ﰡ
﴿ تبّت يدا أبي لهب وتبّ ١ ما أغنى عنه ماله وما كسب ٢ سيصلى نارا ذات لهب ٣ وامرأته حمالة الحطب ٤ في جيدها حبل من مسد ﴾.
روي عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال : " يا صباحاه "، فاجتمعت إليه قريش. فقالوا : له : مالك ؟ قال : " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقون ؟ " قالوا : بلى. قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب : تبّا لك. ألهذا دعوتنا جميعا١، فأنزل الله عز وجل ﴿ تبّت يدا أبي لهب وتبّ ﴾تبت، من التّباب وهو الخسران والهلاك. وتبت يداه تبا أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا٢.
والمراد بيدي أبي لهب نفسه، فإنه يعبر عن النفس باليد، كقوله سبحانه :﴿ بما قدمت يداك ﴾ أي نفسك ﴿ وتبّ ﴾ أي هلك، فهي خبر، أما ﴿ تبت ﴾ الأولى فهي دعاء. أي أهلك الله أبا لهب وقد هلك. وأبو لهب اسمه عبد العزى، والعزى صنم. وذكر عن ابن عباس أنه قال : لما خلق الله عز وجل القلم، قال له : اكتب ما هو كائن. وكان فيما كتب ﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ﴾، وسئل الحسن البصري : هل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه.
وهذه الحقيقة عن كفران أبي لهب، وأنه لن يؤمن ولو مصانعة، برهان ساطع على أن القرآن حق، وأنه كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه، وأنه يأتيه الوحي من السماء. وأن أبا لهب لم يؤمن، ولو في الظاهر بلسانه أو مصانعة وعلى سبيل التكذيب لنبي الله وما أنزل إليه، ولو فعلها أبو لهب لأثار إيمانه المصطنع الريبة في قلوب الناس ؛ لكن الله يعلم أنه لن يؤمن البتة.
٢ مختار الصحاح ص ٧٤..
وامرأة أبي لهب هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. فقد كانت تحمل الحزمة من الحطب والشوك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل : كانت تمشي بالنميمة بين الناس. وقيل للمشاء بالنمائم، المفسد بين الناس : يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم العداوة، ويورث الشر والبغضاء.