تفسير سورة الإنفطار

تفسير الثعالبي
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي .
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
مكية وآياتها ١٩.

تفسير سورة «الانفطار»
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ أي: انشقَّتْ، وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ أي:
تساقَطَتْ، وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ قيل: فُجِّرَ بعضُها إلى بعضٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ تَفَجَّرتْ من أعاليها، ويحتملُ أن يكون تفجيرَ تفريغٍ من قيعَانِها/ فَيُذْهِبُ اللَّهُ ماءَها حيث شاء، وبكلٍ قيل، وبعثرةُ القبورِ: نبشها عن الموتى.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٥ الى ٧]
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧)
وقوله سبحانه: عَلِمَتْ نَفْسٌ هو جوابُ إِذَا ونَفْسٌ هنا اسمُ جنسٍ، وقال كثيرٌ من المفسرينَ في معنى قوله: مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ إنها عبارةٌ عن جميع الأعمالِ من طاعة أو معصية.
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ رُوِيَ أَنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَرَأَهَا، فقال: «غَرَّهُ جَهْلُهُ» «١»، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَرْحَمَهُ بِعِبادِهِ، قال الثعلبيُّ: قال أَهْلُ الإشارةِ: إنّما قال:
(١) قال الزيلعي في «تخريج الأحاديث والآثار» (٤/ ١٦٧) (١٤٦٤)، وقال: رواه الثعلبي: أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه- واسمه الحسين بن محمّد- ثنا أبو علي بن حنش المقري، ثنا أبو القاسم بن الفضل المقري، ثنا علي بن الحسين المقدمي، وعلي بن هاشم قالا: ثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برقان، ثنا صالح بن مسمار قال: بلغني أن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ قال: «غره جهله».
وعن الثعلبي رواه الواحدي في «تفسيره الوسيط» بسنده ومتنه.
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام، في كتاب «فضائل القرآن» حدثنا كثير بن هشام وذكره سواه إلا أنه قال:
«غره حلمه»، والنسخة صحيحة.
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، دونَ سائر أسمائِه تعالى وصفاته، كأنه لَقَّنَهُ جَوَابَهُ حتى يقولَ: غَرَّنِي كَرَمُكَ، انتهى، وقرأ الجمهور: «فعدّلك» وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نَظَر إلى الهلالِ قال: «آمنتُ بالذي خلقَك فسوَّاك فَعَدَلَك» وقرأ حمزة والكسائي وعاصم بتخفيفِ الدال «١»، والمعنى عَدَّلَ أعضَاءَك بعضَها ببعضٍ، أي: وازن بينها.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٨ الى ١٤]
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)
وقوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شاءَ رَكَّبَكَ ذهبَ الجمهورُ إلى أن «في» متعلِّقة ب «ركَّبك»، أي: في صورةٍ حسنةٍ أو قبيحةٍ، أو سليمةٍ، أو مشوهةٍ، ونَحْو هذا، و «ما» في قوله: مَّا شاءَ رَكَّبَكَ زائِدَةٌ فيها معنَى التأكيد، قال أبو حيان «٢» : كَلَّا رَدْعٌ وزَجْرٌ، انتهى، والدِّينُ هنا يحتمل أن يريدَ الشرعَ، ويحتملُ أن يريدَ الجزاءَ والحساب، وباقي الآية واضح لمتأمّله.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٥ الى ١٩]
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
وقوله تعالى: يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ أي: يوم الجزاءِ.
وقوله تعالى: وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ [قال جماعة: معناه: ما هم عنها بغائبين] «٣»
(١) قال الفراء: وجهه- والله أعلم- فصرفك إلى أي صورة شاء، إما حسن أو قبيح، أو طويل أو قصير. وعن أبي نجيح قال: (في صورة أب أو في صورة عمّ). وليست في من صلة «عدلك» لأنك لا تقول:
(عدلتك في كذا)، إنما تقول: (عدلتك إلى كذا) أي: صرفتك إليه وإنما هي متعلقة ب «ركّبك». كأن المعنى: (في أي صورة شاء أن يركّبك).
وقال آخرون: (فعدلك: فسوّى خلقك). قال محمّد بن يزيد (المبرد) : فعدلك أي: قصد بك إلى الصورة المستوية ومنه العدل الذي هو الإنصاف، أي: هو قصد إلى الاستواء. فقولك: (عدل الله فلانا) أي: سوّى خلقه. فإن قيل: فأين الباء التي تصحب القصد حتى يصح ما تقول؟ قلت: إن العرب قد تحذف حروف الجر، قال الله عز وجل: «وإذا كالوهم أو وزنوهم» فحذف اللامين، فكذلك «فعدلك» بمعنى: فعدل بك.
ينظر: «حجة القراءات» (٧٥٢- ٧٥٣)، و «السبعة» (٦٧٤)، و «حجة القراءات» (٦/ ٣٨٢)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٤٤٨)، و «معاني القراءات» (٣/ ١٢٦)، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٠٣)، و «العنوان» (٢٠٤)، و «شرح شعلة» (٦٢٠)، و «إتحاف» (٢/ ٥٩٤).
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ٤٢٨).
(٣) سقط في: د.
560
في البَرْزَخِ، وذلك أنهم يرونَ مقاعِدَهم من النارِ غَدْوَةً وعشيَّةً فهم لم يزالُوا مشاهدينَ لَها نسألُ اللَّه العافيةَ في الدارينِ بجُودِه وكرمِه، ثم عظَّم تعالى قدرَ هولِ ذلكَ اليومِ بقوله:
وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الآية.
561
Icon