ﰡ
وقول من قال : إنها نزلت في الصلاة على الراحلة، قول حسن أيضا، تعضده السنة٢ في ذلك. ( ت : ١٧/٧٣. وانظر س : ٦/١٢٧ ).
١٥- قال أبو عمر : بين الصلاة على الحمار والصلاة على الراحلة فرق في التمكن لا يجهل، والمحفوظ في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته تطوعا في السفر حيث توجهت به، وتلا ابن عمر :﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾، وهذا معناه في النافلة بالسنة، إن كان آمنا، وأما الخوف فتصلى الفريضة على الدابة، لقول الله –عز وجل- :﴿ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ﴾٣، وهذا كله مجتمع عليه من فقهاء الأمصار وجمهور العلماء. ( ت : ٢٠/١٣٢ ).
٢ - أخرج الإمام مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، خبرا عن ابن عمر مفاده أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته: ١/٤٨٦..
٣ - سورة البقرة: ٢٣٧..
قال أبو عمر : يؤكد هذا قول الله -عز وجل- :﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾٢ -الآية، وقوله تبارك وتعالى :﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ﴾٣. ( ت : ٦/٧٥ ).
١٨- ذكر سنيد٤ عن ابن علية٥، عن أبي رجاء٦، أنه سأل الحسن٧ عن قوله –عز وجل- :﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ﴾، قال : ابتلاه بالكوكب فرضي، وابتلاه بالقمر فرضي، وابتلاه بالشمس فرضي، وابتلاه بالنار فرضي، وابتلاه بالهجرة فرضي، وابتلاه بالختان فرضي. ( ت : ٢١/٥٧- ٥٨ ).
١٩- قال أبو عمر : قص الشارب والختان، من ملة إبراهيم، لا يختلفون في ذلك ؛ ذكر مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، أنه قال : كان إبراهيم أول من ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب فقال : يا رب ! ما هذا ؟ فقال الله : وقار يا إبراهيم، فقال : رب زدني وقارا٨. ( ت : ٢١/٥٨ ).
٢ - سورة النحل: ١٢٣..
٣ - سورة آل عمران: ٦٧..
٤ - هو الإمام الحافظ أبو علي حسين بن داود، ولقبه سنيد المصيصي المحتسب، صاحب التفسير الكبير، حدث عن حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان الضبعي، وعبد الله بن المبارك... وعنه أبو بكر الأثرم، وأبو زرعة الرازي، وأحمد بن زهير، وآخرون. توفي سنة ٢٢٦ هـ. انظر سير أعلام النبلاء: ١٠/٦٢٧- ٦٢٨. والتهذيب: ٤/٢٤٤..
٥ - هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبو بشر الأسدي مولاهم، من أهل البصرة، وأصله كوفي. روى الكثير عن عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني، وابن عون وحميد الطويل... وعنه يعقوب الدورقي، والحسن بن عرفة، وموسى بن سهل، وآخرون. مات سنة ٩٣هـ انظر تاريخ بغداد: ٦/٢٢٩- ٢٤٠. وأعلام النبلاء: ٩/١٠٧- ١٢٠..
٦ - هو الإمام الكبير شيخ الإسلام عمران بن ملحان التميمي البصري، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد فتح مكة، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، حدث عن عمر، وعلي، وابن عباس، وعنه أيوب، وابن عون، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، توفي سنة ١٠٥هـ. انظر أعلام النبلاء: ٤/٢٥٣- ٢٥٧..
٧ - أي الحسن البصري..
٨ - الموطأ، كتاب صفة النبي، باب ما جاء في السنة في الفطرة: ٦١٤..
٢ - سورة الإسراء: ٢٠..
٢٥- من الدلائل على أن الإيمان قول وعمل –كما قالت الجماعة والجمهور، قول الله -عز وجل- :﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾، لم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا، ومثل هذا قوله :﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من –آمن بالله واليوم الآخر ﴾- الآية، إلى قوله :﴿ أولئك هم المتقون ﴾٢. ( ت : ٩/٢٤٥ ).
٢ - سورة البقرة: ١٧٦..
وذكر سنيد عن حجاج٤، عن ابن جريج، قال : قال ابن عباس : كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستقبل صخرة بيت المقدس قبل قدومه –صلى الله عليه وسلم- ثلاث حجج، وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله تبارك وتعالى إلى البيت الحرام.
قال أبو عمر : من حجة الذين قالوا : إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إنما صلى إلى بيت المقدس بالمدينة، وأنه إنما كان يصلي بمكة إلى الكعبة، ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ، قال : حدثنا محمد بن وضاح، قال : حدثنا موسى بن معاوية، قال : حدثنا وكيع٥، عن إسرائيل٦، عن أبي إسحاق٧، عن البراء بن عازب، قال : لما قدم النبي –صلى الله عليه وسلم- المدينة، صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله -عز وجل- :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ﴾، فوجه نحو الكعبة، وكان يحب ذلك.
فظاهر هذا الخبر يدل على أنه لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس لا قبل ذلك- والله أعلم.
ويدل على ذلك أيضا، ما حدثنا به أحمد بن قاسم، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال : حدثنا عبد الله بن صالح، قال : حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال : كان أول ما نسخ الله من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة –وكان أكثر أهلها اليهود- أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو الله، وينظر إلى السماء، فأنزل الله :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء ﴾، إلى قوله :﴿ فولوا وجوهكم شطره ﴾، يعني نحوه. فارتاب اليهود وقالوا :﴿ ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ﴾، فأنزل الله :﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾٨، وقال :﴿ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ﴾٩، قال ابن عباس : ليميز أهل اليقين من أهل الشك.
وأجمع العلماء أن القبلة التي أمر الله نبيه وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم، هي الكعبة البيت الحرام بمكة وأنه فرض على كل من شاهدها وعاينها استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها، أو عالم بجهتها، فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى كذلك. ( ت : ١٧/٥١- ٥٤ ).
٢٧- قال الله –عز وجل- :﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ﴾، في ذلك دليل على أن في أحكام الله تعالى ناسخا ومنسوخا، وهو ما لا اختلاف فيه بين العلماء الذين هم الحجة على من خالفهم. ( س : ٧/٢٠٤ ).
٢٨- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا أحمد بن سلمان النجار ببغداد، قال : حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال : حدثنا أحمد بن محمد، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس، قال : حدثنا أبو جعفر١٠، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله –عز وجل- :﴿ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ﴾، يقول : إن الكعبة البيت الحرام قبلة إبراهيم والأنبياء –صلى الله عليهم وسلم- ولكنهم١١ تركوها عمدا. ( س : ١/١٨٢ ).
٢ - هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، الإمام المحدث أبو عبد الله القشيري البصري له عدة أحاديث عن أبيه عن جده، وعن زرارة بن أوفى... وعنه حماد بن سلمة، ويحيى القطان، وعدة. توفي قبل ١٥٠ هـ، انظر سير أعلام النبلاء: ٦/٢٥٣، والتهذيب: ١/٤٩٨..
٣ - هو ثابت بن أسلم الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو محمد البناني، مولاهم البصري، حدث عن عبد الله بن عمر، وابن الزبير، وأنس بن مالك.. وعنه عطاء بن أبي رباح، وقتادة، وحماد بن سلمة، وآخرون. اختلف في سنة وفاته بين: ١٢٣هـ و١٢٧هـ انظر سير أعلام النبلاء: ٥/٢٢٠- ٢٢٥، والتهذيب: ٢/٢..
٤ - هو حجاج بن محمد، أبو محمد الأعور، سمع ابن جريج، وشعبة بن الحجاج، والليث ابن سعد... وروى عنه سنيد بن داود، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم. توفي سنة ٢٠٦ هـ انظر تاريخ بغداد: ٨/٢٣٦- ٢٣٩، وطبقات المفسرين: ١/١٣١- ١٣٢..
٥ - هو وكيع بن الجراح بن مليح، يكنى أبا سفيان الرواسي، أسند عن الأئمة الأعلام، كإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش، وابن جريج.. وعنه سفيان الثوري، وهو أحد شيوخه، وعبد الله بن المبارك، والحميدي، وآخرون. توفي سنة ١٩٧هـ، انظر صفة الصفوة: ٣/١٧٠- ١٧٢، وسير أعلام النبلاء: ٩/١٤٠- ١٦٨..
٦ - هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ويكنى أبا يوسف. أكثر عن جده. وروى أيضا عن إسماعيل السدي، وعاصم بن بهدلة... وعنه أخوه. وحجاج الأعور، وعبد الرزاق وغيرهم. توفي سنة: ١٦٢هـ، انظر طبقات ابن سعد: ٦/٣٧٤، وسير أعلام النبلاء: ٧/٣٥٥- ٣٦١..
٧ - هو أبو إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله بن علي بن أحمد بن ذي يحمد، روى عن معاوية، وعدي بن حاتم، وابن عباس، والبراء بن عازب... وعنه محمد بن سيرين، والزهري، وقتادة، وحفيده إسرائيل، وآخرون. توفي سنة ١٢٨هـ، انظر طبقات ابن سعد: ٦/٣١٣- ٣١٥، وسير أعلام النبلاء: ٥/٣٩٢- ٤٠١..
٨ - سورة البقرة: ١١٤..
٩ - سورة البقرة: ١٤٢..
١٠ - هو عيسى بن أبي عيسى، أبو جعفر التميمي، واسم أبي عيسى ماهان. أصله من مرو، سكن الري فنسب إليها. سمع عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة، والربيع بن أنس... وحدث عنه شعبة، وجرير، ووكيع، ويونس بن بكير وغيرهم. انتقل إلى الري ومات بها. قال الحافظ الذهبي، توفي في حدود سنة ١٦٠هـ انظر تاريخ بغداد: ١١/١٤٣- ١٤٧، وسير أعلام النبلاء: ٧/٣٤٦- ٣٤٩..
١١ - أي الذين أوتوا الكتاب..
قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي – صلى الله عليه وسلم- : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله –عز وجل- :﴿ إن الصفا والمروة ﴾، كلها، قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، فيمن طاف، وفيمن لم يطف.
قال أبو عمر : قول أبي بكر ابن عبد الرحمان : " فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين " يعني القائلين بأن الآية نزلت فيمن قال : يا نبي الله ! إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ؛ يعني مناة التي كانت للأنصار، ليلا يعظموا غير الله تعالى، وكانت لهم آلهة يعبدونها قد نصبوها بين المسلك بين مكة والمدينة، فكانوا يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة من أجل مناة التي كانت لقريش، وما أدري موضع مناة الثالثة الأخرى. والفريق الثاني هم القائلون بأن الآية إنما نزلت لقول من قال : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج ألا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله ﴾ كلها. ( س : ١٢/٢١٥- ٢١٨ ).
٣٣- فإن احتج محتج بقراءة ابن مسعود وما في مصحفه، وذلك قوله : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، قيل له : ليس فيما سقط من مصحف الجماعة حجة، لأنه لا يقطع به على الله –عز وجل- ولا يحكم بأنه قرآن إلا بما نقلته الجماعة بين اللوحين. وأحسن ما روي في تأويل هذه الآية، ما ذكره هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، قالت : كانت مناة على ساحل البحر وحولها الفروث٤ والدماء مما يذبح بها المشركون، فقالت الأنصار : يا رسول الله ! إنا كنا إذا أحرمنا بمناة في الجاهلية، لم يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله –عز وجل- :﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾، قال عروة : أما أنا فلا أبالي ألا أطوف بين الصفا والمروة، قالت عائشة : لم يا ابن أختي ؟ قال : لأن الله يقول :﴿ فلا جناح عليه أن يطوف بهما ﴾، فلعمري ما تمت حجة أحد ولا عمرته إن لم يطف بين الصفا والمروة٥. ( ت : ٢/٩٨ ).
٢ - من أهل يهل إهلالا، إذا لبى وأحرم بالحج أو العمرة، وأصل الإهلال: رفع الصوت، وهو هنا بمعنى الذبح. انظر اللسان، مادة "هلل": ١١/٧٠١..
٣ - قال الحافظ ابن عبد البر: أما مناة، فصنم، وهو الذي ذكر الله تعالى أنه أحد الأصنام الثلاثة في قوله تعالى: ﴿ومناة الثالثة الأخرى﴾- النجم: ٢٠. الاستذكار: ١٢/٢١٥..
٤ - جمع فرث، وهي السرجين مادام في الكرش، اللسان: مادة "فرث": ٦/١٧٦..
٥ - انظر كتاب الحج من الموطأ، باب جامع السعي: ٦٣٩- ٦٤٠. وأخرجه الإمام البخاري في التفسير. انظر صحيحه بشرح الكرماني: ١٧/١٨- ١٩..
وقال سعيد بن جبير في قوله :﴿ غير باغ ولا عاد ﴾، قال : هو الذي يقطع الطريق، فليس له رخصة إذا اضطر إلى شرب الخمر وإلى الميتة. ( س : ١٥/٣٥٤- ٣٥٥ ).
٣٦- ﴿ ولكن البر من آمن بالله ﴾، المعنى : ولكن البر بر من آمن بالله. ( س : ٦/١٨١ ).
٣٧- ذكر وكيع، عن الثوري والأعمش، عن زيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود في قوله :﴿ وآتى المال على حبه ﴾، قال : أن توتيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش١ وتخشى الفقر. ( ت : ١٤/٣٠٥ ).
٣٩- قال مالك : أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية، قول الله - تبارك وتعالى :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد ﴾، فهؤلاء الذكور، ﴿ والأنثى بالأنثى ﴾، أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور، والمرأة الحرة تقتل بالمرأة، كما يقتل الحر بالحر. والأمة تقتل بالأمة، كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال، والقصاص يكون أيضا بين الرجال والنساء ؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ﴾٢، فذكر الله –تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه٣.
قال أبو عمر : أما قول الله –عز وجل- :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر، وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر، وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى ؛ إلا أن منهم من قال : إن قتل أولياء المرأة الرجل بها، أدوا نصف الدية، إن شاءوا وإلا أخذوا الدية. ولا يقتل الذكر بالأنثى حتى يؤدوا نصف الدية، روي هذا القول عن علي –رضي الله عنه- ولا يصح ؛ لأن الشعبي لم يلق عليا٤.
وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار، فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة، كما تقتل المرأة به ؛ لقول الله –عز وجل- :﴿ النفس بالنفس ﴾٥، ولقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ( المسلمون تتكافأ دماؤهم )٦. ولم يخص الله –عز وجل- ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- بما ذكرنا ذكرا من أنثى. وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله –عز وجل- ؛ لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله –عز وجل- بل الكتاب والسنة بينا مراد قول٧ الله –عز وجل- من قوله :{ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )، وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله –عز وجل- لو قال أحد : إنه لا يقتل حر بحر، ولا تقتل أنثى بأنثى، وهذا لا يقوله أحد، لأنه خلاف ظاهر الآية، ورد لها. ( س : ٢٥٣-٢٥٦ ).
٤٠- قال الله –تعالى- :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، وقال تعالى :﴿ والجروح قصاص ﴾٨. فمن جاز أن يقتص منه في النفس، كان فيما دونها أحرى وأولى، إن شاء الله. ( س : ٢٥/١٥٩ ).
٤١- قال الله –عز وجل- :﴿ كتب عليكم القصاص ﴾، وقال :﴿ ولكم في القصاص حياة ﴾، وقال :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾٩، وقال في موضع آخر :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، يريد بذلك عند أهل العلم، التسوية بين الشريف والوضيع من الأحرار، وبين العبد الرفيع الثمن والوضيع، ونسخ بذلك ما كانوا عليه في جاهليتهم من رفع القصاص بين الشريف والوضيع، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :( المسلمون تتكافأ دماؤهم )١٠، وقال :﴿ لا يقتل مؤمن بكافر ﴾١١، وبلفظ :( لا يقتل مسلم بكافر )، فدلت السنة على أن المؤمن لا يكافئه الكافر، وكذلك العبد لا يكافئ الحر عند أكثر العلماء. ( الكافي : ١٨٧ ).
٢ - سورة المائدة: ٤٧..
٣ - الموطأ، كتاب العقول، باب القصاص في القتل: ٥٨٣- ٥٨٤..
٤ - انظر الجامع لأحكام القرآن: ٢/٢٤٧- ٢٤٨..
٥ - سورة المائدة: ٤٧..
٦ - أخرجه أبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠- ١٨١. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩-٢٠. وابن ماجة في الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم: ٢/٨٩٥. والإمام أحمد: ١/١٢٢..
٧ - حذف هذه اللفظة أصح وأسلم..
٨ - سورة المائدة: ٤٧..
٩ - نفسها..
١٠ - سبق تخريجه قبل قليل..
١١ - أخرجه البخاري في الديات، باب: لا يقتل المسلم بالكافر: ٨/٤٧. وأبو داود في الديات أيضا، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠-١٨١. والترمذي في الديات كذلك، باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٤٣٢- ٤٣٣. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩- ٢٠، وكذا في ٢٣- ٢٤. وابن ماجة في الديات باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٨٨٧- ٨٨٨. والدارمي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/١٩٠. والإمام أحمد: ١/٧٩، ١١٩، ١٢٢، وكذا في ٢/١٧٨، ١٨٠، ١٩٢، ١٩٤، ٢١١، ٢١٥..
٣٩- قال مالك : أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية، قول الله - تبارك وتعالى :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد ﴾، فهؤلاء الذكور، ﴿ والأنثى بالأنثى ﴾، أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور، والمرأة الحرة تقتل بالمرأة، كما يقتل الحر بالحر. والأمة تقتل بالأمة، كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال، والقصاص يكون أيضا بين الرجال والنساء ؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ﴾٢، فذكر الله –تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه٣.
قال أبو عمر : أما قول الله –عز وجل- :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر، وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر، وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى ؛ إلا أن منهم من قال : إن قتل أولياء المرأة الرجل بها، أدوا نصف الدية، إن شاءوا وإلا أخذوا الدية. ولا يقتل الذكر بالأنثى حتى يؤدوا نصف الدية، روي هذا القول عن علي –رضي الله عنه- ولا يصح ؛ لأن الشعبي لم يلق عليا٤.
وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار، فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة، كما تقتل المرأة به ؛ لقول الله –عز وجل- :﴿ النفس بالنفس ﴾٥، ولقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ( المسلمون تتكافأ دماؤهم )٦. ولم يخص الله –عز وجل- ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- بما ذكرنا ذكرا من أنثى. وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله –عز وجل- ؛ لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله –عز وجل- بل الكتاب والسنة بينا مراد قول٧ الله –عز وجل- من قوله :{ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )، وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله –عز وجل- لو قال أحد : إنه لا يقتل حر بحر، ولا تقتل أنثى بأنثى، وهذا لا يقوله أحد، لأنه خلاف ظاهر الآية، ورد لها. ( س : ٢٥٣-٢٥٦ ).
٤٠- قال الله –تعالى- :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، وقال تعالى :﴿ والجروح قصاص ﴾٨. فمن جاز أن يقتص منه في النفس، كان فيما دونها أحرى وأولى، إن شاء الله. ( س : ٢٥/١٥٩ ).
٤١- قال الله –عز وجل- :﴿ كتب عليكم القصاص ﴾، وقال :﴿ ولكم في القصاص حياة ﴾، وقال :﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾٩، وقال في موضع آخر :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾، يريد بذلك عند أهل العلم، التسوية بين الشريف والوضيع من الأحرار، وبين العبد الرفيع الثمن والوضيع، ونسخ بذلك ما كانوا عليه في جاهليتهم من رفع القصاص بين الشريف والوضيع، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :( المسلمون تتكافأ دماؤهم )١٠، وقال :﴿ لا يقتل مؤمن بكافر ﴾١١، وبلفظ :( لا يقتل مسلم بكافر )، فدلت السنة على أن المؤمن لا يكافئه الكافر، وكذلك العبد لا يكافئ الحر عند أكثر العلماء. ( الكافي : ١٨٧ ).
٢ - سورة المائدة: ٤٧..
٣ - الموطأ، كتاب العقول، باب القصاص في القتل: ٥٨٣- ٥٨٤..
٤ - انظر الجامع لأحكام القرآن: ٢/٢٤٧- ٢٤٨..
٥ - سورة المائدة: ٤٧..
٦ - أخرجه أبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠- ١٨١. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩-٢٠. وابن ماجة في الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم: ٢/٨٩٥. والإمام أحمد: ١/١٢٢..
٧ - حذف هذه اللفظة أصح وأسلم..
٨ - سورة المائدة: ٤٧..
٩ - نفسها..
١٠ - سبق تخريجه قبل قليل..
١١ - أخرجه البخاري في الديات، باب: لا يقتل المسلم بالكافر: ٨/٤٧. وأبو داود في الديات أيضا، باب أيقاد المسلم بالكافر: ٤/١٨٠-١٨١. والترمذي في الديات كذلك، باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٤٣٢- ٤٣٣. والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس: ٨/١٩- ٢٠، وكذا في ٢٣- ٢٤. وابن ماجة في الديات باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/٨٨٧- ٨٨٨. والدارمي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر: ٢/١٩٠. والإمام أحمد: ١/٧٩، ١١٩، ١٢٢، وكذا في ٢/١٧٨، ١٨٠، ١٩٢، ١٩٤، ٢١١، ٢١٥..
وروي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال :( لا وصية لوارث )٢، وهذا بيان منه –صلى الله عليه وسلم- أن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين، وأما من أجاز نسخ القرآن بالسنة من العلماء، فإنهم قالوا : هذا الحديث نسخ الوصية للورثة، وللكلام في نسخ القرآن بالسنة موضع غير هذا٣. ( ت : ١٦/٢٩٢- ٢٩٣ ).
٤٣- الخير ههنا المال، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك، ومثل قوله –عز وجل- :﴿ إن ترك خيرا ﴾، قوله :﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾٤، وقوله :﴿ إني أحببت حب الخير ﴾٥، وقوله :﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾٦، والخير في هذه الآيات كلها المال، وكذلك قوله –عز وجل- حاكيا عن شعيب –صلى الله عليه وسلم- :﴿ إني أراكم بخير ﴾٧، يعني الغنى.
وقال قتادة في قوله– عز وجل- :﴿ إن ترك خيرا الوصية ﴾، قال : الخير ألف فما فوقها. ( ت : ١٤/٢٩٥- ٢٩٦ ).
٤٤- استدل بعض العلماء٨ على أن الوصية غير واجبة بقوله –عز وجل- في آية الوصية :﴿ بالمعروف حقا على المتقين ﴾، والمعروف : التطوع بالإحسان، قالوا : والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من أهل الدين. ( س : ٢٣/٧ ).
٢ - أخرجه أبو داود في الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث: ٣/١١٤. والترمذي في الوصايا كذلك، باب ما جاء لا وصية لوارث: ٣/٢٩٣. والنسائي في الوصايا أيضا، باب إبطال الوصية للوارث: ٦/٢٤٧. وابن ماجة في الوصايا، باب لا وصية لوارث: ٢/٩٠٥- ٩٠٦. والدارمي في الوصايا، باب الوصية للوارث: ٢/٤١٩. والإمام أحمد: ٤/١٨٦- ١٨٧ و٢٣٨-٢٣٩، ولفظه: (فلا تجوز لوارث وصية)..
٣ - يحتمل أن يكون ذكر ذلك في كتاب "علم أصول الفقه" الذي هو في حكم المفقود من تراث ابن عبد البر..
٤ - سورة العاديات: ٨..
٥ - سورة ص: ٣١..
٦ - سورة النور: ٣٣..
٧ - سورة هود: ٨٣..
٨ - ذكر منهم القرطبي أبا ثور، وقال: "احتج من لم يوجبها بأن قال: لو كانت واجبة لم يجعلها إلى إرادة الموصي، ولكان ذلك لازما على كل حال، ثم لو سلم ظاهره الوجوب فالقول بالموجب يرده، وذلك فيمن كانت عليه حقوق للناس يخاف ضياعها عليهم". الجامع لأحكام القرآن: ٢/٢٦٠..
٤٧- قال أبو عمر : قال الله تعالى :﴿ كتب عليكم الصيام ﴾، إلى قوله :﴿ فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ﴾، قوله تعالى :﴿ يطيقونه ﴾، هو الثابت بين لوحي المصحف المجتمع عليه، وهي القراءة الصحيحة التي يقطع بصحتها، ويقطع الفرد بمجيئها٢. وقد اختلف العلماء بتأويلها.
قال منهم قائلون : هي منسوخة ؛ قالوا : كان المقيم الصحيح المطيق للصيام مخيرا بين أن يصوم رمضان وبين أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكينا، وإن شاء صام منه ما شاء وأطعم عما شاء، فكان الأمر كذلك حتى أنزل الله –عز وجل- :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ﴾، فنسخ به ما تقدم من التخيير بين الصوم والإطعام.
واختلفوا مع هذا في تأويل قوله :﴿ فمن تطوع خيرا فهو خير له ﴾، فقال بعضهم : يطعم مسكينين عن كل يوم مدا مدا أو نصف صاع. وقال بعضهم : يطعم مسكينا أكثر مما يجب عليه. ( س : ١٠/٢١١-٢١٥ ).
٤٨- ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت : نزلت :﴿ من أيام أخر ﴾ " متتابعات "، ثم سقطت " متتابعات " ٣.
قال أبو عمر : قولها سقطت، يحتمل نسخت ورفعت وهو دليل على سقوط التتابع، وليس شيء بين الدفتين " متتابعات "، فصح سقوطها ورفعها.
وعلى هذا جمهور العلماء ؛ وهو قول طاوس، ومجاهد، وعطاء، وعبيد بن عمير، وجماعة. وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وكلهم –مع ذلك- يستحبونها " متتابعات ". ( س : ١٠/١٨٠ ).
٥٠- مالك عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان، فقال :( لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )١.
في حديث ابن عباس هذا من الفقه، أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين، وفيه أن الله تعبد عباده في الصوم برؤية الهلال لرمضان، أو باستكمال شعبان ثلاثين يوما، وفيه تأويل لقول الله –عز وجل- :﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾، أن شهوده : رؤيته أو العلم برؤيته. ( ت : ٢/٣٩ ).
فلما أضاءت لنا سدفة | ولاح من الصبح خيط أنارا١ |
قد كاد يبدوا أو بدت تباشره | وسدف الليل البهيم ساتره٢ |
٥٢- قول الله –عز وجل- :﴿ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾، فلم يمنعهم من الأكل حتى يستبين لهم الفجر. ( س : ١٠/١٧٧ ).
٥٣- قال الثوري : يتسحر ما شك في الفجر حتى يرى الفجر. وقول الثوري من الفقه. ( س : ١٠/١٧٦ ).
٥٤- قال الله –عز وجل- :﴿ ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾، و " إلى " هنا، غاية لا تتجاوز. ( ت : ١٤/٣٦٥ ).
٥٥- أما الاعتكاف في كلام العرب، فهو القيام على الشيء، والمواظبة عليه، والملازمة له. وأما في الشريعة فمعناه : الإقامة على الطاعة وعمل البر على حسب ما ورد من سنن الاعتكاف٣. ( س : ١٠/٢٧٣ ).
٥٦- أجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد، لقوله تعالى :﴿ وأنتم عاكفون في المساجد ﴾، في الآية المذكورة.
فذهب قوم إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وإن كان لفظه العموم، فقالوا : لا اعتكاف إلا في مسجد نبي ؛ كالكعبة، أو مسجد الرسول –صلى الله عليه وسلم- أو بيت المقدس لا غير. وروي هذا القول عن حذيفة بن اليمان، وسعيد بن المسيب، ومن حجتهما أن الآية نزلت على النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف في مسجده، وكان القصد والإشارة إلى نوع ذلك المسجد مما بناه نبي.
وقال آخرون : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة، لأن الإشارة في الآيات عندهم إلى ذلك الجنس من المساجد. روي هذا القول عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وبه قال عروة بن الزبير والحكم بن عيينة، وحماد، والزهري، وأبو جعفر محمد بن علي، وهو أحد قولي مالك.
وقال آخرون : الاعتكاف في كل مسجد جائز. روي عن سعيد بن جبير، وأبي قلابة، وإبراهيم النخعي، وهمام بن الحارث، وأبي سلمة ابن عبد الرحمن، وأبي الأحوص، والشعبي. وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري. وهو أحد قولي مالك٤. وبه يقول ابن علية، وداود، والطبري ؛ وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد. ( س : ١٠/٢٧٣- ٢٧٤ ).
٥٧- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾، فأجمع العلماء على أنه إن وطئ في اعتكافه عامدا في ليل أو نهار يبدأ اعتكافه. وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، قالوا : كانوا يجامعون وهم معتكفون، حتى نزلت :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾، فقال مالك : من أفطر في اعتكافه يوما عامدا أو جامع ليلا أو نهارا ناسيا أو قبل أو لمس أو باشر فسد اعتكافه، أنزل أو لم ينزل، لقوله تعالى :﴿ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ﴾. ( س : ١٠/٣١٦ ).
٢ اقتصر في اللسان على إيراد الشطر الثاني من البيت، ونسبه لحميد الأرقط، مادة "سدف": ٩/١٤٦. وأورده القرطبي في الجامع كاملا: ٢/٣٢٠..
٣ - قال القرطبي: أجمع العلماء على أنه ليس بواجب، وهو قربة من القرب، ونافلة من النوافل، عمل بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأزواجه، ويلزمه إن ألزمه نفسه، ويكره الدخول فيه لمن يخاف عليه العجز، عن الوفاء بحقوقه، الجامع لأحكام القرآن: ٢/٣٣٣..
٤ - قال الإمام مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه، أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه، ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها، إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه، إلى الجمعة أو يدعها. فإن كان مسجد لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف فيه، لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿وأنتم عاكفون في المساجد﴾، فعم الله المساجد كلها، ولم يخص شيئا منها.
فمن هناك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة، إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة، الموطأ، كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف: ١٩٧..
قال الله –عز وجل- :﴿ { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ﴾، وهذه الآية في معنى هذا الحديث سواء. ( ت : ٢٢/ ٢٢٠ ).
٦٠- الله –عز وجل- يقول :﴿ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ﴾، فما دام أطفال أهل الحرب لم يسبوا فحكمهم حكم آبائهم أبدا على حسبما ذكرنا٢، لا يختلف العلماء في ذلك. ( ت : ١٨/١٣٤ ).
٢ - قال ابن عبد البر : كذلك أطفال الحرب كآبائهم في أحكامهم، إلا ما خصت السنة منهم ومن نسائهم ألا يقتلوا في دار الحرب، إلا أن يقاتلوا، لأنهم لا يقاتلون في الأغلب من أحوالهم. التمهيد: ١٨/١٣٤..
٦٣- حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال : حدثنا علي بن الجعد، قال : أخبرنا شعبة، قال : أخبرني عبد الرحمان بن الأصبهاني، قال : سمعت عبد الله بن معقل، قال : جلست إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد –يعني مسجد الكوفة- فسألته عن هذه الآية :﴿ ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، فقال : حملت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال :( ما كنت أرى الجهد بلغ بك هذا، ما عندك شاة ؟ ) قال : لا، فنزلت هذه الآية :﴿ ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، فقال :( صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام )، فقال : فنزلت هذه الآية فيَّ خاصة، وهي لكم عامة٣. ( ت : ٢١/٥ ).
٦٤- أما قول الله –عز وجل- :﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، فمحتمل للتأويل، قالت طائفة : " أتموا " بمعنى أقيموا الحج والعمرة لله. هكذا قال السدي وغيره.
ومن حجة من ذهب هذا المذهب : أن قوله -عز وجل- :﴿ وأتموا ﴾، بمعنى : أقيموا، وأقيموا بمعنى أتموا، قال الله –عز وجل- :﴿ فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ﴾٤، بمعنى أتموا، وقال :﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، بمعنى أقيموا الحج والعمرة لله.
وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري، عن أبي إسحاق، قال : سمعت مسروقا يقول : أمرتم في القرآن بإقامة أربع : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأقيموا الحج والعمرة٥.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المسور وبكير بن الحسن، قالا : حدثنا يوسف ابن زيد القراطيس، قال : حدثنا أسد بن موسى، قال : حدثنا إسرائيل، وأبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال : أمرتم في كتاب الله بإقامة أربع : بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقامة الحج والعمرة إلى بيت الله. قال أسد : وحدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال : أمرتم في كتاب الله المنزل بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقام الحج والعمرة ؛ قال : والعمرة من الحج بمنزلة الزكاة من الصلاة٦. ( ت : ٢٠/١٥ ).
٦٥- حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي قال : حدثنا جدي، قال : حدثنا روح بن عبادة، قال : حدثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، قال سمعت سعيد بن جبير، وسئل : ما تمام العمرة ؟ فقال : أن تحرم من أهلك. ( ت : ١٥/١٤٥ ).
٦٦- قال أبو عمر : الإحصار عند أهل العلم على وجوه، منها : الحصر بالعدو، ومنها بالسلطان الجائر، ومنها بالمرض وشبهه.
وأصل الحصر في اللغة : الحبس والمنع ؛ قال الخليل وغيره : حصرت الرجل حصرا : منعته وحبسته، وأحصر الحاج عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه، هكذا قال٧، جعل الأول ثلاثيا من " حصرت "، وجعل الثاني في المرض رباعيا، وعلى هذا خرج قول ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو٨، ولم يقل إلا إحصار العدو.
وقالت طائفة : يقال : أحصر فيهما جميعا من الرباعي. وقال منهم جماعة : حصر وأحصر بمعنى في المرض والعدو جميعا، ومعناه : حبس.
واحتج من قال بهذا من الفقهاء بقول الله –عز وجل- :﴿ فإن أحصرتم ﴾، وإنما نزلت هذه الآية في الحديبية٩، وعلى نحو ذلك أهل العلم في أحكام المحبوس بعدو، والمحبوس بمرض ؛ إلا أن أكثر علماء اللغة يقولون في هذا الفعل من العدو : حصره العدو، فهو محصور، وأحصره المرض، فهو محصر. ( ت : ١٥/١٩٤، وانظر س : ١٢/٧٨ ).
٦٧- قال مالك : والمحصر الذي أراد الله –عز وجل- بقوله :﴿ فإن أحصرتم ﴾، هو المريض. ( ت : ١٥/٢٠١ ).
٦٨- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، قال ابن عباس : المرض أن يكون برأسه قروح، والأذى : القمل، وقال عطاء : المرض : الصداع والقمل وغيره. ( ت : ٢/٢٣٩ ).
٦٩- قال أبو عمر : قوله – عز وجل- في يوم الحديبية :﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ﴾، يعني حتى تنحروا، ومحله هذا : نحره.
وأما قوله في البدن١٠ :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾١١، فهذا لمن لم يمنع من دخول مكة، ومكة كلها ومنى مسجد، لمن قدر على الوصول إليها، وليس البيت بموضع النحر. ( س : ١٢/٨١ ).
٧٠- روي عن عمر، وعلي، وابن عباس، في قوله :﴿ ما استيسر من الهدي ﴾، شاة وعليه جمهور العلماء، وجماعة الفقهاء. ( ت : ١٥/٢٣٠ ).
٧١- معنى قوله –عز وجل- :﴿ وسبعة إذا رجعتم ﴾، يعني من منى، عند مالك، أقام بمكة أو لا، ويصوم الثلاثة أيام في الحج المتمتع، والقارن، والمفسد لحجه، والذي يفوته فيقضيه، والناسي لحلق رأسه من العمرة، كل هؤلاء يصوم إذا لم يجد الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وكذلك من تعدى الميقات عند مالك. وأما من وطئ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة أو ترك المبيت في المزدلفة، أو ترك رمي جمرة أو عجز عن بعض المشي إلى مكة فكل هؤلاء إذا لم يجد الهدي، صام ثلاثة، وسبعة بعدها حيث شاء في الحج بمكة وغيرها، ولا إطعام في شيء من هذه الدماء، وإنما هو هدي أو صيام، وهذا كله تحصيل مذهب مالك عند أصحابه. ( الكافي : ١٥٠ ).
٧٢- أجمع العلماء على أن الثلاثة الأيام إن صامها قبل يوم النحر فقد أتى بما يلزمه من ذلك، ولهذا قال من قال من أهل العلم بتأويل القرآن في قوله :﴿ ثلاثة أيام في الحج ﴾، قال : آخرها يوم عرفة١٢. ( س : ١٣/٣٧٢ ).
٢ - أخرجه الإمام البخاري في الحج، باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب: ١/١٤٤. والإمام مسلم في الحج أيضا، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه: ٢/٨٣٦- ٨٣٧. وأبو داود في المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه: ٢/١٦٤. والنسائي في مناسك الحج، باب في الخلوق للمحرم: ٥/١٤٢- ١٤٣. وهو عندهم جميعا من حديث يعلى بن أمية لا صفوان بن أمية..
٣ - أخرجه الإمام البخاري في الطب، باب الحلق من الأذى، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه: ٧/١٥- ١٦. والإمام مسلم في الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها: ٣/٨٦١- ٨٦٢. والترمذي في التفسير، البقرة: ١٩٥: ٤/٢٨١. والنسائي في مناسك الحج، باب في المحرم يؤذيه القمل في رأسه: ٥/١٩٤- ١٩٥. والإمام مالك في الحج، باب فدية من حلق قبل أن ينحر: ٢٦٩. والإمام أحمد: ٤/٢٤١- ٢٤٢. وهو عندهم جميعا من حديث كعب بن عجرة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم..
٤ - سورة النساء: ١٠٢..
٥ - لم أعثر على هذا الأثر في النسخة المطبوعة من مصنف عبد الرزاق، وهو عند الطبري في جامع البيان: ٢/٢٠٩..
٦ - قال الحافظ ابن عبد البر: أما اختلاف الفقهاء في وجوب العمرة، فذهب مالك إلى أن العمرة سنة مؤكدة، وقال في موطئه: ولا أعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها، وهذا اللفظ يوجبها.. وقال أبو حنيفة وأصحابه: العمرة تطوع، وقال الشافعي والثوري، والأوزاعي: العمرة فريضة واجبة، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وزيد ابن ثابت، ومسروق، وعلي بن حسين، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، وغيرهم. واختلف في ذلك عن ابن مسعود. التمهيد: ٢٠/١٤..
٧ - انظر معجم كتاب "العين" له، مادة "حصر": ٣/١١٣..
٨ - في جامع البيان: ٢/٢١٤. "لا حصر إلا من حبس عدو"..
٩ - قال صاحب معجم البلدان: "هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة بايع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تحتها. ونقل عن الخطابي قوله: سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع": ٢/٢٢٩..
١٠ - جمع بدنة، من الإبل والبقر، كالأضحية من الغنم، تهدى إلى مكة، الذكر والأنثى في ذلك سواء. اللسان مادة "بدن": ١٣/٤٨..
١١ - سورة الحج: ٣١..
١٢ - قال القرطبي: "هذا قول طاوس، وروي عن الشعبي، وعطاء، ومجاهد، والحسن البصري، والنخعي، وسعيد بن جبير، وعلقمة، وعمرو بن دينار، وأصحاب الرأي، حكاه ابن المنذر". الجامع لأحكام القرآن: ٢/٣٩٩..
وقال ابن عباس : الفرض : الإهلال، والإهلال : التلبية.
وقال ابن مسعود وابن الزبير : الفرض : الإحرام. وهو كله معنى واحد.
وقالت عائشة : لا إحرام إلا لمن أحرم ولبى. وقال الثوري : الفرض : الإحرام، والإحرام : التلبية، والتلبية في الحج مثل التكبير في الصلاة. ( س : ١١/٩٤ ).
٧٤- لما قال الله – عز وجل- :﴿ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾، دل على أنه لا يصح إحرام أحد بالحج في غير أشهر الحج ١– والله أعلم. ( س : ١٢/٣٠٢ ).
٧٥- أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة، وذلك لقوله تعالى :﴿ فلا رفث ﴾، والرفث في هذا الموضع : الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن. وقد قيل غير ذلك٢، والصواب عندهم ما ذكرت لك في تأويل الرفث في هذه الآية. ( س : ١٢/١٩٠- ١٩١ ).
٧٦- قال أبو عمر : قال الله تعالى :﴿ خير الزاد التقوى ﴾، يريد الآخرة. والتقوى اسم جامع لطاعة الله، والعمل بها في ما أمر به أو نهى عنه ؛ فإذا انتهى المؤمن عن ما نهاه الله، وعمل بما أمره الله، فقد أطاع الله واتقاه. ( س : ٢٧/١٩٧ ).
٢ - قال الطبري: "الرفث في كلام العرب: أصله الإفحاش في المنطق، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع. فإن كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين في تأويله، وفي هذا النهي من الله عن بعض معاني الرفث، أم عن جميع معانيه، وجب أن يكون على جميع معانيه، لم يأت خبر بخصوص الرفث الذي هو بالمنطق عند النساء من سائر معاني الرفث يجب التسليم له، إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن إلا بحجة ثابتة". جامع البيان: ٢/٢٦٧..
وقال ابن عبد البر: فكان علقمة بن قيس، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وروي ذلك عن ابن الزبير، وهو قول الأوزاعي أنهم قالوا: من لم ينزل بالمزدلفة وفاته الوقوف بها فقد فاته الحج ويجعلها عمرة. الاستذكار: ١٣/٣٥..
وقال ابن وهب : سمعت سفيان الثوري يقول : الحسنة في الدنيا : الرزق الطيب والعلم، والحسنة في الآخرة : الجنة١. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/٦٢ ).
٢ - ذكره في الدر المنصور: ١/٥٧٥- ٥٧٦..
٨٤- وعلى هذا تأويل جماعة العلماء في قول الله –عز وجل- ﴿ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ﴾، أنهن الوثنيات والمجوسيات ؛ لأن الله تعالى قد أحل الكتابيات بقوله تعالى :﴿ والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ﴾٢، يعني العفائف، لا من شهر زناها من المسلمات، ومنهم من كره نكاحها ووطأها بملك اليمين ما لم يكن منهن توبة، لما في ذلك من إفساد النسب. ( س : ١٦/٢٦٩ ).
٢ - سورة المائدة: ٦..
٨٦- بان في هذا الحديث المعنى الذي فيه نزلت الآية ومراد الله بها على لسان نبيه عليه السلام. ( س : ٣/١٨٣ ).
٨٧- ذكر مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، سئلا عن الحائض، هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل ؟ فقالا : لا. حتى تغتسل٣.
فإن قيل : إن في قوله تعالى :﴿ ولا تقربوهن حتى يطهرن ﴾، دليلا على أنهن إذا طهرن من المحيض حل ما حرم منهن من أجل المحيض ؛ لأن " حتى " غاية، فما بعدها بخلافها. فالجواب أن في قوله تعالى :﴿ فإذا تطهرن ﴾، دليلا على تحريم الوطء بعد الطهر حتى يتطهرن بالماء ؛ لأن تطهرن تفعلن، من قوله :﴿ وإن كنتم جنبا فاطهروا ﴾٤، ويريد الاغتسال بالماء، وقد يقع التحريم بالشيء ولا يزول بزواله لعلة أخرى. دليل ذلك قوله تعالى في المبتوتة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾٥، وليس بنكاح الزوج تحل له حتى يطلقها الزوج وتعتد منه.
ومن ذلك قوله عليه السلام :( لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة )٦، ومعلوم أنها لا توطأ نفساء ولا حائض حتى تطهر، ولم تكن " حتى " هنا بمبيحة لما قام الدليل على حظره. ( س : ٣/١٨٩ ).
٢ - أخرجه أبو داود في النكاح، باب في إتيان الحائض ومباشرتها: ٢/٢٥٠..
٣ - ذكر ذلك في الموطأ، كتاب الطهارة، باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض: ٣٩..
٤ - سورة المائدة: ٧..
٥ - سورة البقرة: ٢٢٨..
٦ - أخرجه أبو داود في النكاح، باب في وطء السبايا: ٢/٢٤٨. والدارمي في الطلاق، باب في استبراء الأمة: ٢/١٧١. والإمام أحمد: ٣/٦٢ و٨٧..
٢ - هما: إتيان المرأة في الفرج أنى شاء زوجها، والثاني إتيانها في الدبر، وهو محرم عند جمهور العلماء، قال القرطبي: ذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم. و"حرث" تشبيه، لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع. الجامع: ٣/٩٣..
وجاء عن الحسن، وإبراهيم، وسليمان بن يسار، ومجاهد، وأبي مالك، وزرارة بن أوفى مثل ذلك. وإليه ذهب مالك وأصحابه، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأصحابه ؛ إلا أن مالكا وأصحابه يقولون : إن اللغو : أن يحلف على الشيء الماضي يوقن أنه كما حلف عليه ولا يشك فيه ؛ فإن شك فيه، فهي عندهم يمين غموس حينئذ لا كفارة فيها، لعظم إثمها كاليمين الغموس الكاذبة سواء.
وقالوا آخرون : اللغو : قول الرجل لا والله، وبلى والله، وهو غير معتقد لليمين ولا مريد لها. هذا قول عائشة وجماعة من التابعين، وفقهاء المسلمين، منهم الشافعي. ( ت : ٢١/٢٤٨-٢٤٩. وانظر س : ١٥/٦٠-٦١ ).
٩٠- ذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله تعالى :﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ﴾، قالت : هم القوم يتدارؤون بقول أحدهم : لا والله، وبلى والله، وكلا والله، لا تعقد عليه قلوبهم١.
وروى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم- قالت : أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحات والحديث الذي لا يعقد عليه القلب٢.
وذكر الشافعي قول عائشة في اللغو أنه : لا والله، وبلى والله، وقال : اللغو في لسان العرب : الكلام غير المعقود عليه، وهو معنى ما قالت عائشة.
قال مالك : أحسن ما سمعت في هذا : أن اللغو : حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك، ثم يوجد على غير ذلك، فهو اللغو، وليس فيه كفارة٣. ( س : ١٥/٦١ ).
٢ - أورده القرطبي في الجامع: ٣/٩٩..
٣ - ذكره في الموطأ، كتاب النذور والأيمان، باب اللغو في اليمين: ٢٩٧..
٩٢- قال أبو عمر : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن قول الله تعالى :﴿ فإن فاءوا ﴾، هو الجماع لمن قدر عليه، فصار بإجماعهم على ذلك من المحكم٢. ( س : ١٧/١٠١ ).
٢ - النص المحكم من القرآن وغيره هو الذي لا تتوقف معرفته على البيان. انظر البرهان في علوم القرآن: ٢/٦٨. والإتقان في علوم القرآن: ٢/٢..
قال١ : وإنا جعل الحيض قرءا، والطهر قرءا ؛ لأن أصل القرء في كلام العرب الوقت، يقال : رجع فلان لقروئه، ولقارئه، أي لوقته.
قال أبو عمر : فهذا أصل القرء في اللغة، وأما معناه في الشريعة، فاختلف العلماء في مراد الله –عز وجل- من قوله :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾، فقال منهم قائلون٢ : الأقراء : الحيض ههنا، واستدلوا بأشياء كثيرة، منها قول الله –عز وجل- :﴿ ثلاثة قروء ﴾، قالوا : والمطلق في الطهر إذا مضى بعضه واعتدت به امرأته، فلم تعتد، ولم تتربص ثلاثة قروء ؛ وإنما تربصت قرءين وبعض الثالث إذا كانت الأقراء الأطهار، قالوا : والله –عز وجل- يقول :﴿ ثلاثة قروء ﴾، فلابد أن تكون كاملة. ( ت : ١٥/٨٨- ٤٩ ).
٩٤- وممن ذهب إلى هذا : سفيان الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين، وأكثر العراقيين، وهو الذي استقر عليه أحمد بن حنبل- فيما ذكر الخرقي٣ عنه، خلاف ما حكى الأثرم عنه. ( ت : ١٥/٩٠ ).
٩٥- وقال آخرون : الأقراء التي عنى الله –عز وجل- وأرادها بقوله في المطلقات :﴿ يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾، هي الأطهار، ما بين الحيضة والحيضة قرء، قالوا : وهو المعروف من لسان العرب على ما ذكرنا من أهل العلم باللغة في هذا الباب ؛ قالوا : وإنما هو جمع الرحم الدم، لا طهوره، ومنه قرأت الماء في الحوض – أي جمعته، وقرأت القرآن- أي ضممت بعضه إلى بعض بلسانك ؛ قالوا : والدليل على أن الأطهار هي الأقراء التي أمر الله المطلقة أن تتربصها، أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالطلاق في الطهر لمن شاء أن يطلق. وقوله في العدة التي أمر الله –عز وجل- أن يطلق لها النساء٤. فبين مراد الله –عز وجل- من قوله :﴿ فطلقوهن لعدتهن ﴾٥ أو لقبل عدتهن، وهو المبين عن الله مراده – صلى الله عليه وسلم. ( ت : ١٥/٩١-٩٢. وانظر س : ١٨/٢٧- ٢٩ ).
٩٦- وممن ذهب إلى أن الأقراء : الأطهار، مالك، والشافعي، وداود بن علي، وأصحابهم وهو قول عائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر. ( ت : ١٥/٩٢ ).
٢ - سيأتي ذكره للبعض منهم في النص الموالي..
٣ - هو عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو القاسم الخرقي. قرأ العلم على من قرأه على أبي بكر المروذي، وحرب الكرماني، وصالح، وعبد الله: ابني الإمام أحمد... وقرأ عليه جماعة من الشيوخ من داخل المذهب الحنبلي، منهم: أبو عبد الله ابن بطة، والحسين التميمي، وأبو الحسين ابن شمعون وغيرهم. توفي سنة ٣٣٤هـ انظر طبقات الحنابلة: ٢/٧٥- ١١٨. وسير أعلام النبلاء: ١٥/٣٦٣- ٣٦٤..
٤ - أخرج الإمام مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر بن الخطاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :(مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء). الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض: ٣٦٨..
٥ - سورة الطلاق: ١..
مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ﴾، يعظهم الله بذلك٢.
قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، وذلك حبس الرجل المرأة، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها.
وأجمع العلماء على أن قوله –عز وجل- :﴿ أو تسريح بإحسان ﴾، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى :﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾.
وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. ( س : ١٨/١٥٧- ١٥٨ ).
٩٨- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ فإن طلقها ﴾، يعني الثالثة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها، لا بملك يمينه، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى، مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفية، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
وكان ابن عباس، وعطاء، والحسن، يقولون : إذا اشتراها الذي بتَّ طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله –عز وجل- :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٣.
قال أبو عمر : هذا خطأ من القول ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾، لا يبيح الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فكذلك سائر المحرمات. ( س : ١٦/٢٤٢- ٢٤٣ ).
٩٩- قال الله –عز وجل- :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾، يعني في حسن العشرة، والقيام بحق الزوج، وقيامه بحقها، ﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾. ( س : ١٧/١٨١ ).
١٠٠- ﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ﴾، وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن، لو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن، وقد انقضت عدتهن. ( س : ٤/٩٥ ).
٢ - المصدر السابق: ٣٧٧..
٣ - سورة النساء: ٣..
مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ﴾، يعظهم الله بذلك٢.
قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، وذلك حبس الرجل المرأة، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها.
وأجمع العلماء على أن قوله –عز وجل- :﴿ أو تسريح بإحسان ﴾، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى :﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾.
وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. ( س : ١٨/١٥٧- ١٥٨ ).
٩٨- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ فإن طلقها ﴾، يعني الثالثة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها، لا بملك يمينه، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى، مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفية، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
وكان ابن عباس، وعطاء، والحسن، يقولون : إذا اشتراها الذي بتَّ طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله –عز وجل- :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٣.
قال أبو عمر : هذا خطأ من القول ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾، لا يبيح الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فكذلك سائر المحرمات. ( س : ١٦/٢٤٢- ٢٤٣ ).
٩٩- قال الله –عز وجل- :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾، يعني في حسن العشرة، والقيام بحق الزوج، وقيامه بحقها، ﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾. ( س : ١٧/١٨١ ).
١٠٠- ﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ﴾، وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن، لو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن، وقد انقضت عدتهن. ( س : ٤/٩٥ ).
٢ - المصدر السابق: ٣٧٧..
٣ - سورة النساء: ٣..
مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ﴾، يعظهم الله بذلك٢.
قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب، وذلك حبس الرجل المرأة، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها.
وأجمع العلماء على أن قوله –عز وجل- :﴿ أو تسريح بإحسان ﴾، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى :﴿ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾.
وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله. ( س : ١٨/١٥٧- ١٥٨ ).
٩٨- قال أبو عمر : قال الله –عز وجل- :﴿ فإن طلقها ﴾، يعني الثالثة :﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها، لا بملك يمينه، وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى، مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفية، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأبو ثور.
وكان ابن عباس، وعطاء، والحسن، يقولون : إذا اشتراها الذي بتَّ طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله –عز وجل- :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٣.
قال أبو عمر : هذا خطأ من القول ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾، لا يبيح الأمهات، ولا الأخوات، ولا البنات، فكذلك سائر المحرمات. ( س : ١٦/٢٤٢- ٢٤٣ ).
٩٩- قال الله –عز وجل- :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾، يعني في حسن العشرة، والقيام بحق الزوج، وقيامه بحقها، ﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾. ( س : ١٧/١٨١ ).
١٠٠- ﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ﴾، وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن، لو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن، وقد انقضت عدتهن. ( س : ٤/٩٥ ).
٢ - المصدر السابق: ٣٧٧..
٣ - سورة النساء: ٣..
وأما افتتاح هذه الآية بذكر الأزواج ثم الميل إلى الأولياء فذلك معروف في لسان العرب، كما قال :﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ﴾٣، فخاطب المتبايعين ثم قال ؛ ﴿ ممن ترضون من الشهداء ﴾٤، فخاطب الحكام- وهذا كثير ؛ والرواية الثابتة في معقل بن يسار تبين ما قلنا، وسنذكرها- إن شاء الله. ( ت : ١٩/٨٥ ).
١٠٢- أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن المثنى، قال : حدثنا أبو عامر، قال : حدثنا عباد بن راشد عن الحسن، قال : حدثنا معقل بن يسار، قال : كانت لي أخت تخطب إلي، فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها ؛ فلما خطبت، أتاني يخطبها، فقلت : والله لا أنكحتكها أبدا، قال : ففي نزلت :﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ﴾، قال : فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه٥. ( ت : ١٩/٨٩ ).
١٠٣- قال أبو عمر : هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقا في الإنكاح، ولا نكاح إلا به ؛ لأنه لولا ذلك ما نهي عن العضل، ولاستغنى عنه.
وقال مجاهد، وعكرمة، وابن جريج : نزلت :﴿ فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ﴾، في أخت معقل بن يسار. قال ابن جريج : أخته حمل بنت يسار، كانت تحت أبي البداح٦، فطلقها وانقضت عدتها، فرغب فيها وخطبها، فعضلها معقل بن يسار، فنزلت الآية.
قال أبو عمر : فقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلى بولي، فلا معنى لما خالفهما، ألا ترى أن الولي نهي عن العضل، فقد أمر بخلاف العضل، وهو التزويج، كما أن الذي نهي عن أن يبخس الناس، قد أمر بأن يوفي الكيل والوزن، وهذا بين كثير – وبالله التوفيق. ( ت : ١٣/٩٠. وانظر س : ١٦/٣٩ ).
٢ - أخرجه أبو داود في النكاح، باب في الولي: ٢/٢٩٩. والترمذي في النكاح أيضا، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي: ٢/٢٨٠. وابن ماجة في النكاح أيضا، باب لا نكاح إلا بولي: ١/٦٠٥. والدارمي في النكاح كذلك، باب النهي عن النكاح بغير ولي: ٢/١٣٧. والإمام أحمد: ١/٢٥٠، و٤/٣٩٤ و٤١٣ و٤١٨..
٣ - سورة البقرة: ٢٨١..
٤ - نفسها..
٥ - سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في العضل: ٢/٢٣٠..
٦ - هو أبو البداح ابن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي، من قضاعة، ثم الأنصاري، حليف لبني عمرو ابن عوف، اختلف فيه، فقيل: الصحبة لأبيه، وهو من التابعين، وقيل: أبو البداح له صحبة، وهو الذي توفي عن سبيعة الأسلمية إذ خطبها أبو السنابل ابن بعكك، ذكره ابن جريج وغيره، وهو الصحيح في أن له صحبة، والأكثر يذكرونه في الصحابة، وقيل: أبو البداح لقب، وكنيته أبو عمرو. الاستيعاب: ٤/١٦٠..
١٠٥- روي عن إسحاق بن راهويه أنه قال : إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة، بانت وانقطعت الرجعة للزوج، إلا أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها، وروي نحوه عن ابن عباس، وهو قول ضعيف بدليل قول الله –عز وجل- :﴿ فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ﴾، وبلوغ الأجل هنا : انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة، فإذا انقضت عدتها حلت للأزواج، ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك. ( س : ١٨/٣٦- ٣٧ ).
٢ - سورة النحل: ٤٤..
٣ - أخرج الإمام مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسوري بن مخرمة، أنه أخبره أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال. فقال لها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (قد حللت فانكحي من شئت) الموطأ، كتاب الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا: ٣٧٨..
قال أبو عمر : حرم الله عقد النكاح في العدة بقوله :﴿ ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ﴾، وأباح التعريض بالنكاح في العدة.
ولم يختلف العلماء من السلف والخلف في ذلك، فهو من المحكم المجتمع على تأويله ؛ إلا أنهم اختلفوا في ألفاظ التعريض ؛ فقال القاسم بن محمد ما ذكره مالك في هذا الباب عنه٢. وذكر أبو بكر ابن أبي شيبة قال : حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه في ذلك، قال : يقول : إني بك لمعجب، وإني فيك راغب، وإني عليك لحريص، وأشباه ذلك٣.
وروى شعبة عن منصور، عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ﴾، قال : التعريض : ما لم ينصب٤ للخطبة٥. ( س : ١٦/١٥-١٦ ).
٢ - انظر بداية هذا النص..
٣ - ذكره في الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: ٣/٥٣٢. وهو أيضا في الدر المنثور: ١/٦٩٥..
٤ - أي ما لم يصرح بذلك..
٥ - أخرجه ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس. انظر جامع البيان: ٢/٥١٧..
ومما يؤكد أنها العصر حديث عمارة بن روبية، قال : سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول :( من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها حرمه الله على النار )٢. وهذا الحض بين يقتضي صلاة الصبح وصلاة العصر، والاختلاف القوي في الصلاة الوسطى إنما هو في هاتين الصلاتين، وما روي في الصلاة الوسطى في غير الصبح والعصر ضعيف لا تقوم به حجة.
وقد روى عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس :﴿ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ﴾٣، قال : الصلاة المكتوبة يعني الصبح والعصر، وبه قال قتادة وغيره. ( س : ٥/٤٣٠ ).
١٠٩- وكل واحدة من الخمس وسطى، لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين، وبعدها صلاتين كما قال زيد بن ثابت في الظهر. والمحافظة على جميعهن واجب، والله المستعان٤. ( ت : ٤/٢٩٤، وكذا في س : ٥/٤٣١ ).
١١٠- قوله –عز وجل- :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾، أي قائمين، ففي هذه الآية فرض القيام أيضا عند أهل العلم ؛ لقوله –عز وجل- :﴿ وقوموا ﴾، ولقوله :﴿ قانتين ﴾، يريد : قوموا قانتين، يعني في الصلاة. ( ت : ١/١٣٦ ).
٢ - أخرجه الإمام مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة كذلك، ولفظه: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الصلاة الصبح والعصر والمحافظة عليهما: ١/٤٤٠..
٣ - سورة ق: ٣٩..
٤ - قال الحافظ ابن كثير: وقيل: بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وفي صحته أيضا نظر. والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر ابن عبد البر النمري، إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختاره مع اطلاعه وحفظه، ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر. تفسير القرآن العظيم: ١/٢٩٥..
قال أبو عمر : أما الحول فمنسوخ بالأربعة الأشهر والعشر، لا خلاف في ذلك. وأما الوصية بالسكنى والنفقة، فمن أهل العلم من رأى أنها منسوخة بالميراث، وهم أكثر أهل الحجاز، وأما أهل العراق، فذلك منسوخ عندهم بالسنة بأن ( لا وصية لوارث )٢. وما في الوجهين كان النسخ، فهو إجماع، إلا ما رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأنه منكر من القول لا يلتفت إليه. وقد ذكره البخاري، وبالله التوفيق٣. ( س : ١٨/٢٢٨- ٢٢٩ ).
٢ - أخرج أبو داود في الوصيا، باب ما جاء في الوصية للوارث: ٣/١١٤. من حديث أبي أمامة، سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، وأخرجه الترمذي أيضا في الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث: ٣/٢٩٣. والنسائي في الوصايا كذلك، باب إبطال الوصية للوارث، من حديث عمرو بن خارجة: ٦/٢٤٧. وابن ماجة في الوصايا، باب لا وصية لوارث: ٢/٩٠٥- ٩٠٦. والدارمي في الوصايا، باب الوصية للوارث: ٢/٤١٩. والإمام أحمد: ٤/١٨٦ و١٨٧. وكذا في ٢٣٨ و٢٣٩..
٣ - انظر صحيح البخاري بشرح الكرماني، كتاب التفسير، البقرة: ٢٣٨: ١٧/٣٧- ٣٨..
قال الفريابي : وحدثنا ورقاء٢، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، في هذه الآية قال : وقع الطاعون في قريتهم، فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي، قال : فنجا الذين خرجوا، وهلك الذين أقاموا، فلما كانت الثانية، خرجوا بأجمعهم إلا قليلا، فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم، فرجعوا إلى بلدهم وقد توالدت ذريتهم. ( ت : ٦/٢١٣- ٢١٤، وكذا في س : ٢٦/٧٣ ).
٢ - هو ورقاء بن عمر بن كليب، أبو بشر اليشكري، ويقال الشيباني أبو بشر الكوفي نزيل المدائن، أصله من خوارزم، ويقال من مرو. ويقال من لكوفة. روى عن عمرو بن دينار، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن أبي نجيح، وأبي الزناد... وعنه شعبة، وعبد الله بن المبارك، والفريابي وآخرون. توفي سنة نيف وستين ومائة. انظر تاريخ بغداد: ١٣/٤٨٤- ٤٨٧. وسير أعلام النبلاء: ٧/٤١٩- ٤٢٢..
٢ - انظر جامع البيان: ٢/٥٩٣..
١١٦- قرئت ﴿ الحي القيوم ﴾ و﴿ الحي القيام ﴾، وفي مصحف ابن مسعود :﴿ القيم ﴾، وكل ذلك حسن. ( ت : ١٢/١٩١ ).
كأنه دملج من فضة نبه | في ملعب من جواري الحي مفصوم١ |
١١٩- أخبرنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا أحمد بن شعيب، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين –قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب قال : حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أن ابن شهاب حدثه قال : حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، في هذه الآية، التي قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ﴾، قال : هو الجعرور ولون حبيق٢، فنهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أن يؤخذ في الصدقة٣. ( ت : ٦/٨٥، وكذا في س : ٩/٢٤٢-
٢٤٣ ).
١٢٠- قال أبو عمر : هذا باب مجتمع عليه لا اختلاف فيه أنه لا يؤخذ هذان اللونان من التمر في الصدقة إذا كان معهما غيرهما، فإن لم يكن معهما غيرهما، أخذ منهما، وكذلك الردئ كله، لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره ؛ لأنه حينئذ تيمم للخبيث إذا أخرج عن غيره. ( ت : ٦/٨٦، وكذا في س : ٩/٢٤٣ ).
١٢١- أما التيمم، فمعناه في اللغة : القصد، ومعناه في الشريعة : القصد إلى الصعيد خاصة للطهارة عند عدم الماء، فيضرب عليه من كفيه ثم يمسح بهما وجهه ويديه.
قال أبو بكر ابن الأنباري : قولهم قد تيمم الرجل، معناه : قد مسح التراب على يديه ووجهه ؛ قال : وأصل " تيمم " : قصد، فمعنى تيمم : قصد التراب فتمسح به، قال الله –عز وجل- :﴿ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ﴾، معناه : ولا تعمدوا الخبيث فتنفقوا منه. ( ت : ١٩/٢٨٠ ).
٢ - الجعرور والحبيق نوعان من أنواع التمر الرديئة التي لا خير فيها. انظر النهاية في غريب الحديث مادة "جعر" ١/٢٧٦. ومادة "حبق": ١/٣٣١..
٣ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى سهل بن حنيف. انظر جامع البيان: ٣/٨٣..
وقد سن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القضاء باليمين مع الشاهد، فكان زيادة بيان١. ( س : ٢٢/٥٧ ).