تفسير سورة الجمعة

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الجمعة١ مكية
وهي إحدى عشر آية وفيها ركوعان
١ أخرج مسلم وأهل السنن عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة سورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون/١٢فتح..

﴿ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث في الأميين ﴾ العرب فإن أكثرهم لا يقرءون ولا يكتبون ﴿ رسولا منهم يتلو عليهم آياته ﴾ مع أنه أمي أيضا ﴿ ويزكيهم ﴾ من العقائد الردية والأعمال القبيحة ﴿ ويعلمهم الكتاب ﴾ القرآن ﴿ والحكمة ﴾ السنة ﴿ وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ لأنهم مشركون وإن هي المخففة بدلالة اللام
﴿ وآخرين منهم ﴾ عطف على الأميين وهم من جاءوا بعد قرنه إلى يوم الدين وكل من أسلم صار منهم فإن المسلمين كلهم أمة واحدة، أو المراد أهل فارس١ ومنهم صفة الآخرين لأن أول وآخر لا يستعمل بمن مع أن الجمع من أفعل التفضيل مطلقا لا يستعمل بمن ﴿ لما يلحقوا بهم ﴾ لم يدركوهم فإنهم بعدهم قيل : لم يلحقوا بهم في الفضل ﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾
١ في البخاري ومسلم والترمذي وغيرهما أنه لما نزلت ﴿وآخرين منهم﴾ سألوا من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعهم حتى سألوا ثلاثا، ثم وضع يده على سلمان وقال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله، رجال من هؤلاء، ولهذا قال مجاهد وغيرهم: هم الأعاجم/١٢ منه..
﴿ ذلك ﴾ الذي أعطاه من النبوة العظيمة وما خص به أمته ﴿ فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ﴾
﴿ مثل الذين١ حملوا التوراة ﴾ علموها وكلفوا العمل بها ﴿ ثم لم يحملوها ﴾ لم يعملوا ولم ينتفعوا بها ﴿ كمثل الحمار يحمل أسفارا٢ كتبا كبارا٣ أو يحمل إما حال والعامل معنى المثل، أو صفة ؛ لأن التعريف في الحمار للجنس ﴿ بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ﴾ حذف المضاف من المخصوص، أي : مثل الذين، أو المخصوص محذوف أي مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله هو والضمير إلى مثل الذين حملوا ﴿ والله لا يهدي القوم الظالمين ﴾
١ ولما وصف الأمة المرحومة مقدمهم وتاليهم ذم اليهود فقال:﴿مثل الذين حملوا التوراة﴾/١٢ وجيز..
٢ قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبل وكذا اليهود وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله، وهذا المثل يلحق من لم يفهم معاني القرآن، ولم يعمل بما فيه وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه؛ ولهذا قال ميمون بن مهران: يا أهل القرآن اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم ثم تلا هذه الآية، ثم ذم هذا المثل، والمراد منه ذمهم فقال:﴿بئس مثل القوم﴾ الآية/١٢ فتح..
٣ لا يعرف أنه كتاب أو تراب/١٢ وجيز..
﴿ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ﴾ قد ذكرنا في سورة البقرة وجهين في معناه
﴿ ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم بسبب ذنوبهم وعلمهم بها { والله عليم بالظالمين ﴾ فيجازيهم
﴿ قل إن الموت الذي تفرون منه ﴾ وتخافون المباهلة لأجله أو تخافون أن تتمنوه باللسان ﴿ فإنه ملاقيكم ﴾ لا محالة والفاء لتضمن الذي معنى الشرط والجملة خبر إن ﴿ ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ﴾ السر والعلانية ﴿ فينبئكم بما كنتم تعملون١ بأن يجازيكم عليه.
١ ولما ذم اليهود هو فوتوا شرف يوم الجمعة وصلاته واختاروا السبت كما في الحديث المعتمد؛ عقبه بنصح الأمة المرحومة فيما نالوا من الشرف فقال: ﴿يا أيها الذين آمنا﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة١ أذن لها عند قعود الإمام على المنبر ﴿ من يوم الجمعة ﴾ من بيان وتفسير لإذا وقيل : بمعنى في ﴿ فاسعوا في ذكر الله٢ أي : اهتموا٣ في سيركم إليها كي لا يفوت منكم وليس المراد هاهنا المشي السريع ففي الصحيحين " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " ﴿ وذروا البيع ﴾ المعاملة فإنها حرام ﴿ ذلكم ﴾ السعي إليه ﴿ خير لكم ﴾ من المعاملة ﴿ وإن كنتم تعلمون ﴾ إن كنتم من أهل العلم
١ واعلم أن صلاة الجمعة فريضة من فرائض الله بهذا النص وبما صح من السنة، وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الوقت الذي شرعها الله تعالى فيه إلى أن قبضه، وحكى ابن المنذر الإجماع على أنه فرض عين، وهي كسائر الصلوات لا يخالفها إلا في مشروعية الخطبتين قبلها، ومن تأمل فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة من الأقوال الساقطة والمذاهب الزائغة والاجتهادات الداحضة قضى من ذلك العجب، ولا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون تلك الأمور كالمصر الجامع والعدد المخصوص والإمام الأعظم والحمام ونحوها شروطها لصحة الجمعة أو فرضا من فرائضها أو ركنا من أركانها فيالله العجب ما يفعل الرأي بأهله، ومن يخرج من رءوسهم هذه الخزعبلات الشبيهة بالقصص والأحاديث الملفقة، وهي من الشريعة المطهرة بمعزل، وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال يعرف أحسن المعرفة، ومن جاء بالغلط فغلطه رد عليه مضروب به في وجهه وتفصيل ذلك في النيل والسيل للشوكاني /١٢ فتح البيان في مقاصد القرآن..
٢ واستدل بالآية من قال: إنما يجب إتيان الجمعة على من كان يسمع النداء، ومن لا يحتاج إلى إذن السلطان، لأنه تعالى أوجب السعي، ولم يشترط إذن أحد. ومن قال: لا يجب على النساء لعدم دخولهم في خطاب الذكور/١٢ إكليل للسيوطي..
٣ كقوله:﴿من أراد الآخرة وسعى لها سعيها﴾[الإسراء: ١٩] وقوله: ﴿إن سعيكم لشتى﴾ [الليل: ٤] وقوله:﴿ أن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾[النجم: ٣٩]/١٢ فتح..
﴿ فإذا قضيت الصلاة ﴾ فرغتم منها ﴿ فانتشروا في الأرض ﴾ لقضاء حوائجكم ﴿ وابتغوا من فضل١ الله ﴾ رزقه٢ وهذا أمر إباحة بعد الحظر عن بعض السلف من باع واشترى بعد الجمعة بارك الله له سبعين مرة ﴿ واذكروا الله كثيرا ﴾ في حال انتشاركم ﴿ لعلكم تفلحون ﴾
١ أخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: إذا انصرفت يوم الجمعة فاخرج إلى باب المسجد فساوم بالشيء وإن لم تشتره/١٢ در منثور. وعن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد قال: اللهم أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين/٢١ كبير..
٢ وفي البيع بعد صلاة الجمعة بركة عظيمة كما جرب/١٢ وجيز..
﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ﴾ نزلت حين قدمت عير المدينة أيام الغلاء والنبي عليه السلام يخطب فلما سمع الناس الطبل لقدومها انصرفوا إليها إلا اثني عشر رجلا، قيل : تقديره إليها وإليه فحذف إليه للقرينة وقيل : أفرد التجارة لأنها المقصودة إذ المراد من اللهو طبل قدوم العير ﴿ وتركوك قائما١ في الخطبة وكان ذلك في أوائل وجوب الجمعة حين كانت الصلاة قبل الخطبة مثل العيد كما روى أبو داود في كتاب المراسيل ﴿ قل ما عند الله ﴾ من الثواب ﴿ خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ﴾ لمن توكل عليه، فلا تتركوا ذكر الله في وقته.
والحمد لله حق حمده.
١ اخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان، وإن أول من جلس مع المنبر معاوية بن أبي سفيان، وأخرج عن الشعبي قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه فقال: السلام عليكم ويحمد الله ويثني ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل"، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه/١٢ در منثور..
Icon