تفسير سورة الإنفطار

تفسير ابن عطية
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية .
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ
وهي مكية كلها بإجماع من المفسرين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الانفطار
وهي مكية بإجماع.
قوله عز وجل:
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ١٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
هذه أوصاف يوم القيامة، و «انفطار السماء» : تشققها على غير نظام مقصود إنما هو انشقاق لتزول بنيتها وانتثار الكواكب سقوطها من مواضعها التي هي فيها كنظام، و «تفجير البحار» : يحتمل أن يكون من امتلائها فتفجر من أعاليها وتفيض على ما وليها، ويحتمل أن يكون تفجير تفريع، ويحتمل أن يكون فيضانها، فيذهب الله ماءها حيث شاء، وقيل: فجر بعضها إلى بعض فاختلط العذب بالملح وصارت واحدا، وهذا نحو الاختلاف في سُجِّرَتْ [التكوير: ٦] في السورة التي قبل، وقرأ مجاهد والربيع بن خيثم: «فجرت» بتخفيف الجيم، و «بعثرة القبور» : نبشها عن الموتى الذين فيها، وقوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ هو جواب إِذَا، ونَفْسٌ هنا اسم الجنس وإفرادها لتبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها إلا من رحم الله تعالى، وقال كثير من المفسرين في معنى قوله تعالى: ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ إنها عبارة عن جميع الأعمال لأن هذا التقسيم يعم الطاعات المعمولة والمتروكة وكذلك المعاصي. وقال ابن عباس والقرظي محمد بن كعب: ما قَدَّمَتْ في حياتها وما أَخَّرَتْ مما سنته فعمل به بعد موتها، ثم خاطب تعالى جنس ابن آدم على جهة التوبيخ والتنبيه على أي شيء أوجب أن يغتر بربه الكريم فيعصيه ويجعل له ندا وغير ذلك من أنواع الكفر وهو الخالق الموجد بعد العدم، وروي أن النبي ﷺ قرأ: «جهله» وقاله عمر وقرأ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الأحزاب: ٧٢]، وقال قتادة: عدوه المسلط عليه، وقال بعض العلماء: غره ستر الله عليه، وقال غيره: غره كرم الله، ولفظة
الكريم تلقن هذا الجواب، فهذا من لطف الله تعالى لعباده العصاة من المؤمنين، وقرأ ابن جبير والأعمش:
«ما أغرك» على وزن أفعلك، والمعنى ما دعاك إلى الاغترار أن يكون المعنى تعجبا محضا، وقرأ الجمهور: «فعدّلك» بتشديد الدال، وكان صلى الله عليه وسلم: إذا نظر إلى الهلال، قال: «آمنت بالذي خلقك فسواك فعدلك» لم يختلف الرواة في شد الدال، وقرأ الكوفيون والحسن وأبو جعفر وطلحة والأعمش وأبو رجاء وعيسى بن عبيد: «فعدلك» بتخفيف الدال، والمعنى عدل أعضاءك بعضها ببعض أي وازن بينها، وقوله تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ، ذهب الجمهور إلى أن فِي متعلقة ب رَكَّبَكَ، أي في قبيحة أو حسنة أو مشوهة أو سليمة ونحو هذا، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ: بمعنى إلى أي صورة حتى قال بعضهم: المعنى: لم يجعلك في صورة خنزير ولا حمار، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى: الوعيد والتهديد، أي الذي إن شاء ركبك في صورة حمار أو خنزير أو غيره، وما في قوله: ما شاءَ، زائدة فيها معنى التأكيد، والتركيب والتأليف وجمع الشيء إلى شيء، وروى خارجة عن نافع: «ركبك كلا» بإدغام الكاف في الكاف، ثم رد على سائر أقوالهم ورد عنها بقوله: كَلَّا، ثم أثبت لهم تكذيبهم بالدين، وهذا الخطاب عام ومعناه الخصوص في الكفار، وقرأ جمهور الناس: «تكذبون» بالتاء من فوق، وقرأ الحسن وأبو جعفر: «يكذبون» بالياء، و «الدين» هنا يحتمل أن يريد الشرع، ويحتمل أن يريد الجزاء والحساب. و «الحافظون» : هم الملائكة الذين يكتبون أعمال ابن آدم، وقد وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام. ويَعْلَمُونَ ما يفعل ابن آدم لمشاهدتهم حاله، وقد روي حديث ذكره سفيان: يقتضي أن العبد إذا عمل سيئة مما لا ترى ولا تسمع، مثل الخواطر المستصحبة ونحوها أن الملك يجد ريح تلك الخطرة الخفية بإدراك قد خلقه الله لهم.
قوله عز وجل:
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٣ الى ١٩]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧)
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
«الأبرار» : جمع بر وهو الذي قد اطرد بره عموما فيرونه في طاعته إياه، وبر أبويه وبر الناس في دفع ضره عنهم وجلب ما استطاع الخير إليهم، وبر الحيوان وغير ذلك في أن لم يفسد شيئا منها عبثا ولغير منفعة مباحة، و «الفجار» : الكفار، و «يصلون» معناه: يباشرون حرّها بأبدانهم، ويَوْمَ الدِّينِ هو يوم الجزاء، وقوله تعالى: وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ قال بعض المتأولين: هذا تأكد في الإخبار عن أنهم يصلونها، وأنهم لا يمكنهم الغيب عنها يومئذ، وقال آخرون: وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ في البرزخ، كأنه تعالى لما أخبر عن صليهم إياها يوم الدين وذلك أنهم يرون مقاعدهم من النار غدوة وعشية فهم مشاهدون لها، ثم عظم تعالى قدر هول يوم القيامة بقوله: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ ما أَدْراكَ وقرأ ابن كثير وأبو
447
عمرو وابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب: «يوم لا تملك» برفع الميم من «يوم» على معنى هو يوم، وقرأ الباقون والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج: «يوم» بالنصب على الظرف، والمعنى: الجزاء يوم فهو ظرف في معنى خبر الابتداء، ثم أخبر تعالى بضعف الناس يومئذ وأنه لا يغني بعضهم عن بعض وأن الأمر له تبارك وتعالى، وقال قتادة كذلك: هو اليوم ولكنه هنالك لا ينازعه أحد ولا يمكن هو أحدا من شيء منه كما يمكنه في الدنيا.
448
Icon