هي تسع عشرة آية وهي مكية بلا خلاف وقال ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير مثله. وأخرج النسائي عن جابر قال :" قام معاذ فصلى العشاء فطول فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفتان أنت يا معاذ أين أنت عن سبح اسم ربك. والضحى. وإذا السماء انفطرت " وأصل الحديث في الصحيحين ولكن بدون ذكر إذا السماء انفطرت وقد تفرد بها النسائي. وقد تقدم في سورة التكوير حديث " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأى عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت الحديث ".
ﰡ
العامة على بناء فجرت للمفعول مثقلاً، وقرأ مجاهد مبنياً للفاعل مخففاً من الفجور نظراً إلى قوله (بينهما برزخ لا يبغيان) فلما زال البرزخ بغياً، وقرأ مجاهد أيضاًً والربيع بن خيثم والزعفراني والثوري مبنياً للمفعول مخففاً.
قال الفراء بعثرت أخرجت ما في بطنها من الذهب والفضة وذلك من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها وفضتها، وقال ابن عباس أي بحثت.
وكررت " إذا " لتهويل ما في حيزها من الدواهي.
قال الرازي المراد من هذه الآيات أنه إذا وقعت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة فهناك يحصل الحشر والنشر، وهي ههنا أربعة اثنان منها يتعلقان بالعلويات واثنان يتعلقان بالسفليات.
والمراد بهذه الآيات بيان تخريب العالم وفناء الدنيا وانقطاع التكاليف، والسماء كالسقف، والأرض كالبناء، ومن أراد تخريب دار فإنه يبدأ أولاً بتخريب السقف ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب، ثم بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض من البحار، ثم بعد ذلك تخرب الأرض التي فيها الأموات، وأشار لذلك بقوله (وإذا القبور بعثرت).
ثم ذكر سبحانه الجواب عما تقدم فقال
(علمت نفس ما أحضرت) ومعنى ما قدمت وأخرت ما قدمت من عمل خير أو شر أو أخرت من سنة حسنة أو سيئة لأن لها أجر ما سنته من السنن الحسنة وأجر من عمل بها، وعليها وزر ما سنته من السنن السيئة ووزر من عمل بها.
وقيل أن النفس تعلم عند البعث بما قدمت وأخرت علماً إجمالياً لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة، وأما العلم التفصيلي فإنما يحصل عند نشر الصحف.
عن ابن مسعود قال ما قدمت من خير وما أخرت من سنة صالحة يعمل بها بعده فإن له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاًً أو سنة سيئة يعمل بها بعده فإن عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيئاًً، وعن ابن عباس نحوه.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال النبي ﷺ من استن خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم، ومن استن شراً فاستن به فعليه وزره ومثل أوزاره من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم (١) وتلا حذيفة (علمت نفس ما قدمت وأخرت).
ولما أخبر سبحانه في الآية الأولى عن وقوع الحشر والنشر ذكر في هذه الآية ما يدل عقلاً على وقوعه فقال:
_________
(١) الحاكم ٢/ ٥١٦.
والمعنى ما الذي غرك وخدعك أو جعلك غاراً حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك وجعلك عاقلاً فاهماً ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها، قال قتادة غره شيطانه المسلط عليه، وقال الحسن غره شيطانه الخبيث وقيل غره حمقه وجهله.
قرأ الجمهور فعدلك مشدداً وقرىء بالتخفيف واختار الأولى أبو عبيد وأبو حاتم قال الفراء وأبو عبيد: يدل عليها قوله (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ومعنى القراءة الأولى أنه سبحانه جعل أعضاءه متعادلة لا تفاوت فيها، ومعنى الثانية أنه صرفه وأماله إلى أي صورة شاء إما حسناً وإما قبيحاً وإما طويلاً وإما قصيراً.
ونقل أبو حيان عن بعض المفسرين أنه متعلق بعدلك، واعترض عليه بأن أي لها صدر الكلام فلا يعمل فيها ما قبلها، قال مقاتل والكلبي ومجاهد: في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم، وقال مكحول إن شاء ذكراً وإن شاء أنثى.
قال ابن الأنباري الوقف الجيد على الدين وعلى ركبك، وعلى كلا قبيح، والمعنى بل تكذبون يا أهل مكة بالدين أي بالحساب وبل لنفي شيء تقدم، وتحقيق غيره، وإنكار البعث قد كان معلوماً عندهم وإن لم يجر له ذكر.
قال الفراء كلا ليس الأمر كما غررت به، قرأ الجمهور تكذبون بالفوقية على الخطاب، وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة بالتحتية على الغيبة.
وجملة
قال ابن عباس: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل والنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره.
وقوله تعالى حافظين جمع يحتمل أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم، ويحتمل أن يكون الموكل بكل أحد منهم غير الموكل بالآخر، ويحتمل أن يكون الموكل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة كما قيل إثنان بالليل وإثنان بالنهار أو كما قيل أنهم خمسة، واختلفوا في الكفار هل عليهم حفظة فقيل لا، لأن أمرهم ظاهر وعملهم واحد، قال تعالى (يعرف المجرمون بسيماهم) وقيل عليهم حفظة وهو ظاهر قوله تعالى في هذه الآية وفي قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) فأخبر أن لهم كتاباً، وأن عليهم حفظه.
ثم وصفهم سبحانه فقال
قال الرازي المعنى التعجيب من حالهم كأنه قال إنكم تكذبون بيوم الدين وملائكة الله موكلون يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ونظيره قوله تعالى (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور فيه إنذار وتهويل للمجرمين، ولطف للمتقين، وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال ما أشدها من آية على الغافلين.
ثم بين سبحانه حال الفريقين فقال
لفظ الفجار عائد على الكافرين الذين تقدم ذكرهم، وليس شاملاً لعصاة المؤمنين، لأنا لا نسلم أن مرتكب الكبيرة من المؤمنين فاجر على الإطلاق (فأل) في الفجار للعهد لا الذكرى بدليل قوله (بل تكذبون بالدين).
قرأ الجمهور يصلونها مخففاً مبنياً للفاعل، وقرىء بالتشديد مبنياً للمفعول.
ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال
ثم أخبر سبحانه عن اليوم فقال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع يوم على أنه بدل من يوم الدين أو خبر مبتدأ محذوف.
وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير أعني أو أذكر فيكون مفعولاً به أو على أنها فتحة بناء لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه بدل من يوم الدين.
قال الزجاج يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى قوله (لا تملك) وما أضيف إلى غير المتمكن فقد يبنى على الفتح وإن كان في موضع رفع، وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي وأما إلى الفعل المستقبل فلا يجوز عندهما، وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي والفراء وغيرهما.
(والأمر يومئذ لله) وحده لا يملك شيئاًً من الأمر غيره كائناً من كان. قال مقاتل يعني لنفس كافرة شيئاًً من المنفعة، قال قتادة: ليس ثم أحد يقضي شيئاًً أو يصنع شيئاًً إلا الله رب العالمين، والمعنى أن الله لا يملك أحداً في ذلك اليوم شيئاًً من الأمور كما ملكهم في الدنيا، ومثل هذا قوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ).
هي ست وثلاثون آية، قال القرطبي وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل، ومدنية في قول الحسن وعكرمة، وقال مقاتل أيضاً هي أول سورة نزلت بالمدينة، وقال ابن عباس وقتادة هي مدنية إلا ثمان آيات من قوله: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) إلى آخرها، وقال الكلبي وجابر بن زيد نزلت بين مكة والمدينة، وعن ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير مثله.
وعن ابن عباس قال آخر ما نزل بمكة سورة المطففين، وعنه قال: " لما قدم النبي - ﷺ - كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فأحسنوا الكيل بعد ذلك " أخرجه ابن مردويه والبيهقي في الشعب، قال السيوطي بسند صحيح (١).
_________
(١) أخرجه ابن ماجة ٢/ ٧٤٨، والطبري ٣٠/ ٩١، والواحدي: ٣٣٣، وقال الحافظ في " تخريج الكشاف " ٢١٨: رواه النسائي وابن حبان والحاكم من رواية يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس، وأورده السيوطي في " الدر " ٦/ ٣٢٣ وزاد نسبته إلى الطبراني وابن مردويه والبيهقي في " شعب الإيمان " بسند صحيح عن ابن عباس.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)