مكية. وهي تسع وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب. . . ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الخ، مع قوله :﴿ والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾، فإنه تتميم له.
ﰡ
وقوله تعالى :﴿ أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِكْرَ صفحاً ﴾ الآية، قال القشيري : وفي هذه إشارة لطيفة، وهو : ألا يُقطع الكلامُ عمّن تمادى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه، فأحرى أن مَنْ لم يُقَصّرْ في إيمانه، أو تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني : أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
وقوله تعالى :﴿ أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِكْرَ صفحاً ﴾ الآية، قال القشيري : وفي هذه إشارة لطيفة، وهو : ألا يُقطع الكلامُ عمّن تمادى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه، فأحرى أن مَنْ لم يُقَصّرْ في إيمانه، أو تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني : أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
وقوله تعالى :﴿ أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِكْرَ صفحاً ﴾ الآية، قال القشيري : وفي هذه إشارة لطيفة، وهو : ألا يُقطع الكلامُ عمّن تمادى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه، فأحرى أن مَنْ لم يُقَصّرْ في إيمانه، أو تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني : أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
وقوله تعالى :﴿ أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِكْرَ صفحاً ﴾ الآية، قال القشيري : وفي هذه إشارة لطيفة، وهو : ألا يُقطع الكلامُ عمّن تمادى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه، فأحرى أن مَنْ لم يُقَصّرْ في إيمانه، أو تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني : أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
ومَن قرأ بالكسر فشرط حُذف جوابه ؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو من الشرط الذي يصدرُ عن الجازم بصحة الأمر، كما يقول الأجير : إن كنتُ عملتُ لك فوفّني حقي، وهو عالم بذلك. وعبّر ب " أن " ؛ إخراجاً للمحقق مخرج المشكوك ؛ لاستهجالهم، كأن الإسراف من حقه ألا يقع.
وقوله تعالى :﴿ أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِكْرَ صفحاً ﴾ الآية، قال القشيري : وفي هذه إشارة لطيفة، وهو : ألا يُقطع الكلامُ عمّن تمادى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه، فأحرى أن مَنْ لم يُقَصّرْ في إيمانه، أو تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني : أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ ﴾*﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وكم أرسلنا ﴾ أي : كثيراً أرسلنا قبلك ﴿ من نبيٍّ في الأولين ﴾ ؛ في الأمم الماضية، فكذَّبوهم واستهزؤوا بهم.
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾*﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾*﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾*﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ﴾*﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾*﴿ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولئن سألتهم ﴾ أي : المشركين ﴿ مَنْ خلق السماواتِ والأرضَ ليقولُنَّ خلقهن العزيزُ العليمُ ﴾ أي : ينسبون خلقها إلى مَن هذا وصفه في نفس الأمر ؛ لا أنهم يُعبِّرون عنه بهذا العنوان. واختار هذين الوصفين للإيذان بانفراده بالإبداع والاختراع والتدبير ؛ لأن العزة تُؤذن بالغلبة والاقتدار، والعلم يؤذن بالتدبُّر والاختيار، وليُرتب عليه ما يناسبه من الأوصاف، وهو قوله :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً ﴾١.
وقوله تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً... ﴾ الخ، قال القشيري : كما جَعلها قَراراً لأشباحهم، جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم ؛ فهي سُكَّانُ النفوس، كما أن الخَلْق سُكَّانُ الأرضِ، فإذا انتهت مدةُ كَوْنِ النفوسِ، حَكَمَ اللّهُ بخرابها... كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُلِّية، قضى الله بخرابها.
ثم قال في قوله :﴿ فأنشرنا به بلدة ميتاً ﴾ ؛ وكما يُحْيي الأرضَ بالمطَر يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر. والذي خلق من الأزواج أصنافَ الخَلْق، كذلك حبس عليكم الأحوالَ كلها، فمِنْ رغبةٍ في الخيرات، وخوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاّت، ورجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات، طمعاً في المثوبات، وغير ذلك من فنون الصِّفات، وكما سَخَّرَ الأنعام، وأعظمَ المنَّة بذلك، سَخَّر للمؤمنين مركب التوفيق، بحْملهم عليه إلى بساط الطاعة، وسهَّل للمريدين مركبّ الإرادة، وحَمَلَهم عليه إلى عَرَصَات الجود، وفضاء الشهود، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمّة، فأناخوا بالحضرة القدسية، وعند ذلك مَحَطُّ الكافة ؛ ثم لا تخرق سرادقاتِ العزةِ هِمَّةُ مخلوقٍ، سواء كان ملَكاً مُقّرَّباً، أو نبيّاً مُرْسلاً، أو ولياً مُكَرَّماً. فعند سطواتِ العِزِّ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ، ويقف وراءها كل مُحْدَثٍ مسبوق. هـ. ببعض المعنى. وسرادقات العز : حجاب الكبرياء، فلا تحصل الإحاطة بكُنه الربوبية لأحدٍ من الخلق. ولهذا يبقى الترقي أبداً للعارفين، في هذه الدار، وفي تلك الدار، ولا يحصل على غاية أسرار الربوبية أحد، ولو بقي يترقى أبداً سرمداً. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً... ﴾ الخ، قال القشيري : كما جَعلها قَراراً لأشباحهم، جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم ؛ فهي سُكَّانُ النفوس، كما أن الخَلْق سُكَّانُ الأرضِ، فإذا انتهت مدةُ كَوْنِ النفوسِ، حَكَمَ اللّهُ بخرابها... كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُلِّية، قضى الله بخرابها.
ثم قال في قوله :﴿ فأنشرنا به بلدة ميتاً ﴾ ؛ وكما يُحْيي الأرضَ بالمطَر يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر. والذي خلق من الأزواج أصنافَ الخَلْق، كذلك حبس عليكم الأحوالَ كلها، فمِنْ رغبةٍ في الخيرات، وخوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاّت، ورجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات، طمعاً في المثوبات، وغير ذلك من فنون الصِّفات، وكما سَخَّرَ الأنعام، وأعظمَ المنَّة بذلك، سَخَّر للمؤمنين مركب التوفيق، بحْملهم عليه إلى بساط الطاعة، وسهَّل للمريدين مركبّ الإرادة، وحَمَلَهم عليه إلى عَرَصَات الجود، وفضاء الشهود، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمّة، فأناخوا بالحضرة القدسية، وعند ذلك مَحَطُّ الكافة ؛ ثم لا تخرق سرادقاتِ العزةِ هِمَّةُ مخلوقٍ، سواء كان ملَكاً مُقّرَّباً، أو نبيّاً مُرْسلاً، أو ولياً مُكَرَّماً. فعند سطواتِ العِزِّ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ، ويقف وراءها كل مُحْدَثٍ مسبوق. هـ. ببعض المعنى. وسرادقات العز : حجاب الكبرياء، فلا تحصل الإحاطة بكُنه الربوبية لأحدٍ من الخلق. ولهذا يبقى الترقي أبداً للعارفين، في هذه الدار، وفي تلك الدار، ولا يحصل على غاية أسرار الربوبية أحد، ولو بقي يترقى أبداً سرمداً. والله تعالى أعلم.
وهذه الجُمل، من قوله ﴿ الذي جعل. . . ﴾ استئناف منه تعالى، وليست من مقول الكفار ؛ لأنهم يُنكرون الإخراج من القبور، بل الآية حجة عليهم في إنكار البعث، وكذا قوله :﴿ والذي خلق الأزواجَ كلها ﴾.
وقوله تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً... ﴾ الخ، قال القشيري : كما جَعلها قَراراً لأشباحهم، جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم ؛ فهي سُكَّانُ النفوس، كما أن الخَلْق سُكَّانُ الأرضِ، فإذا انتهت مدةُ كَوْنِ النفوسِ، حَكَمَ اللّهُ بخرابها... كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُلِّية، قضى الله بخرابها.
ثم قال في قوله :﴿ فأنشرنا به بلدة ميتاً ﴾ ؛ وكما يُحْيي الأرضَ بالمطَر يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر. والذي خلق من الأزواج أصنافَ الخَلْق، كذلك حبس عليكم الأحوالَ كلها، فمِنْ رغبةٍ في الخيرات، وخوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاّت، ورجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات، طمعاً في المثوبات، وغير ذلك من فنون الصِّفات، وكما سَخَّرَ الأنعام، وأعظمَ المنَّة بذلك، سَخَّر للمؤمنين مركب التوفيق، بحْملهم عليه إلى بساط الطاعة، وسهَّل للمريدين مركبّ الإرادة، وحَمَلَهم عليه إلى عَرَصَات الجود، وفضاء الشهود، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمّة، فأناخوا بالحضرة القدسية، وعند ذلك مَحَطُّ الكافة ؛ ثم لا تخرق سرادقاتِ العزةِ هِمَّةُ مخلوقٍ، سواء كان ملَكاً مُقّرَّباً، أو نبيّاً مُرْسلاً، أو ولياً مُكَرَّماً. فعند سطواتِ العِزِّ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ، ويقف وراءها كل مُحْدَثٍ مسبوق. هـ. ببعض المعنى. وسرادقات العز : حجاب الكبرياء، فلا تحصل الإحاطة بكُنه الربوبية لأحدٍ من الخلق. ولهذا يبقى الترقي أبداً للعارفين، في هذه الدار، وفي تلك الدار، ولا يحصل على غاية أسرار الربوبية أحد، ولو بقي يترقى أبداً سرمداً. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً... ﴾ الخ، قال القشيري : كما جَعلها قَراراً لأشباحهم، جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم ؛ فهي سُكَّانُ النفوس، كما أن الخَلْق سُكَّانُ الأرضِ، فإذا انتهت مدةُ كَوْنِ النفوسِ، حَكَمَ اللّهُ بخرابها... كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُلِّية، قضى الله بخرابها.
ثم قال في قوله :﴿ فأنشرنا به بلدة ميتاً ﴾ ؛ وكما يُحْيي الأرضَ بالمطَر يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر. والذي خلق من الأزواج أصنافَ الخَلْق، كذلك حبس عليكم الأحوالَ كلها، فمِنْ رغبةٍ في الخيرات، وخوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاّت، ورجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات، طمعاً في المثوبات، وغير ذلك من فنون الصِّفات، وكما سَخَّرَ الأنعام، وأعظمَ المنَّة بذلك، سَخَّر للمؤمنين مركب التوفيق، بحْملهم عليه إلى بساط الطاعة، وسهَّل للمريدين مركبّ الإرادة، وحَمَلَهم عليه إلى عَرَصَات الجود، وفضاء الشهود، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمّة، فأناخوا بالحضرة القدسية، وعند ذلك مَحَطُّ الكافة ؛ ثم لا تخرق سرادقاتِ العزةِ هِمَّةُ مخلوقٍ، سواء كان ملَكاً مُقّرَّباً، أو نبيّاً مُرْسلاً، أو ولياً مُكَرَّماً. فعند سطواتِ العِزِّ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ، ويقف وراءها كل مُحْدَثٍ مسبوق. هـ. ببعض المعنى. وسرادقات العز : حجاب الكبرياء، فلا تحصل الإحاطة بكُنه الربوبية لأحدٍ من الخلق. ولهذا يبقى الترقي أبداً للعارفين، في هذه الدار، وفي تلك الدار، ولا يحصل على غاية أسرار الربوبية أحد، ولو بقي يترقى أبداً سرمداً. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً... ﴾ الخ، قال القشيري : كما جَعلها قَراراً لأشباحهم، جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم ؛ فهي سُكَّانُ النفوس، كما أن الخَلْق سُكَّانُ الأرضِ، فإذا انتهت مدةُ كَوْنِ النفوسِ، حَكَمَ اللّهُ بخرابها... كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُلِّية، قضى الله بخرابها.
ثم قال في قوله :﴿ فأنشرنا به بلدة ميتاً ﴾ ؛ وكما يُحْيي الأرضَ بالمطَر يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر. والذي خلق من الأزواج أصنافَ الخَلْق، كذلك حبس عليكم الأحوالَ كلها، فمِنْ رغبةٍ في الخيرات، وخوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاّت، ورجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات، طمعاً في المثوبات، وغير ذلك من فنون الصِّفات، وكما سَخَّرَ الأنعام، وأعظمَ المنَّة بذلك، سَخَّر للمؤمنين مركب التوفيق، بحْملهم عليه إلى بساط الطاعة، وسهَّل للمريدين مركبّ الإرادة، وحَمَلَهم عليه إلى عَرَصَات الجود، وفضاء الشهود، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمّة، فأناخوا بالحضرة القدسية، وعند ذلك مَحَطُّ الكافة ؛ ثم لا تخرق سرادقاتِ العزةِ هِمَّةُ مخلوقٍ، سواء كان ملَكاً مُقّرَّباً، أو نبيّاً مُرْسلاً، أو ولياً مُكَرَّماً. فعند سطواتِ العِزِّ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ، ويقف وراءها كل مُحْدَثٍ مسبوق. هـ. ببعض المعنى. وسرادقات العز : حجاب الكبرياء، فلا تحصل الإحاطة بكُنه الربوبية لأحدٍ من الخلق. ولهذا يبقى الترقي أبداً للعارفين، في هذه الدار، وفي تلك الدار، ولا يحصل على غاية أسرار الربوبية أحد، ولو بقي يترقى أبداً سرمداً. والله تعالى أعلم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان إذا وضع رجله في الركاب، قال :" بسم الله " فإذا استوى على الدابة قال :﴿ الحمد لله الذي سخر لنا هذا. . . ﴾ إلى :﴿ منقلبون ﴾، ثم كبّر " ثلاثاً " وهلّل ثلاثاً، ثم قال :" اللهم اغفر لي. . " ١، وحُكي أن قوماً ركبوا، وقالوا :﴿ سبحان الذي سخّر لنا هذا. . . ﴾ الآية، وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هُزالاً، فقال : إني مقرن لهذه - أي مطيق - فسقط منها لوثبتها، واندقّت عنقه٢. وينبغي ألا يكون ركوبُ العاقل للشهرة والتلذُّذ، بل للاعتبار، فيحمد الله ويشكره على ما أولاه من نعمه، وسخَّر له من أنعامه.
وقوله تعالى :﴿ الذي جعل لكم الأرض مهاداً... ﴾ الخ، قال القشيري : كما جَعلها قَراراً لأشباحهم، جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم ؛ فهي سُكَّانُ النفوس، كما أن الخَلْق سُكَّانُ الأرضِ، فإذا انتهت مدةُ كَوْنِ النفوسِ، حَكَمَ اللّهُ بخرابها... كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُلِّية، قضى الله بخرابها.
ثم قال في قوله :﴿ فأنشرنا به بلدة ميتاً ﴾ ؛ وكما يُحْيي الأرضَ بالمطَر يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر. والذي خلق من الأزواج أصنافَ الخَلْق، كذلك حبس عليكم الأحوالَ كلها، فمِنْ رغبةٍ في الخيرات، وخوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاّت، ورجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات، طمعاً في المثوبات، وغير ذلك من فنون الصِّفات، وكما سَخَّرَ الأنعام، وأعظمَ المنَّة بذلك، سَخَّر للمؤمنين مركب التوفيق، بحْملهم عليه إلى بساط الطاعة، وسهَّل للمريدين مركبّ الإرادة، وحَمَلَهم عليه إلى عَرَصَات الجود، وفضاء الشهود، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمّة، فأناخوا بالحضرة القدسية، وعند ذلك مَحَطُّ الكافة ؛ ثم لا تخرق سرادقاتِ العزةِ هِمَّةُ مخلوقٍ، سواء كان ملَكاً مُقّرَّباً، أو نبيّاً مُرْسلاً، أو ولياً مُكَرَّماً. فعند سطواتِ العِزِّ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ، ويقف وراءها كل مُحْدَثٍ مسبوق. هـ. ببعض المعنى. وسرادقات العز : حجاب الكبرياء، فلا تحصل الإحاطة بكُنه الربوبية لأحدٍ من الخلق. ولهذا يبقى الترقي أبداً للعارفين، في هذه الدار، وفي تلك الدار، ولا يحصل على غاية أسرار الربوبية أحد، ولو بقي يترقى أبداً سرمداً. والله تعالى أعلم.
٢ رواه السيوطي في الدر المنثور ٥/٧١٧..
﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ﴾*﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾*﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾*﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ وجعلوا ﴾ أي : المشركين ﴿ له من عباده جُزْءاً ﴾ حيث قالوا : الملائكة بنات الله، فجعلوهم جزءاً له، وبعضاً منه، كما يكون الولد لوالده جزءاً. وهذا متصل بقوله ﴿ ولئن سألتهم. . . ﴾ الخ، أي : ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض لَيَعترفن به، وقد جعلوا له سبحانه بألسنتهم، واعتقادهم مع ذلك الاعتراف، من عباده جُزءاً، وعبَّر بالجزء لمزيد استحالته في حق الواحد الأحد، من جميع الجهات. وقرأ أبو بكر وحماد بضمتين. ﴿ إنَّ الإِنسانَ لكفور مبين ﴾ ؛ لَجَحود للنعمة، ظاهر الكفران، مبالغ فيه ؛ لأن نسبة الولد إليه أشنع الكفر. والكفر أصل الكفران كله.
قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته. هـ. أي : جعلوا له جزءاً من عين الفرق، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفي الآية تحذير من كراهية البنات، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
وجملة :﴿ وأصفاكم ﴾ : إما عطف على ﴿ اتخذ ﴾، داخل في حكم التعجيب والإنكار، أو : حال من فاعله، بإضمار قد، أو : بدونه، على الخلاف. والالتفات إلى الخطاب لتأكيد الإجرام وتشديد التوبيخ.
قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته. هـ. أي : جعلوا له جزءاً من عين الفرق، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفي الآية تحذير من كراهية البنات، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته. هـ. أي : جعلوا له جزءاً من عين الفرق، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفي الآية تحذير من كراهية البنات، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته. هـ. أي : جعلوا له جزءاً من عين الفرق، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفي الآية تحذير من كراهية البنات، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته. هـ. أي : جعلوا له جزءاً من عين الفرق، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفي الآية تحذير من كراهية البنات، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾*﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾*﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾*﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾*﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾*﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وقالوا لو شاء الرحمانُ ﴾ عدم عبادتنا للملائكة ﴿ ما عبدناهم ﴾، أرادوا بذلك بيان أن ما فعلوه مَرْضِي عنده تعالى، ولولا ذلك ما خلّى بينهم وبينها، ويُجاب : بأنه تعالى قد يخلي بين العبد ومعصيته، لينفذ فيه ما سبق من درك الوعيد. وتعلقت المعتزلة بظاهر الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكفار، وإنما شاء الإيمان، فإنّ الكفار ادّعوا أن الله شاء منهم الكفر، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام، حيث قالوا :﴿ لو شاء الرحمان ما عبدناهم ﴾ أي : لو شاء بنا أن نترك عبادة الأصنام لمَنَعَنَا عن عبادتها، لكنه لم يشأ ذلك. والله تعالى ردّ عليهم قولهم، واعتقادهم، بقوله :﴿ ما لهم بذلك ﴾ القول ﴿ من علم إِن هم إِلا يَخْرُصُون ﴾ : يكذبون، ومعنى الآية عندنا : أنهم أرادوا بالمشيئة : الرضا، وقالوا : لو لم يرضَ بذلك لعجّل عقوبتنا، ولمَنعنا من عبادتها مع قهر واضطرار، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك، فردَّ الله عليهم بقوله :﴿ ما لهم بذلك من علم. . . ﴾ الآية. أو : قالوا هذا القول استهزاء، لا جدّاً واعتقاداً، فأكذبهم وجهّلهم حيث لم يقولوه اعتقاداً، كما قالوا :﴿ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ [ يس : ٤٧ ]. وهذا كلام حق أرادوا به باطلاً : انظر النسفي.
وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني، ولا ينفع ذلك في هذه الدار، التي هي التكليف، بل يجب عليه النهوض، والقصد إلى أمر الله به، من حقوق العبودية، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار، وإلا فالشقاء لازم له. وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق. فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة... ﴾ الآية، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم، ففيه نزعة جاهلية، وحمية من حميتهم.
وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني، ولا ينفع ذلك في هذه الدار، التي هي التكليف، بل يجب عليه النهوض، والقصد إلى أمر الله به، من حقوق العبودية، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار، وإلا فالشقاء لازم له. وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق. فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة... ﴾ الآية، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم، ففيه نزعة جاهلية، وحمية من حميتهم.
وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني، ولا ينفع ذلك في هذه الدار، التي هي التكليف، بل يجب عليه النهوض، والقصد إلى أمر الله به، من حقوق العبودية، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار، وإلا فالشقاء لازم له. وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق. فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة... ﴾ الآية، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم، ففيه نزعة جاهلية، وحمية من حميتهم.
وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني، ولا ينفع ذلك في هذه الدار، التي هي التكليف، بل يجب عليه النهوض، والقصد إلى أمر الله به، من حقوق العبودية، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار، وإلا فالشقاء لازم له. وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق. فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة... ﴾ الآية، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم، ففيه نزعة جاهلية، وحمية من حميتهم.
وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني، ولا ينفع ذلك في هذه الدار، التي هي التكليف، بل يجب عليه النهوض، والقصد إلى أمر الله به، من حقوق العبودية، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار، وإلا فالشقاء لازم له. وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق. فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة... ﴾ الآية، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم، ففيه نزعة جاهلية، وحمية من حميتهم.
وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني، ولا ينفع ذلك في هذه الدار، التي هي التكليف، بل يجب عليه النهوض، والقصد إلى أمر الله به، من حقوق العبودية، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار، وإلا فالشقاء لازم له. وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزندق، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق. فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة... ﴾ الآية، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم، ففيه نزعة جاهلية، وحمية من حميتهم.
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾*﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾*﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾*﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ﴾*﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وإِذ قال إبراهيمُ ﴾ أي : واذكر وقت قوله عليه السلام ﴿ ولأبيه وقومه ﴾ المُنكّبين على التقليد، كيف تبرأ مما هم فيه بقوله :﴿ إِنني بَرَاء ﴾ أي : بريء ﴿ مما تعبدون ﴾، وتمسك بالبرهان. وذكر قصته ليسلكوا مسلكه في الاستدلال، أو : ليقلدوه، إن لم يكن لهم بُد من التقليد ؛ فإنه أشرف آبائهم. و " برَاء " : مصدر، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع، والمذكر والمؤنث، كرجل عدل، وامرأة عدل، وقوم عدل. و " ما " : إما مصدرية، أو : موصولة، أي : بريء من عبادتكم ومن معبودكم.
ترَكْنا حُظوظاً من حضيض لُحُوظنا | مع المقصد الأقصى إلى المطلب الأسنى |
ترَكْنا حُظوظاً من حضيض لُحُوظنا | مع المقصد الأقصى إلى المطلب الأسنى |
ترَكْنا حُظوظاً من حضيض لُحُوظنا | مع المقصد الأقصى إلى المطلب الأسنى |
وفي الآية توبيخ لهم، فإن التمتع بزيادة النعم يُوجب أن يجعلوه سبباً لزيادة الشكر، والثبات على التوحيد والإيمان، فجعلوه سبباً لزيادة أقصى مراتب الكفر والضلال.
وحاصل معنى الآية : أنه تعالى جعل كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم عليه السلام ليدعو الموحّد المشرك، نسلاً بعد نسل، فيرجع المشرك عن شركه، فلم يرجعوا، بل اغترُّوا بما مُتّعوا به، فاستمرّوا على الشرك حتى جاءهم الحق، فكفروا وأصرُّوا.
ترَكْنا حُظوظاً من حضيض لُحُوظنا | مع المقصد الأقصى إلى المطلب الأسنى |
والله تعالى أعلم.
ترَكْنا حُظوظاً من حضيض لُحُوظنا | مع المقصد الأقصى إلى المطلب الأسنى |
﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾*﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآنُ على رَجُل من القريتين عظيم ﴾ أي : من إحدى القريتين ؛ مكة والطائف، على نهج قوله تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [ الرحمان : ٢٢ ] وعنوا بعظيم مكة : الوليد بن المغيرة، وبعظيم الطائف : عروة بن مسعود الثقفي. وعن مجاهد : عظيم مكة : عتبة بن ربيعة، وعظيم الطائف : ابن عبد ياليل. ولم يتفوّهوا بهذه العظيمة حسداً، بل استدلالاً على عدم نزوله، بمعنى : لو كان قرآناً لأُنزل على أحد هؤلاء، بناء على ما زعموا من أن الرسالة منصب جليل، لا يليق له إلا مَن له جلالة من جهة المال والجاه، ولم يدْروا أنها رتبة روحانية، لا يرتقى إليها إلا همم الخواص، المختصين بالنفوس الزكية، المؤيّدين بالقوة القدسية، المتحلّين بالفضائل الإنسية، وأما المتزخرفون بالزخارف الدنيوية، المتمتعون بالحظوظ الدنية، فهم من استحقاق تلك الرتبة بألف معزل.
قال ابن عطية : وإنما قصدوا إلى مَن عظم ذكره بالسن، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعظم هؤلاء ؛ إذ كان المسمى عندهم الأمين. ه. ومرادهم : الشرف الدنيوي، بحيث يتعرض للأمور ؛ ليُذكَر ويُشار إليه، ورسوله الله صلى الله عليه وسلم كان منزَّهاً عن ذلك من أول النشأة، كما هو حال أهل الآخرة، والنفوس في مهماتها إليهم أميلُ، وعليهم تعول، ولذلك كان أميناً عندهم، ولا ترضى جل النفوس أهل الفضول ؛ لأماناتها، ولا تسكن إليها وتطمئن بها، وإنما تعظمها ظاهراً، لا حقيقة. وهذا كافٍ في الرد عليهم في أنهم لا يرضونهم لأماناتهم، فكيف يُرضون لأمانات الوحي. ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ]. قاله في الحاشية.
ويقال لمَن أنكر على أهلها من أهل التجريد :﴿ أهُم يقسمون رحمت ربك... ﴾ الآية، ورحمة ربك - هي سر الخصوصية - خير مما يجمعون.
وقال القشيري على قوله تعالى :﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم... ﴾ الخ، بعد كلام : ثم إنه تعالى قَسَمَ لبعض عباده النعمةَ والغنى، ولقوم الفقر والقلّة، وجعل لكلّ واحدٍ منهم مسكناً يسكنون إليه، ويستقلُّون به، فللأغنياء وجود الأنعام، وجزيل الأقسام، فشكروا واستبشروا، وللفقراء شهودُ القَسَّام، فحَمدوا وافتخروا، فالأغنياء وجدوا النعمة فاستغنوا وانشغلوا، والفقراء سمعوا قوله :" نحن " فاشتغلوا، وفي الخبر : أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار :" أما تَرضَون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعوا برسول الله إلى أهليكم ؟ والله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون " ١ هـ.
قوله تعالى :﴿ نحن قسمنا بينهم... ﴾ الخ، قد سبقت أقسام الرزق قبل ظهور الخلق، فالواجب انتظار القسمة، والرضا بما قسم، كما قال الشاعر :
اقنعْ بما قسم الرزّاق من قِسَم | وسلّم الأمرَ فالرزاق مختارُ |
لا تجزعن ولا تبطَر على مِحَنٍ | أو مِنَح، فإنما هي أحكام وأقدارُ |
واقنع بكل الذي يجري الزمانُ به | ولا يكن منك للمغرور انكسارُ |
﴿ نَحنُ قَسَمْنَا بينهم معيشتَهم ﴾ ؛ ما يعيشون به، وهو أرزاقهم الحسية ﴿ في الحياة الدنيا ﴾ أي : لم نجعل قسمة الأدون إليهم، وهو رزق الأشباح، فكيف بالنبوة، والعلم، الذي هو رزق الأرواح ؟ ﴿ ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ﴾ أي : جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي، والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء، ﴿ ليتخذ بعضُهُم بعضاً سُخْرياً ﴾ أي : ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم، ويستخدموهم في مهماتهم، ويُسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا، ويصلوا إلى أعمالهم، هذا بماله، وهذا ببدنه، ولو استووا في الغنى والفقر لبطل جُل المصالح، فسبحان المدبّر الحكيم.
قال القشيري : لو كانت المقاديرُ متساويةٌ لَتَعَطلَت المعايشُ، ولَبَقي كلٌّ عند حاله، فجعل بعضَهُم مخصوصاً بالترفُّه والمال، وآخرين بالفقر ورقّة الحال، حتى احتاج الفقيرُ في حين حاجته أن يعمل للغنيِّ، ليترفّق من جهته بأجرته، فيصلُح بذلك أمر الفقير والغنيّ معاً. ه. ولو فوّضنا ذلك إلى تدبيرهم لهلكوا. وإذا كانوا في تدبير خويصة أمرهم، وما يصلحهم من متاع الدنيا الدنية، في غاية العجز، فما ظنهم في تدبير أمر الدين والنبوة ؟ !.
وقيل :" سخريا " أي : يسخر بعضهم من بعض.
﴿ ورحمتُ ربك ﴾ أي : النبوة، أو : الدين وما يتبعه من الفوز في المآب، ﴿ خيرٌ مما يجمعون ﴾ أي : مما يجمعُ هؤلاء من حُطام الدنيا الدنية الفانية.
ويقال لمَن أنكر على أهلها من أهل التجريد :﴿ أهُم يقسمون رحمت ربك... ﴾ الآية، ورحمة ربك - هي سر الخصوصية - خير مما يجمعون.
وقال القشيري على قوله تعالى :﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم... ﴾ الخ، بعد كلام : ثم إنه تعالى قَسَمَ لبعض عباده النعمةَ والغنى، ولقوم الفقر والقلّة، وجعل لكلّ واحدٍ منهم مسكناً يسكنون إليه، ويستقلُّون به، فللأغنياء وجود الأنعام، وجزيل الأقسام، فشكروا واستبشروا، وللفقراء شهودُ القَسَّام، فحَمدوا وافتخروا، فالأغنياء وجدوا النعمة فاستغنوا وانشغلوا، والفقراء سمعوا قوله :" نحن " فاشتغلوا، وفي الخبر : أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار :" أما تَرضَون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعوا برسول الله إلى أهليكم ؟ والله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون " ١ هـ.
قوله تعالى :﴿ نحن قسمنا بينهم... ﴾ الخ، قد سبقت أقسام الرزق قبل ظهور الخلق، فالواجب انتظار القسمة، والرضا بما قسم، كما قال الشاعر :
اقنعْ بما قسم الرزّاق من قِسَم | وسلّم الأمرَ فالرزاق مختارُ |
لا تجزعن ولا تبطَر على مِحَنٍ | أو مِنَح، فإنما هي أحكام وأقدارُ |
واقنع بكل الذي يجري الزمانُ به | ولا يكن منك للمغرور انكسارُ |
﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾*﴿ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴾*﴿ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولولا أن يكون الناسُ أمةً واحدةٌ ﴾ أي : ولولا كراهة أن يجتمع الناس على الكفر، ويُطبقوا عليه، ﴿ لجعلنا ﴾ لأجل حقارة الدنيا عندنا ﴿ لِمَن يكفُر بالرحمن لبيوتهم ﴾ : بدل " مَن " ﴿ سُقُفاً من فضةٍ ﴾ أي : متخذة منها، ﴿ ومعارجَ ﴾ أي : ولجعلنا لهم مصاعد، أي : سلالم من فضة أيضاً، يصعدون عليها إلى السطوح، ﴿ عليها يظهرون ﴾ أي : يَعلون السطوح والعلالي عليها.
رضيتُ من الدنيا بقُوتٍ وخرقةٍ *** وأشربُ من كوز حوافيه تُكْسَرُ
فقل لبني الدنيا : اعزلوا مَن أردتُم *** وولُّوا، وخلوني على البعد أنظرُ
رضيتُ من الدنيا بقُوتٍ وخرقةٍ *** وأشربُ من كوز حوافيه تُكْسَرُ
فقل لبني الدنيا : اعزلوا مَن أردتُم *** وولُّوا، وخلوني على البعد أنظرُ
﴿ وإِن كُلُّ ذلك لَمَّا متاعُ الحياةِ الدنيا ﴾ أي : وما كل ما ذكر من البيوت الموصوفة بما ذكر من الزخارف الغرارة، إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا، ثم يفنى وتبقى تبعته. ﴿ والآخرةُ ﴾ أي : ونعيم الآخرة الذي يقصر عنه البيان : خير ﴿ عند ربك للمتقين ﴾ الكفر والمعاصي. وبهذا يتبين أن العظيم إنما هو العظيم في الآخرة، لا في الدنيا، ولذلك لم يجعل للمؤمنين فيها حظاً وافراً ؛ لأنه تمتع قليل بالنسبة إلى ما لهم في الآخرة، ولأنه ربما يشغلهم عن ذكر الرحمان، كما أشار إليه بقوله :﴿ ومَن يَعْشُ. . . ﴾ الخ.
رضيتُ من الدنيا بقُوتٍ وخرقةٍ *** وأشربُ من كوز حوافيه تُكْسَرُ
فقل لبني الدنيا : اعزلوا مَن أردتُم *** وولُّوا، وخلوني على البعد أنظرُ
﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾*﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾*﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾*﴿ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾*﴿ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ﴾*﴿ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ﴾.
قلت :" مَن يعش " : شرط وجواب. وحكي أن أبا عبد الله بن مرزوق دخل على ابن عرفة، فحضر مجلسه، ولم يعرفه أحد، فوجده يُفسر هذه الآية :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان ﴾، فكان أول ما افتتح به - يعني ابن مرزوق - أن قال : وهل يصح أن تكون " مَن " هنا موصولة ؟ فقال ابن عرفة : وكيف، وقد جزمت ؟ فقال ابن مرزوق : جزمت تشبيهاً بالشرطية، فقال ابن عرفة : إنما يقدم على هذا بنص من إمام، أو شاهد من كلام العرب، فقال : أما النص ؛ فقال ابن مالك في التسهيل : وقد يحزم مسبب عن صلة الذي، تشبيهاً بجواب الشرط، وأما الشاهد فقوله :
فلا تَحْفِرَنْ بِئراً تُريدُ أخاً بها | فإنك فيها أنتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ |
كذاك الذي يَبْغِي عَلَى ظالماً | تُصِبْهُ على رَغْمِ عَوَاقِبُ ما صَنَعْ |
وقرأ ابن عباس :" يعشَ " - بفتح الشين، أي : يَعْم، من : عشى يعشى. وقُرئ :" يعشو " على أن " من " موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وإلا جزمت كما تقدم. قلتُ : والذي يظهر من كلام التسهيل أن الموصول المضمَن معنى الشرط إنما يجزم الجواب لا الشرط، فتأمله، مع كلام ابن مرزوق. والشاهد الذي أتى به إنما فيه جزم الجواب لا الشرط، فلا يصح ما قاله ابن مرزوق باعتبار جزم لفظ الشرط. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ومَن يَعْشُ ﴾ أي : يتعَامَ، أو : يعْم. والفرق بين القراءتين أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل : عشى يعشَى، وإذا ضعف بصره بلا آفة قيل : عشَى يعشو. والمعنى : ومَن يعرض ﴿ عن ذكر الرحمان ﴾ وهو القرآن، لفرط اشتغاله بزهرة الدنيا، وانهماكه في الحظوظ الفانية، فلم يلتفت إليه، ولم يعرف أنه حق - على قراءة الفتح - أو : عرف أنه حق وتعامى عنه، تجاهلاً، على قراءة الضم، ﴿ نُقَيّضْ له شيطاناً فهو له قرينُ ﴾، قال ابن عباس : نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة، لا يفارقه، ولا يزال يوسوسه ويغويه. وفيه إشارة إلى أن مَن دام عليه لم يغوه الشيطان. وإضافته إلى " الرحمان " للإيذان بأن نزوله رحمة للعالمين، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، أي : ما ذكره الرحمان وأوحى به في كتابه، وقال ابن عطية : ما ذكّر الله به عباده من المواعظ. ويحتمل أن يريد مطلق الذكر، أي : ومَن يغفل عن ذكر الله نُسلط عليه شيطاناً، عقوبة على الغفلة، فإذا ذكر الله تباعد عنه.
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
ولولا كثرةُ الباكين حَوْلي | على إخوانهم لقتلتُ نفسي |
ولا يبكون مثلَ أخي ولكنْ | أُعزّي النفسَ عنه بالتأسِّي |
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
قال القشيري : مَن لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّهِ، فحادَ عن ذكره، وأخلدَ إلى الخواطر الرديَّة، قيَّض اللّهُ له مَن يشغله عن الله - وهذا جزاء مَن تَرك الأدب في الخلوة. وإذا اشتغل العبدُ في خلوته مع ربَّه، وتعرَّض له مَن يشغله عن ربه، صَرَفه الحق عنه بأي وجْهٍ كان.. ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ، والعبدُ إذا لم يَعرفْ قدر فراغ قلبه، واتَّبَعَ شهوته، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه، بقي في يد هواه أسيراً، لا يكاد يتخلصُ منه إلا بعد مُدة. هـ.
وقال في الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير، وجند يسير، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظَرين، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد، وهو الله، فيشتغل قلبك بالله وحده، فلا يجد الملعون مجالاً فيك، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلّصين، الداخلين في الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله، بل هو سيّال يجري من ابن آدم مجرى الدم، وسيلانه مثل الهواء في القدح، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره، فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة، فكذلك القلب المشغول بتفكُّر مهم في الدين، يخلو عن جولان الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، وإلا فمَن غفل عن الله، ولو لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، ولذلك سبحانه :﴿ ومَن يعش عن ذكر الرحمان نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ﴾. هـ. المراد منه.
وكل مَن عوّق الناس عن طريق الحق يصدق عليه قوله :﴿ وإِنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾، فإذا تحققت الحقائق، وارتفع الغطاء، وظهر الصواب من الخطأ، قال للذي صدّه عن طريق القوم : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين، فيقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم ﴾ حيث حرمتموها من الوصول إليّ أنكم من عذاب الحجاب مشتركون. ويُقال لمَن وعظ ودعا إلى الله، فلم يُقبل منه :﴿ أفأنت تُسمع الصُّم... ﴾ الآية. فإما نذهبنَّ بك بالموت، فيقع الندم عليك، أو نُرينك الذي وعدناهم من العز لك والنصر، والانتقام ممن آذى أولياء الله، فإنا عليهم مقتدرون.
﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾*﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾*﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾.
يقول الحق جّل جلاله :﴿ فاستمسكْ ﴾ أي : تمسّك ﴿ بالذي أُوحِيَ إِليك ﴾ من الآيات والشرائع، واعمل بذلك، سواء عجلنا لك الموعد أو أخرناه، ﴿ إِنك على صراطٍ مستقيم ﴾ ؛ على دين قَيم لا عوجَ فيه، وهو تعليل للأمر بالاستمساك.
أو : وإنه لموعظة لك ولأمتك بأجمعها. ﴿ وسوف تسألون ﴾ يوم القيامة عن شكركم هذه النعمة، أو : عما أوحي إليه، وعن قيامكم بحقوقه، وعن تعظيمكم له.
٢ أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٥٠٠..
٣ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥/٧٢٥..
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم جُمع له الأنبياء - عليهم السلام - وقيل له : سلهم١، وهو ضعيف. وقيل معناه : سل أمم مَن أرسلنا، وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل، وإنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم فكأنما سأل الأنبياء، ومعنى هذا السؤال : التنبيه على بطلان عبادة الأوثان، والاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد، وأنه ليس ببدع ابتدعه حتى ينكر ويعادي : وقيل : الخطاب له، والمراد غيره ممن يرتاب. والله تعالى أعلم.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ﴾*﴿ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾*﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ﴾*﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ﴾ أي : متلبساً بآياتنا ﴿ إِلى فرعون وملَئِه فقال إِني رسولُ رب العالمين ﴾ فأجابوه بقولهم :﴿ فأتنا بآية إن كنت من الصادقين ﴾ كما صرّح به في آية أخرى١.
﴿ وأخذناهم بالعذاب ﴾ وهو ما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ [ الأعراف : ١٣٠ ]، ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ. . . ﴾ [ الأعراف : ١٣٣ ] الآية. ﴿ لعلهم يرجعون ﴾ ؛ لكي يرجعوا عما هم عليه من الضلال.
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾*﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾*﴿ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾*﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾*﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾*﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ونادى فرعونُ ﴾، إما بنفسه، أو : أمر مَن ينادي، كقولك : قطع الأميرُ اللصّ. والظاهر أنه نادى بنفسه، ﴿ في قومه ﴾ ؛ في مجمعهم وفيما بينهم، بعد أن كشف العذاب عنهم، مخافة أن يؤمنوا، ﴿ قال يا قوم أليس لي مُلكُ مِصرَ وهذه الأنهارُ ﴾ ؛ أنهار النيل، ومعظمها أربعة : نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تييس، ﴿ تجري من تحتي ﴾ ؛ تحت سريري ؛ لارتفاعه، أو : بين يدي في جناتي وبساتيني.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : نيل مصر سيد الأنهار، سخّر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجريه أمر الأنهار فأمدته بمائها، وفجّر له الأرض عيوناً، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله سبحانه أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره. قاله في الاكتفاء. ومهبطه من جبل القمر، وقيل : أصله من الجنة، والله تعالى أعلم. وحدُّ مصر : من بحر الإسكندرية إلى أسوان، بطول النيل. والأنهار المذكورة هي الخلجان الكبار، الخارجة من النيل.
وعن عبد الله بن طاهر : أنه لما ولي مصر خرج إليها، فلما شارفها، قال : أهي القرية التي افتخر بها فرعون، حتى قال :﴿ أليس لي ملك مصر ﴾ ؟ والله لهي أقلّ عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه. وعن هارون الرشيد : أنه لما قرأها، قال : والله لأولينّها أخسَّ عبيدي، فولاها الخُصَيْب، وكان خادم وُضوئه.
﴿ وهذه الأنهارُ ﴾ : إما عطف على " ملك مصر "، ف " تجري " : حال منها، أو : واو الحال، ف " هذه " مبتدأ، و " الأنهار " : صفتها و " تجري " : خبر، ﴿ أفلا تُبصرون ﴾ قوتي وسلطاني، مع ضعف موسى وقلة أتباعه. أراد بذلك استعظام ملكه وترغيب الناس في اتباعه.
﴿ فلما آسفونا ﴾ ؛ أغضبونا، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول :" مرضت فلم تعدني " ١ وقال لإبراهيم عليه السلام :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم :﴿ مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء : ٨٠ ]. هـ.
﴿ فلما آسفونا ﴾ ؛ أغضبونا، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول :" مرضت فلم تعدني " ١ وقال لإبراهيم عليه السلام :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم :﴿ مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء : ٨٠ ]. هـ.
﴿ فلما آسفونا ﴾ ؛ أغضبونا، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول :" مرضت فلم تعدني " ١ وقال لإبراهيم عليه السلام :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم :﴿ مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء : ٨٠ ]. هـ.
﴿ فلما آسفونا ﴾ ؛ أغضبونا، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول :" مرضت فلم تعدني " ١ وقال لإبراهيم عليه السلام :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم :﴿ مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء : ٨٠ ]. هـ.
﴿ فلما آسفونا ﴾ ؛ أغضبونا، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول :" مرضت فلم تعدني " ١ وقال لإبراهيم عليه السلام :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم :﴿ مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء : ٨٠ ]. هـ.
﴿ فلما آسفونا ﴾ ؛ أغضبونا، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا، وهذا أصل في باب الجمع، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه. وفي الخبر أنه تعالى يقول :" مرضت فلم تعدني " ١ وقال لإبراهيم عليه السلام :﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ [ الحج : ٢٧ ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم :﴿ مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء : ٨٠ ]. هـ.
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ﴾*﴿ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾*﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾*﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾*﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾*﴿ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولما ضُرب ابنُ مريمَ مثلا ﴾، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على قريش :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] الآية، فغضبوا، فقال ابن الزِّبَعْرى : يا محمد ! أخاصة لنا ولآلهتنا، أم لجميع الأمم ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :" هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم "، فقالوا : ألست تزعم أن عيسى [ نبي ]، يُثنى عليه وعلى أمّه خيراً، وقد علمت أنَّ النصارى يعبدونهما ؟ وعزيز يُعبد، والملائكة يُعبدون، فإن كان هؤلاء في النار، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا، وضحكوا، وسكت النبيُّ صلى الله عليه وسلم انتظاراً للوحي.
وفي رواية : فقال لهم صلى الله عليه وسلم :" إنما عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ". وقال لابن الزبعرى :" ما أجهلك بلغة قومك، أَمَا فهمت أن " ما " لِما لا يعقل، فهي خاصة بالأصنام " ١، فأنزل الله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى. . . ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] الآية. ونزلت هذه الآية.
والمعنى : ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى ﴿ ابن مريم مثلاً ﴾ لآلهتهم، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه ﴿ إِذا قومُك ﴾ قريش ﴿ منه ﴾ أي : من هذا المثل ﴿ يَصِدُّون ﴾ ترتفع لهم جلبة وضجيج، فرحاً وضحكاً، فهو من : الصديد، وهو الجلبة ورفع الصوت، ويؤيده : تعديته بمَن، ولو كان من الصدود لقال :" عنه "، وقرئ بالكسر والضم، وقيل : هما لغتان، كيعكِفُون ويعكُفُون ويعرِشون ويعرُشُون، وقيل : بالكسر معناه : الصديد، أي : الضجيج والضحك، وبالضم معناه : الإعراض، فيكون من الصدود، أي : فهم من أجل هذا المثل يعرضون عن الحق، أي : يثبتون على ما كانوا عليه من الإعراض، أو يزدادون.
وقيل : لما سمعوا قوله تعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ. . . ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] الآية، قالوا : نحن أهدى من النصارى، لأنهم عبدوا آدمياً، ونحن نعبد الملائكة، فنزلت.
فقولهم : آلهتنا خير، هو حينئذ تفضيل لآلهتهم على عيسى عليه السلام ؛ لأن المراد بهم الملائكة. ومعنى :﴿ ما ضربوه. . . ﴾ الخ : ما قالوا هذا القول إلا للجدال. وقيل : لما نزل :﴿ إن مثل عيسى عند الله. . ﴾ الآية، قالوا : ما يريد محمد إلا أن نعبده كما عبد النصارى المسيح. ومعنى " يصدون " : يضجون ويسخرون، والضمير على هذا في " أَم " هو لمحمد صلى الله عليه وسلم، وغرضهم ومرادهم بالموازنة بينه وبين آلهتهم الاستهزاء به صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون مرادهم التنصُّل عما أنكر عليهم من قولهم : الملائكة بنات الله، ومن عبادتهم لهم، كأنهم قالوا : ما قلنا بدعاً من القول، ولا فعلنا منكراً من الفعل، فإنَّ النصارى جعلوا المسيح ابن الله، وعبدوه، فنحن أرشد منهم قولاً وفعلاً، حيث نسبنا له الملائكة، وهم نسبوا إليه الأناسي.
وفي الحديث : إن عيسى عليه السلام ينزل على ثنية بالأرض المقدسة، يقال لها : أَفِيق، وهي عقبة بيت المقدس، وعليه مُمَصَّرتان، وشعر رأسه دهين، وبيده حربة يقتل بها الدجال، فيأتي بيت المقدس، والناس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم، فيتأخر الإمام، فيقدمه عيسى، ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويخرب البيعَ والكنائس، ويقتل النصارى إلا مَن آمن به وبمحمد صلى الله عليه وسلم١.
وقيل : الضمير للقرآن ؛ لأن فيه الإعلام بالساعة، ﴿ فلا تمْتَرُنَّ بها ﴾ ؛ فلا تشكنَّ فيها، من المرْية، وهو الشك، ﴿ واتبعونِ ﴾ أي : اتبعوا هداي وشرائعي، أو : رسولي : وقيل : هو قول نبينا صلى الله عليه وسلم مأموراً به من جهته تعالى :﴿ هذا ﴾ أي : الذي أدعوكم إليه ﴿ صراط مستقيم ﴾ ؛ موصل إلى الحق.
﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾*﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾*﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾*﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولما جاء عيسى بالبينات ﴾ ؛ بالمعجزات ؛ أو : بآيات الإنجيل ؛ أو : بالشرائع الواضحات ﴿ قال ﴾ لبني إسرائيل :﴿ قد جئتكم بالحكمة ﴾ ؛ بالشريعة، أو : بالإنجيل المشتمل عليها ﴿ ولأُبَينَ لكم بعضَ الذي تختلفون فيه ﴾ وهو ما يتعلق بأمور الدين، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فليس بيانه من وظائف الأنبياء عليهم السلام كما قال صلى الله عليه وسلم :" أنتم أعلمُ بدُنياكم " ١، وهو عطف على مقدّر، ينبئ عنه المجيء بالحكمة، كأنه قيل : جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها، ولأُبيّن لكم ما تختلفون فيه، ﴿ فاتقوا الله ﴾ في مخالفتي ﴿ وأطيعونِ ﴾ فيم أُبلغكم عن الله تعالى :﴿ إِن الله هو ربي وربُّكم فاعبدوه ﴾. بيان لما أمرهم به من الطاعة، وهو اعتقاد التوحيد، والتعبُّد بالشرائع.
﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ﴾*﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾*﴿ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾*﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾*﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾*﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾*﴿ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ الأخلاءُ يومئذ بعضُهُم لبعضٍ عدو ﴾ أي : المتحابون في الدنيا على الأمور الذميمة متعادون يوم القيامة، يبغض بعضهم بعضاً، فتنقطع في ذلك اليوم كل خُلة كانت لغير الله، وتنقلب عداوة ومقتاً ؛ لانقطاع سببها، وهو الاجتماع على الهوى، ﴿ إِلا المتقين ﴾ أي : الأخلّة المصادقين في الله، فإنها الخُلة الباقية ؛ لأن خُلتهم في الدنيا لمَّا كانت لله، وفي الله، بقيت على حالها ؛ لأن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، بل تزداد خُلتهم بمشاهدة كل واحد منهم بركة خُلتهم من الثواب، ورفع الدرجات. وسُئل صلى الله عليه وسلم : مَن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ فقال :" المتحابون في الله " ١، وخرَّج البزار عن ابن عباس رضي الله عنه قيل : يا رسول الله ! أَيُّ جُلَسَائِنا خيرٌ ؟ قال :" مَن ذكَّرَكُم بالله رؤيتُه، وزاد في عَمَلِكم مَنطِقُه ؛ وذكَّركُمْ بالله عِلمُه " ٢.
ومن كلام الشيخ أبي مدين رضي الله عنه : دليل تخليطك صحبتك للمخلطين، ودليل انقطاعك إلى الله صحبتك للمنقطعين. ه. في سماع العتبية : قال مالك : لا تصحبْ فاجراً لئلا تتعلَّم من فجوره، قال ابن رُشد : لا ينبغي أن يُصحب إلا مَن يُقتدى به في دينه وخيره ؛ لأن قرين السوء يُردي، قال الحكيم٣ :
عَن المرْءِ لا تَسْأَلْ وسَلْ عن قَرِينه | فَكُلُّ قَرِينِ بالمُقارِنِ مُقْتَد |
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
٢ أخرجه أبو يعلى في مسنده ٢٤٣٦..
٣ البيت لعدي بن زيد العبادي في ديوانه ص ١٠٥، ونهاية الأرب ٣/٦٥، والعقد الفريد ٢/٣١١..
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
وفي حديث أبي هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم قال :" أدنى أهْلُ الجنةِ مَن له سَبْعُ درجاتٍ، هو على السادسة، وفوقه السابعة، وإنّ له ثَلاَثَمائةِ خادمٍ، ويُغدى عليه ويُراح بثلاثمائة صَحفةٍ من ذَهبٍ، في كلِّ صَحْفَةٍ لونٌ ليس في الأُخرى مِثْلُه، وإنه لَيَلَدُّ آخِرُه كما يَلَدُّ أَوله، ويقول : لَوْ أَذِنْتَ لي يا رب لأطْعَمْتُ أهلَ الجنةِ، وأسقيتهم، ولا ينقص مما عندي شيء، وإنَّ لَه من الحور العِين لاثنين وسبعين زوجة، سوى أزواجه في الدنيا، وإن الواحدة منهن ليأخذَ مِقعدُها قَدرَ ميل " ١. وفي حديث عكرمة :" إن أدنى أهل الجنة منزلةً مَن يُفسح له في بصره مسيرة مائة عام، في قصور من ذهب، وخيام من لؤلؤٍ، وليس منها موضع شبر إلا معمور، يُغدى عليه ويُراح بسبعين ألف صحفة من ذهب، ليس فيها صحفة إلا وفيها لون ليس في الأخرى مثله، شهوته في آخرها كشهوته في أولها، ولو نزل به جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطى، ولا ينقص ذلك ما أُوتي شيئاً " ٢ ويجمع بينهما بتعدُّد أهل هذه المنزلة، وتفاوتهم.
﴿ وفيها ﴾ أي : في الجنة ﴿ ما تشتهيه الأنفسُ ﴾ من فنون الملاذ. ومَن قرأ بحذف الهاء ؛ فلطول الموصول بالفعل والفاعل. ﴿ وتلذُّ الأعينُ ﴾ أي : تستلذه، وتقر بمشاهدته، وهذا حصر لأنواع النعيم ؛ لأنها إما مشتهيات في القلوب، أو مستلذات في العيون، ففي الجنة كل ما يشتهي العبد من الملابس والمناكح والمراكب.
رُوي أن رجلاً قال : يا رسول الله، إني أُحبُّ الخيلَ، فهل في الجنة خيلٌ ؟ فقال :" إنْ يُدْخلك اللّهُ الجنةَ فلا تشاء أن تركبَ فرساً من ياقُوتَةٍ حمراء، يَطيرُ بكَ في الجنة حيث شئت، إلا فعلت، قال أعرابي : يا رسول الله، إني أحبُّ الإبلَ، فهل في الجنة إبل ؟ فقال : يا أعرابي، إن يُدْخلك الله الجنة ففيها ما اشتهيت نفسك ولذَت عيناك " ٣. ه. وقال أبو طيبة السلمي : إن الشرذمة من أهل الجنة لتظلهم سحابة، فتقول : ما أُمْطِرْكُم ؟ فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أَمطرَتْه، حتى إن الرجل منهم يقول : أمطر علينا كواعب أتراباً. وقال أبو أُمامة : إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير، فيقع نضيجاً في كفه كما أراد، فيأكل منه حتى تشتهي نفسه، ثم يطير كان أول مرة، ويشتهي الشراب، فيقع الإبريق في يده، فيشرب منه ما يريد، ثم يُرفع الإبريق إلى مكانه. ه. من الثعلبي.
قال القشيري : وفيها ما تشتهيه الأنفس للعُبَّاد ؛ لأنهم قاسوا في الدنيا - بحكم المجاهدات - الجوعَ والعطشَ، وتحمّلوا وجوهَ المشاقِّ، فيجزون في الجنة وجوهاً من الثواب، وأما أهل المعرفة والمحبُّون فلهم ما تلذّ أعينهم من النظر إلى الله، لطول ما قاسوه من فَرْطِ الاشتياق بقلوبهم، وما عالجوه من احتراقهم فيه لشدة غليلهم. ه. والحاصل : أن ما تشتهي الأنفس يرجع لنعيم الأشباح، وتلذ الأعين لنعيم الأرواح من النظر، والقُرب، والمناجاة والمكالمة، والرضوان الأكبر، منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر.
﴿ وأنتم فيها خالدون ﴾ إتمام للنعمة، وكمال للسرور ؛ فإن كل نعيم له زواله مكدر بخوف زواله لا محالة.
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
٢ أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥/٧٣٢..
٣ أخرجه الترمذي في صفة الجنة حديث ٢٥٤٣، وأحمد في المسند ٥/٣٥٢..
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
وقد ورد فيهم أحاديث، منها : حديث الموطأ، عن معاذ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قال الله تعالى : وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فيّ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ٣، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم :" المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ، في ظِلِّ العرشِ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ٤، وفي حديث آخر :" ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " ٥ وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " ٦.
وفي رواية :" إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه " ٧
وفي لفظ آخر :" إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ ؛ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا : يا رسول الله، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله، والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم، هؤلاء المتحابون في الله " ٨ وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله ؛ فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ؛ ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.
وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق.
الحق الأول : في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.
الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا في الآخرة.
الحق الثالث : على اللسان بالسكوت، فيسكت عن التجسُّس، والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته، فربما يثقل عليه، أو يحتاج إلى أن يكذب، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه، فلا يبثها إلى غيره، ولا إلى أخص أصدقائه، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه.
الحق الرابع : على اللسان بالنطق، فيتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله، كالسؤال عن عارض عرض له، وأظهر شغل القلب بسببه، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يُسِرُّ بها، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله، عند مَن يريد هو الثناء عنده، وكذا على أولاده وأهله، حتى على عقله، وخُلُقه، وهيئته، وخطه، وشعره، وتصنيفه، وجميع ما يفرح به، من غير كذب ولا إفراط، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه.
الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات، فإن كانت زلته في الدين ؛ بارتكاب معصية، فليتلطّف في نصحه، فإن بقي مُصرّاً، فقد اختلف الصحابة في ذلك، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء، وجماعة، إلى خلاف ذلك، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يُعوجُّ مرة، ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق، والاستمالة، والتعطُّف، المفضي إلى الرجوع والتوبة. وأيضاً : للأخوة عقد، ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب، ويتخلّى من الإصرار، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل، فيحرص، حياءً منه، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. هـ. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.
الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره، وإيصال النفع له في ذلك الوقت.
الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب، وإدامته إلى الممات، معه ومع أولاده وأصدقائه.
الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك، ولا تكلفه التواضع لك، والتفقُّد والقيام بحقوقك، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. هـ. باختصار.
وفي وصية القطب ابن مشيش، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك، فإنه لئيم ؛ ولا مَن يُؤثرك على نفسه، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله، فالله يغني به إذا شهد، وينوب عنه إذا فُقِدْ، ذكره نور القلوب، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم، ولا مَن يتكلّف لك، فإنه لا يدوم، وهذه صحبة الشيخوخة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " ٩. وفي معناه قيل :
إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك | وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك |
وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ | شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك |
﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾*﴿ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾*﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴾*﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾*﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾*﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾*﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾.
قلت :﴿ خالدون ﴾ : خبر " إن "، و﴿ في عذاب ﴾ : معمول الخبر، أو : خبر، و " خالدون " خبر بعد خبر.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِنَّ المجرمين ﴾ أي : الراسخين في الإجرام، وهم الكفار، كما ينبئ عنه إتيانه في مقابلة المؤمنين ﴿ في عذاب جهنم خالدون لا يُفَتَّرُ عنهم ﴾.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
وحمل ابن عطية الموت على المقاربة، لا الموت حقيقة ؛ لأن الآخرة لا موت فيها، قال : والحديث أراه على التشبيه، لأنه كالسُبات والركود والهمود، فجعله موتاً. انظره في ﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ﴾ [ الأعلى : ١٣ ]. وقال عياض في الإكمال : عن بعض المتكلمين : يحتمل الحقيقة، ويحتمل الغيبة عن الإحساس، كالنوم، وقد سمي النوم وفاتاً ؛ لإعدامه الحس. ه.
﴿ وهم فيه ﴾ أي : في العذاب ﴿ مُبلِسُون ﴾ آيسون من الفرج، متحيّرون.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
﴿ وما ظلمناهم ﴾ بذلك، حيث أرسلناك الرسل ﴿ ولكن كانوا هم الظالمين ﴾ بتعريض أنفسهم للعذاب الخالد، بمخالفة الرسل، وإيثارهم التقليد على النظر.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغداً يقين النجاة، وأنشدوا :
عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها | مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ |
وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها | عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ |
وقوله تعالى :﴿ أم أبرموا أمراً... ﴾ الخ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا، يرد كيد مَن كادهم في نحره.
وقوله تعالى :﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم... ﴾ الخ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة، وكتابتهم أعمالهم عليهم، لغفلتهم عن الله، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه، ويُطالَب بمقتضاها، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه. هـ.
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ﴾*﴿ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾*﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾*﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾*﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾*﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ قلْ ﴾ يا محمد ﴿ إن كان للرحمان ولدٌ ﴾ على زعمكم ﴿ فأنا أول العابدين ﴾ لله، كان أو لم يكن، ويسمى هذا إرخاء العنان، أي : أنا أول مَن يخضع لله، كان له ولد أو لم يكن، وقد قام البرهان على نفيه. قال معناه السدي، أو : وإن كان للرحمان ولد فأنا أول مَن يعظم ذلك الولد، وأسبقكم إلى طاعته، والانقياد إليه، كما يعظم ولد الملِك، لتعظيم أبيه ؛ وهذا الكلام وارد على سبيل الفرض، والمراد : نفي الولد، وذلك أنه علَّق العبادة بكينونة الولد، وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها، ونظيره، قول سعيد بن جبير للحجاج - حين قال له : والله لأبدلنَّك بالدنيا ناراً تلظى - : لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك. أو : إن كان للرحمان ولد في زعمكم ﴿ فأنا أول العابدين ﴾ أي : الموحِّدين لله، المكذِّبين قولكم، بإضافة الولد إليه ؛ لأن مَن عَبَدَ الله، واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد. أو : إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين، أي : الجاحدين والآنفين من أن يكون له ولد، مِن عبَدِ : بكسر الباء : إذا اشتد أنفسه فهو عبَد وعابد، ومنه قول الشاعر١ :
متى ما يشاء ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خَليلَهُ | ويَعْبَدْ عليه لا محالةَ ظالما |
قال ما يجب على عابد الحقّ | قال يحلف بالإله الخلق |
رُوي : أن النضر قال : إن الملائكة بنات الله، فنزلت الآية، فقال النضر : ألا ترون أنه صدّقني ؛ فقال الوليد : ما صدّقك، ولكن قال : ما كان للرحمان ولداً، فأنا أوّل الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له. وسيأتي في الإشارة قول آخر.
قال القشيري : وفي الآية وأمثالها دليل على جواز حكاية قول المبتدعة فيما أخطأوا فيه في الاعتقاد، على وجه الردّ عليهم. ه. قلت : ولا تجوز مطالعة أقوالهم إلا لمَن رسختْ قدمه في المعرفة، والإعراض عنها أسلم.
سورة الزخرف
مكية. وهي تسع وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب... ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الخ، مع قوله :﴿ والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾، فإنه تتميم له.
سورة الزخرف
مكية. وهي تسع وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب... ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الخ، مع قوله :﴿ والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾، فإنه تتميم له.
سورة الزخرف
مكية. وهي تسع وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب... ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الخ، مع قوله :﴿ والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾، فإنه تتميم له.
سورة الزخرف
مكية. وهي تسع وثمانون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب... ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الخ، مع قوله :﴿ والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا ﴾، فإنه تتميم له.
قوله تعالى :﴿ فذرهم يخوضوا... ﴾ الخ، كل مَن خاض في بحار التوحيد بغير برهان العيان، تصدق عليه الآية، وكذا كل مَن اشتغل بغير الله، وبغير ما يُقرب إليه ؛ فهو ممن يخوض ويلعب، وفي الحديث :" الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذِكْرَ الله، وما والاَه، أو عالماً أو متعلماً " ١.
وقوله تعالى :﴿ ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة... ﴾ الخ. قال القشيري : وفي الآية دليل على أن جميع المسلمين تكون شفاعتهم غداً مقبولة. هـ. أي : لأنهم في الدنيا شَهِدوا بالحق، وهو التوحيد عن علم وبصيرة، لكن في تعميمه نظر ؛ لأن الاستثناء، الأصل فيه الاتصال، ولأن مَن شهد بالحق مستثنى من ﴿ الذين يدعون من دونه ﴾ - وهم الملائكة، وعيسى، وعزير، فهم الذين شَهِدُوا بالحق ممن دعوا من دون الله، وشفاعة مَن عداهم مأخذوة من أدلة أخرى.
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾*﴿ وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾*﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولئن سألتَهُم ﴾ أي : المشركين، أو : العابدين والمعبودين ﴿ مَنْ خلقهمْ ليقولُونَّ اللّهُ ﴾ لا الأصنام والملائكة ﴿ فأنَّى يُؤفكون ﴾ فكيف يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره، مع كون الكل مخلوقاً له تعالى.
وبالله التوفيق... وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
[ ص : ٨٤ ] وجوابه :﴿ إن هؤلاء. . ﴾ الخ.
ولما شقّ عليه صلى الله عليه وسلم صرفهم عن الإيمان جعل يستغيث ربه في شأنهم، حرصاً على إيمانهم، ويقول :﴿ يا رب إِن هؤلاء قوم لا يؤمنون ﴾ أي : قد عالجتهم فلم ينفع فيهم شيء، فلم يبقَ إلا الرجوع إليك، إما أن تهديهم، أو تُهلكهم،
فأخبر تعالى أنه يسمع سرهم ونجواهم، وقوله عليه السلام في شأنهم، قال له تعالى :﴿ فاصفحْ عنهم ﴾
وبالله التوفيق... وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
أي : أعرض عنهم وأمهلهم، ﴿ وقل سلامٌ ﴾ أي : أمري تسلّم منكم ومتاركة، حتى نأمرك أعرض عنهم وأمهلهم، ﴿ وقل سلامٌ ﴾ أي : أمري تسلّم منكم ومتاركة، حتى نأمرك بجهادهم، ﴿ فسوف يعلمون ﴾ حالهم قطعاً، إن تأخر ذلك. وهو وعيد من الله تعالى، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو : فسوف يعلمون حقيق ما أنكروا من رسالتك. ومَن قرأ بالخطاب، فهو داخل في حيز " قل "، من جملة ما يقال لهم.
وبالله التوفيق... وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.