تفسير سورة مريم

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة مريم من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ مَرْيَمَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ تَعَالَى: (كهيعص (١)).
قَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ مِنْ ثَمَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عص) : يُقْرَأُ بِإِخْفَاءِ النُّونِ عِنْدَ الصَّادِ لِمُقَارَبَتِهَا إِيَّاهَا وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْفَهْمِ.
وَيُقْرَأُ بِإِظْهَارِهَا ; لِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ يُقْصَدُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ إِيذَانًا بِأَنَّهَا مُقَطَّعَةٌ ; وَلِذَلِكَ وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا وَقْفَةً يَسِيرَةً، وَإِظْهَارُ النُّونِ يُؤْذِنُ بِذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) : فِي ارْتِفَاعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هَذَا ذِكْرٌ. وَالثَّانِي: هُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكَ ذِكْرٌ. وَالثَّالِثُ: هُوَ خَبَرُ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ، ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، وَفِيهِ بُعْدٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ فِي الْمَعْنَى ; وَلَيْسَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ، وَلَا فِي ذِكْرِ الرَّحْمَةِ مَعْنَاهَا.
وَ (ذِكْرُ) : مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالتَّقْدِيرُ: هَذَا إِنْ ذَكَرَ رَبُّكَ رَحْمَةَ عَبْدِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ عَلَى الِاتِّسَاعِ. وَالْمَعْنَى: هَذَا إِنْ ذَكَرْتَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ; فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْتَصِبُ عَبْدَهُ بِرَحْمَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي بِذِكْرٍ.
وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ: «ذَكَرَ» عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَ «رَحْمَةَ» مَفْعُولٌ، وَ «عَبْدُهُ» فَاعِلٌ.
وَ (زَكَرِيَّا) : بَدَلٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مِنْ «عَبْدَهُ».
وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ، وَ «رَحْمَةَ» وَ «عَبْدَهُ» بِالنَّصْبِ ; أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ ذَكَّرَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوِ الْأُمَّةَ.
وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لِلْرَحْمَةِ، أَوْ لِذِكْرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شَيْبًا) : نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى «اشْتَعَلَ» لِأَنَّ مَعْنَاهُ شَابَ.
وَ (بِدُعَائِكَ) : مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ بِدُعَائِي إِيَّاكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خِفْتُ الْمَوَالِيَ) : فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ ; أَيْ عَدَمَ الْمَوَالِي، أَوْ جَوْرَ الْمَوَالِي.
وَيُقْرَأُ خَفَّتْ - بِالتَّشْدِيدِ وَسُكُونِ التَّاءِ - وَالْمَوَالِي فَاعِلٌ ; أَيْ نَقَصَ عَدَدُهُمْ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَدِّ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي «وَرَائِي». وَيُقْرَأُ بِالْقَصْرِ وَفَتْحِ الْيَاءِ، وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الْمَمْدُودِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَرِثُنِي) : يُقْرَأُ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا عَلَى الْجَوَابِ ; أَيْ إِنْ يَهَبْ يَرِثْ، وَبِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى الصِّفَةِ لِوَلِيٍّ، وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْأُولَى ; لِأَنَّهُ سَأَلَ وَلِيًّا هَذِهِ صِفَتُهُ، وَالْجَزْمُ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقُرِئَ شَاذًّا: يَرِثُنِي وَارِثٌ، عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ.
وَ (رَضِيًّا) : أَيْ مَرْضِيًّا. وَقِيلَ: رَاضِيًا ; وَلَامُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَ (سَمِيًّا) : فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُسَامِيًا، وَلَامُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ، مِنْ سَمَا يَسْمُو.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عِتِيًّا) : أَصْلُهُ عُتُوٌّ عَلَى فُعُولٍ، مِثْلَ قُعُودٍ وَجُلُوسٍ، إِلَّا أَنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوا تَوَالِيَ الضَّمَّتَيْنِ وَالْوَاوَيْنِ، فَكَسَرُوا التَّاءَ، فَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ الَّتِي هِيَ لَامُ يَاءٍ لِسَبْقِ الْأُولَى بِالسُّكُونِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ الْعَيْنَ إِتْبَاعًا.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِهَا، عَلَى أَنَّهَا مَصْدَرٌ عَلَى فَعِيلٍ، وَكَذَلِكَ بُكِيٌّ وَصِلِيٌّ ; وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِبَلَغْتُ ; أَيْ بَلَغْتُ الْعِتِيَّ مِنَ الْكِبَرِ ; أَيْ مِنْ أَجْلِ الْكِبَرِ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ عِتِيٍّ، وَأَنْ تَتَعَلَّقَ بِبَلَغْتُ.
وَقِيلَ: «مِنْ» زَائِدَةٌ، وَ «عِتِيًّا» مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ، أَوْ تَمْيِيزٌ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَالَ كَذَلِكَ) : أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; أَيْ أَفْعَلُ مِثْلَ مَا طَلَبْتَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَطْلُوبِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَوِيًّا) : حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي «تُكَلِّمَ».
قَالَ تَعَالَى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ سَبِّحُوا) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَيْ. وَ (بِقُوَّةٍ) : مَفْعُولٌ، أَوْ حَالٌ. (وَحَنَانًا) : مَعْطُوفٌ عَلَى «الْحُكْمَ» أَيْ وَهَبْنَا لَهُ تَحَنُّنًا. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ. وَ (بَرًّا) أَيْ وَجَعَلْنَاهُ بَرًّا. وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَبَرِ كَانَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذِ انْتَبَذَتْ) : فِي «إِذْ» أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّهَا ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ خَبَرَ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ وَبَيِّنْ إِذِ انْتَبَذَتْ ; فَهُوَ عَلَى كَلَامٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ) [النِّسَاءِ: ١٧١] وَهُوَ فِي الظَّرْفِ أَقْوَى، وَإِنْ كَانَ مَفْعُولًا بِهِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَرْيَمَ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ ; لِأَنَّ الْأَحْيَانَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجُثَثِ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ; وَهُوَ بَعِيدٌ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَالًا مِنَ الْجُثَّةِ، وَلَا خَبَرًا عَنْهَا، وَلَا وَصْفًا لَهَا، لَمْ يَكُنْ بَدَلًا مِنْهَا.
وَقِيلَ: «إِذْ» بِمَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ ; كَقَوْلِكَ: لَا أُكْرِمُكَ إِذْ لَمْ تُكْرِمْنِي ; أَيْ لِأَنَّكَ لَمْ تُكْرِمْنِي ; فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ ; أَيْ وَاذْكُرْ مَرْيَمَ انْتِبَاذَهَا.
وَ (مَكَانًا) : ظَرْفٌ. وَقِيلَ: مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى: إِذْ أَتَتْ مَكَانًا. (بَشَرًا سَوِيًّا) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِأَهَبَ) : يُقْرَأُ بِالْهَمْزِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفَاعِلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ لِأَهَبَ لَكِ.
وَالثَّانِي: الْفَاعِلُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ.
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهَا الْهَمْزَةُ قُلِبَتْ يَاءً لِلْكَسْرِ قَبْلَهَا تَخْفِيفًا.
وَالثَّانِي: لِيَهَبَ اللَّهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا () ٢٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَغِيًّا) : لَامُ الْكَلِمَةِ يَاءٌ، يُقَالُ: بَغَتْ تَبْغِي، وَفِي وَزْنِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ فَعُولٌ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ وَكُسِرَتِ الْغَيْنُ إِتْبَاعًا، وَلِذَلِكَ لَمْ تُلْحَقْ تَاءُ التَّأْنِيثِ، كَمَا لَمْ تُلْحَقْ فِي امْرَأَةٍ صَبُورٍ، وَشَكُورٍ.
وَالثَّانِي: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَلَمْ تُلْحَقِ التَّاءُ أَيْضًا لِلْمُبَالَغَةِ. وَقِيلَ: لَمْ تُلْحَقْ لِأَنَّهُ عَلَى النَّسَبِ، مِثْلَ طَالِقٍ وَحَائِضٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكِ) : أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: قَالَ رَبُّكِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَ «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ» : مُسْتَأْنَفٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
(وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) : أَيْ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ خَلَقْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: نَهَبُهُ لَكِ وَلِنَجْعَلَهُ.
وَ (كَانَ أَمْرًا) : أَيْ وَكَانَ خَلْقُهُ أَمْرًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَانْتَبَذَتْ بِهِ) : الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ ; أَيْ فَانْتَبَذَتْ وَهُوَ مَعَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ) : الْأَصْلُ جَاءَهَا، ثُمَّ عُدِّيَ بِالْهَمْزَةِ إِلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ، وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى أَلْجَأَهَا.
وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى فَاعِلِهَا، وَهُوَ مِنَ الْمُفَاجَأَةِ، وَتَرَكَ الْهَمْزَةَ الْأَخِيرَةَ تَخْفِيفًا. وَالْمَخَاضُ - بِالْفَتْحِ: وَجَعُ الْوِلَادَةِ.
وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقِيلَ: الْفَتْحُ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ مِثْلَ السَّلَامِ وَالْعَطَاءِ، وَالْكَسْرُ مَصْدَرٌ مِثْلَ الْقِتَالِ، وَجَاءَ عَلَى فِعَالٍ: الطِّرَاقُ وَالْعِقَابُ.
قَوْلُهُ
تَعَالَى
: (يَالَيْتَنِي
) : قَدْ ذُكِرَ فِي النِّسَاءِ.
(نَسِيَا) : بِالْكَسْرِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَنْسِيِّ. وَبِالْفَتْحِ ; أَيْ شَيْئًا حَقِيرًا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ النُّونِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَ السِّينِ ; وَهُوَ مِنْ نَسَأْتُ اللَّبَنَ، إِذَا خَلَطْتَ بِهِ مَاءً كَثِيرًا ; وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْضًا.
وَ (مَنْسِيًّا) - بِالْفَتْحِ ; وَالْكَسْرُ عَلَى الْإِتْبَاعِ شَاذٌّ مِثْلَ الْمِعِيرَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلًّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ تَحْتِهَا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ فَاعِلُ نَادَى، وَالْمُرَادُ بِهِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ دُونِهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ تَحْتَهَا فِي الْمَكَانِ، كَمَا تَقُولُ: دَارِي دَارُكَ. وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ عِيسَى، أَوْ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، وَالْجَارُّ عَلَى هَذَا حَالٌ أَوْ ظَرْفٌ.
وَ (أَنْ لَا) : مَصْدَرِيَّةٌ، أَوْ بِمَعْنَى أَيْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) : الْبَاءُ زَائِدَةٌ ; أَيْ أَمِيلِي إِلَيْكِ. وَقِيلَ: هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: هُزِّي الثَّمَرَةَ بِالْجِذْعِ ; أَيِ انْفُضِي. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَهُزِّي إِلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا كَائِنًا بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ; فَالْبَاءُ عَلَى هَذَا حَالٌ.
(تُسَاقِطْ) : يُقْرَأُ عَلَى تِسْعَةِ أَوْجُهٍ ; بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ، وَالْأَصْلُ تَتَسَاقَطُ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ.
وَالثَّالِثُ بِالْيَاءِ وَالتَّشْدِيدِ، وَالْأَصْلُ يَتَسَاقَطُ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي السِّينِ.
وَالرَّابِعُ بِالتَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ الثَّانِيَةِ، وَالْفَاعِلُ - عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ - النَّخْلَةُ. وَقِيلَ: الثَّمَرَةُ، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا.
وَالْخَامِسُ بِالتَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ وَضَمِّ الْقَافِ.
وَالسَّادِسُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالْيَاءِ، وَالْفَاعِلُ الْجِذْعُ أَوِ الثَّمَرُ.
وَالسَّابِعُ «تُسَاقِطْ» بِتَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَبِالْأَلِفِ وَكَسْرِ الْقَافِ.
وَالثَّامِنُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالْيَاءِ.
وَالتَّاسِعُ «تُسْقِطْ» بِتَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ يُقْرَأُ كَذَلِكَ بِالْيَاءِ.
وَ (رُطَبًا) : فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ حَالٌ مُوَطِّئَةٌ، وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي الْفِعْلِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ لِتُسَاقِطْ. وَالثَّالِثُ: هُوَ مَفْعُولُ هُزِّي. وَالرَّابِعُ: هُوَ تَمْيِيزٌ. وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ يَتَبَيَّنُ بِالنَّظَرِ فِي الْقِرَاءَاتِ، فَيُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ.
وَ (جَنِيًّا) : بِمَعْنَى مَجْنِيٍّ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ; أَيْ طَرِيًّا.
قَالَ تَعَالَى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَرِّي) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْمَاضِي مِنْهُ: قَرِرْتِ يَا عَيْنُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْكَسْرُ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ، وَالْمَاضِي قَرَرْتِ يَا عَيْنُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ.
وَ (عَيْنًا) : تَمْيِيزٌ.
وَ (تَرَيِنَّ) : أَصْلُهُ تَرْأَيِينَ مِثْلَ تَرْغَبِينَ ; فَالْهَمْزَةُ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَالْيَاءُ لَامُهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ هُنَا مِنْ أَجْلِ نُونِ التَّوْكِيدِ مِثْلَ لَتَضْرِبَنَّ، فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الرَّاءِ، وَحُذِفَتِ اللَّامُ لِلْبِنَاءِ كَمَا تُحْذَفُ فِي الْجَزْمِ، وَبَقِيَتْ يَاءُ الضَّمِيرِ، وَحُرِّكَتْ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا، فَوَزْنُهُ: تَفَيِنَّ، وَهَمْزَةُ هَذَا الْفِعْلِ تُحْذَفُ فِي الْمُضَارِعِ أَبَدًا.
872
وَيُقْرَأُ تَرَيْنَ - بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ - عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُجْزَمْ بِإِمَّا، وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَ (مِنَ الْبَشَرِ) : حَالٌ مِنْ «أَحَدًا»، أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَتَتْ بِهِ) : الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ ; وَكَذَلِكَ «تَحْمِلُهُ» وَصَاحِبُ الْحَالِ مَرْيَمُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ «تَحْمِلُهُ» حَالًا مِنْ ضَمِيرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَ (جِئْتِ) أَيْ فَعَلْتِ، فَيَكُونُ «شَيْئًا» مَفْعُولًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ; أَيْ مَجِيئًا عَظِيمًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ) : كَانَ زَائِدَةٌ ; أَيْ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ. وَ (صَبِيًّا) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَالضَّمِيرُ الْمُنْفَصِلُ الْمُقَدَّرُ كَانَ مُتَّصِلًا بِكَانَ.
وَقِيلَ: كَانَ الزَّائِدَةُ لَا يَسْتَتِرُ فِيهَا ضَمِيرٌ ; فَعَلَى هَذَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ هُوَ ; بَلْ يَكُونُ الظَّرْفُ صِلَةَ مَنْ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً ; بَلْ هِيَ كَقَوْلِهِ: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا). وَقَدْ ذُكِرَ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى صَارَ وَقِيلَ: هِيَ التَّامَّةُ، وَ «مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي. وَقِيلَ: شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا كَيْفَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبَرًّا) : مَعْطُوفٌ عَلَى «مُبَارَكًا» وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى (الصَّلَاةِ).
873
وَيُقْرَأُ تَرَيْنَ - بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ - عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُجْزَمْ بِإِمَّا، وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَ (مِنَ الْبَشَرِ) : حَالٌ مِنْ «أَحَدًا»، أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَتَتْ بِهِ) : الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ ; وَكَذَلِكَ «تَحْمِلُهُ» وَصَاحِبُ الْحَالِ مَرْيَمُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ «تَحْمِلُهُ» حَالًا مِنْ ضَمِيرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَ (جِئْتِ) أَيْ فَعَلْتِ، فَيَكُونُ «شَيْئًا» مَفْعُولًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ; أَيْ مَجِيئًا عَظِيمًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ) : كَانَ زَائِدَةٌ ; أَيْ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ. وَ (صَبِيًّا) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَالضَّمِيرُ الْمُنْفَصِلُ الْمُقَدَّرُ كَانَ مُتَّصِلًا بِكَانَ.
وَقِيلَ: كَانَ الزَّائِدَةُ لَا يَسْتَتِرُ فِيهَا ضَمِيرٌ ; فَعَلَى هَذَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ هُوَ ; بَلْ يَكُونُ الظَّرْفُ صِلَةَ مَنْ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً ; بَلْ هِيَ كَقَوْلِهِ: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا). وَقَدْ ذُكِرَ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى صَارَ وَقِيلَ: هِيَ التَّامَّةُ، وَ «مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي. وَقِيلَ: شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا كَيْفَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبَرًّا) : مَعْطُوفٌ عَلَى «مُبَارَكًا» وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى (الصَّلَاةِ).
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ; أَيْ وَأَلْزَمَنِي بِرًّا، أَوْ جَعَلْتَنِي ذَا بِرٍّ ; فَحَذَفَ الْمُضَافَ، أَوْ وَصَفَهُ بِالْمَصْدَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالسَّلَامُ) : إِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ; لِأَنَّ الَّتِي فِي قِصَّةِ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَكِرَةٌ ; فَكَانَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [الْمُزَّمِّلِ: ١٦، ١٥].
وَقِيلَ: النَّكِرَةُ وَالْمَعْرِفَةُ فِي مِثْلِ هَذَا سَوَاءٌ.
وَ (يَوْمَ وُلِدْتُ) : ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ «عَلَيَّ» وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ السَّلَامُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْخَبَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «عِيسَى» خَبَرُهُ. وَ «ابْنُ مَرْيَمَ» نَعْتٌ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ.
وَ (قَوْلَ الْحَقِّ) : كَذَلِكَ.
وَقِيلَ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَقِيلَ: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَ «قَوْلَ الْحَقِّ» الْخَبَرُ.
وَيُقْرَأُ (قَوْلَ الْحَقِّ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ ; أَوْ أَقُولُ قَوْلَ الْحَقِّ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنْ عِيسَى. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: أَعْنِي قَوْلَ الْحَقِّ.
وَيُقْرَأُ «قَالَ الْحَقَّ»، وَالْقَالُ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، مِثْلَ الْقِيلِ، وَحُكِيَ: قُولَ الْحَقِّ - بِضَمِّ الْقَافِ مِثْلَ الرُّوحِ ; وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّ اللَّهَ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ; وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالصَّلَاةِ ; أَيْ وَأَوْصَانِي بِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي. وَالثَّانِي: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: لِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ; أَيْ لِوَحْدَانِيَّتِهِ أَطِيعُوهُ.
وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) : لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ. وَ «بِهِمْ» : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ; كَقَوْلِكَ: أَحْسِنْ بِزَيْدٍ ; أَيْ حَسُنَ زَيْدٌ. وَحُكِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقَةً، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ نَصْبٌ، وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ ; فَهُوَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ ; كَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ أَوْقِعْ بِهِ سَمْعًا أَوْ مَدْحًا.
وَ (الْيَوْمَ) : ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الظَّرْفُ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) :«إِذْ» : بَدَلٌ مِنْ يَوْمٍ، أَوْ ظَرْفٌ لِلْحَسْرَةِ ; وَهُوَ مَصْدَرٌ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَقَدْ عَمِلَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ) : فِي «إِذْ» وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ مِثْلَ (إِذِ انْتَبَذَتْ) [مَرْيَمِ: ١٦] فِي أَوْجُهِهَا، وَقَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ: (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) :[مَرْيَمِ: ٤١]. وَالثَّانِي: أَنَّ «إِذْ» ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ صِدِّيقًا نَبِيًّا، أَوْ مَعْنَاهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَرَاغِبٌ أَنْتَ) : مُبْتَدَأٌ، وَأَنْتَ: فَاعِلٌ، وَأَغْنَى عَنِ الْخَبَرِ ; وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِاعْتِمَادِهَا عَلَى الْهَمْزَةِ. وَ (مَلِيًّا) : ظَرْفٌ ; أَيْ دَهْرًا طَوِيلًا. وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكُلًّا جَعَلْنَا) : هُوَ مَنْصُوبٌ بِجَعَلْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَجِيًّا) : هُوَ حَالٌ. وَ (هَارُونَ) بَدَلٌ وَ (نَبِيًّا) حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَكَانًا عَلِيًّا) : ظَرْفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) : هُوَ بَدَلٌ مِنَ «النَّبِيِّينَ»، بِإِعَادَةِ الْجَارِّ.
وَ (سُجَّدًا) : حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّهُمْ غَيْرُ سُجُودٍ فِي حَالِ خُرُورِهِمْ.
وَ (بُكِيًّا) : قَدْ ذُكِرَ.
وَ (غَيًّا) : أَصْلُهُ غَوَى، فَأُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ.
قَالَ تَعَالَى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : مَنْ كَسَرَ التَّاءَ أَبْدَلَهُ مِنَ «الْجَنَّةِ» فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، وَمَنْ رَفَعَ فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
(إِنَّهُ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ ; فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي كَانَ ضَمِيرٌ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرٌ. وَ «وَعْدُهُ» : بَدَلٌ مِنْهُ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ.
وَ (مَأْتِيًّا) : عَلَى بَابِهِ ; لِأَنَّ مَا تَأْتِيهِ فَهُوَ يَأْتِيكَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ الْجَنَّةُ ; أَيْ كَانَ مَوْعِدُهُ مَأْتِيًّا. وَقِيلَ: مَفْعُولٌ هُنَا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي سُبْحَانَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ) ; أَيْ: وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ تَعَالَى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مُبْتَدَأُ الْخَبَرِ «فَاعْبُدُوهُ» عَلَى رَأْيِ الْأَخْفَشِ فِي جَوَازِ زِيَادَةِ الْفَاءِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَإِذَا) : الْعَامِلُ فِيهَا فِعْلٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ; أَيْ أَأُبْعَثُ إِذَا ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا «أُخْرَجُ» لِأَنَّ مَا بَعْدَ اللَّامِ وَسَوْفَ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا مِثْلَ إِنَّ.
قَالَ تَعَالَى: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَذَّكَّرُ) : بِالتَّشْدِيدِ ; أَيْ يَتَذَكَّرُ، وَبِالتَّخْفِيفِ مِنْهُ أَيْضًا، أَوْ مِنَ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ.
(جِثِيًّا) : قَدْ ذُكِرَ فِي عِتِيًّا وَبُكِيًّا. وَأَصْلُهُ جُثُوٌّ، مَصْدَرًا كَانَ أَوْ جَمْعًا.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) : يُقْرَأُ بِالنُّصْبِ شَاذًّا، وَالْعَامِلُ فِيهِ: لَنَنْزِعَنَّ وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي.
وَيُقْرَأُ بِالضَّمِّ. وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا ضَمَّةُ بِنَاءٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ ; وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي وَإِنَّمَا بُنِيَتْ هَاهُنَا ; لِأَنَّ أَصْلَهَا الْبِنَاءُ ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي.
وَ
«أَيْ» مِنَ الْمَوْصُولَاتِ إِلَّا أَنَّهَا أُعْرِبَتْ حَمْلًا عَلَى كُلٍّ أَوْ بَعْضٍ، فَإِذَا وُصِلَتْ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ بَقِيَتْ عَلَى الْإِعْرَابِ، وَإِذَا حُذِفَ الْعَائِدُ عَلَيْهَا بُنِيَتْ لِمُخَالَفَتِهَا بَقِيَّةَ الْمَوْصُولَاتِ، فَرَجَعَتْ إِلَى حَقِّهَا مِنَ الْبِنَاءِ بِخُرُوجِهَا عَنْ نَظَائِرِهَا، وَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ بِنَنْزِعُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: هِيَ ضَمَّةُ الْإِعْرَابِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ وَأَشَدُّ خَبَرُهُ ; وَهُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ الْفَرِيقَ الَّذِي يُقَالُ أَيُّهُمْ، فَهُوَ عَلَى هَذَا اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ.
وَالثَّانِي: كَذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَاسْتِفْهَامًا، إِلَّا أَنَّ مَوْضِعَ الْجُمْلَةِ نَصْبٌ بِنَنْزِعَنَّ، وَهُوَ فِعْلٌ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ، وَمَعْنَاهُ التَّمْيِيزُ ; فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْعِلْمِ الَّذِي يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ، كَقَوْلِكَ: عَلِمْتُ أَيُّهُمْ فِي الدَّارِ، وَهُوَ قَوْلُ يُونُسَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَأَيُّ اسْتِفْهَامٌ، وَمِنْ زَائِدَةٌ: أَيْ لَنَنْزِعَنَّ كُلَّ شِيعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالْكِسَائِيِّ، وَهُمَا يُجِيزَانِ زِيَادَةَ «مِنْ» فِي الْوَاجِبِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ «أَيُّهُمْ» مَرْفُوعٌ بِشِيعَةٍ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَشَيَّعَ، وَالتَّقْدِيرُ: لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ يَشَيَّعُ أَيُّهُمْ، وَهُوَ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّ «نَنْزِعُ» عُلِّقَتْ عَنِ الْعَمَلِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: لَنَنْزِعَنَّهُمْ تَشَيَّعُوا أَوْ لَمْ يَتَشَيَّعُوا، أَوْ إِنْ تَشَيَّعُوا، وَمِثْلُهُ: لَأَضْرِبَنَّ أَيُّهُمْ غَضِبَ ; أَيْ إِنْ غَضِبُوا أَوْ لَمْ يَغْضَبُوا، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ أَبْعَدُهَا عَنِ الصَّوَابِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ) : أَيْ وَمَا أَحَدٌ مِنْكُمْ. فَحُذِفَ الْمَوْصُوفُ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَمَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ هُوَ وَارِدُهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَقَامًا) : يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَصْدَرُ الْإِقَامَةِ.
وَبِالضَّمِّ، وَفِيهِ الْوَجْهَانِ.
وَلَامُ النَّدِيِّ وَاوٌ ; يُقَالُ: نَدَوْتُهُمْ ; أَيْ أَتَيْتُ نَادِيَهُمْ، وَجَلَسْتُ فِي النَّادِي، وَمَصْدَرُهُ النَّدْوُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَمْ) : مَنْصُوبٌ بِـ «أَهْلَكْنَا» وَ «هُمْ أَحْسَنُ» : صِفَةٌ لِكَمْ.
وَ (رئيا) : يُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَهُوَ مِنَ الرُّؤْيَةِ ; أَيْ أَحْسَنُ مَنْظَرًا. وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَلَبَ الْهَمْزَةَ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أَدْغَمَ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مِنَ الرِّيِّ، ضِدَّ الْعَطَشِ ; لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُسْنَ الْبَشْرَةِ.
وَيُقْرَأُ رِيئًا - بِهَمْزَةٍ بَعْدَ يَاءٍ سَاكِنَةٍ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ ; يُقَالُ: فِي رَأَى أَرَى.
وَيُقْرَأُ بِيَاءٍ خَفِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ ; وَوَجْهُهَا أَنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ إِلَى الْيَاءِ وَحَذَفَهَا.
وَيُقْرَأُ بِالزَّايِ وَالتَّشْدِيدِ ; أَيْ أَحْسَنُ زِينَةً، وَأَصْلُهُ مِنْ زَوَّى يُزَوِّي; لِأَنَّ الْمُتَزَيِّنَ يَجْمَعُ مَا يُحَسِّنُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ كَانَ) : هِيَ شَرْطِيَّةٌ، وَالْأَمْرُ جَوَابُهَا، وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَرِ ; أَيْ فَلْيَمْدُدْ لَهُ، وَالْأَمْرُ أَبْلَغُ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ اللُّزُومِ.
وَ (حَتَّى) : تَحْكِي مَا بَعْدَهَا هَاهُنَا، وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ.
(إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ) : كِلَاهُمَا بَدَلٌ مِمَّا يُوعَدُونَ.
(فَسَيَعْلَمُونَ) : جَوَابُ إِذَا.
(وَيَزِيدُ) : مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنَى فَلْيَمْدُدْ ; أَيْ فَيَمُدُّ وَيَزِيدُ.
(مَنْ هُوَ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَ «هُوَ شَرٌّ» : صِلَتُهَا. وَمَوْضِعُ «مَنْ» نَصْبٌ بِيَعْلَمُونَ. وَالثَّانِي: هِيَ اسْتِفْهَامٌ، وَهُوَ فَصْلٌ وَلَيْسَ مُبْتَدَأً.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَوَلَدًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَهُوَ وَاحِدٌ. وَقِيلَ: يَكُونُ جَمْعًا أَيْضًا. وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ ; وَهُوَ جَمْعُ وَلَدٍ، مِثْلَ أَسَدٍ وَأُسْدٍ. وَقِيلَ: يَكُونُ وَاحِدًا أَيْضًا. وَهِيَ لُغَةٌ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ أُخْرَى.
قَالَ تَعَالَى: (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَطَّلَعَ) : الْهَمْزَةُ هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ ; لِأَنَّهَا مُقَابِلَةٌ لِأَمْ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ مَحْذُوفَةٌ لِقِيَامِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَقَامَهَا.
وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ عَلَى أَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَحَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ أَمْ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَلَّا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْكَافِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، وَهِيَ حَرْفٌ مَعْنَاهُ الزَّجْرُ عَنْ قَوْلٍ مُنْكَرٍ يَتَقَدَّمُهَا. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى حَقًّا.
وَيُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ مَصْدَرُ كَلَّ ; أَيْ أَعْيَا ; أَيْ كَلُّوا فِي دَعْوَاهُمْ وَانْقَطَعُوا. وَالثَّانِي: هِيَ بِمَعْنَى الثِّقَلِ ; أَيْ حَمَلُوا كَلًّا.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّنْوِينِ ; وَهُوَ حَالٌ ; أَيْ سَيَكْفُرُونَ جَمِيعًا ; وَفِيهِ بُعْدٌ.
(بِعِبَادَتِهِمْ) : الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ ; أَيْ سَيَكْفُرُ الْمُشْرِكُونَ بِعِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ.
وَقِيلَ: هُوَ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ سَيَكْفُرُ الْمُشْرِكُونَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ.
وَقِيلَ: سَيَكْفُرُ الشَّيَاطِينُ بِعِبَادَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ.
وَ (ضِدًّا) : وَاحِدٌ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ جَمِيعَهُمْ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِضْلَالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ ; وَهُوَ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ ; أَيْ نَرِثُ قَوْلَهُ. وَالثَّانِي: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ ; أَيْ نَرِثُ مِنْهُ قَوْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَحْشُرُ) : الْعَامِلُ فِيهِ «لَا يَمْلِكُونَ» وَقِيلَ: «نَعُدُّ لَهُمْ».
وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ.
وَ (وَفْدًا) : جَمْعُ وَافِدٍ، مِثْلَ رَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ. وَالْوِرْدُ: اسْمٌ لِجَمْعِ وَارِدٍ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى وَارِدٍ، وَالْوِرْدُ الْعِطَاشُ. وَقِيلَ: هُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ وِرَادٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ. (لَا يَمْلِكُونَ) : حَالٌ وَ (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي «يَمْلِكُونَ» لِلْمُتَّقِينَ وَالْمُجْرِمِينَ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَمْلِكُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شَيْئًا إِدًّا) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْهَمْزَةِ ; وَهُوَ الْعَظِيمُ.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ أَدَّ يَؤُدُّ، إِذَا جَاءَكَ بِدَاهِيَةٍ ; أَيْ شَيْئًا ذَا أَدٍّ، وَجَعَلَهُ نَفْسَ الدَّاهِيَةِ عَلَى التَّعْظِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَتَفَطَّرْنَ) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَطَرَ بِالتَّخْفِيفِ. وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَطَّرَ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ هُنَا أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى.
وَ (هَدًّا) : مَصْدَرٌ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ تَخِرُّ بِمَعْنَى تُهَدُّ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ. وَالثَّانِي: فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ. وَالثَّالِثُ: فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ; أَيِ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ) : نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ; وَ «فِي السَّمَاوَاتِ» : صِفَتُهَا، وَ «إِلَّا آتِي» خَبَرٌ «كُلُّ» وَوَحَّدَ «آتِي» حَمْلًا عَلَى لَفْظِ كُلٍّ، وَقَدْ جُمِعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا، وَمِنَ الْإِفْرَادِ: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) [مَرْيَمِ: ٩٥].
قَالَ تَعَالَى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِلِسَانِكَ) : قِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى. وَقِيلَ: هِيَ عَلَى أَصْلِهَا ; أَيْ أَنْزَلْنَاهُ بِلُغَتِكَ، فَيَكُونُ حَالًا.
Icon