تفسير سورة المطفّفين

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة المطففين من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

، وقال مُقَاتِلٌ: يَعْنِي لِنَفْسٍ كَافِرَةٍ شَيْئًا مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ، أَيْ لَمْ يُمَلِّكِ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدًا شَيْئًا كَمَا مَلَّكَهُمْ فِي الدُّنْيَا.
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ
[مدنية] [١] [وهي ست وثلاثون آية] [٢]
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)، يَعْنِي الَّذِينَ يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَيَبْخَسُونَ حُقُوقَ النَّاسِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
إِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي يَنْقُصُ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ مُطَفِّفٌ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْرِقُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الطَّفِيفَ.
«٢٣١٤» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ] [٣] عَلِيٍّ الصيرفي ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ المخلدي أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الحسن الحافظ ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَبِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو جُهَيْنَةَ وَمَعَهُ صَاعَانِ يَكِيلُ بِأَحَدِهِمَا وَيَكْتَالُ بِالْآخَرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْوَيْلَ لِلْمُطَفِّفِينَ [٤].
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُطَفِّفِينَ مَنْ هُمْ فَقَالَ: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢)، وَأَرَادَ إِذَا اكتالوا من
٢٣١٤- إسناده حسن، رجاله ثقات مشاهير، غير علي، وهو صدوق.
- يزيد هو ابن سعيد، عكرمة هو أبو عبد الله البربري مولى ابن عباس.
- وأخرجه النسائي في «التفسير» ٦٧٤ وابن ماجه ٢٢٢٣ والحاكم ٢/ ٣٣ والطبري ٣٦٥٧٧ والطبراني ١٢٠٤١ وابن حبان ٤٩١٩ والبيهقي ٦/ ٣٢ والواحدي في «أسباب النزول» ٨٤٨ من طرق عن عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ بهذا الإسناد.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وكذا صححه السيوطي في «الدر» ٦/ ٥٣٦.
- قال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد حسن، عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ مختلف فيه، وباقي الإسناد ثقات.
- وانظر «أحكام القرآن» ٢٢٦٦ و «الكشاف» ١٢٧٥ بتخريجنا.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) ذكره المصنف هاهنا تعليقا، وإسناده إلى السدي أول الكتاب، وهذا مرسل، والسدي ذو مناكير.
- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٨٥٠ عن السدي معلقا بدون إسناد.
- وقال الحافظ في «الكشاف» ٤/ ٧١٨: لم أجده، والظاهر أنه أراد مسندا، وهو واه بمرة، ليس بشيء.
النَّاسِ أَيْ أَخَذُوا مِنْهُمُ، وَ (من)، و (على) يتعاقبان. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى إِذَا اكْتَالُوا مِنَ النَّاسِ اسْتَوْفَوْا عَلَيْهِمُ الْكَيْلَ والوزن، وَأَرَادَ الَّذِينَ إِذَا اشْتَرَوْا لِأَنْفُسِهِمُ استوفوا في الكيل والوزن.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٣ الى ٧]
وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧)
وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)، أَيْ كَالُوا لَهُمْ أَوْ وَزَنُوا لَهُمْ أَيْ لِلنَّاسُ يُقَالُ وَزَنْتُكَ حَقَّكَ وَكِلْتُكَ طَعَامَكَ أَيْ وَزَنْتُ لَكَ وَكِلْتُ لَكَ كَمَا يُقَالُ نَصَحْتُكَ وَنَصَحْتُ لَكَ وَشَكَرْتُكَ وَشَكَرْتُ لك وكتبتك وكتبت لَكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَكَانَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ يَجْعَلُهُمَا حَرْفَيْنِ يقف على كالوا أو وزنوا وَيَبْتَدِئُ هُمْ يُخْسِرُونَ وَقَالَ أَبُو عبيدة: والاختيار الأولى يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ كَلِمَةٌ واحدة، لأنهم كتبوهما بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَلَوْ كَانَتَا مَقْطُوعَتَيْنِ لكاتب: (كالوا أو وَزَنُوا) بِالْأَلِفِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ مِثْلُ جاؤوا وَقَالُوا: وَاتَّفَقَتِ الْمَصَاحِفُ عَلَى إِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَلِأَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: كلتك وزنتك كما يقال كلت لك وزنت لك. وقوله: يُخْسِرُونَ أَيْ يُنْقِصُونُ، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِالْبَائِعِ فيقول اتق الله أوف الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ، فَإِنَّ الْمُطَفِّفِينَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ.
أَلا يَظُنُّ، يَسْتَيْقِنُ، أُولئِكَ، الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥)، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ، مِنْ قُبُورِهِمْ، لِرَبِّ الْعالَمِينَ، أَيْ لِأَمْرِهِ وَلِجَزَائِهِ وَلِحِسَابِهِ.
«٢٣١٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إبراهيم بن المنذر أنا مَعْنٌ [١] حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رشحه إلى أنصاف أذنيه».
«٢٣١٦» أخبرني أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن
٢٣١٥- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن إبراهيم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- معن هو ابن عيسى.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٣٨ عن إبراهيم بن المنذر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨٦٢ من طريق معن بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني ٣٠/ ٩٤ من طريق مالك به.
- وأخرجه البخاري ٦٥٣١ ومسلم ٢٨٦٢ والترمذي ٢٤٢٢ وابن ماجه ٤٢٧٨ وأحمد ٢/ ١٣ و١٩ و١٠٥ و١٢٥ وابن أبي شيبة ١٣/ ٢٣٣ وابن حبان ٧٣٣١ والطبري ٣٦٥٨٥ و٣٦٥٨٩ والبغوي ٤٢١١ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٤٢ من طرق عن نافع به.
٢٣١٦- صحيح. إبراهيم الخلال صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» ٤٢١٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ١٤٢١ وأحمد ٦/ ٣- ٤ والطبراني ٢٠/ (٦٠٢) وابن حبان ٧٣٣٠ من طرق عن ابن المبارك به.
- وأخرجه مسلم ٢٨٦٤ والطبراني ٢٠/ (٦٠٢) من طريق الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بن جابر به.
(١) تصحف في المخطوط «معمر».
222
الحارث ثنا محمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يزيد بن [١] جابر حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ مِيلٍ أَوِ ميلين»، قَالَ سُلَيْمٌ: لَا أَدْرِي أَيُّ الْمِيلَيْنِ يَعْنِي مَسَافَةَ الْأَرْضِ أَوِ الْمِيلَ الَّذِي تُكَحَّلُ بِهِ الْعَيْنُ، قال: «فتصهرهم الشمس فيكونون فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا» فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ يقول: «يلجمه إلجاما».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَلَّا، رَدْعٌ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَلْيَرْتَدِعُوا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ هَاهُنَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَلَّا ابْتِدَاءٌ يَتَّصِلُ بِمَا بَعْدَهُ عَلَى مَعْنَى حَقًّا، إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ، الَّذِي كُتِبَتْ فِيهِ أَعْمَالُهُمْ، لَفِي سِجِّينٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: سِجِّينٍ هِيَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى فِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ.
«٢٣١٧» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَنْجُوَيْهِ ثنا موسى بن محمد ثنا الحسن [٢] بن علويه أنا إسماعيل بن عيسى ثنا المسيب ثنا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ زَاذَانَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سجين أسفل سبع أرضين، وعليون فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ».
وَقَالَ شَمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، فقال: إِنْ رُوحَ الْفَاجِرِ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَتَأْبَى السَّمَاءُ أَنْ تقبلها ثم تهبط بِهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَتَأْبَى الْأَرْضُ أن تقبل فَتَدْخُلُ تَحْتَ سَبْعِ أَرْضِينَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى سِجِّينٍ، وَهُوَ مَوْضِعُ جُنْدِ إِبْلِيسَ، فَيَخْرُجُ لَهَا من سجين من تحت جند إبليس رَقٌّ فَيُرْقَمُ وَيُخْتَمُ وَيُوضَعُ تَحْتَ جُنْدِ إِبْلِيسَ، لِمَعْرِفَتِهَا الْهَلَاكَ بِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَجِينٌ تَحْتَ جُنْدِ إِبْلِيسَ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هِيَ الْأَرْضُ السُّفْلَى، وَفِيهَا إِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ صَخْرَةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى خَضْرَاءُ، وخضرة السماء منها يجعل كتاب الفجار تحتها. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا قَالَ: سَجِينٌ صَخْرَةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى تُقْلَبُ فَيُجْعَلُ كِتَابُ الْفُجَّارِ فِيهَا. وَقَالَ وَهْبٌ: هي آخر سلطان إبليس.
٢٣١٧- ضعيف.
- إسناده ضعيف جدا، فيه المسيب، وهو ابن شريك، قال عنه الإمام مسلم: متروك الحديث.
- الأعمش هو سليمان بن مهران، منهال هو ابن عمرو، زاذان هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر، مشهور باسمه، ولم أر من ذكر اسم أبيه.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٤٣ و٤٤٤ من طريق موسى بن محمد بهذا الإسناد.
- وتوبع المسيب.
- فقد أخرج أحمد ٤/ ٢٨٧- ٢٨٨ حديثا طويلا من طريق أبي معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد وفيه: «.... حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين... » وفيه أيضا: «اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا....».
- وإسناده ضعيف، فيه عنعنة الأعمش، وهو مدلس. [.....]
(١) تصحف في المطبوع «عن».
(٢) في المطبوع «الحسن».
223
«٢٣١٨» وجاء في الحديث: «الفلق حبّ في جهنم مغطى، وسجين حب فِي جَهَنَّمَ مَفْتُوحٌ».
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَفِي سِجِّينٍ أَيْ لَفِي خَسَارٍ وَضَلَالٍ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ فِعِّيلٌ مِنَ السِّجْنِ، كَمَا يُقَالُ: فِسِّيقٌ وَشِرِّيبٌ، مَعْنَاهُ لَفِي حَبْسٍ وَضِيقٍ شديد.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٨ الى ١٤]
وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)
وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ (٨)، قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا كُنْتَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ.
كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩)، لَيْسَ هَذَا تَفْسِيرُ السَّجِينِ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ) أَيْ هُوَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ، أَيْ مَكْتُوبٌ فِيهِ أَعْمَالُهُمْ مُثْبَتَةٌ عَلَيْهِمْ كَالرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ، لَا يُنْسَى وَلَا يُمْحَى حَتَّى يُجَازَوْا بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: رُقِمَ عليه بشركائه كأنه علم بِعَلَامَةٍ يُعْرَفَ بِهَا أَنَّهُ كَافِرٌ. وَقِيلَ:
مَخْتُومٌ بِلُغَةِ حِمْيَرَ.
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣).
كَلَّا، قَالَ مُقَاتِلٌ: أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ.
«٢٣١٩» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن عبد الصمد الترابي ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ أنا إبراهيم بن حزيم الشَّاشِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بن حميد الكشي [١] ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ»، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤).
وَأَصْلُ الرَّيْنِ الْغَلَبَةُ، يُقَالُ: رَانَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَقْلِهِ تَرِينُ رَيْنًا وَرُيُونًا إِذَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ حتى سكر،
٢٣١٨- ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٣٦٦١٤ ومن طريقه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٤٤ عن إسحاق بن وهب الواسطي عن مسعود بن مشكان عن نصر بن خزيمة عن شعيب بن صفوان عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ عن أبي هريرة به.
- وإسناده ضعيف جدا، شعيب بن صفوان منكر الحديث.
- قال الحافظ ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» ٤/ ٥٧٣: غريب، منكر، لا يصح.
٢٣١٩- حسن، لكن ذكر الآية مدرج.
- إسناده حسن لأجل ابن عجلان، وباقي الإسناد ثقات، وللحديث شواهد.
- ابن عجلان هو محمد، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٩٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٣٣٤ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٤١٨ وابن ماجه ٤٢٤٤ والحاكم ٢/ ٥١٧ وابن حبان ٩٣٠ والطبري ٣٦٦٢٦ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٤٥ من طرق عن محمد بن عجلان بهذا الإسناد.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح. وهو حديث حسن، لكن ذكر الآية مدرج من الصحابي أو من دونه.
(١) تصحف في المطبوع «الكنتي».
وَمَعْنَى الْآيَةِ: غَلَبَتْ عَلَى قُلُوبِهِمُ الْمَعَاصِي وَأَحَاطَتْ بِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَمُوتَ الْقَلْبُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ طَبَعَ عَلَيْهَا.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ١٥ الى ٢٠]
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩)
كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠)
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)، (كلَّا) يُرِيدُ لَا يُصَدِّقُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)، قَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ مَمْنُوعُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَلَّا يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيَهُمْ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَنْ رُؤْيَتِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: لَوْ عَلِمَ الزَّاهِدُونَ الْعَابِدُونَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْمَعَادِ لَزَهَقَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ كَمَا حَجَبَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَنْ تَوْحِيدِهِ حَجَبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَنْ رُؤْيَتِهِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: لَمَّا حَجَبَ أَعْدَاءَهُ فَلَمْ يَرَوْهُ تَجَلَّى لِأَوْلِيَائِهِ حَتَّى رَأَوْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ [١] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) : دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يرون الله عيانا، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْكُفَّارَ مَعَ كَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ عَنِ اللَّهِ يَدْخُلُونَ النار فقال:
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦)، . لداخلوا النَّارِ.
ثُمَّ يُقالُ، أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ، هذَا، أَيْ هَذَا الْعَذَابُ، الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ.
كَلَّا، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يُؤْمِنُ بِالْعَذَابِ الَّذِي يَصْلَاهُ، ثُمَّ بَيَّنَ مَحَلَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ فَقَالَ: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ.
«٢٣٢٠» رُوِّينَا عَنِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: «إِنَّ عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ لَوْحٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ مُعَلَّقٌ تَحْتَ الْعَرْشِ أَعْمَالُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِيهِ، وَقَالَ كَعْبٌ وَقَتَادَةُ: هُوَ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى. وَقَالَ [عَطَاءٌ عَنِ] [٢] [٣] ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْجَنَّةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي عُلُوٌّ بَعْدَ عُلُوٍّ وَشَرَفٌ بَعْدَ شَرَفٍ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مِثْلُ عِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ.
وَما أَدْراكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠)، ليس هذا بتفسير عليين هُوَ بَيَانُ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي قوله: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، أَيْ مَكْتُوبٌ أَعْمَالُهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْفُجَّارِ، وَقِيلَ: كَتَبَ هُنَاكَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مقاتل، وقيل: رقم لهم بخير وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مَجَازُهَا: إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ كِتَابٌ مَرْقُومٌ فِي عِلِّيِّينَ، وَهُوَ مَحَلُّ الملائكة، ومثله كِتَابَ الْفُجَّارِ كِتَابٌ مَرْقُومٌ فِي سِجِّينٍ، وَهُوَ مَحَلُّ إِبْلِيسَ وَجُنْدِهِ.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٢١ الى ٢٧]
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥)
خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧)
٢٣٢٠- تقدم قبل حديثين، وهو ضعيف.
(١) زيد في المطبوع «قال ابن عباس».
(٢) تصحف في المخطوط «الشعبي».
(٣) زيد في المطبوع.
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١)، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ فِي عِلِّيِّينَ يَشْهَدُونَ وَيَحْضُرُونَ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ، أَوْ ذَلِكَ الْكِتَابَ إِذَا صُعِدَ بِهِ إِلَى عِلِّيِّينَ.
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣)، إِلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَنْظُرُونَ إِلَى عَدُوِّهِمْ كَيْفَ يُعَذَّبُونَ.
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)، إِذَا رَأَيْتَهُمْ عَرَفْتَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النِّعْمَةِ مِمَّا تَرَى فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ النُّورِ وَالْحُسْنِ وَالْبَيَاضِ، قَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الْوَجْهِ والسرور في القلب، قرأ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ تَعْرِفُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ نَضْرَةَ رَفْعٌ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ نَضْرَةَ نَصْبٌ.
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ، خَمْرٍ صَافِيَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ مُقَاتِلٌ: الْخَمْرُ الْبَيْضَاءُ. مَخْتُومٍ، خُتِمَ وَمُنِعَ مِنْ أَنْ تَمَسَّهُ يَدٌ إِلَى أن يفك ختمه الأبرار، قال مُجَاهِدٌ: مَخْتُومٍ أَيْ مُطَيَّنٌ.
خِتامُهُ، أَيْ طِينُهُ، مِسْكٌ، كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: خِتَامُهُ عِنْدَ اللَّهِ مِسْكٌ وختام الدُّنْيَا طِينٌ. [وَقَالَ] [١] ابْنُ مَسْعُودٍ: مَخْتُومٌ أَيْ مَمْزُوجٌ خِتَامُهُ أَيْ آخِرُ طَعْمِهِ، وَعَاقِبَتُهُ مِسْكٌ فَالْمَخْتُومُ الَّذِي لَهُ خِتَامٌ، أَيْ آخِرٌ وَخَتْمُ كُلِّ شَيْءٍ الْفَرَاغُ مِنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُمْزَجُ لَهُمْ بِالْكَافُورِ وَيُخْتَمُ بِالْمِسْكِ وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ خِتامُهُ مِسْكٌ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ خَاتَمُهُ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ كريم الطابع والطباع والخاتم والختام آخِرُ كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ، فَلْيَرْغَبِ الرَّاغِبُونَ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) [الصَّافَّاتِ: ٦١]، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: فَلْيَتَنَازَعِ الْمُتَنَازِعُونَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: فَلْيَسْتَبْقِ الْمُسْتَبِقُونَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ الَّذِي تَحْرِصُ عَلَيْهِ نُفُوسُ النَّاسِ، وَيُرِيدُهُ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ وَيُنْفَسُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، أَيْ يضن.
وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧)، شراب يَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ عُلْوٍ فِي غُرَفِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ، وَقِيلَ: يَجْرِي فِي الْهَوَاءِ [مُتَسَنَّمًا] [٢] فَيَنْصَبُّ فِي أَوَانِي أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ مِلْئِهَا فَإِذَا امْتَلَأَتْ أَمْسَكَ وَهَذَا مَعْنَى قول قتادة وأصل كلمة السنام مِنَ الْعُلُوِّ، يُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُرْتَفِعِ سَنَامٌ وَمِنْهُ سَنَامُ الْبَعِيرِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ شَرَابٌ اسْمُهُ تَسْنِيمٌ وهو من [٣] أَشْرَفُ الشَّرَابِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابن عباس: هو خالص للمقربين يَشْرَبُونَهَا صِرْفًا وَيُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧).
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٢٨ الى ٣٤]
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢)
وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤)
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)، وَرَوَى يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: مِنْ تَسْنِيمٍ قَالَ هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السَّجْدَةِ:
١٧]، عَيْناً نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، يَشْرَبُ بِهَا أَيْ مِنْهَا، وَقِيلَ: يشرب بها المقربون صرفا.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) سقط من المطبوع.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا، أَشْرَكُوا يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ أَبَا جَهْلٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَأَصْحَابَهُمْ مِنْ مُتْرَفِي مَكَّةَ، كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عَمَّارٍ وَخِبَابٍ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَأَصْحَابِهِمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. يَضْحَكُونَ، وبهم يستهزؤون.
وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ
، يعني مر المؤمنون بِالْكُفَّارِ، يَتَغامَزُونَ
، وَالْغَمْزُ الْإِشَارَةُ بِالْجَفْنِ والحاجب، أي يشبرون إِلَيْهِمْ بِالْأَعْيُنِ اسْتِهْزَاءً.
وَإِذَا انْقَلَبُوا، يَعْنِي الْكُفَّارَ، إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ، مُعْجَبِينَ بِمَا هُمْ فِيهِ يَتَفَكَّهُونَ بِذِكْرِهِمْ.
وَإِذا رَأَوْهُمْ، رَأَوْا أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ، يَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ.
وَما أُرْسِلُوا، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، حافِظِينَ، أَعْمَالَهُمْ أَيْ لَمْ يُوَكَّلُوا بِحِفْظِ أَعْمَالِهِمْ.
فَالْيَوْمَ، يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ، الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفْتَحُ للكفار وهم فِي النَّارِ أَبْوَابُهَا، وَيُقَالُ لَهُمُ: اخْرُجُوا فَإِذَا رَأَوْهَا مَفْتُوحَةً أَقْبَلُوا إِلَيْهَا لِيَخْرُجُوا وَالْمُؤْمِنُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى أَبْوَابِهَا غُلِّقَتْ دونهم، يفعل بهم ذلك مِرَارًا وَالْمُؤْمِنُونَ يَضْحَكُونَ.
وَقَالَ كَعْبٌ: بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كُوًى فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَدُوٍّ لَهُ كَانَ فِي الدُّنْيَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْكُوَى، كَمَا قَالَ: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) [الصَّافَّاتِ: ٥٥]، فَإِذَا اطَّلَعُوا في الْجَنَّةِ إِلَى أَعْدَائِهِمْ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ضَحِكُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤).
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)
عَلَى الْأَرائِكِ، مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، يَنْظُرُونَ، إليهم في النار.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ ثُوِّبَ، هَلْ جُوزِيَ، الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ، أَيْ جَزَاءَ اسْتِهْزَائِهِمْ بِالْمُؤْمِنِينَ وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ هَاهُنَا التَّقْرِيرُ. وَثُوِّبَ وَأَثَابَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
سُورَةُ الِانْشِقَاقِ
مكية [وهي خمس وعشرون آية] [١]
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦)
(١) زيد في المطبوع.
Icon