في إحدى عشرة آية، وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء. ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة.
وعن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" ( إذا زلزلت ) تعدل نصف القرآن، و( العاديات ) تعدل نصف القرآن " وهو مرسل، أخرجه أبو عبيدة في فضائله. وعن ابن عباس مرفوعا مثله، أخرجه محمد بن نصر من طريق عطاء بن أبي رباح وزاد " و( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن، و( قل يا أيها الكافرون ) تعدل ربع القرآن ".
ﰡ
ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال أي ضابحات أو ذوات ضبح، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف أن يضبح ضبحاً. وقيل الضبح صوت حوافرها إذا عدت. وقال الفراء الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت قيل كانت تكمم لئلا تصهل فيعلم العدو، فكانت تتنفس في هذه الحالة بقوة.
وقيل الضبح صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو وليس بصهيل.
وقد ذهب الجمهور إلى ما ذكرنا من أن العاديات ضبحاً هي الخيل، وقال عبيد ابن عمير ومحمد بن كعب والسدي هي الإبل، ونقل أهل اللغة إن أصل الضبح للثعلب فاستعير للخيل.
قال ابن عباس بعث رسول الله ﷺ خيلاً فاستمرت شهراً لا يأتيه منها خبر، فنزلت (والعاديات ضبحاً) ضبحت بأرجلها وفي
وعنه قال هي الخيل في القتال وضبحها حين ترخي مشافرها إذا عدت، وعن ابن مسعود قال هي الإبل، قال إبراهيم النخعي قال علي هي الإبل، وقال ابن عباس هي الخيل، فبلغ علياً قول ابن عباس فقال ما كانت لنا خيل يوم بدر، قال ابن عباس إنما كانت تلك في سرية بعثت.
وعن عامر الشعبي قال تمارى في وابن عباس في العاديات ضبحاً فقال ابن عباس هي الخيل (١) وقال علي كذبت يا ابن فلانة والله ما كان معنا يوم بدر فارس إلا المقداد كان على فرس أبلق، قال وكان يقول هي الإبل فقال ابن عباس ألا ترى أنها تثير نقعاً فما شيء يثير إلا بحوافرها، وعن ابن عباس قال هي الخيل في القتال وعن ابن مسعود قال في الحج، وعن ابن عباس ليس شيء من الدواب يضبح إلا الكلب أو الفرس، وقد روي عنه بطرق أنه الخيل، وعنه قال الخيل ضبحها زخيرها ألم تر أن الفرس إذا عدا قال اح اح
_________
(١) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل يسأل عن العاديات ضبحاً فقلت الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلى علي بن أبي طالب وهو جالس تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحاً فقال سألت عنها أحداً قبلي؟ قال: نعم سألت عنها ابن عباس فقال هي الخيل حين تغير في سبيل الله فقال اذهب فادعه لي، فلما وقفت على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير، وفرس المقداد بن الأسود، فكيف يكون العاديات ضبحاً إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوقدوا النيران، والمغيرات صبحاً من المزدلفة إلى منى فذلك جمع، وأما قوله فأثرن به نقعاً فهي نقع الأرض حتى تطؤه بأخفافها وحوافرها قال ابن عباس فنزعت من قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه، ذكره الشوكاني رحمه الله في فتح القدير انتهى سيد ذو الفقار أحمد.
قال الزجاج: إذا عدت الخيل بالليل وأصاب حوافرها الحجارة انقدح منها النيران والكلام في انتصاب قدحاً كالكلام في انتصاب ضبحاً والخلاف في كونها الخيل أو الإبل كالخلاف الذي تقدم في العاديات، والراجح أنها الخيل كما ذهب إليه الجمهور، وكما هو الظاهر من هذه الأوصاف المذكورة في هذه السورة ما تقدم منها وما سيأتي فإنها في الخيل أوضح منها في الإبل، وتقدم ما في ذلك من الخلاف بين الصحابة.
قال ابن عباس في الآية قدحت بحوافرها الحجارة، وعنه قال حين تجري الخيل توري ناراً أصابت سنابكها الحجارة، وعنه قال الرجل إذا أورى زنده، وعنه قال هو مكر الرجل قدح فأورى، وقال ابن مسعود إذا سفت الحصى بمناسمها فضرب الحصى بعضه بعضاً فتخرج منه النار.
وعنه قال هي الخيل أغارت فصبحت العدو، وعنه قال إذا أصبحت العدو، وعنه قال الخيل تصبح العدو، وقال أيضاًً غارت الخيل صبحاً، وقال ابن مسعود حين يفيضون من جمع، وإنما أقسم الله عز وجل بخيل الغزاة تنبيهاً على فضلها وفضل رباطها في سبيل الله، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية والأجر والغنيمة.
وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح. وقيل المعنى فأثرن بمكان عدوهن نقعاً يقال ثار النقع وأثرته أي هاج وهيجته.
قرأ الجمهور فأثرن بتخفيف الثاء وقريء بتشديدها أي فأظهرن غباراً، وقال أبو عبيدة النقع رفع الصوت، وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم، انتهى.
والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرين أن النقع الغبار، وهذا هو المناسب لمعنى الآية وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحاً فأثرن به صوتاً قليل الجدوى مغسول المعنى، بعيد من بلاغة القرآن المعجزة.
وقيل النقع شق الجيوب، وقال محمد بن كعب النقع ما بين مزدلفة إلى منى، وقيل أنه طريق الوادي، قال في الصحاح النقع الغبار والجمع انقاع والنقع محبس الماء وكذلك ما اجتمع في البئر منه. والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء.
قال ابن عباس في الآية أثارت بحوافرها التراب وقال أيضاًً هي الخيل أثرن بحوافرها يقول بعدو الخيل والنقع الغبار. وعنه قال التراب وقال أيضاًً نقعاً غباراً وقال ابن مسعود إذا سرن يثرن التراب.
وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالسكون وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط بالتحريك، وربما سكن وليس بالوجه، و (جمعاً) مفعول به، والفاآت في المواضع الأربعة للدلالة على ترتب ما بعد كل واحدة منها على ما قبلها.
قرأ الجمهور فوسطن بتخفيف السين وقرىء بالتشديد قال ابن عباس في الآية صبحت القوم جميعاً وفي لفظ الجمع العدو وفي لفظ إذا توسطت العدو، وفي لفظ جمع العدو.
وتفسير الكنود بالكفور للنعمة أولى بالمقام والجاحد للنعمة كافر لها، ولا يناسب المقام سائر ما قيل: وعن ابن عباس قال الكنود بلساننا أهل البلد الكفور. وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " الكنود الكفور " أخرجه ابن عساكر وعنه قال: " الكنود الذي يمنع رفده وينزل وحده ويضرب عبده " (١)، وروي نحوه مرفوعاً عنه وسنده ضعيف. والوقوف أصح.
_________
(١) الطبري ٣٠/ ٢٧٨.
يقال هو شديد لهذا الأمر وقوي له. إذا كان مطيقاً له. ومنه قوله تعالى (إن ترك خيراً) وقيل المعنى وإن الإنسان من أجل حب المال لبخيل والأول أولى، واللام في (لحب) متعلقة بشديد، قال ابن زيد سمى الله المال خيراً وعسى أن يكون شراً ولكن الناس يجدونه خيراً فسماه خيراً.
قال الفراء أصل نظم الآية أن يقال وإنه لشديد الحب للخير، فلما قدم الحب قال لشديد وحذف من آخره ذكر الحب لأنه قد جرى ذكره ولرؤوس الآي كقوله (في يوم عاصف) والعصوف للريح لا لليوم كأنه قال في يوم عاصف الريح، قال ابن عباس الخير المال.
والمعنى أخرج وجمع بغاية السهولة ما في الصدور من خير وشر مما يظن مضمره إنه لا يعلمه أحد أصلاً وظهر مكتوباً في صحائف الأعمال، وهذا يدل على أن الإنسان يحاسب بها كما يحاسب على ما يظهر من آثارها وخص أعمال القلوب بالذكر، وترك ذكر أعمال الجوارح لأنها تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا تحقق البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح.
قال الإمام دلت الآية على أنه تعالى عالم بالجزئيات الزمانيات وغيرها لأنه تعالى نص على كونه عالماً بكيفية أحوالهم في ذلك اليوم، فكيف لا يكون منكره كافراً ذكره الكرخي.
قرأ الجمهور بكسر إن وباللام في الخبير، وقرأ أبو السماك بفتح الهمزة وإسقاط اللام.
وهي ثمان آيات وقيل إحدى عشرة آية وقيل عشر آيات، وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)