تفسير سورة يوسف

آراء ابن حزم الظاهري في التفسير
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب آراء ابن حزم الظاهري في التفسير .
لمؤلفه ابن حزم . المتوفي سنة 456 هـ

قوله تعالى :﴿ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ﴾
المسألة الثالثة والثلاثون : في القراءة في الصلاة بغير العربية.
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إن أن من قرأ شيئا من القرآن في صلاته بغير العربية، أو غير شيئا من ألفاظ القرآن بتقديم كلمة عن موضعها أو تأخيرها عنه، ونحو ذلك، عامدا لذلك فهو فاسق، وصلاته باطلة.
قال ابن حزم : ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها، أو شيئا من القرآن في صلاته مترجما بغير العربية، أو بألفاظ غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى، عامدا لذلك، أو قدم كلمة أو أخرها عامدا لذلك، بطلت صلاته، وهو فاسق ؛ لأن الله تعالى قال :﴿ قرآنا عربيا ﴾ وغير العربي ليس عربيا، فليس قرآنا، وإحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى، وقد ذم الله تعالى قوما فعلوا ذلك فقال :﴿ يحرفون الكلم عن مواضعه ﴾١
ومن كان لا يحسن العربية فلذكر الله تعالى بلغته ؛ لقول الله تعالى :﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ﴾٢ ولا يحل له أن يقرأ أم القرآن، ولا شيئا من القرآن مترجما على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه ؛ لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا، فيكون مفتريا على الله تعالى. ٣ اه
١ النساء (٤٦)..
٢ البقرة (٢٨٦)..
٣ المحلى (٣/١٥٢)..
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
المسألة الرابعة والثلاثون : في أمر الله تعالى، هل هو مخلوق أم لا ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله تعالى – إلى أن أمر الله عز وجل محدث مخلوق.
قال ابن حزم : واختلف الناس في الأمر، والرحمة، والعزة.
فقال قوم : هي صفات ذات لم تزل.
وقال آخرون : لم يزل الله تعالى هو الله العزيز الحكيم بذاته، وأما الرحمة والأمر فمخلوقان.
والرجوع عند الاختلاف إنما هو إلى القرآن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى :﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ﴾١ ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول :﴿ وكان أمر الله مفعولا ﴾٢ والمفعول مخلوق بلا شك.
وقال الله عز وجل :﴿ والله غالب على أمره ﴾ وبلا شك ندري في أن المغلوب عليه مخلوق، وأنه غير الغالب عليه.
وقال تعالى :﴿ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ﴾٣ وهذا بيان جلي لا إشكال فيه على أن الأمر محدث.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحدث من أمره ما يشاء " ٤ فصح بيقين أن أمر الله تعالى محدث مخلوق.
فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل :﴿ ألا له الخلق والأمر ﴾٥ ورام بهذا إثبات أن الخلق غير الأمر فلا حجة له في هذا ؛ لأن الله عز وجل قال :﴿ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ﴾٦ فقد فرق الله تعالى في هذه الآية بين الخلق والتسوية، والتعديل والتصوير، ولا خلاف في أن كل ذلك خلق الله عز وجل، مخلوق.
وقال تعالى :﴿ خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾٧ فعطف تعالى الرزق والإماتة والإحياء على الخلق بلفظ ( ثم )، فلو كان عطف الأمر على الخلق دليلا على أن الأمر غير الخلق، لوجب ولا بد أن يكون الرزق والإماتة والإحياء والتصوير كلها غير الخلق، وغير مخلوقات. وهذا لا يقوله مسلم، فبطل استدلالهم على أن الأمر غير مخلوق لعطفه على الخلق.
وقد عطف تعالى جبريل على الملائكة، فليس العطف على الشيء مخرجا له عنه إذا قام برهان على أنه داخل فيه. وقد قام برهان النص بأن أمر الله تعالى مخلوق، وأنه قدر مقدور مفعول.
وأما إذا لم يأت برهان يدخل المعطوف في المعطوف عليه فهو غيره بلا شك، هذا حكم اللغة، وبالله تعالى التوفيق. ٨
١ النساء (٥٩)..
٢ النساء (٤٧)..
٣ الطلاق (١).
٤ ذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم عن ابن مسعود في: التوحيد، باب: (٤٢)، وأخرجه أبو داود في: الصلاة باب: رد السلام في الصلاة (٩٢١)، والنسائي في: السهو، باب: الكلام في الصلاة (١٢٢٠)، وابن حبان في صحيحه ٤/٧ (٢٢٤٠)، (١٤٤١)، وأحمد (٣٥٧٥) بإسناد حسن..
٥ الأعراف ٥٤..
٦ الإنفطار (٦-٨)..
٧ الروم (٤٠)..
٨ الفصل ٢/٣٥٢-٣٥٥) باختصار..
قوله تعالى :﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾
المسألة الخامسة والثلاثون : في إخوة يوسف عليه السلام، هل كانوا أنبياء مثل أخيهم أم لا ؟
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أن إخوة يوسف لم يكونوا أنبياء، وأن أفعالهم وارتكابهم للعظائم تشهد بذلك.
قال ابن حزم : وأما يوسف عليه السلام فرسول الله بنص القرآن. قال تعالى :﴿ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به ﴾ إلى قوله :﴿ من بعده رسولا ﴾١
وأما إخوته فأفعالهم تشهد أنهم لم يكونوا متورعين عن العظائم، فكيف أن يكونوا أنبياء ؟ ! ولكن الرسولين أباهم وأخاهم قد استغفرا لهم، وأسقطا التثريب عنهم.
وبرهان ما ذكرنا من كذب من يزعم أنهم كانوا أنبياء قول الله تعالى حاكيا عن الرسول أخيهم عليه السلام أنه قال لهم :﴿ أنتم شر مكانا ﴾ ولا يجوز البتة أن يقوله لنبي من الأنبياء، نعم، ولا لقوم صالحين ؛ إذ توقير الأنبياء فرض على جميع الناس، ولأن الصالحين ليسوا شرا مكانا، وقد عق ابن نوح أباه بأكثر مما عق به إخوة يوسف أباهم، إلا أن إخوة يوسف لم يكفروا، ولا يحل لمسلم أن يدخل في الأنبياء من لم يأت نص، ولا إجماع، أو نقل كافة بصحة نبوته، ولا فرق بين التصديق بنبوة من ليس نبيا، وبين التكذيب بنبوة من صحت نبوته منهم. ٢ اه
١ غافر (٣٤)..
٢ الفصل ٤/٢١-٢٢. باختصار..
قوله تعالى :﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
المسألة السادسة والثلاثون : في بيان مرجع ضمير الجمع في كلمة ( بهم ) من الآية الكريمة.
ذهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أن ضمير الجمع هنا يعود إلى جماعة، وهم : يوسف – عليه السلام -، وأخيه المحبوس في صواع الملك الذي وجد في وعائه وأخيه الكبير المقيم بأرض مصر منتظرا أمر الله فيه، فلما كانوا ثلاثة ناسب أن يكون الضمير جمعا.
قال ابن حزم : واحتجوا ( أي القائلون أن أقل الجمع اثنان ) بقوله تعالى حاكيا عن يعقوب عليه السلام في قوله :﴿ عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ﴾ قالوا : وإنما كان يوسف وأخاه.
هذا خطأ، بل ما كانوا إلا ثلاثة، يوسف وأخاه الذي حبس من أجل الصواع الذي وجد في رحله، والأخ الكبير الذي قال :﴿ فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا ﴾١
فلما فقد ثلاثة من بنيه تمنى رجوعهم كلهم. ٢
١ يوسف (٨٠-٨١)..
٢ الإحكام في أصول الأحكام (المجلد ١/٤١٦-٤١٧).
Icon