تفسير سورة مريم

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة مريم من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
هذه السورة مكية، وليس فيها مدني إلا آية ٥٨، ٧١، وعدد آياتها ٩٨ آية، وقد ابتدأت بالحروف الصوتية ككثير من السور، وفيها قصة ولادة يحيى بن زكريا عليهما السلام وطلب زكريا الولد بعد أن بلغ من الكبر عتيا مع أن امرأته عاقر، ولقد ذكر من بعد ذلك قصة السيدة البتول مريم عليها السلام وولادتها للمسيح عليه السلام ثم ذكرت قصة إبراهيم عليه السلام ودعوته إلي الوحدانية، وطلبه من أبيه أن يهجر عبادة الأوثان، وما كان بينهما من مجاوبات حول الأوثان وسيطرة الشيطان.
وفيها إشارة إلي الأنبياء من ذرية إبراهيم : إسماعيل وإسحاق، وذرية إسحاق، ثم إشارة إلي قصة إدريس عليه السلام وذكر بعد ذلك سبحانه الأخلاف الذين جاءوا بعد النبيين من طائعين وعصاة، وذكر أن الجنة هي جزاء المؤمنين، والنار هي جزاء الكافرين، وأحوال الكافرين في جهنم، وأشار سبحانه إلي المنحرفين الذين يقولون : إن الله اخذ ولدا.
وقد بين سبحانه منزلة القرآن، وأنذر الكافرين، وضرب الأمثال علي هلاك العاصين للأنبياء، وأشار إلي أنهم لا آثار لهم.

١- حروف صوتية لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف، ولتنبيههم فيسمعون.
٢- هذا - أيها الرسول - قصص ربك عن رحمته لعبده ونبيه زكريا.
٣- حين التجأ إلي الله ودعاه في خفية عن الناس.
٤- فقال : رب إني قد ضعفت، وشاب رأسي، وكنت بدعائك غير شقي يا رب، بل كنت سعيداً مستجاب الدعوة.
٥- وإني خِفْتُ أقاربي ألا يحسنوا القيام علي أمر الدين بعد موتى، وكانت ولا تزال امرأتي عقيماً، فارزقني من فضلك غلاماً يخلفني في قومي.
٦- يرثني في العلم والدين، ويرث من آل يعقوب الملك، واجعله يا رب مرضياً عندك وعند الناس.
٧- فنودي : يا زكريا إنا نبشرك بغلام سميناه يحيى، ولم نُسم به أحداً قبل.
٨- قال زكريا متعجباً : يا رب كيف يكون لي ولد وزوجي عقيم وأنا في سن الشيخوخة ؟.
٩- فأوحى الله لعبده زكريا أن الأمر كما بشرت به، وأن مَنْحَك الولد مع كبر السن وعُقْم الزوج هَيِّن علي، ولا تستبعد ذلك فقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً موجوداً.
١٠- قال زكريا : رب اجعل لي علامة تدل علي حصول ما بشرت به. قال الله تعالي : علامتك أن تُحبس عن الكلام ثلاث ليال، وأنت سليم الحواس واللسان.
١١- فخرج زكريا علي قومه من مصلاه، فأشار إليهم أن سبحوا الله صباحاً ومساء.
١٢- ولد يحيى وشب ثم نودي، وأمر بأن يعمل بما في التوراة في جد وعزم، وقد آتاه الله في طور الصبا فقْه الدين وفهْم الأحكام.
١٣- وطبَّعه الله على الحنان، وسمو النفس، ونشَّأه على التقوى.
١٤- وجعله الله كثير البر بوالديه والإحسان إليهما، ولم يجعله مُتَجبّراً علي الناس، ولا عاصياً لله.
١٥- وسلامة له وأمان، أن لا يمسه ضر أو أذى يوم ولادته، ويوم موته، ويوم بعثه حياً.
١٦- واذكر - أيها الرسول - ما في القرآن من قصة مريم، حينما انفردت عن أهلها وعن الناس، وذهبت إلي مكان جهة الشرق من مقامها.
١٧- وضربت بينها وبينهم حجاباً، فأرسل الله إليها جبريل في صورة إنسان تام الخلق، حتى لا تفزع من رؤيته في هيئته الملكية التي لا تألفها.
١٨- قالت مريم : إني ألتجئ إلي الرحمن منك إن يُرجى منك أن تتقى الله وتخشاه.
١٩- قال الملك : ما أنا إلا رسول من ربك لأكون سبباً في أن يوهب لك غلام طاهر خيّر.
٢٠- قالت مريم : كيف يكون لي غلام ولم يقربني إنسان، ولست فاجرة ؟.
٢١- قال الملك : الأمر كما قلت : لم يمسك رجل. قال ربك : إعطاء الغلام بلا أب علي سهل، وليكون ذلك آية للناس تدل علي عظيم قدرتنا، كما يكون رحمة لمن يهتدي به. وكان خلق عيسى أمراً مقدراً لا بد منه.
٢٢- وتحققت إرادة الله، وحملت مريم بعيسى علي الوجه الذي أراده الله، وذهبت بحملها إلى المكان البعيد عن الناس.
٢٣- فألجأها ألم الولادة إلي أن تركن إلي جذع نخلة لتستند إليه وتستتر به، وتخيَّلت ما سيكون من إنكار أهلها هذا الأمر، وتمنت لو أدركها الموت، وكانت شيئاً منسيا لا يذكر.
٢٤- فناداها الملك من مكان منخفض عنها : لا تحزني بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس، فقد جعل ربك بالقرب منك نهراً صغيراً.
٢٥- وهزي النخلة نحوك يتساقط عليك الرطب الطيب١.
١ ﴿وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا﴾ ثبت أن البلح الرطب يحتوي علي المواد الغذائية الرئيسية في صورة مركزة سهلة الهضم وأنه بذلك يناسب النفساء..
٢٦- فكلي منه واشربي، وطيبي نفساً. فإن رأيت أحداً من البشر ينكر عليك أمرك، فأشيري إليه أنك صائمة عن الكلام، ولن تتحدثي اليوم إلى أحد.
٢٧- فأقبلت مريم علي أهلها تحمل عيسى، فقالوا لها في دهشة واستنكار : لقد أتيت أمراً فظيعاً منكراً.
٢٨- يا سلالة هارون النبي التقى الورع، كيف تأتين ما أتيت وما كان أبوك فاسد الأخلاق وما كانت أمك فاجرة١.
١ ﴿يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا﴾: ذكر في دائرة المعارف الإنجليزية أن القرآن غلط غلطا تاريخيا حين قال: "يا أخت هارون" في سورة مريم مع أن بين هارون أخي موسى مئات من السنين، وقد غفلوا عن أن الأخوة تطلق في لسان العرب علي الأخوة الشبيهة، فالمراد من أشبهت هارون في الصلاح والتقوى، ما الذي غير حالك من الصلاح إلي ضده، وما كان أبوك امرأ سوء يأتي الخنا، وما كانت أمك امرأة فحش..
٢٩- فأشارت إلي ولدها عيسى ليكلموه، فقالوا : كيف نتحدث مع طفل لا يزال في المهد.
٣٠- فلما سمع عيسى كلامهم أنطقه الله فقال : إني عبد الله سيؤتيني الإنجيل، ويختارني نبياً.
٣١- ويجعلني مُباركاً مُعلماً للخير نفَّاعاً للناس، ويأمرني بإقامة الصلاة وأداء الزكاة مدة حياتي.
٣٢- كما يأمرني أن أكون بارّاً بوالدتي، ولم يجعلني متجبراً في الناس، ولا شقياً بمعصيته.
٣٣- والأمان من الله علي يوم ولادتي، ويوم موتى، ويوم بعثي حياً.
٣٤- ذلك الموصوف بهذه الصفات، هو عيسى ابن مريم، وهذا هو القول الحق في شأنه، الذي يجادل فيه المبطلون، ويشكك في أمر نبوته الشاكُّون.
٣٥- وما صح ولا استقام في العقل أن يتخذ الله ولدا - تنزه الله عن ذلك - وشأنه - سبحانه - أنه إذا قضى أمراً من الأمور نفذت إرادته لا محالة، بكلمة - كن - فيتحقق في الوجود كائناً.
٣٦- وإن الله سيدي وسيدكم فاعبدوه، ولا تشركوا به أحداً، هذا الذي دعوتكم إليه طريق يوصلكم إلي السعادة.
٣٧- ومع ما تقدم من قول الحق في عيسى، قد اختلف أهل الكتاب فيه، وذهبوا مذاهب شتى. والعذاب الشديد للكافرين يوم يحضرون موقف الحساب، ويشهدون موقف القيامة، ويلقون سوء الجزاء.
٣٨- ما أشد سمعهم وأقوى بصرهم يوم يلقون الله ! ! لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم، وتركهم الانتفاع بالسمع والبصر في ضلال عن الحق، ظاهر لا يخفى.
٣٩- وحذِّر - أيها الرسول - هؤلاء الظالمين يوماً يتحسرون فيه علي تفريطهم في حق الله وحق أنفسهم - وقد فرغوا من حسابهم، ونالوا جزاءهم - وقد كانوا في الدنيا غافلين عن ذلك اليوم، لا يصدقون بالبعث ولا بالجزاء.
٤٠- ألا فليعلم الناس أن الله هو الوارث لهذا الكون وما فيه، وحسابهم علي الله.
٤١- واذكر - أيها الرسول - للناس ما في القرآن من قصة إبراهيم، إنه كان عظيم الصدق، قولا وعملا، مخبراً عن الله تعالى.
٤٢- واذكر حين وجه إبراهيم الخطاب إلي أبيه في رفق قائلا له : يا أبى كيف تعبد أصناماً لا تسمع ولا تبصر ولا تجلب لك خيراً، ولا تدفع عنك شراً ؟ !.
٤٣- يا أبى، لقد جاءني من طريق الوحي الإلهي ما لم يأتك من العلم بالله، والمعرفة بما يلزم الإنسان نحو ربه، فاتبعني فيما أدعوك إليه من الإيمان، أَدُلَّك علي الطريق المستقيم، الذي يوصلك إلي الحق والسعادة.
٤٤- يا أبت : لا تطع الشيطان فيما يُزين لك من عبادة الأصنام، فإن الشيطان دائب علي معصية الرحمن ومخالفة أمره.
٤٥- يا أبت : إني أخشى - إن أصْرَرتَ علي الكفر - أن يُصيبك عذاب شديد من الرحمن، فتكون قريناً للشيطان في النار تليه ويليك.
٤٦- قال الأب لإبراهيم منكراً عليه، مهدداً له : كيف تنصرف عن آلهتي يا إبراهيم وتدعوني إلي عبادة إلهك ؟ لئن لم تكف عن شتم الأصنام لأضربنك بالحجارة، فاحذرني واتركني زماناً طويلا، حتى تهدأ ثائرتي عنك.
٤٧- تلطف إبراهيم مع أبيه وودعه قائلا : سلام عليك منى، وسأدعو لك ربي بالهداية والمغفرة، وقد عوَّدني ربى أن يكون رحيماً بي قريباً منى.
٤٨- وهاأنذا أهجركم وأبتعد عما تعبدون من دون الله، وأعبد ربى - وحده - راجياً أن يقبل طاعتي ولا يخيب رجائي.
٤٩- فلما فارق إبراهيم أباه وقومه وآلهتهم، أكرمه الله بالذرية الصالحة علي يأس منه، إذ بلغ هو وزوجه حد الكبر الذي لا ينجب، فوهب له إسحاق، ورزقه من إسحاق يعقوب، وجعلناهما نبيين.
٥٠- وأعطيناهم فوق منزلة النبوة كثيراً من خيْري الدين والدنيا برحمتنا، وأورثناهم في الدنيا ذكرى طيبة خالدة، بلسان صدق علي يتحدث بذكرهم.
٥١- واتل - أيها الرسول - علي الناس ما في القرآن من قصة موسى، إنه كان خالصاً بنفسه وقلبه وجسمه لله، وقد اصطفاه الله للنبوة والرسالة.
٥٢- وكرمناه فناديناه عند جبل الطور، وسمع موسى النداء الإلهي من الجهة اليمنى، وقرَّبناه تقْريب تشريف واصطفيناه لمناجاتنا.
٥٣- ومنحناه من رحمتنا ونعمنا، واخترنا معه أخاه هارون نبيا، يعاونه في تبليغ الرسالة.
٥٤- واتل - أيها الرسول - علي الناس ما في القرآن من قصة إسماعيل، إنه كان يصدق في وعده، وقد وعد أباه بالصبر علي ذبحه له، وَوَفي بوعده، ففداه الله وشرفه بالرسالة والنبوة.
٥٥- وكان يأمر أهله بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وكان في المقام الكريم من رضا ربه.
٥٦- واتل - أيها الرسول - علي الناس ما في القرآن من قصة إدريس، إنه كان شأنه الصدق قولا وفعلا وعملا. وقد منحه الله شرف النبوة.
٥٧- وقد رفعه الله بذلك مكاناً سامياً.
٥٨- أولئك الذين سلف ذكرهم، ممن أنعم الله عليهم من النبيين بنعم الدنيا والآخرة من ذرية آدم ومن ذرية من نجاه الله مع نوح في السفينة، ومن ذرية إبراهيم كإسماعيل، ومن ذرية يعقوب كأنبياء بني إسرائيل، وممن هديناهم إلي الحق، واخترناهم لإعلاء كلمة الله. هؤلاء إذا سمعوا آيات الله تُتْلي عليهم خشعوا وخروا ساجدين لله متضرعين له.
٥٩- ثم جاء بعد هؤلاء الأخيار أجيال علي غير هدْيهم تركوا الصلاة، وأهملوا الانتفاع بِهدْيها، وانهمكوا في المعاصي، وسيلقى هؤلاء جزاء غيهم وضلالهم في الدنيا والآخرة.
٦٠- لكن من تداركوا أنفسهم بالتوبة، وصدق الإيمان، والعمل الصالح، فإن الله يقبل توبتهم، ويدخلهم الجنة، ويوفيهم أجورهم.
٦١- هذه الجنات دار خلود، وعد الرحمن بها عباده التائبين، فآمنوا بها بالغيب، فهم داخلوها لا محالة، فإن وعد الله لا يتخلف.
٦٢- وهم في تلك الجنات لا يجرى بينهم لغو الحديث، ولا يسمعون إلا خيراً وأمناً، ورزقهم فيها رغد مكفول دائماً.
٦٣- وإنما يؤتى الله تلك الجنة ويملكها لمن كان تقياً في الدنيا بترك المعاصي وفعل الطاعات.
٦٤- وكان الوحي قد تأخر وقلق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فجاءه جبريل - عليه السلام - ليطمئنه وقال له : إن الملائكة لا تنزل إلا بإذن ربها، فاطمئن أيها الرسول الكريم فإن ربك لا ينسى.
٦٥- فهو سُبحانه الخالق المالك للسموات والأرض وما بينهما، والمدبر لشؤونهما، والمستحق - وحده - للعبادة، فاعبده - أيها المخاطب - وثابر علي عبادته صابراً مطمئناً، فهو سبحانه المستحق - وحده - للعبادة، وليس له نظير يستحق العبادة، أو يسمى باسم من أسمائه.
٦٦- ويقول الإنسان مستغرباً البعث : كيف أبعث حياً بعد الموت والفناء ؟ ! !.
٦٧- كيف يستغرب قدرة الله علي البعث في الآخرة، ولا يذكر أنه تعالي خلقه في الدنيا من عدم ؟، مع أن إعادة الخلق أهْوَن من بدئه في حكم العقل.
٦٨- وإذا كان أمر البعث غريباً ينكره الكافرون، فوالذي خلقك وربَّاك ونمَّاك لنجمعن الكافرين يوم القيامة مع شياطينهم - الذين زينوا لهم الكفر - وسنحضرهم جميعاً حول جهنم جاثين علي ركبهم في ذلة لشدة الهول والفزع.
٦٩- ثم لننزعن من كل جماعة أشدهم كفراً بالله، وتمرداً عليه، فيدفع بهم قبل سواهم إلي أشد العذاب.
٧٠- ونحن أعلم بالذين هم أحق بسبقهم إلي دخول جهنم والاصطلاء بلهيبها.
٧١- وإن منكم - معشر الخلق - إلا حاضر لها، يراها المؤمن ويمر بها، والكافر يدخلها، وتنفيذ هذا أمر واقع حتماً، جرى به قضاء الله.
٧٢- ثم إننا نشمل المتقين برحمتنا فننجيهم من جهنم، ونترك بها الذين ظلموا أنفسهم جاثين علي ركبهم، تعذيباً لهم.
٧٣- وكان الكافرون في الدنيا إذا تليت عليهم آيات الله واضحة الدلالة أعرضوا عنها، وقالوا للمؤمنين - معتزين بمالهم وجمعهم - لستم مثلنا حظاً في الدنيا، فنحن خير منكم منزلا ومجلساً، فكذلك سيكون حظنا في الآخرة التي تؤمنون بها.
٧٤- وكان علي هؤلاء الكافرين أن يتعظوا بمَنْ سبقهم من أمم كثيرة كفرت بالله وكانوا أحسن منهم حظاً في الدنيا، وأكثر متاعاً وأبهى منظراً، فأهلكهم الله بكفرهم - وهم كثيرون - وفي آثارهم عبر لكل معتبر.
٧٥- قل - أيها الرسول - لهؤلاء : من كان في الضلالة والكفر أمهله الرحمن، وأملي له في العمر ليزداد طغياناً وضلالا، وسيردد الكفار قولهم للمؤمنين : أي الفريقين خير مقاماً وأحسن نديا ؟ إلي أن يشاهدوا ما يوعدون : إما تعذيب المسلمين إياهم في الدنيا بالقتل والأسر، وإما خزي القيامة لهم، فحينئذ يعلمون أنهم شر منزلا وأضعف أنصارا.
٧٦- أما المؤمنون بآيات الله، فحينما يسمعونها يقبلون عليها، ويزيدهم الله بها توفيقاً لحسن العمل، والأعمال الصالحة خير وأبقى عند الله ثواباً وعاقبة.
٧٧- تعجب - أيها الرسول - من أمر الكافر بآيات الله، الذي فتنته دنياه، فأنكر البعث وقال - مستهزئاً - : إن الله سيعطيني في الآخرة التي تزعمونها مالاً وولداً أعتز بهما هناك، وظن أن الآخرة كالدنيا، تقاس عليها، ونسى أنها جزاء الخير والشر، وأن الفضل فيها بالعمل الصالح.
٧٨- فهل اطلع ذلك الكافر علي الغيب حتى يخبر عن صدق ؟، وهل أخذ من الله عهداً بذلك حتى يتعلق بأمل ؟.
٧٩- فليرتدع عما يفتريه، فإننا نحصى عليه افتراءه، وسيصل عذابه ممدوداً مدَّا طويلاً لا يتصوره.
٨٠- سيسلبه الله ما يعتز به في الدنيا من مال وولد، ويهلكه، ويأتي في الآخرة وحيداً منفرداً، دون مال أو ولد أو نصير.
٨١- أولئك الكافرون اتخذوا غير الله آلهة مختلفة عبدوها، لتكون لهم شفعاء في الآخرة.
٨٢- عليهم أن يرتدعوا عما يظنون، سيجحد الآلهة عبادتهم وينكرونها، ويكون هؤلاء المعبودون خصماً للمشركين يطالبون بتعذيبهم.
٨٣- ألم تعلم - أيها الرسول - أننا مكنا الشياطين من الكافرين - وقد استحوذت على هؤلاء الكافرين - تُغريهم وتدفعهم إلي التمرد على الحق فانقادوا لها.
٨٤- فلا يضق صدرك - أيها الرسول - بكفرهم، ولا تستعجل لهم العذاب، فإنما نتركهم في الدنيا أمداً محدوداً ونحصي عليهم أعمالهم وذنوبهم، لنحاسبهم عليها في الآخرة.
٨٥- اذكر - أيها الرسول - اليوم الذي نجمع فيه المتقين إلي جنة الرحمن وفوداً وجماعات مكرمين.
٨٦- وندفع فيه المجرمين إلي جهنم عطاشا، كاندفاع الدواب العطاش إلى الماء.
٨٧- ولا يملك الشفاعة في هذا اليوم أحد إلا من يأذن الله تعالى له، لعهد كان له.
٨٨- لقد قال المشركون واليهود والنصارى : إن الله اتخذ ولدا من الملائكة أو من الناس.
٨٩- لقد أتيتم - أيها القائلون - بذلك القول أمراً منكراً، تنكره العقول المستقيمة.
٩٠- تكاد السماوات يتشققن منه، وتنخسف الأرض، وتسقط الجبال قطعاً مفتتة.
٩١- وإنما تقرب حوادث السماوات والأرض والجبال أن تقع، لأنهم سموا لله ولدا.
٩٢- وما يستقيم في العقل أن يكون لله ولد، لأن إثبات الولد له يقتضى حدوثه وحاجته.
٩٣- ما كل من في السماوات والأرض إلا سيأتي الله سبحانه يوم القيامة عبداً خاضعاً لألوهيته.
٩٤- لقد أحاط علمه بهم جميعاً وبأعمالهم، فلا يخفي عليه أحد منهم ولا شيء من أعمالهم.
٩٥- وهم جميعاً يجيئون إليه يوم القيامة منفردين عن النصراء وعن الولد والمال.
٩٦- إن المؤمنين العاملين الصالحات يُحبهم الله، ويُحببهم إلي الناس.
٩٧- فإنما يسرنا القرآن بلغتك لتُبشر برضا الله ونعيمه من اتبع أوامره واجتنب نواهيه، وتُنذر بسخط الله وعذابه من كفر به واشتد في خصومته.
٩٨- فلا يحزنك - أيها الرسول - عنادهم لك، فقد أهلك الله قبلهم كثيراً من الأمم والأجيال، لعنادهم ولكفرهم، ولقد اندثروا، فلا ترى منهم أحداً، ولا تسمع لهم صوتاً.
Icon