ﰡ
مكية بإجماع المفسرين، وآيها: تسع وأربعون آية، وحروفها ألف وثلاث مئة وثمانية أحرف، وكلمها: ثلاث مئة واثنتا عشرة كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالطُّورِ (١)﴾.[١] ﴿وَالطُّورِ﴾ هو الجبل بالسريانية، والمراد: الذي كلم الله عليه موسى -عليه السلام-، واسمه زبير، وهو بمدين.
* * *
﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (٢)﴾.
[٢] ﴿وَكِتَابٍ﴾ هو ما كتبه الله لموسى من التوراة، وقيل: هو القرآن ﴿مَسْطُورٍ﴾ مكتوب، والسطر: ترتيب الحروف المكتوبة.
* * *
﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣)﴾.
[٣] ﴿فِي رَقٍّ﴾ جلد، وسمي رقًا؛ لأنه مرقق، وقد غلب الاستعمال على هذا الذي هو من جلود الحيوان ﴿مَنْشُورٍ﴾ مبسوط، وهو خلاف المطوي.
[٤] ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ هو بيت في السماء السابعة حذاء العرش بحيال الكعبة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، والمعمور: المأهول، وعمارته بالملائكة.
* * *
﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ هو السماء.
* * *
﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ المملوء، والجمهور على أنه بحر الدنيا، والواو الأولى للقسم، وباقيها للعطف.
* * *
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧)﴾.
[٧] وجواب القسم: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ لنازلٌ، والمراد: عذاب الآخرة للكفار.
* * *
﴿مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (٨)﴾.
[٨] ﴿مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ يدفعه.
[٩] ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ﴾ تضطرب، فتجيء وتذهب ﴿مَوْرًا﴾ مصدر.
* * *
﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ﴾ كما يسر السحاب ﴿سَيْرًا﴾ ثم تتفتت أثناء السير حتى تصير آخرًا كالعهن المنفوش؛ لهول ذلك اليوم.
* * *
﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١)﴾.
[١١] والفاء في قوله: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ﴾ عاطفة جملة على جملة، وهي تتضمن ربطَ المعنى وتأكيدَه، وإثباتَ الويل.
﴿لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ للرسل، وتقدم ذكر الويل في آخر الذاريات.
* * *
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ﴾ والخوض: التخبط في الأباطيل تَشَبُّهٌ بخوض الماء ﴿يَلْعَبُونَ﴾ استهزاءً بالنبي - ﷺ -.
* * *
﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣)﴾.
[١٣] وتبدل من ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ يُدْفَعون بعنف.
* * *
﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٤)﴾.
[١٤] فإذا جُعلوا (١) فيها، قيل لهم تبكيتًا: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا﴾ في الدنيا ﴿تُكَذِّبُونَ﴾.
* * *
﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (١٥)﴾.
[١٥] ثم قيل لهم: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا﴾ العذابُ ﴿أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ العذابَ كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ما يدلّ عليه؟!
* * *
﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿اصْلَوْهَا﴾ ادخلوها، ثم قيل لهم على جهة قطع رجائهم: ﴿فَاصْبِرُوا﴾ عليها ﴿أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ﴾ خبر محذوف (٢) المبتدأ؛ أي: صبرُكم وجزعُكم سواءٌ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ لأن صبركم لا ينفعكم.
﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: هذا عذابكم حتمٌ لا بدَّ منه جزاءَ أعمالكم.
(٢) "محذوف" زيادة من "ت".
[١٧] ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ إخبار لمحمد - ﷺ - ومعاصريه، لما فرغ من ذكر عذاب الكفار، عقب ذلك بنعيم المتقين؛ ليبين الفرق، ويقع التحريض على الإيمان.
* * *
﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿فَاكِهِينَ﴾ قرأ أبو جعفر: (فَكِهِينَ) بغير ألف بعد الفاء، يعني: مسرورين، وقرأ الباقون: بالألف، يعني: متنعمين (١).
﴿بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ من إنعامه ورضاه عنهم ﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾.
* * *
﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩)﴾.
[١٩] ثم يقال لهم: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ أكلًا وشربًا.
﴿هَنِيئًا﴾ لا تنغيص فيه، ونصبه على المصدر.
﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ معناه: إن رُتَب الجنة ونعيمها هي بحسب الأعمال، وأما نفس دخولها، فهو برحمة الله وتغمده، والأكل والشرب والتهني ليس من الدخول في شيء، وأعمال العباد الصالحة لا توجب
* * *
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ نصب على الحال. قرأ أبو جعمر: (مُتَّكِينَ) بإسكان الياء بغير همز، والباقون: بالهمز (١) ﴿عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ﴾ صُفَّ بعضُها إلى بعض.
﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ﴾ قَرنَّاهم، وليس في الجنة تزويج كالدنيا ﴿بِحُورٍ﴾ جمع حوراء، وهي البيضاء القوية بياض العين وسواد سوادها.
﴿عِينٍ﴾ جمع عيناء، وهي الكبيرة العينين مع جمالها.
* * *
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ﴾ قرأ أبو عمرو: (وَأَتْبَعْناهُمْ) بقطع الألف وفتحها وإسكان التاء والعين ونون وألف بعدها، والباقون: (وَاتَّبَعَتْهُمْ) بوصل الألف وتشديد التاء وفتح العين وتاء ساكنة بعدها (٢).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٣)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٣٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٥٦).
﴿بِإِيمَانٍ﴾ المعنى: أن المؤمنين اتبعتهم ذريتهم، وهم أولادهم الصغار والكبار بسبب إيمانهم، فكبارهم بإيمانهم بأنفسهم، وصغارهم بأن أتُبِعوا في الإِسلام بآبائهم بسبب إيمانهم؛ لأنَّ الولد يُحكم بإسلامه تبعًا لأحد أبويه إذا أسلم، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وقال مالك: يحكم بإسلامه تبعًا لإسلام أبيه دون أمه، وأما إذا مات أحد أبويه في دار الإسلام، فقال أحمد: يحكم بإسلامه، وهو من مفردات مذهبه؛ خلافًا للثلاثة، واختلفوا في إسلام الصبي المميز ورِدَّته، فقال الثلاثة: يصحان منه، وقال الشافعي: لا يصحان.
﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ المؤمنين في الجنة بدرجاتهم، وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجة آبائهم؛ تكرمة لآبائهم؛ لتقر بذلك أعينهم. قرأ ابن كثير، والكوفيون: (ذُرَيَّتهمْ) بغير ألف على التوحيد مع فتح التاء، وقرأ الباقون: بالألف على الجمع مع كسر التاء.
﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾ قرأ ابن كثير: بكسر اللام، والباقون: بنصبها (٢).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٣)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٤٠)، و "معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٥٨).
﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ﴾ من خير وشر ﴿رَهِينٌ﴾ مرهون، فنفس المرء مرهونة بعمله، ومطالَبة ومجازاة به.
* * *
﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ﴾ زِذْناهم في وقت بعد وقت.
﴿بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ وإن لم يصرحوا بطلبه.
* * *
﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿يَتَنَازَعُونَ﴾ يتداولون بينهم ﴿فِيهَا كَأْسًا﴾ خمرًا.
﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ أي: لا يُذهب عقولَهم فَيَلْغُوا ويأثموا كشاربي خمر الدنيا. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب: (لا لَغْوَ وَلا تأثِيمَ) بفتح الواو والميم بغير تنوين، والباقون: برفعهما مع التنوين (١).
* * *
﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ مع ذلك للخدمة.
﴿لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ مصون (١) في الصَّدَف. قرأ أبو جعفر: (لُوْلُؤٌ) بإسكان الواو الأولى ورفع الثانية منونة من غير همز فيهما (٢)، وأبو بكر عن عاصم، وأبو عمرو: بإبدال الهمز الأول، وبالهمز في الثاني، والباقون: بالهمز فيهما.
قال - ﷺ -: "أدنى أهلِ الجنة منزلةً مَنْ ينادي الخادمَ من خدامه، فيجيبه ألفُ خادمٍ ببابه: لَبَّيْكَ لَبيك" (٣).
* * *
﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ بعدَ اجتماعِهم ودورانِ الكأس عليهم ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾ يسأل بعضهم بعضًا؛ تلذذًا واعترافًا بالنعمة عما كانوا عليه، وما وصلوا إليه.
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٠ - ٣٩٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٥٩).
(٣) رواه الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ١٢٩)، والديلمي في "مسند الفردوس" (٨٣١)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وانظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٣/ ٣٧٤)، و"تفسير القرطبي" (١٧/ ٦٩).
[٢٦] ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا﴾ في الدنيا ﴿مُشْفِقِينَ﴾ خائفين من عذابه تعالى.
* * *
﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ بالمغفرة ﴿وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ اسمٌ من أسماء جهنم، والسموم: الحار الذي يبلغ مسام الإنسان، وهو النار في هذه الآية.
* * *
﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ﴾ من قبل البعث ﴿نَدْعُوهُ﴾ نعبده موحِّدين ﴿إِنَّهُ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، والكسائي: بفتح الهمزة، أي: لأنه، وقرأ الباقون: بكسرها على الاستئناف (١) ﴿هُوَ الْبَرُّ﴾ المحسن الصادق في وعده ﴿الرَّحِيمُ﴾ العظيم الرحمة.
* * *
﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿فَذَكِّرْ﴾ دُمْ على تذكير المشركين ﴿فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ﴾ برحمته
* * *
﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ أي: بل أيقولون: هو ﴿شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ﴾ ننتظر.
﴿بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ حوادثَ الدهر، فيهلك كغيره من الشعراء.
* * *
﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا﴾ انتظروا هلاكي، وعيدٌ في صيغة أمر.
﴿فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ المنتظرين هلاككم، فُعذِّبوا بالسيف يوم بدر.
﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ﴾ عقولُهم ﴿بِهَذَا﴾ القولِ المتناقض، وهو قولهم له - ﷺ -: ساحر، كاهن، شاعر، وذلك أن عظماء قريش كانوا يعرفون (٢) بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمرهم معرفة الحق من الباطل.
(٢) في "ت": "يوصفون".
* * *
﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ اختلقَ محمدٌ القرآن.
﴿بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ المعنى: لم يمتنعوا عن الإيمان بالقرآن لأنه مختلَق، بل تكبرًا.
* * *
﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)﴾.
[٣٤] فإن كان كما زعموا مختلقًا ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ أي: مثلِ القرآن ونظمِه وحسنِ بيانه ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في قولهم.
* * *
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ أي: من غير مقدر.
﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ لأنفسهم، ولا بد للخلق من خالق، فهلَّا يوحِّدون خالقهم.
* * *
﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ فلا يعبدون خالقهما (١).
﴿بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ بخالقهما.
[٣٧] ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ﴾ أي: مفاتيح خزائن رحمة ﴿رَبِّكَ﴾ من النبوة والرزق وغيرهما، فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا. قرأ أبو عمرو: (خَزائِن رَّبِّكَ) بإدغام النون في الراء (١).
﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ المسلطون الجبارون. قرأ هشام عن ابن عامر، وقنبل عن ابن كثير، وحفص عن عاصم، بخلاف عن الثاني والثالث: (الْمُسَيْطِرُونَ) بالسين، وقرأ حمزة: بين الصاد والزاي، بخلاف عن رواية خلاد، وقرأ الباقون: بالصاد الخالصة (٢).
* * *
﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ﴾ يرتقون به إلى السماء ﴿يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ الوحيَ وكلامَ الملائكة، فيقولوا ما شاؤوا، فإن كان كذلك.
﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ﴾ فَرَضًا على دعواهم ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ حجة بينة.
* * *
﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ﴾ بزعمكم.
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٤)، و"الكشف" لمكي (٢/ ٢٩٢)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٤٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٦١ - ٢٦٢).
* * *
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾ على الإنذار ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ﴾ أي: غُرم، وهو ما يلزم أداؤه، فهم بذلك ﴿مُثْقَلُونَ﴾ فلا يُسْلِمون.
* * *
﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ﴾ اللوح المحفوظ.
﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ ما فيه، ويخبرون الناس به.
* * *
﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا﴾ مكرًا بك؛ ليهلكوك.
﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ المهلكون (٢) جزاء كيدهم.
* * *
﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ يستحق العبادة ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ من
(٢) "المهلكون" زيادة من "ت".
* * *
﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا﴾ قطعًا ﴿مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا﴾ عليهم؛ ليعذَّبوا به.
﴿يَقُولُوا﴾ عنادًا وجهلًا: ﴿سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ بعضُه فوق بعض يَسقينا.
* * *
﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا﴾ يعاينوا. قرأ أبو جعفر: (يَلْقوْا) بفتح الياء وإسكان اللام وفتح القاف من غير ألف قبلها، وقرأ الباقون: بضم الياء وفتح اللام وألف بعدها وضم القاف (١).
﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ وذلك عند النفخة الأولى. قرأ ابن عامر، وعاصم: (يُصْعَقُونَ) بضم الياء؛ أي: يهلكون، وقرأ الباقون: بفتحها؛ أي: يموتون (٢).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٣)، و"الكشف" لمكي (٢/ ٢٩٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٦٢).
[٤٦] وتبدل من ﴿يَوْمَهُمُ﴾ ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ من الإغناء في رد العذاب ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يمنعون من عذاب الله.
* * *
﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ كفروا ﴿عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي: قبل المعد لهم يوم القيامة، وهو القتل ببدر ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ بذلك.
* * *
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ فيهم بالإمهال، ولا يضيق صدرك. قرأ أبو عمرو: (واصْبِر لِّحُكْمِ) بإدغام الراء في اللام، وروي عنه الإظهار، والوجهان صحيحان عنه (١).
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ بحيث نراك ونلحظك ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي: قل: سبحان الله وبحمده ﴿حِينَ تَقُومُ﴾ من منامك.
* * *
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ أي: صلِّ له، يعني: المغرب والعشاء.
* * *
مكية بإجماع من (١) المتأولين، وآيها: اثنتان وستون (٢) آية، وحروفها: ألف وأربع مئة وخمسة أحرف، وكلمها ثلاث مئة وستون كلمة، وهي أول سورة أعلنَ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجهرَ بقراءتها في الحرم، والمشركون يستمعون، وفيها سجد، وسجد معه المؤمنون والمشركون، والجن والإنس غير أبي لهب؛ فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا.
وسبب هذه السورة أن المشركين قالوا: إن محمدًا - ﷺ - يتقول القرآن، ويختلق أقواله، فنزلت الآية في ذلك.
وهذه السورة أول المفصل على أحد القولين في مذهب مالك، وتقدم التنبيه عليه في أول الشورى عند ذكر القول الآخر، وقد ذكر اختلاف الأئمة في المفصل في أول التفسير، ثم ذكر كل مذهب في محله، وهو عند أول الشورى، والحجرات، وق، وهذا المحل، والله الموفق.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)﴾.(٢) في "ت": "ستون وآيتان".