ﰡ
قال الخليل: ولم يأت هذا على الفعل بل هو كقولهم: مُرضِع، وحَائض، ولو كان على الفعل لكان «منفطر».
وقال القرطبيُّ: «تفطرت لهيبة الله تعالى: والفطرُ: الشق، يقال: فطرته فانفطر، ومنه: فطر ناب البعير إذا طلع، فهو بعير فاطر، وتفطَّر الشيء. تشقَّق، وسيف فطار، أي فيه شقوق». وقد تقدم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الكواكب انتثرت﴾ تساقطت؛ لأن عند انتقاض تركيب السماء تنتثر النجوم على الأرض، يقال: نثرتُ الشيء أنثرهُ نثراً فانتثر. والنُّثار - بالضم - ما تناثر من الشيء.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ﴾.
العامة على بنائه للمفعول مثقلاً.
وقرأ مجاهد: مبنياً للفاعل مخففاً من الفجور، نظراً إلى قوله تعالى: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: ٢٠]، فلما زال البرزخ بغياً.
العامة على بنائه للمفعول مثقلاً.
وقرأ مجاهد١ : مبنياً للفاعل مخففاً من الفجور، نظراً إلى قوله تعالى :﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ [ الرحمن : ٢٠ ]، فلما زال البرزخ بغياً.
وقرأ مجاهد - أيضاً - والربيع بن خيثم، والزعفراني، والثوري٢ : مبنياً مخففاً.
ومعنى «فُجِّرت » أي : دخل بعضها في بعض، واختلط العذبُ بالملحِ، فصار واحداً بارتفاع الحاجز الذي جعله الله تعالى برزخاً بينهما.
وقيل : إنَّ مياه البحار الآن راكدة مجتمعة، فإذا انفجرت تفرقت، وذهب ماؤها.
وقال الحسن : فجرت : يبست.
٢ ينظر: المحرر الوجيز ٥/٤٤٦، والبحر المحيط ٨/٤٢٧، والدر المصون ٦/٤٨٨..
فصل في المراد ببعثرة القبور
والمعنى : قلب أعلاها وأسفلها، وقلب ظاهرها وباطنها وخرج ما فيها من الموتى أحياء.
وقيل : التبعثر : إخراج ما في باطنها من الذهب والفضة ثم يخرج الموتى بعد ذلك.
والمقصود منه الزجر عن المعصية، والترغيب في الطاعة.
فإن قيل : أيُّ وقت من القيامة يحصل هذا العلم ؟.
قال ابنُ الخطيب١ : أمَّا العلم الإجمالي، فيحصل في أول زمان الحشر ؛ لأن المطيع يرى آثار السعادة في أول الأمر والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر، وأمَّا العلم التفصيلي، فإنما يحصل عند قراءة الكتب، والمحاسبة.
ومعنى «فُجِّرت» أي: دخل بعضها في بعض، واختلط العذبُ بالملحِ، فصار واحداً بارتفاع الحاجز الذي جعله الله تعالى برزخاً بينهما.
وقيل: إنَّ مياه البحار الآن راكدة مجتمعة، فإذا انفجرت تفرقت، وذهب ماؤها.
وقال الحسن: فجرت: يبست.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ﴾. أي: قلبت: يقال: بَعْثَره وبَحْثَره - بالعين والحاء - قال الزمخشري: وهما مركبان من العبث والبحث، مضموم إليهما راء، يعني أنهما مما اتفق معناهما؛ لأن الراء مزيدة فيهما، إذ ليست من حروف الزيادة وهذا ك «دَمَثَ» و «دَمْثَرَ» و «بَسَطَ» و «بَسْطَرَ».
فصل في المراد ببعثرة القبور
والمعنى: قلب أعلاها وأسفلها، وقلب ظاهرها وباطنها وخرج ما فيها من الموتى أحياء.
وقيل: التبعثر: إخراج ما في باطنها من الذهب والفضة ثم يخرج الموتى بعد ذلك.
وقوله تعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ : جواب «إذا»، والمعنى: ما قدمت من عمل صالح، أو شيء، أو أخرت من سيئة أو حسنة. وقيل: ما قدمت من الصدقات وأخرت من التركات على ما تقدم في قوله تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: ١٣].
والمقصود منه الزجر عن المعصية، والترغيب في الطاعة.
فإن قيل: أيُّ وقت من القيامة يحصل هذا العلم؟.
قال ابنُ الخطيب: أمَّا العلم الإجمالي، فيحصل في أول زمان الحشر؛ لأن المطيع يرى آثار السعادة في أول الأمر والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر، وأمَّا العلم التفصيلي، فإنما يحصل عند قراءة الكتب، والمحاسبة.
قوله
تعالى
: ﴿يا
أيها
الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم﴾ أي: المتجاوز.
والعامة: على «غرَّك» ثلاثياً، و «ما» الاستفهامية: في محل رفع على الابتداء.
فصل في مناسبة الآية لما قبلها
لما أخبر في تلك الآية أولى عن وقوع الحشر والنشر، ذكر هاهنا ما يدل عقلاً ونقلاً على إمكانه، أو على وقوعه، وذلك من وجهين
الأول: أن الإله الكريم الذي لا يجوز من كرمه أن يقطع مواد نعمه عن المذنبين، كيف يجوز في كرمه ألا ينتقم من الظالم؟.
الثاني: أن القادر على خلق هذه البنية الإنسانية، ثم سوَّاها، وعدلها، إمَّا أن يقال: إنه - تعالى - خلقها لا لحكمةٍ، وذلك عبث، وهو على الله تعالى محال؛ لأنه - تعالى - منزَّهٌ عن العبث، أو خلقها لحكمةٍ، فتلك الحكمة أن تكون عائدة على الله تعالى، وذلك باطل؛ لأنه منزَّهٌ عن الاستكمال والانتفاع، فتعين أن تكون الحكمة عائدة إلى العبد، وتلك الحكمة أن تظهر في الدنيا، فذلك باطل؛ لأن الدنيا دار بلاء وامتحان لا دار انتفاع وجزاء، فثبت أن تلك الحكمة إنما تظهر في دار الجزاء، فثبت أن الاعتراف بوجود الإله الكريم الذي يقدر على الخلق، والتسوية، والتعديل يوجب على العاقل أن يقطع بأنه تعالى يبعث الأموات ويحشرهم.
فصل في نزول الآية
هذا [خطاب] لمنكري البعث.
روى عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أنها نزلت في الوليد بن المغيرة.
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في الأشرم بن شريقٍ، وذلك أنَّه ضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولم يعاقبه الله تعالى، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
وقيل: يتناول جميع العصاة؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومعنى «ما غرَّك» : ما خدعك وسوَّل لك الباطل حتى تركت الوجبات، وأثنيت بالمحرمات.
والمعنى: ما الذي أمَّنك من عقابه، هذا إذا حملنا الإنسان على جميع العصاة، فإن حملناه على الكافر، فالمعنى: ما الذي دعاك إلى الكفر، وإنكار الحشر والنشر.
وقالوا - أيضاً - من كرم الرجل سوء أدب غلمانه، وإذا ثبت أن كرمه يقتضي الاغترار به فكيف جعله - هاهنا - مانعاً من الاغترار؟.
فالجواب من وجوه:
الأول: أن المعنى لما كنت ترى حلم الله - تعالى - عن خلقه ظننت أن ذلك لا حساب، ولا دار إلا هذه الدار، فما الذي دعاك إلى الاغترار وجرَّأك على إنكار الحشر، والنشر، فإنَّ ربك كريم، فهو من كرمه - تعالى - لا يعاجل بالعقوبة بسطاً في مدة التوبة، وتأخيراً للجزاء، وذلك لا يقتضي الاغترار.
الثاني: أنَّ كرمه تعالى لمَّا بلغ إلى حيث لا يمنع العاصي من أن يطيعه، فبأن ينتقم للمظلوم من الظالم كان أولى، فإذاً كان كونه كريماً يقتضي الخوف الشديد من هذا الاعتبار، وترك الجزاء والاغترار.
الثالث: أنَّ كثرة الكرم توجب الجد والاجتهاد في الخدمة، والاستحياء من الاغترار.
الرابع: قال بعضهم: إنما قال: «بربِّكَ الكَريمِ» ليكون ذلك جواباً عن ذلك السؤال حتى يقول: غوني كرمُك، فلولا كرمك لما فعلت؛ لأنك لو رأيت فسترت، وقدرت فأمهلت.
وهذا الجواب إنما يصح إذا كان المراد بقوله تعالى: ﴿يا أيها الإنسان﴾ ليس هو «الكافر».
فصل في غرور ابن آدم
قال قتادةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: سبب غرور ابن آدم تسويل الشيطان وقال مقاتل: غرَّه عفو الله حين لم يعاقبه أوَّل مرة.
وقال السديُّ: غرَّه عفو الله.
وقال ابن مسعودٍ: ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، فيقول تعالى: ما
قوله: ﴿الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ﴾، يحتمل الإتباع على البدل والبيان، والنعت، والقطع إلى الرفع والنصب.
واعلم أنه - تعالى - لما وصف نفسه بالكرم، ذكر هذه الأمور الثلاثة، كالدلالة على تحقق ذلك الكرم، فقوله تعالى: ﴿الذي خَلَقَكَ﴾ لا شكَّ أنَّه كرمٌ؛ لأنه وجود، والوجود، خير من العدم، والحياة خير من الموت، كما قال تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨]، وقوله تعالى: «فسوّاك» أي: جعلك سوياً سالم الأعضاءِ، ونظيره قوله تعالى: ﴿أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ [الكهف: ٣٧]، أي: معتدل الخلق والأعضاء.
قال ذو النون: أي: سخَّر لك المكونات أجمع، وما جعلك مسخَّراً لشيء منها، ثم أنطق لسانك بالذكر، وقلبك بالعقل، وروحك بالمعرفة، ومدك بالإيمان وشرفك بالأمر والنهي، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً.
قوله: «فعدَلَكَ». قرأ الكوفيون: «عَدلَكَ» مخففاً، والباقون: مثقَّلاً.
فالتثقيل بمعنى: جعلك مناسب الأطراف، فلم يجعل إحدى يديك ورجليك أطول، ولا إحدى عينيك أوسع، فهو من التعديل، وهو كقوله تعالى: ﴿بلى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ [القيامة: ٤].
قال علماء التشريح: إنَّه - تعالى - ركَّب جانبي الجثة على التساوي حتى أنه لا تفاوت بين نصفيه، لا في العظام، ولا في أشكالها، ولا في الأوردة والشرايين، والأعصاب النافذة فيها والخارجة منها.
وقال عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: جعلك قائماً معتدلاً، حسن الصُّورةِ، ولا كالبهيمة المنحنية.
وقال أبو عليٍّ الفارسي: «عَدلَكَ» خلقك، فأخرجك في أحسن تقويم، مستوياً على جميع الحيوان والنبات، وواصلاً في الكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم.
وأمَّا قراءة التخفيف فيحتمل هذا، أي: عدل بعض أعضائك ببعض، ويحتمل أن يكون من المعدول، أي: صرفك إلى ما شاء من الهيئات والأشكال والأشباه، وهذا قول الفراء.
وفي القراءة الأولى: جعل «في» من قوله: «فِي أيِّ صُورةٍ» للتركيب، وهو حسنٌ.
وفي قراءة الثانية جعل «في» صلة لقوله: «فعدلك»، وهو ضعيف.
ونقل القفَّال عن بعضهم: أنَّهما لغتان بمعنى واحد.
قوله: «في أيِّ صُورةٍ»، يجوز فيه أوجه:
أحدها: أن يتعلق ب «ركبك»، و «ما» : مزيدة على هذا، و «شاء» صفة ل «صورة»، ولم يعطف «ركَّبَك» على ما قبله بالفاء، كما عطف ما قبله بها، لأنه بيان لقوله: «فَعَدَلَكَ»، والتقدير: فعدلك ركبك في أيِّ صورةٍ من الصور العجيبة الحسنة التي شاءها - سبحانه وتعالى - والمعنى: وضعك في صورة اقتضتها مشيئته من حسن وقبح وطول، وقصر، وذكورة، وأنوثة.
الثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أي: ركبك حاصلاً في بعض الصور.
الثالث: أنه يتعلق بعد ذلك ب «عَدلَكَ» نقله أبو حيان عن بعض المتأولين، ولم يعترض عليه، وهو معترض بأن في «أيِّ» معنى الاستفهام، فلها صدر الكلام، فكيف يعمل فيها ما تقدمها؟.
وكأن الزمخشري استشعر هذا فقال: ويكون في «أيِّ» معنى التعجب، أي: فعَدلَكَ في أي صورة عجيبة، وهذا لا يحسن أن يكون مجوِّزاً لتقدُّم العامل على اسم الاستفهام، وإن دخله معنى التعجب، ألا ترى أن «كيف، وأي»، وإن دخلهما معنى التعجب، لا يتقدم عاملهما عليهما.
وقد اختلف النحويون في اسم الاستفهام إذا قصد به الاستئناف، هل يجوز تقديم عامله أم لا؟.
والصحيح أنَّه لا يجوز، ولذلك لا يجوز أن يتقدَّم عامل «كم» الخبرية عليها لشبهها في اللفظ بالاستفهامية، فهذا أولى، وعلى تعلقها ب «عدلك»، تكون «ما» منصوبة على المصدر.
قال أبو البقاء: يجوز أن تكون «ما» زائدة، وأن تكون شرطية، وعلى الأمرين الجملة نعت ل «صورة»، والعائد محذوف، أي: ركبك عليها، و «في» : تتعلق ب «ركَّبك».
واعلم أنه - تعالى - لما وصف نفسه بالكرم، ذكر هذه الأمور الثلاثة، كالدلالة على تحقق ذلك الكرم، فقوله تعالى :﴿ الذي خَلَقَكَ ﴾ لا شكَّ أنَّه كرمٌ ؛ لأنه وجود، والوجود، خير من العدم، والحياة خير من الموت، كما قال تعالى :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ]، وقوله تعالى :«فسوّاك » أي : جعلك سوياً سالم الأعضاءِ، ونظيره قوله تعالى :﴿ أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ﴾ [ الكهف : ٣٧ ]، أي : معتدل الخلق والأعضاء.
قال ذو النون : أي : سخَّر لك المكونات أجمع، وما جعلك مسخَّراً لشيء منها، ثم أنطق لسانك بالذكر، وقلبك بالعقل، وروحك بالمعرفة، ومدك بالإيمان وشرفك بالأمر والنهي، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً.
قوله :«فعدَلَكَ ». قرأ الكوفيون :«عَدلَكَ » مخففاً، والباقون١ : مثقَّلاً.
فالتثقيل بمعنى : جعلك مناسب الأطراف، فلم يجعل إحدى يديك ورجليك أطول، ولا إحدى عينيك أوسع، فهو من التعديل، وهو كقوله تعالى :﴿ بلى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [ القيامة : ٤ ].
قال علماء التشريح : إنَّه - تعالى - ركَّب جانبي الجثة على التساوي حتى أنه لا تفاوت بين نصفيه، لا في العظام، ولا في أشكالها، ولا في الأوردة والشرايين، والأعصاب النافذة فيها والخارجة منها.
وقال عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : جعلك قائماً معتدلاً، حسن الصُّورةِ، ولا كالبهيمة المنحنية٢.
وقال أبو عليٍّ الفارسي :«عَدلَكَ » خلقك، فأخرجك في أحسن تقويم، مستوياً على جميع الحيوان والنبات، وواصلاً في الكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم.
وأمَّا قراءة التخفيف فيحتمل هذا، أي : عدل بعض أعضائك ببعض، ويحتمل أن يكون من المعدول، أي : صرفك إلى ما شاء من الهيئات والأشكال والأشباه، وهذا قول الفراء.
ثم قال : والتشديد أحسن الوجهين ؛ لأنك تقول : عدلتك إلى كذا، أي : صرفتك إلى كذا وكذا، ولا يحسن : عدلتك فيه، ولا صرفتك فيه.
وفي القراءة الأولى : جعل «في » من قوله :«فِي أيِّ صُورةٍ » للتركيب، وهو حسنٌ.
وفي قراءة الثانية جعل «في » صلة لقوله :«فعدلك »، وهو ضعيف.
ونقل القفَّال٣ عن بعضهم : أنَّهما لغتان بمعنى واحد.
٢ ذكره الرازي في "تفسيره" (٣١/٧٤) من طريق عطاء عن ابن عباس..
٣ ينظر: الفخر الرازي ٣١/٤٢٨..
أحدها : أن يتعلق ب «ركبك »، و «ما » : مزيدة على هذا، و «شاء » صفة ل «صورة »، ولم يعطف «ركَّبَك » على ما قبله بالفاء، كما عطف ما قبله بها، لأنه بيان لقوله :«فَعَدَلَكَ »، والتقدير : فعدلك ركبك في أيِّ صورةٍ من الصور العجيبة الحسنة التي شاءها - سبحانه وتعالى - والمعنى : وضعك في صورة اقتضتها مشيئته من حسن وقبح وطول، وقصر، وذكورة، وأنوثة.
الثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أي : ركبك حاصلاً في بعض الصور.
الثالث : أنه يتعلق بعد ذلك ب «عَدلَكَ » نقله أبو حيان١ عن بعض المتأولين، ولم يعترض عليه، وهو معترض بأن في «أيِّ » معنى الاستفهام، فلها صدر الكلام، فكيف يعمل فيها ما تقدمها ؟.
وكأن الزمخشري استشعر هذا فقال٢ : ويكون في «أيِّ » معنى التعجب، أي : فعَدلَكَ في أي صورة عجيبة، وهذا لا يحسن أن يكون مجوِّزاً لتقدُّم العامل على اسم الاستفهام، وإن دخله معنى التعجب، ألا ترى أن «كيف، وأي »، وإن دخلهما معنى التعجب، لا يتقدم عاملهما عليهما.
وقد اختلف النحويون في اسم الاستفهام إذا قصد به الاستئناف، هل يجوز تقديم عامله أم لا ؟.
والصحيح أنَّه لا يجوز، ولذلك لا يجوز أن يتقدَّم عامل «كم » الخبرية عليها لشبهها في اللفظ بالاستفهامية، فهذا أولى، وعلى تعلقها ب «عدلك »، تكون «ما » منصوبة على المصدر.
قال أبو البقاء٣ : يجوز أن تكون «ما » زائدة، وأن تكون شرطية، وعلى الأمرين الجملة نعت ل «صورة »، والعائد محذوف، أي : ركبك عليها، و«في » : تتعلق ب «ركَّبك ».
وقيل : لا موضع للجملة ؛ لأن «في » تتعلقُ بأحد الفعلين والجميع كلام واحد، وإنما يتقدم الاستفهام على ما هو حقه. قوله : بأحد الفعلين، يعني :«شاء وركبك »، فيحصل في «ما » ثلاثة أوجه، الزيادة، وكونها شرطية، وحينئذ جوابها محذوف، والنصب على المصدرية، أي : واقعة موقع مصدر.
٢ ينظر: الكشاف ٤/٧١٦..
٣ الإملاء ٢/٢٨٢..
العامة: على «تكذبون» خطاباً، والحسنُ وأبو جعفر وشيبة: بياء الغيبة.
قال ابن الخطيب: لما بين بالدلائل العقلية صحة القول بالبعث، والنشور على الجملة فرع عليها شرح تفاصيل الأحوال المتعلقة بذلك، وهي أنواع:
الأول: أنه - تعالى - زجرهم عن ذلك الاغترار بقوله «كلا»، و «بل» : حرف وضع في اللغة لنفي شيء قد تقدَّم تحقيق غيره، فلا جرم ذكروا في تفسير «كلاًّ» وجوهاً:
الأول: قال القاضي: معناه أنكم لا تستقيمون على توجيه نعمي عليكم، وإرشادي لكم، بل تكذبون بيوم الدين.
الثاني: «كَلاَّ» ردعٌ، أي: ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله تعالى، كأنه قال: وإنهم لا يرتعدون عن ذلك، بل يكذِّبون بالدين.
الثالث: قال القفال: أي: ليس الأمر كما تقولون من أنه لا بعث، ولا نشور؛ لأن ذلك يوجب أن الله - تعالى - خلق الخلق عبثاً وحاشاه من ذلك، ثم كأنه قال: إنهم لا ينتفعون بهذا البيان، بل يكذبون بالدين.
وقل الفراء: ليس كما غررت به، والمراد بالدين: الجزاء على الدين والإسلام.
وقيل: المراد من الدين: الحساب، أي: تكذِّبون بيوم الحساب.
النوع الثاني: قوله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ : يجوز أن تكون الجملة حالاً من فاعل «تكذِّبون»، والحالة هذه، ويجوز أن تكون مستأنفة أخبرهم بذلك لينزجروا والمراد بالحافظين: الرُّقباءُ من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم.
«كراماً» على الله «كاتبين» يكتبون أقوالكم وأعمالكم.
قال ابنُ الخطيب: والمعنى: التعجب من حالهم، كأنَّه - تعالى - قال: إنكم
فصل في الرد على من طعن في حضور الكرام الكاتبين
قال ابن الخطيب: من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه:
الأول: لو كان الحفظة، وصحفهم وأقلامهم معنا، ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال، وأشخاص لا نراهم، وذلك دخول في الجهالات.
والثاني: هذه الكتابة، والضبط إن كان لا لفائدةٍ فهو عبثٌ، وهو غير جائزٍ على الله تعالى، وإن كان لفائدةٍ، فلا بد وأن تكون للعبد؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - متعالٍ عن النفع والضر، وعن تطرق النسيان إليه، وغاية ذلك أنَّه حُجَّة على الناس وتشديد عليهم لإقامة الحُجَّة، ولكن هذا ضعيف؛ لأنَّ من علم أنَّ الله تعالى لا يجور، ولا يظلم، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة، والذي لا يعلم لا ينتفع بهذه الحجة، لاحتمال أنَّه تعالى أمرهم بذلك ظلماً.
الثالث: أنَّ أفعال القلوب غير مرئية، فهي من باب المغيبات، والله - تعالى - مختص بعلم الغيب، فلا تكتبوها، والآية تقتضي ذلك.
والجواب عن الأول: أنَّ البنية عندنا ليست شرطاً في قبول الحياة؛ ولأن عند سلامة الأعضاء، وحصول جميع الشرائط لا يجب الإدراك، فيجوز على الأوَّل: أن يكونوا أجراماً لطيفة، تتمزق، وتبقى حياتها ذلك، وعلى الثاني: يجوز أن يكونوا أجراماً كثيفة، ونحن لا نراهم.
وعن الثاني: أن الله - تعالى - أجرى أموره على عباده على ما يتعارفونه في الدنيا فيما بينهم؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم في إخراج كتاب، وشهود في إلزام الحجة، كما يشهد العدول عند الحاكم على القضاة.
وعن الثالث: أن ذلك مخصوص بأفعال الجوارح، فهو عام مخصوص، وفي مدح الحفظة، ووصفهم بهذه الصفات تعظيم لأمر الجزاء، وأنَّه من جلائل الأمور.
فصل في عموم الخطاب
هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلاَّ أنَّ الأمَّة أجمعت على عموم هذا الحكم في حقِّ المكلَّفين.
وقوله تعالى: ﴿لَحَافِظِينَ﴾ : جمع يحتملُ أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم، من غير أن
فصل في أن الكفَّار، هل عليهم حفظة؟.
اختلفوا في الكفَّار هل عليهم حفظة؟.
فقيل: لا؛ لأن أمرهم ظاهر وعلمهم واحد، قال تعالى: ﴿يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ﴾ [الرحمن: ٤١].
وقيل: بل عليهم حفظة لقوله تعالى: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾، وأمَّا من أوتي كتابه بشماله، ومن أوتي كتابه وراء ظهره، فأخبر أنَّ لهم كتاباً وعليهم حفظة.
فإن قيل: أي شيء يكتب الذي عن يمينه، ولا حسنة له؟.
فالجواب: أنَّ الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه، ويكون صاحبه شاهداً على ذلك، وإن لم يكتب.
فصل في معرفة الملائكة هَمَّ الإنسان
سُئِلَ سفيان: كيف تعرف الملائكة أنَّ العبد همَّ بمعصية، أو بحسنة؟ قال: إذا همَّ العبد بحسنة وجد منه ريح المسك، وإن همَّ بسيئة وجد منه ريح منتن.
فصل في أن الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم
دلت هذه الآية على أنَّ الشاهد لا يشهد إلاَّ بعد العلم، لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون، فدلَّ على أنهم يكونون عالمين بها حتى أنَّهم يكتبونها، فإذا كتبوها يكونون عالمين عند أداء الشهادة.
قال الحسن: لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم.
وقيل: يعلمون ما ظهر منكم دون ما حدثتم به أنفسكم.
«كراماً » على الله «كاتبين » يكتبون أقوالكم وأعمالكم.
قال ابنُ الخطيب١ : والمعنى : التعجب من حالهم، كأنَّه - تعالى - قال : إنكم تكذِّبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء، وملائكة الله - تعالى - موكَّلون بكم، يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره : قوله تعالى :﴿ عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٧، ١٨ ] وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ﴾ [ الأنعام : ٦١ ].
فصل في الرد على من طعن في حضور الكرام الكاتبين
قال ابن الخطيب : من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه :
الأول : لو كان الحفظة، وصحفهم وأقلامهم معنا، ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال، وأشخاص لا نراهم، وذلك دخول في الجهالات.
والثاني : هذه الكتابة، والضبط إن كان لا لفائدةٍ فهو عبثٌ، وهو غير جائزٍ على الله تعالى، وإن كان لفائدةٍ، فلا بد وأن تكون للعبد ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - متعالٍ عن النفع والضر، وعن تطرق النسيان إليه، وغاية ذلك أنَّه حُجَّة على الناس وتشديد عليهم لإقامة الحُجَّة، ولكن هذا ضعيف ؛ لأنَّ من علم أنَّ الله تعالى لا يجور، ولا يظلم، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة، والذي لا يعلم لا ينتفع بهذه الحجة، لاحتمال أنَّه تعالى أمرهم بذلك ظلماً.
الثالث : أنَّ أفعال القلوب غير مرئية، فهي من باب المغيبات، والله - تعالى - مختص بعلم الغيب، فلا تكتبوها، والآية تقتضي ذلك.
والجواب عن الأول : أنَّ البنية عندنا ليست شرطاً في قبول الحياة ؛ ولأن عند سلامة الأعضاء، وحصول جميع الشرائط لا يجب الإدراك، فيجوز على الأوَّل : أن يكونوا أجراماً لطيفة، تتمزق، وتبقى حياتها ذلك، وعلى الثاني : يجوز أن يكونوا أجراماً كثيفة، ونحن لا نراهم.
وعن الثاني : أن الله - تعالى - أجرى أموره على عباده على ما يتعارفونه في الدنيا فيما بينهم ؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم في إخراج كتاب، وشهود في إلزام الحجة، كما يشهد العدول عند الحاكم على القضاة.
وعن الثالث : أن ذلك مخصوص بأفعال الجوارح، فهو عام مخصوص، وفي مدح الحفظة، ووصفهم بهذه الصفات تعظيم لأمر الجزاء، وأنَّه من جلائل الأمور.
فصل في عموم الخطاب
هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلاَّ أنَّ الأمَّة أجمعت على عموم هذا الحكم في حقِّ المكلَّفين.
وقوله تعالى :﴿ لَحَافِظِينَ ﴾ : جمع يحتملُ أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم، من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم، ويحتمل أن يكون الموكَّل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة، كما قيل : اثنان بالليل، واثنان بالنهار، أو كما قيل : إنهم خمسة.
فصل في أن الكفَّار، هل عليهم حفظة ؟.
اختلفوا في الكفَّار هل عليهم حفظة ؟.
فقيل : لا ؛ لأن أمرهم ظاهر وعلمهم واحد، قال تعالى :﴿ يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ ﴾ [ الرحمن : ٤١ ].
وقيل : بل عليهم حفظة لقوله تعالى :﴿ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾، وأمَّا من أوتي كتابه بشماله، ومن أوتي كتابه وراء ظهره، فأخبر أنَّ لهم كتاباً وعليهم حفظة.
فإن قيل : أي شيء يكتب الذي عن يمينه، ولا حسنة له ؟.
فالجواب : أنَّ الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه، ويكون صاحبه شاهداً على ذلك، وإن لم يكتب.
فصل في معرفة الملائكة هَمَّ الإنسان
سُئِلَ سفيان : كيف تعرف الملائكة أنَّ العبد همَّ بمعصية، أو بحسنة ؟ قال : إذا همَّ العبد بحسنة وجد منه ريح المسك، وإن همَّ بسيئة وجد منه ريح منتن.
«كراماً » على الله «كاتبين » يكتبون أقوالكم وأعمالكم.
قال ابنُ الخطيب١ : والمعنى : التعجب من حالهم، كأنَّه - تعالى - قال : إنكم تكذِّبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء، وملائكة الله - تعالى - موكَّلون بكم، يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة، ونظيره : قوله تعالى :﴿ عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٧، ١٨ ] وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً ﴾ [ الأنعام : ٦١ ].
فصل في الرد على من طعن في حضور الكرام الكاتبين
قال ابن الخطيب : من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه :
الأول : لو كان الحفظة، وصحفهم وأقلامهم معنا، ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال، وأشخاص لا نراهم، وذلك دخول في الجهالات.
والثاني : هذه الكتابة، والضبط إن كان لا لفائدةٍ فهو عبثٌ، وهو غير جائزٍ على الله تعالى، وإن كان لفائدةٍ، فلا بد وأن تكون للعبد ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - متعالٍ عن النفع والضر، وعن تطرق النسيان إليه، وغاية ذلك أنَّه حُجَّة على الناس وتشديد عليهم لإقامة الحُجَّة، ولكن هذا ضعيف ؛ لأنَّ من علم أنَّ الله تعالى لا يجور، ولا يظلم، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة، والذي لا يعلم لا ينتفع بهذه الحجة، لاحتمال أنَّه تعالى أمرهم بذلك ظلماً.
الثالث : أنَّ أفعال القلوب غير مرئية، فهي من باب المغيبات، والله - تعالى - مختص بعلم الغيب، فلا تكتبوها، والآية تقتضي ذلك.
والجواب عن الأول : أنَّ البنية عندنا ليست شرطاً في قبول الحياة ؛ ولأن عند سلامة الأعضاء، وحصول جميع الشرائط لا يجب الإدراك، فيجوز على الأوَّل : أن يكونوا أجراماً لطيفة، تتمزق، وتبقى حياتها ذلك، وعلى الثاني : يجوز أن يكونوا أجراماً كثيفة، ونحن لا نراهم.
وعن الثاني : أن الله - تعالى - أجرى أموره على عباده على ما يتعارفونه في الدنيا فيما بينهم ؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم في إخراج كتاب، وشهود في إلزام الحجة، كما يشهد العدول عند الحاكم على القضاة.
وعن الثالث : أن ذلك مخصوص بأفعال الجوارح، فهو عام مخصوص، وفي مدح الحفظة، ووصفهم بهذه الصفات تعظيم لأمر الجزاء، وأنَّه من جلائل الأمور.
فصل في عموم الخطاب
هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلاَّ أنَّ الأمَّة أجمعت على عموم هذا الحكم في حقِّ المكلَّفين.
وقوله تعالى :﴿ لَحَافِظِينَ ﴾ : جمع يحتملُ أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم، من غير أن يختص واحد من الملائكة بواحد من بني آدم، ويحتمل أن يكون الموكَّل بكل واحد منهم جمعاً من الملائكة، كما قيل : اثنان بالليل، واثنان بالنهار، أو كما قيل : إنهم خمسة.
فصل في أن الكفَّار، هل عليهم حفظة ؟.
اختلفوا في الكفَّار هل عليهم حفظة ؟.
فقيل : لا ؛ لأن أمرهم ظاهر وعلمهم واحد، قال تعالى :﴿ يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ ﴾ [ الرحمن : ٤١ ].
وقيل : بل عليهم حفظة لقوله تعالى :﴿ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾، وأمَّا من أوتي كتابه بشماله، ومن أوتي كتابه وراء ظهره، فأخبر أنَّ لهم كتاباً وعليهم حفظة.
فإن قيل : أي شيء يكتب الذي عن يمينه، ولا حسنة له ؟.
فالجواب : أنَّ الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه، ويكون صاحبه شاهداً على ذلك، وإن لم يكتب.
فصل في معرفة الملائكة هَمَّ الإنسان
سُئِلَ سفيان : كيف تعرف الملائكة أنَّ العبد همَّ بمعصية، أو بحسنة ؟ قال : إذا همَّ العبد بحسنة وجد منه ريح المسك، وإن همَّ بسيئة وجد منه ريح منتن.
فصل في أن الشاهد لا يشهد إلا بعد العلم
دلت هذه الآية على أنَّ الشاهد لا يشهد إلاَّ بعد العلم، لوصف الملائكة بكونهم حافظين كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون، فدلَّ على أنهم يكونون عالمين بها حتى أنَّهم يكتبونها، فإذا كتبوها يكونون عالمين عند أداء الشهادة.
قال الحسن : لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم١.
وقيل : يعلمون ما ظهر منكم دون ما حدثتم به أنفسكم.
الأبرار: الذين بروا، وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله تعالى، واجتناب معاصيه.
فصل في ذكر أحوال العالمين
لما وصف تعالى الكرام الكاتبين لأعمال العباد، ذكر أحوال العالمين، وقسمهم قسمين، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ﴾ وهو نعيم الجنَّة، ﴿وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ﴾ وهو النَّار، وهذا تهديد عظيم للعُصاةِ، وهذا التقسيم كقوله تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير﴾ [الشورى: ٧].
قوله: ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ : يجوز فيه أن يكون حالاً من الضمير في الجار، لوقوعه خبراً، وأن يكون مستأنفاً.
وقرأ العامة: «يَصْلونهَا» مخففاً مبنياً للفاعل وتقدم مثله.
ومعنى ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدين﴾ يدخلونها يوم القيامة.
﴿وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ﴾ أي: ليسُوا غائبين عن استحقاق الكون في الجحيم، ثم عظَّم ذلك اليوم فقال: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين﴾ ثم كرره تعجيباً لشأنه، فقال: ﴿ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين﴾.
وقال ابن عباس: كلُّ ما في القرآن من قوله: «وما أدراك» فقد أدراه، وكل شيء من قوله: «وما يدريك» فقد طوي عنه.
قوله: ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ﴾.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: برفع «يومُ» على أنَّه خبر مبتدأ مضمر أي: هو يوم.
وجوز الزمخشريُّ: أن يكون بدلاً مما قبله يعني قوله: «يوم الدَِّين».
وقرأ أبو عمرو في رواية: «يومٌ» : مرفوعاً منوناً على قطعه عن الإضافة، وجعل الجملة نعتاً له، والعائد محذوف، أي: لا تملك فيه.
وقرأ الباقون: «يوم» بالفتح.
فقيل: هي فتحة إعراب، ونصبه بإضمار أعني، أو يتجاوزون، أو بإضمار اذكر، فيكون مفعولاً به، وعلى رأي الكوفيين يكون خبراً لمبتدأ مضمر، وإنَّما بني لإضافته للفعل وإن كان معرباً، كقوله تعالى: ﴿هذا يَوْمُ يَنفَعُ﴾ [المائدة: ١١٩].
قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح؛ لإضافته إلى قوله تعالى: ﴿لاَ تَمْلِكُ﴾، وما أضيف إلى غير المتمكن، فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، أو جرٍّ كما قال: [المنسرح]
قال الواحدي: والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح، إنَّما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي؛ نحو قوله: [الطويل]
٥١٢٦ - عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ...................................
البيت: أمَّا مع الفعل المستقبل، فلا يجوز البناء عندهم، ويجوز البناء في قول الكوفيين.
قال ابن الخطيب: وذكر أبو عليٍّ أنَّه منصوبٌ على الظرفية؛ لأن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفاً، فنزل على حالة الأكثرية، والدليلُ عليه إجماع القراء في قوله تعالى: ﴿مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك﴾ [الأعراف: ١٦٨]، ولا يدفع ذلك أحد، ومما يقوِّي النصب قوله تعالى:
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة يَوْمَ يَكُونُ الناس﴾ [القارعة: ٣، ٤]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٢، ١٣]، فالنصب في «يَوْمَ لا تَمْلِكُ» مثل هذا.
فصل فيمن استدل بالآية على نفي الشفاعة عن العصاة.
تمسَّكوا بهذه الآية في نفي الشفاعة للعصاة، وهو قوله تعالى: ﴿واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ [البقرة: ٤٨] وقد تقدم الجواب عنه في سورة البقرة.
قال مقاتلٌ: يعني النفس الكافرة شيئاً من المنفعة.
﴿والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ أي: لم يملِّك الله - تعالى - في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا.
ورى الثعلبي عن أبيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ قَرَأ ﴿إِذَا السمآء انفطرت﴾ أعْطَاهُ الله مِنَ الأجْرِ بعدَدِ كُلِّ قَبْرٍ حَسَنةً، وبِعددِ كُلِّ قَطْرة مَاءٍ حَسنةً، وأصْلحَ اللهُ تعالى لَهُ شَأنهُ» ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
مدنية في قول الحسن وعكرمة ومقاتل.
قال مقاتل: وهي أول سورة نزلت ب " المدينة ".
وقال ابن عباس وقتادة: مدنية إلا ثمان آيات، وهي من قوله تعالى: ﴿إن الذين أجرموا﴾ [المطففين: ٢٩] إلى آخرها مكي.
وقال الكلبي: وجابر بن زيد: نزلت بين " مكة " و" المدينة "
وقرأ العامة :«يَصْلونهَا » مخففاً مبنياً للفاعل وتقدم مثله.
ومعنى ﴿ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدين ﴾ يدخلونها يوم القيامة.
وقال ابن عباس : كلُّ ما في القرآن من قوله :«وما أدراك » فقد أدراه، وكل شيء من قوله :«وما يدريك » فقد طوي عنه١.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو١ : برفع «يومُ » على أنَّه خبر مبتدأ مضمر أي : هو يوم.
وجوز الزمخشريُّ٢ : أن يكون بدلاً مما قبله يعني قوله :«يوم الدَِّين ».
وقرأ أبو عمرو٣ في رواية :«يومٌ » : مرفوعاً منوناً على قطعه عن الإضافة، وجعل الجملة نعتاً له، والعائد محذوف، أي : لا تملك فيه.
وقرأ الباقون :«يوم » بالفتح.
فقيل : هي فتحة إعراب، ونصبه بإضمار أعني، أو يتجاوزون، أو بإضمار اذكر، فيكون مفعولاً به، وعلى رأي الكوفيين يكون خبراً لمبتدأ مضمر، وإنَّما بني لإضافته للفعل وإن كان معرباً، كقوله تعالى :﴿ هذا يَوْمُ يَنفَعُ ﴾ [ المائدة : ١١٩ ].
قال الزجاج : يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح ؛ لإضافته إلى قوله تعالى :﴿ لاَ تَمْلِكُ ﴾، وما أضيف إلى غير المتمكن، فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، أو جرٍّ كما قال :[ المنسرح ]
٥١٢٥- لَمْ يَمْنَعِ الشُّربَ غير أن نَطقتْ *** حَمامَةٌ ***. . . ٤
قال الواحدي : والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح، إنَّما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي ؛ نحو قوله :[ الطويل ]
٥١٢٦- عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ ***. . . ٥
البيت : أمَّا مع الفعل المستقبل، فلا يجوز البناء عندهم، ويجوز البناء في قول الكوفيين.
قال ابن الخطيب٦ : وذكر أبو عليٍّ أنَّه منصوبٌ على الظرفية ؛ لأن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفاً، فنزل على حالة الأكثرية، والدليلُ عليه إجماع القراء في قوله تعالى :﴿ مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك ﴾ [ الأعراف : ١٦٨ ]، ولا يدفع ذلك أحد، ومما يقوِّي النصب قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة يَوْمَ يَكُونُ الناس ﴾ [ القارعة : ٣، ٤ ]، وقوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ ﴾ [ الذاريات : ١٢، ١٣ ]، فالنصب في «يَوْمَ لا تَمْلِكُ » مثل هذا.
فصل فيمن استدل بالآية على نفي الشفاعة عن العصاة.
تمسَّكوا بهذه الآية في نفي الشفاعة للعصاة، وهو قوله تعالى :﴿ واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ﴾ [ البقرة : ٤٨ ] وقد تقدم الجواب عنه في سورة البقرة.
قال مقاتلٌ : يعني النفس الكافرة شيئاً من المنفعة٧.
﴿ والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ أي : لم يملِّك الله - تعالى - في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا.
٢ ينظر: الدر المصون ٦/٤٨٩..
٣ ينظر الكشاف ٤/٧٥٣..
٤ تقدم..
٥ تقدم..
٦ ينظر الفخر للرازي ٣١/٧٩..
٧ ينظر: القرطبي (١٩/١٦٣)..