ﰡ
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا [أي لست رسولا إلينا] [١] قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، إِنِّي رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ، يُرِيدُ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ يَشْهَدُونَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. وَأَنْكَرَ الشَّعْبِيُّ هَذَا وَقَالَ: السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ [أَسْلَمَ] [٢] بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ فَقَالَ:
وَكَيْفَ يَكُونُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ عِنْدَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالدَّالِ [أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَنْ عِنْدَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالدَّالِ] [٣] عُلِمَ الْكِتَابُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، دَلِيلُ هذه القراءة: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الْكَهْفِ: ٦٥] وَقَوْلُهُ: الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) [الرَّحْمَنِ: ٢].
تفسير سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ
مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى وَخَمْسُونَ آيَةً إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [إبراهيم: ٢٨] إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم: ٣٠]
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١ الى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢)الر كِتابٌ أَيْ: هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي الْقُرْآنَ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أَيْ: لِتَدْعُوَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلَالَةِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، بِأَمْرِ رَبِّهِمْ.
وَقِيلَ: بِعِلْمِ رَبِّهِمْ، إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أي: إلى دينه، والعزيز هو الغالب والحميد هو المستحق للحمد [٤].
اللَّهِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ «اللَّهُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وخبره فيما بعد.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) سقط من المخطوط. [.....]
(٤) في المخطوط «الحمد».
الْخَفْضُ على التقديم والتأخير تقديره [١] إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣ الى ٦]
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ، يَخْتَارُونَ، الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: يَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ قَبُولِ دِينِ اللَّهِ، وَيَبْغُونَها عِوَجاً [أَيْ] [٢] يَطْلُبُونَهَا زَيْغًا وَمَيْلًا، يُرِيدُ يَطْلُبُونَ سَبِيلَ اللَّهِ جَائِرِينَ عَنِ الْقَصْدِ.
وَقِيلَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الدنيا، ومعناه يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ الْمَيْلِ عن الحق، أي: بجهة الْحَرَامِ.
أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، بلغتهم ليفهموا عنه [ما يلقيه إليهم] [٣] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا وَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ؟ قِيلَ: بُعِثَ مِنَ [٤] الْعَرَبِ بِلِسَانِهِمْ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ ثُمَّ بَثَّ [٥] الرُّسُلُ إِلَى الْأَطْرَافِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُتَرْجِمُونَ لَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أَيْ: مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ بِالدَّعْوَةِ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: بِنِعَمِ اللَّهِ.
وقال مقاتل: بوقائع الله [كما] [٦] فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. يُقَالُ فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ أَيْ بِوَقَائِعِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا كَانَ فِي أَيَّامِ اللَّهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمِحْنَةِ فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْأَيَّامِ عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، الصبار: الكثير الصبر، والشكور: الْكَثِيرُ الشُّكْرِ، وَأَرَادَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ مِنْ خِصَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعِلَّةُ [٧] الْجَالِبَةُ لِهَذِهِ [٨] الْوَاوِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَهُمْ أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ كَانُوا يُعَذِّبُونَهُمْ بِأَنْوَاعٍ الْعَذَابِ غَيْرِ التَّذْبِيحِ، وَبِالتَّذْبِيحِ، وَحَيْثُ طرح الواو في يذبحون ويقتلون أراد تفسير
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «إلى».
(٥) في المخطوط «بعث».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «لعله».
(٨) في المطبوع «لهذا».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٧ الى ١٠]
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ، أَيْ: أَعْلَمَ، يُقَالُ: أَذَّنَ وَتَأَذَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ أَوْعَدَ وَتَوَعَّدَ، لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي فَآمَنْتُمْ وَأَطَعْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فِي النِّعْمَةِ.
وَقِيلَ: الشُّكْرُ قَيْدُ الْمَوْجُودِ وَصَيْدُ الْمَفْقُودِ.
وَقِيلَ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ بِالطَّاعَةِ لَأَزِيدَنَّكُمْ فِي الثَّوَابِ. وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ، نِعْمَتِي فَجَحَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَشْكُرُوهَا، إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.
وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨)، أَيْ: غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ حَمِيدٌ مَحْمُودٌ فِي أَفْعَالِهِ لِأَنَّهُ فيها متفضل و [١] عادل.
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ، خَبَرُ الَّذِينَ، مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ وعاد وثمود.
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ [قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ] [٢] : كَذَبَ النَّسَّابُونَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ عَدْنَانَ ثَلَاثُونَ قَرْنًا لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَكْرَهُ أَنْ يَنْسِبَ الْإِنْسَانُ نفسه أبا أَبًا إِلَى آدَمَ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أُولَئِكَ الْآبَاءَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ، فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَضُّوا عَلَى أَيْدِيهِمْ غَيْظًا كَمَا قَالَ: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٩]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَرَدُّوا مَا جاؤوا بِهِ، يُقَالُ: رَدَدْتُ قَوْلَ فُلَانٍ فِي فِيهِ أَيْ كَذَّبْتُهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الْأُمَمَ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ [٣] فِي أَفْوَاهِ أَنْفُسِهِمْ أَيْ وَضَعُوا الْأَيْدِيَ عَلَى الْأَفْوَاهِ إِشَارَةً إِلَى الرُّسُلِ أَنِ اسْكُتُوا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِ الرسل يسكتونهم بذلك. وقيل: إن الْأَيْدِي بِمَعْنَى النِّعَمِ مَعْنَاهُ: رَدُّوا مَا لَوْ قَبِلُوا كَانَتْ أَيَادِيَ وَنِعَمًا فِي أَفْوَاهِهِمْ أَيْ: بِأَفْوَاهِهِمْ يَعْنِي بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقالُوا يَعْنِي الْأُمَمَ لِلرُّسُلِ، إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ، مُوجِبٍ لِلرِّيبَةِ موقع للتهمة.
(٢) العبارة في المطبوع وحده «قال بعد ما قرأ هذه الآية».
(٣) زيد في المطبوع «في أفواههم أي».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١١ الى ١٣]
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣)
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ عَرَفْنَا أَنْ لا ينالنا شيء [١] إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا، بَيَّنَ لَنَا الرُّشْدَ وَبَصَّرَنَا طَرِيقَ النَّجَاةِ. وَلَنَصْبِرَنَّ، اللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ مَجَازُهُ [٢] : وَاللَّهِ لِنَصْبِرَنَّ، عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا، يَعْنُونَ إِلَّا أَنْ تَرْجِعُوا أَوْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِنَا، فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٤ الى ١٨]
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَيْ: [مِنْ] [٣] بَعْدِ هَلَاكِهِمْ، ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي أي: خاف قِيَامَهُ بَيْنَ يَدَيَّ كَمَا قَالَ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٦٤) [الرَّحْمَنِ: ٤٦]، فَأَضَافَ قِيَامَ الْعَبْدِ إِلَى نَفْسِهِ.
كَمَا تَقُولُ: نَدِمْتُ عَلَى ضَرْبِكَ أَيْ عَلَى ضَرْبِي إِيَّاكَ، وَخافَ وَعِيدِ أي عقابي.
قوله: وَاسْتَفْتَحُوا أَيِ: اسْتَنْصَرُوا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْأُمَمَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الرُّسُلُ صَادِقِينَ فَعَذِّبْنَا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: ٣٢].
(٢) في المطبوع «مجازا». [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
هَلَكَ، كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَالْجَبَّارُ: الَّذِي لَا يَرَى فَوْقَهُ أَحَدًا. وَالْجَبْرِيَّةُ: طَلَبُ الْعُلُوِّ بِمَا لَا غَايَةَ وَرَاءَهُ. وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقِيلَ: الْجَبَّارُ: الَّذِي يُجْبِرُ الْخَلْقَ عَلَى مُرَادِهِ، وَالْعَنِيدُ: الْمُعَانِدُ للحق ومجانبه. قال مجاهد، وعن ابن عباس: هُوَ الْمُعْرِضُ عَنِ الْحَقِّ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ الْمُتَكَبِّرُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْعَنِيدُ: الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ أَيْ: أَمَامَهُ [١] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [الْكَهْفِ: ٧٩] أَيْ أَمَامَهُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كَمَا يُقَالُ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ وَرَائِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ سَيَأْتِيكَ، وَأَنَا مِنْ وَرَاءِ فُلَانٍ يَعْنِي أَصِلُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ أَيْ بَعْدَهُ، وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ أَيْ: مِنْ مَاءٍ هُوَ صَدِيدٌ وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ أَبْدَانِ الْكُفَّارِ مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: مَا يَسِيلُ مِنْ فُرُوجِ الزناة يسقاه الكافر.
يَتَجَرَّعُهُ أَيْ: يَتَحَسَّاهُ وَيَشْرَبُهُ لَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ جُرْعَةً جُرْعَةً لِمَرَارَتِهِ وَحَرَارَتِهِ، وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ، ويكاد صِلَةٌ أَيْ لَا يُسِيغُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَكَدْ يَراها [النُّورِ: ٤٠] أَيْ: لَمْ يَرَهَا، قَالَ ابْنُ عباس: لَا يُجِيزُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَكَادُ لَا يُسِيغُهُ وَيُسِيغُهُ فَيَغْلِي فِي جَوْفِهِ.
«١٢١٤» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عن عبيد [٢] اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ، قَالَ:
- وهو في «شرح السنة» ٤٣٠١ بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» ٣١٤٠ «زيادات» عن صفوان بن عمرو به.
- وأخرجه الترمذي ٢٥٨٣ والنسائي في «التفسير» ٢٨٣ من طريق سويد بن نصر به.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٢٦٥ والحاكم ١/ ٣٥١ والطبري ٢٠٦٣٢ والبيهقي في «البعث» ٦٠٢ من طرق عن ابن المبارك به وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي؟! وقال الترمذي هذا حديث غريب، وهكذا قال البخاري عن عبيد الله بن بسر، ولا نعرف عبيد الله بن بسر إلّا في هذا الحديث.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد، أخرجه أحمد ٣/ ٧٠ وابن حبان ٧٤٧٣ وإسناده ضعيف، لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه البيهقي في «البعث» ٥٧٩.
- وفيه دراج لكن رواه عن غير أبي الهيثم، فالإسناد لا بأس به.
- الخلاصة: هذا الحديث بشواهده يصير حسنا أو قريبا من الحسن والآية تشهد لبعضه، وهناك آيات تشهد لبعضه الآخر، والحديث في الترهيب، ومذهب ابن المبارك وأحمد وغيرهما التساهل في هذا الباب، والله أعلم.
(١) زيد في المخطوط «جهنم».
(٢) في المطبوع «عبد».
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، يعني: يجدهم [١] الْمَوْتِ وَأَلَمَهُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: حَتَّى مِنْ تَحْتِ كُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ جَسَدِهِ.
وَقِيلَ: يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ قُدَّامِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، فَيَسْتَرِيحُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ تُعَلَّقُ نفسه عند حنجرته ولا تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَيَمُوتُ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ فتنفعه الحياة، نظيره [٢] لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [محمد: ١٥]، وَمِنْ وَرائِهِ، أَمَامَهُ، عَذابٌ غَلِيظٌ، شَدِيدٌ.
وَقِيلَ: الْعَذَابُ الْغَلِيظُ الْخُلُودُ في النار. مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ يعني: مثل أَعْمَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزُّمَرِ: ٦٠]، أَيْ: تَرَى وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ مُسْوَدَّةً، كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ، وَصَفَ الْيَوْمَ بِالْعُصُوفِ، وَالْعُصُوفُ مِنْ صِفَةِ الرِّيحِ لِأَنَّ الرِّيحَ تكون فيه [٣]، كَمَا يُقَالُ: يَوْمٌ حَارٌّ وَيَوْمٌ بَارِدٌ لِأَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ فِيهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ فَحَذَفَ الرِّيحَ لِأَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ مِنْ قَبْلُ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا فِيهَا غَيْرَ اللَّهِ كَالرَّمَادِ الَّذِي ذَرَتْهُ الرِّيحُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَقْدِرُونَ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ مِمَّا كَسَبُوا، فِي الدُّنْيَا، عَلى شَيْءٍ، فِي الْآخِرَةِ، ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٩ الى ٢٢]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي سُورَةِ النُّورِ «خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ» مُضَافًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «خَلَقَ» عَلَى الْمَاضِي «وَالْأَرْضَ» كل بالنصب، وبِالْحَقِّ أَيْ: لَمْ يَخْلُقْهُمَا بَاطِلًا وَإِنَّمَا خلقهم لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، سِوَاكُمْ أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ.
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)، مَنِيعٍ شَدِيدٍ، يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاءَ تُسَهَّلُ فِي الْقُدْرَةِ [و] [٤] لا يصعب على الله شيء وإن جلّ وعظم.
(٢) في المطبوع «ونظيرها».
(٣) في المخطوط «يكون فيها».
(٤) زيادة عن المخطوط.
قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُونَ فِي النَّارِ تَعَالَوْا نَجْزَعُ فَيَجْزَعُونَ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فَلَا يَنْفَعُهُمُ الْجَزَعُ، ثُمَّ يَقُولُونَ:
تَعَالَوْا نَصْبِرُ فيصبرون خمسمائة عام فلا بنفعهم الصبر، فَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ استغاثوا [٢] بالخزنة، كما قال تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) [غَافِرٍ: ٤٩]، فردت الخزنة عليهم:
أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى [غافر: ٥٠]، فردت الخزنة عليهم [قَالُوا] [٣] : فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غَافِرٍ: ٥٠]، فَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَ الْخَزَنَةِ نَادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ [الزُّخْرُفِ: ٧٧] سَأَلُوا الْمَوْتَ فَلَا يُجِيبُهُمْ ثمانين سنة والسنة ثلاثمائة وستون يَوْمًا وَالْيَوْمُ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ لَحَظَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الثمانين إِنَّكُمْ ماكِثُونَ [الزخرف: ٧٧]، فلما أيسوا مِمَّا قَبْلَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا تَرَوْنَ فَهَلُمُّوا فَلْنَصْبِرْ فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَنَفَعَهُمْ، فَأَجْمَعُوا عَلَى الصَّبْرِ فَطَالَ صبرهم ثم جزعوا فطال جزعهم فَنَادَوْا سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي: من منجاة. قَالَ فَقَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ فخطبهم.
وذلك قوله تعالى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ الْآيَةَ، فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ فَنُودُوا لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمان فتكفرون، قال فَنَادَوُا الثَّانِيَةَ فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة: ١٢] فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها [السجدة: ١٣] الآيات، فَنَادَوُا الثَّالِثَةَ: رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٤]، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ [إبراهيم: ٤٤] الآيات، ثُمَّ نَادَوُا الرَّابِعَةَ:
رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر: ٣٧] فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر: ٣٧]، الآية قال: ثم مكث عَنْهُمْ [٤] مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَادَاهُمْ: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) [المؤمنون: ١٠٥]، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ يَرْحَمُنَا، فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) [المؤمنون: ١٠٦- ١٠٧]، قال [لهم] [٥] عند ذلك: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٨] فَانْقَطَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجَاءُ وَالدُّعَاءُ عَنْهُمْ، فأقبل بعضهم على بعض ينفخ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ وَأُطْبِقَتْ عليهم النار.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ الشَّيْطانُ، يَعْنِي: إِبْلِيسَ، لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ، أَيْ: فُرِغَ مِنْهُ فَأُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الجنة وأهل النار النار، قال مُقَاتِلٌ: يُوضَعُ لَهُ مِنْبَرٌ فِي النَّارِ فَيَرْقَاهُ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْكَفَّارُ بالأئمة فيقول لهم،
(٢) في المطبوع «يستغيثون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فمكث عليهم».
(٥) زيادة عن المخطوط.
وَقِيلَ: يَقُولُ لَهُمْ قُلْتُ لَكُمْ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ. وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ، وِلَايَةٍ.
وَقِيلَ: لَمْ آتِكُمْ بِحُجَّةٍ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ منقطع معناه: ولكن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، بِإِجَابَتِي وَمُتَابَعَتِي مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ وَلَا بُرْهَانٍ، مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ، بِمُغِيثِكُمْ، وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، بِمُغِيثِيَّ.
قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِمُصْرِخِيَّ بكسر الياء، و [قرأ] [١] الآخرون بِالنَّصْبِ لِأَجْلِ التَّضْعِيفِ، وَمَنْ كَسَرَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حُرِّكَتْ إِلَى الْكَسْرِ لِأَنَّ الْيَاءَ أُخْتُ الْكَسْرَةِ، وَأَهْلُ النَّحْوِ لَمْ يَرْضَوْهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لُغَةُ بَنِي يَرْبُوعٍ. وَالْأَصْلُ «بِمُصْرِخِينِيَّ» فَذَهَبَتِ النُّونُ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ وَأُدْغِمَتْ يَاءُ الْجَمَاعَةِ فِي يَاءِ الْإِضَافَةِ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ أَيْ: كَفَرْتُ بِجَعْلِكُمْ إِيَّايَ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِ وَتَبَرَّأْتُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّ الظَّالِمِينَ، الْكَافِرِينَ، لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
«١٢١٥» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ [٢] بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ دُخَيْنٍ [٣] الْحَجَرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: «يَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكُمُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فَيَأْتُونِي فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ فَيَثُورُ مَجْلِسِي [مِنْ] [٤] أَطْيَبِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ حَتَّى آتِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَيُشَفِّعَنِي وَيَجْعَلَ لِي نُورًا من شعر رأسي إلى ظهر قَدَمِي، ثُمَّ يَقُولُ الْكُفَّارُ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ [فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا فَيَقُولُونَ مَا هُوَ غَيْرُ إِبْلِيسَ هُوَ الَّذِي أَضَلَّنَا فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ لَهُ قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ] [٥] فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا فَيَقُومُ فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْتَنُ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ، ثُمَّ تُعَظَّمُ جَهَنَّمُ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ الآية».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٣ الى ٢٧]
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (٢٧)
- رواه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» ٣٧٤ «زيادات» عن رشدين بن سعد بهذا الإسناد. وقد توبع رشدين فانحصرت العلة في ابن أنعم، فقد أخرجه الطبري ٢٠٦٤٦ من طريق سويد عن ابن المبارك به.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٧/ ٣٢٠- ٣٢١ من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ دخين به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٣٧٦ وقال: وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المطبوع «رشيد».
(٣) تصحف في المخطوط «دجين».
(٤) وقع لفظ «من» في المطبوع قبل لفظ «مجلسي».
(٥) سقط من المطبوع.
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا، أَلَمْ تَعْلَمْ، وَالْمَثَلُ قَوْلٌ سَائِرٌ لِتَشْبِيهِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ.
كَلِمَةً طَيِّبَةً، هِيَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ، وَهِيَ النَّخْلَةُ يريد كشجرة طيبة الثمرة.
وقال أَبُو ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، أَصْلُها ثابِتٌ، فِي الْأَرْضِ، وَفَرْعُها، أَعْلَاهَا، فِي السَّماءِ، كَذَلِكَ أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ رَاسِخٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا عَرَجَتْ فَلَا تُحْجَبُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فَاطِرٍ: ١٠].
تُؤْتِي أُكُلَها، تُعْطِي [١] ثَمَرَهَا، كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها، وَالْحِينُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْوَقْتُ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ هَاهُنَا فَقَالَ مُجَاهِدٌ وعكرمة: الحين هاهنا سَنَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ النَّخْلَةَ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ إِطْلَاعِهَا إِلَى صِرَامِهَا. وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ ظُهُورِهَا إِلَى إِدْرَاكِهَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: شَهْرَانِ مِنْ حِينِ تُؤْكَلُ إِلَى الصِّرَامِ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: كُلَّ حِينٍ أَيْ كُلَّ غَدْوَةٍ وَعَشِيَّةٍ لِأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ [٢] يُؤْكَلُ أبدا ليلا ونهارا وصيفا وَشِتَاءً، إِمَّا تَمْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا، كَذَلِكَ عَمَلُ الْمُؤْمِنِ يَصْعَدُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَبَرَكَةُ إِيمَانِهِ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا بَلْ تَصِلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَالْحِكْمَةُ فِي تَمْثِيلِ الْإِيمَانِ بِالشَّجَرَةِ هِيَ أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَكُونُ شَجَرَةً إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عِرْقٌ رَاسِخٌ وَأَصْلٌ قَائِمٌ وَفَرْعٌ عَالٍ كَذَلِكَ الْإِيمَانُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَبْدَانِ.
«١٢١٦» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْجَوْهَرِيُّ أنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ» ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أنها النخلة فاستحييت، ثم
- وهو في «شرح السنة» ١٤٣ بهذا الإسناد.
- وخرجه مسلم ٢٨١١ من طريق علي بن حجر به.
- وأخرجه البخاري ٦١ ومسلم ٢٨١١ وابن حبان ٢٤٦ من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه البخاري ١٣١ والترمذي ٢٨٦٧ وأحمد ٢/ ٦١ و١٥٧ وابن حبان ٢٤٣ من طرق عن ابن دينار به.
- وأخرجه البخاري ٤٦٩٨ و٦١٤٤ ومسلم ٢٨١١ من طريق عبد الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به.
- وأخرجه البخاري ٦١٢٢ وأحمد ٢/ ٣١ وابن مندة في «الإيمان» ١٩٠ من طريق شعبة عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابن عمر به.
- وأخرجه البخاري ٧٢ و٢٢٠٩ ومسلم ٢٨١١ وأحمد ٢/ ١٢ و١١٥ والحميدي ٦٧٦ وابن حبان ٢٤٤ من طرق عن مجاهد عن ابن عمر به.
(١) في المطبوع «تغطي».
(٢) في المخطوط «النخلة».
وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَشْبِيهِهَا بِالنَّخْلَةِ مِنْ بَيْنِ سائر الأشجار أن النخلة [من دون سائر الأشجار] [١] أشبه الْأَشْجَارِ بِالْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا إِذَا قُطِعَ رَأْسُهَا يَبِسَتْ وَسَائِرُ الْأَشْجَارِ تَتَشَعَّبُ مِنْ جَوَانِبِهَا بَعْدَ قطع رؤوسها وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْإِنْسَانَ فِي أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ إِلَّا بِالتَّلْقِيحِ وَلِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
«١٢١٧» وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْرِمُوا عمتكم» قيل: ومن عمتنا؟ [يا رسول الله] [٢] قَالَ: «النَّخْلَةُ» وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ. وَهِيَ الشِّرْكُ، كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ، وَهِيَ الْحَنْظَلُ. وَقِيلَ: هِيَ الثُّومُ.
وَقِيلَ: [هِيَ] [٣] الْكُشُوثُ وَهِيَ الْعَشَقَةُ، اجْتُثَّتْ، يعني اقتلعت، مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ، ثَبَاتٍ، مَعْنَاهُ وَلَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فَرْعٌ صَاعِدٌ إِلَى السَّمَاءِ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا يَصْعَدُ لَهُ قَوْلٌ طَيِّبٌ ولا عمل صالح.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، يَعْنِي قَبْلَ الْمَوْتِ، وَفِي الْآخِرَةِ، يَعْنِي فِي الْقَبْرِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ المفسرين وَقِيلَ: فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ عِنْدَ الْبَعْثِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
«١٢١٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أبو الوليد ثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ [٤] بْنَ عُبَيْدَةَ عن البراء بن عازب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ.
«١٢١٩» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الجلودي أنبأنا
- قال ابن الجوزي: لا يصح. مسرور بن سعيد منكر الحديث.
١٢١٨- إسناده صحيح على شرط البخاري. أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» ١٥١٤ بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٤٦٩٩ عن أبي الوليد به.
- وأخرجه البخاري ١٣٦٩ ومسلم ٢٨٧١ وأبو داود ٤٧٥٠ والترمذي ٣٢١٠ من طرق عن شعبة به.
وانظر الحديث الآتي.
١٢١٩- إسناده صحيح. مسلم هو صاحب الصحيح، قد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- رواه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» ٢٨٧١ عن محمد بن بشار به.
- وأخرجه النسائي في «التفسير» ٢٨٤ وابن ماجه ٤٢٦٩ من طريق محمد بن بشار به.
وانظر الحديث المتقدم.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٤) تصحف في المطبوع «سعيد».
«١٢٢٠» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل ثنا عياش بن الوليد ثنا عبد الأعلى ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بن مالك أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قبره وتولى عنه أصحابه وإنه لِيَسْمَعُ [١] قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فيقعدانه فيقولان [لَهُ] مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا». قَالَ قَتَادَةُ: وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قال: «وأما المنافق أو الكافر فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ».
«١٢٢١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التميمي ثنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الله بن عدي الحافظ ثنا عبد الله بن سعيد ثنا أسد بن موسى ثنا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدِ]
بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي جَدِّي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ [حِسَّ] [٣] النِّعَالِ إِذَا وَلَّى عَنْهُ النَّاسُ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ يُجْلَسُ وَيُوضَعُ كَفَنُهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ يُسْأَلُ».
«١٢٢٢» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أتاه ملكان أسودان
- وهو في «شرح السنة» ١٥١٦ بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ١٣٧٤ عن عياش بن الوليد بهذا الإسناد.
- أخرجه البخاري ١٣٣٨ ومسلم ٢٨٧٠ وأبو داود ٤٧٥١ والنسائي ٤/ ٩٧- ٩٨ وأحمد ٣/ ١٢٦ وابن حبان ٣١٢٠ و٢٣٣ والبيهقي ٤/ ٨٠ من طرق عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ به.
- وأخرجه مسلم ٢٨٧٠ ح ٧٠ والنسائي ٤/ ٩٧ والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» ١٦ و١٧ من طريق شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قتادة به.
١٢٢١- إسناده ضعيف، كثير هو ابن عبيد القرشي مجهول.
- وهو في «شرح السنة» ١١٥ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٤٤٥ وابن حبان ٣١١٨ من وجه آخر عن وكيع عن سفيان الثوري عن السدي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ دون عجزه «ثم يجلس ويوضع.....».
وإسناده ضعيف، لجهالة عبد الرحمن بن أبي كريمة وهو أبو إسماعيل السدي، ولأصل هذا الحديث شواهد.
١٢٢٢- أخرجه الترمذي ١٠٧١ من طريق بشر بن المفضل عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هريرة وقال: حديث حسن غريب.
- وأخرجه ابن حبان ٣١١٧ وابن أبي عاصم في «السنة» ٨٦٤ والآجري في «الشريعة» ٨٧٢ والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» ٥٦ وإسناده على شرط مسلم، وفي عبد الرحمن بن إسحاق كلام ينحط حديثه إلى درجة الحسن.
(١) في المطبوع «يسمع».
(٢) تصحف في المطبوع «سعد».
(٣) زيادة عن المخطوط وط و «شرح السنة» وقد زيد في المخطوط «قرع» قبل لفظ «حسّ» وزيد في المطبوع «خفق» والمثبت عن ط و «شرح السنة».
«١٢٢٣» وَرُوِيَ عن البراء بن عازب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَبَضَ رُوحَ الْمُؤْمِنِ وَقَالَ: «فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فِي قبره ويقولان لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ فَيَنْتَهِرَانِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ الثَّانِيَةَ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمِنْ نَبِيُّكَ وَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ [٤] فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ».
«١٢٢٤» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ أحمد بن سيار القرشي ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ أَبُو إسحاق ثنا هشام بن يوسف ثنا عبد الله بن بحير [٥] عن هانىء مولى عثمان [عن عُثْمَانَ] [٦] قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ وَقَفَ عَلَيْهِ وقال:
«استغفروا لأخيكم وسلوا [٧] لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ».
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ وَهُوَ يَبْكِي: فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَصْحَبُنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جزور ويقسم لحمه حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أراجع به رسل ربي.
- وقد أعله ابن حبان في صحيحه بإثر حديث ٣١١٧ بالانقطاع بين زاذان والبراء لكن فيه نظر، فقد صرح زاذان في رواية الحاكم بالسماع من البراء، فالحديث قوي، وصححه الحافظ ابن القيم في «تهذيب السنن» ٤/ ٣٣٧.
١٢٢٤- إسناده حسن، رجاله ثقات.
- وهو في «شرح السنة» بإثر ١٥١٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٣٢٢١ عن إبراهيم بن موسى به.
- وأخرجه أحمد في «الزهد» ٦٨٤ والحاكم ١/ ٣٧٠ والبيهقي ٤/ ٥٦ وابن السني في «عمل اليوم والليلة» ٥٨٥ من طرق عن هشام بن يوسف به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع وط و «سنن الترمذي».
(٣) زيد في المطبوع وط و «سنن الترمذي».
(٤) في المطبوع «المؤمنين».
(٥) تصحف في المطبوع «يحيى». [.....]
(٦) زيادة عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٧) في المطبوع وحده «واسألوا الله».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٨ الى ٣١]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.
«١٢٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا [مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا] [٢] محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً، قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ.
وَقَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَةُ اللَّهِ.
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ، قَالَ: الْبَوَارُ يَوْمُ بدر، قوله: بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ أَيْ: غَيَّرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ منهم كُفْراً كفروا به وَأَحَلُّوا أي: أنزلوا قومهم ومن تَابَعَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ دارَ الْبَوارِ أي: الهلاك، ثم بين دار الْبَوَارَ فَقَالَ:
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها، يَدْخُلُونَهَا وَبِئْسَ الْقَرارُ، الْمُسْتَقَرُّ، وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ نُحِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَالَ عمر بن الخطاب: هُمُ الْأَفْجَرَانِ مَنْ قُرَيْشٍ بَنُو الْمُغِيرَةِ وَبَنُو أُمَيَّةَ، أَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ فَكُفِيتُمُوهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً، أَمْثَالًا وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى نِدٌّ، لِيُضِلُّوا.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الياء، وكذلك في الحج [٩] [وفي] [٣] لقمان [٦] والزمر [٨] لِيُضِلُّوا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى مَعْنَى لِيُضِلُّوا النَّاسَ، عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا، عِيشُوا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ.
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ، قال الفراء: هذا جَزْمٌ عَلَى الْجَزَاءِ، وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ، مُخَالَلَةٌ وَصَدَاقَةٌ.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٦]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٤٧٠٠ عن علي بن عبد الله به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «سورة».
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ، يَجْرِيَانِ فِيمَا يَعُودُ إِلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَلَا يفتران، قال ابن عباس دؤو بهما فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، يَتَعَاقَبَانِ فِي الضِّيَاءِ وَالظُّلْمَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ.
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، يعني: آتاكم مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَأَلْتُمُوهُ شَيْئًا، فَحَذَفَ الشَّيْءَ الثَّانِيَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى التَّبْعِيضِ.
وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّكْثِيرِ نَحْوُ قَوْلِكَ: فُلَانٌ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَآتَاهُ كُلَّ الناس، وأنت تريد [١] بَعْضَهُمْ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ [الْأَنْعَامِ: ٤٤].
وَقَرَأَ الْحَسَنُ مِنْ كُلِّ بِالتَّنْوِينِ مَا عَلَى النَّفْيِ يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ، يَعْنِي: أَعْطَاكُمْ أَشْيَاءَ مَا طَلَبْتُمُوهَا وَلَا سألتموها، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ، أَيْ: نِعَمَ اللَّهِ، لَا تُحْصُوها، أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا [٢] وَلَا الْقِيَامَ بِشُكْرِهَا إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ، أَيْ: ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بالمعصية كافر بربه فِي نِعْمَتِهِ وَقِيلَ الظَّلُومُ الَّذِي يَشْكُرُ غَيْرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ والكافر من يجحد منعمه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ، يَعْنِي: الْحَرَمَ، آمِناً ذَا أَمْنٍ يُؤَمَّنُ فِيهِ، وَاجْنُبْنِي، أَبْعِدْنِي، وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، يُقَالُ: جَنَّبْتُهُ [٣] الشَّيْءَ أجنبته جَنْبًا وَجَنَّبْتُهُ تَجْنِيبًا وَاجْتَنَبْتُهُ اجْتِنَابًا [٤] بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كان إبراهيم مَعْصُومًا مِنْ عِبَادَةِ [٥] الْأَصْنَامِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّؤَالُ وَقَدْ عَبَدَ كَثِيرٌ من الْأَصْنَامَ فَأَيْنَ الْإِجَابَةُ؟ قِيلَ: الدُّعَاءُ في حق إبراهيم لِزِيَادَةِ الْعِصْمَةِ وَالتَّثْبِيتِ وَأَمَّا دُعَاؤُهُ لِبَنِيهِ فَأَرَادَ بَنِيهِ مِنْ صُلْبِهِ وَلَمْ يَعْبُدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ الصَّنَمَ. وَقِيلَ: إِنَّ دُعَاءَهُ لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مِنْ بَنِيهِ.
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ، يَعْنِي: ضل بهن كثيرا مِنَ النَّاسِ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى حتى عبدوهن، وهذا من الْمَقْلُوبُ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ [آلِ عمران: ١٧٥]، أي:
يخوفكم [٦] بِأَوْلِيَائِهِ، وَقِيلَ: نَسَبَ الْإِضْلَالَ إِلَى الْأَصْنَامِ لِأَنَّهُنَّ سَبَبٌ فِيهِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ فَتَنَتْنِي الدُّنْيَا، نَسَبَ الْفِتْنَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْفِتْنَةِ. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، أي: من أهل ديني وملتي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ السُّدِّيُّ [٧] : مَعْنَاهُ وَمَنْ عَصَانِي ثُمَّ تَابَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: وَمَنْ عَصَانِي فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ. وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يغفر الشرك.
(٢) في المخطوط «عددها».
(٣) في المطبوع «جنبت».
(٤) العبارة عند الطبري ٧/ ٤٦٠ «يقال منه: جنبته الشيء، فأنا أجنبه جنبا، وجنّبته الشر، فأنا أجنّبه تجنيبا، وأجنبته ذلك، فأنا أجنبه إجنابا».
(٥) زيد في المطبوع «بنيه».
(٦) في المطبوع «يخوفهم».
(٧) في المخطوط «أهل التفسير» والمثبت عن المطبوع وط و «الوسيط» للواحدي ٣/ ٣٣.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣٧]
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)قوله تعالى: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي، أَدْخَلَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَمَجَازُ الْآيَةِ أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي وَلَدًا، بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَهُوَ مَكَّةُ لِأَنَّ مَكَّةَ وَادٍ [١] بَيْنَ جَبَلَيْنِ، عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، سَمَّاهُ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عِنْدَهُ مَا لَا يَحْرُمُ عِنْدَ غَيْرِهِ.
«١٢٢٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الله بن محمد ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ [٢] مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضْعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضْعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَلَ [٣] إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوادي الذي ليس فيه أنيس وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حيث لا يرونه استقبل بوجه الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ، وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَبَّطُ أَوْ قَالَ يَتَلَوَّى، وَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ بطن الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرْفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ [أَتَتِ] [٤] الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا». فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ تُرِيدُ نفسها، ثم تسمعت فسمعته [٥] أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تَخُوضُهُ وَتَقُولُ بيدها هكذا، أو جعلت تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وهو يفور بعد ما تَغْرِفُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ» أَوْ قَالَ: «لَوْ لم تغرف من
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٣٣٦٤ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي ٥/ ٩٨- ٩٩ من طريق عبد الرزاق به.
وانظر ما تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية: ١٢٥. [.....]
(١) زيد في المطبوع وط «واد».
(٢) تصحف في المطبوع «المناطق».
(٣) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «قام» وفي «صحيح البخاري» «قفّى».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «فسمعت».
شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أَمُّ إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل بطالع تَرِكَتَهُ. ذَكَرْنَا تِلْكَ الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ، الْأَفْئِدَةُ جَمْعُ الْفُؤَادِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، تَشْتَاقُ وَتَحِنُّ إِلَيْهِمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ أَمِلْ قُلُوبَهُمْ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ قَالَ أَفْئِدَةَ النَّاسِ لَزَاحَمَتْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالْهِنْدُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَحَجَّتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَفْئِدَةً مِنَ الناس فهم [٤] الْمُسْلِمُونَ. وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ، مَا رزقت سكان القرب ذوات [٥] الماء، لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢)
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣)
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ، مِنْ أُمُورِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: مِنِ الْوَجْدِ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ حَيْثُ أَسْكَنْتُهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ. وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، قِيلَ: [هذا كله قول إبراهيم متصل بما قبله] [٦]. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ [٧] : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ، أَعْطَانِي على كبر السن، إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ إِسْمَاعِيلُ لِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ إِسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ، يَعْنِي: مِمَّنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ بِأَرْكَانِهَا وَيُحَافِظُ عَلَيْهَا، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، يعني: واجعل من ذريتي من يقيم الصَّلَاةَ. رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ، أَيْ عملي وعبادتي، سمّى العبادة
(٢) زيد في المطبوع «موضع».
(٣) في المخطوط «حتى».
(٤) في المطبوع «وهم».
(٥) في المخطوط «ذات».
(٦) العبارة في المخطوط وط «هذه صلة قول إبراهيم».
(٧) في المخطوط «الآخرون».
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَغْفَرَ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا غَيْرُ مُؤْمِنَيْنِ؟ قِيلَ قَدْ قِيلَ إِنَّ أُمَّهُ أَسْلَمَتْ، وَقِيلَ: أَرَادَ إِنْ أَسْلَمَا وَتَابَا [١]، وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُ أَبِيهِ وَقَدْ بَيَّنَ الله عذر خليله فِي اسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ فِي سُورَةِ التوبة [١١٤]. وَلِلْمُؤْمِنِينَ، أي: واغفر لِلْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ، يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ، أَيْ: يَبْدُو وَيَظْهَرُ. وَقِيلَ: أَرَادَ [٢] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِلْحِسَابِ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحِسَابِ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا.
قَوْلُهُ تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. الْغَفْلَةُ مَعْنًى يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الأمور و [في] الآية تسلية للمظلوم وَتَهْدِيدٌ لِلظَّالِمِ [٣]، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ، أَيْ لَا تُغْمَضُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ [٤] : تَرْتَفِعُ وتزول عن أماكنها.
مُهْطِعِينَ، قَالَ قَتَادَةُ: مُسْرِعِينَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِهْطَاعُ النَّسَلَانُ كعدو الذئب، قال مُجَاهِدٌ: مُدِيمِي النَّظَرِ.
وَمَعْنَى الْإِهْطَاعِ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَلَا يَعْرِفُونَ مَوَاطِنَ أَقْدَامِهِمْ، مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ، أي: رافعي رؤوسهم.
قال القتيبي: المقنع الذي برفع رأسه ويقبل بصره عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَقَالَ الحسن: وجوه الناس يومئذ إِلَى السَّمَاءِ لَا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ، لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ، لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ مِنْ شدة النظر، فهي شَاخِصَةٌ قَدْ شَغَلَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ، أَيْ:
خَالِيَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: خَرَجَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ [٥] صُدُورِهِمْ فَصَارَتْ فِي حَنَاجِرِهِمْ، لَا تخرج عن أفواههم ولا تعود إلى مكانها، فَالْأَفْئِدَةُ هَوَاءٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَمِنْهُ سُمِّيَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هَوَاءٌ لِخُلُوِّهِ [٦]، وَقِيلَ:
خَالِيَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُ من الخوف.
وقال الأخفش: جوفا لَا عُقُولَ لَهَا. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كل أجوف خلو هَوَاءً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ أَيْ: مُتَرَدِّدَةٌ تَمُورُ فِي أَجْوَافِهِمْ لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ تَسْتَقِرُّ فِيهِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْقُلُوبَ زَائِلَةٌ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَالْأَبْصَارَ شَاخِصَةٌ [٧] مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٤]
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ، خَوِّفْهُمْ، يَوْمَ، أَيْ: بيوم، يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ، [و] هو يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، أَشْرَكُوا، رَبَّنا أَخِّرْنا، أَمْهِلْنَا، إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، هَذَا سُؤَالُهُمُ الرَّدُّ إلى الدنيا، أي:
(٢) زيد في المطبوع «يوم الحساب». [.....]
(٣) العبارة في المطبوع وط «والآية لتسلية المظلوم».
(٤) زيد في المخطوط «لا».
(٥) في المخطوط «من».
(٦) في المطبوع «الخلو».
(٧) في المخطوط «خاشعة».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)
وَسَكَنْتُمْ، فِي الدُّنْيَا، فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، بِالْكَفْرِ وَالْعِصْيَانِ، يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ. وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ، أَيْ: عَرَفْتُمْ عُقُوبَتَنَا إِيَّاهُمْ، وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ، أَيْ: بَيَّنَّا مَثَلَكُمْ كَمَثَلِهِمْ.
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ، أَيْ: جَزَاءُ مَكْرِهِمْ، وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ، قَرَأَ علي وابن مسعود: وإن كاد مَكْرُهُمْ بِالدَّالِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالنُّونِ.
لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ، قَرَأَ الْعَامَّةُ «لِتَزُولَ» بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَنَصْبِ الثَّانِيَةِ، مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ مَكْرُهُمْ [٢] قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَأَضْعَفُ مِنْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ مَكْرَهُمْ لَا يُزِيلُ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ كَثُبُوتِ الْجِبَالِ. وَقَرَأَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْكِسَائِيُّ: لِتَزُولَ بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ، مَعْنَاهُ: إِنَّ مَكْرَهُمْ وَإِنْ عَظُمَ حَتَّى بَلَغَ مَحَلًّا يُزِيلُ الْجِبَالَ لَمْ يَقْدِرُوا على إزالة أمر محمد.
قال قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ [٣] شِرْكُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً [مَرْيَمَ: ٩٠- ٩١].
وَيُحْكَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نُمْرُودَ الْجَبَّارِ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ [٤] إِبْرَاهِيمُ حَقًّا فلا أنتهي حتى أصعد [إلى] السَّمَاءَ فَأَعْلَمَ مَا فِيهَا فَعَمَدَ إلى أربعة أفراخ [٥] مِنَ النُّسُورِ فَرَبَّاهَا حَتَّى شَبَّتْ وَاتَّخَذَ تَابُوتًا وَجَعَلَ لَهُ بَابًا مِنْ أَعْلَى وَبَابًا مِنْ أَسْفَلَ، وقعد [٦] نمرود مع الرجل فِي التَّابُوتِ وَنَصَبَ خَشَبَاتٍ فِي أطراف التابوت، وجعل على رؤوسها اللَّحْمَ وَرَبَطَ التَّابُوتَ بِأَرْجُلِ النُّسُورِ، وخلّاها فَطِرْنَ وَصَعِدْنَ طَمَعًا فِي اللَّحْمِ حَتَّى مَضَى يَوْمٌ وَأَبْعَدْنَ فِي الْهَوَاءِ، فَقَالَ نُمْرُودُ لِصَاحِبِهِ: افْتَحِ الْبَابَ الْأَعْلَى وَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ هل قربنا منها، فَفَتَحَ الْبَابَ وَنَظَرَ فَقَالَ: إِنَّ السَّمَاءَ كَهَيْئَتِهَا ثُمَّ قَالَ افْتَحِ الْبَابَ الْأَسْفَلَ وَانْظُرْ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ تَرَاهَا فَفَعَلَ فَقَالَ أَرَى [الْأَرْضَ] [٧] مِثْلَ اللُّجَّةِ وَالْجِبَالَ مِثْلَ الدُّخَانِ فَطَارَتِ النُّسُورُ يَوْمًا آخَرَ، وَارْتَفَعَتْ حَتَّى حَالَتِ الرِّيحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّيَرَانِ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ افْتَحِ الْبَابَيْنِ فَفَتَحَ الْأَعْلَى فَإِذَا السَّمَاءُ كَهَيْئَتِهَا وَفَتْحَ الْأَسْفَلَ فَإِذَا الْأَرْضُ سوداء
(٢) زيد في المطبوع وحده «لتزول».
(٣) زيد في المطبوع «مكرهم».
(٤) في المخطوط «يقوله».
(٥) في المطبوع «أفرخ».
(٦) تكرر في المطبوع «من أسفل وقعد».
(٧) زيادة عن المخطوط.
وَقِيلَ: طَائِرٌ أَصَابَهُ السَّهْمُ، فَقَالَ: كُفِيتُ شُغْلَ إِلَهِ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ نُمْرُودُ صَاحِبَهُ أَنْ يُصَوِّبَ الْخَشَبَاتِ ينكس [٤] اللَّحْمَ فَفَعَلَ فَهَبَطَتِ النُّسُورُ بِالتَّابُوتِ فسمعت الجبال خفيق [٥] التَّابُوتِ وَالنُّسُورِ فَفَزِعَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ حَدَثٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ، فَكَادَتْ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا [٦]، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ.
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ، بِالنَّصْرِ لِأَوْلِيَائِهِ وَهَلَاكِ أَعْدَائِهِ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ رُسُلِهِ وَعْدَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ.
قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ.
«١٢٢٧» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حدثني أَبُو حَازِمٍ [سَلَمَةُ] [٧] بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأحد».
«١٢٢٨» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يتكفؤ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ».
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: تُبَدَّلُ الأرض بأرض بيضاء كالفضة نَقِيَّةٍ [٨] لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ ولم يعمل فِيهَا خَطِيئَةٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ مِنْ فِضَّةٍ وَالسَّمَاءُ من ذهب.
- رواه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» ٢٧٩٠ عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٥٢١ وابن حبان ٧٣٢٠ والطبراني ٥٨٣١ و٥٩٠٨ من طرق عن أبي حازم به.
١٢٢٨- إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، يحيى هو ابن عبد الله، وبكير جده، الليث هو ابن سعد.
- وهو في «شرح السنة» ٤٢٠١ بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٦٥٢٠ عن يحيى بن بكير به.
- وأخرجه مسلم ٢٧٩٢ وعبد بن حميد في «المنتخب» ٩٦٢ والطحاوي في «المشكل» ٤٤٥٢. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «حمل».
(٣) في المطبوع «متلطخا».
(٤) في المطبوع «ينكص».
(٥) في المخطوط «خفيف».
(٦) موقوف باطل. أخرجه الطبري ٢٠٩١٩ و٢٠٩٢٠ و٢٠٩٢١ و٢٠٩٢٢، وفيه عبد الرحمن بن واصل، وهو مجهول، والخبر من الإسرائيليات المصنوعة.
(٧) سقط من المطبوع.
(٨) في المطبوع «كفضة بيضاء».
وَقِيلَ: مَعْنَى التَّبْدِيلِ جَعْلُ السموات جِنَانًا وَجَعْلُ الْأَرْضِ نِيرَانًا.
وَقِيلَ: تَبْدِيلُ الْأَرْضِ تَغْيِيرُهَا مِنْ هَيْئَةٍ إلى هيئة [أخرى] [١]، وهي تسسيير جِبَالِهَا وَطَمُّ أَنْهَارِهَا وَتَسْوِيَةُ أَوْدِيَتِهَا وقلع أَشْجَارِهَا وَجَعْلُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، وَتَبْدِيلُ السموات: تغييرها عن حَالِهَا بِتَكْوِيرِ شَمْسِهَا، وَخُسُوفِ قَمَرِهَا وَانْتِثَارِ نُجُومِهَا، وَكَوْنِهَا مَرَّةً كَالدِّهَانِ، وَمَرَّةً كَالْمُهْلِ.
«١٢٢٩» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُدَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ».
«١٢٣٠» وَرُوِيَ عَنْ ثوبان إِنَّ حِبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ».
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَرَزُوا، خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ويحكم ما يريد.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ، مَشْدُودِينَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فِي الْأَصْفادِ، فِي الْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ وَاحِدُهَا صَفَدٌ، وَكُلُّ مَنْ شَدَدْتَهُ شَدًا وَثِيقًا فَقَدْ صَفَّدْتَهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ [٢] : صَفَدْتُ الرَّجُلَ فَهُوَ مَصْفُودٌ وَصَفَّدْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مُصَفَّدٌ.
وَقِيلَ: يُقْرَنُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانِهِ فِي سِلْسِلَةٍ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصَّافَّاتِ: ٢٢]، يَعْنِي: قُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُقَرَّنَةٌ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ إِلَى رِقَابِهِمْ بِالْأَصْفَادِ والقيود، ومنه قيل للجبل قرن.
- رواه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» ٢٧٩١ عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣١٢١ وابن ماجه ٤٢٧٩ وأحمد ٦/ ٣٥ والحاكم ٢/ ٣٥٢ وابن حبان ٧٣٨٠ والطبري ٢٠٩٦٤ من طرق عن داود بن أبي هند به.
١٢٣٠- صحيح. هو بعض حديث أخرجه مسلم ٣١٥ والنسائي في «الكبرى» ٩٠٧٣ وابن حبان ٧٤٢٢ والطبراني ١٤١٤ والحاكم ٣/ ٤٨١- ٤٨٢ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٣٣٧ والبيهقي في «البعث» ٣١٥ من طرق عن مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثوبان به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع وحده «تقول العرب».