تفسير سورة الإنفطار

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

فكفّ عنها وأنت خبير بأن السيدة عائشه رضى الله عنها حين نزول هذه الآية لم تكن أهلا لتحمل الحديث وليس لها علم بأن الرسول يسأل عن الساعة أو لا يسأل وبعد أن تزوجت به صارت ملازمة له في أكثر أوقاته حتى حال نزول الوحي، وكان يكثر من ذكر الساعة بحضورها صباح مساء ليل نهار، فتسمع الآيات التي نزلت بالساعة منه وتحفظها، وصار الناس ينقلون عنها ما تذكره لهم مما نزل في الساعة وغيرها قبل زواجها وبعده، وتجاوب من يسألها عن أقوال حضرة الرسول، ويدونون ما يأخذونه عنها، وعليه فلا محل للقول بأن هكذا أحاديث تكلم حضرة الرسول بها حال صغرها ولا يجوز الأخذ بها لأنها فكانت على الوجه الذي ذكرناه، وهي الصادقة فيما تقول وتذكر، ولا يتصور أن تقول شيئا من نفسها وتسنده لحضرة الرسول، بل كل ما جاء عنها وأسندته إلى حضرة الرسول قد سمعته منه ونقلته كما سمعته سواء أكانت تلك الأحاديث قبل اقترانها بحضرة الرسول أو بعده، فلا يشك بصحتها، وهي الأمينة بنت الصديق، وتعلم عقوبة من يسند لحضرة الرسول ما لم يقله. هذا والله أعلم وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة الانفطار عدد ٣٢- ٨٢
نزلت بمكة بعد سورة النازعات، وهي تسع عشرة آية وثمانون كلمة، وثلاثمائة وعشرون حرفا. وتسمى سورة المنفطرة وانفطرت. ومثلها في عدد الآي سورة الأعلى، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ويوجد سور مبدوءة بما بدنت به، ألمعنا إليها قبل ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت بها من اللفظة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال تعالى: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ» ١ انشقت، قال ابن عبّاس: ما كنت أعرف معنى فاطر حتى اختلف اعرابي مع آخر في بئر فقال أنا فطرته، أي شققته وحفرته «وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ» ٢ تساقطت من مواقعها «وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ» ٣ على بعضها وزالت البرازخ من
425
بينها فاختلطت «وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ» ٤ بعث من فيها وقيل أصلها بعثت وأثيرت فهي منحوتة مثل سبحل وحمدل وحوقل ودمعز وصلعم إلى غير ذلك مما جاء في باب النحت، وما قاله أبو حيان بأن الراء ليست من أحرف الزيادة فلا تدخل في باب النحت فهو سهو منه لأن النحت غير التركيب، وعليه يكون المعنى نبشت وأخرج أهلها، وجواب إذا «عَلِمَتْ نَفْسٌ» برة كانت أو فاجرة «ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» ٥ في الدنيا من عمل فإنها تعلمه حينذاك صالحا أو سيئا إذ تنشر الصحف بعد البعث في المحشر فيقف كل على عمله، ثم يقال لأهل تلك النفوس بعد أن يستقر بهم الحال في الموقف «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» ٦ حتى تنكر هذا اليوم العظيم بالدنيا وتسوف بالتوبة ولا ترجع إلى ربك الذي رباك ولا تسلك طريق هداك وإلى متى:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها... إن السفينة لا تجري على اليبس
وإلى متى تترك الحق وتتمادى في الباطل، وتعرض عن الرحمن، وتلازم الأوثان، أي شيء خدعك حتى ضيعت ربك مع ترالي نعمه عليك، أغرك جهلك، أم غشك حمقك، أو أزاغك شيطانك عن طاعة الإله الواحد، الذي لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد؟ وهذه الآية عامة في كل كافر، وما قيل إنها نزلت في كلدة بن خلف إذ ضرب حضرة الرسول ولم يعاقبه عليها لم يثبت، ولم يوجد ما يعضده. واعلم أن التعرض في هذه الآية لكرمه دون قهره وانتقامه وبقية صفاته المانعة من الاغترار إيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدارا لاغتراره حسبما يغويه شيطانه ويقول له افعل ما تشاء فإن ربك كريم كما تفضل عليك بالدنيا يتفضل عليك بالآخرة، كقول بعض شياطين الإنس هداهم الله:
تكثّر ما استطعت من الخطايا... ستلقى في غد ربا غفورا
تعضّ ندامة كفيك مما... تركت مخافة الذنب السرورا
وقول أبي نواس:
خلياني والمعاصي... واتركا ذكر القصاص
وعلى الله وإن أسرفت في الذنب خلاصي
426
وهذا قياس عقيم مشتق من قياس إبليس المار في الآية ١٢ من سورة الأعراف المارة في ج ١، وأماني باطلة توجب الإقبال على الذنوب والإعراض عن الثواب، وإذا كان يعتقد يقينا بأن الله غفور رحيم ويقدم على معصيته فلم لا يقول الله رزاق كريم ويترك العمل؟ ولكن اعتقاده ذلك باطل من تسويل إبليس. هذا وقد ألمعنا قبل إلى أن هذه الآية من باب تلقين الحجة للعبد حتى يقول غرني كرمك يا رب تفطينا للجواب الذي لقنه وتعريضا لألطافه عليه كالتعريض بذكر الرحمن في بعض الآيات دون غيره من الصفات، وقد يكون هذا لمن يريد الله رحمته من المؤمنين العاصين ولهم أعمال صالحة، لا للكافرين والمشركين، وقد وصف جل شأنه بقوله «الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ» ٧ وجعلك متناسب الخلق ماشيا على قدميك آكلا بيدك «فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ» ٨ من الصور التي اقتضتها مشيئته من الحسن والكمال والشبه بأبويك أو أحدهما أو غيرهما من جنسك في الطول والقصر والبياض والحمار «كَلَّا» لا تغتروا بكرم الله فتعبدوا غيره أو تشركوا به شيئا أو تجعلوه ذريعة لارتكاب المعاصي ولا تغفلوا عمن أنشأكم من العدم إلى الوجود وغمركم بنعمه «بَلْ تُكَذِّبُونَ» باعتقادكم هذا «بِالدِّينِ» ٩ الذي جاءكم به رسولكم، دين أبيكم إبراهيم، دين الاعتقاد بالإله الواحد والرسل والبعث والجزاء عقابا وثوابا، وكيف تكذبون به «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ» ١٠ مراقبين يدونون كل ما يقع منكم
«كِراماً كاتِبِينَ» ١١ لأقوالكم وأفعالكم وإثباتها في صحفكم المحفوظة لديهم بأمرنا «يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» ١٢ بسركم وجهركم لا يخفى عليه شيء من أحوالكم.
مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد الله:
كان الفضيل رحمه الله إذا قرأ هذه الآية قال ما أشدها على الغافلين. وفي تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لأمر الجزاء، وإعلام بأنه عند الله من جلائل الأمور، إذ استعمل عليه هؤلاء الكرام عنده الذين لا يعصونه طرفة عين. وهؤلاء غير الحفظة المذكورين في الآية ١٣ من سورة الرعد الآتية في ج ٣ لأن مع كل إنسان عددا من الملائكة، روي عن عثمان أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم كم من ملك على الإنسان
427
فذكر عليه الصلاة والسلام عشرين ملكا. قال المهدوي في الفيصل إن كل آدمي يوكل به من حين وقوعه نطفة في الرحم إلى موته أربعمائة ملك. وأخرج البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من ملائكة الله تعالى الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حاجات: الغائط والجنابة والغسل. ولا يمنع هذا من كتبها ما يصدر عنه فيها ويجعل لها امارة على الاعتقاد القلبي ونحوه، ويلزمان العبد إلى مماته فيقومان على قبره يسبحان ويهللان ويكبران ويكتب ثوابه للميت إلى يوم القيامة إن كان مؤمنا، ويلعنانه إن كان كافرا إلى يوم القيامة. راجع الآية ١٨ من سورة ق في ج ١، وله صلة في سورة الرعد ج ٣ عند قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ... يَحْفَظُونَهُ) الآية.
قال تعالى «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ» ١٣ بالغ وسرور جليل في ذلك اليوم «وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ» ١٤ عظيم فظيع خارج عن عقل أهل الدنيا معرفته أجارتا الله منه، والمراد بالفجار هنا الكفرة المتوغلين في الكفر لا العصاة إذ تطلق كلمة فجر على الكاذب والزاني والكافر «يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ» ١٥ حينما يدانون بأعمالهم القبيحة بعد الحساب يوم القيامة «وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ» ١٦ بل محضرون ومطروحون فيها لا يفارقونها طرفة عين، فالمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار، وهذه كقوله تعالى (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) وقوله تعالى (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) الآيتين ٤٨ من سورة الحجر المارة و ١٦٧ من البقرة في ج ٣، ثم عظم شأن ذلك اليوم فقال «وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ» ١٧ أيها الإنسان الغافل «ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ» ١٨ استفهام تعجب جوابه هو يوم ترتعد فيه الفرائص وتشقق لهوله القلوب، وإن ما فية لا تجابهه قوى البشر، وهذا الخطاب عام إلى كل من يتأتى منه الدّراية، وفي التكرير زيادة التفخيم والتعجب.
وما قيل إن الخطاب خاص بالكافر أو خاص بحضرة الرسول لم يثبت فيه شيء، وإن بين هذين القولين وبين الآية المفسرة من البعد ما لا يخفى. ثم وصف ذلك ببعض صفاته فقال «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً» فيه من المنافع مؤمنة كانت أو كافرة، وتخصيصها بالكافرة على قول بعض المفسرين لا مبرر له أيضا،
428
لأن النفس المؤمنة بما فيها نفوس الأنبياء فمن دونهم لا تملك شيئا فيه إلا بتمليك الله تعالى إياها. راجع الآية ٢٨ من سورة الأنبياء المارة، «وَالْأَمْرُ» يكون كله «يَوْمَئِذٍ» في ذلك اليوم كما في غيره «لِلَّهِ» ١٩ وحده اللهم عاملنا فيه بما أنت أهله بلطفك وأنت المنفرد فيه، فلا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيرك. قال ابن عباس كل ما في القرآن (ما أدرك) فقد أدراه وكل ما فيه (وما يدريك) فقد طوى عنه. وقال سليمان بن عبد الملك وهو من خير ملوك بني أمية بعد عمر ابن عبد العزيز لأنه افتتح خلافته بعمارة البيت المقدس والجامع الأموي بدمشق، إذ كان والده بدأ بهما وتوفي قبل إكمالهما، كما أن داود عليه السلام بدأ بعمارة الأول وتوفي قبل إكماله، فأكمله ابنه سليمان صلوات الله عليهما وسلامه، وختمها باستخلاف عمر بن عبد العزيز الذي كان في أعماله وأقواله يعد من الخلفاء الراشدين، لأبي حازم المزني: ليت شعري مالنا عند الله؟ قال يا أمير المؤمنين اعرض عملك على كتاب الله تعالى فتعلم مالك عنده، قال أين أجد ذلك في كتابه جل شأنه؟ قال عند قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ) الآية المارة، قال وأين رحمة الله إذا، قال هي قريب من المحسنين، قال صدقت. وليس في هذه الآية ما يدل على نفي الشفاعة كما زعمه بعضهم، لأن كونها لا تكون إلا بأمر الله دليل على وجودها، ولو أنها يراد بها النفي لما قيدها بالأمر ولم يقيدها به إلا لأنه يريد وجودها، وتفويض من ارتضاه لها من أنبيائه وأوليائه، وحاشاه من منعها، كيف وهو أرحم الراحمين، وقد أمر عباده بأن يشفع بعضهم لبعض وما كان أمر الرسول قط إلا من أمر الله لأنه لا ينطق عن هوى، راجع الآية ٢٥٥ من البقرة في ج ٣، والآية ١٤ من من النساء في ج ٣ في بحث الشفاعة. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الانشقاق عدد ٣٣- ٨٣ و ٨٤
نزلت بمكة بعد سورة الانفطار، وهي خمس وعشرون آية، ومئة وسبع كلمات، وأربعمائة وثلاثون حرفا، وتسمى سورة انشقت. لا يوجد مثلها في عدد الآي، ولا ناسخ ولا منسوخ فيها.
429
Icon