تفسير سورة الطور

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الطور من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٥٢ شرح إعراب سورة الطور

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الطور (٥٢) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالطُّورِ (١)
خفض بواو القسم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢]
وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢)
واو عطف، وليست واو قسم. قال الضّحاك وقتادة: مَسْطُورٍ مكتوب. وأجاز النحويون: مصطور تقلب السين صادا تقريبا إلى الطاء.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣]
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣)
من صلة مسطور أي كتب في رق به وقال الراجز:
٤٣٨-
إنّي وأسطار سطرن سطرا
«١»
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤]
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤)
عطف أي المعمور بمن يدخله. يقال: عمر المنزل فهو عامر، وعمرته فهو معمور، وإن أردت متعدي عمر المنزل قلت: أعمرته.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٥ الى ٨]
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) معطوف، وكذا وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦). وجواب القسم إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) قال قتادة: أي يوم القيامة أي حالّ بالكافرين.
(١) الشاهد لرؤبة في ديوانه ١٧٤، وخزانة الأدب ٢/ ٢١٩، والخصائص ١/ ٣٤٠، والدرر ٤/ ٢٢، وشرح شواهد الإيضاح ٢٤٣، وشرح المفصّل ٢/ ٣، ولسان العرب (نصر)، وبلا نسبة في أسرار العربية ٢٩٧، والأشباه والنظائر ٤/ ٨٦، والدرر ٦/ ٢٦، ولسان العرب (سطر)، ومغني اللبيب ٢/ ٣٨٨، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٠٩، والمقتضب ٤/ ٢٠٩، وهمع الهوامع ٢٤٧.

[سورة الطور (٥٢) : آية ٩]

يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩)
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تحرّكا. قال أبو جعفر: يقال: مار الشيء إذا دار، وينشد بيت الأعشى: [البسيط] ٤٣٩-
كأنّ مشيتها من بيت جارتها مور السّحابة لا ريث ولا عجل
«١» ويروى عن ابن عباس: تمور تشقّق.
[سورة الطور (٥٢) : آية ١٠]
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ أي من أمكنتها سَيْراً.
[سورة الطور (٥٢) : آية ١١]
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١)
دخلت هذه الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة، ومثله فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالتقدير إذا انتبهت له فهو كذا وكذا الآية التقدير فيها إذا كان هذا فويل يومئذ للمكذّبين.
[سورة الطور (٥٢) : آية ١٢]
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)
أي في فتنة واختلاط يلعبون أي غافلين عما يراد بهم، والَّذِينَ في موضع خفض نعته للمكذبين.
[سورة الطور (٥٢) : آية ١٣]
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣)
نصب يوم على البدل من يومئذ. وروى قابوس عن أبيه عن ابن عباس يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا «٢» قال: يدفع في أعناقهم حتّى يردّوا إلى النار.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١٤ الى ١٥]
هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥)
أي يقال لهم فحذف هذا.
[سورة الطور (٥٢) : آية ١٦]
اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)
اصْلَوْها أي قاسوا حرّها وشدّتها. فَاصْبِرُوا أَوْ لا أي على ألمها وشدّتها.
تَصْبِرُوا سَواءٌ مبتدأ أي سواء عليكم الصبر والجزع. عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
(١) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ١٠٥، ولسان العرب (مور)، وتهذيب اللغة ١/ ٣٧٢، و ٢/ ٢٥٦، وتاج العروس (مور).
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤٥. [.....]

[سورة الطور (٥٢) : آية ١٧]

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي الّذين اتقوا الله جلّ وعزّ في اجتناب معاصيه وأداء فرائضه. فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ في موضع خبر «إنّ».
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١٨ الى ١٩]
فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩)
فَكِهِينَ على الحال. ويجوز الرفع في غير القرآن على أنه خبر «إنّ» بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ بما أعطاهم ورزقهم وَوَقاهُمْ والمستقبل منه معتلّ من جهتين من فائه ولامه. قال أبو جعفر: فأمّا اعتلاله من فائه فإن الأصل فيه: يوقيه حذفت الواو لأنها بين ياء وكسرة واعتلاله من لامه لأنها سكنت في موضع الرفع ولثقل الضمة فيها، والتقدير: يقال لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) ونصب هَنِيئاً على المصدر. ومعناه بلا أذى ولا غمّ ولا غائلة يلحقكم في أكلكم ولا شربكم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٠]
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)
مُتَّكِئِينَ نصب على الحال. عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ جمع سرير، ويجوز سرر «١» لثقل الضمّة. مَصْفُوفَةٍ نعت. وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ أي قرنّاهم بهنّ. قال أبو عبيدة: الحور شدّة سواد العين وشدّة بياض بياض العين. قال أبو جعفر:
الحور في اللغة البياض، ومنه الخبز الحوّاريّ، وعِينٍ جمع عيناء وهو على فعل أبدل من الضمة كسرة لمجاورتها الياء.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢١]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)
وَالَّذِينَ مبتدأ. آمَنُوا صلته. وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ داخل معه في الصلة أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ خبر الابتداء. وهذه القراءة مأثورة عن عبد الله بن مسعود، وهي متّصلة الإسناد من حديث المفضّل الضبّي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه رد على رجل وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ بالتوحيد فيهما جميعا مقدار عشرين مرة وهذه قراءة الكوفيين وقرأ الحسن وأبو عمرو ذرياتهم «٢» بالجمع فيها جميعا. وقرأ المدنيون وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «٣» والمعاني في هذا متقاربة وإن كان التوحيد القلب إليه أميل لما روي عن عبد الله بن مسعود، وعن ابن عباس وقد احتج أبو عبيد للتوحيد بقوله جلّ وعزّ: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ [مريم: ٥٨]
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤٦، وهذه قراءة أبي السمال.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤٧، وتيسير الداني ١٦٥، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦١٢.
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤٧، وتيسير الداني ١٦٥، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦١٢.
ولا يكون أكثر من ذرية أدم عليه السلام قال: وهذا إجماع فسبيل المختلف فيه أن يردّ إليه وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقال: ألته يألته ولاته يليته إذا نقصه و «من» في عَمَلِهِمْ للتبعيض وفي مِنْ شَيْءٍ بمعنى التوكيد. كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ مبتدأ وخبره أي كل إنسان مرتهن بما عمل لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٢]
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢)
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وهم هؤلاء المذكورون. وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي يشتهونه، وحذفت الهاء لطول الاسم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٣]
يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣)
يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) هذه قراءة أهل الحرمين وأهل المصرين إلّا أبا عمرو ويروى عن الحسن لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ «١». فالرفع من جهتين: أحداهما أن يكون «لا» بمنزلة «ليس». والأخرى أن ترفع بالابتداء وشبّهه أبو عبيد بقوله جلّ وعزّ: لا فِيها غَوْلٌ [الصافات: ٤٧] واختار الرفع. قال أبو جعفر: وليس يشبهه عند أحد من النحويين علمته لأنك إذا فصلت لم يجز إلّا الرفع، وكذا لا فِيها غَوْلٌ وإذا لم تفصل جاز الرفع والنصب بغير تنوين فكذلك لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ ولو كانا كما قال واحدا لم يجز. لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ وقد قرأ به أبو عمرو بن العلاء وهو جائز حسن عند الخليل وسيبويه وعيسى بن عمر والكسائي والفراء ونصبه على التبرية عند الكوفيين. فأما البصريون فإنهم جعلوا الشيئين شيئا واحدا.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٤]
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ أي في الصفاء. مَكْنُونٌ فهو أصفى له وأخلص بياضا.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٥]
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥)
روى ابن طلحة عن ابن عباس قال: هذا عند النفخة الثانية.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٦]
قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦)
خبر كان أي قبل هذا وجعلت «قبل» غاية...
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٧]
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧)
منّ الله عليهم بغفران الصغائر وترك المحاسبة لهم بالنعم المستغرقة للأعمال،
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤٧، وتيسير الداني ٦٩، قال (بالنصب من غير تنوين في الكلّ والباقون بالرفع والتنوين).
كما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل أحد الجنّة بعمله» قيل: ولا أنت يا رسول الله قال:
«ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله منه برحمته» «١».
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٨]
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)
هذه قراءة أبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة، وقرأ أبو جعفر ونافع والكسائي إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ «٢» قال أبو جعفر: والكسر أبين لأنه إخبار بهذا فالأبلغ أن يبتدأ، والفتح جائز ومعناه ندعوه لأنه أو بأنه. وقد عارض أبو عبيد هذه القراءة لأنه اختار الكسر ولأن معناها ندعوه لهذا، وهذه المعارضة لا توجب منع القراءة بالفتح لأنهم يدعونه لأنه هكذا. وهذا له جلّ وعزّ دائم لا ينقطع. فنظير هذا لبّيك أنّ الحمد والنعمة لك، بفتح إن وكسرها. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ قال: اللطيف بعباده، وقال غيره: الرحيم بخلقه ولا يعذّبهم بعد التوبة.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٩]
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩)
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ قال أبو إسحاق: أي لست تقول قول الكهان.
وَلا مَجْنُونٍ عطف على بكاهن، ويجوز النصب على الموضع في لغة أهل الحجاز، ويجوز الرفع في لغة بني تميم على إضمار مبتدأ.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٠]
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ على إضمار مبتدأ. نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قال أبو جعفر: قد ذكرناه.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣١]
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)
قُلْ تَرَبَّصُوا أي تمهّلوا وانتظروا. فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ حتّى يأتي أمر الله جلّ وعزّ فيكم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٢]
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢)
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا قال ابن زيد: كانوا في الجاهلية يسمّون أهل الأحلام فالمعنى أم تأمرهم أحلامهم بأن يعبدوا أوثانا صمّا بكما، وقيل: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ أن يقولوا لمن جاءهم بالحق والبراهين والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. وزعم الفراء أن الأحلام هاهنا العقول والألباب أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ
(١) أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٢٥٦، وذكره ابن حجر في فتح الباري ٢/ ٣٣٢.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤٧، وهذه قراءة الحسن أيضا، وتيسير الداني ١٦٥.
أي لم تأمرهم أحلامهم بهذا بل جاوزوا الإيمان إلى الكفر.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٣]
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)
أي ليس يأتون ببرهان أنه تقوّل واختلقه بل لا يصدّقون والكوفيون يقولون إنّ «بل» لا تكون إلا بعد نفي فهم يحملون الكلام على هذه المعاني فإن لم يجدوا ذلك لم يجيزوا أن يأتي بعد الإيجاب.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٤]
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤)
أي إن كانوا صادقين في أنه تقوّله فهم أهل اللسان واللغة فليأتوا بقرآن مثله.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٥]
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ فيه أجوبة فمن أحسنها أم خلقوا من غير أب ولا أم فيكونوا حجارة لا عقول لهم يفهمون بها. وقيل المعنى: أم خلقوا من غير صانع صنعهم فهم لا يقبلون من أحد. أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ أي هم الأرباب فللربّ الأمر والنهي.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٦]
أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦)
أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي هل هم الذين خلقوا السموات والأرض فلا يقرّوا بمن لا يشبهه شيء بَلْ لا يُوقِنُونَ قيل المعنى لا يعلمون ولا يستدلّون، وقيل: فعلهم فعل من لا يعلم. ومن أحسن ما قيل فيه أنّ المعنى: لا يوقنون بالوعيد وما أعدّ الله جلّ وعزّ من العذاب للكفّار يوم القيامة فهم يكفرون ويعصون لأنهم لا يوقنون بعذاب ذلك.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٧]
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أي فيستغنوا بها. أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المسيطرون المسلّطون. والمسيطر «١» في كلام العرب المتجبّر المتسلط المستكبر على الله جلّ وعزّ، مشتقّ من السطر كأنه الذي يخطر على الناس منعه مما يريد. وأصله السين ويجوز قلب السين صادا لأن بعدها طاء، وعلى هذا السواد في هذا الحرف.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٨]
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)
(١) انظر تيسير الداني ١٦٥، والبحر المحيط ٨/ ١٤٩ (قراءة الجمهور بالصاد وهشام وقنبل وحفص بالسين).
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ أي يستمعون فيه الوحي من السماء فيدّعون أنّ الذي هم عليه قد أوحى به فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجّة بيّنة كما أتى بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٩]
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)
كما تقولون فتلك قسمة جائرة.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٠]
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠)
مَغْرَمٍ مصدر أي أم تسألهم مالا فهم من أن يغرموا شيئا مثقلون أي يثقل ذلك عليهم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤١]
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أي هم لا يعلمون الغيب فكيف يقولون: لا نؤمن برسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويقولون شاعر نتربّص به ريب المنون؟ فَهُمْ يَكْتُبُونَ أي يكتبون للناس من الغيب ما أرادوا، ويخبرونهم به.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٢]
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢)
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً أي احتيالا على إذلال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإهلاكه وعلى المؤمنين. فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ أي المذلّون المهلكون الصابرون إلى عذاب الله جلّ وعزّ.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٣]
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ أي معبود يستحقّ العبادة. سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تنزيها لله جلّ وعزّ مما يعبدونه من دونه.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٤]
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً جمع كسفة مثل سدرة وسدر. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس كسفا قال: يقول: قطعا يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ على إضمار مبتدأ أي يقولوا: هذا الكسف سحاب مركوم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٥]
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥)
فَذَرْهُمْ من يذر حذفت منه الواو وإنما تحذف من يفعل لوقوعها بين ياء وكسرة أو من يفعل إذا كان فيه حرف من حروف الحلق وليس في «يذر» من هذا شيء يوجب حذف الواو، وقال أبو الحسن بن كيسان: حذفت منه الواو لأنه بمعنى يدع فأتبعه.
حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ وقرأ الحسن وعاصم يُصْعَقُونَ «١» قال الحسن أي
(١) انظر تيسير الداني ١٦٥، والبحر المحيط ٨/ ١٥٠، (عاصم وابن عامر بضمّ الياء والباقون بفتحهما).
يماتون، وحكى الفراء «١» عن عاصم يُصْعَقُونَ وهذا لا يعرف عنه قال: يقال: صعق يصعق، وهي لغة معروفة كما قرأ الجميع فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر: ٦٨] ولم يقرءوا فصعق، ويقال: صعق يصعق وأصعق متعدّي صعق.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٦]
يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦)
يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً بدل من اليوم الأول. وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي ولا يستقيد لهم أحد ممن عاقبهم ولا يمنع منهم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٧]
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ أجلّ ما قيل فيه إسنادا ما رواه أبو إسحاق عن البرآء وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ قال: عذاب القبر. وقال ابن زيد: المصائب في الدنيا، ومعنى دُونَ ذلِكَ دون يوم يصعقون وهو يوم القيامة. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي لا يعلمون أنّهم ذائقوا ذلك العذاب، وقيل: فعلهم فعل من لا يعلم.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٨]
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي لحكمه الذي قضى عليك وامض لأمره ونهيه وبلّغ رسالته فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا أي نراك ونرى عملك ونحوطك ونحفظك، وجمعت عين على أعين، وهي مثل بيت، ولا يقال: أبيت لثقل الضمة في الياء إلّا أن هذا جاء في عين لأنّها مؤنثة. وأفعل في جمع المؤنث كثير. قالوا شمال أشمل وعناق أعنق. وقد قيل: أعيان كأبيات وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ في معناه أقوال فقول الضّحاك إنّ معناه حين تقوم إلى الصلاة بعد تكبيرة الإحرام، تقول: سبحانك اللهمّ وبحمدك تبارك واسمك وتعالى جدّك، وقيل التسبيح هاهنا تكبيرة الإحرام التي لا تتمّ الصلاة إلا بها، لأن معنى التسبيح في اللغة تنزيه الله جلّ وعزّ من كل سوء نسبه إليه المشركون وتعظيمه، ومن قال: الله أكبر فقد فعل هذا، وقول ثالث يكون المعنى حين تقوم من نومك، ويكون هذا يوم القائلة يعني صلاة الظهر لأن المعروف من قيام الناس من نومهم إلى الصلاة إنما هو من صلاة الفجر، وصلاة الظهر وصلاة الفجر مذكورة بعد هذا. فأما قول الضّحاك إنه في افتتاح الصلاة فبعيد لاجتماع الحجة لأن الافتتاح في الصلاة غير واجب ولو أمر الله جلّ وعزّ به لكان واجبا إلّا أن تقوم الحجة أنّه على الندب والإرشاد.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٩]
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ قال ابن زيد: صلاة العشاء، وقال غيره: صلاة المغرب والعشاء
(١) انظر معاني الفراء ٦١٣.
177
وَإِدْبارَ النُّجُومِ فيه قولان: أحدهما أنه لركعتي الفجر، وقال الضّحاك وابن زيد: صلاة الصبح. قال وهذا أولى لأنه فرض من الله تعالى. ونصب وَإِدْبارَ النُّجُومِ على الظرف أي وسبّحه وقت إدبار النجوم، كما: أنا أتيك مقدم الحاجّ، ولا يجوز أنا أتيك مقدم زيد، إنما يجوز هذا فيما عرف. وهذا قول الخليل وسيبويه.
178
Icon