تفسير سورة الصف

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الصف من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
سورة الصف وتسمى سورة عيسى وسورة الحواريين.

﴿ سبح لله ما في السموات ﴾ [ آية الحديد ١ ص ٤٠٠ ].
﴿ لم تقولون ما لا تفعلون ﴾ استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لم قد فعله، أو مالا يفعله ؛ فهو إما كذب وإما خلف وكلاهما مذموم. وحذفت ألف ما الاستفهامية مع حرف الجر تخفيفا لكثرة استعمالهما معا محو : بم، ممّ، عمّ، فيم. روي أن نفرا من المسلمين قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا ؛ فلما نزل الأمر بالجهاد كرهوه، فنزلت الآية توبيخا لهم على إخلافهم ما وعدوا.
﴿ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾ عظم قولكم مالا تفعلون مقتا عند الله، والمقت " أشد البغض، و " مقتا " تمييز محول عن الفاعل، والأصل : كبر مقت قولكم ؛ أي المقت المترتب على قولكم المذكور.
﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون... ﴾ بيان لما هو مرضي عنده تعالى، بعد بيان ما هو ممقوت عنده. أي أنه تعالى يرضى عن الذين يقاتلوا في سبيل مرضاته تعالى، صافين أنفسهم في القتال. أو مصفوفين صفوفا متراصة ؛ كأنهم في التحامهم وتماسكهم واتحادهم لنبان محكم، لا فرجة فيه ولا خلل، حتى صار شيئا واحدا ؛ وهذا شأن الصادقين في الجهاد. يقال : رصصت البناء – من باب رد – لا أمت بين أجزائه، وألزقت بعضها ببعض حتى صار كالقطعة الواحدة ؛ ومنه : التراص للتلاصق.
﴿ وإذا قال موسى لقومه... ﴾ أي حين ندبهم إلى قتال الجبابرة فعصوه وقالوا : " عن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها " ١. وقالوا : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " ٢. وأصروا على ذلك وآذوه عيه السلام كل الأذى.
﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ﴾ فلما أصروا على الميل علن الحق والانحراف عنه أمال الله قلوبهم عن قبوله ؛ لصرفهم اختيارهم نحو العمى والضلال. أو فلما زاغوا عن الطاعة أزاغ الله قلوبهم عن الهداية ؛ من الزيغ، وهو الميل عن الحق. يقال : زاغ يزيغ زيغا وزيغانا، مال. وأزاغه : أماله.
١ آية ٢٢ المائدة..
٢ آية ٢٤ المائدة..
﴿ اسمه أحمد ﴾ هو علم لنبينا صلى الله عليه وسلم، ومعناه : أحمد الحامدين لربه. بشرت به وبرسالته الخاتمة للرسالات السماوية. التوراة والإنجيل، اللذان لم يحرفا ولم يبدلا على لسان موسى وعيسى عليهما السلام. ﴿ فلما جاءهم ﴾ أي عيسى، أو محمد عليهما الصلاة والسلام.
﴿ يريدون ليطفئوا نور الله... ﴾ أي يريدون أن يطفئوا دينه، أو كتابه، أو حجته النيّرة بطعنهم فيه. أو هو تمثيل لحالهم في إبطال الحق – بحال من ينفخ في نور الشمس بفمه ليطفئه ؛ تهكما بهم وسخرية.
﴿ أرسل رسوله ﴾ محمدا صلى الله عليه وسلم﴿ بالهدى ﴾ بالقرآن أو بالمعجزة﴿ ودين الحق ﴾ أي الملة الحنيفية، ﴿ ليظهره على الدين كله ﴾ أي ليعليه على جميع الأديان المخالفة له.
﴿ وأخرى تحبونها ﴾ أي ولكم إلى ما ذكر من النعم العظيمة نعمة أخرى تحبونها، وفسّرها بقوله :﴿ نصر من الله وفتح قريب ﴾ أي عاجل، وهو فتح مكة، أو فارس والروم.
﴿ للحواريين ﴾ أصفياء عيسى عليه السلام وخواصه. وكانوا اثني عشر رجلان وهم أول من آمن به من بني إسرائيل [ آية ٥٢ آل عمران ص ١٠٩ ]. ﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ من جندي متوجها إلى نصرة الله. ﴿ نحن أنصار الله ﴾ أي نحن الذين ينصرون دين الله.
﴿ فأيدنا الذين آمنوا... ﴾ أي قوينا الذين آمنوا بعيسى، وأنه عبد الله ورسوله. ﴿ فأصبحوا ظاهرين ﴾ غالبين مؤيدين بالحجج والدلائل بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم على الكافرين بالله، الزاعمين أن عيسى هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة ؛ تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا ! والله أعلم
Icon