تفسير سورة إبراهيم

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة إبراهيم عليه السلام مكية كلها، غير قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا... ﴾ [ آية : ٢٨، ٢٩ ] الآيتين مدنيتين، وهي اثنتان وخمسون آية كوفية.

﴿ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾ يعني من الشرك إلى الإيمان.
﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾، يعني بأمر ربهم.
﴿ إِلَىٰ صِرَاطِ ﴾، يعني إلى دين.
﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ في ملكه.
﴿ ٱلْحَمِيدِ ﴾ [آية: ١] في أمره عند خلقه.
دل على نفسه تعالى ذكره، فقال: ﴿ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ ﴾، من أهل مكة، بتوحيد الله.
﴿ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [آية: ٢].
ثم أخبر عنهم، فقال تعالى: ﴿ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ الفانية.
﴿ عَلَى ٱلآخِرَةِ ﴾ الباقية.
﴿ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾، يعني عن دين الإسلام.
﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾، يعني سبيل الله عوجاً، يقول: ويريدون بملة الإسلام زيغاً، وهو الميل.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ [آية: ٣]، يعني في خسران طويل، وذلك أن رءوس كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وعن اتباع دينه. ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، يعني بلغة قومه ليفهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله سبحانه: ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ ﴾ على ألسنة الرسل عن دينه الهدى.
﴿ وَيَهْدِي ﴾ إلى دينه، الهدى على ألسنة الرسل.
﴿ مَن يَشَآءُ ﴾، ثم رد تعالى ذكره المشيئة إلى نفسه فقال: ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ في ملكه.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٤]، حكم الضلالة والهدى لمن يشاء.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ ﴾، اليد والعصا.
﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ ﴾، يعني أن ادع قومك بنى إسرائيل.
﴿ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾، يعني من الشرك إلى الإيمان.
﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ ﴾، يقول: عظهم وخوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فيحذروا فيؤمنوا.
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾، يقول: إن في هلاك الأمم الخالية.
﴿ لآيَاتٍ ﴾، يعني لعبرة ﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [آية: ٥]، يعني المؤمن صبور على أمر الله عز وجل عند البلاء الشديد، شكور لله تعالى في نعمه.﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ﴾، بني إسرائيل.
﴿ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ ﴾، يعني أنقذكم.
﴿ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾، يعني أهل مصر.
﴿ يَسُومُونَكُمْ ﴾، يعني يعذبونكم.
﴿ سُوۤءَ ﴾، يعني شدة.
﴿ ٱلْعَذَابِ ﴾، ثم بين العذاب، فقال: ﴿ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ﴾، في حجور أمهاتهم.
﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ﴾، يعني قتل البنين وترك البنات، قتل فرعون منهم ثمانية عشر طفلاً.
﴿ وَفِي ذٰلِكُمْ ﴾، يعني فيما أخبركم من قتل الأبناء وترك البنات.
﴿ بَلاۤءٌ ﴾، يعني نقمة.
﴿ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ٦]، كقوله سبحانه﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ ﴾[الصافات: ١٠٦] يعني النعمة البينة، وكقوله:﴿ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ ﴾[الدخان: ٣٣]، يعني نعمة بينة.﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾، نظيرها في الأعراف:﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾[الأعراف: ١٦٧]، وإذ قال ربكم.
﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾، يعني لئن وحدتم الله عز وجل، كقوله سبحانه:﴿ وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾[آل عمران: ١٤٤]، يعني الموحدين، لأزيدنكم خيراً في الدنيا.
﴿ وَلَئِن كَفَرْتُمْ ﴾ بتوحيد الله.
﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [آية: ٧] لمن كفر بالله عز وجل في الآخرة.﴿ وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ ﴾، عن عبادة خلقه.
﴿ حَمِيدٌ ﴾ [آية: ٨]، عن خلقه في سلطانه.
خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ﴾، يعني حديث.
﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ من الأمم حديث ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ من الأمم التى عذبت، عاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم.
﴿ لاَ يَعْلَمُهُمْ ﴾، يعني لا يعلم عدتهم أحد.
﴿ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ عز وجل.
﴿ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب بهم، ، نظيرها في الروم:﴿ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾[الروم: ٩]، يعني بنزول العذاب بهم في الدنيا.﴿ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ ﴾، يقول: وضع الكفار أيديهم في أفواههم، ثم قالوا للرسل: اسكتوا، فإنكم كذبة، يعنون الرسل، وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا.
﴿ وَقَالُوۤاْ ﴾ للرسل: ﴿ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾، يعني بالتوحيد.
﴿ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [آية: ٩]، يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم.﴿ قَالَتْ ﴾ لهم ﴿ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ ﴾، يقول: أفي التوحيد لله شك؟ ﴿ فَاطِرِ ﴾، يعني خالق.
﴿ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ ﴾ إلى معرفته.
﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾، والمن هاهنا صلة، كقوله سبحانه:﴿ شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ ﴾[الشورى: ١٣].
﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ ﴾ في عافية.
﴿ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى ﴾، يقول: إلى منتهى آجالكم، فلا يعاقبكم بالسنين، فردوا على الرسل.
﴿ قَالُوۤاْ ﴾ لهم: ﴿ إِنْ أَنتُمْ ﴾، يعني ما أنتم.
﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾، لا تفضلونا في شىء.
﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا ﴾، يعني تمنعونا.
﴿ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا ﴾، يعني دين آبائهم.
﴿ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ١٠]، يعني بحجة بينة، قالوا للرسل: ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله، فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله.﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ ﴾، يعني ما نحن.
﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ ﴾ يعني ينعم.
﴿ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾، فيخصه بالنبوة والرسالة.
﴿ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ ﴾، يعني بكتاب من الله بالرسالة.
﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾، يعني إلا بأمر الله.
﴿ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ﴾، يقول: وبالله فليق.
﴿ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١١]، لقولهم للرسل لنخرجنكم من أرضنا. ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ ﴾، يعني وما لنا ألا نثق بالله.
﴿ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾، يعني لديننا.
﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [آية: ١٢]، يعني وبالله فليثق الواثقون.
وكان أذاهم للرسل أن قالوا: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾، يعني دينهم الكفر، فهذا الأذى الذي صبروا عليه.
﴿ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ﴾، يعني إلى الرسل.
﴿ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٣]، يعني المشركين، في الدنيا ولننصرنكم. يعنى ﴿ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾، يعني هلاكهم.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ الإنسان في الدنيا.
﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي ﴾، يعني مقام ربه عز وجل في الآخرة.
﴿ وَ ﴾ لمن ﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [آية: ١٤] في الآخرة.﴿ وَٱسْتَفْتَحُواْ ﴾، يعني دعوا ربهم واستنصروا، وذلك أن الرسل أنذروا قومهم العذاب في الدنيا، فردوا عليهم: أنكم كذبة، ثم قالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا، فذلك قوله تعالى:﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾[الأعراف: ٧٠]، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَٱسْتَفْتَحُواْ ﴾، يعني مشركي مكة، وفيهم أبو جهل، يعني ودعوا ربهم، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [آية: ١٥]، يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله عز وجل، نزلت في أبي جهل.
﴿ عَنِيدٍ ﴾، يعني معرض عن الإيمان مجانباً له. ثم قال لهذا الجبار وهو في الدنيا: ﴿ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ﴾، من بعدهم، يعني من بعد موته.
﴿ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ ﴾ [آية: ١٦]، يعني خليط القيح والدم الذي يخرج من أجداف الكفار يسقى الأشقياء.﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ تجرعاً.
﴿ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ ألبتة، نظيرها:﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾[النور: ٤٠]، يقول: لا يراها البتة.
﴿ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ ﴾ في النار.
﴿ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ ﴾ هذا، يعني ومن بعد إحدى وعشرين ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له: الهيهات، فتأكل ناره نار جهنم وأهلها، كما تأكل نار الدنيا القطن المندوف، ويأتيه الموت في النار من كل مكان، وما هو بميت.
﴿ وَمِن وَرَآئِهِ ﴾ ﴿ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ [آية: ١٧]، يعني شديد لا يفتر عنهم.
﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾، يعني بتوحيد ربهم، مثل ﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ الخبيثة في غير إيمان.
﴿ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ في يوم شديد الريح، فلم ير منه شىء، فكذلك أعمال الكفار.
﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ﴾، يقول: لا يقدرون على ثواب شىء مما عملوا في الدنيا، ولا تنفعهم أعمالهم، لأنها لم تكن في إيمان، ثم قال: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ الكفر.
﴿ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ ﴾ [آية: ١٨]، يعني الطويل.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ ﴾، لم يخلقهما باطلاً لغير شىء، ولكن خلقهما لأمر هو كائن، ثم قال سبحانه لكفار هذه الأمة.
﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾ بالهلاك إن عصيتموه.
﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [آية: ١٩]، يعني بخلق غيركم أمثل وأطوع لله منكم.﴿ وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [آية: ٢٠]، يقول: هذا على الله هين يسير.
﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾، نظيرها في الملائكة.
قال سبحانه: ﴿ وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً ﴾، يقول: وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعاً، يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته.
﴿ فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ ﴾، وهم الأتباع من كفار بني آدم.
﴿ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ ﴾، يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله عز وجل، وهو التوحيد، وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة.
﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ لدينكم في الدنيا.
﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا ﴾ معشر الكبراء.
﴿ مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ﴾، باتباعنا إياكم.﴿ قَالُواْ ﴾، يعني قالت الكبراء للضعفاء.
﴿ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ ﴾، ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نجزع من العذاب، لعل ربنا يرحمنا، فجزعوا مقدار خمسمائة عام، فلم يغن عنهم الجزع شيئاً، ثم قالوا: تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا، فصبروا مقدار خمسمائة عام، فلم يغن عنهم الصبر شيئاً، فقالوا عند ذلك: ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ ﴾ ﴿ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ [آية: ٢١]، من مهرب عنها.﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾، يعني إبليس.
﴿ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾، يعني حين قضى العذاب، وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره النار، قام خطيباً في النار، فقال: يا أهل النار: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ ﴾ على ألسنة الرسل.
﴿ وَعْدَ ٱلْحَقِّ ﴾، يعني وعد الصدق أن هذا اليوم كائن ﴿ وَوَعَدتُّكُمْ ﴾ أنه ليس بكائن.
﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ الوعد.
﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾، يعني من ملك في الشرك، فأكرهكم على متابعتي، يعني على دينى، إلا في الدعاء. فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ ﴾، يعني إلا أن زينت لكم.
﴿ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ بالطاعة وتركتم طاعة ربكم.
﴿ فَلاَ تَلُومُونِي ﴾ باتباعكم إياي.
﴿ وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ بترككم أمر ربكم.
﴿ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾، يقول: ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي.
﴿ إِنِّي كَفَرْتُ ﴾، يقول: تبرأت اليوم ﴿ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ ﴾ مع الله في الطاعة.
﴿ مِن قَبْلُ ﴾ في الدنيا.
﴿ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعني إن المشركين.
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آية: ٢٢]، يعني وجيع.
﴿ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعني صدقوا بتوحيد الله عز وجل: ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾، وأدوا الفرائض.
﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾، يعني تجري العيون من تحت بساتينها.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون.
﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾، يعني بأمر ربهم ادخلوا الجنة.
﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾ [آية: ٢٣]، يقول: تسلم الملائكة عليهم في الجنة.﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾، يعني حسنة، يعني كلمة الإخلاص، وهي التوحيد.
﴿ كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ ﴾، يعني بالطيبة الحسنة، كما أنه ليس في الكلام شيء أحسن ولا أطيب من الإخلاص، قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فكذلك ليس في الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة، وهى النخلة.
﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ في الأرض.
﴿ وَفَرْعُهَا ﴾، يعني رأسها.
﴿ فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ [آية: ٢٤]، يقول: هكذا الإخلاص ينبت في قلب المؤمن، كما تنبت النخلة في الأرض، إذا تكلم بها المؤمن، فإنها تصعد إلى السماء، كما أن النخلة رأسها في السماء، كما أن النخلة لها فضل على الشجر في الطول، والطيب، والحلاوة، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام.﴿ تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾، يقول: إن النخلة تؤتى ثمرها كل ستة أشهر.
﴿ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾، يعني بأمر ربها، فهكذا المؤمن يتكلم بالتوحيد، ويعمل الخير ليلاً ونهاراً، غدوة وعشياً، بمنزلة النخلة، وهذا مثل المؤمن، ثم قال سبحانه: ﴿ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾، يعني ويصف الله الأشياء للناس.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٥]، أي يتفكرون في أمثال الله تعالى، فيوحدونه. ثم ضرب مثلاً آخر للكافرين، فقال سبحانه: ﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾، يعني دعوة الشرك.
﴿ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ في المرارة، يعني الحنظل.
﴿ ٱجْتُثَّتْ ﴾، يعني انتزعت.
﴿ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ [آية: ٢٦]، يقول: ما لها من أصل، فهكذا كلمة الكافر ليس لها أصل، كما أن الحنظل أخبث الطعام، فكذلك كلمة الكفر أخبث الدعوة، وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر، وليس له بركة ولا منفعة، فكذلك الكافر لا خير فيه، ولا فرع له في السماء يصعد فيه عمله، ولا أصل له في الأرض، بمنزلة الحنظلة، يذهب بها الريح، وكذلك الكافر، فذلك قوله سبحانه:﴿ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ ﴾[إبراهيم: ١٨]، هاجت يميناً وشمالاً، مرة هاهنا ومرة هاهنا.
ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم، فقال سبحانه: ﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ ﴾، وهو التوحيد.
﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، ثم قال: ﴿ وَ ﴾ يثبتهم ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد، وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير، فيجلسانه في القبر، فيسألانه،: من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ فيقول: ربي الله عز وجل، وديني الإسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولي، فيقولان له: وقيت وهديت، ثم يقولان: اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾، أي يثبت الله قول الذين آمنوا. ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير، يطآن في أشعارهما، ويحفران الأرض بأنيابهما، وينالان الأرض بأيديهما، أعينهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، ومعهما مرزبة من حديد، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ثم يقولان: اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه. فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده، ويتلهب قبره ناراً، ويصيح صيحة يسمعها كل شىء غير الثقلين، فيلعنونه، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ ﴾[البقرة: ١٥٩]، حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها، فتقول: لعن الله هذا، كان يحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن يضله الله عز وجل عن التوحيد، فذلك قوله: ﴿ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعني المشركين، حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ﴿ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾ [آية: ٢٧]، فيهما، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً ﴾، هذه مدنية إلى آخر الآيتين، وبقية السورة مكية: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً ﴾، وهم بنو أمية، وبنو المغيرة المخزومى، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، يعني القتل والسبى، ثم بعث فيهم رسولاً يدعوهم إلىمعرفة رب هذه النعمة عز وجل، فكفروا بهذه النعمة وبدلوها، ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴾ [آية: ٢٨]، يعني دار الهلاك بلغة عما، فأهلكوا قومهم ببدر. ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ ﴾ [آية: ٢٩]، يعني وبئس المستقر. ثم ذكر كفار قريش، فقال تعالى: ﴿ وَجَعَلُواْ ﴾، يعني ووصفوا ﴿ للَّهِ أَندَاداً ﴾، يعني شركاء.
﴿ لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ ﴾، يعني ليستنزلوا عن دينه، الإسلام.
﴿ قُلْ تَمَتَّعُواْ ﴾ في داركم قليلاً.
﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٣٠].
﴿ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ من الأموال.
﴿ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ﴾، يعني لا فداء.
﴿ وَلاَ خِلاَلٌ ﴾ [آية: ٣١]، يعني ولا خلة؛ لأن الرجل إذا نزل به ما يكره في الدنيا قبل موته، قبل منه الفداء، أو يشفع له خليله، والخليل المحب، وليس في الآخرة من ذلك شىء، وإنما هي أعمالهم يثابون عليها.﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾، يعني المطر.
﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ ﴾، يعني بالمطر.
﴿ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ ﴾، يعني السفن.
﴿ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ ﴾ [آية: ٣٢]،.﴿ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ ﴾ إلى يوم القيامة.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ﴾ [آية: ٣٣]، في هذه منفعة لبني آدم.﴿ وَآتَاكُم ﴾، يقول: وأعطاكم ﴿ مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾، يعني ما لم تسألوه ولا طلبتموه، ولكن أعطيتكم من رحمتي، يعني ما ذكر مما سخر للناس في هؤلاء الآيات، فهذا كله من النعم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ ﴾ لنفسه في خطيئته.
﴿ كَفَّارٌ ﴾ [آية: ٣٤]، يعني كافر في نعمته التي ذكر، فلم يعبده. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا صالح في قوله عز وجل: ﴿ مَّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾، قال: أعطاكم ما لم تسألوه، ومن قراءة: كل ما سألتموه، بدون من يقول: استجاب لكم، فأعطاكم ما سألتموه، والله أعلم.
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً ﴾، يعني مكة، فكان أمناً لهم في الجاهلية.
﴿ وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ﴾، يعني وولدي.
﴿ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ ﴾ [آية: ٣٥]، وقد علم أن ذريته مختلفون في التوحيد. قال: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ ﴾، يعني الأصنام.
﴿ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ ﴾، يعني أضللن بعبادتهن كثيراً من الناس.
﴿ فَمَن تَبِعَنِي ﴾ على ديني.
﴿ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ على ملتي.
﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾، فكفر.
﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آية: ٣٦]، أن تتوب عليه، فتهديه إلى التوحيد، نظيرها في الأحزاب:﴿ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾[الأحزاب: ٢٤].
﴿ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي ﴾، يعني إسماعيل ابني خاصة.
﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾، يعني لا حرث فيها، ولا ماء، يعني مكة.
﴿ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ ﴾، حرمه لئلا يستحل فيه ما لا يحل، فيها تقديم.
﴿ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾، يعني اجنبني وبني أن نعبد الأصنام، لكى يصلوا لك عند بيتك المحرم، ويعبدونك.
﴿ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ ﴾، يقول: اجعل قوماً من الناس تهوي إليهم، يعني إلى إسماعيل وذريته.
﴿ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٣٧]، ولو قال: اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، لازدحم عليهم الحرز والديلم، ولكنه قال: ﴿ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاس ﴾.
﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي ﴾، يعني مما نسر من أمر إسماعيل في نفسي من الجزع عليه أنه في غير معيشة، ولا ماء في أرض غربة، ثم قال: ﴿ وَمَا نُعْلِنُ ﴾، يعني من قوله: ﴿ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾، يعني مكة، فهذي الذي أعلن.
﴿ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ [آية: ٣٨].
﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ ﴾ بالأرض المقدسة بعدما هاجر إليها.
﴿ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾، وهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ ابن ستين سنة، ووهب له إسحاق، وهو ابن سبعين سنة، فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه من ذرية إسماعيل، ثم قال إبراهيم: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ﴾ [آية: ٣٩].
﴿ رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي ﴾، فاجعلهم أيضاً مقيمين الصلاة.
﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ ﴾ [آية: ٤٠]، يقول: ربنا واستجب دعائي في إقامة الصلاة لنفسه ولذريته.﴿ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾، يعني أبويه.
﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ ﴾ [آية: ٤١].
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ ﴾ يا محمد.
﴿ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾، يعني مشركي مكة.
﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ عن العذاب في الدنيا.
﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ ﴾ [آية: ٤٢]، يعني فاتحة شاخصةأعينهم، وذلك أنهم إذا عاينوا النار، فيها تقديم، في الآخرة، شخصت أبصارهم في يطرفون، فيها تقديم. وذلك قوله سبحانه: ﴿ لاَ يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾، يعني لا يطرفون. ثم قال: ﴿ مُهْطِعِينَ ﴾، يعني مقبلين إلى النار، ينظرون إليها، ينظرون في غير طرف.
﴿ مُقْنِعِي ﴾، يعني رافعي ﴿ رُءُوسِهِمْ ﴾ إليها.
﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾ [آية: ٤٣].
وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها، فتنشب في حلوقهم، فصارت قلوبهم: ﴿ هَوَآءٌ ﴾ بين الصدور والحناجر، فلا تخرج من أفواههم، ولا ترجع إلى أماكنها، فذلك قوله سبحانه في حم المؤمن،﴿ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ﴾[غافر: ١٨]، يعني مكروبين، فلما بلغت القلوب الحناجر، ونشبت في حلوقهم، انقطعت أصواتهم وغصت ألسنتهم.
﴿ وَأَنذِرِ ﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ٱلنَّاسَ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ ﴾ في الآخرة.
﴿ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾، يعني مشركي مكة، فيسألون الرجعة إلى الدنيا، فيقولون في الآخرة.
﴿ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾؛ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب.
﴿ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ ﴾ إلى التوحيد.
﴿ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ ﴾ [آية: ٤٤]، إلى البعث بعد الموت، وذلك قوله سبحانه في النحل:﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ ﴾[النحل: ٣٨].
﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾، يعني ضروا بأنفسهم، يعني الأمم الخالية، الذين عذبوا في الدنيا، يعني قوم هود وغيرهم.
﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ﴾، يقول: كيف عذبناهم.
﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ ﴾ [آية: ٤٥]، يعني ووصفنا لكم الأشياء، يقول: وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم عز وجل، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار، فقال: ﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ ﴾، يقول: فعلهم، يعني التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت، والنسور الأربعة.
﴿ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾، يقول: عند الله مكرهم، يعني فعلهم.
﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ ﴾ [آية: ٤٦]، نظيرها في بني إسرائيل:﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ﴾[الإسراء: ٧٣]، يعني وقد كادوا، وقد كان نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه، وهو أول من ملك الأرض كلها، وذلك أنه بنى صرحاً ببابل زعم ليتناول إله السماء، فخر عليهم السقف، وهو البناء من فوقهم. حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن دانيال، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في قوله سبحانه ﴿ وَإن كَانَ مَكْرُهُمْ ﴾، قال: أمر نمروذ بن كنعان عدو الله، فنحت التابوت، وجعل له باباً من أعلاه، وباباً من أسفله، ثم صعد إلى أربع نسور، ثم أوثق كل نسر بقائمة التابوت، ثم جعل في أعلى التابوت لحماً شديد الحمرة، في أربعة نواحى التابوت حيال النسور، ثم جعل رجلين في التابوت، فنهضت النسور تريد اللحم، فارتفع التابوت إلى السماء، فلما ارتفع ما شاء الله، قال أحد الرجلين لصاحب: فاتح باب التابوت الأسفل فانظر كيف ترى الأرض؟ ففتح فنظر، قال: أراها كالعروة البيضاء. ثم قال له: افتح الباب الأعلى، فانظر إلى السماء، هل ازددنا منها قرباً؟ قال: ففتح الباب الأعلى، فإذا هي كهيئتها، وارتفعت النسور تريد اللحم، فلما ارتفعا جداً، لم تدعهما الريح أن يصعد، فقال أحدهما لصاحبه، افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى الأرض؟ قال: ففتح، قال: إنها سوداء مظلمة، ولا أرى منها شيئاً، قال: اردد الباب الأسفل، وافتح الباب الأعلى، فانظر إلى السماء، هل ازددنا منها قرباً؟ ففتح الباب الأعلى، فقال: أراها كهيئتها. قال لصاحبه: نكس التابوت، فنكسه، فتصوب اللحم، وصارت النسور فوق التابوت واللحم أسفل، ثم هوت النسور منصوبة تريد اللحم، ، فسمعت الجبال حفيف التابوت وحفيف أجنحة النسور، ففزعت وظنت أنه أمر نزل من السماء، فكادت أن تزول من أماكنها من مخافة الله عز وجل، فذلك قوله: ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ ﴾.
ثم خوف كفار مكة، فقال سبحانه: ﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ ﴾ يا محمد.
﴿ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ﴾ في نزول العذاب بكفار مكة في الدنيا.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ﴾، يعني منيع في مكة.
﴿ ذُو ٱنْتِقَامٍ ﴾ [آية: ٤٧]، من أهل معصيته.
﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ ﴾، يقول: تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم بيضاء نقية، لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها معصية، وهي أرض الصراط، وعمق الصراط خمسمائة عام.
﴿ وَ ﴾ تبدل ﴿ وَٱلسَّمَاوَاتُ ﴾، فلا تكون شيئاً.
﴿ وَبَرَزُواْ للَّهِ ﴾، يقول: وخرجوا من قبورهم، ولا يستترون من الله بشىء، في أرض مستوية مثل الآدم، ممدودة، ليس عليها جبل، ولا بناء، ولا نبت، ولا شىء.
﴿ ٱلْوَاحِدِ ﴾ لا شريك له.
﴿ الْقَهَّارِ ﴾ [آية: ٤٨]، يعني القاهر لخلقه.﴿ وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ ﴾ [آية: ٤٩]، يعني موثقين في السلاسل والأغلال، صفدت أيديهم إلى أعناقهم في الحديد.﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ ﴾، يعني قمصهم من نحاس ذائب.
﴿ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ ﴾ [آية: ٥٠]؛ لأنهم يتقون النار بوجوههم.
﴿ لِيَجْزِيَ ﴾، أي ليجزئهم ﴿ ٱللَّهُ ﴾، فيها تقديم، يقول: وبرزوا من قبورهم، لكي يجزي الله ﴿ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ﴾، يقول: كل نفس، بر وفاجر ما كسبت، يعني ما عملت من خير أو شر.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ٥١]، يقول: كأنه قد جاء الحساب يخوفهم، فإذا أخذ الله عز وجل في حسابهم، فرغ من حساب الخلائق على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا.﴿ هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ ﴾، يعني لينذروا بما في القرآن.
﴿ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ﴾ لا شريك له.
﴿ وَلِيَذَّكَّرَ ﴾ فيما يسمع من مواعظ القرآن.
﴿ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٥٢]، يعني أهل اللب والعقل.
Icon