ﰡ
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» كلمة منيعة ليس يسمو إلى فهمها كلّ خاطر فإذا كان الخاطر غير عاطر فهو عن علم حقيقتها متقاصر.
قوله جل ذكره:
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦)
أي: انشقت.
«وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ» تساقطت وتهافتت.
«وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ» أي: فتح بعضها على بعض.
«وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ» أي: قلب ترابها، وبعث الموتى الذين فيها، وأخرج ما فيها من كنوز وموتى.
«عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» جواب لهذه الأمور أي إذا كانت هذه الأشياء: علمت كلّ نفس ما قدّمت من خيرها وشرّها.
قوله جل ذكره: «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ»
ويقال: سأله وكأنما في نفس السؤال لقّنه الجواب يقول: غرّنى كرمك بي، ولولا كرمك لما فعلت لأنّك رأيت فسترت، وقدّرت فأمهلت.
ويقال: إن المؤمن «٢» وثق بحسن إفضاله فاغترّ بطول إمهاله فلم يرتكب الزلّة لاستحلاله، ولكنّ طول حلمه عنه حمله على سوء خصاله، وكما قلت «٣» :
يقول مولاى: أما تستحى... مما أرى من سوء أفعالك
قلت: يا مولاى رفقا فقد... جرّأنى «٤» كثرة أفضالك
قوله جل ذكره:
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٧ الى ١٢]
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١)
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
أي: ركّب أعضاءك على الوجوه الحكميّة «٥» فى أي صورة ماشاء، من الحسن والقبح، والطول والقصر. ويصح أن تكون الصورة هنا بمعنى الصّفة، و «فِي» بمعنى «على» فيكون معناه: على أي صفة شاء ركّبك من السعادة أو الشقاوة، والإيمان أو المعصية..
قوله جل ذكره: «كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ» أي: القيامة «٦».
«وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» هم الملائكة الذين يكتبون الأعمال. وقد خوّفهم برؤية الملائكة وكتابتهم الأعمال لتقاصر
(٢) يقصد القشيري هنا (المؤمن العاصي).. المنزلة بين المنزلتين (بين المؤمن والكافر).
(٣) ينبغى ملاحظة ذلك إذا أردنا أن ندرس (القشيري الشاعر) : أنظر هذه الدراسة في كتابنا عن (الإمام القشيري).
(٤) هكذا في م وهي في ص (أفسدنى) وكلاهما صحيح.
(٥) هكذا في النسختين، وقد كنا نريد أن نظن أنها ربما كانت (الحكيمة)، ولكن ارتباط السياق بالمشيئة (.. ما شاء ركّبك) جعلنا نحجم عن هذا الظن.
(٦) بدليل قوله تعالى فيما بعد (يصلونها يوم الدين).
قوله جل ذكره:
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٣ الى ١٩]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧)
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
«الْأَبْرارَ» : هم المؤمنون اليوم في نعمة العصمة، وغداهم في الكرامة والنعمة «الْفُجَّارَ» : اليوم في جهنم باستحقاق اللعنة والإصرار على الشّرك الموجب للفرقة، وغدا فى النار على وجه التخليد والتأييد.
ويقال: «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ». فى روح الذّكر، وفي الأنس في أوان خلوتهم.
«وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ». فى ضيق قلوبهم وتسخّطهم على التقدير، وفي ظلمات تدبيرهم، وضيق اختيارهم.
«يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ» «يَصْلَوْنَها» أي النار. «يَوْمَ الدِّينِ». يوم القيامة.
«وَما هُمْ عَنْها» عن النار. «وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ؟» قالها على جهة التهويل.
«يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» الأمر لله يومئذ، ولله من قبله ومن بعده، ولكن «يَوْمَئِذٍ» تنقطع الدعاوى، إذ يتضح الأمر وتصير المعارف ضرورية.