تفسير سورة الإنفطار

نظم الدرر
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور المعروف بـنظم الدرر .
لمؤلفه برهان الدين البقاعي . المتوفي سنة 885 هـ
سورة الانفطار١
مقصودها التحذير من٢ الانهماك في الأعمال السيئة اغترارا بإحسان الرب وكرمه ونسيانا ليوم الدين الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير، ولا تغني فيه نفس عن نفس شيئا، واسمها الانفطار أدل ما فيها على ذلك ﴿ بسم الله ﴾ الذي له الجلال كما أن له٣ الجمال ﴿ الرحمن ﴾ الذي عم بالرحمة ليشكر فغر ذلك أهل الضلال ﴿ الرحيم* ﴾ الذي خص من أراد بالتوفيق لما يرضى من الخصال.
١ الثانية والثمانون من سور القرآن الكريم، مكية، وعدد آيها ١٩..
٢ من م، وفي الأصل و ظ: عن..
٣ زيد في الأصل و ظ: الكمال و، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها..

ولما ختمت التكوير بأنه سبحانه لا يخرج عن مشيئته وأنه موجد الخلق ومدبرهم، وكان من الناس من يعتقد أن هذا العالم هكذا بهذا الوصف لا آخر له «أرحام تدفع وأرض تبلع ومن مات فات وصار إلى الرفات ولا عود بعد الفوات» افتتح الله سبحانه هذه بما يكون مقدمة لمقصود التي قبلها من أنه لا بد من نقضه لهذا العالم وإخرابه ليحاسب الناس فيجزي كلاًّ منهم من المحسن والمسيء بما عمل فقال: ﴿إذا السماء﴾ أي على شدة إحكامها واتساقها وانتظامها ﴿انفطرت *﴾
298
أي انشقت شقوقاً أفهم سياق التهويل أنه صار لبابها أطراف كثيرة فزال ما كان لها من الكرية الجامعة للهواء الذي الناس فيه كالسمك في الماء، فكما أن الماء إذا انكشف عن الحيوانات البحرية هلكت، كذلك يكون الهواء مع الحيوانات البرية، فلا تكون حياة إلا ببعث جديد ونقل عن هذه الأسباب، ليكون الحساب بالثواب والعقاب.
ولما كان يلزم من انفطارها وهيها وعدم إمساكها لما أثبت بها ليكون ذلك أشد تخويفاً لمن تحتها بأنهم يترقبون كل وقت سقوطها أو سقوط طائفة منها فوقهم فيكونون بحيث لا يقر لهم قرار، قال: ﴿وإذا الكواكب﴾ أي النجوم الصغار والكبار كلها الغراء الزاهرة المتوقدة توقد النار المرصعة ترصيع المسامير في الأشياء المتماسكة التي دبر الله في دار الأسباب بها الفصول الأربعة والليل والنهار، وغير ذلك من المقاصد الكبار، وكانت محفوظة بانتظام السماء ﴿انتثرت *﴾ أي تساقطت متفرقة كما يتساقط الدر من السلك إذا انقطع تساقطاً كأنه لسرعته لا يحتاج إلى فعل فاعل لقوة تداعيه إلى التساقط.
ولما كان إخباره بما دل على وهي السماء مشعراً بوهي الأرض لأنها أتقن منها وأشرف إذ هي للأرض بمنزلة الذكر للأنثى،
299
وكان الانفعال ربما أوهم أن ذلك يكون بغير فاعل، صرح بوهي الأرض معبراً بالبناء للمفعول دلالة على أن الكل بفعله، وأن ذلك عليه يسير، فقال مخبراً بانفطار الأراضي أيضاً ليجمع بين التخويف بالمطل والترويع بالمقل: ﴿وإذا البحار﴾ المتفرقة في الأرض وهي ضابطة لها أتم ضبط لنفع العباد على كثرتها ﴿فجرت *﴾ أي تفجيراً كثيراً بزوال ما بينها من البرازخ الحائلة، وقال الربيع: بفيضها وخروج مائها عن حدوده فاختلط بعضها ببعض من ملحها وعذبها فصارت بحراً واحداً، فصارت الأرض كلها ماء ولا سماء ولا أرض فأين المفر.
ولما كان ذلك مقتضياً لغمر القبور فأوهم أن أهلها لا يقومون كما كان العرب يعتقدون أن من مات فات، قال دافعاً لذلك على نمط كلام القادرين إشارة إلى سهولة ذلك عليه: ﴿وإذا القبور﴾ أي مع ذلك كله ﴿بعثرت﴾ أي نبش ترابها على أسهل وجه عن أهلها فقاموا أحياء كما كانوا، فرأوا ما أفظعهم وهالهم وروّعهم.
ولما كانت هذه الشروط كلها التي جعلت أشراطاً على الساعة موجبة لعلوم دقيقة، وتكشف كل واحدة منها عن أمور عجيبة، وكانت
300
كلها دالة على الانتقال من هذه الدار إلى دار أخرى لخراب هذه الدار، ناسب أن يجيب «إذ» بقوله: ﴿علمت نفس﴾ أي جميع النفوس بالإنباء بالحساب وبما يجعل لها سبحانه بقوة التركيب من ملكة للاستحضار كما قال تعالى: ﴿فكشفنا عنك غطاءك﴾ والدال على إرادة العموم التعبير بالتنكير في سياق التخويف والتحذير مع العلم بأن النفوس كلها في علم مثل هذا وجهله على حد سواء، فمهما ثبت للبعث ثبت للكل، ولعله نكر إشارة إلى أنه ينبغي لمن وهبه الله عقلاً أن يجوّز أنه هو المراد فيخاف: ﴿ما قدمت﴾ أي من عمل ﴿وأخرت *﴾ أي جميع ما عملت من خير أو شر أو غيرهما، أو ما قدمت قبل الموت وما أخرت من سنة تبقى بعده.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: هذه السورة كأنها من تمام سورة التكوير لاتحاد القصد فاتصالها بها واضح وقد مضى نظير هذا - انتهى.
ولما كان ذلك خالعاً للقلوب، وكان الإنسان إذا اعتقد البعث قد يقول تهاوناً ببعض المعاصي: المرجع إلى كريم ولا يفعل بي إلا خيراً، أنتج قوله منادياً بأداة البعد لأن أكثر الخلق مع ذلك معرض، منكراً سبحانه وتعالى على من يقول هذا اغتراراً بخدع الشيطان إنكاراً يهد
301
الأركان: ﴿يا أيها الإنسان﴾ أي البشر الآنس بنفسه الناسي لما يعنيه ﴿ما غرك﴾ أي أدخلك في الغرة، وهي أن ترى فعلك القبيح حسناً أو ترى أنه يعفى عنك لا محالة، وذلك بمعنى قراءة سعيد بن جبير والأعمش: أغرك - بهمزة الإنكار، وتزيد المشهورة معنى التعجب ﴿بربك﴾ أي المحسن إليك الذي أنساك إحسانه ما خلقت له من خلاص نفسك بعمل ما شرعه لك.
ولما كان التعبير بالرب مع دلالته على الإحسان يدل على الانتقام عند الإمعان في الإجرام لأن ذلك شأن المربي، فكان ذلك مانعاً من الاغترار لمن تأمل، أتبعه ما هو كذلك أيضاً ظاهره لطف وباطنه جبروت وقهر، فقال للمبالغة في المنع عن الاغترار، ﴿الكريم *﴾ أي الذي له الكمال كله المقتضي لئلا يهمل الظالم بل يمهله، ولا يسوي بين المحسن والمسيء والموالي والمعادي والمطيع والعاصي، المقتضي لأن يبالغ في التقرب إليه بالطاعة شكراً له، وأن لا يعرض أحد عنه لأن بيده كل شيء ولا شيء بيد غيره، فيجب أن يخشى شدة بطشه لأنه كذلك يكون المتصف بالكرم لا يكون إلا عزيزاً، فإنه يكون شديد الحلم عظيم السطوة عند انتهاك حرمته بعد ذلك الحلم فإنه يجد أعواناً كثيرة على مراده، ولا يجد المعاقب عذراً في تقصيره بخلاف اللئيم
302
فإنه لا يجد أعواناً فلا يشتد أخذه، فصار الإنكار بواسطة هذين الوصفين أشد وأغلظ من هذه الجهة، ومن جهة أنه كان ينبغي أن يستحيي من المحسن الذي لا تكدير في إحسانه بوجه، فلا يعصى له أمر ولا يفرط له في حق، ومع ذلك ففي ذكر هذين الوصفين تلقين الحجة، قال أبو بكر الوراق: لو سألني لقلت: غرني كرم الكريم وحلمه، وقال علي رضي الله عنه: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه، وقال الإمام الغزالي في شرحه للأسماء: هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجا، ولا يبالي لمن أعطى ولا كم أعطى، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفى عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به وإليه التجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء.
ولما ذكر هذين الوصفين الدالين على الكمالين، بالجلال، دل عليهما تقريراً لهما بإفاضة الجود في التربية بوصف الجمال بالإكرام لئلا يعتقد الإنسان بما له من الطغيان أنه حر مالك لنفسه يفعل ما يشاء فقال: ﴿الذي خلقك﴾ أي أوجدك من العدم مهيئاً لتقدير الأعضاء ﴿فسوّاك﴾ عقب تلك الأطوار بتصوير الأعضاء والمنافع بالفعل ﴿فعدلك *﴾ أي جعل كل شيء من ذلك سليماً مودعاً فيه قوة المنافع التي خلقه الله لها، وعدل المزاج حتى قبل الصورة، والتعديل جعل البنية
303
متناسبة الخلقة، وكذا العدل في قراءة الكوفيين بالتخفيف أي فأمالك عن تشويه الخلقة وتقبيح الصورة، وجعلك معتدلاً في صورتك، وكل هذا يقتضي غاية الشكر والخوف منه إن عصى، لأنه كما قدر على التسوية يقدر على التشويه وغيره من العذاب.
304
ولما أضاء بهذا إضاءة الشمس أنه عظيم القدرة على كل ما يريد، أنتج قوله معلقاً ب «ركب» :﴿في أيّ صورة﴾ من الصور التي تعرفها والتي لا تعرفها من الدواب والطيور وغير ذلك من الحيوان، ولما كان المراد تقرير المعنى غاية التقرير، أثبت النافي في سياق الإثبات لينتفي ضد ما أثبته الكلام فيصير ثبات المعنى على غاية من القوة التي لا مزيد عليها، فقال: ﴿ما شاء ركبك *﴾ أي ألف تركيب أعضائك وجمع الروح إلى البدن، روى الطبراني في معاجمه الثلاثة برجال ثقات عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أراد الله جل اسمه أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعصب منها، فلما كان اليوم السابع أحضر الله له كل عرق بينه وبين آدم، ثم قرأ ﴿في أي صورة ما شاء ركبك﴾ [الانفطار: ٨] » فتحرر بهذا الإنسان رقيق رقاً لازماً، ومن خلع ربقة ذلك الرق اللازم وكل إلى نفسه فهلك.
304
ولما أوضح سبحانه غاية الإيضاح الدليل على قدرته على الإعادة بالابتداء، وبين تعالى أنه ما أوجب للإنسان، الخسار بنسيان هذا الدليل الدال على تلك الدار إلا الاغترار، وكان الاغترار يطلق على أدنى المعنى، بين أنه ارتقى به الذروة فقال: ﴿كلا﴾ أي ما أوقعكم أيها الناس في الإعراض عمن يجب الإقبال عليه ويقبح غاية القباحة الإعراض بوجه عنه مطلق الغرور ﴿بل﴾ أعظمه وهو أنكم ﴿تكذبون﴾ أي على سبيل التجديد بتحدد إقامة الأدلة القاطعة وقيام البراهين الساطعة ﴿بالدين *﴾ أي الجزاء الذي وظفه الله في يوم البعث، فارجعوا عن الغرور مطلقاً خاصاً وعاماً، وارتدعوا غاية الارتداع ﴿وإنّ﴾ أي والحال أن ﴿عليكم﴾ أي ممن أقمناهم من جندنا من الملائكة ﴿لحافظين *﴾ لهم على أعمالكم غاية العلو فهم بحيث لا يخفى عليهم منها جليل ولا حقير.
ولما أثبت لهم الحفظ، نزههم عن الزيادة والنقص فقال: ﴿كراماً﴾ أي فهم في غاية ما يكونون من طهارة الأخلاق والعفة والأمانة.
ولما ثبت الحفظ والأمانة بغاية الإبانة، وكان الحافظ ربما
305
ينسى قال: ﴿كاتبين *﴾ أي هم راسخون في وصف الكتابة يكتبونها في الصحف كما يكتب الشهود بينكم العهود ليقع الجزاء على غاية التحرير.
ولما أفهم الاستعلاء والتعبير بالوصف إحاطة الاطلاع على ما يبرز من الأعمال، صرح به فقال: ﴿يعلمون﴾ أي على التجدد والاستمرار ﴿ما تفعلون *﴾ أي تجددون فعله من خير وشر بالعزم الثابت والداعية الصادقة سواء كان مبنياً على علم أو لا، فكيف يكون مع هذا تكذيب بالجزاء على النقير والقطمير هل يكون إحصاء مثاقيل الذر من أعمالكم عبثاً وهل علمتم بملك يكون له رعية يتركهم هملاً فلا يحاسبهم على ما في أيديهم وما عملوه، ولأجل تكذيبهم بالدين أكد المعنى المستلزم له وهو أمر الحفظة غاية التأكيد، والتعبير بالمستقبل يدل على أنهم يعلمون كل ما انقدح في القلب وخطر في الخاطر قبل أن يفعل، وأما ما لم يجر في النفس له ذكر فلا يعلمونه كما بينه حديث:
«ومن هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة».
ولما كانت نتيجة حفظ الأعمال الجزاء عليها، أنتج ذلك بيان ما كانت الكتابة لأجله تفريقاً بين المحسن والمسيء الذي لا يصح في حكمة حكيم ولا كرم كريم غيره بقوله على سبيل التأكيد، لأجل تكذيبهم: ﴿إن الأبرار﴾ أي العاملين بما هو واسع لهم مما يرضي الله
306
جلت قدرته ﴿لفي نعيم *﴾ أي محيط بهم لا ينفك عنهم ولا ينفكون عنه أصلاً في الدنيا في نعيم الشهود، وفي الآخرة في نعيم الرؤية والوجود في هذه الدار معنىً وفي الآخرة حساً، فكل نعيم في الجنة لهم من المنح الآجلة فرقائقه في هذه الدنيا لهم عاجلة ﴿وإنّ الفجار﴾ أي الذي شأنهم الخروج مما ينبغي الاستقرار فيه من رضا الله إلى سخطه ﴿لفي جحيم *﴾ أي نار تتوقد غاية التوقد يصلون بها جحيم العقوبة الفظيعة كما كانوا في الدنيا في جحيم البعد والقطيعة.
ولما كان السياق للترهيب، وصف عذاب الفجار فقال: ﴿يصلونها﴾ أي يغمسون فيها كالشاة المصلية فيباشرون حرها ﴿يوم الدين *﴾ أي الجزاء على الأعمال المضبوطة على مثاقيل الذر. ولما كان العذاب على ما نعهده لا بد أن ينقضي، بين أن عذابه على غير ذلك فقال: ﴿وما﴾ أي والحال أنهم ما ﴿هم عنها﴾ أي الجحيم ﴿بغائبين *﴾ أي بثابت لهم غيبة ما عنها في وقت ما، بل هم فيها خالدون جزاء لأعمالهم وفاقاً وعدلاً طباقاً حتى الآن في دار الدنيا وإن كانوا لا يحسون بها إلا بعد الموت لأن الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.
307
ولما علم أن الوعيد الأعظم يوم الدين، هول أمره بالسؤال عنه إعلاماً بأنه أهل لأن يصرف العمر إلى الاعتناء بأمره والسؤال عن حقيقة حاله سؤال إيمان وإذعان لا سؤال كفران وطغيان، ليكون أقعد في الوعيد به فقال: ﴿وما أدراك﴾ أي أعلمك وإن اجتهدت في طلب الدراية به ﴿ما يوم الدين *﴾ أي أيّ شيء هو في طوله وأهواله وفظاعته وزلزاله. ولما كانت أهواله زائدة على الحد، كرر ذلك السؤال لذلك الحال فقال معبراً بأداة التراخي زيادة في التهويل: ﴿ثم ما أدراك﴾ أي كذلك ﴿ما يوم الدين *﴾.
ولما بين أنه من العظمة بحيث لا تدركه دراية دار وإن عظم وإن اجتهد، لخص أمره في شرح ما يحتمله العقول منه على سبيل الإجمال دافعاً ما قد يقوله بعض من لا عقل له: إن كان انضممت والتجأت إلى بعض الأكابر وقصدت بعض الأماثل فأخلص قهراً أو بشفاعة ونحوها، فقال مبدلاً من «يوم الدين» في قراءة ابن كثير والبصريين بالرفع: ﴿يوم﴾ وهو ظرف، قال الكسائي: العرب تؤثر الرفع إذا أضافوا الليل واليوم إلى مستقبل، وإذا أضافوا إلى فعل ماض آثروا النصب ﴿لا تملك﴾ أي بوجه من الوجوه في وقت ما ﴿نفس﴾ أيّ نفس
308
كانت من غير استثناء، ونصبه الباقون على الظرف، ويجوز أن تكون الفتحة للبناء لإضافته إلى غير متمكن ﴿لنفس شيئاً﴾ أي قل أو جل، وهذا وإن كان اليوم ثابتاً لكنه في هذه الدار بطن سبحانه في الأسباب، فتقرر في النفوس أن الموجودين يضرون وينفعون لأنهم يتكلمون ويبطشون، وأما هناك فالمقرر في النفوس خلاف ذلك من أنه لا يتكلم أحد إلا بإذنه إذناً ظاهراً، ولا يكون لأحد فعل ما إلا بإذنه كذلك، فالأمر كله له دائماً، لكن اسمه الظاهر هناك ظاهر واسمه الباطن هذا مقرر لموجبات الغرور.
ولما كان التقدير: فلا أمر لأحد من الخلق أصلاً، لا ظاهراً ولا باطناً، عطف عليه قوله: ﴿والأمر﴾ أي كله ﴿يومئذ﴾ أي إذ كان البعث للجزاء ﴿لله *﴾ أي مختص به لا يشاركه فيه مشارك ظاهراً كما أنه لا يشاركه فيه باطناً، ويحصل هناك الكشف الكلي فلا يدعي أحد لأحد أمراً من الأمور بغير إذن ظاهر خاص، وتصير المعارف بذلك ضرورية، فلذلك كان الانفطار والزلازل الكبار، والإحصاء لجميع الأعمال الصغار والكبار، وقد رجع أخرها كما ترى إلى أولها، والتف مفصلها بموصلها - والله الهادي للصواب.
309
سورة المطففين
مقصودها شرح آخر الانفطار بأنه لا بد من دينونة العباد يوم التناد بإسكان الأولياء أهل الرشاد دار النعيم، والأشقياء أهل الضلال والعناد غار الجحيم، ودل على ذلك بانه مربيهم والمحسن إليهم بعموم النعمة، ولا يتخيل عاقل أن أحدا يربي أحدا من غير سؤال عما حمله إياه وكلفه به ولا أنه لا ينصف بعض من يربيهم من بعض، واسمها التطفيف أدل ما فيها على ذلك) بسم الله (الذي له الحكمة البالغة والقدرة الكاملة) الرحمن (الذي عم بنعمة الإيجاد والبيان الشاملة) الرحيم (الذي أكرم حزبه بالتوفيق لحسن المعاملة.
310
Icon