تفسير سورة الإنفطار

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الانفطار
مكيّة وهى تسع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ انشقت.
وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ تساقطت متفرقة.
وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ فتح بعضها فى بعض واختلط العذب بالملح فصار الكل بحرا واحدا.
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ قلب ترابها واخرج موتاها.
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ط جواب إذا وهذا نظير ما مر فى إذا الشمس كورت الى قوله علمت قيل معناه ما قدمت من عمل صالح وسئ ما أخرت من سنة حسنة او سيئة والمعنى ما قدمت اى ضعت وما أخرت اى تركت من العمل وقيل ما قدمت من الصدقات وأخرت من الزكوة وقيل معناه بل قدمت الدنيا على الاخرة او بالعكس وقد مر نظيره قوله تعالى ينبّأ الإنسان بما قدم واخر.
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ اى ما خدعك وسوّل لك الباطل غرورا ملصقا بِرَبِّكَ موجبا للجرأة على عصيانه وترك ما امر به الْكَرِيمِ الصفوح جملة يايّها الإنسان معترضة ذكر توبيخا على الاساءة فى أعمالهم المفهوم من قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت قال نزلت فى الوليد بن مغيرة كذا قال البغوي واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة انها نزلت فى ابى بن خلف وقال الكلبي نزلت فى الاسيد بن كلده ضرب النبي - ﷺ - فلم يعاقب الله عز وجل فانزل الله تعالى هذه الاية يقول ما الذي غرك بربك الكريم التجاوز عنك او لم يعاقبك عاجلا بكفرك وصفه بالكريم لانه منشأ غروره وبه يغره الشيطان فانه يقول له ان شئت فربك لا يعذب أحدا ولا يعاجل فى العقوبة وهو المعنى من قول مقاتل غره عفو الله حين لم يعاقبه فى امره وقال السدى غره رفق الله به والاستفهام للانكار ولا يجوز ذلك الغرور بكرمه وعدم تعجيله بالعقوبة ان تمحض لا يقتضى إهمال الظالم مطلقا وتسوية الموالي والمعادى فكيف قد انضم معه صفات اخر من القهر والانتقام وغيره وفيه مبالغة فى الإنكار على الكفر
فان كثرة كرمه يقتضى ان يشكر ولا يكفر ويستدعى الجد فى الطاعة لا الانهماك فى عصيانه اغترارا بكرمه وقال بعض اهل الإشارة انما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كانه لقنه الإجابة حتى يقول غرنى كرم الكريم وهو المعنى مما قال يحيى بن معاذ لو إقامتي بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرنى برك بي سابقا وآنفا وقال ابو بكر الوراق لو قال بي ما غرك بربك الكريم لقلت غرنى كرم الكريم قال ابن مسعود ما منكم من أحد الا يسخر الله به يوم القيامة فقال يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين قال عطاء تاويل الاية ما غرك بربك وقطعك وأشغلك عنه الى نفس بئس للظالمين بدلا حكى ان امرأة رفعت الى قاض ان زوجها نكح عليها امرأة اخرى فقال القاضي لا سبيل لك بالاعتراض عليه فان الله تعالى أباح للرجال ما طاب لهم من النساء مثنى وثلث ورباع فقال الضعيفة ايها القاضي لولا منعنى الحجاب والحياء لبرزت حسنى لك وسألتك بان من كان له فى الجمال والحسن مصاحبا مثلى هل يجوز له ان يشتغل عنه بغيره فسمع قولها رجل من اهل القلوب فصاح وخر مغشيا عليه فلما أفاق قال سمعت الهاتف يقول الم تسمع قول الضعيفة ولولا حجاب الكبرياء والعظمة لا برزت لكم من الجلال والجمال الذي لا يسعه المقابل وسألتكم انه من استطاع الاشتغال بمثلى فهل يجوز الاشتغال بغيري ومن مثلى واين يكون مثلى فليس يكون فاطلبنى تجدنى عن جابر قال قال رسول الله ﷺ إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل الله عز وجل بوجهه فاذا التفت قال يا ابن آدم الى من تلتفت الى من هو خير منى اقبل الى فاذا التفت الثانية قال مثل ذلك فاذا التفت الثالثة صرف الله تبارك وتعالى عنه وجهه رواه البزار.
الَّذِي خَلَقَكَ من تراب ثم من نطفة بعد ما لم يكن شيئا- فَسَوَّاكَ اى فجعلك بشرا سويا مستوى الخلق وتسويته جعل أعضائه سليمة معدة لمنافعها فَعَدَلَكَ قرأ الكوفيون بالتخفيف اى فصرفك وامالك الى اى صورة شاء او صرفك عن خلقه غيرك حتى تميزت وفارقت عن ساير الحيوانات او صرف طبعة بعض اجزائك الى بعض فكسر حرارة الصفراء ويبوستها ببرودة البلغم ورطوبته وبالعكس ويبوسة السوداء وبرودتها برطوبة الدم وحرارته حتى اعتدلت وصرت اعدل الحيوانات مزاجا وقرأ الباقون بالتشديد اى جعل بنيتك متناسبة الأعضاء لعدلته معدة لا يستعدها من القوى.
فِي أَيِّ صُورَةٍ
ما مزيدة لتأكيد التنكير والتنكير للتكثير ما شاءَ صفة لصورة ركبك قال مجاهد والكلبي ومقاتل فى اى شبيه من اب او أم او خال او عم وحاء فى الحديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل بينه وبين آدم ثم قرأ فى اى صورة ما شاء رَكَّبَكَ ط رواه ابن جرير والطبراني بسند ضعيف من طريق موسى بن على بن رباح عن أبيه عن جده عنه ﷺ قوله فى اى صورة اما متعلق بركبك او ظرف مستقر حال من مفعول ركبك وفيه معنى الشرط والجزاء والجملة بيان لعدلك ومن ثم لم يعطف الموصول مع صلاته صفة اخرى لربك مقررة للربوبية مبينة للكرم منبه على ان من قدر على ذلك اولا قدر عليه ثانيا موكدة للانكار والتوبيخ على الغرور والكفر فان من هذا شانه لا يجوز كفرانه.
كَلَّا ردع على الاغترار بكرم الله تعالى بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ لا بالإسلام او بالجزاء إضراب عن الاغترار بكرم الكريم يعنى ليس أمركم ايها الناس مقتصرا على الإقرار بل مع ذلك تكذبون بالدين ويحتمل ان يكون إضرابا عن مفهوم علمت نفس ما قدمت وأخرت اى ما قدمت من العصيان وأخرت من الطاعة فان حاصل المعنى انكم تعصون بل تكذبون.
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ اى والحال ان عليكم لَحافِظِينَ لاعمالكم وأقوالكم من الملائكة.
كِراماً على الله كاتِبِينَ صحف الأعمال للجزاء.
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ من خير وشر عقب الحافظين بتلك الصفات تعظيما لهم وتنبيها على انه لا يفوت من علمهم شىء من الأعمال والأقوال فيه توبيخ على تكذيبهم وتحقيق لما يكذبون به وروى يتوقعون من التسامح والإهمال.
إِنَّ الْأَبْرارَ الذين بروا وصدقوا بايمانهم باجتنابهم عما نهى الله عنه من العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة وامتثالهم أوامره واخرج ابن عساكر فى تاريخه عن ابن عمر عن النبي - ﷺ - قال انما سماهم الله الأبرار لانهم بروا الآباء والأبناء لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ الذين شقوا ستر الدين والديانة بالكفر والمعاصي والفجور الشقي لَفِي جَحِيمٍ جملة ان الأبرار الى اخر السورة متصل بقوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت فان فى هذا الكلام بيان لا يعلم كل نفس من خير او شر عمله بإدراك جزائه روى ابن سليمان بن عبد الملك قال لابى حازم المدني ليت شعرى ما لنا عند الله قال اعرض عملك الى كتاب الله فانك تعلم
مالك عند الله قال فاين أجد فى كتاب الله فقال عند قوله ان الأبرار لفى نعيم وان الفجار لفى حجيم قال سليمان فاين رحمة الله قال قريب من المحسنين انتهى.
يَصْلَوْنَها يدخلونها يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء.
وَما هُمْ الضمير الى بعض الفجار اعنى الكفار او المراد بالفجار الكفار عَنْها اى عن الجحيم بِغائِبِينَ ط لخلودهم فيها او المعنى ما هم كانوا عنها غائبين قبل ذلك او كانوا يجدون سمومها فى القبور عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة وان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله اليه يوم القيمة متفق عليه وفى حديث البراء بن عاذب عن رسول الله - ﷺ - ذكر حال الكافر فى القبر يسال عن دينه فيقول هاه هاه لا أدرى فقال فينادى من السماء ان كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا الى النار ثم عظم ذلك اليوم فقال.
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الاستفهام للتعجب والتوبيخ يعنى انه يوم عظيم البلاء شديد غاية الشدة لا تدرى عظمته وشدته حيث لا يدرك كنه امره دراية دار.
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ط تأكيد للتفخيم.
يَوْمَ لا تَمْلِكُ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالرفع على انه بدل من اليوم فى ما يوم الدين او خبر مبتداء محذوف اى هو والباقون بالنصب على انه بدل من اليوم فى يصلونها يوم الدين او متعلق بمحذوف اى يجزى الفريقان كذلك فى يوم لا تملك نفس او اذكر يوم لا تملك او هو مبنى على الفتح لاضافة الى غير التمكن ومحله الرفع نَفْسٌ اى أحد لِنَفْسٍ يعنى كافرة كذا قال مقاتل شَيْئاً ط من المنفعة- وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ع وحده لا يملك الله فى ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمر كما ملكهم فى الدنيا واما الاذن فى الشفاعة للمؤمنين فليس بتمليك او يقال الأمر يومئذ عيانا وفى زعم كل أحد كما كان الأمر كله لله فى الحقيقة وفى زعم اهل البصيرة والله اعلم بالصواب.
Icon