تفسير سورة ص

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة ص من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة ص مكية، عددها ثمان وثمانون آية، كوفي

﴿ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ ﴾ [آية: ١] يعنى ذا البيان ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بالتوحيد من أهل مكة ﴿ فِي عِزَّةٍ ﴾ يعنى فى حمية، كقوله فى البقرة﴿ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ ﴾[البقرة: ٢٠٦] الحمية ﴿ وَشِقَاقٍ ﴾ [آية: ٢] اختلاف. ثم خوفهم، فقال جل وعز: ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم ﴾ من قبل كفار مكة ﴿ مِّن قَرْنٍ ﴾ من أمة بالعذاب فى الدنيا، الأمم الخالية ﴿ فَنَادَواْ ﴾ عند نزول العذاب فى الدنيا ﴿ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ [آية: ٣] يعنى ليس هذا بحين قرار فخوفهم لكيلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم. ثم قال جل وعز: ﴿ وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾ رسول منهم ﴿ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ من أهل مكة ﴿ هَـٰذَا سَاحِرٌ ﴾ يفرق بين الاثنين ﴿ كَذَّابٌ ﴾ [آية: ٤] يعنون النبى صلى الله عليه وسلم حين يزعم أنه رسول.﴿ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [آية: ٥] وذلك حين أسلم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فشق على قريش إسلام عمر، وفرح به المؤمنون.﴿ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ ﴾ وهم سبعة وعشرون رجلاً، والملأ فى كلام العرب الأشراف منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبى ابنا خلف، وغيرهم، فقال الوليد بن المغيرة: ﴿ أَنِ ٱمْشُواْ ﴾ إلى أبى طالب ﴿ وَاْصْبِرُواْ ﴾ واثبتوا ﴿ عَلَىٰ ﴾ عبادة ﴿ آلِهَتِكُمْ ﴾ نظيرها فى الفرقان:﴿ لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا ﴾[الفرقان: ٤٢] يعنى ثبتنا، فقال الله عز وجل، فى الجواب:﴿ فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾[فصلت: ٢٤]، فشموا إلى أبى طالب، فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا فى أنفسنا وقد رأيت ما فعلت السفهاء وإنا أتيناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك،" فأرسل أبو طالب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأتاه، فقال أبو طالب: هؤلاء قومك، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " وماذا يسألونى "؟ قالوا: ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لهم: " أعطونى أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدن لكم بها العجم "، فقال أبو جهل: لله أبوك لنعينكها وعشراً معها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " قولوا لا إله إلا الله "، فنفروا من ذلك، فقاموا، فقالوا: أجعل، يعنى وصف محمد الآلهة إلهاً واحداً أن تكون الآلهة واحداً ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ ﴾ الأمر ﴿ يُرَادُ ﴾ [آية: ٦].
﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا ﴾ الأمر الذى يقول محمد ﴿ فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى ملة النصرانية، وهى آخر الملل لأن النصارى يزعمون أن مع الله عيسى ابن مريم، ثم قال الوليد: ﴿ إِنْ هَـٰذَا ﴾ القرآن ﴿ إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ ﴾ [آية: ٧] من محمد تقوله من تلقاء نفسه. ثم قال الوليد: ﴿ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ مِن بَيْنِنَا ﴾ ونحن أكبر سناً وأعظم شرفاً، يقول الله عز وجل لقول الوليد: ﴿ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ ﴾ يقول الله تعالى: ﴿ بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ﴾ يعنى القرآن ﴿ بَل لَّمَّا ﴾ يعنى لم ﴿ يَذُوقُواْ عَذَابِ ﴾ [آية: ٨] مثل قوله:﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾[الحجرات: ١٤]، يعنى لم يدخل الإيمان فى قلوبكم.﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾ يعنى نعمة ربك، وهى النبوة، نظيرها فى الزخرف:﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ﴾[الزخرف: ٣٢]، يعنى النبوة يقول: بأيديهم مفاتيح النبوة والرسالة، فيضعونها حين شاءوا، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد ﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ فى ملكه ﴿ ٱلْوَهَّابِ ﴾ [آية: ٩] الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال: ﴿ أَمْ لَهُم مٌّلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا ﴾ يعنى كفار قريش يقول: ألهم ملكهما وأمرهما، بل الله يوحى الرسالة إلى من يشاء، ثم قال: ﴿ فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ ﴾ [آية: ١٠] يعنى الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمداً صلى الله عليه وسلم تخلقه من تلقاء نفسه، يقول الوليد: ﴿ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ ﴾ الأسباب، يعنى الأبواب التى فى السماء، فليستمعوا إلى الوحى حين يوحى الله عز وجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ ﴾ [آية: ١١] فأخبر الله تعالى بهزيمتهم ببدر مثل قوله:﴿ سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ ﴾[القمر: ٤٥] ببدر والأحزاب بنى المغيرة، وبنى أمية، وآل أبى طلحة.﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ ﴾ [آية: ١٢] كان يأخذ الرجل فيمده بين أربعة أوتاد، ووجهه إلى السماء، وكان يوثق كل رجل إلى سارية مستلقياً بين السماء والأرض، فيتركه حتى يموت.﴿ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ ﴾ يعنى غيضة الشجر، وهو المقل، وهى قرية شعيب يعزى النبى صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيب كفار مكة، كما كذبت الرسل قبله فصبروا، ثم قال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ ﴾ [آية: ١٣] يعنى الأمم الخالية.﴿ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴾ [آية: ١٤] يقول: فوجب عقابى عليهم فاحذروا يا أهل مكة مثله فلا تكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فكذبوه بالعذاب فى الدنيا والآخرة، فقالوا: متى هذا العذاب؟. فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ ﴾ يعنى كفار مكة يقول: ما ينظرون بالعذاب ﴿ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ﴾ يعنى نفخة الأولى ليس لها مثنوية، نظيرها فى يس:﴿ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾[يس: ٤٩] ﴿ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴾ [آية: ١٥] يقول: ما لها من مرد ولا رجعة.﴿ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا ﴾ وذلك أن الله عز وجل ذكر فى الحاقة أن الناس يعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم، فقال أبو جهل: عجل لنا قطنا، يعنى كتابنا الذى تزعم أنا نعطى فى الآخرة فعجله لنا ﴿ قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ١٦] يقول ذلك تكذيباً به. فأنزل الله عز وجل: ﴿ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾ يعنى أبا جهل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم ﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ﴾ بن أشى، ويقال: ميشا، بن عويد بن فارض بن يهوذا بن يعقوب، عليه السلام ﴿ ذَا ٱلأَيْدِ ﴾ يعنى القوة فى العبادة ﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [آية: ١٧] يعنى مطيع.﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ ﴾ [آية: ١٨] وكان داود، عليه السلام، إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه ففقه تسبيح الجبال.﴿ وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً ﴾ يعنى مجموعة، وسخرنا الطير محشورة ﴿ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [آية: ١٩] يقول: كل الطير لداود مطيع ﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ قال: كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفاً من بنى إسرائيل، ثم قال: ﴿ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ ﴾ يعنى وأعطيناه الفهم والعلم ﴿ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ ﴾ [آية: ٢٠] يقول: وأعطينا فصل القضاء: البينة على المدعى، واليمين على من أنكر.
﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ﴾ يعنى حديث ﴿ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ ﴾ [آية: ٢١] وذلك أن داود قال: رب اتخذت إبراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً، فوددت أنك أعطيتنى من الذكر مثل ما أعطيتهما، فقال له: إنى ابتليتهما بما لم أبلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل الذى ابتليتهما، وأعطتيك مثل ما أعطيتهما من الذكر، قال: نعم، قال: أعمل عملك، فمكث داود، عليه السلام، ما شاء الله عز وجل، يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف الليل، إذا صلى فى المحراب فجاء طير حسن ملون، فوقع إليه فتناوله، فصار إلى الكوة، فقام ليأخذه، قوقع الطير فى بستان، فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل فتعجب من حسنها، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها فغطت جسمها، فزاده بها عجباً ودخلت المرأة منزلها، وبعث داود غلاماً فى اثرها إذا هى بتسامح امرأة أدريا بن حنان، وزوجها فى الغزو فى بعث البلقاء الذى بالشام، مع نواب بن صوريا ابن أخت داود، عليه السلام، فكتب داود إلىابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا، فيقاتل أهل البلقاء، ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل، فقدمه فقتل، رحمة الله عليه، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فولدت سليمان بن داود، فبعث الله عز وجل إلى داود، عليه السلام، ملكين ليستنقذه بالتوبة، فأتوه يوم رأس المائة فى المحراب، وكان يوم عبادته الحرس حوله.﴿ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾ فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود، وقال فى نفسه: لقد ضاع ملكى حين يدخل علىّ بغير أذن.
﴿ قَالُواْ ﴾ فقال أحدهما لداود: ﴿ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى بالعدل ﴿ وَلاَ تُشْطِطْ ﴾ يعنى ولا تجر فى القضاء ﴿ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ ﴾ [آية: ٢٢] يقول: أرشدنا إلى القصد الطريق. ثم قال: ﴿ إِنَّ هَذَآ أَخِي ﴾ يعنى الملك الذى معه ﴿ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ﴾ يعنى تسعة وتسعون امرأة وهكذا كان لداود. ثم قال: ﴿ وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ يعنى امرأة واحدة ﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ﴾ يعنى أعطنيها ﴿ وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ ﴾ [آية: ٢٣] يعنى غلبنى فى المخاطبة، إن دعا كان أكثر من ناصرً، وإن بطش كان أشد منى بطشاً، وإن تكلم كان أبين منى فى المخاطبة.﴿ قَالَ ﴾ داود: ﴿ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ﴾ يعنى بأخذه التى لك من الواحدة، إلى التسع والتسعين التى له ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ ﴾ يعنى الشركاء ﴿ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ ليظلم بعضهم بعضاً ﴿ إِلاَّ ﴾ استثناء، فقال: إلا ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ لا يظلمون أحداً ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ يقول: هم قليل، فلما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك، فلم يفطن لهما، فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه، وعلم أن الله تبارك وتعالى ابتلاه بذلك ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ يقول: وعلم داود أنا ابتليناه ﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً ﴾ يقول: وقع ساجداً أربعين يوماً وليلة ﴿ وَأَنَابَ ﴾ [آية: ٢٤] يعنى ثم رجع من ذنبه تائباً إلى الله عز وجل.
﴿ وَخَرَّ رَاكِعاً ﴾ مثل قوله﴿ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً ﴾[البقرة: ٥٨] يعنى ركوعاً.﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ﴾ يعنى ذنبه، ثم أخبر بما له فى الآخرة، فقال: ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ ﴾ يعنى لقربة ﴿ وَحُسْنَ مَـآبٍ ﴾ [آية: ٢٥] يعنى وحسن مرجع.
﴿ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى بالعدل ﴿ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ ﴾ فتحكم بغير حق ﴿ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يقول يستنزلك الهوى عن طاعة الله تعالى ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى دين الإسلام ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ ﴾ يعنى بما تركوا الإيمان ﴿ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ٢٦].
﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ يعنى لغير شىء خلقتهما لأمر هو كائن ﴿ ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة أنى خلقتهما لغير شىء ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٢٧] لما أنزل الله تبارك وتعالى فى " ن والقلم "﴿ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾[القلم: ٣٤]، قال كفار قريش للمؤمنين: إنا نعطى من الخير فى الآخرة ما تعطون. فأنزل الله عز وجل: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ يعنى بنى هاشم، وبنى المطلب، أخوى بنى عبد مناف، فيهم على ابن أبى طالب، وحمزة بن عبدالمطلب، وجعفر بن أبى طالب، عليهم السلام، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وطفيل بن الحارث بن المطلب، وزيد بن حارثة الكلبى، وأيمن بن أم أيمن، ومن كان يتبعه من بنى هاشم يقول: أنجعل هؤلاء ﴿ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ بالمعاصى، نزلت فى بنى عبد شمس بن عبد مناف، فى عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، وحنظلة بن أبى سفيان، وعبيدة بن سعيد بن العاص، والعاص بن أبى أمية بن عبد شمس، ثم قال: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ يعنى بنى هاشم، وبن المطلب فى الآخرة ﴿ كَٱلْفُجَّارِ ﴾ [آية: ٢٨].
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ يا محمد ﴿ مُبَارَكٌ ﴾ يعنى هو بركة لمن عمل بما فيه ﴿ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى ليسمعوا آيات القرآن ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ ﴾ بما فيه من المواعظ ﴿ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٢٩] يعنى أهل اللب والعقل.﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ﴾ ثم أثنى على سليمان، فقال سبحانه: ﴿ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ ﴾ وهذا ثناء على عبده سليمان نعم العبد.
﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [آية: ٣٠] يعنى مطيع.
﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ﴾ يعنى بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم على ثلاث قوائم، ثم قال: ﴿ ٱلْجِيَادُ ﴾ [آية: ٣١] يعنى السراع، مثل قوله:﴿ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ ﴾[الحج: ٣٦]، معلقة قائمة على ثلاث، وذلك أن سليمان، عليه السلام، صلى الأولى، ثم جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل وعلى ألف فرس كان ورئها من أبيه داود، عليه السلام، وكان أصابها من العمالقة، فعرض عليه منها تسع مائة، فغابت الشمس ولم يصل العصر. فذلك قوله: ﴿ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ ﴾ يعنى المال، وهو الخيل الذى عرض عليه ﴿ عَن ذِكْرِ رَبِّي ﴾ يعنى صلاة العصر، كقوله:﴿ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾[النور: ٣٧]، يعنى الصلوات الخمس.
﴿ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ ﴾ [آية: ٣٢] والحجاب جبل دون " ق " بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه. ثم قال: ﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ ﴾ يعنى كروها على ﴿ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ ﴾ [آية: ٣٣] يقول: فجعل يسمح بالسيف سوقها وأعناقها فقطعها، وبقى منها مائة فرس، فما كان فى أيدى الناس اليوم فهى من نسل تلك المائة. قوله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ﴾ يعنى بعدما ملك عشرين سنة، ثم ملك أيضاً بعد الفتنة عشرين سنة، فذلك أربعين يقول: لقد ابتلينا سليمان أربعين يوماً ﴿ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ ﴾ يعنى سريره ﴿ جَسَداً ﴾ يعنى رجلاً من الجن يقال له: صخر بن غفير بن عمرو بن شرحبيل، ويقال: إن إبليس جده، ويقال أيضاً اسمه أسيد ﴿ ثُمَّ أَنَابَ ﴾ [آية: ٣٤] يقول: ثم رجع بعد أربعين يوماً إلى ملكه وسلطانه، وذلك أن سليمان غزا العمالقة، فسبى من نسائهم، وكانت فيهم ابنة ملكهم، فاتخذها لنفسه فاشتقات إلى أبيها، وكان بها من الحسن والجمال حالاً يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت، فأنكرها سليمان أن يتخذ لها شبيه أبيها، فاتخذ لها صنماً على شبه أبيها، فكانت تنظر إليه فى كل ساعة، فذهب عنها ما كانت تجد، فكانت تكنس ذلك البيت وترشه، حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك الصنم بغير علم سليمان لذلك، كانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان وكاها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء، حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية، وإذا أتى بعض نسائة فعل ذلك، وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء، فجاء صخر فألقاه فى البحر وجلس صخر فى ملك سليمان، وذهب عن سليمان البهاء، والنور فخرج يدور فى قرى بنى إسرائيل، فكلما آتى سليمان قوماً رجموه وطردوه تعظيماً لسليمان، عليه السلام، وكان سليمان إذا ليس خاتمه سجد له كل شىء يراه من الجن والشياطين وظله الطير، وكان خرج فى ملكه فى ذى القعدة، وعشر ذى الحجة، ورجع إلى ملكه يوم النحر. وذلك قوله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ﴾ أربعين يوماً ﴿ ثُمَّ أَنَابَ ﴾ يعنى رجع إلى ملكه، وذلك أنه أتى ساحل البحر، فوجد صياداً يصيد السمك فتصدق منه، فتصدق عليه بسمكة، فشق بطنها، فوجد الخاتم فلبسه، فرجع إليه البهاء والنور، وسجد له كل من رآه وهرب صخر، فدخل البحر، فبعث فى طلبه الشياطين، فلم يقدروا عليه حتى أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر، كهيئة العين من الخمر، وجعلت الشياطين تشرب من ذلك الخمر ويلهن، فسمع صخر جلبتهم، فخرج إليهم، فقال لهم: ما هذا اللهو والطرب، قالوا: مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه، غنحن نشرب ونلهوا، فقال لهم: وأنا أيضاً أشرب وألهو معكم، فلما شرب الخمر فسكر، أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان، فحفر له حجراً، فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر، وأذاب الرصاص، فصب بين الحجرين وقذف به فى البحر، فهو فيه إلى اليوم. فلما رجع سليمان إلى ملكه وسلطانه ﴿ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ ﴾ [آية: ٣٥] فوهب الله عز وجل له من الملك ما لم يكن له، ولا لأبيه داود، عليهما السلام، فزاده الرياح والشياطين بعد ذلك. فذلك قوله تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ [آية: ٣٦] يقول: مطيعة لسليمان حيث أراد أن تتوجه توجهت له ﴿ وَ ﴾ سخرنا له ﴿ وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ ﴾ [آية: ٣٧] كانوا يبنون له ما يشاء من البنيان، وهو محاريب وتماثيل ويغوصون له فى البحر، فسيتخرجون له اللؤلؤ، وكان سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر. قال: ﴿ وَآخَرِينَ ﴾ من مردة الشياطين، إضمار ﴿ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ ﴾ [آية: ٣٨] يعنى موثقين فى الحديد ﴿ هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ ﴾ على من شئت من الشياطين، فحل عنه ﴿ أَوْ أَمْسِكْ ﴾ يعنى وأحبس فى العمل والوثاق من شئت منهم ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آية: ٣٩] يعنى بلا تبعة عليك فى الآخرة، فيمن تمن عليه فترسله، وفيمن تحبسه فى العلمل. ثم أخبر بمنزلة سليمان فى الآخرة، فقال تعالى ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ ﴾ يعنى لقربة ﴿ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [آية: ٤٠] يعنى وحسن مرجع، وكان لسيمان ثلاث مائة امرأة حرة وسبع مائة سرية، كان لداود، عليه السلام، مائة امرأة حرة وتسع مائة سرية، وكانت الأنبياء كلهم فى الشدة غير داود وسليمان، عليهما السلام.
﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ يعنى إذ قال لربه: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ يقول: أصابنى الشيطان ﴿ بِنُصْبٍ ﴾ يعنى مشقة فى جسده ﴿ وَعَذَابٍ ﴾ [آية: ٤١] فى ماله.﴿ ٱرْكُضْ ﴾ يعنى ادفع الأرض ﴿ بِرِجْلِكَ ﴾ بأرض الشام، فنبعت عين من تحت قدمه فاغتسل، فيها فخرج منها صحيحاً، ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى، فنبعت عن ماء آخرى، ماء عذب بارد شرب منها، فذلك قوله: ﴿ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ ﴾ الذى اغتسل فيها، ثم قال: ﴿ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [آية: ٤٢] الذى أشرب منه، وكان داود يأكل سبع سنين وسبعة أشهر، وسبعة أيام وسبعة ساعات متتابعات.﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾ فأضعف الله عز وجل له، كان له سبع بنين وثلاث بنات قبل البلاء، وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات، فأضعف الله له ﴿ رَحْمَةً ﴾ يعنى نعمة ﴿ مِّنَّا ﴾، ثم قال: ﴿ وَذِكْرَىٰ ﴾ يعنى تفكر ﴿ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٤٣] يعنى أهل اللب العقل.﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ﴾ يعنى بالضغث القبضة الواحدة، فأخذ عيدانا رطبة، وهى الأسل مائة عود عدد ما حلف عليه، وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة ﴿ فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ يعنى ولا تأثم فى يمينك التى حلفت عليها، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة واحدة فأوجعها فبرئت يمينه، وكان اسمها دنيا، ثم أثنى الله عز وجل على أيوب، فقال: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾ على البلاء إضمار ﴿ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [آية: ٤٤] يعنى مطيعاً لله تعالى، لما برأ أيوب فاغتسل كساه جبريل، عليه السلام، حلة.﴿ وَٱذْكُرْ ﴾ يا محمد صبر ﴿ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ ﴾ حين ألقى فى النار ﴿ وَ ﴾ صبر ﴿ وَإِسْحَاقَ ﴾ للذبح ﴿ وَ ﴾ صبر ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ فى ذهاب بصره، ولم يذكر إسماعيل بن إبراهيم لأنه لم يبتل، واسم أم يعقوب رفقا، ثم قال: ﴿ أُوْلِي ٱلأَيْدِي ﴾ يعنى أولى القوة فى العبادة، ثم قال: ﴿ وَٱلأَبْصَارِ ﴾ [آية: ٤٥] يعنى البصيرة فى أمر الله ودينه. ثم ذكر الله تعالى هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنية إسحاق ويعقوب بن إسحاق، فقال: ﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ ﴾ للنبوة والرسالة ﴿ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ ﴾ [آية: ٤٦].
حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد، عن ابن جابر أنه سمع عطاء الخراسانى فى قوله: ﴿ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ ﴾ قال: القوة فى العبادة والبصر بالدين.
﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ ﴾ يقول: وجعلناهم أذكر الناس لدار الآخرة يعنى الجنة.﴿ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ ﴾ [آية: ٤٧] اختارهم الله على علم للرسالة ﴿ وَٱذْكُرْ ﴾ صبر ﴿ إِسْمَاعِيلَ ﴾ هو أشوبل بن هلقانا ﴿ وَ ﴾ صبر ﴿ وَٱلْيَسَعَ وَ ﴾ صبر ﴿ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ ﴾ [آية: ٤٨] اختارهم الله عز وجل للنبوة، فاصبر يا محمد على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء. ثم قال: ﴿ هَـٰذَا ذِكْرٌ ﴾ يعنى هذا بيان الذى ذكر الله من أمر الأنبياء فى هذه السورة ﴿ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ من هذه الأمة فى الآخرة ﴿ لَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ [آية: ٤٩] يعنى مرجع ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ ﴾ [آية: ٥٠].
حدثنا أبوجعفر، قال: حدثنا بن رشيد، قال: حدثنا جليد، عن الحسن فى قوله: ﴿ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ ﴾ قال: أيوب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يقال لها: انفتحى، انقفلى، تكلم فتفهم وتتكلم. حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: سألت زهير بن محمد عن قوله تعالى:﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾[مريم: ٦٢]، قال: ليس فى الجنة ليل، وهم فى نور أبداً ولهم مقدار الليل بإرخاء الحجب ومقدار النهار.﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا ﴾ فى الجنة على السرر ﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ﴾ [آية: ٥١].
﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ ﴾ النظر عن الرجال لا ينظرن إلى غير أزواجهن لأنهم عاشقات لأزواجهن، ثم قال: ﴿ أَتْرَابٌ ﴾ [آية: ٥٢] يعنى مستويات على ميلاد واحد بنات ثلاثة وثلاثين سنة. ثم قال: ﴿ هَـٰذَا ﴾ الذى ذكر فى هذه الآية، ذكر يعنى بيان من الخير فى الجنة ﴿ مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ٥٣] يعنى ليوم الجزاء ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ فى الجنة ﴿ لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ﴾ [آية: ٥٤] يقول: هذا الرزق للمتقين. ثم ذكر الكفار، فقال سبحانه: ﴿ هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ [آية: ٥٥] يعنى بئس المرجع، ثم أخبر بالمرجع، فقال: ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ ﴾ [آية: ٥٦] ما مهدوا لأنفسهم من العذاب.﴿ هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ ﴾ يعنى الحار الذى انتهى حره وطبخه ﴿ وَغَسَّاقٌ ﴾ [آية: ٥٧] البارد الذى قد انتهى برده، نظيرها فى عم يتساءلون:﴿ حَمِيماً وَغَسَّاقاً ﴾[النبأ: ٢٥]، فينطلق من الحار إلى البارد، فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق فى النار. ثم قال: ﴿ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾ [آية: ٥٨] يقول: وآخر من شكله يعنى من نحو الحميم والغساق أصناف، يعنى ألوان من العذاب فى الحميم يشبه بعضه بعضاً فى شبه العذاب ﴿ هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ﴾ وذلك أن القادة فى الكفر المطمعين فى غزاة بدر والمستهزئين من رؤساء قريش دخلوا النار قبل الأتباع، فقالت الخزنة للقادة وهم فى النار: ﴿ هَـٰذَا فَوْجٌ ﴾ يعنى زمرة ﴿ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ﴾ النار إضمار يعنون الأتباع، قالت القادة: ﴿ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ ﴾ قال الخزنة: ﴿ إِنَّهُمْ صَالُو ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٥٩] معكم. فردت الأتباع من كفار مكة على القادة: ﴿ قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ ﴾ زينتموه ﴿ لَنَا ﴾ هذا الكفر إذ تأمروننا فى سورة سبأ أن تكفر بالله، وتجعل له أنداداً ﴿ فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ ﴾ [آية: ٦٠] يعنى فبئس المستقر. قالت الأتباع: ﴿ قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا ﴾ يعنى من زين لنا هذا، يعنى من سبب لنا هذا الكفر ﴿ فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٦١] ﴿ وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ ﴾ [آية: ٦٢] يعنون فقراء المؤمنين عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وسالم، ونحوهم.﴿ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً ﴾ فى الدنيا، نظيرها فى قد أفلح:﴿ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً ﴾[آية المؤمنون: ١١٠].
﴿ أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَـرُ ﴾ [آية: ٦٣] يقول: أم حارت أبصارهم عناقهم معنا فى النار ولا نراهم.﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٦٤] يعنى خصومة القادة والأبتاع فى هذه الآية: ما قال بعضهم لبعض فى الخصومة، نظيرها فى الأعراف، وفى " حم " المؤمن حين قالت:﴿ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا ﴾[الأعراف: ٣٨] عن الهدى، ثم ردت أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار، وهم الأتباع، قوله:﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ ﴾إلى آخر الآية: [غافر: ٤٧].
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ ﴾ يعنى ﴿ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ﴾ لا شريك له ﴿ ٱلْقَهَّارُ ﴾ [آية: ٦٥] لخلقه، ثم عظم نفسه عن شركهم، فقال سبحانه: ﴿ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ فإن من يعبد فيهما، فأنا ربهما ورب من فيهما ﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى ملكه ﴿ ٱلْغَفَّارُ ﴾ [آية: ٦٦] لمن تاب.﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٦٧] يعنى القرآن حديث عظيم لأنه كلام الله عز وجل ﴿ أَنتُمْ ﴾ يا كفار مكة ﴿ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٦٨] يعنى عن إيمان بالقرآن معرضون.﴿ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَـَلإِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ من الملائكة ﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آية: ٦٩] يعنى الخصومة حين قال لهم الرب تعالى:﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾[البقرة: ٣٠] قالت الملائكة:﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾[البقرة: ٣٠]﴿ قَالَ ﴾[البقرة: ٣٠] الله لهم:﴿ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة: ٣٠] فهذه خصومتهم.﴿ إِن ﴾ يعنى إذ ﴿ يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٧٠] يعنى رسول الله بين ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ ﴾ [آية: ٧١] يعنى أدم، وكان أدم، عليه السلام، أول ما خلق منه عجب الذنب وآخر ما خلق منه أضفاره، ثم ركب فيه سائر خلقه، يعنى عجب الذنب، وفيه يركب يوم القيامة كما ركب فى الدنيا.﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [آية: ٧٢] ﴿ فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ الذين كانوا فى الأرض إضمار ﴿ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [آية: ٧٣] ثم استثنى من الملائكة إبليس، وكان اسمه فى الملائكة الحارث، وسمى إبليس حين عصى أبليس من الخير.﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ ﴾ حين تكبر عن السجود لآدم عليه السلام.
﴿ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٧٤] فى علم الله عز وجل ﴿ قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ ﴾ ما لك ألا تسجد ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ ﴾ يعنى تكبرت ﴿ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ ﴾ [آية: ٧٥] يعنى من المتعظمين.
﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [آية: ٧٦] والنار تغلب الطين ﴿ قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا ﴾ يعنى من الجنة ﴿ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾ [آية: ٧٦] يعنى ملعون ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾ [آية: ٧٨].
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ٧٩] يعنى النفخة الثانية ﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ ﴾ [آية: ٨٠] ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ ﴾ [آية: ٨١] يعنىإلى أجل موقوت وهو النفخة الأولى.﴿ قَالَ ﴾ إبليس لربه تبارك وتعالى: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ يقول: فبعظمتك ﴿ لأُغْوِيَنَّهُمْ ﴾ يقول: لأظلنهم ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٨٢] عن الهدى، ثم استثنى إبليس، فقال: ﴿ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ٨٣] بالتوحيد، فإنى لا أستطيع أن أغويهم.
﴿ قَالَ ﴾ الله عز وجل ﴿ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ ﴾ [آية: ٨٤] يقول: قوله الحق فيها تقديم، وأقول الحق يعنى قول الله عز وجل: ﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ﴾ يا إبليس ومن ذريتك الشياطين ﴿ وَمِمَّن تَبِعَكَ ﴾ على دينك من كفار بنى أدم ﴿ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٨٥] يعنى من الفريقين جميعاً.﴿ قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعنى من جعل ﴿ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [آية: ٨٦] هذا القرآن من تلقاء نفسى ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ يقول: ما القرآن إلا بيان ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٨٧] ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ نَبَأَهُ ﴾ يعنى القرآن ﴿ بَعْدَ حِينِ ﴾ [آية: ٨٨] هذا وعيد لهم القتل ببدر، مثل قوله فى الصافات:﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾[الصافات: ١٧٤] يعنى القتل ببدر.
Icon