تفسير سورة الزخرف

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿حم﴾ (انظر آية ١ من سورة البقرة)
﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ الواضح
﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ اللوح المحفوظ ﴿لَدَيْنَا﴾ عندنا ﴿لَعَلِيٌّ﴾ عال على سائر الكتب ﴿حَكِيمٌ﴾ محكم؛ ذو حكمة بالغة
﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ﴾ أي أفنمسك عنكم نزول القرآن إمساكاً؛ لأنكم قوم مسرفون في الكفر وارتكاب المعاصي
﴿وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ﴾ أي سلف في القرآن ذكر الأمم السابقة، وما حل بها من التعذيب والتنكيل؛ جزاء كفرهم وتكذيبهم
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً﴾ فراشاً؛ كالمهد الذي هو فراش الصبي ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾ طرقاً فيها تمشون، وطرقاً منها تتعيشون
﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ﴾ بتقدير: بقدر حاجتكم إليه؛ ولم ينزله كثيراً فيغرق، ولا قليلاً فيقحط ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ﴾ أحيينا به. ومنه قوله تعالى ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ أي الإحياء ﴿بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ جدبة؛ لا نبات فيها ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مثل إخراج النبات من الأرض الجدبة ﴿تُخْرَجُونَ﴾ من قبوركم يوم القيامة
﴿وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ الأصناف كلها ﴿مِّنَ الْفُلْكِ﴾ السفن ﴿وَالأَنْعَامِ﴾ الإبل
﴿لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ﴾ أي ظهور السفن والأنعام ﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ﴾ تتذكروا ﴿نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ عليكم؛ بتسخير الفلك والأنعام؛ لمزيد نفعكم وراحتكم ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أي مطيقين
﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾
لراجعون إليه؛ فمجازينا على شكرنا، أو كفرنا
﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ بقولهم: عيسى ابن الله، والملائكة بنات الله. لأن الولد جزء من الوالد؛ وهم من عبيده، لا من أبنائه ﴿إِنَّ الإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ بين الكفر
﴿وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ﴾ أي اختصكم بهم
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً﴾ أي إذا بشر بالأنثى؛ لأنهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله ﴿ظَلَّ﴾ دام ﴿وَجْهُهُ مُسْوَدّاً﴾ من الحزن والحسرة ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ممتلىء غيظاً وغماً
﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي أو ينسب للرحمن من الولد من هذه صفته؟ وهو أنه «ينشأ» أي يتربى «في الحلية» أي في الترف والزينة؛ وإذا احتاج إلى تقرير دعوى، أو إقامة حجة: كان ﴿فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي غير قادر؛ لضعف حجته، وخطل رأيه. وذلك أنهم نسبوا إليه سبحانه الولد؛ مع نسبة أخس النوعين - في نظرهم - وهو البنات؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
﴿أَشَهِدُواْ﴾ أحضروا ﴿خَلْقَهُمْ﴾ أي خلق الملائكة؛ فعلموا أنهم إناثاً كما يزعمون. أو هو من الشهادة، لا المشاهدة ﴿سَتُكْتَبُ﴾ في صحائف أعمالهم ﴿شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ عنها يوم القيامة، ويحاسبون عليها
﴿وَقَالُواْ﴾ كفراً، وعناداً، ولجاجاً ﴿لَوْ شَآءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ أي لو أراد الله أن يمنعنا عبادة الملائكة لمنعنا. وهي كلمة حق أريد بها باطل؛ إذ أن الله تعالى لو شاء أن يؤمن الناس جميعاً لآمنوا، و ﴿لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً﴾ وإنما يكون ذلك الإيمان، وتلك الهداية على سبيل القسر والإلجاء. وقد هدى الله تعالى الناس جميعاً بخلق العقول والأفئدة، وبعث الرسل، وإنزال الكتب؛ فمنهم من استجاب لداعي مولاه: فحباه واجتباه، ومنهم من استحب الغواية على الهداية، واختار الكفر على الإيمان؛ فاستوجب الحرمان والنيران قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي ما لهم من علم بمشيئة الله تعالى وإرادته؛ حتى يتبعوها، ويحتجوا بوقوعها ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون
﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ﴾ أي قبل القرآن؛ قلنا فيه بعبادة الملائكة، أو بيّنا فيه مشيئتنا لذلك ﴿فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ أي بهذا الكتاب
﴿بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ على دين.
والأمة: الطريقة التي تقصد، ومنه الأمام
﴿وَكَذَلِكَ﴾ مثل الذي حدث من قومك؛ من احتجاجهم بهذه الحجج الواهية الواهنة: احتج الأمم السابقة على رسلهم؛ و ﴿مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ﴾ ينذرها غضب الله تعالى، ويخوفها عقابه ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ﴾ متنعموها، مثل قول هؤلاء ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ ملة وطريقة
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد مقنعاً ومتلطفاً ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى﴾ بدين أهدى ﴿مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾ وهنا يظهر عنادهم، وتتضح نواياهم وخفاياهم؛ ويقولون: ﴿إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أنت ومن سبقك من الأنبياء ﴿كَافِرُونَ﴾ لا نؤمن به؛ ولو ظهرت صحته، وبانت هدايته؛ وأصروا على عبادة الأصنام،
-[٦٠١]- دون الملك العلام؛ فهل بعد هذا يجوز لمثلهم أن يقول: ﴿لَوْ شَآءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ لقد بطلت حجتهم، وسقطت معذرتهم؛ واستوجبوا الجحيم؛ والعذاب الأليم
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ بالقحط، والمرض، والفقر، والذل، والاستئصال
﴿إِنَّنِي بَرَآءٌ﴾ أي بريء
﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ خلقني ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ إلى معرفته ودينه
﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً﴾ أي كلمة التوحيد؛ يدل عليها قوله عليه الصلاة والسلام ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ ﴿بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ أي في ذريته؛ فلا يزال فيهم من يعبد الله تعالى، ويدعو إلى توحيده ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ أي لعل أهل مكة حين يسمعون توحيد إبراهيم ﴿يَرْجِعُونَ﴾ إلى الدين الحق الذي استمسك به جدهم إبراهيم
﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ﴾ الكفار متعت ﴿آبَآءَهُمُ﴾ من قبلهم؛ ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم ﴿حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ﴾
من عندنا؛ وهو القرآن ﴿وَرَسُولٌ﴾ هو سيد الرسل محمد عليه الصلاة والسلام ﴿مُّبِينٌ﴾ مظهر لديننا، وشريعتنا، وأحكامنا. وقرأ قتادة والأعمش، وغيرهما: «بل متعت» بتاء الخطاب على معنى أن القائل لذلك: إبراهيم عليه السلام؛ أو هو من مناجاة الرسول. وقرأ الأعمش: «بل متعنا» بنون العظمة. والأول: هو أولى الأقوال
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ﴾ القرآن، وما صاحبه من معجزات، وإرهاصات ﴿قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ يكفرون بمن خلق، ويعبدون من خلق، ويكفرون بالآيات البينات، ويؤمنون بالأباطيل والترهات
﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ يعنون بالقريتين: مكة والطائف. وبالعظيم: الذي يكون له مال، ومنصب، وجاه، وقد فاتهم أن العظيم: هو الذي يكون عند الله تعالى عظيماً؛ أما المال، والجاه، والمنصب؛ فهي عظمة يبتغيها الجاهلون، ويقدرها الفاسقون ومقياس العظمة الحقيقية عند الله تعالى، وعند العقلاء: عظمة النفس، وسمو الروح، وعلو الهمة ومن أعظم نفساً، وأسمى روحاً، وأعلى همة؛ من محمدبن عبد الله: خاتم رسل الله؟ عليه الصلاة والسلام وقد قال تعالى؛ رداً على من اقترح نزول القرآن على رجل من القريتين عظيم:
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ فيعطون النبوة والرسالة لمن يشاءون دون من أشاء، وينزلون القرآن على من يحبون؛ دون من أحب؟ ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فجعلنا بعضهم أغنياء، وبعضهم فقراء ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ لا كما تنادي بعض المبادىء الهدامة؛ بما يبثونه من سموم فكرية، وما يدعون إليه من نظم؛ في ظاهرها البر والخير، وفي باطنها الإثم والشر كالنظام الشيوعي، والنظم الأخرى التي تستوردها بعض الأمم من البلاد التي لا تدين بالإسلام، بل ولا تدين بأي دين سماوي؛ بل تقول
601
بالتعطيل، وألا إله في الكون أصلاً والدين الإسلامي - في مظهره وجوهره - ليس في حاجة إلى نظام أو منظمين؛ فقد نظمه خالق الكون ومدبره، وهو وحده العالم بما يصلح عباده ويكفل إسعادهم. وهو جل شأنه بامتحانه لهم بضروب من الغنى والفقر، والسعة والضيق: إنما يؤهلهم بهذا الاختبار إلى حياة أخرى دائمة السعادة والخير لمن أحسن، والشقاء والبؤس لمن أساء ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ﴾ فالابتلاء والاختبار: أساس عظيم في تقدير استحقاق من يدخل الجنة؛ ممن يدخل النار. فإذا ما تعادلت الاحتياجات، وتساوت الأقدار - كما يزعم الشيوعيون ومن يدور في فلكهم - فقد سقط الامتحان الذي أراده الله تعالى لعباده، وأعدهم لاجتيازه وتنطوي هذه النظم التي يزعمونها على ظلم فادح لكلا النوعين؛ فقد أصبح الغني فقيراً؛ وهو قبل ذاك مكلف بالشكر على ما آتاهالله، والإنفاق منه وأضحى الفقير مرذولاً؛ وقد كان قبل ذاك مكلفاً بالصبر على فقره، مشكوراً مأجوراً عليه
وما حاجة الفقراء إلى النظم البشرية؛ وقد صيرهم الله تعالى جميعاً أغنياء بنظمه المحكمة الربانية فإذا ما فسد نظام المسلمين؛ بالبخل، والشح، والانصراف عن الله تعالى وأوامره: فليس ذلك عيباً في الدين، وإنما هو عيب القائمين بالأمر فيهم
لقد رتب الدين الحنيف حقوقاً للفقراء؛ حتى صيرهم أغنى من الأغنياء: لقد جعل إطعامهم قربى تقرب إلى مغفرته، والإحسان إليهم حسنى تدني من رحمته
ولو أنّ إنساناً تخير ملة
ما اختار إلا دينك الفقراء
أما هذه النظم التي يدعون إليها، ويحاربون من أجلها: فظاهرها الرحمة، وباطنها من قبله العذاب يقولون بالمساواة؛ وأين المساواة؟ وبشيوع المال بين السادة والعبيد؛ وأين ما يزعمون؟ لقد جعلت بعض الدول نظاماً خاصاً: يفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان - بسبب اللون - وقد خلقهم الله تعالى من أب واحد، وأم واحدة. وقد يكون المفضول أفضل من الفاضل ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ لقد ظلموا الناس وقالوا: إنه العدل. وأجاعوهم وقالوا: إنه الشبع. وأفقروهم وقالوا: إنه الغنى
لقد أفقروا الأغنياء، ولم يستطيعوا أن يطعموا الفقراء وجميع ذلك بأنظمة نظموها، وشرائع شرعوها. ولكن هلم معي - يرحمك الله - إلى شرعةالله، ودينالله، وهدىالله؛ يقول الله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ
602
أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ} فجعل تعالى إيتاء المال للفقراء من أفضل العبادات والقربات.
ووقف تعالى خيره وبره على المنفقين؛ فقال جل شأنه، وعلت حكمته: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾. كما وقف رحمته على من يسارع في العطاء؛ فقال سبحانه: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا﴾.
وقد أباح الدين مقاتلة مانعي الزكاة، وأخذها منهم قسراً وجبراً بأمر الله وقد كانوا في صدر الإسلام يبحثون عن الفقير والمحتاج؛ ويشكرونه حينما يقبل صدقتهم، ويعتبرونه صاحب الفضل عليهم؛ لا هم أصحاب الفضل عليه؛ كيف لا وهو المتسبب في رضا الرب سبحانه وتعالى عنهم وفي دخولهم الجنة
هذا ولم يحل فقر الفقراء دون توليهم أرقى المناصب في الدولة؛ بل كان الفقر مؤهلاً ضمن المؤهلات لولاية الحكم، والقضاء، وما شاكلهما من كبرى المناصب؛ وذلك لأن الفصل في جميع ذلك: التقى لا الغنى، والورع لا الطمع هذا في حين أن المناصب في الدول ذوات المبادىء الجوفاء الطنانة؛ لا يليها إلا الذين أتخمهم الغنى، وأصمهم الترف، وأعماهم الجشع والطمع؛ فلم يتركوا لقمة لجائع، ولا مزقة لعار؛ وبعد كل هذا ينادون بالعدل، والمساواة، ورحم الله تعالى العدل والمساواة
هذا وقد اختلف كثير من الناس في الغني الشاكر، والفقير الصابر: أيهما أفضل من الآخر؟ وقد فضل بعضهم الغني الشاكر عن الفقير الصابر: وذلك لأنه ابتلي بالغنى فشكر نعمة ربه، وقام بما يجب عليه حيالها ومن أول الواجبات عليه: رعاية الفقير، والمحتاج. وبذلك يكون أنفق ما وهبه الله في حدود ما أمر بهالله، وآتى المال على حبه، وأطعم الطعام في سبيله.
فإذا قلنا بما قال به بعض الفرنج - من شيوع المال واشتراكيته - فقد حاولنا القضاء على النظام الكوني الذي رسمه الله تعالى لعباده، وامتحنهم به
وقد اقتبسوا معنى الاشتراكية: من اشتراك الجميع في المال. ولكنهم لم يحققوا ما ذهبوا إليه، ولا ما أحاطوا به مذاهبهم الباطلة من سياج التمويه والتضليل وها هي ذي البلاد التي اعتنقت مثل هذه المبادىء وقد قضى عليها الفقر، وأطاح بها الجوع والحرمان. بعكس بلادنا التي تطورت إلى الاشتراكية الإسلامية.
603
أما الإسلام: فهو مؤسس الاشتراكية الصحيحة، والشيوعية السليمة. فمعنى الاشتراكية: شركة الفقير مع الغني فيما آتاه الله من مال، أو عقار، أو زرع، أو ضرع. وقد عقد الله تعالى بينهما عقداً لا تنفصم عراه: فضمن لمن وفى به الجنة والثواب الجزيل، وأوعد من نقض العقد، ونكث العهد بالعذاب الأليم، والشقاء المقيم هذا وقد حدد في هذا العقد ما لكل طرف منهما من حقوق، وما عليه من واجبات. ومعنى الشيوعية: شيوع المال بين بني الإنسان؛ فلا يوجد أحد يشتكي الفقر والحرمان ولئلا يكون المال دولة بين الأغنياء وقد كفل الله تعالى للفقير حقوقاً يحارب الغني من أجلها، ويقاتل عليها. ولكن هذه الحقوق محدودة بحدود رسمها خالق الدنيا، ورازق الخلق؛ بحيث لا يفتقر الغني، ولا يجوع الفقير. وبحيث يصح امتحان الله تعالى لعباده - الذي ما خلقهم إلا من أجله - فيجزي غنياً شكر، وفقيراً صبر
وها هي ذي الدول الأجنبية - وقد تباينت أهواؤها، وعظمت أدواؤها - قد انقسمت إلى قسمين، أو قل معسكرين: شيوعي، ورأسمالي؛ وكلاهما ضل السبيل، وحاد عن جادة الطريق: فأولاهما قتله الجوع، وثانيهما قتله الشبع، وكلاهما يسير في حياته على غير هدى وذلك لأن ﴿هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ فاتبع - هديت وكفيت - هدى الله، واجتنب هدى الشيطان ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾.
هذا وقد قيض الله تعالى لهذه الأمة من أقامها من كبوتها، وأقالها من عثرتها، ونظم لها النظم والقوانين؛ التي لا تخرج عما أراده رب العالمين: فأخذ من الأغنياء حق الفقراء؛ فجزى الله تعالى كل من نافح عن الدين، ولم يخرج عن تعاليم القرآن، التي جعلها الله تعالى صالحة لكل زمان ومكان
وأساس النظام الإلهي في تفاوت الدرجات ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾ من التسخير؛ لا من السخرية؛ أي يسخر الغني الفقير في مصالحه التي تعود على المجتمع كله - غنيه وفقيره - بالخير العميم ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ﴾ مغفرته وجنته لمن يتصدق ﴿خَيْرٌ﴾ من الأموال؛ ويبخلون بها
604
﴿وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على الكفر ﴿لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ﴾ وذلك لحقارة الدنيا عند الله تعالى وأن بسط الرزق لبعض من فيها: لا يدل على هدايته. وتضييقه على بعضهم لا يدل على غوايته
فلو كانت الدنيا جزاءً لمحسن إذاً لم يكن فيها معاش لظالم
لقد جاع فيها الأنبياء كرامة وقد شبعت فيها بطون البهائم
-[٦٠٥]- ﴿وَمَعَارِجَ﴾ ومصاعد ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ يصعدون ﴿وَزُخْرُفاً﴾ الزخرف: الذهب، أو هو الزينة
﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ﴾ النعيم الزائل، والمتاع الفاني ﴿لَمَّا﴾ إلا ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قليل ثم يزول؛ مشوب بالتنغيص؛ محاط بالأكدار ﴿وَالآخِرَةُ﴾ وما فيها من نعيم مقيم، و ﴿جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ في رحابه؛ أعدها ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ من أحبابه
﴿وَمَن يَعْشُ﴾ يغفل ﴿عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ ويعرض متعامياً عن داعي الإيمان ﴿نُقَيِّضْ﴾ نسخر، ونسلط ﴿لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ مقارن، وملازم له؛ لا يفتأ يزين له القبيح، ويقبح له المليح؛ حتى يورده موارد الهلاك والتلف وذلك بسبب غفلته، وتعاميه عن ذكر ربه
﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي الشياطين القرناء ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ﴾ ليمنعون الغافلين المتعامين ﴿عَنِ السَّبِيلِ﴾ عن طريق الهدى
﴿حَتَّى إِذَا جَآءَنَا﴾ ذلك الغافل المتعامي، يوم القيامة ﴿قَالَ﴾ لقرينه الذي صده عن السبيل ﴿فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ أنت؛ إذ أوردتني موارد الحتوف
﴿أَفَأَنتَ﴾ يا محمد ﴿تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ أي كما أنك لا تستطيع إسماع الأصم، أو هداية الأعمى؛ فكذلك لا تستطيع إسماع الكافر، أو هدايته وكيف تهدي من أصم أذنيه عن استماع النصح، وأعمى قلبه عن رؤية الحق لا تستطيع أن تهدي ﴿وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ بين ظاهر
﴿فَإِمَّا﴾ فإن ﴿نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ أي نتوفينك قبل تعذيبهم ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ في الدنيا
﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾
به من العذاب
﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن ﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ طريق قويم
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ أي شرف عظيم لك ولهم ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ عن مدى تمسككم به، ونشركم له
﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ أي اسأل أمم الأنبياء الذين أرسلناهم من قبلك. يؤيده قراءة ابن مسعود ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ وقيل: واسأل رسلنا - حين تلقاهم - ليلة المعراج؛ وقد التقى عليه الصلاة والسلام بكثير منهم؛ كما ورد في كثير من الأحاديث ﴿أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ غيره
﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ يسخرون منها، ويستهزئون بها
﴿وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ﴾ معجزة ﴿إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ في الدلالة على صدق موسى، ووحدانية مرسله. أو المراد بالآية: آية العذاب؛ فقد ابتلوا بالطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم (انظر آية ١٣٣ من سورة الأعراف) ﴿وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن كفرهم وتكذيبهم. ومن عجب أنهم - رغم نزول العذاب بهم، وتنوعه وتكرره عليهم - لم يؤمنوا، ولم يرتدعوا، ولم يقولوا في محنتهم وشدتهم: يا أيها النبي، أو يا أيها الرسول، أو يا أيها الصادق؛ بل قالوا
﴿يأَيُّهَا السَّاحِرُ﴾ وقيل: معنى الساحر عندهم: العالم؛ يؤيده قول فرعون ﴿ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ من كشف العذاب عنا؛ إن آمنا
﴿إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ ينقضون عهدهم، ويصرون على كفرهم
﴿أَمْ﴾ بل ﴿أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَذَا﴾ إشارة إلى موسى عليه السلام ﴿الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ ضعيف، حقير ﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾
لا يكاد يظهر الكلام: للثغة في لسانه؛ جعلته يستعين - فيما يقول - بأخيه هرون: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً﴾
﴿فَلَوْلاَ﴾ فهلا ﴿أُلْقِيَ عَلَيْهِ﴾ ألبس كما يلبس السادة والعظماء ﴿أَسْوِرَةٌ﴾ جمع سوار؛ وقد كان العظماء فيهم يلبسونها ﴿مُقْتَرِنِينَ﴾ متتابعين؛ يشهدون بصدقه
﴿فَاسْتَخَفَّ﴾ استجهل فرعون ﴿قَوْمَهُ﴾ أي استغل فرعون جهل قومه، وضعفهم؛ فقال لهم: ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ ﴿فَأَطَاعُوهُ﴾ وعبدوه من دون الله تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ عاصين كافرين
﴿فَلَمَّآ آسَفُونَا﴾ أغضبونا
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً﴾ أي أهلكناهم؛ فجعلناهم سابقين؛ بعد أن كانوا حاضرين جعلناهم ﴿مَثَلاً﴾ عظة ﴿لِّلآخِرِينَ﴾ لمن يأتي بعدهم
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ﴾ عيسى ﴿ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً﴾ في قوله تعالى ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ﴾ أي من هذا المثل ﴿يَصِدُّونَ﴾ يضجون. وقد قال المشركون وقتذاك: إنما يريد محمد أن نعبده؛ كما عبد النصارى عيسى
﴿وَقَالُواْ﴾ أيضاً أأصنامنا التي نعبدها ﴿خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ يعنون عيسى عليه السلام. قال تعالى رداً عليهم ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ﴾ أي ما ضربوا لك هذا المثل ﴿إِلاَّ جَدَلاَ﴾ مجادلة؛ لا أثر للمنطق والتعقل فيها ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ شديدو الخصومة
﴿إِنْ هُوَ﴾ أي ما عيسى ﴿إِلاَّ عَبْدٌ﴾ من عبادنا ﴿أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ بالاصطفاء والنبوة ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً﴾
آية ﴿لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يستدل بها على وجود الخالق تعالى وقدرته: لخلقه من غير أب، واستطاعته - بأمر ربه - أن يبرىء الأكمه والأبرص، وأن يحيي الموتى بإذنه تعالى
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ﴾ أي لجعلنا بعضكم ﴿مَّلاَئِكَةً﴾ لأني خالق النوعين، ومبدع الصنفين ﴿يَخْلُفُونَ﴾ أي يخلف بعضهم بعضاً فيما بينكم، أو يخلفونكم أنتم
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي عيسى عليه السلام ﴿لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾ أي دليل عليها؛ حين ينزل قبيل القيامة؛ كما ورد في الأحاديث. أو الإشارة إلى القرآن الكريم؛ وما فيه من صفات القيامة وأهوالها، وما يعقب ذلك من نعيم مقيم، وعذاب أليم ﴿فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ من المرية؛ أي لا تشكون في وقوعها ﴿هَذَا﴾ الذي أدعوكم إليه ﴿صِرَاطٍ﴾ طريق
﴿وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ المعجزات الظاهرات ﴿قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ﴾ بالنبوة، والمعرفة، والشرائع
﴿فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ﴾ في شأنه. فمن قائل: إنهالله.
-[٦٠٧]- ومن قائل: إنه ابنه. ومن قائل: ثالث ثلاثة. ومنهم من قال: هو ابن زنا ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ كفروا
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظرون ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة
﴿الأَخِلاَّءُ﴾ أي الأصدقاء في الدنيا؛ المجتمعون فيها على الكفر والمعاصي، المكبون على الآثام ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم القيامة يكون ﴿بَعْضَهُمْ﴾ رغم المحبة والصداقة في الدنيا ﴿لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين تحابوا فيالله، واجتمعوا على عبادته ومرضاته؛ فإنهم سعداء بحبهم وصداقتهم؛ يقال لهم
﴿يعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ فقد انقطع الخوف، وزال الحزن؛ ولم يبق لكم سوى الأمن والسرور
﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾
تسرون؛ وهو من الحبور
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ﴾ بأطباق ﴿وَفِيهَا﴾ أي في الجنة أو في الصحاف والأكواب
﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ الكافرين
﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ لا يخفف العذاب عنهم ﴿مُبْلِسُونَ﴾ آيسون من النجاة، والعفو، والرحمة
﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بتعذيبهم، وتخليدهم في النار ﴿وَلَكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم؛ بتعريضها للعقاب، وتمسكهم بالكفر والعناد
﴿وَنَادَوْاْ﴾ الكفار ﴿يَمْلِكُ﴾ وهو خازن النار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ أي ليمتنا لنسترح. وهو من قضى عليه: إذا أماته ﴿قَالَ﴾ الخازن لهم: لا تفكروا في الخلاص، فلات حين مناص ﴿إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ﴾ باقون في العذاب أبد الدهر
﴿أَمْ أَبْرَمُواْ﴾ أحكموا ﴿أَمْراً﴾ في كيد محمد ﴿فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ محكمون أمراً في كيدهم وإهلاكهم
﴿وَنَجْوَاهُم﴾ ما يتحدثون به فيما بينهم، ويخفونه عن غيرهم ﴿وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ هم الحفظة: يكتبون ما يفعلونه، وما ينطقون به
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ﴾ كما يزعمون ﴿فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ لهذا الولد
﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ تنزيهاً، وتقديساً له ﴿رَبِّ الْعَرْشِ﴾ مالك الملك ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ يقولون من الكذب؛ بنسبة الولد، والشريك إليه
﴿فَذَرْهُمْ﴾ دعهم ﴿يَخُوضُواْ﴾ في باطلهم ﴿وَيَلْعَبُواْ﴾ في دنياهم ﴿حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ أي يوم عذابهم، والانتقام منهم؛ وهو يوم القيامة
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إِلَهٌ﴾ يعبد، ويطاع، ويتقى ﴿وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ﴾ واجب العبودية، واجب الطاعة ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ في صنعه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بخلقه، البصير بمصالحهم
﴿وَتَبَارَكَ﴾ تقدس وتعالى الله ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وما فيهما ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من مخلوقات ﴿وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ أي وقت قيامها، وكيفيته، وحالته
﴿وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ يعبدون ﴿مِن دُونِهِ﴾ غيره ﴿الشَّفَاعَةَ﴾ لعابديهم؛ كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ آمن بالله، وشهد ألا إله إلا الله؛ فهؤلاء يشفعون لغيرهم ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ بقلوبهم صدق ما قالوه بألسنتهم.
والمراد بهم: عيسى،
-[٦٠٨]- وعزير، والملائكة
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ أي لئن سألت هؤلاء المعبودين ﴿مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ هو خالقهم ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ فكيف يصرفون عن عبادة الله تعالى إلى عبادة غيره؛ بعد اعتراف المعبودين؛ بخلق رب العالمين لهم؟ أو ولئن سألت العابدين لغيرالله: ﴿مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ فكيف يصرفون عن عبادته، مع اعترافهم بخلقته؟
﴿وَقِيلِهِ﴾ أي قول النبي
﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ﴾ فأعرض عن دعوتهم ﴿وَقُلْ سَلاَمٌ﴾ وذلك قبل الأمر بقتالهم ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ تهديد شديد، ووعيد للمشركين.
608
سورة الدخان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

608
Icon