تفسير سورة التين

معاني القرآن
تفسير سورة سورة التين من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾.
قال ابن عباس : هو تينكم هذا وزيتونكم، ويقال : إنهما جبلان بالشام. وقال مرة أخرى : مسجدان بالشام، أحدهما الذي كلّم الله تبارك وتعالى موسى صلى الله عليه وسلم عليه. قال الفراء : وسمعت [ ١٤٣/ا ] رجلا من أهل الشام وكان صاحب تفسير قال : التين جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزيتون : جبال الشام، ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ : جبل.
وقوله عز وجل :﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ﴾.
مكة، يريد : الآمِن، والعرب تقول للآمن. الأمين، قال الشاعر :
ألم تعلى يا أسْم ويْحكِ أنني حَلفتُ يمينا لا أخون أميني ؟
يريد ؛ آمني.
وقوله عز وجل :﴿ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾.
يقول : إِنا لنبلغ بالآدمي أحسن تقويمه، وهو اعتداله واستواء شبابه، وهو أحسن ما يكون، ثم نرده بعد ذلك إلى أرذل العمر، وهو وإن كان واحدا، فإنه يراد به نفعل ذا بكثير من الناس، وقد تقول العرب : أَنْفَق ماله على فلان، وإنما أنفق بعضه، وهو كثير في التنزيل ؛ من ذلك قوله في أبي بكر :﴿ الذي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ لم يُرد كل ماله ؛ إنما أراد بعضه.
ويقال :﴿ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾إلى النار ؛ ثم استثنى فقال :﴿ إِلاَّ الذين آمنوا ﴾ استثناء من الإنسان : لأنّ معنى الإنسان : الكثير. ومثله :﴿ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ وهي في قراءة عبد الله «أسفل السافلين »، ولو كانت أسفل سافل لكان صوابا ؛ لأنّ لفظ الإنسان واحدٌ، فقيل :«سافلين » على الجمع ؛ لأن الإنسان في معنى جمع، وأنت تقول : هذا أفضل قائم، ولا تقول : هذا أفضل قائمين ؛ لأنك تضمر لواحد، فإذا كان الواحد غير مقصود له رجع اسمه بالتوحيد وبالجمع كقوله ﴿ والذي جاء بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولَئكَ هُمُ الْمُتَّقُون ﴾ وقال في عسق :﴿ وإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ فردّ الإنسان على جمع، ورد تصبهم على الإنسان للذي أنبأتك به.
وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ فَما يُكَذِّبُكَ ﴾ [ ١٤٣/ب ].
يقول : فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم، كأنه قال : فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبين له من خلقنا الإنسان على ما وصفنا.
Icon