١ ) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ( ٢٢ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ( ٢٣ ) ﴾
تمهيد :
تفيد الآيات موقف المؤمنين والمنافقين من الآيات العملية، التي تحث على الجهاد والزكاة والصلاة، فالمؤمنون يتشوقون لنزول سورة تحث على الجهاد والزكاة، وتكلفهم بما يقربهم من ربهم، أما المنافقون فإذا سمعوا الآيات التي تحث على الجهاد والزكاة فإنهم يصيبهم الهول والويل، فلو صدقوا الله في الجهاد لكان طريقهم إلى الجنة مفروشا بالعمل الصالح وحسن النية.
ثم تقول الآيات : جدير بكم إذا توليتم وأعرضتم عن هدي القرآن وتكاليف الإسلام، أن تعودوا إلى صفات الجاهلية، وهي الفساد في الأرض، وتقطيع الأرحام، ومن فعل ذلك فقد لعنه الله وطرده من رحمته، وأعمى بصيرته عن رؤية الحق، والاهتداء بآيات الله.
المفردات :
عسيتم : قاربتم.
توليتم : توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم، أن تعودوا إلى أفعال الجاهلية، من قطع الأرحام، والإفساد في الأرض، أو إن توليتم وأعرضتم عن هدى القرآن، أن تعودوا كفارا تقطعون الرحم وتفسدون في الأرض.
التفسير :
٢٢- ﴿ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ﴾.
جدير بكم إذا أعرضتم عن الجهاد، وعن تنفيذ أوامر الله، أن تعودوا كما كنتم في الجاهلية، تفسدون في الأرض بالنهب والغارة، وتقطعون الرحم التي أمر الله بصلتها، فالآية تهديد ووعيد للمنافقين، وبيان لهم بأن ترك الالتزام بأمر الله وتوجيه رسوله من شأنه أن يشيع الفرقة والتنازع بين المنافقين والأمة المسلمة، فيعود المجتمع في المدينة إلى حالة من الفوضى، ينتشر فيها القتل وسفك الدماء والفساد في الأرض، وتقطيع الأرحام بين أفراد الأمة الواحدة، أو بين القريب والقريب، حيث يتقاتل المنافقون مع المؤمنين.
وجوز بعض المفسرين أن يكون المعنى في هذه الآية كما يأتي :
فهل عسيتم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم، أن تفسدوا في الأرض، وترجعوا إلى التناهب والقتل، وقطع الأرحام، ووأد البنات كما كنتم في الجاهلية، وتخصيص الأرحام بالذكر تأكيد لحقها، وتحذير للناس من قطع الرحم.
قال تعالى :﴿ واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام... ﴾ ( النساء : ١ ).
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ( ٢٠ ) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ( ٢١ ) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ( ٢٢ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ( ٢٣ ) ﴾
تمهيد :
تفيد الآيات موقف المؤمنين والمنافقين من الآيات العملية، التي تحث على الجهاد والزكاة والصلاة، فالمؤمنون يتشوقون لنزول سورة تحث على الجهاد والزكاة، وتكلفهم بما يقربهم من ربهم، أما المنافقون فإذا سمعوا الآيات التي تحث على الجهاد والزكاة فإنهم يصيبهم الهول والويل، فلو صدقوا الله في الجهاد لكان طريقهم إلى الجنة مفروشا بالعمل الصالح وحسن النية.
ثم تقول الآيات : جدير بكم إذا توليتم وأعرضتم عن هدي القرآن وتكاليف الإسلام، أن تعودوا إلى صفات الجاهلية، وهي الفساد في الأرض، وتقطيع الأرحام، ومن فعل ذلك فقد لعنه الله وطرده من رحمته، وأعمى بصيرته عن رؤية الحق، والاهتداء بآيات الله.
المفردات :
أولئك : المفسدون.
لعنهم الله : طردهم الله من رحمته.
فأصمهم : عن سماع الحق.
التفسير :
٢٣- ﴿ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ﴾.
هؤلاء المفسدون في الأرض، القاطعون للرحم، هم الذين لعنهم الله فطردهم من رحمته، وجعلهم حيارى لا يهتدون إلى طريق الإيمان، ولا يوفقون إلى هداية الرحمان، فآذانهم صماء لا تسمع الهدى لأنهم تصامموا فأصمهم الله، وتعاموا عن النظر في آفاق الكون، وفي الأدلة الساطعة على وجود الله وعظمته، فأعمى الله أبصارهم وبصائرهم، وأظلم قلوبهم فصارت قاسية لا تلين لذكر الله، ولا تستجيب لدعوة الهدى.
من تفسير ابن كثير :
أورد الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية طائفة من الأحاديث والآثار في الحث على صلة الرحم، وفضل صلة الرحم، وعقوبة قطيعة الرحم، وهي في جملتها تهيب بالمسلم أن يعمل الآتي :
١- الحرص على صلة الرحم، ورعاية الأقارب، والسؤال عنهم، وزيارتهم والعطف عليهم.
٢- مقابلة الإساءة بالإحسان، حتى لا تقطع الأرحام ولا يعم الجفاء بين الأقارب.
روى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خلق الله تعالى الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقوى الرحمان عز وجل، فقال : مه، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى، قال : فذاك لك ). قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا إن شئتم :﴿ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ﴾.
وروى الإمام أحمد، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا، مع ما يدخر صاحبه في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم ).
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم :( لا، إذن تتركون جميعا، ولكن جد بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك ). أخرجه أحمد.
وروى الإمام أحمد، والبخاري، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ).
وفي الحديث القدسي :( قال الله عز وجل : أنا الرحمان، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه )، أخرجه أحمد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ). وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا ظهر القول وخزن العمل، وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم ). أخرجه الإمام أحمد، والأحاديث في هذا كثيرة، والله أعلم٦.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
يتدبرون القرآن : يتفهمونه ويتأملونه ما فيه من وصايا ونصائح.
أقفالها : مغاليقها التي لا تفتح.
التفسير :
٢٤- ﴿ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ﴾.
هلا تدبر هؤلاء المنافقون أو الكافرون القرآن، وأمعنوا النظر والتأمل في هداياته وآدابه وتشريعاته، وحلاله وحرامه، وقصصه وأمثاله، وما اشتمل عليه من عظات وعبر تفتح القلوب، وتلين لها الأفئدة، وتخشع لها الجبال الراسيات، لكن هؤلاء لم يهتدوا، فهم بين أمرين : إما أنهم لا يتأملون القرآن ولا يتدبرون ما فيه، وإما أنهم يتدبرون ويقرأون القرآن، لكن قلوبهم مغلقة، كالبيوت التي وضعت الأقفال على أبوابها، فلا يستطيع الإنسان دخولها.
وظاهر الآية أنها خطاب لجميع الكفار، خصوصا المنافقين، والآية توبيخ لهم، وأمر بتدبر القرآن وتفهمه، ونهى عن الإعراض عنه، وقد وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة، فإنه تعالى قال :﴿ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ﴾. ( محمد : ٢٣ ).
لقد طردهم الله من رحمته بسبب نفاقهم ومرض قلوبهم وخيانتهم.
قال تعالى :﴿ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ﴾. ( البقرة : ١٠ ).
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
سول لهم : سهل لهم وزين لهم.
وأملى لهم : مد لهم في الأماني والآمال.
التفسير :
٢٥- ﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ﴾.
قيل : إن هذه الآية نزلت في بعض المنافقين، الذين خالطوا المسلمين وشاهدوا هداية الله لهم، ثم رجعوا إلى الكفر، وقيل : نزلت في بعض اليهود، دخلوا في الإسلام، وشاهدوا هداية القرآن، وتوفيق وأمانة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ثم مرضت قلوبهم وحقدوا وحسدوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فعادوا إلى اليهودية، وقيل : نزلت في بعض الكفار.
والأولى أن نقول : إن الآية عامة، وتشمل كل من تنطبق عليهم.
والمعنى :
إن الذين دخلوا في الإسلام، ثم نكصوا على أعقابهم، ورجعوا إلى الضلال بعد أن تبين لهم الهدى، وعادوا إلى الكفر بعد أن شاهدوا نور الإسلام، وإعجاز القرآن وفضله وبركته وهدايته، وآدابه وتشريعاته، هؤلاء وقعوا أسرى لإغراء الشيطان، ووسوسته لهم بطول الأمد والاغتراف من الملذات، والمغانم الدنيوية، فآثروا العاجلة على الباقية، كما قال تعالى :
﴿ بل توثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى ﴾. ( الأعلى : ١٦، ١٧ ).
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
إسرارهم : قالوا ذلك سرا فأظهره الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى، والإسرار : مصدر السِّر، وقرئ بفتح الهمزة : أسرارهم، جمع سر.
التفسير :
٢٦- ﴿ ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم ﴾.
ذلك الارتداد والعمى، والكفر بعد الإيمان، بسبب أنهم بيتوا السوء والكيد للمسلمين، فقال المنافقون لليهود الذين كرهوا ما أنزل الله تعالى من القرآن الكريم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حقدا وحسدا، على أن يتفضل الله بهذه النعم على رجل من نسل إسماعيل، وليس من نسل إسحاق.
وفيهم قال سبحانه :﴿ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله... ﴾ ( النساء : ٥٤ ).
لقد قال المنافقون لليهود سرا : نحن أولياؤكم سنطيعكم في بعض الأمر، وهو عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، والتكاسل عن الجهاد معه، والانضمام إليكم إذا أخرجتم من المدينة، ونصركم عند القتال، والله تعالى مطلع على خفاياهم وخباياهم وإسرارهم، وإسرارهم بالكسر مصدر السّر، وقرئ بفتح الهمزة : أسرارهم، جمع سر، فهو عالم بالخفايا، يحاسبهم يوم القيامة على ما تكن صدورهم من عداوة للإسلام والمسلمين.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( ١١ ) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ( ١٢ ) ﴾. ( الحشر : ١١، ١٢ ).
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
فكيف إذا توفتهم الملائكة : كيف حالهم، أو كيف يعملون ويحتالون حينئذ.
يضربون وجوههم وأدبارهم : تصوير للأهوال والفظائع التي يشهدها المنافقون عند الموت، حيث تضرب الملائكة وجوههم وظهورهم.
التفسير :
٢٧- ﴿ فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ﴾.
كيف يكون حال هؤلاء العصاة المنافقين إذا ما انتهت حياتهم، وحضرت الملائكة لاستخراج أرواحهم، وتعاصت الأرواح عن الخروج من الجسد، واشتدت الحشرجة، والملائكة يضربون وجوههم من الأمام، وأدبارهم من الخلف، هل يستطيعون أن يتلونوا أو ينافقوا عند موتهم، وهو آت لاشك في ذلك ؟
وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾. ( الأنفال : ٥٠، ٥١ ).
وقال تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ﴾. ( الأنعام : ٩٣ ).
قال المفسرون : وضرب الوجوه والأدبار زيادة في المهانة والإذلال، وعن ابن عباس قال : لا يتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
أحبط : أبطل وأذهب.
التفسير :
٢٨- ﴿ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ﴾.
ذلك العذاب بسبب إتباع المنافقين لما يغضب الله، كترك الجهاد، وممالأة اليهود.
﴿ وكرهوا رضوانه... ﴾ ورضوان الله يكون في رضاه وطاعته، وصدق الإيمان به، وتوقير رسوله، وفهم كتابه، والمسارعة إلى مرضاته، لكن المنافقين كانوا على العكس من ذلك، حيث ساروا في طرق مظلمة ملتوية، فعاهدوا اليهود وتضامنوا معهم، وخاصموا المسلمين وحقدوا عليهم، وذلك السلوك أغضب الله عليهم، فحل بهم غضب الله، وابتعد عنهم رضوان الله وفضله ورحمته، وأبطل الله ثواب أعمالهم، كالصدقة وصلة الرحم، لأنهم كانوا منافقين غير مخلصين، والله تعالى يقول :
﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين... ﴾ ( البينة : ٥ ).
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
أضغانهم : أحقادهم. جمع ضغن.
التفسير :
٢٩، ٣٠- ﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ﴾. كان المنافقون في المدينة طابورا خامسا، وشوكة في جنب المسلمين، يشوشون على المسلمين، ويحزنون إذا انتصروا، ويشيعون عنهم أقاويل السوء، ويضمرون لهم العداوة والبغضاء.
وفي هاتين الآيتين يهددهم الله بأن يكشف أسرارهم، وأن يظهر للمسلمين حقدهم وضغنهم، وخبايا نفوسهم، ومكنونات قلوبهم المريضة العليلة بالضغن والحقد.
ولو أراد الله تعالى لكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أسمائهم وأشخاصهم وعلاماتهم، لكن الله تعالى سترا منه على عباده، أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بصفاتهم العامة، لا بأسمائهم، كما أعلمه بطريقتهم في لحن القول، وهو إسرار شيء متفق عليه لا يفهمه إلا صاحب لهم، قد بيتوا الأمر معه على طريقة في القول، يلحنون بها لحنا معينا، يفهم منه ما يريدون، ولا يعرف ذلك الآخرون.
قال الشوكاني في تفسير الآية :
لحن القول : فحواه ومقصده ومغزاه، وهو هنا : ما يعرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين، وقد قيل : كان بعد هذا لا يتلكم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه.
﴿ والله يعلم أعمالكم ﴾.
لا تخفى عليه منها خافية، فيجازيكم بها. اه.
ونلحظ أنه لا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين وكشف أمورهم، حتى سميت سورة براءة بالكاشفة والفاضحة والمبعثرة، لأنها كشفت المنافقين وفضحتهم وبعثرتهم، بقولها :﴿ ومنهم ﴾... ﴿ ومنهم ﴾... ﴿ ومنهم ﴾.
مثل قوله تعالى :﴿ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ﴾. ( التوبة : ٥٨ ).
ومثل قوله تعالى :﴿ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴾. ( التوبة : ٤٩ ).
وهكذا كشف القرآن الكريم أمر المنافقين، وأظهر كيدهم، وألقى عليهم الأضواء الكاشفة ليحذر المسلمون منهم.
وروى ابن كثير أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال : ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وفي الحديث :( ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر )٧.
لحن القول : فحواه ومعاريضه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:أحوال المنافقين
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
المفردات :
أضغانهم : أحقادهم. جمع ضغن.
التفسير :
٢٩، ٣٠- ﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ﴾. كان المنافقون في المدينة طابورا خامسا، وشوكة في جنب المسلمين، يشوشون على المسلمين، ويحزنون إذا انتصروا، ويشيعون عنهم أقاويل السوء، ويضمرون لهم العداوة والبغضاء.
وفي هاتين الآيتين يهددهم الله بأن يكشف أسرارهم، وأن يظهر للمسلمين حقدهم وضغنهم، وخبايا نفوسهم، ومكنونات قلوبهم المريضة العليلة بالضغن والحقد.
ولو أراد الله تعالى لكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم عن أسمائهم وأشخاصهم وعلاماتهم، لكن الله تعالى سترا منه على عباده، أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بصفاتهم العامة، لا بأسمائهم، كما أعلمه بطريقتهم في لحن القول، وهو إسرار شيء متفق عليه لا يفهمه إلا صاحب لهم، قد بيتوا الأمر معه على طريقة في القول، يلحنون بها لحنا معينا، يفهم منه ما يريدون، ولا يعرف ذلك الآخرون.
قال الشوكاني في تفسير الآية :
لحن القول : فحواه ومقصده ومغزاه، وهو هنا : ما يعرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين، وقد قيل : كان بعد هذا لا يتلكم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه.
﴿ والله يعلم أعمالكم ﴾.
لا تخفى عليه منها خافية، فيجازيكم بها. اه.
ونلحظ أنه لا تكاد تخلو سورة مدنية من ذكر المنافقين وكشف أمورهم، حتى سميت سورة براءة بالكاشفة والفاضحة والمبعثرة، لأنها كشفت المنافقين وفضحتهم وبعثرتهم، بقولها :﴿ ومنهم ﴾... ﴿ ومنهم ﴾... ﴿ ومنهم ﴾.
مثل قوله تعالى :﴿ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ﴾. ( التوبة : ٥٨ ).
ومثل قوله تعالى :﴿ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴾. ( التوبة : ٤٩ ).
وهكذا كشف القرآن الكريم أمر المنافقين، وأظهر كيدهم، وألقى عليهم الأضواء الكاشفة ليحذر المسلمون منهم.
وروى ابن كثير أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال : ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وفي الحديث :( ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر )٧.
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) ﴾
تمهيد :
تصور الآيات موقف المنافقين في المدينة، بعدما عظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وانتصر في معظم غزواته، فأظهروا الإسلام أمام الناس، وارتدوا على أعقابهم إلى الكفر سرا، وقد زين لهم الشيطان ذلك ومنّاهم ومد لهم في الأمل.
وقد كانت هناك موالاة بين المنافقين واليهود، وكان اليهود أهل كتاب، والتوراة بين أيديهم تبشر بظهور رسول قد أظل زمانه، فلما ظهر الرسول من نسل إسماعيل -ولم يكن من نسل إسحاق- كره اليهود رسالته، وكرهوا هجرته إلى المدينة، وأصبح اليهود شياطين للمنافقين، يحركونهم إلى الشر، وتم التنسيق بين المنافقين واليهود.
فقال المنافقون لليهود سرا : سنقف معكم عند الحصار والحرب. والله سبحانه مطلع على أسرار هؤلاء المنافقين.
ثم تعرض الآيات موقف المنافقين عند الموت والغرغرة، والإنسان في أضعف حالاته، والملائكة تضرب وجوههم، وتضرب أدبارهم التي ارتدوا عليها ورجعوا إلى الكفر بعد الإسلام، ذلك لأن المنافقين ساروا على طريق يغضب الله، ولا يرضيه، فأصاب أعمالهم بالإحباط والضياع.
وهنا يهدد الله المنافقين بأن يكشف سترهم، وأن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على خباياهم، فيعرفهم بأشكالهم، ويعرفهم بطريقة كلامهم، والله سبحانه مطلع عليهم.
التفسير :
٣١- ﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾.
تقوم الحياة على الابتلاء والاختبار، قال تعالى :
﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا... ﴾ ( الملك : ٢ ).
وقال عز شأنه :﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ﴾. ( الكهف : ٧ ).
فالله تعالى يعطي الإنسان الإمكانيات، مثل المال أو الشباب أو العلم، أو القدرة على الجهاد أو قول الحق، ثم يكلفه الله تعالى أن يؤدي واجب الجهاد أو الزكاة أو قول الحق، ليتبين المؤمنين من الكافرين والمنافقين.
جاء في صفوة التفاسير للشيخ محمد علي الصابوني ما يأتي :
﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين... ﴾
أي : ولنختبرنكم أيها الناس بالجهاد وغيره من التكاليف الشاقة، حتى نعلم -علم ظهور- المجاهدين في سبيل الله، والصابرين على مشاق الجهاد.
﴿ ونبلو أخباركم ﴾. ونختبر أعمالكم، حسنها وقبيحها.
وجاء في التسهيل لعلوم التنزيل ٤/٥٠ ما يأتي :
المراد بقوله :﴿ حتى نعلم ﴾. أي نعلمه ظاهرا في الوجود، تقوم به الحجة عليكم، وقد علم الله الأشياء قبل كونها، ولكنه أراد إقامة الحجة على عباده بما يصدر منهم.
وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبتلنا، فإنك إذا ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا )٨.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ( ٣٢ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( ٣٣ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( ٣٤ ) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
بينت الآيات حال جماعة من الكافرين آمنوا ثم ارتدوا من بعد ما شاهدوا أنوار الإسلام، وقيل : نزلت الآية الثانية والثلاثون من سورة محمد، في جماعة من أهل الكتاب وهم بنو قريظة وبنو النضير، كفروا بالله وصدوا الناس عن الإسلام، وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن شاهدوا نعته في التوراة، وما ظهر على يديه من المعجزات، فهؤلاء أصغر وأحقر من أن يضروا دين الله وهو الإسلام، وسيحبط الله عملهم ويبطل كيدهم.
ثم ذكر ضعف بعض النفوس المسلمة، وتخلفها عن الفداء والتضحية، مثل بني سعد الذين أسلموا وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلينا، منا بذلك عليه، فنهاهم وأمثالهم عن هذا التطاول المحبط للعمل والمضيع للثواب، وهكذا يربي القرآن المسلمين، ويهدد الكافرين الذين ماتوا وهم كفار بأن الله لن يغفر لهم.
ثم يدعو المسلمين إلى التماسك والجهاد، وعدم الدعوة إلى الإسلام خوفا وجبنا من الكفار، أما إذا جنح الكفار إلى الإسلام ورغبوا فيه، فلا مانع منه، وبذلك نعمل بكل الآيات، تلبية السلام عند ميل الكافرين إليه، والتماسك والقوة عند ضياع الحقوق، أو الدفاع عن المقدسات، ولكل حالة ما يناسبها.
المفردات :
شاقوا الرسول : عادوه وخالفوه، وأصله : صاروا في شق غير شقه.
التفسير :
٣٢- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ﴾.
قيل : نزلت هذه الآية في يهود بني قريظة وبني النضير، حيث تبين لهم في التوراة صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وشاهدوا المعجزات تظهر على يديه، فأعرضوا عن الإسلام.
وقيل : نزلت في المنافقين، وقيل : نزلت في كفار قريش، والأولى أن يقال : إن الآية عامة في جميع هذه الأصناف وأمثالها.
والمعنى :
إن الذين كفروا بالله ورسوله، ومنعوا الناس من الإيمان، وزينوا لهم الكفر، وعادوا رسول الله، وصاروا في شق وجانب غير جانبه من بعد أن شاهدوا صدقه، وأدركوا أنه صادق أمين هؤلاء :﴿ لن يضروا الله شيئا... ﴾ فهم أحقر وأذل من ذلك، لأن الله غالب على أمره، ولن يضروا دين الله وهو الإسلام، ولا رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وسيبطل الله كيدهم، ويمحق تدبيرهم، ويحفظ رسوله وينصر دينه، وقد تم ذلك في غزوة بدر، وفي غزوة بني قريظة، والأحزاب وغيرها، ونصر الله الإسلام على الكافرين والمنافقين واليهود وسائر أعداء دين الإسلام.
وفي معنى هذه الآية يقول الله تعالى في سورة الصف :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ٧ ) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( ٨ ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( ٩ ) ﴾. ( الصف : ٧-٩ ).
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ( ٣٢ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( ٣٣ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( ٣٤ ) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
بينت الآيات حال جماعة من الكافرين آمنوا ثم ارتدوا من بعد ما شاهدوا أنوار الإسلام، وقيل : نزلت الآية الثانية والثلاثون من سورة محمد، في جماعة من أهل الكتاب وهم بنو قريظة وبنو النضير، كفروا بالله وصدوا الناس عن الإسلام، وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن شاهدوا نعته في التوراة، وما ظهر على يديه من المعجزات، فهؤلاء أصغر وأحقر من أن يضروا دين الله وهو الإسلام، وسيحبط الله عملهم ويبطل كيدهم.
ثم ذكر ضعف بعض النفوس المسلمة، وتخلفها عن الفداء والتضحية، مثل بني سعد الذين أسلموا وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلينا، منا بذلك عليه، فنهاهم وأمثالهم عن هذا التطاول المحبط للعمل والمضيع للثواب، وهكذا يربي القرآن المسلمين، ويهدد الكافرين الذين ماتوا وهم كفار بأن الله لن يغفر لهم.
ثم يدعو المسلمين إلى التماسك والجهاد، وعدم الدعوة إلى الإسلام خوفا وجبنا من الكفار، أما إذا جنح الكفار إلى الإسلام ورغبوا فيه، فلا مانع منه، وبذلك نعمل بكل الآيات، تلبية السلام عند ميل الكافرين إليه، والتماسك والقوة عند ضياع الحقوق، أو الدفاع عن المقدسات، ولكل حالة ما يناسبها.
التفسير :
٣٣- ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ﴾.
امتن بعض المسلمين بإيمانهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فبين القرآن أن هذا المن يبطل العمل، فالفضل لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبهذا كان القرآن الكريم يرتفع بالمسلمين إلى مستوى الإخلاص والنقاء والصفاء في إيمانهم.
ومعنى الآية :
يا أيها الذين آمنوا، اصدقوا في إيمانكم بطاعة الله، والتزام أوامره، وطاعة الرسول، وتنفيذ توجيهاته.
﴿ ولا تبطلوا أعمالكم ﴾.
بالرياء، أو المن والأذى، أو المعاصي.
قال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى... ﴾ ( البقرة : ٢٦٤ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ﴾. ( الحجرات : ١٧ ).
أخرج ابن أبي حاتم، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع ( لا إله إلا الله ) ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ﴾.
فخافوا أن يبطل الذنب العمل، أي أن الكبائر الموجبات والفواحش تستوجب غضب الله وسخطه.
وعن ابن عباس قال : لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والسمعة، أو بالشك والنفاق.
وقيل : إن ناسا من بني أسد قد أسلموا، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلينا، كأنهم يمنون، فنزلت، ويستدل الفقهاء بهذه الآية على تحريم قطع الفرض، وكراهة قطع النفل من غير موجب لذلك، وإذا كان الله قد نهى عن إبطال الأعمال، فهو أمر بإصلاحها وإكمالها وإتمامها، والإتيان بها على الوجه الذي تصلح به علما وعملا.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ( ٣٢ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( ٣٣ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( ٣٤ ) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
بينت الآيات حال جماعة من الكافرين آمنوا ثم ارتدوا من بعد ما شاهدوا أنوار الإسلام، وقيل : نزلت الآية الثانية والثلاثون من سورة محمد، في جماعة من أهل الكتاب وهم بنو قريظة وبنو النضير، كفروا بالله وصدوا الناس عن الإسلام، وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن شاهدوا نعته في التوراة، وما ظهر على يديه من المعجزات، فهؤلاء أصغر وأحقر من أن يضروا دين الله وهو الإسلام، وسيحبط الله عملهم ويبطل كيدهم.
ثم ذكر ضعف بعض النفوس المسلمة، وتخلفها عن الفداء والتضحية، مثل بني سعد الذين أسلموا وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلينا، منا بذلك عليه، فنهاهم وأمثالهم عن هذا التطاول المحبط للعمل والمضيع للثواب، وهكذا يربي القرآن المسلمين، ويهدد الكافرين الذين ماتوا وهم كفار بأن الله لن يغفر لهم.
ثم يدعو المسلمين إلى التماسك والجهاد، وعدم الدعوة إلى الإسلام خوفا وجبنا من الكفار، أما إذا جنح الكفار إلى الإسلام ورغبوا فيه، فلا مانع منه، وبذلك نعمل بكل الآيات، تلبية السلام عند ميل الكافرين إليه، والتماسك والقوة عند ضياع الحقوق، أو الدفاع عن المقدسات، ولكل حالة ما يناسبها.
التفسير :
٣٤- ﴿ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ﴾.
إن الذين كفروا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومنعوا الناس من الدخول في الإسلام، ولم يتوبوا ولم يؤمنوا، ثم ماتوا مصرين على الكفر، هؤلاء لن يغفر الله لهم، ولن يستر عيوبهم، ولن يتجاوز عن سيئاتهم، لأنهم لم يتوبوا في الدنيا قبل الموت، وذلك هو وقت التوبة فقط.
كما قال سبحانه وتعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ﴾. ( النساء : ١١٦ ).
وقال تعالى :﴿ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ﴾. ( آل عمران : ٩١ ).
قال المفسرون :
ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم ويدخلهم الجنة ولو كانوا مفنين أعمارهم في الكفر به، والصد عن سبيله، والإقدام على معاصيه، فسبحانه من فتح لعباده أبواب الرحمة ولم يغلقها عن أحد، ما دام حيا متمكنا من التوبة، وسبحان الحليم الذي لا يعاجل العاصيين بالعقوبة، بل يعافيهم ويرزقهم كأنهم ما عصوه، مع قدرته عليهم٩.
قال أبو السعود : وحكم هذه الآية يعم كل من مات على الكفر، وإن صح نزولها في أصحاب القليب. اه.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ( ٣٢ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( ٣٣ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( ٣٤ ) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
بينت الآيات حال جماعة من الكافرين آمنوا ثم ارتدوا من بعد ما شاهدوا أنوار الإسلام، وقيل : نزلت الآية الثانية والثلاثون من سورة محمد، في جماعة من أهل الكتاب وهم بنو قريظة وبنو النضير، كفروا بالله وصدوا الناس عن الإسلام، وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن شاهدوا نعته في التوراة، وما ظهر على يديه من المعجزات، فهؤلاء أصغر وأحقر من أن يضروا دين الله وهو الإسلام، وسيحبط الله عملهم ويبطل كيدهم.
ثم ذكر ضعف بعض النفوس المسلمة، وتخلفها عن الفداء والتضحية، مثل بني سعد الذين أسلموا وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلينا، منا بذلك عليه، فنهاهم وأمثالهم عن هذا التطاول المحبط للعمل والمضيع للثواب، وهكذا يربي القرآن المسلمين، ويهدد الكافرين الذين ماتوا وهم كفار بأن الله لن يغفر لهم.
ثم يدعو المسلمين إلى التماسك والجهاد، وعدم الدعوة إلى الإسلام خوفا وجبنا من الكفار، أما إذا جنح الكفار إلى الإسلام ورغبوا فيه، فلا مانع منه، وبذلك نعمل بكل الآيات، تلبية السلام عند ميل الكافرين إليه، والتماسك والقوة عند ضياع الحقوق، أو الدفاع عن المقدسات، ولكل حالة ما يناسبها.
المفردات :
فلا تهنوا : فلا تضعفوا عن القتال، من الوهن وهو الضعف، وقد وهن الإنسان ووهَّنه غيره.
وتدعوا إلى السلم : وتدعوا الكفار إلى الصلح، خوفا وإظهارا للعجز.
الأعلون : الغالبون.
والله معكم : ناصركم.
ولن يتركم أعمالكم : لن ينقصكم ثواب أعمالكم، من وترت الرجل : إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم، أو سلبت ماله وذهبت به، فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر، وهو إضاعة شيء معتد به من الأنفس والأموال.
التفسير :
٣٥- ﴿ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ﴾.
الخطاب هنا للمؤمنين، يرفع الله روحهم المعنوية، ويحثهم على الجهاد، ويأخذ بأيديهم إلى منازل العلياء.
والمعنى :
لا تضعفوا ولا تجبنوا، ولا تخافوا من الجهاد والقتال، ولا تمدوا أيديكم إلى السلام في وقت يتيه فيه الأعداء المتغطرسون عليكم.
﴿ وأنتم الأعلون... ﴾
فأنتم في معية الله، وأنتم حراس دينه، وأنتم حملة لواء الإيمان، وأنتم الأمة الوسط، وأنتم على الحق وعدوكم على الباطل.
﴿ والله معكم... ﴾
بنصره وتأييده وعنايته ورعايته وتوفيقه، قال تعالى :﴿ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾. ( محمد : ١١ ).
قال ابن كثير : وفي قوله تعالى :﴿ والله معكم... ﴾ بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء.
﴿ ولن يتركم أعمالكم ﴾.
ولن يضيع ثواب أعمالكم، ولن يحبطها، ولن يسلبكم إياها، بل يوفيكم ثواب أعمالكم كاملا غير منقوص.
والآية تحث المؤمنين على الجهاد والقتال عند القوة والقدرة، وفي آيات أخرى أباح لهم الموادعة والسلام والمهادنة، إذا كان ذلك لحكمة أو مناسبة.
قال ابن كثير :
... أما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة، ودعوه إلى الصلح، ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين، فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك١٠.
﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ( ٣٦ ) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ( ٣٧ ) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ( ٣٨ ) ﴾
تمهيد :
في ختام السورة تتجه الآيات إلى ترقيق القلوب، وبيان هوان الدنيا، وسرعة تحولها، فمتاعها قليل، وهي كاللعب واللهو، أما الإيمان والتقوى وطاعة الله فثوابها مضمون، والمطلوب من المؤمن نسبة الزكاة، وهي نسبة عادلة، فالله لا يطلب منا جميع أموالنا، مع أنه هو الذي خلقنا ورزقنا، وإن سألنا إياها وألحف في السؤال، فيشتد البخل بها، والحقد على الدين والرسول الكريم، لأن المال شقيق الروح، وطالب جميع المال يستثير الأحقاد والأضغان، إن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال هدف من أسمى الأهداف، وها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل بماله، ومن يبخل فضرر البخل عائد على نفسه، والله غني عنكم، لا تنفعه طاعتكم، ولا تضره معصيتكم، وأنتم الفقراء إلى رحمته وفضله وثوابه، وإذا أعرضتم عن الإسلام فإن الله من المؤمنين رجالا غيركم، لهم عزائم الأبطال ولن يكونوا أمثالكم، بل أطوع لله منكم، وقد تحقق لهذا الدين أن احتضنه العرب حينا، ثم الفرس حينا، فكان الفقهاء والعلماء والمترجمون والنحاة والأدباء من بلاد الفرس وسمرقند وبخارى وبلاد ما وراء النهر، وكان للأندلس وعلماء المغرب دور نشيط في خدمة الدين، وكان لمصر وأفريقيا وللقارة الهندية دور في حفظ الحديث والتشريع، وهكذا لم يتعصب الإسلام للعرب كجنس، بل بين أن العربية اللسان، وأن كل من تكلم العربية فهو عربي.
التفسير :
٣٦- ﴿ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ﴾.
إنما الحياة الدنيا قصيرة الأجل، مثل اللعب واللهو، والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، وفي الأثر :( الدنيا كسوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ).
﴿ وإن تؤمنوا... ﴾ بالله وتراقبوه حق المراقبة، وتتقوه بأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، يعطكم الله ثواب أعمالكم، ولا يطلب منكم إنفاق جميع أموالكم، فلم يفرض عليكم سوى واجب الزكاة، وهو نسبة بسيطة تدور في الأغلب على ربع العشر، وهو ما يوازي %٢، ٥ في زكاة المال وزكاة التجارة، ونصف العشر ٥% في زكاة الزراعة، وأحيانا تكون الزكاة العشر إذا كانت الأرض تسقى سَيْحا بدون تعب ولا مشقة، وأحيانا تكون الزكاة الخمس بنسبة ٢٠%، وهي زكاة الركاز والبترول والمعادن، وما يستخرج من باطن الأرض.
قال الإمام ابن القيم : نلاحظ أن نسبة الزكاة تتراوح بين ١% في زكاة الماشية مثل زكاة الغنم، نجد أن زكاة الغنم السائمة : في أربعمائة شاة أربع شياه، وفي خمسمائة شاة خمس شياه، وفي ستمائة شاه ٦ شياه، وهكذا في كل مائة شاة شاة، أي النسبة ١%.
وزكاة المال والتجارة ٢، ٥%، وزكاة الزراعة تمتد من٥% إلى١٠%، وزكاة الركاز والمعادن والكنوز المستخرجة من باطن الأرض ٢٠%.
أي أنه كلما كانت نعم الله تعالى على العبد أظهر كانت نسبة الزكاة أكثر، كزكاة الكنوز والركاز، وكلما كان عمل العبد أظهر كانت نسبة الزكاة أقل، مثل زكاة التجارة ؛ لأن العبد يتعرض للمخاطرة والأسفار، وارتفاع الأسعار وانخفاضها.
فكلما كان عمل القدرة الإلهية أظهر كانت نسبة الزكاة أكثر، وكلما كان عمل العبد أظهر كانت نسبة الزكاة أقل.
﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ( ٣٦ ) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ( ٣٧ ) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ( ٣٨ ) ﴾
تمهيد :
في ختام السورة تتجه الآيات إلى ترقيق القلوب، وبيان هوان الدنيا، وسرعة تحولها، فمتاعها قليل، وهي كاللعب واللهو، أما الإيمان والتقوى وطاعة الله فثوابها مضمون، والمطلوب من المؤمن نسبة الزكاة، وهي نسبة عادلة، فالله لا يطلب منا جميع أموالنا، مع أنه هو الذي خلقنا ورزقنا، وإن سألنا إياها وألحف في السؤال، فيشتد البخل بها، والحقد على الدين والرسول الكريم، لأن المال شقيق الروح، وطالب جميع المال يستثير الأحقاد والأضغان، إن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال هدف من أسمى الأهداف، وها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل بماله، ومن يبخل فضرر البخل عائد على نفسه، والله غني عنكم، لا تنفعه طاعتكم، ولا تضره معصيتكم، وأنتم الفقراء إلى رحمته وفضله وثوابه، وإذا أعرضتم عن الإسلام فإن الله من المؤمنين رجالا غيركم، لهم عزائم الأبطال ولن يكونوا أمثالكم، بل أطوع لله منكم، وقد تحقق لهذا الدين أن احتضنه العرب حينا، ثم الفرس حينا، فكان الفقهاء والعلماء والمترجمون والنحاة والأدباء من بلاد الفرس وسمرقند وبخارى وبلاد ما وراء النهر، وكان للأندلس وعلماء المغرب دور نشيط في خدمة الدين، وكان لمصر وأفريقيا وللقارة الهندية دور في حفظ الحديث والتشريع، وهكذا لم يتعصب الإسلام للعرب كجنس، بل بين أن العربية اللسان، وأن كل من تكلم العربية فهو عربي.
المفردات :
فيحفكم : فيجهدكم بطلب كل المال، ويلحف عليكم في المسألة، يقال : أحفى وألحف في طلب الشيء، أي : بالغ في تقاضيه وأفرط.
تبخلوا ويخرج أضغانكم : إن يسألكم أموالكم بتشدد تبخلوا بها، ويبرز أحقادكم على رسوله صلى الله عليه وسلم.
التفسير :
٣٧- ﴿ إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ﴾.
إن يسألكم الله جميع أموالكم، ويبالغ في السؤال والإلحاح، لتنفقوا جميع أموالكم، فستقابلون ذلك بالبخل والشح، والحقد على الرسول الأمين، لأنكم تكرهون إخراج أموالكم كلها، وتحقدون على من يطلب ذلك منكم.
قال قتادة : فإن المال محبوب، ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه.
وقال سفيان بن عيينة : أي : لا يسألكم كثيرا من أموالكم، إنما يسألكم ربع العشر فطيبوا أنفسكم.
﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ( ٣٦ ) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ( ٣٧ ) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ( ٣٨ ) ﴾
تمهيد :
في ختام السورة تتجه الآيات إلى ترقيق القلوب، وبيان هوان الدنيا، وسرعة تحولها، فمتاعها قليل، وهي كاللعب واللهو، أما الإيمان والتقوى وطاعة الله فثوابها مضمون، والمطلوب من المؤمن نسبة الزكاة، وهي نسبة عادلة، فالله لا يطلب منا جميع أموالنا، مع أنه هو الذي خلقنا ورزقنا، وإن سألنا إياها وألحف في السؤال، فيشتد البخل بها، والحقد على الدين والرسول الكريم، لأن المال شقيق الروح، وطالب جميع المال يستثير الأحقاد والأضغان، إن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال هدف من أسمى الأهداف، وها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل بماله، ومن يبخل فضرر البخل عائد على نفسه، والله غني عنكم، لا تنفعه طاعتكم، ولا تضره معصيتكم، وأنتم الفقراء إلى رحمته وفضله وثوابه، وإذا أعرضتم عن الإسلام فإن الله من المؤمنين رجالا غيركم، لهم عزائم الأبطال ولن يكونوا أمثالكم، بل أطوع لله منكم، وقد تحقق لهذا الدين أن احتضنه العرب حينا، ثم الفرس حينا، فكان الفقهاء والعلماء والمترجمون والنحاة والأدباء من بلاد الفرس وسمرقند وبخارى وبلاد ما وراء النهر، وكان للأندلس وعلماء المغرب دور نشيط في خدمة الدين، وكان لمصر وأفريقيا وللقارة الهندية دور في حفظ الحديث والتشريع، وهكذا لم يتعصب الإسلام للعرب كجنس، بل بين أن العربية اللسان، وأن كل من تكلم العربية فهو عربي.
التفسير :
٣٨- ﴿ ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾.
ها أنتم معشر المسلمين، يأتيكم أمر الله ودعوته لكم بالإنفاق في سبيل الله، بإخراج الزكاة والصدقة، وتجهيز المقاتلين في سبيل الله، والإنفاق على الجهاد والقتال، وبعض المسلمين يبخل بالزكاة، أو بالإنفاق على المجاهدين، ومن يبخل فإنما وزر بخله يعود عليه، وإثم منع الزكاة ومنع نفقات الجهاد يعود على المانع.
﴿ والله الغني... ﴾ فهو سبحانه غني بذاته، لا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، ولا يحتاج إلى إنفاق أموالنا عليه.
﴿ وأنتم الفقراء... ﴾ الناس بذاتهم في أشد الفقر إلى رزق الله لهم في الدنيا، وإلى ثواب الله ورضوانه في الآخرة.
قال تعالى :﴿ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ﴾. ( فاطر : ١٥ ).
﴿ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾. وإن تعرضوا عن أحكام الله وشرائع دينه يذهبكم الله كما أذهب المكذبين قبلكم، ويأت بقوم أطوع لله منكم، يحرصون على طاعته ومرضاته، تلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وقد اختلف المفسرون في تعيين أولئك القوم الجدد، فقيل : هم الملائكة، أو الأنصار، أو التابعون، أو أهل اليمن، أو كندة والنخع، أو العجم، أو فارس والروم، والأولى تفويض ذلك إلى علم الله، والخطاب لقريش أو لأهل المدينة، والأولى جعل الخطاب متجددا بتجدد الأجيال والأمم، سواء كان عند نزول الوحي أو بعد ذلك.
روى مسلم، وابن أبي حاتم، وابن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية :﴿ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾. فقالوا : يا رسول الله، من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ قال : فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي الله عنه، ثم قال :( هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس )١١.