ﰡ
فالعصفات عَصْفاً
والناشرات نَشْراً
فالفارقات فَرْقاً
فالملقيات ذِكْراً
إقسامٌ من اللَّهِ عزَّ وجل بطوائفَ من الملائكةِ أرسلهنَّ بأوامرِه فعصَفنَ في مُضيّهنَّ عصفَ الرياحِ مسارعةً في الامتثالِ بالأمرِ وبطوائفَ أُخرى نشرْن أجنحتَهنَّ في الجوِّ عندَ انحطاطِهنَّ بالوَحي أو نشرن الشرائعَ في الأقطارِ أو نشرن النفوسَ المَوْتى بالكفر والجهل بما او حين ففرقن بينَ الحقِّ والباطل فألقين ذكرا الا الأنبياءِ
للمحقِّينَ
أَوْ نُذْراً
للمبطلينَ ولعلَّ تقديمَ نشرِ الشرائعِ ونشرِ النفوسِ والفَرقِ على الالقاء للإيذان بكونها غايةً للإلقاء حقيقةً بالاعتناء بَها أو للإشعارِ بأنَّ كُلاً من الأوصافِ المذكورةِ مُستقلٌّ بالدلالةِ على استحقاق الطوائفِ الموصوفةِ بها التفخيم والاجلال بالاقسام بهن ولوجىء بها على ترتيب الوقوعِ لربَّما فُهمَ أنَّ مجموعَ الإلقاءِ والنشرِ والفرقِ هو الموجبُ لما ذكِرَ من الاستحقاقِ أو إقسامٌ برياحِ عذابٍ أرسلهنَّ فعصفنَ وبرياحِ رحمةٍ نشرنَ السحابَ في الجوِّ ففرقنَ بينَهُ كقولِه تعالى وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أو بسحائبَ نشرنَ المواتَ ففرقنَ كلَّ صنفٍ منها عن سائرِ الأصنافِ بالشكلِ واللونِ وسائرِ الخواصَّ أو فرقنَ بينَ من يشكرُ الله تعالَى وبينَ من يكفرُ بهِ فألقينَ ذكراً أما عُذراً للمعتذرينَ إلى الله تعالى بتوبتهم واستغفارهم عن مشاهدتهم
لآثار رحمتِه تعالى في الغيث ويشكرونها واما انذارا للذين يكفرونَها وينسبونها إلى الأنواءِ وإسنادُ إلقاءِ الذكرِ إليهنَّ لكونِهن سبباً في حصوله إذَا شكرت النعمة فيهن أو كفرت أو إقسامٌ بآياتِ القُرآنِ المرسلةِ الى رسول الله ﷺ فعصفنَ سائرَ الكتبِ بالنسخِ ونشرنَ آثارَ الهُدى من مشارق الأرضِ ومغاربِها وفرقنَ بين الحق والباطل فألقين ذكرَ الحقِّ في أكناف العالمينَ والعُرفُ إمَّا نقيضُ النُّكرِ وانتصابُه على العلةِ أي أرسلنَا للإحسانِ والمعروفِ فإنَّ إرسالَ ملائكةِ العذابِ معروفٌ للأنبياءِ عليهم السَّلامُ والمؤمنينَ أو بمَعْنى المتابعةِ من عُرفِ الفرسِ وانتصابُه على الحاليَّةِ والعُذرُ والنُّذرُ مصدرانِ من عَذَرَ إذا مَحَا الإساءةَ ومن أنذَرَ إِذَا خَوَّفَ وانتصابُهما على البدليةِ من ذِكراً أو عَلى العِليِّةِ وقُرِئَا بالتثقيلِ
جوابٌ للقسمِ أيْ إنَّ الذي تُوعدونَهُ من مجيءِ القيامةِ كائنٌ لا محالةَ
مُحيتْ ومُحقتْ أو ذُهبَ بنورِها
صُدعتْ وفُتحتْ فكانتْ أبواباً
جُعلتْ كالحبِّ الذي يُنسفُ بالمنسفِ ونحوهُ وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً وقيل أُخذتْ منْ مقارِّها بسرعةٍ من انتسفتَ الشيءَ إذا اختطفتَهُ وقُرِىءَ طُمِّستْ وفُرِّجتْ ونُسِّفتْ مشددةً
أي عُيِّنَ لهُم الوقتُ الذي يحضرونَ فيه للشهادةِ على اممهم وذلك عند مجيئه وحضورهِ إذْ لا يتعينُ لهم قبله أو بلغُوا الميقاتَ الذي كانُوا ينتظرونَهُ وقُرِىءَ وُقِّتتْ على الأصلِ وبالتخفيفِ فيهما
مقدرٌ بقولٍ هُو جوابٌ لإذا في قولِه تعالى وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ أو حالٌ من مرفوعِ أقتت أي يقالُ لأيِّ يومٍ أُخرت الأمورُ المتعلقةُ بالرسل والمرادُ تعظيمُ ذلكَ اليومِ والتعجيبُ من هولِه وقولُه تعالَى
بيانٌ ليومِ التأجيل وهو الذي يُفصلُ فيهِ بينَ الخلائقِ
مَا مبتدأٌ أدراكَ خبرُهُ أيْ أيُّ شيءٍ جعلَكَ دارياً ما هُو فوضع موضع الضمير
يومَ الفصلِ لزيادةِ تفظيعٍ وتهويلٍ على أنَّ مَا خبرٌ ويومُ الفصلِ مبتدأٌ لاَ بالعكسِ كما اختارَهُ سيبويِه لأنَّ محطَّ الفائدةِ بيانٌ كونِ يومِ الفصلِ أمراً بديعاً هائلاً لا يُقادرُ قَدُرُه ولا يُكتنُه كُنْههُ كَما يفيدُه خبريةُ مالا بيانُ كونِ أمرٍ بديعٍ من الأمورِ يومَ الفصلِ كما يُفيده عكْسُه
أيْ في ذلكَ اليومِ الهائلِ وويلٌ في الأصلِ مصدرٌ منصوبٌ سادٌّ مسدَّ فعلِه لكنْ عُدلَ بهِ إلى الرفعِ للدلالةِ على ثباتِ الهلاكِ ودوامِه للمدعوِّ عليهِ ويومئذٍ ظرفُه أو صفتُه
كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ لتكذيبِهم بهِ وقُرِىءَ نَهلكَ بفتحِ النونِ من هلَكَه بمعنى أهلَكَه
بالرفعِ على ثمَّ نحنُ نتبعُهم الآخرينَ من نظرائِهم السالكينَ لمسلكِهم في الكفرِ والتكذيبِ وهُو وعيدٌ لكفارِ مكةَ وقُرِىءَ ثمَّ سنُتبعُهم وقُرِىءَ نُتبعْهُم بالجزمِ عطفاً على نُهلك فيكونُ المرادُ بالآخرينَ المتأخرينَ هلاكاً من المذكورينَ كقومِ لوطٍ وشعيبٍ ومُوسى عليهم السَّلامُ
مثلَ ذلكَ الفعلِ الفظيعِ
نَفْعَلُ بالمجرمين
أي سنَّتُنا جاريةٌ على ذلكَ
أيْ يومُ إذْ أهلكناهُم
لّلْمُكَذّبِينَ
بآياتِ الله تعالَى وأنبيائِه وليسَ فيه تكريرٌ لما أنَّ الويل الأول لعذاب اللآخرة وَهَذا لعذابِ الدُّنيا
أي ألم نُقدرْكُم
مّن مَّاء مَّهِينٍ
أي من نُطفةٍ قذرةٍ مهينةٍ
هو الرحمُ
إلى مقدارٍ معلومٍ من الوقتِ قدَّرهُ الله تعالَى للولادةِ تسعةَ أشهرٍ أو أقلَّ منها أو أكثرَ
أي فقدرناهُ وقد قُرِىءَ مُشدداً أو فقدرنا على ذلك على أن المراد بالقدر ما يقارنُ وجودَ المقدورِ بالفعل
فَنِعْمَ القادرون
أي نحنُ
بقدرتِنا على ذلك أو على الإعادةِ
الكِفاتُ اسمُ مَا يكْفِتُ اي يضم ويجمع مع كفتَ الشيءَ إذا ضمَّه وجمعَهُ كالضِّمامِ والجِماعِ لما يضمُّ ويجمعُ أي ألم نجعلْها كِفاتاً تكفتُ
كثيرةً على ظهرها
وأمواتا غيرَ محصورةٍ في بطنِها وقيلَ هُو مصدرٌ نُعِتَ به للمبالغةِ وقيلَ جمعُ كافتٍ كصائمٍ وصيامٍ أو كِفت وهو الوعاءُ أجرى على الأرض باعتبار بقاعها وقيل تنكيرُ أحياءً وأمواتاً لأنَّ أحياءَ الإنسِ وأمواتَهم بعضُ الأحياءِ والأمواتِ وقيلَ انتصابُهما على الحاليةِ من محذوفٍ أي كفاتاً تكفتكُم أحياءٌ وأمواتاً
أي جبالاً ثوابتَ
شامخات
طوالاً شواهقَ ووصفُ جمعِ المذكِر بجمعِ المؤنثِ في غيرِ العقلاءِ مُطَّردٌ كداجنٍ ودواجنٍ وأشهرٌ معلوماتٌ وتنكيرُها للتفخيمِ أو للاشعار بأن فيها مالم يُعرفْ
وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً
بأنْ خلقنَا فيها أنهاراً ومنابعَ
بأمثالِ هذه النعمِ العظيمةِ
أي يقالُ لهم يومئذ للتوبيخ والتقريع انطلقُوا
إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ
في الدُّنيا من العذابِ
خُصوصاً
إلى ظِلّ
أي ظِل دُخانِ جهنَّمَ كقولِه تعالَى وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ وقُرِىءَ انطَلقُوا على لفظ الماضي اخبار بعدَ الأمرِ عن عملِهم بموجبه لاضطرارِهم إليه طوعاً أو كرهاً
ذِى ثلاث شُعَبٍ
يتشعبُ لعِظمه ثلاثَ شُعبٍ كَما هُو شأنُ الدُّخانِ العظيمِ تراهُ يتفرقُ ذوائبَ وقيلَ يخرجُ لسانٌ من النار فيحيطُ بالكفارِ كالسُّرادقِ ويتشعبُ من دُخَانِها ثلاثُ شعبٍ فتظلهُم حتى يُفرغَ من حسابِهم والمؤمنونَ في ظلَ العرشِ قيلَ خُصوصيةُ الثلاثِ إما لأنَّ حجابَ النفسِ عن أنوارِ القدسِ الحسُّ والخيالُ والوهمُ أو لأنَّ المؤدِّي إلى هذا العذاب هو القوةُ الوهميةُ الشيطانيةُ الحَّالةُ في الدماغِ والقوةُ الغضبيةُ السبعيةُ التي عن يمينِ القلبِ والقوةُ الشهويةُ البهيميةُ التي عن يسارِه ولذلكَ قيلَ تقفُ شعبةٌ فوقَ الكافرِ وشعبةٌ عن يمينِه وشعبة عن يساره
تهكمٌ بهم اورد لما أوهمَه لفظُ الظلِّ
وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب
أي غيرُ مغنٍ لهم من حرِّ اللهبِ شيئاً
أي كلُّ شررةٍ كالقصرِ من القصورِ في عِظَمِها وقيلَ هو الغليظُ من الشجر الواحدةُ قصرةٌ نحو جَمْرٍ وجمرةٍ وقُرِىءَ كالقَصَرِ بفتحتينِ وهي أعناقُ الإبلِ أو أعناقُ النخلِ نحو شجرةٍ وشجرٍ وقُرِىءَ كالقُصُر بمعنى القصور كرهن ورهُن وقرىء كالقصر جمع قصرة
قيلَ هو جمعُ جملٍ والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ يقالُ جملٌ وجمالٌ وجمالةٌ وقيلَ اسمُ جمعٍ كالحجارة
صفر
فان الشرارة لما فيهِ من الناريةِ يكون اصفر وقيل أسود لأن سوادَ الإبلِ يضربُ إلى الصفرةِ والأولُ تشبيهٌ في العظمِ وهذا في اللونِ والكثرةِ والتتابعِ والاختلاطِ والحركةِ وقُرِىءَ جمالاتٌ جمعُ جَمالةٍ وقد قُرىءَ بها وهي الحبلُ العظيمُ من حبل السفنِ وقلوسِ الجسورِ والتشبيهُ في امتدادِه والتفافهِ
اشارة الى دخولِهم النارَ أيْ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ فيه بشىءٍ لما أنَّ السؤالَ والجوابَ والحسابَ قدْ انقضتْ قبلَ ذلكَ ويومُ القيامةِ طويلٌ له مواطنُ ومواقيتُ ينطقونَ في وقتٍ دُونَ وقت فعبر عن كل وقت بيوم اولا ينطقونَ بشيءٍ ينفعُهم فإن ذلكَ كلاَ نطقٍ وقُرِىءَ بنصبِ اليومِ أيْ هَذا الذي فُصِّلَ واقعٌ يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
عطفٌ على يُؤذنُ مُنتظمٌ في سلكِ النفي أيْ لا يكونُ لهم إذنٌ واعتذارٌ متعقبٌ له من غيرِ أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن كما لو نصب
هذا يَوْمُ الفصلُ
بين الحقِّ والباطلِ والمحقِّ والمبطلِ
جمعناكم
خطابٌ لأمة محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام
والأولين
من الأممِ وهذا تقريرٌ وبيانٌ للفصل
فإن جميعَ من كنتُم تقلدونهم وتقتدونَ بهم حاضرونَ وهذا تقريعٌ لهم على كيدِهم للمؤمنينَ في الدُّنيا وإظهارٌ لعجزِهم
حيثُ ظهرَ أنْ لا حيلةَ لهم في الخلاصِ من العذابِ
من الكفرِ والتكذيبِ
فِى ظلال وَعُيُونٍ
أي مستقرونَ في فنونِ الترفِه وأنواعِ التنعمِ
مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من ضميرِ المتقينَ في الخبر أي مقولاً لهم كلُوا واشربُوا هنيئاً بما كنتُم تعملونَهُ في الدنيا من الأعمال الصالحةِ
الجزاءِ العظيمِ
نَجْزِى المحسنين
أيْ في عقائدِهم وأعمالِهم لا جزاءً أَدْنَى منْهُ
حيثُ نالَ أعداؤُهم هذا الثوابَ الجزيلَ وهُم بقُوا في العذاب المخلَّدِ الوبيلِ
مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من المكذبينَ أي الويلُ ثابتٌ لهم مقولاً لهم ذلكَ تذكيراً لهم بحالِهم في الدُّنيا وبما جنَوا على أنفسِهم من إيثارِ المتاعِ الفانِي عن قريبٍ على النعيمِ الخالدِ وعلل ذلك بإجرامِهم دلالةً على أنَّ كلَّ مجرمٍ مآلهُ هَذا وقيل هو كلامٌ مستأنفٌ خُوطبَ به المكذبونَ في الدُّنيا بعدَ بيان مآلِ حالهم وقررَ ذلكَ بقولِه تعالى
لزيادة التوبيخِ والتقريعِ
أي أطيعُوا الله واخشعُوا وتواضعُوا له بقبولِ وحيهِ واتباعِ دينهِ وارفضُوا هذا الاستكبارَ والنخوةَ
لاَ يَرْكَعُونَ
لا يخشعُون ولا يقبلُون ذلكَ ويصرونَ على ما هم
عليهِ من الاستكبارِ وقيلَ إذَا أُمروا بالصَّلاةِ أو بالركوع لا يفعلونَ إذْ رُويَ أنه نزلَ حينَ أُمرَ رسول الله ﷺ ثقيفاً بالصَّلاةِ فقالُوا لا نجي فإنَّها مسبَّةً علينا فقالَ عليه الصلاة والسلام لا خيرَ في دينٍ ليس فيه ركوعٌ ولا سجودٌ وقيلَ هُو يومَ القيامةِ حينَ يُدعونَ إلى السجودِ فَلا يستطيعونَ
وفيه دلالة على أنه الكفار مخاطبون بالفروع في حقِّ المؤاخذةِ
أي بعدَ القرآنِ الناطقِ بأحاديثَ الدارينِ وأخبارِ النشأتينِ على نمطٍ بديعٍ مُعجزٍ مؤسسٍ على حججٍ قاطعةٍ وبراهينَ ساطعةٍ
يُؤْمِنُونَ
إذَا لم يؤمنوا به وقرىء تؤمنون على الخطابِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ المرسلات كتبَ لَهُ أنَّه ليسَ من المشركين
سورة النبأ مكية وآياتها اربعون
بسم الله الرحمن الرحيم