تفسير سورة الزخرف

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

في التسمية عند الركوب
قوله تعالى :﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾، حدثنا عبدالله بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن علي بن ربيعة : أنه شهد عليّاً كرم الله وجهه حين ركب، فلما وضع رجله في الركاب قال :" بسم الله " فلما استوى قال :" الحمد لله " ثم قال :" سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنّا له مقرنين "، قال : ثم حمد الله ثلاثاً وكبّر ثلاثاً، ثم قال :" لا إله إلا أنت ظلمتُ نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "، ثم ضحك، فقيل له : مم تضحك يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل الذي فعلتُ وقال مثل الذي قلت، ثم ضحك فقيل له : مم تضحك يا نبي الله ؟ قال :" العَبْد، أو قال : عَجَبٌ للعَبْدِ إذا قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ يَعْلَمُ أنّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ هُوَ ".
وحدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه، أنه كان إذا ركب قال : بسم الله، ثم قال : هذا مَنُّكَ وفضلك علينا الحمد لله ربنا، ثم يقول : سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربنا لمنقلبون.
وروى حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عَلَى ذِرْوَةِ سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فإِذا رَكِبْتُمُوهَا فقُولُوا كَمَا أَمَرَكُمُ الله : سُبْحَانَ الّذي سَخَّرَ لنا هذا وما كنَّا لهُ مُقْرِنِينَ ".
ورُوي عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر أن ابن مسعود قال :" إذا ركب الدابة فلم يذكر اسم الله عليه ردفه الشيطان فقال له : تَغَنَّ ! فإن لم يحسن قال له :" تَمَنَّ ! ".

فصل في إباحة لبس الحليّ للنساء


قال أبو العالية ومجاهد :" رُخّص للنساء في الذهب "، ثم قرأ :﴿ أَوَ مَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ ﴾. وروى نافع عن سعيد عن أبي هند عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لبْسُ الحَرِيرِ والذَّهَبِ حَرَامٌ على ذُكُورِ أُمَّتِي حَلالٌ لإِنَاثِها ". ورَوَى شريك عن العباس بن رزيح عن البهيّ عن عائشة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يمصّ الدم عن شجَّة بوجه أسامة ويمجّه :" لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْنَاهُ، لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْنَاهُ لِنُنَفِّقَهُ ".
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين عليهما أَسْوِرَةٌ من ذهب، فقال :" أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُما الله بأَسْوِرَةٍ مِنْ نَارٍ ؟ " قالتا : لا، قال :" فأَدِّيا حَقَّ هَذَا ! ".
وقالت عائشة :" لا بأس بلبس الحليّ إذا أعطى زكاته ". وكتب عمر إلى أبي موسى أن مُرْ مَنْ قِبَلكِ من نساء المؤمنين أن يصَّدَّقْنَ من الحليّ.
ورَوَى أبو حنيفة عن عمرو بن دينار أن عائشة حَلَّتْ أخواتها الذهب، وأن ابن عمر حَلَّى بناته الذهب. وقد رَوَى خصيف عن مجاهد عن عائشة قالت : لما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب قلنا : يا رسول الله أو نربط المسك بشيء من الذهب ؟ قال :" أفلا تَرْبطُونَه بالفِضَّة ثم تُلَطِّخُونَهُ بشيءٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَيَكُون مِثْلَ الذَّهَبِ ! ".
وروى جرير عن مطرف عن أبي هريرة قال : كنت قاعداً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتته امرأة فقالت : يا رسول الله سِوَارَانِ من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" سِوَارَانِ مِنْ نَارٍ " فقالت : قُرْطان من ذهب، قال :" قُرْطَانِ مِنْ نَارٍ "، قالت : طوق من ذهب، قال :" طَوْقٌ مِنْ نَارٍ "، قالت : يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده، فقال :" ما يَمْنَعَكُنَّ أَنْ تَجْعَلْنَ قُرْطَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ تُصَفِّرِينَهُ بِعَنْبَرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ فإِذَا هُوَ كَالذَّهَبِ ".
قال أبو بكر : الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أَظْهَرُ وأشهر من أخبار الحَظْرِ، ودلالة الآية أيضاً ظاهرة في إباحته للنساء، وقد استفاض لبس الحليّ للنساء منذ لَدُن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن، ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد.
قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ يعني أن الكفار قالوا : لو شاء الله ما عبدنا الأصنام ولا الملائكة، وإنّا إنما عبدناهم لأن الله قد شاء منّا ذلك ؛ فأكذبهم الله في قيلهم هذا وأخبر أنهم يَخْرُصُون ويكذبون بهذا القول في أن الله تعالى لم يشأ كفرهم ؛ ونظيره قوله :﴿ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ]، أخبر فيه أنهم مكذّبون لله ولرسوله بقولهم لو شاء الله ما أشركنا، وأبان به أن الله قد شاء أن لا يشركوا.
وهذا كله يبطل مذهب الجبر الجهمية.
قوله تعالى :﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ إلى قوله :﴿ قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ﴾، فيه الدلالة على إبطال التقليد لذمّه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ للسَّاعَةِ ﴾. حدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ للسَّاعَةِ ﴾ قال :" نزول عيسى ابن مريم عليه السلام عِلْمٌ للساعة "، وناس يقولون :" القرآن عِلْمٌ للساعة ".
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾، ينتظم معنيين، أحدهما : أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة، والثاني : أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالماً بها. ونحوه ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إِذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وإِلاَّ فَدَعْ ".
Icon