تفسير سورة النبأ

تفسير ابن كثير ط العلمية
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير ط العلمية .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ

طَلَبُوا وَجَدُوا كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أَيْ هَذَا جزاؤنا لِمَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ خِطَابٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَأَمَرَهُمْ أَمْرَ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ فَقَالَ تَعَالَى: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا أَيْ مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً قَصِيرَةً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ أَيْ ثُمَّ تُسَاقُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ [لُقْمَانَ: ٢٤] : وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ [يونس: ٦٩- ٧٠] وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ أَيْ إِذَا أَمَرَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةَ مِنَ الْكُفَّارِ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَصَلِّينِ مَعَ الْجَمَاعَةِ امْتَنَعُوا مِنْ ذلك واستكبروا عنه، ولهذا قال تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ثم قال تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أَيْ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ فَبِأَيِّ كَلَامٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ [الْجَاثِيَةِ: ٦].
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ:
سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا بَدَوِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ إِذَا قَرَأَ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً- فَقَرَأَ- فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ. آخِرُ تفسير سورة المرسلات، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.
تَفْسِيرُ
سُورَةِ النَّبَأِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١ الى ١٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤)
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاجاً (١٤)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي تَسَاؤُلِهِمْ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْكَارًا لِوُقُوعِهَا عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ أي عن أي شيء يتساءلون عن أَمْرِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ، يَعْنِي
306
الْخَبَرَ الْهَائِلَ الْمُفْظِعَ الْبَاهِرَ، قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: النَّبَأُ الْعَظِيمُ الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
هُوَ الْقُرْآنُ «١». وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ: الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ يَعْنِي النَّاسُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مُؤْمِنٌ بِهِ وَكَافِرٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِمُنْكِرِي الْقِيَامَةِ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ. ثُمَّ شرع تبارك وَتَعَالَى يُبَيِّنُ قُدْرَتَهُ الْعَظِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ الْغَرِيبَةِ وَالْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً أَيْ مُمَهَّدَةٌ لِلْخَلَائِقِ ذَلُولًا لَهُمْ قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً وَالْجِبالَ أَوْتاداً أَيْ جَعَلَهَا لَهَا أَوْتَادًا أَرْسَاهَا بِهَا وَثَبَّتَهَا وَقَرَّرَهَا حَتَّى سَكَنَتْ وَلَمْ تَضْطَرِبْ بِمَنْ عَلَيْهَا.
ثم قال تعالى: وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً يعني ذكرا وأنثى يتمتع كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَيَحْصُلُ التَّنَاسُلُ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم: ٢٠] وقوله تعالى: وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً أَيْ قَطْعًا لِلْحَرَكَةِ لِتَحْصُلَ الرَّاحَةُ مِنْ كَثْرَةِ التَّرْدَادِ وَالسَّعْيِ فِي الْمَعَايِشِ فِي عَرْضِ النَّهَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الآية في سورة الفرقان جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً [الْفُرْقَانِ: ٤٧] وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا أَيْ يَغْشَى النَّاسَ ظَلَامُهُ وَسَوَادُهُ كَمَا قَالَ: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [الشمس: ٤] وقال الشاعر: [الطويل]
فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أَوْ حِينَ نَصَّبَتْ لَهُ مِنْ خَذَا آذَانِهَا وَهْوَ جَانِحُ «٢»
وَقَالَ قَتَادَةُ في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً أي سكنا، وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أي جعلناه مشرقا نيرا مُضِيئًا لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالذِّهَابِ وَالْمَجِيءِ لِلْمَعَاشِ وَالتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تعالى: وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً يعني السموات السَّبْعَ فِي اتِّسَاعِهَا وَارْتِفَاعِهَا وَإِحْكَامِهَا وَإِتْقَانِهَا وَتَزْيِينِهَا بالكواكب الثوابت والسيارات ولهذا قال تعالى: وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً يَعْنِي الشَّمْسَ الْمُنِيرَةَ عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِ الَّتِي يَتَوَهَّجُ ضَوْؤُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ كلهم.
وقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاجاً قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
الْمُعْصِراتِ الرِّيحُ «٣»، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قَالَ: الرِّيَاحُ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَزَيْدُ بن أسلم وابنه
(١) انظر تفسير الطبري ١٢/ ٣٩٥.
(٢) البيت لذي الرمة في ديوانه ص ٨٩٧، وأدب الكاتب ص ٢١٤، والخصائص ٢/ ٣٦٥، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٥٨٢.
(٣) انظر تفسير الطبري ١٢/ ٣٩٨.
307
عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنَّهَا الرِّيَاحُ، وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهَا تَسْتَدِرُّ الْمَطَرَ مِنَ السَّحَابِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس من الْمُعْصِرَاتِ أَيْ مِنَ السَّحَابِ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ أَيْضًا وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالثَّوْرِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ السَّحَابُ الَّتِي تَتَحَلَّبُ بِالْمَطَرِ وَلَمْ تُمْطِرْ بَعْدُ، كَمَا يُقَالُ امْرَأَةٌ مُعْصِرٌ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا وَلَمْ تَحِضْ. وَعَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: مِنَ الْمُعْصِراتِ يعني السموات وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْصِرَاتِ السحاب كما قال تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الرُّومِ: ٤٨] أَيْ من بينه.
وقوله جل وعلا: مَاءً ثَجَّاجاً قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ثَجَّاجاً مُنْصَبًّا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مُتَتَابِعًا وَقَالَ ابن زيد: كثيرا، وقال ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَلَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي صِفَةِ الْكَثْرَةِ الثَّجُّ وَإِنَّمَا الثَّجُّ الصَّبُّ الْمُتَتَابِعُ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» «٢» يَعْنِي صَبَّ دِمَاءِ الْبُدْنِ هَكَذَا قَالَ، قُلْتُ وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ حِينَ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ» يَعْنِي أن تحتشي بالقطن فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا «٣»، وَهَذَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الثَّجِّ فِي الصَّبِّ الْمُتَتَابِعِ الْكَثِيرِ، وَاللَّهُ أعلم.
وقوله تعالى: لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً أَيْ لِنَخْرِجَ بِهَذَا الْمَاءِ الْكَثِيرِ الطَّيِّبِ النَّافِعِ الْمُبَارَكِ حَبًّا يُدَّخَرُ لِلْأَنَاسِيِّ وَالْأَنْعَامِ وَنَباتاً أَيْ خَضِرًا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَجَنَّاتٍ أَيْ بَسَاتِينَ وَحَدَائِقَ مِنْ ثَمَرَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَطَعُومٍ وَرَوَائِحَ مُتَفَاوِتَةٍ وإن كان ذلك فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مُجْتَمَعًا وَلِهَذَا قَالَ وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَلْفافاً مُجْتَمِعَةً، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرَّعْدِ: ٤].
(١) تفسير ١٢/ ٤٠٠.
(٢) أخرجه الترمذي في الحج باب ١٤، وتفسير سورة ٣، باب ٦، وابن ماجة في المناسك باب ٦، والدارمي في المناسك باب ٨.
(٣) أخرجه أبو داود في الطهارة باب ١٠٩، والترمذي في الطهارة باب ٩٥، وابن ماجة في الطهارة باب ١١٧، وأحمد في المسند ٦/ ٣٨٢، ٤٣٩، ٤٤٠.
308

[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١٧ الى ٣٠]

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١)
لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦)
إِنَّهُمْ كانُوا لَا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَوْمِ الْفَصْلِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِأَجَلٍ مَعْدُودٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ [هُودِ: ١٠٤] يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قَالَ مُجَاهِدٌ: زمرا زُمَرًا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي تَأْتِي كُلُّ أمة مع رسولها، كقوله تَعَالَى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الْإِسْرَاءِ: ٧١].
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «١» يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ «أَبَيْتُ» قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ «أَبَيْتُ» قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ «أَبَيْتُ» قَالَ «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً أَيْ طُرُقًا وَمَسَالِكَ لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً كقوله تَعَالَى: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل:
٨٨] وكقوله تَعَالَى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [الْقَارِعَةِ: ٥] وَقَالَ هَاهُنَا: فَكانَتْ سَراباً أَيْ يُخَيَّلُ إِلَى النَّاظِرِ أَنَّهَا شيء وليست بشيء وبعد هَذَا تَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ، كما قال تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طَهَ: ١٠٥- ١٠٧]، وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الكهف: ٤٧] وقوله تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً أَيْ مُرْصَدَةً مُعَدَّةً لِلطَّاغِينَ وَهُمُ الْمَرَدَةُ الْعُصَاةُ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ مَآباً أَيْ مَرْجِعًا وَمُنْقَلَبًا وَمَصِيرًا وَنُزُلًا. وَقَالَ الْحَسَنُ وقتادة في قوله تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ حَتَّى يَجْتَازَ بِالنَّارِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَوَازٌ نَجَا وَإِلَّا احْتَبَسَ، وَقَالَ سفيان الثوري: عليها ثلاث قناطر.
وقوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا وَهِيَ جَمْعُ حُقْبٍ وَهُوَ الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مِهْرَانَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِهِلَالٍ الْهَجَرِيِّ: مَا تَجِدُونَ الْحُقْبَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ؟ قَالَ: نَجِدُهُ ثَمَانِينَ سَنَةً كُلُّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا كُلُّ يَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالضَّحَّاكِ، وَعَنِ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ أَيْضًا سَبْعُونَ سَنَةً كَذَلِكَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: الْحُقْبُ أَرْبَعُونَ سَنَةً كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ مما تعدون، رواهما ابن أبي حاتم.
(١) كتاب التفسير، تفسير سورة ٧٨، باب ١.
309
وَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ الحقب الواحد ثلاثمائة سَنَةً، كُلُّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، كُلُّ سَنَةٍ ثَلَاثُمِائَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْأَسْفَذْنِيِّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً قال: فالحقب شَهْرٍ، الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالسَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَالسَّنَةُ ثَلَاثُمِائَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا، كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، فَالْحُقْبُ ثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَالْقَاسِمُ هُوَ وَالرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ كِلَاهُمَا مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِرْدَاسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو الْمُعَلَّى قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَحَدٌ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَحَدٌ حَتَّى يَمْكُثَ فِيهَا أَحْقَابًا» قَالَ: والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثَلَاثُمِائَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً سَبْعُمِائَةُ حُقْبٍ، كُلُّ حُقْبٍ سَبْعُونَ سَنَةً، كُلُّ سَنَةٍ ثَلَاثُمِائَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا، كُلُّ يَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، وَقَدْ قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ منسوخة بقوله تعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً.
وَقَالَ خَالِدُ بن معدان: هذه الآية وقوله تعالى: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ «٢» ثُمَّ قال: ويحتمل أن يكون قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً متعلقا بقوله تعالى:
لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً ثُمَّ يُحْدِثُ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَابًا مِنْ شَكْلٍ آخَرَ وَنَوْعٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا انْقِضَاءَ لَهَا كَمَا قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ سالم: سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً قَالَ: أَمَّا الْأَحْقَابُ فَلَيْسَ لَهَا عِدَّةٌ إِلَّا الْخُلُودَ فِي النَّارِ، وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحُقْبَ سَبْعُونَ سَنَةً كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً وهو ما لا انقطاع له وكلما مَضَى حُقْبٌ جَاءَ حُقْبٌ بَعْدَهُ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحُقْبَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لَا يَعْلَمُ عِدَّةَ هذه الأحقاب إلا الله عز وجل، وذكر لنا أن الْحُقْبَ الْوَاحِدَ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَالسَّنَةُ ثَلَاثُمِائَةٌ وَسِتُّونَ يوما، وكل يَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، رَوَاهُمَا أَيْضًا ابن جرير.
وقوله تعالى: لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً أَيْ لَا يَجِدُونَ فِي جَهَنَّمَ بَرْدًا لِقُلُوبِهِمْ وَلَا شرابا طيبا يتغذون به ولهذا قال تعالى: إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: اسْتَثْنَى من
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤٠٤.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٤٠٤.
310
الْبَرْدِ الْحَمِيمَ وَمِنَ الشَّرَابِ الْغَسَاقَ، وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، فَأَمَّا الْحَمِيمُ فَهُوَ الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ وَحُمُوُّهُ وَالْغَسَّاقُ هُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ وَعَرَقِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ وَجُرُوحِهِمْ فَهُوَ بَارِدٌ لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ بَرْدِهِ وَلَا يُوَاجَهُ مَنْ نَتَنِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْغَسَّاقِ فِي سُورَةِ ص بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ- أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ- قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً يَعْنِي النَّوْمَ كما قال الكندي: [الكامل]
بَرَدَتْ مَرَاشِفُهَا عَلَيَّ فَصَدَّنِي عَنْهَا وَعَنْ قُبُلَاتِهَا الْبَرْدُ «١»
يَعْنِي بِالْبَرْدِ النُّعَاسُ وَالنَّوْمُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا. وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عن أبي عبيدة والكسائي أيضا. وقوله تعالى: جَزاءً وِفاقاً أَيْ هَذَا الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وِفْقَ أَعْمَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وغير واحد.
ثم قال تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا لَا يَرْجُونَ حِساباً أَيْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ثَمَّ دَارًا يُجَازَوْنَ فِيهَا وَيُحَاسَبُونَ وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً أَيْ وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِحُجَجِ اللَّهِ وَدَلَائِلِهِ عَلَى خَلْقِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ، فَيُقَابِلُونَهَا بِالتَّكْذِيبِ وَالْمُعَانَدَةِ. وَقَوْلُهُ: كِذَّاباً أَيْ تَكْذِيبًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ الْفِعْلِ، قَالُوا: وَقَدْ سُمِعَ أَعْرَابِيٌّ يَسْتَفْتِي الْفَرَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ: الْحَلْقُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوِ الْقِصَارُ؟ وَأَنْشَدَ بعضهم: [الطويل]
لَقَدْ طَالَ مَا ثَبَّطْتَنِي عَنْ صَحَابَتِي وَعَنْ حوج قضاؤها من شفائيا «٢»
وقوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً أَيْ وَقَدْ عَلِمْنَا أَعْمَالَ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ وَكَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ وَسَنَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَقَوْلُهُ تعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً أَيْ يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ: ذُوقُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا مِنْ جِنْسِهِ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص: ٥٨]، قَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَزْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ أشد من هذه الآية فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً قَالَ: فَهُمْ فِي مَزِيدٍ مِنَ الْعَذَابِ أَبَدًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الصُّورِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَسْرُ بْنُ فَرْقَدَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ عَنْ أَشَدِّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ النَّارِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قرأ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً قال:
«أهلك الْقَوْمُ بِمَعَاصِيهِمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» جِسْرُ بْنُ فرقد ضعيف الحديث بالكلية.
(١) البيت للكندي في تفسير الطبري ١٢/ ٤٠٦ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٩٥، والاشتقاق ص ٤٧٨، والأزمنة والأمكنة ٢/ ١٥.
(٢) البيت بلا نسبة في لسان العرب (كذب)، (حوج)، (قضي)، والمخصص ١٢/ ٢٢٢، وأساس البلاغة (لوي)، وتاج العروس (كذب)، (حوج)، (قضي).
311

[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣١ الى ٣٦]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥)
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ السُّعَدَاءِ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ تعالى من الكرامة والنعيم المقيم فقال تعالى:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: مُتَنَزَّهًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: فَازُوا فَنَجَوْا مِنَ النار. والأظهر هَاهُنَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ حَدائِقَ وَهِيَ الْبَسَاتِينُ مِنَ النَّخِيلِ وَغَيْرِهَا وَأَعْناباً وَكَواعِبَ أَتْراباً أَيْ وَحُورًا كَوَاعِبَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ كَواعِبَ أَيْ نَوَاهِدَ، يَعْنُونَ أَنْ ثُدُيَّهُنْ نَوَاهِدَ لَمْ يَتَدَلَّيْنَ لِأَنَّهُنَّ أبكار عرب أتراب أي في سن واحد كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله بن تيم، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو الْغَيْثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ قُمُصَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِتَبْدُوَ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ وَإِنَّ السَّحَابَةَ لَتَمُرُّ بِهِمْ فَتُنَادِيهِمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ؟ حتى أنها لتمطرهم الكواعب الأتراب».
وقوله تعالى: وَكَأْساً دِهاقاً قال ابن عباس: مملوءة ومتتابعة. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: صَافِيَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ دِهاقاً الْمَلْأَى الْمُتْرَعَةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وسعيد بن جبير هي المتتابعة. وقوله تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً كَقَوْلِهِ: لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطَّوْرِ: ٢٣] أَيْ لَيْسَ فِيهَا كَلَامٌ لَاغٍ عَارٍ عَنِ الْفَائِدَةِ وَلَا إِثْمٌ كَذِبٌ، بَلْ هِيَ دَارُ السَّلَامِ وَكُلُّ مَا فِيهَا سَالِمٌ مِنَ النَّقْصِ وَقَوْلُهُ: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ جَازَاهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَعْطَاهُمُوهُ بِفَضْلِهِ وَمَنَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَحْمَتِهِ عَطاءً حِساباً أَيْ كَافِيًا وافيا شَامِلًا كَثِيرًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَعْطَانِي فَأَحْسَبَنِي أَيْ كَفَانِي وَمِنْهُ حَسْبِيَ اللَّهُ أَيِ اللَّهُ كَافِيَّ.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣٧ الى ٤٠]
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَأَنَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ الرَّحْمَنُ الَّذِي شَمِلَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شيء، وقوله تعالى: لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً أَيْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ابْتِدَاءِ مُخَاطَبَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:
٢٥٥] وكقوله تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هود: ١٠٥] وقوله تَعَالَى. يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ هَاهُنَا مَا هو؟ على أقوال
312
[أحدها] ما رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ [الثَّانِي] هُمْ بَنُو آدَمَ قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِمَّا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْتُمُهُ [الثَّالِثُ] أَنَّهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدَمَ وَلَيْسُوا بِمَلَائِكَةٍ وَلَا بِبَشَرٍ، وَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَالْأَعْمَشُ [الرَّابِعُ] هُوَ جِبْرِيلُ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والضحاك، ويستشهد لهذا القول بقوله عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١٩٣- ١٩٤] وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الروح هو أَشْرَفُ الْمَلَائِكَةِ وَأَقْرَبُ إِلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وصاحب الوحي.
[الخامس] أَنَّهُ الْقُرْآنُ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ كَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشُّورَى:
٥٢] الآية. [وَالسَّادِسُ] أَنَّهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَدْرِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ قَالَ: هُوَ مَلِكٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الرُّوحُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ هُوَ أعظم من السموات وَمِنَ الْجِبَالِ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله تعالى مِنْ كُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفًا وَحْدَهُ وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْسٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ الله بن روق بن هبيرة، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ:
سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا لَوْ قِيلَ لَهُ الْتَقِمِ السموات السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ بِلَقْمَةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ. تَسْبِيحُهُ سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَكُونُ مِمَّا تَلَقَّاهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فَلَمْ يَقْطَعُ بِوَاحِدٍ من هذه الأقوال كلها والأشبه عندي والله أعلم أنهم بنو آدم.
وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ كَقَوْلِهِ: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هُودٍ: ١٠٥] وَكَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ» «٢» وقوله تعالى: وَقالَ صَواباً أَيْ حَقًّا وَمِنَ الْحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ وعكرمة، وقوله تعالى: ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ أَيِ الْكَائِنُ لَا مَحَالَةَ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً أَيْ مرجعا طريقا يَهْتَدِي إِلَيْهِ وَمَنْهَجًا يَمُرُّ بِهِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِتَأَكُّدِ وُقُوعِهِ صَارَ قَرِيبًا لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آت آت وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ
أَيْ يَعْرِضُ عَلَيْهِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا.
قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا كقوله تعالى: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً [الكهف: ٤٩] وكقوله تعالى: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة: ١٣].
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٤١٥.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٢٩، والتوحيد باب ٢٤، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٩. [.....]
313
Icon