أشارت فاتحةُ سورةِ (مَرْيَمَ) إلى عظمةِ هذا الكتاب، ونبَّهتْ بعد ذلك على مِحوَرِ السُّورةِ؛ وهو رحمةُ الله عزَّ وجلَّ بأنبيائه؛ فقد بدأت بذِكْرِ رحمة الله عز وجل بزكريَّا ويحيى عليهما السلام، ثم رحمتِه تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام، ثم رحمتِهِ تعالى بإبراهيمَ عليه السلام، ثم رحمتِه تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام، ثمَّ رحمتِه تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام، وجُلُّ رحمةِ الله بعباده المؤمنين ستكون يومَ القيامة عندما يُنجِّي اللهُ الذين اتَّقَوْا من النَّار، ويذَرُ الظالمين فيها جِثِيًّا.
* قوله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لجِبْريلَ: «ألَا تَزُورُنا أكثَرَ ممَّا تَزُورُنا؟»، قال: فنزَلتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيةَ. أخرجه البخاري (٣٢١٨).
* قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} [مريم: 77]:
عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قال: «كنتُ رجُلًا قَيْنًا، وكان لي على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ، فأتَيْتُه أتقاضاه، فقال لي: لا أَقضِيك حتى تكفُرَ بمُحمَّدٍ، قال: قلتُ: لن أكفُرَ به حتى تموتَ، ثم تُبعَثَ، قال: وإنِّي لمبعوثٌ مِن بعدِ الموتِ؟! فسوف أَقضِيك إذا رجَعْتُ إلى مالٍ وولَدٍ، قال: فنزَلتْ: {أَفَرَءَيْتَ اْلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا ٧٧ أَطَّلَعَ اْلْغَيْبَ أَمِ اْتَّخَذَ عِندَ اْلرَّحْمَٰنِ عَهْدٗا ٧٨ كَلَّاۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ اْلْعَذَابِ مَدّٗا ٧٩ وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدٗا} [مريم: 77-80]». أخرجه البخاري (٤٧٣٥).
* سورة (مَرْيَمَ):
وجهُ تسميةِ سورة (مَرْيَمَ) بهذا الاسم: أنَّها بُسِطتْ فيها قصةُ (مَرْيَمَ)، وابنِها، وأهلِها.
* جاء في فضلِ سورة (مَرْيَمَ): أنها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي»: يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
اشتملت سورةُ (مَرْيَمَ) على الموضوعات الآتية:
1. رحمته تعالى بزكريا ويحيى عليهما السلام (١-١٥).
2. رحمته تعالى بمَرْيَمَ وعيسى عليه السلام (١٦- ٤٠).
3. رحمته تعالى بإبراهيمَ عليه السلام (٤١ -٥٠).
4. رحمته تعالى بموسى وهارونَ عليهما السلام (٥١ -٥٣).
5. رحمته تعالى بإسماعيلَ وإدريسَ عليهما السلام (٥٤-٥٨).
6. طريق النجاة (٥٩-٦٥).
7. جَوْلات مع شُبَه الكافرين وأباطيلهم (٦٦-٩٥).
8. محبته تعالى لأوليائه، مهمة القرآن (٩٦-٩٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /414).
مقصدُ السورةِ الأعظَمُ هو بيانُ اتِّصافه سبحانه بشمول الرحمة؛ بإضافةِ جميع النِّعَم على جميع خَلْقه، المستلزِم للدَّلالة على اتصافِه بجميع صفات الكمال، المستلزِم لشمول القدرة على إبداعِ المستغرَب، المستلزِم لتمام العلم، المُوجِب للقدرة على البعث، والتنزُّه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاجٍ، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه، فضلًا عن مثيلٍ له سبحانه وتعالى.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /256).