تفسير سورة إبراهيم

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ تَعَالَى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كِتَابٌ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هَذَا كِتَابٌ. وَ «أَنْزَلْنَاهُ» : صِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَلَيْسَ بِحَالٍ ; لِأَنَّ كِتَابًا نَكِرَةٌ. (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ إِنْ شِئْتَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ; أَيْ بِسَبَبِ الْإِذْنِ، وَإِنْ شِئْتَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ النَّاسِ ; أَيْ مَأْذُونًا لَهُمْ، أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ ; أَيْ مَأْذُونًا لَكَ. (إِلَى صِرَاطِ) : هَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: إِلَى النُّورِ، بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ.
قَالَ تَعَالَى: (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اللَّهِ الَّذِي) : يُقْرَأُ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ;
أَحَدُهَا: عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَالثَّانِي: عَلَى الْخَبَرِ، وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ هُوَ اللَّهُ، وَ «الَّذِي» صِفَةٌ. وَالثَّالِثُ: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَ «الَّذِي» صِفَتُهُ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; تَقْدِيرُهُ: اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ، وَحُذِفَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ.
وَ (وَيْلٌ) : مُبْتَدَأٌ، وَلِلْكَافِرِينَ خَبَرُهُ.
(مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِـ «وَيْلٌ» بَعْدَ الْخَبَرِ، وَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ «وَيْلٌ» مِنْ أَجْلِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْخَبَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ) : فِي مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةٍ لِلْكَافِرِينَ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، أَوْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِإِضْمَارِ «هُمْ».
(وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي آلِ عِمْرَانَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ; أَيْ إِلَّا مُتَكَلِّمًا بِلُغَتِهِمْ.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ «بِلِسْنِ قَوْمِهِ» - بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ السِّينِ، وَهِيَ بِمَعْنَى اللِّسَانِ.
(فَيُضِلُّ) - بِالرَّفْعِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى «لِيُبَيِّنَ» لِأَنَّ الْعَطْفَ يَجْعَلُ مَعْنَى الْمَعْطُوفِ كَمَعْنَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالرُّسُلُ أُرْسِلُوا لِلْبَيَانِ لَا لِلضَّلَالِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ قُرِئَ بِالنَّصْبِ، عَلَى أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ الْعَاقِبَةِ، جَازَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ) : أَنْ بِمَعْنَى أَيْ ; فَلَا مَوْضِعَ لَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً ; فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِأَنْ أَخْرِجْ ; وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ) : قَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: (إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً) [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٣].
(وَيُذَبِّحُونَ) : حَالٌ أُخْرَى مَعْطُوفَةٌ عَلَى (يَسُومُونَ).
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى «إِذْ أَنْجَاكُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَوْمِ نُوحٍ) : بَدَلٌ مِنَ «الَّذِينَ».
(وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَعْلَمُهُمْ) : حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مِنْ بَعْدِهِمْ». وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَكَذَلِكَ «جَاءَتْهُمْ».
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ» مُبْتَدَأً، «وَلَا يَعْلَمُهُمْ» : خَبَرُهُ، أَوْ حَالٌ مِنَ الِاسْتِقْرَارِ، وَ «جَاءَتْهُمُ» الْخَبَرُ.
(فِي أَفْوَاهِهِمْ) :«فِي» عَلَى بَابِهَا ظَرْفٌ لِرَدُّوا ; وَهُوَ عَلَى الْمَجَازِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا سَكَّتُوهُمْ فَكَأَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ فَمَنَعُوهُمْ بِهَا مِنَ النُّطْقِ.
وَقيل هِيَ بِمَعْنى إِلَى وَقيل بِمَعْنى الْبَاء
قَالَ تَعَالَى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) : فَاعِلُ الظَّرْفِ ; لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى الْهَمْزَةِ.
(فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ) : صِفَةٌ، أَوْ بَدَلٌ.
(لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) : الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَ «مِنْ» صِفَةٌ لَهُ ; أَيْ شَيْئًا مِنْ ذُنُوبِكُمْ. وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ «مِنْ» زَائِدَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «مِنْ» لِلْبَدَلِ ; أَيْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ بَدَلًا مِنْ عُقُوبَةِ ذُنُوبِكُمْ، كَقَوْلِهِ: (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ) [التَّوْبَةُ: ٣٨].
(تُرِيدُونَ) : صِفَةٌ أُخْرَى لِبَشَرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ) : اسْمُ كَانَ، «وَلَنَا» الْخَبَرُ.
وَ (إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; وَقَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ «بِإِذْنِ اللَّهِ»، «وَلَنَا» تَبْيِينٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَّا نَتَوَكَّلَ) أَيْ فِي أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيْ غَيْرَ مُتَوَكِّلِينَ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاسْتَفْتَحُوا) : وَيُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ شَاذًّا.
قَالَ تَعَالَى: (يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَتَجَرَّعُهُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَاءٍ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يُسْقَى»، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
قَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ.
وَ (أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ) : جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلْمَثَلِ. وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ خَبَرُ «مَثَلُ» عَلَى الْمَعْنَى. وَقِيلَ: «مَثَلُ» مُبْتَدَأٌ، أَوْ «أَعْمَالُهُمْ» خَبَرُهُ ; أَيْ مَثَلُهُمْ مَثَلُ أَعْمَالِهِمْ. وَ «كَرَمَادٍ» عَلَى هَذَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هِيَ كَرَمَادٍ.
وَقِيلَ: «أَعْمَالُهُمْ» بَدَلٌ مِنْ «مَثَلُ»، وَكَرَمَادٍ الْخَبَرُ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، لَجَازَ إِبْدَالُ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الَّذِينَ، وَهُوَ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ.
(فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) ; رِيحُهُ، ثُمَّ حُذِفَ الرِّيحُ، وَجُعِلَتِ الصِّفَةُ لِلْيَوْمِ مَجَازًا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: فِي يَوْمٍ ذِي عُصُوفٍ ; فَهُوَ عَلَى النَّسَبِ، كَقَوْلِهِمْ: نَابِلٌ وَرَامِحٌ.
وَقُرِئَ «يَوْمِ عَاصِفٍ» بِالْإِضَافَةِ ; أَيْ يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ.
(لَا يَقْدِرُونَ) : مُسْتَأْنَفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ) : يُقْرَأُ شَاذًّا بِسُكُونِ الرَّاءِ فِي الْوَصْلِ عَلَى أَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْوَقْفِ.
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) : يُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، وَ (خَالِقٌ) عَلَى فَاعِلٍ، وَهُوَ لِلْمَاضِي، فَيَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَبَعًا) : إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ جَمْعَ تَابِعٍ، مِثْلَ خَادِمٍ وَخَدَمٍ، وَغَائِبٍ وَغَيَبٍ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مَصْدَرَ تَبِعَ ; فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الْفَاعِلِ، أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: ذَوِي تَبَعٍ.
(مِنْ عَذَابِ اللَّهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ; لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ لِشَيْءٍ ; تَقْدِيرُهُ: مِنْ شَيْءٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَمِنْ زَائِدَةٌ ; أَيْ شَيْئًا كَائِنًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى ; تَقْدِيرُهُ: هَلْ تَمْنَعُونَ عَنَّا شَيْئًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «شَيْءٍ» وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ ; أَيْ عَنَاءٍ ; فَيَكُونُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مُتَعَلِّقًا بِمُغْنُونَ.
(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا) : قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ دُعَاءَهُ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا ; أَيْ حُجَّةً.
(بِمُصْرِخِيَّ) : الْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ، وَهُوَ جَمْعُ مُصْرِخٍ، فَالْيَاءُ الْأُولَى يَاءُ الْجَمْعِ، وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ، وَفُتِحَتْ لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءُ بَعْدَ كَسْرَتَيْنِ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الثِّقَلِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كُسِرَ عَلَى الْأَصْلِ.
767
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُصْرِخِيِّ وَهِيَ لُغَيَّةٌ، يَقُولُ أَرْبَابُهَا: فِي وَرَمَيْتِيهِ، فَتَتْبَعُ الْكَسْرَةَ الْيَاءُ إِشْبَاعًا، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْآيَةِ حَذَفَ الْيَاءَ الْأَخِيرَةَ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ قَبْلَهَا.
(بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي ; فَتَقْدِيرُهُ عَلَى هَذَا: بِالَّذِي أَشْرَكْتُمُونِي بِهِ ; أَيْ بِالصَّنَمِ الَّذِي أَطَعْتُمُونِي كَمَا أَطَعْتُمُوهُ، فَحُذِفَ الْعَائِدُ. وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ ; أَيْ بِإِشْرَاكِكُمْ إِيَّايَ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَ (مِنْ قَبْلُ) : يَتَعَلَّقُ بِأَشْرَكْتُمُونِي ; أَيْ كَفَرْتُ الْآنَ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ.
وَقِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَفَرْتُ ; أَيْ كَفَرْتُ مِنْ قَبْلِ إِشْرَاكِكُمْ، فَلَا أَنْفَعُكُمْ شَيْئًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُدْخِلَ) : يُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بَرَزُوا، أَوْ عَلَى: فَقَالَ الضُّعَفَاءُ. وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعٌ، وَالْفَاعِلُ اللَّهُ.
(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ (أُدْخِلَ)، وَيَكُونَ مِنْ تَمَامِ «خَالِدِينَ».
(تَحِيَّتُهُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ ; أَيْ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ يُحَيِّيهِمُ اللَّهُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَلِمَةً) : بَدَلٌ مِنْ «مَثَلًا». (كَشَجَرَةٍ) : نَعْتٌ لَهَا. وَيُقْرَأُ شَاذًّا: «كَلِمَةٌ» بِالرَّفْعِ، وَكَشَجَرَةٍ خَبَرُهُ.
768
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُصْرِخِيِّ وَهِيَ لُغَيَّةٌ، يَقُولُ أَرْبَابُهَا: فِي وَرَمَيْتِيهِ، فَتَتْبَعُ الْكَسْرَةَ الْيَاءُ إِشْبَاعًا، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْآيَةِ حَذَفَ الْيَاءَ الْأَخِيرَةَ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ قَبْلَهَا.
(بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي ; فَتَقْدِيرُهُ عَلَى هَذَا: بِالَّذِي أَشْرَكْتُمُونِي بِهِ ; أَيْ بِالصَّنَمِ الَّذِي أَطَعْتُمُونِي كَمَا أَطَعْتُمُوهُ، فَحُذِفَ الْعَائِدُ. وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ ; أَيْ بِإِشْرَاكِكُمْ إِيَّايَ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَ (مِنْ قَبْلُ) : يَتَعَلَّقُ بِأَشْرَكْتُمُونِي ; أَيْ كَفَرْتُ الْآنَ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ.
وَقِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَفَرْتُ ; أَيْ كَفَرْتُ مِنْ قَبْلِ إِشْرَاكِكُمْ، فَلَا أَنْفَعُكُمْ شَيْئًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُدْخِلَ) : يُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بَرَزُوا، أَوْ عَلَى: فَقَالَ الضُّعَفَاءُ. وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعٌ، وَالْفَاعِلُ اللَّهُ.
(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ (أُدْخِلَ)، وَيَكُونَ مِنْ تَمَامِ «خَالِدِينَ».
(تَحِيَّتُهُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ ; أَيْ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ يُحَيِّيهِمُ اللَّهُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَلِمَةً) : بَدَلٌ مِنْ «مَثَلًا». (كَشَجَرَةٍ) : نَعْتٌ لَهَا. وَيُقْرَأُ شَاذًّا: «كَلِمَةٌ» بِالرَّفْعِ، وَكَشَجَرَةٍ خَبَرُهُ.
وَ (تُؤْتِي أُكُلَهَا) : نَعْتٌ لِلشَّجَرَةِ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ; أَيْ تَرْتَفِعُ مُؤْتِيَةً أُكُلَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) : الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِشَجَرَةٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «اجْتُثَّتْ».
قَالَ تَعَالَى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) : يَتَعَلَّقُ بِيُثَبِّتُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالثَّابِتِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُفْرًا) : مَفْعُولٌ ثَانٍ لِبَدَّلَ.
وَ (جَهَنَّمَ) : بَدَلٌ مِنْ دَارِ الْبَوَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ يَصْلَوْنَ جَهَنَّمَ، أَوْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ.
وَ (يَصْلَوْنَهَا) : تَفْسِيرٌ لَهُ. فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِيَصْلَوْنَهَا مَوْضِعٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ حَالًا مِنْ جَهَنَّمَ، أَوْ مِنَ الدَّارِ، أَوْ مِنْ قَوْمِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (٣١))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُقِيمُوا الصَّلَاةَ) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هُوَ جَوَابُ «قُلْ» وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ; تَقْدِيرُهُ: قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ يُقِيمُوا ; أَيْ إِنْ تَقُلْ لَهُمْ يُقِيمُوا ; قَالَهُ الْأَخْفَشُ.
وَرَدَّهُ قَوْمٌ ; قَالُوا: لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَهُمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقِيمُوا. وَهَذَا عِنْدِي لَا يُبْطِلُ قَوْلَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعِبَادِ الْكُفَّارَ بَلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا قَالَ الرَّسُولُ لَهُمْ: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، أَقَامُوهَا ; وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: «لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا».
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حُكِيَ عَنِ الْمُبَرِّدِ، وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا، يُقِيمُوا ; فَيُقِيمُوا الْمُصَرَّحُ جَوَابُ أَقِيمُوا الْمَحْذُوفِ، وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِإِفْسَادِهِ ; وَهُوَ فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ يُخَالِفُ الشَّرْطَ، إِمَّا فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْفَاعِلِ أَوْ فِيهِمَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ فَهُوَ خَطَأٌ، كَقَوْلِكَ: قُمْ تَقُمْ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ: إِنْ يُقِيمُوا يُقِيمُوا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ الْمُقَدَّرَ لِلْمُوَاجَهَةِ، وَيُقِيمُوا عَلَى لَفْظِ الْغَيْبَةِ ; وَهُوَ خَطَأٌ إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَجْزُومٌ بِلَامٍ مَحْذُوفَةٍ، تَقْدِيرُهُ: لِيُقِيمُوا فَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَجَازَ حَذْفُ اللَّامِ لِدَلَالَةِ «قُلْ» عَلَى الْأَمْرِ.
وَ (يُنْفِقُوا) مِثْلَ يُقِيمُوا.
(سِرًّا وَعَلَانِيَةً) : مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دَائِبَيْنِ) : حَالٌ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) : يُقْرَأُ بِإِضَافَةِ «كُلِّ» إِلَى «مَا» فَمِنْ عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ زَائِدَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ مَا سَأَلْتُمُوهُ.
وَ (مَا) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَمَصْدَرِيَّةً، وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ. وَيُقْرَأُ بِتَنْوِينِ «كُلِّ» فَمَا سَأَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا مَفْعُولُ آتَاكُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آمِنًا) : مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَ «الْبَلَدَ» وَصْفُ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ.
وَ (اجْنُبْنِي) : يُقَالُ: جَنَبْتُهُ وَأَجْنَبْتُهُ وَجَنَّبْتُهُ.
وَقَدْ قُرِئَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ النُّونِ.
(أَنْ نَعْبُدَ) : أَيْ عَنْ أَنْ نَعْبُدَ، وَقَدْ ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْإِعْرَابِ مِرَارًا.
قَالَ تَعَالَى: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ عَصَانِي) : شَرْطٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ: «فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ لَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي يُوسُفَ.
قَالَ تَعَالَى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ ذُرِّيَّتِي) : الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ ذَرِّيَّةً مِنْ ذُرِّيَّتِي، وَيُخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ أَنْ تَكُونَ «مِنْ» زَائِدَةً.
(عِنْدَ بَيْتِكَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِـ «وَادٍ» وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْهُ. (لِيُقِيمُوا) : اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَسْكَنْتُ. وَ (تَهْوِي) : مَفْعُولٌ ثَانٍ لِاجْعَلْ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَمَاضِيهِ هَوِيَ وَمَصْدَرُهُ الْهَوَى. وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْأَلِفِ بَعْدَهَا، وَمَاضِيهِ هَوِيَ يَهْوَى هَوًى، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلَّا أَنَّ هَوَى يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَهَوِيَ يَتَعَدَّى بِإِلَى، إِلَّا أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ عُدِّيَتْ بِإِلَى حَمْلًا عَلَى تَمِيلُ.
قَالَ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَى الْكِبَرِ) : حَالٌ مِنَ الْيَاءِ فِي «وَهَبَ لِي».
قَالَ تَعَالَى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ فِي «اجْعَلْنِي» وَالتَّقْدِيرُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ) : يُقْرَأُ بِالنُّونِ عَلَى التَّعْظِيمِ، وَبِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
(لِيَوْمٍ) أَيْ لِأَجْلِ جَزَاءِ يَوْمٍ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى إِلَى.
قَالَ تَعَالَى: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُهْطِعِينَ) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْأَبْصَارِ ; وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: تَشْخَصُ فِيهِ أَصْحَابُ الْأَبْصَارِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: شَخَصَ زَيْدٌ بَصَرَهُ ; أَوْ تَكُونُ الْأَبْصَارُ دَلَّتْ عَلَى أَرْبَابِهَا، فَجَعَلَتِ الْحَالَ مِنَ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: تَرَاهُمْ مُهْطِعِينَ.
(مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) : الْإِضَافَةُ غَيْرُ مَحْضَةٍ ; لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ أَوْ حَالٌ. (لَا يَرْتَدُّ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُقْنِعِي، أَوْ بَدَلٌ مِنْ مُقْنِعِي، وَ (طَرْفُهُمْ) : مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: مَا طَرَفَتْ عَيْنُهُ، وَلَمْ يَبْقَ عَيْنٌ تَطْرُفُ، وَقَدْ جَاءَ مَجْمُوعًا. وَ (
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْضًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ «يَرْتَدُّ» أَوْ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْعَوَامِلِ الصَّالِحَةِ لِلْعَمَلِ فِيهَا.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَفْرَدَ «هَوَاءٌ»، وَهُوَ خَبَرٌ لِجَمْعٍ؟. قِيلَ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى هَوَاءٍ هَاهُنَا فَارِغَةً مُتَخَرِّفَةً، أُفْرِدَ، كَمَا يَجُوزُ إِفْرَادُ فَارِغَةٍ ; لِأَنَّ تَاءَ التَّأْنِيثِ فِيهَا تَدُلُّ عَلَى تَأْنِيثِ الْجَمْعِ الَّذِي فِي «أَفْئِدَتِهِمْ» وَمِثْلُهُ: أَحْوَالٌ صَعْبَةٌ، وَأَفْعَالٌ فَاسِدَةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
(يَوْمَ يَأْتِيهِمُ) : هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَنْذِرْ ; وَالتَّقْدِيرُ: وَأَنْذِرْهُمْ عَذَابَ يَوْمٍ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا ; لِأَنَّ الْإِنْذَارَ لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) : فَاعِلُهُ مُضْمَرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ; أَيْ تَبَيَّنَ لَكُمْ حَالُهُمْ.
وَ (كَيْفَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «فَعَلْنَا» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلَ «تَبَيَّنَ» لِأَمْرَيْنِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ كَيْفَ لَا تَكُونُ إِلَّا خَبَرًا، أَوْ ظَرْفًا أَوْ حَالًا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ) : أَيْ عِلْمُ مَكْرِهِمْ، أَوْ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ ; فَحُذِفَ الْمُضَافُ.
(لِتَزُولَ مِنْهُ) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ لَامُ كَيْ، فَعَلَى هَذَا فِي «إِنْ» وَجْهَانِ ;
أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى مَا ; أَيْ مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِإِزَالَةِ الْجِبَالِ ; وَهُوَ تَمْثِيلُ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ مَكَرُوا لِيُزِيلُوا مَا هُوَ كَالْجِبَالِ فِي الثُّبُوتِ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَكْرِ بَاطِلٌ. وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَضَمِّ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ عَلَى هَذَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ لِلتَّوْكِيدِ.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِفَتْحِ اللَّامَيْنِ، وَذَلِكَ عَلَى لُغَةِ مَنْ فَتَحَ لَامَ كَيْ ; وَ «كَانَ» هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّامَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّاقِصَةَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) : الرُّسُلُ: مَفْعُولٌ أَوَّلُ، وَالْوَعْدُ: مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَإِضَافَةُ مُخْلِفٍ إِلَى الْوَعْدِ اتِّسَاعٌ ; وَالْأَصْلُ مُخْلِفٌ رُسُلَهُ وَعْدَهُ ; وَلَكِنْ سَاغَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَفْعُولًا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ:
يَا سَارِقَ اللَّيْلَةِ أَهْلَ الدَّارِ قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ) : يَوْمَ هُنَا ظَرْفٌ لِـ «انْتِقَامٍ» أَوْ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيِ اذْكُرْ يَوْمَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِمُخْلِفٍ وَلَا لِوَعْدِهِ ; لِأَنَّ مَا قَبْلَ إِنَّ لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهَا ; وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُلَخَّصَ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا يَعْمَلُ فِي الظَّرْفِ ; أَيْ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ يَوْمَ تُبَدَّلُ.
(وَالسَّمَاوَاتُ) : تَقْدِيرُهُ: غَيْرُ السَّمَاوَاتِ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.
(وَبَرَزُوا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ; أَيْ وَيَبْرُزُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْأَرْضِ، وَ «قَدْ» مَعَهُ مُرَادَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مُقَرَّنِينَ». وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَعْلِ الْقَطِرَانِ كَلِمَةً وَاحِدَةً.
وَيُقْرَأُ «قِطْرٍ آنٍ» كَلِمَتَيْنِ، وَالْقِطْرُ: النُّحَاسُ، وَالْآنِي: الْمُتَنَاهِي الْحَرَارَةِ.
وَ
(تَغْشَى) : حَالٌ أَيْضًا.
قَالَ تَعَالَى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٥١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيَجْزِيَ) : أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِلْجَزَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِبَرَزُوا.
قَالَ تَعَالَى: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) : الْمَعْنَى: الْقُرْآنُ بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِلْإِنْذَارِ، فَتَتَعَلَّقُ اللَّامُ بِالْبَلَاغِ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ إِذَا جَعَلْتَ لِلنَّاسِ صِفَةً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَلِيُنْذَرُوا بِهِ أُنْزِلَ أَوْ تَلِيَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
Icon